انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المجتمع المسلم ::. > واحــة الأســـرة المسلمــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 11-14-2007, 11:58 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

8- كيف أنجو ؟

ما العمل الآن سوف أعود للمنزل ! ؟ وسأجده هناك ينتظرني ! ويسألني عما إذا امتثلت لما أمرني به أم لا ؟
ولكني لم أستطع ذلك ... كيف له أن يفهم ؟ كيف أنجو منه ؟ ما العمل يا رب ما العمل ؟ اللهم إني أنتظر منك فرجا ومخرجا من بعد ما عانيت من الضيق والبلاء !!

عدنا إلى المنزل وفي الطريق أخذت والدته الكأس من يدي وهي تحافظ عليه كما تحافظ الأم على الوليد .. لم أعلق ولم أنطق .. كان تفكيري منصبا على هذا الزوج الذي ينتظرني في المنزل ! أوه .. تذكرت .. عضضت على فمي بقوة كدت منه أدميه .. يا ويلتي .. لقد نسيت المفتاح بالداخل .. لابد من الصدام !!
طرقت الباب بأنامل قد جمدها الخوف .. استجمعت قواي .. طرقت مرارا وأنا أشعر بالهلع العظيم !!!

أخيرا فتح الباب على مصراعيه .. رأيته أمامي .. تنحى عن الباب قليلا .. دخلنا .. نبضت خفقات قلبي بقوة أسمعت من في المشرق والمغرب !!
أغلق الباب خلفه بركلة من رجله ونظراته تحدق بي .. نقل نظراته إلى والدته التي تقف بجانبي وقال :

- أماه .. هل فعلت ما أمرتها به ؟؟

لم ترد أمه .. نظرت إلي بعيني جامدتين خائفتين ...

أضاف وهو يحرقني بنظراته موجها الحديث لأمه :
- تكلمي يا أماه .. هل فعلت أم لا ؟ بالطبع .. لا !؟ تكلموا .. لم تفعل أليس كذلك يا أمي !!؟

شعرت بثقل يكبل أجزائي وبقلبي يصارع في الخروج من مخبأه من وطأة الخوف !

قالت أمه بخوف أمام نظراته المثبتة علي :

- يا بني هدي من روعك .. إنها .. آه .. نعم نعم .. لقد فعلت !!

مشى بخطوات عريضة تجاهي .. نظر إلي بتحد عندما طال صمتي ..عرف أن والدته قد كذبت عليه ...فأمعن النظر في وجهي وكز على أسنانه بقوة جبارة ..

أما أنا فقد أدركت بأن شعوري بالأمان في هذه اللحظة قد ابتعد عني بعيدا جدا في الأفق

هزنّي بعنف وصفعني صفقة قاسية جدا أفقدتني الذاكرة لبضع دقائق .. فبدا لي وكأنه يقهقه ضاحكا من شدة القهر والغيظ .. والخيبة فيما يرجو !!

صرخ قائلا :
- لا فائدة ترجى منها في هذا المجال يا أمي .. ماذا عساي أن أصنع بها ؟ لقد أمّلت فيها خيرا كثيرا ولكن يبدو أنني كنت مخطئا ! أخبروني ماذا أفعل معها ؟ .. أقتلها ؟ .. سأصبح عما قريب إماما للأولياء والصوفية ! وزوجتي هي العدو الأول لي في مذهبي !! كيف سيصوت الجميع لي وهي بهذه الطريقة ؟ كيف ؟ كيف ؟

انفجرت باكية حينها :
- إذاَ أطلق سراحي .. والآن .. أنا لا أريدك .. لا مجال للعيش بيننا .. هيا افعل .. لا تعذبني .. لماذا تصر على بقائي معك ؟ أنا سأضرك أكثر من أن فعك كانت أنفاسه تتردد بصوت مسموع لكنه قال بهدوء : وهل تظنين بأني فاعل ؟ أرجو ألا يراودك الأمل في ذلك مطلقا ! لن أتركك أبدا مهما طال النزاع بيننا !! ثم انسحب بسرعة ودون أن يضيف شيئا آخر ...

ارتميت على الأريكة وامتلأت عيناي حسرة وحزنا على حالي ! يا إلهي أنت ملاذي وملجأي فساعدني .. ذهب الجميع .. بقيت لوحدي .. ولكن لن أقول سوى الحمد لله على كل حال !! أتت والدته بعد قليل وكانها تتشفى مما حدث .. اقتربت مني وأنا أرتجف كطائر جريح لم يجد له راعيا ومطمئنا .. وقفت قليلا ثم ابتعدت عنها وحاولت التظاهر بالتفتح والنسيان فقلت لهل :

- لا بأس كل شيء على ما يرام يا خالتي !! لا تقلقي سيعتدل الوضع قريبا .. سيعتدل

تركتها بخطوات زاحفة ... شعرت بأنها تريد أن تقول شيئا ما .. ولكني لم أفضل البقاء ! توجهت نحو غرفتي .. استلقيت على فراشي .. أخذت أفكر مليا بالوضع .. آه يا رأسي إنه يؤلمني من كثرة البكاء .. والأنين .. ما سر حقدهم المتناهي عليّ ؟ هل لأنني سنية ؟ ولكن لو كان طريقهم يؤدي إلى الجنة وإلى رضوان الله فأنا مستعدة لاتباعه .. ابتسمت متحسرة .. الحمد لله الذي نجاني مما هم فيه !!

سمعت صوتا ينادي ! لم أجب ! أشعر برغبة في الانفراد والانعزال ! نحن لا نتفق فما الذي يجبرني على البقاء ؟ يجب أن أذهب بأي طريقة ! ليس لي مكان في هذا المكان !!

سمعت الصوت مرة أخرى .. إنه صوته .. سكت ثم أجبت .. ماذا بعد ؟ ماذا يريدون بي ؟؟

نزلت إلى الطابق السفلي .. وآثار الصفعة الموجعة ما زالت تعلن عن إصرارها على البقاء على وجهي الحزين ...شعرت بوجوده دون أن أنظر إليه .. أجبته وأنا أنظر إلى أصابعي المرتعشة :

- نعم .. بم تأمرني ؟؟

نظر إلى ما تركه من أثر في وجهي .. اقترب قليلا ليتأكد منه .. ثم تنهد .. ومشى بخطواته الثقيلة إلى مكان وجود أكواب الماء وأخذ كوبا وقدمه إلي وهو ينظر بمكر دون أن يحاول إخفاء نبرة البرودة التي تشع من صوته .. ثم جاء بجالون ماء كبير وسكب في كأسي وقال آمرا :

- تفضلي بشرب هذا الماء ..

نظرت إلى الجالون في يده . عدت بذاكرتي إلى الوراء قليلا . أين شاهدته ؟
لقد رأيته في مكان ما بهذه الإشارة الحمراء .. نعم .. نعم .. تذكرت !! إنه الماء الذي تخاطفته النسوة في العزاء ! كيف أتى به إلى هنا ؟ ماذا يحدث ؟
شعرت بأنها محاولة من لامتحان ذكائي وقدرتي على الملاحظة .. لأنه وضع الجالون أمام عيني ..

حاولت التصرف برزانة .. فقلت وقد رفعت نظري إليه :

- عذرا .. لا رغبة لي في شرب الماء الآن ... لقد شربت للتو كأسين من الماء .. أعتذر عن شربه

قاطعني بحدة : ولكنك ستشربين .. أليس كذلك ؟!

دخلت أمه وإخوته في هذه اللحظة .. مسحت جبيني بالمنديل .. وهممت بالاحتجاج .. وهنا بادرني كمن قرأ أفكاري ..

- قلت ستشربين !! أم أنك ستعارضيني على ذلك أمام أهلي جميعا ؟؟

أشعر بأن هذا الماء يحوي شيئا ما لا أعرفه !! أردت الاعتذار ثانية .. وفعلت .. ولكن باعتذاري هذه المرة كان عن طريق عيني اللتين تضرعتا للجميع بأن يقنعوه بأن يتركني وشأني .. وعرفت أن لا فائدة ترجى منه أو منهم !!

شربته لم أبق فيه قطرة واحدة .. فلمعت عيناه بالانتصار العظيم وازداد انكسار قلبي وألمه .. فقال مبتهجا ضاحكا :

- صدقيني أتوقع أن تفوق النتيجة آمالنا !!

حدقت فيه ثم قلت بهدوء وأنا أمسح وجهي المعروق بظاهر يدي :

- كي تحصل على ما تريد فإنك تدوس على مشاعر الآخرين دون أن تهتم بقليل من اعتبارهم .. أليس كذلك ؟

قال بمرح دون أن ينظر إلي وهو يستدير ليعيد الماء إلى مكانه :
- نعم .. أصبت .. أصبت .. !
في اليوم التالي مباشرة علمت أن الماء الذي شربته كان لأحد أوليائهم ! لقد غسلوا فيه هذا الولي الذي حضرنا عزاءه ..! بعد موته !! أي أنه غسول ميت !! والغرض بالطبع منه أن تسري بركته في جسدي مجرى الدم فأتأثر وأصبح صوفية ...!!

سألته وقد عانيت ما عانيت من الشعور بالاستياء والظلم , وبكل لطف يخفي ما أنا فيه من لوعة ومرارة وحزن :

- ما نوع الماء الذي أسقيتنيه البارحة ؟؟

فقال شاردا , وقد أحسست من خلال شروده أنه فوجئ بمعرفتي لمصدر الماء :
- الماء ! إنه طبيعي ! أم أنك ستقولين بأنك تشكين بمصدره أيضا ؟

انهمرت أدمعي ...لماذا يكذب علي أيضا ؟ فقلت منهارة :

- ولكني علمت من مصدر موثوق طبيعة الماء ! حرام عليك .. حرام عليك ما تفعله بي ... لماذا تفعل كل ذلك بي لماذا ؟ قال جادا وبحماس :

- ماذا ؟ يجب أن تتباركي بهذا الماء .. فأنت قد شربت من غسول ولي صالح .. فمن يحصل ذلك !! عجيبا أمرك !!

دعوت الله أن يفرج همّي وأن يبقي على ما بقي من صبري وجلدي فيخرجني من بين هؤلاء القوم الظالمين ... ويعتقني من أسرهم .

يتبع ...
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 11-14-2007, 11:59 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

- زيارة الولي الصالح

وقف .. تردد برهة ثم قال مبتسما :

- ما رأيك في أن نخرج الآن إلى مكان مهم جدا ..؟؟

تسمرت في مكاني وأنا أتنهد , فسألته :
- إلى أين ؟ لا أريد الخروج كفى

هيا .. هيا .. سنذهب إلى مكان ستتعجبين مما سترين فيه وتسمعين .. قلت:
- ولكن .. الوقت متأخر .. ومن الأفضل أن .. قاطعني بسرعة :
- هيا لا مجال الآن لتضييع الوقت ...

ذهبت معه ..أخذ ينعطف بسيارته يمينا ثم يسارا .. وأنا صامتة أنتظر فرج الله , فقد أصبحت زاهدة حتى في حياتي .. وقفنا عند منزل متواضع صغير .. سألته بخوف :

- أين تذهب بي ؟‍! ألا تزال مصرا على إخفاء ذلك عني ؟ سكت وطرق الباب .. فتح الباب على يد خادمة غضبى .. دخل مسلما على الرجل الطاعن في السن وأمرني أن أتبعه .. فوجئت !!

- ألم ينتهي الهزل بعد ؟ ( خاطبت نفسي متألمة )

جلس مقابلا له .. شرح قضيتي وأنني من أهل السنة !! تبادل الرجلان النظرات الحانقة , وبدت علامات التعجب والتفاجؤ على الرجل لسماعه هذا الخبر ! امتعض كثيرا وكأنه سمع عني بأنني ارتددت عن الإسلام
أكفهر وجهه .. وتلونت ملامحه , وقال بحقد :

- ما هذا الخبر والحدث الجلل ؟ هل ما يقوله زوجك صحيح ؟ لا أصدق ! لا أصدق !

انتابني الذعر والرعب , تلفت حولي بدهشة ... لاحظ العجوز دهشتي وقال مستنكرا :

- لا .. لا يا ابنتي هذا شيء خطير جدا ! ابتعدي عن ذلك .. انتبهي إلى أن لا يجرفك تيارهم !! واستمعي إلى كلام زوجك فهو أعلم بمصلحتك ! لا أريد سماع ذلك عنك من اليوم فصاعدا !! لا حول ولا قوة إلا بالله !!

أصابني الخوف والهلع .. اعتذر الرجل المسن ليخرج من المكان .. وأنه سيأتي بعد قليل ... وعند خروجه قال الزوج واثقا من قوله :

- هل رأيت هذا الرجل ؟ إنه علام الغيوب ...!!!!

أجبته بحماس كبير يطوي تحته السخرية من كلامه :
- حقا ؟! وهل كان يعلم بمجيئنا إليه ؟ في هذا الوقت ؟

نظر إلي باستغراب وكأنه يشك في صدق نيتي .. ثم قال :
- بالتأكيد .. وسيخبرك الآن عن كل ما تفكرين به ... وستدهشين من إجابته على كل الأسئلة التي تطرح عليه !! وسترين ذلك بأم عينك !

امتلأت غيظا .. فكتمته ! وعاد الرجل المدعي وجلس في مكانه السابق وإذا بالزوج يخضع ويذل نفسه إليه .. وينحني .. وينكسر !! وإذا به يقبل يديه ورأسه .. ثم خلع قبعته وفاضت عيناه إجلالا !!!!

اقترب بعدها الزوج كثيرا من الرجل .. وأخذ يتمتمان بكلمات لم أفهمها وفجأة نظر إلي وقال :

- اجلسي لم تقفين كل هذا الوقت ؟؟

جلست .. ركزا نظرهما نحوي يا إلهي ماذا فعلت أيضا ؟ لم أعد أحتمل .. لم أستطيع المنافحة ماذا ينويان أن يفعلا بي هذه المرة ؟‍!

أمرني الزوج بانكسار أمام الولي أن أخلع حجابي .. رأيت اللهفة في عيني الرجل ليرى أي نوع من الكائنات أنا !! ولماذا تركتهم وما يدعون !!؟؟ ترددت كثيرا .. وامتنعت .. فأمرني الزوج بتلك النظرات المخيفة الكريهة ..

فإذا بالولي يبتسم ابتسامة عريضة إنه رجل مسن ! بالكاد يرى ويسمع ! وأمرني أن أجلس أمامه مباشرة فرفضت بحياء وخجل .. وهمست في أذن الزوج متوسلة :

- أرجوك لا أستطيع .. أقسم بالله العظيم أني لا أستطيع .. أرجوك إني أخاف .. ابتسم بدوره ابتسامة صفراء حاقدة :

- لا تخافي إنه ولي صالح جدا .. سيعرفك على مستقبلك .. إنه يكشف الغيب ويعلمه .. هيا تقدمي .. هيا ..

وارتجفت وشعرت بالإغماء .. رباه اصرف أذاهم عني .. رباه

قام الزوج وأمسك بيدي بقوة آلمتني .. وأجبرتني على الجلوس أمام الرجل المسن قائلا بلطف مصطنع :

- هيا تعالي .. إنه لا يخيف .. واخفضي نظرك عنه إجلالا لقدرته ومكانته ففعلت .. نظر إلي الرجل المسن وابتسم ثانية ثم قال :

- ما اسمك يا فتاة ؟؟

لم أنطق .. خشيت إن نطقت أن يسقط سقف المنزل علينا من غضب الله
فأجاب الزوج بلهفة :
- اسمها ..... أخبرنا يا ولينا العظيم عما سينكشف لك ؟!

ما زالت نظرات الرجل عالقة بي .. ثم قال :
- أنت فتاة صالحة .. ولكنك منحرفة عقائديا .. وسيحل عليك غضب الله تعالى إن لم تتركي ما أنت فيه من خزعبلات .. وأوهام .. عودي إلى الطريق السوي .. لأن الخير كل الخير في طريقتنا .. واتركي عنك كل أقوال الكافرين .. لأنهم سيزودونك كفرا وإضلالا وذنوبا .. هل فهمتي ؟!

ارتعشت .. ثم أجبته وأنا أشعر بأنني أخضع لتأثير سحر عظيم ..و غريب

- فهمت .. فهمت

ارتجفت يداي .. شعرت بذهول .. ثم .. أفقت !! ماذا يقول ذلك المعتوه !؟

أخفض نظره .. ثم أغمض عينيه وكأنه ينظر إلى شيء ما .. لا أراه !!
ثم قال :

- ستعودين اليوم إلى المنزل .. سيتراءى لك في المنام الولي الصالح الذي قد مات منذ زمن ( فلان بن فلان ) لا أحد يراه في منامه إلا قلة من الناس ! فإذا رأيتيه فأخبريه بما تريدين وسيخبرني هو فيما بعد بما داء بينكما !!

فتح عينيه المغمضتين .. ونظر إلي مجددا .. ثم قال :
- ستنجبين ولدا نجيبا .. وستكونين من أولياء الله الصالحين لأنك مترفعة في أخلاقك .. وسيخلف الله لك خيرا في دينك الزائف .. وستنضمين إلينا على الرحب والسعة !!

رباه .. رباه .. ماذا يقول هذا الرجل ؟ أريد الخروج .. أنا لا أحتمل .. وفجأة سمعت صوتا بجانبي .. انتقلت نظراتي بسرعة .. إنه الزوج يجهش بالبكاء الحار .. إنه متأثر .. منفعل جدا .. مصدق !!!!
ما به ؟؟ ثم ... سالت دمعات لا هبات من عيني وليهم !!!!!

أرجوك يا رب .. أبعدني عنهم ! رباه .. إنهم يريدون إغراقي معهم ! إنني أتهاوى .. وفجأة عكف الزوج على يدي الولي وبالغ في تقبيلها .. ثم تمسح به .. ماذا يقصد ؟ إنه يده على رأس الولي ويأمرني بوضع يدي أيضا !! أدرت وجهي .. إلا هذا !! لا أستطيع !! وأمرت مرة أخرى فرفضت ببقائي صامتة جامدة !

نظر الرجل إلي بقلق عندما طال صمتي ..
قال للزوج وقد مد يده إليه بقبعة قديمة :

- إذا اجعلها تخلع حجابها كاملا حتى تلبس هذه القبعة وتتبارك بها !

فنهض بقوة وشد عني حجابي بكيد دفين ثم ألبسني القبعة .. ودمعاتي تحرق كل جزء في وجهي المتألم ! وتناول الرجل قطعة قماش بالية وهو يشكره بذل !!

فقال الرجل يوجه إلي الحديث :
- أما هذه القطعة فضعيها تحت وسادتك وستقيك الشر وتدفع عنك الضر

قمت من مكاني أترنح من شدة البأس الذي أصابني حتى هذه اللحظة الصعيبة ! لا أحد يبالي بمشاعري ! يا رب رحماك !

سمعت الزوج في هذه الأثناء يقول والدموع الذليلة لا تزال تتدفق من حجرها :

- أتوسل إليك يا ولينا العظيم أن تخبرني عن أبي .. لقد مات منذ وقت قصير .. هل في الجنة أم في النار ؟ وهل هو في نعيم أم في جحيم ؟؟

وزاد بكاؤه وعويله .. فأطرق الولي مليا .. ثم وضع أصابعه على صدغيه وأغمض عينيه .. وافتعل حركات كأنما هو يرى أشياء أغضبته .. فتلوى وجهه وتقطب حاجباه .. ثم .. أشياء سرته .. فقال له :

- لا تحزن فأبوك في الجنة .. لقد رأيته الآن .. إنه يرتع فيها .. هنيئا لك وله .. إنه في نعيم مقيم .. لا تخف .. فأبوك بخير فاطمئن وطمئن ذويك عنه

زاد بكاء الزوج وارتفع صوته ولكن هذه المرة .. بكاء الفرح والحبور هو الذي كان له صدى في الأرجاء ..

أستغفر الله العظيم ..ماذا يفعل هؤلاء ؟ هل فقدوا صوابهم ؟ لماذا يفعلون ذلك ؟ وأمامي ؟ إن هذا الرجل المسن يدعي علم الغيب والإحاطة به !! ثم يقول إنه كشف وإلهام !! ولكن لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ! فكيف يجرؤون ؟ إنه شرك ! كيف أخبرهم ؟ كيف أقنعهم ؟ سيقتلوني إن تفوهت بكلمة واحدة

ولكن ألم يقل الله تعالى لرسوله الكريم :
( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)
إذا كان رسول الله إلى الناس وخاتم الأنبياء والمرسلين لا يعلم الغيب .. فهل يعلمه هؤلاء ؟ إنهم قوم يستكبرون !! هممت بالاحتجاج .. تراجعت .. سيؤذوني بلا شك .. أعرف ذلك
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 11-14-2007, 11:59 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

- خزعبلات العجوز

لم أحتمل هذا القول .. فقمت من مكاني غضبى إلى الداخل .. فوجدت زوجة الولي تسرح شعرها ! إنها عجوز أيضا .. سلمت عليها بريبة وتخوف .. ربما كانت ذات عقل .. أفضل من زوجها .. إنها تقبع وحيدة .. ربما هي لا توافق زوجها ولا تقتنع بصنيعه .. مثلي ! فقلت لها باسمة :

- كيف حالك يا خالة ؟ فبادرتني بالتحية , وأجلستني بجانبها وقالت :

- بحال طيبة .. أهذه أول مرة .. ( وخاطبت نفسي ) وآخر مرة إن شاء الله

قالت بدهاء :
- وما رأيك بالولي ؟ إنه علاّمة وعارف بالله .. إن له أمورا لا يصدقها البشر عندما تجلسين معه مرة ستأتين أكثر من مرة .. صدقيني .. ثم قالت :

- هل تعلمين أنه في يوم ما .. كان يحدث الناس ويعظهم .. وفجأة سكت .. فنظر إليه الجالسون وقالوا ..

- ما بك يا ولينا العظيم .. ما بك ..؟؟ قال :

- انتظروا لقد دعيت .. ويجب أن ألبي النداء ( وكان الجميع ينظرون إليه ) وفجأة تبلل كمه الأيمن بالماء !! فهاج الحضور وصاحوا وقالوا له :

- ماذا حدث يا ولينا ؟؟ وما بال كمك امتلأ بالماء ؟ فقال :

- كان هناك رجل يسبح في البحر فغرق .. فاستغاث بي فأخرجته بيدي الآن .. والحمد لله لقد نجا من موت محتم !! فقالوا وهم يكبرون عمله:

- ولكن كيف ؟ وأنت جالس معنا يا ولينا العظيم .. يا إلهي ما أعظمك !! إنك عظيم كبير قادر على كل شيء !!! يا ولينا !!

قال مزهوا بنفسه :
- هذه من الكرامات الخارقة .. فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم !!

( انتظرت مني ردا .. وأنا كالمصعوقة مما أسمع ) .. هل أصاب عقلي شيء ؟ هل أنا في كامل وعيي ؟ هل أعيش كابوسا مروعا ؟ أم أنا موجودة حقا بين هؤلاء ؟

بدأ عقلي يضعف فقلت لها بذهول :
- ولكن كيف ؟ هل يستطيع .. ؟! كيف يرسل يده إلى البحر وهو يجلس في مكانه ؟؟ كيف ؟!

نظرت إليه بتوجس .. رأيتها تضحك !! رأيت عينيها الغائرتين تنظران إلي بنظرات تعني شيئا ما !! هل أقنعوها بأن تفعل معي ذلك ؟‍! هل سلطوها علي هي أيضا ؟؟ يا رب ..يا رب .. سمعت صوت الزوج ينادي .. فخرجت أستجمع ما بقي من عقل ودين !!

ركبت السيارة .. لم أنطق ولم ينطق ..ماذا يحدث حولي ؟!! ماذا يحصل ؟
أين أنا ؟ أشعر بأن ما يدور هنا هي قصة نسجها الخيال إلى أبعد مدى !!

عدنا إلى المنزل .. وأول ما عمله الزوج هو أن وضع قطعة القماش تحت وسادتي .. وقال متوسلا :
- أرجو أن تعتقدي فيها ! فهي ستنير لك طريقك وستقتنعين فيما بعد ! أرجوك !

أومأت برأسي بالإيجاب... وتمالكت نفسي .. ما أصعب هذا الموقف .. من سينتصر ؟ ومن سيرفع راية الاستسلام البيضاء ؟ ويطأطئ رأسه خيبة وخذلانا ؟؟!!

لم يغمض لي جفن طول الليل .. تضرعت إلى الله باكية .. رجوت الله أن يثبتني .. فلو رأيت الحلم نسجه لي ذلك الرجل الأرعن .. فأخشى أن أؤمن بهم !! يا رب أنت ملجأئ .. يا رب أنت ملاذي .. يا رب وجهني إلى طريق الخير والصواب .. لقد ظهرت خيوط الصبح وأنا لم أنم !! أخشى أن أحلم .. يا رب ساعدني .. ثم .. انسدلت أجفاني تغطي عيني بدون وعي مني !!

وفي الصباح .. فتحت عيني بثقل شديد .. رأيته .. يزرع الغرفة ذهابا وإيابا .. إنه ينتظر نهوضي بفارغ الصبر .. وقفت أنظر إليه .. تذكرت !!! جاء يهرول إلي .. راجيا .. باسما

- هاه ماذا رأيت ؟ هل صدق ؟ بالطبع صدق !! أخبريني بالتفاصيل ..هيا أسرعي .. لا أطيق الانتظار .. أخبريني .. فصّلي رؤياك .. هيا ...

يا إلهي .. تذكرت ماذا يقصد .. تنهدت بعمق .. ثم ابتسمت أخيرا ابتسامة نصر وثقة واختيال وعجب .. وازدراء !!

- لا .. لا .. لا لم أحلم بما قاله وليّك ذاك !! لم أحلم ... لم أحلم .. الحمد لله الحمد لله ربي لك الحمد والشكر والثناء ... فقام من مكانه مدحورا مذموما قال باهتمام :

- ليس من المشترط أن تكون الرؤيا في الليلة الماضية .. من الممكن أن تكون الليلة أو غدا .. أو بعد غد .. أو ... قاطعته بتحدٍ :

- ولكن هذا الرجل أكّد لي بأنها ستكون الليلة الماضية .. فلا مجال إذا .. آه يا رب لك الحمد

خرج من الغرفة غاضباْ .. وسمعته يتمتم بكلمات ساخطة .. فضحكت في قرارة نفسي على خذلانهم

يتبع ....


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 11-15-2007, 12:01 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

11- القطب الغوث

بعد يومين ذهبوا بي عند أعظمهم بلاءاً .. وأكثرهم شهرة .. ووقفوا بي الساعات الطوال ينتظرون الأذن بالدخول ! سبحان الله ! ألهذا الحد يمنع دخول أي شخص إليه ؟! هل هو إله مقدس ؟ هل يختلف تكوينا عن البشر ؟

طال الانتظار وهم ينظرون إليّ بين اللحظة والأخرى .. إنهم ينتظرون اهتماما مني أو سؤالا !! ترددت كثيرا في طرح السؤال أو إبداء الاهتمام والقلق يساورني .. ترى أي نوع من الناس يكون هذا أيضا ؟؟

أخيراً .. فتح الباب الكبير على مصراعيه !! ارتجفوا !! فتح كبير ونصر بالدخول إليه أكبر !! تسارعت خطاهم ! أي مغفرة ستقع لهم ؟ أي رضى عنهم بفتح الباب والسماح بالدخول إليه ؟ ( تساءلت باستهتار في نفسي ) !! تقدمني الجميع وأنا أنظر في دهشة ! ثم عادوا يمسكون بي وقالوا :

- أنت ولية من أولياء الله الصالحين ! لقد فتح الباب بسببك !! كم حاولنا الدخول ولكنه لم يسمح لنا ولم يسمع لرجائنا !!

دخلت بخطوات مترددة .. البيت مظلم , ساكن , لا حراك فيه مطلقا ..ولا أصوات تبدد وحشة المكان .. بدأت المخاوف تنتابني شيئا فشيئا !!

وعندما فتح الباب الداخلي .. ركضوا .. فتتبعتهم بتردد وتخوف شديد .. ما نوع الكائن الموجود بالداخل ؟ ! وفجأة .. رأيته !! شخص قرب موته كثيراً لا حراك !! ينام على سرير وكأنه جثة هامدة ! هو لا يتكلم ! لا يتحرك ! لا ينظر ! لا يعلم من دخل إليه ومن خرج ؟! لا يفقه شيئا .. إنه شبه ميت ..

توجهت أنظر فيمن معي .. أي عقول معتوهة يحملون ؟ تهافتوا عليه كالمصروعين !! ما هذا ؟ إنهم يلمسونه ! يتباركون به ! أوه حتى النساء يلمسنه ! يقبلن يديه ورأسه ووجهه !!! يمسحون على وجهه الهرم ! رباه .. إنهم يبكون ! بل ينتحبون ! علا بكاؤهم ودوت صيحاتهم !! إنهم يلهجون بالدعاء ! لمن !! له !! يتوسلون !!

أما أنا فقد وقفت وحدي ... هائمة على وجهي ! ماذا حدث ؟ لم كل هذا التبجيل والتعظيم ؟ إنه بشر مثلنا ! بل هو أشلاء إنسان

وفيما أخذ التفكير مني والتأمل وقتا طويلا .. غذ بالزوج يقول من بين أدمعه وشهيقه :

- هيا تعالي والمسيه .. فرصتك الذهبية ! لا يحصل عليها أي كان ! انظري على وجهه .. ونور الصوفية الظاهر عليه .. يا إلهي لو تعلمين ماذا كسبنا وماذا جنينا ؟؟

فخاطبت نفسي بتشكك :

- هل كسبوا الجنة مثلا ؟! ربما !! لسان حالهم يجزم بذلك ..

بقيت جامدة في مكاني .. كيف لي أن أمسك برجل ؟ حتى وإن كان الموت يتهافت لخطفه !! لا ... لن أسمح لنفسي بذلك ! فأنا أخاف من الله .. كفاني إلى هذا الحد ... كفاني ..

ثم أكرهوني .. وأجبروني بغضب وأحرجوني .. فتوقفت أمام هذه البقايا الهامدة أخاطبها :

- بم تشعرين ؟؟ هل أنت على حق ؟؟ أم أنك خارجة عن جادة الطريق القويم ؟؟!!

أمسك الزوج بيدي وهو غارق في البكاء :

- هيا سارعي بالإمساك به , بيديه قبليهما .. قبلي رأسه .. أمسكي بجسده والمسي وجهه !! انظري بربك إلى هذا النور والإيمان .. أنظري !!

نظرت إليهم وقد عكفوا على أقدامه أذلاء صاغرين ! ماذا جرى لهم ؟ قام الزوج بأمري مرة أخرى .. فقمت بحركة آلية لا شعورية .. ثم بحركة متعمدة .. وسترت يدي بإدخالها في ثنايا العباءة .. وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر .. ثم ..تصنعت تقبيلها حتى لا يفعلوا بي ما ينوون فعله أكثر من ذلك ..

تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فجفت ! وقبض على يديه بقوة كادتا منها أن تتهشم ! انتفض جسده رغبة في الانتقام مني ! رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !

يا إلهي ما الخطأ الجديد الذي ارتكبته !؟ أهو الستر أيضاً؟؟ رباه ما العمل ؟ ما العمل ؟ عدنا إلى المنزل وما إن دخلنا من عتبة الباب حتى انفجر كالبركان قائلا والكل يؤيده :

- والآن .. لم فعلت ما فعلته أيتها ال ... ؟ هل تتحدينني ؟؟

فقلت بهدوء وذهول يطويان الخوف والهلع منه :

- وماذا ؟ .. وماذا فعلت ؟ أنا لم أفهم ؟!

قال حانقا منفجراً :

- لِمَ لَمْ تتركي يديك تلامس يديه الطاهرتين ؟ يديه الشريفتين ؟ - لِمَ لَمَ ؟ أجيبي !! ثم قال مردفا قبل أن أجيب :

- نعم لو كان أباك أو خالك أو عمك أو أنا .. لما توانيتي مطلقاً عن تقبيل أيدينا !! صح ؟ ولكن هذا الولي الصالح الغوث القطب تضعين بينك وبينه حجاب !! سبحان الله !!

وبحركة لا شعورية استدرت نحوه قائلة :

- أي غوث وقطب تعني ؟؟!!

رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء .. ثم قال بعد صمت ثقيل وبلهجة متلعثمة :

- أقصد أن الله عندما يريد إنزال أمرٍ ما بالعباد من غضب أو حكم يُظلم به الناس .. فإن الغوث يغيث هؤلاء العباد ويخفف عنهم الحكم ويُعدّ له . ثم ينزله إلينا .. أو أنه يلطّف بقدرته من قسوة وقوة حكم الله علينا .. أفيكون هذا جزاؤه ؟؟!!

آه ماذا يقول هذا الأرعن ؟؟ رباه ..ما للموازين اختلفت ؟ قلت بلهجةٍ متهدجة :

- ولكن الله هو المتحكم بالكون ولا سلطة لأحدٍ سواه عليه ؟؟

سيطر عليه الارتباك .. ثم قال :

- تباً لكم من وهابية !! إن القطب هو أكمل إنسان .. وهو نظر الله في الأرض .. وفي كل زمان .. عليه تدور أحوال الخلق .. ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته ... أفهمتي ؟؟

قاطعته باعتراض :

- ولكن إن هذه معتقدات كالأساطير الخرافية .. أقصد ..

صرخت أمه في وجهي غاضبة :

- الويل لك !! ماذا تقولين ؟؟ إنك حمقاء !!

دق قلبي بشدة .. فقلت أستحث الكلمات على الخروج :

- ولكن هذه الصفات .. تنزع إلى تجريد الله من الربوبية و الإلهية

قال مدافعاً وبلهجة حادة :

- ألا تعلمين أيتها العنيدة بأن مما أكرم الله به هذا القطب أنه علّمه ما قبل وجود الكون .. وما وراءه وما لا نهاية له ؟! وألا تعلمين أنه علّمه وخصصه بأسرار الإحاطة بالغيب ؟ وأنه مكّنه من إدارة الوجود بيده كيفما شاء ؟

قلت بمرارة وتألم :

- كفى .. كفى .. كفى أرجوكم .. لا أريد سماع المزيد .. لا أريد ..

صرخ بأعلى صوته في وجهي :

- بل يجب أن تعلمي كل شيء .. فأنت تعيشين في وهم مع هؤلاء الجهلة الضلالين ..

تقدم أحد إخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا مشاعري فقال :

- حسناً لا تتعجلي الأمور ... أنا سأثبت لك .. ألا تعلمين أن في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه القطب الأكبر بما يشاء ويصرف أقدار الوجود ؟!

التفت إليه متعجبة .. فسألته بهدوء :

- أي ديوان تعني ؟ وأي أقدار هذه التي تخضع لقدرة غير الله ؟! إن هذا غير صحيح ولا يمكن أن ... قاطعني بهدوء أكثر :

- استمعي إلي ..عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها الأقطاب أقدار الله دون أن تستطيع أية قدرة إلهية نسخ حكم لها .. فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ومن يحضره ؟

صرخت بقلبٍ قد ملأه الوجل .. فهمت إلى أين يريدون الوصول بي .. نظرت إليه بتخوف .. انقبض قلبي .. وهن عقلي .. هل أعيش في واقعي ؟ لا أصدق .. ساد صمت قاتل فيه انتظار حارق لإجابتي على السؤال المطروح .. أصبحت لا أميز شيئا... ليطل انتظارهم .. ارتجفت .. هممت بالدفاع عن نفسي والاحتجاج على ما يتفوهون به .. تصورت ما سيفعلونه بي إن نطقت بخلاف ما يعتقدون .. تحديتهم ووافقت على مجاراتهم فقلت بانقباض :

- لا .. ولا أريد أن ...

تدخل الزوج في هذه اللحظة وأجاب بحماس ظاهر :

- إن الديوان في غار حراء ! ويحضره النساء .. وبعض الأموات .. فالأمواتحاضرون في الديوان ينزلون من البرزخ يطيرون طيرانا بطيران الروح وتحضره الملائكة والجن ...

أكملت أمه بفرح ..

- ليس هذا فحسب .. ففي بعض الأحيان يحضره النبي .. وكل ذلك يكون في الساعة التي ولد فيها النبي من كل عام .. أما الأنبياء فيحضرونه في ليلة واحدة هي ليلة القدر .. وتحضره كذلك أزواج النبي الطاهرات ..

ابتسمت .. فظن الجميع بأني آمن أخيراً وأيقنت .. نظروا إلى بعضهم .. توقفوا عن الكلام .. انفرجت أساريرهم .. فقلت أخاطب الجميع :

- حقاً ؟؟ هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟؟

- أجل .. أجل .. ألم نقل لكِ بأنك ستقتنعين ؟؟

استبشر الجميع ..أخيراً !!! فقلت بعد أن أخفيت تلك الابتسامة عن الوجود :

- وهل كانت أزواج النبي الطاهرات تحضرن هكذا في وسط الرجال ؟! أي هراء هذا ؟؟

أطبق الصمت .. حملقوا فيّ بنيران نظراتهم .. ولكني لم أعد أحتمل .. دعوني وشأني .. دعوني ..

وقف الزوج هائجاً يصول ويجول .. يريد الإمساك بي .. وإخفائي عن الدنيا .. فأمسك به أخوه بسرعة .. وفهمت على الفور بأنني ارتكبت في نظرهم خطأً جسيماً في سخريتي من حديثهم .. لا بأس .. إلى متى هذا الخوف ؟ إلى متى هذا التراجع ؟

بادرت بالاعتذار فورا تخفيفا من وطأة الغضب الجامح :

- أنا آسفة .. لم أقصد إغضابك .. ولكنك فتحت باب النقاش .. أعتذر مرة أخرى .. أعتذر .. لم أنتظر المزيد من الجدل .. انطلقت بسرعة .. أخذت أصعد السلم .. لا مكان لي هنا .. يجب أن أرحل .....

يتبع ....
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 11-15-2007, 12:01 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

- الحلف والاستغاثة

مضت أيام وقلائل بعد النقاش والصراع .. خفّت حدة التوتر قليلا .. ذهبنا جميعا إلى البحر في وقت الفجر .. آخ ما أجمله !! كانت النجوم ما تزال تلمع في كبد السماء .. وأشعة الشمس .. لقد بدأت بالظهور شيئا فشيئا ..

دخل الزوج مع إخوته إلى البحر .. يتلاعبون .. يتمازحون .. تذكرت إخوتي ! كم أشتاق إليهم ..ناداني الجميع لأشاركهم المرح واللعب في البحر .. اعتذرت وعللت بقائي برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليلا . ولكن الرفض كان سببه أني لا أريد كسر طوق الجليد مع إخوته ! فكيف أوافق على اللعب معهم إذا ؟؟!!

بقيت مع والدته .. استرقت النظر إليها .. إنها تتأمل أبناءها .. تذكرت أمي .. إخوتي .. أبي .. تنهدت بعمق .. مسحت دمعة حزينة كادت أن تفتح بابا لأنهار الدمع بداخلي .. آه .. عائلتي تعتقد بأن السعادة ترفرف على أرجاء حياتي ! إنها لا تعلم بمعاناتي ؟

حدقت في البحر .. في الزرقة الممتدة أمامي بلا نهاية .. آه .. أشتاق كثيرا لسماع صوت أمي .. لمداعبات أبي وإخوتي .. آه أفقت من أحلامي الجميلة عندما تحركت والدة الزوج ونظرت إلي !! تحركت بحذر .. ثم قلت بابتهاج مصطنع :

- خالتي هل تريدين أن أعد لك بعض الطعام ؟

- لا .. لا أشعر بالجوع الآن .. شكرا لك .. فقط أريد كوبا من الشاي .. فالطقس يساعد على الانشراح .. ابتسمت بصدق .. وأحضرت لها كوب الشاي لتشربه .. إنها تفضله دائما من صنع يدي .. ناولتها الكوب .. حذرتها من إمكان وقوعه .. فالأرض غير مستوية

عبرت عن امتنانها لي بابتسامة مسرورة .. وقامت بوضعه أمامها .. أمّا أنا فعدت ثانية لتأمل ظهور قرص الشمس كاملا...

تحركت الأم وهي تحدق في أبنائها مسرورة .. فانسكب الشاي على قدمها وأحرقها .. فتمتمت قائلة بغضب وهي تحدث نفسها :

- ( يا فلان بن فلان ) .. تتوسل بأحد الأموات وتستنجد به .

استولى الاستياء علي .. فأدرت ظهري للبحر وقابلتها مباشرة .. ثم قلت لها بلطف :

- خالتي .. ماذا تقصدين ( بفلان بن فلان ) ولم هو بالذات ؟؟!!

نظرت إلي باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال .. ثم قالت بعد صمت وتلعثم :

- إنه... إنه أحد أولياء الله الصالحين المقربين إلى الله .. آه لقد مات منذ زمن بعيد .. نستنجد به ونتوسل إليه .. وهذا أمر واجب ومفروض يا ابنتي .. واجب ديني يجب علينا وعليك أيضا عمله !!

حدقت بها .. شككت في صحة معلوماتها فقلت :
- ولكنك كما قلت مات ! فماذا تطلبين من ميت أو ترجين منه يا خالتي !؟

شعرت بأنها تأخذ نفسا عميقا .. ضمت يديها وقالت بتعجرف :

- ولكن روحه تخرج إلينا .. وتساعدنا وتجيب ملهوفنا .. لذلك نطلب منه ومن غيره من أولياء الله ما نريد !

- تطلبون منه ما تريدون ؟! مثل ماذا ؟!

- مثل .. مثل .. الرزق .. الأولاد .. الزواج .. النجاح .. الشفاء من الأمراض والأوجاع

حبست أنفاسي في مكان ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوة وعنف ..هناك صوت صغير بداخلي قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ولا يهمني سماعها .

ألا يجب أن تكون أكثر عقلانية في مثل هذه السن ؟ قلت بقلق :

- خالتي الحبيبة فكري معي قليلا .. أرجوك .. حسنا لنتبادل وجهات النظر ونؤيد أصحها .. ألا ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب يعد منكرا لنفوسنا ؟ لا نرتضيه لأنفسنا !! ثم إنه لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من الصحابة أو التابعين .. فكيف نفعله نحن ؟

قاطعتني بجدية وهي تؤمن بك كلمة تقولها :
- أووووه .. ماذا تقولين ؟ ما هذا الهراء ؟ إننا قد تعودنا أن نستغيث بهم إذا نزلت بنا ترة أو عرضت لنا حاجة ! إني أقول لميت من الأولياء ( يا سيدي فلان بن فلان ) أنا في حسبك أو اقض لنا حاجتنا .. وسرعان ما يقضيها

تجهم وجهي على الفور فقلت بغيظ كظيم :
- ولكن أحدا من الصحابة لم يستغث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وهو نبي ولا بأحد من الأنبياء أو بغيرهم .. والاستغاثة بغير الله عز وجل محرمة

فقدت أعصابها عند سماع كلماتي .. فلم تجد بدا من الإدلاء بدليل تحاول به تشويه الواقع :
- لن أقتنع .. هلآ علمتي بأن أحد الصوفية العظماء كان قد دعا الله ست سنوات يرزقه الولد .. فلم يرزق !! فذهب إلى ولي صالح .. فما أن استغاث به وطلب منه الولد حتى رزق بطفلين توأمين !!

حملقت فيها بعيني .. شعرت بأن لمعات البرق تكاد أن تمزق السماء ! شحب وجهي .. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!

وبحركة لا شعورية .. تابعت قولها وهي ترتعد غضبا مني .. وأنفاسها تتمزق ..

- ألا تصدقين ؟ حسنا بجاه فلان بن فلان .. وبحق النبي .. أن هذا ما حدث له !! ولكن ما أدراك أنت ! إن تربيتك الدينية كانت غير سليمة أعانك الله عليها يا بني !!!

امتقع وجهي فأصبح كالغمام .. طالت فترة الصمت .. وساد صمت آخر . إنها تحلف !! بمن؟ أيضا بغير الله !!

- خالتي... خالتي نحن نتجاذب أطراف الحديث !! يجب أن تقنع إحدانا الأخرى .. كيف .. كيف تدعين وتستغيثين بغير الله ؟! خالتي إنك تفتقرين إلى غير الله .. ألا تعلمين أن في ذلك إذلال للنفس وظلم لها ؟ ثم .. ثم ... إنك تحلفين أيضا بغير الله .. خالتي ..

رفعت حاجبها باستغراب بسرعة .. ترددت قليلا قبل أن تجيب :

- كوني على ثقة ويقين بأنك عندما تطلبين اليمين بالله من نحن الصوفيون فإننا نعطيك ما تريدين صدقا أو كذبا .. بينما .. عندما تطلبين منا اليمين بالشيخ أو الولي أو صاحب القبر فإننا نصدق معك ولا نجرؤ على الكذب أبدا .. وذلك لعظمتهم وجلالة قدرهم !!!!

تملكتني موجة من الغضب والانفعال اللاإرادي .. فهتفت وأنا أقف وأجمع حاجياتي رغبة في الهروب منها ..

- ولكن هذا لا يجوز !! حرام أن تسألي بمخلوق يا خالتي !! عودي إلى رشدك يا خالتي .. افهميني أرجوك ! ألم تسمعي قوله تعالى ( ادعوني أستجب لكم ) .. , ألم تستمعي إلى قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( من حلف بغير الله فقد أشرك )

لم ترد .. لم تتحدث ! فضلت السكوت للحظات .. لقد بلغ الصمت حدا يثير الأعصاب !! لا طيور تزقزق ! ولا أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف حتى صوت البحر بدا مكتوما !!

قلت لها قبل أن أفترق عنها بلطف :
- خالتي .. لقد شاهدت قبل قليل ولادة لنهار جديد .. وأعتقد أنه باستطاعته المرء أن يولد مرة أخرى .. إذا فتح صفحة جديدة .. ناسيا كل الأمور والأحداث الماضية ..

خففت لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها .. فنقلت نظرها إلى البحر خلفي .. واعتقدت أنها تتأمله !!!

قالت بدون أن تنظر إلي .. وقد ركزت نظرها خلفي :

- إنها فكرة جيدة لم تخطر ببالي يوما !! ولكن .. لا تظني بأنها ممكنة !!

شعرت بخيبة أمل عنيفة .. تنهدت بأسى من الأعماق .. وبحركة لا شعورية التفت إلى الوراء .. خلفي .. حيث كانت نظراتها مسلطة .. وإذا بي أجده ورائي .. وقد بدت عليه إمارات الغضب الشديد !!

نعم ( لقد كانت والدته تنظر إليه هو ولم تكن تتأمل البحر )

اكتفيت بالنظر إليه وقد اتسعت عيناي تعجبا وتحجر قلبي تخوفا .. فلم أجد الكلمات المناسبة للدفاع

فضلت الصمت ! منذ متى وهو يقف خلفي ؟ شعرت بالوهن الشديد أمام نظراته التي كانت تنم عن حقد دفين وقهر شديد

يتبع ...
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 11-15-2007, 12:02 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

( 13 ) العودة المفاجئة من الرحلة !

وقف ساكناً وقد اختفت من وجهه كل آثار السرور السابقة .. تقارب حاجباه وهو يتقدم نحوي غاضباً .. لقد سمع الحديث بأكمله !! أما الآن .. فأنا في نظره أستحق القتل والصلـب والسحـق !!

رفع يده بقوة وهوى بها على وجهي بقوة أشد .. فقدتُ القدرة على الصمود والتحمل أمام غضبه الجامح !! .. استجمعتُ كل قواي لأتمكن من الثبات واقفة على الأرض .. فأخفقت !! وقعت أرضاً .. جثوت على ركبتي أستجمع ما بقي من قوتي .. ثم أجهشت ببكـاء مرير يتبعه أنين مؤلم .. لاقيت صعوبة في إدراك ما يدور حولي من شدة الألم ..

انسحب بدون أن ينطق بكلمة واحدة .. الجميع ينظر إلي !! .. هل تجسّد نظراتهم الشفقة أم التشفّي ؟ .. أم تُراها تصوّر انتصاراً لمذهبهم ودحراً لسنتي ؟!!!!

أمر الجميع بجمع الأمتعة وأعلن لهم عن قطع رحلتهم الممتعة والإسراع الفوري بالاستعداد للعودة ! .. فأطاعوه !! .. عاد إلي مرة أخرى .. أمرني بالوقوف .. فشلت .. ثم وقفتُ أترنح !! ..
أمسـك بيدي بكل قوته وشدّني نحو إحدى الغرف القريبة من البحـر ..
حبس الجميع أنفاسهم .. وسرت قشعريرة مريرة في جسدي ! .. اعتراني توتر يحمل تحذيراً خافتاً .. كنت أعلم أنه يجب علي أن أمتثل له .. ولكني لم أشأ ذلك !!!

أمرني بالجلوس .. فجلست فوق إحدى المقاعـد .. وضعت يدي على ركبتي كطفلة دون أن أنبس بكلمة ! .. فأخذ هو يزرع الغرفة ذهاباً وإياباً .. لقد ثار علي وتصرّف معي تصرفاً مجرداً من الإنسانية والرحمة !! .. ولكني واثقة من أن ذلك لن يغيّر شيئاً من موقفي ! .. فخططهم واضحة .. ومفهومة .. إنهم يحاولون بكل الطرق معاقبتي على تمسكي بسنتي !

لم يجرؤ على الحديث معي مع أنه احترق لمعرفة ما يجول في ذهني من أفكار تجاهه !

نظر إلي بقلق عندما طال صمتي .. وبنوع من الارتباك صرخ قائلاً وأنا أرتجف من حدة صوته :
ـ والله لأعملنّ على تغيير هذه الأفكار الضالة التافهة ! وأردّك إلى صوابك !! ..
ضبطتُ نفسي وقلت بشكل حازم دون أن أنظر إليه :
ـ ولكنها ليست بالأفكار التافهة .. وأنت تعلم ذلك جيداً .. إنها الحقائق التي لا يريد أحد سماعها ..

هزّني بعنف قائلاً :

ـ أولاً من الأدب أن تنظري إلي عندما أوجه إليكِ الحديث !!
ثانياً : أي حقائق هذه التي تتشدقين بها ؟ .. هل تقصدين حقائق العته والضلال ؟ حقائق الجنون ؟ ..
أرجوك .. كفى .. إلى متى سنظل مختلفين في هذه الأمور ؟!!!!! .. أرجوكِ هلاّ أسديتي إلي معروفاً ؟ هلاّ ………..

قاطعته بحزن وتوسل وقد أصابني ما أصابني من الهذيان واليأس :

ـ بل أرجوك أنت أن تسدي إلي معروفاً .. أرجوك .. ابق بعيداً عني أنت وأهلك !
نحن لا نتفق إطلاقاً اتركني .. وما دمنا نختلف دوماً كما تقول .. فلماذا لا تتركني أذهب من حيث أتيت ؟!
لماذا تحتفظ بحطامي ؟! .. لماذا ونحن متناقضان في كل شيء ؟! .. لماذا ؟ .. لا أريد البقاء معك أرجوك .. لقد تعبت .. تعبت .. تعبت .. ثم وضعتُ رأسي بين يدي .. أجمع دمعاتي الملتهبة ..

ربـاه .. ربـاه .. لم أعد أستطيع أن أقاوم .. أريد الخلاص .. أصابني اليأس والهلاك يا الله .. ارحمني يا رب ..

سيطر عليه الارتباك فقال :

ـ إنكِ .. إنك تحاولين اختلاق الأعذار من أجل تبرير تصرفاتك .. لا داعي لتحميلي مسئولية تهورك وعنادك الآن .. أنا لا أسيء إليك ولا أريد إيذاءك .. أنت السبب .. إنك لا تؤمنين مطلقاً بما أقوله لك ولا تصدقين ؟! .. أخاف أن تكوني من الهالكين ؟!!!!!

أغمضت عيني .. تذكرت قول الله تعالى ( ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار * تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار * فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد )

خاطبت نفسي وأنا أراهم يتهامسون .. ستظلّون يا ضحايا الصوفية عُمي البصائر والقلوب .. مختوماً على سمعكم فلا تسمعون من أحد كلمة حق تجادل باطلاً صوفياً !!!!

عدنا إلى المنزل المشؤوم .. جلست على الأريكة .. أفكر في حياتي .. في مصيري .. يا رب .. إن مع العسر يسرا .. وقفت أتهاوى .. مشيت بخطىً وئيدة نحو المرآة .. نظرت إلى نفسي فيها .. لا أكاد أصدق عيني !! لقد طرأ تغيير كبير علي !! ..
ارتميت على الفراش .. أخذت أنفاسي تنتظم .. ومشاعري تهدأ .. وقلبي يسكن .. ثـم ..
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 11-15-2007, 04:30 AM
أم معاذ أم معاذ غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

لاحول ولاقوة الا بالله

الله المستعان واليه المشتكى
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 11-15-2007, 11:24 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

14 ) مراسم المولد النبوي الشريف


طُرق البـاب .. استدرت نحوه بعينين أثقلهما النوم .. قلت بإعياء :

ـ من الطـارق ؟!

سمعت صوت أخت الزوج تستأذن بالدخول .. نظرتُ إلى الحائط .. الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً ..
ساعتان مضتا منذ أن عدنا من البحر .. حلّقت أفكاري حول ما حدث اليوم ..

طرق الباب مرة أخرى .. أووه تذكرت !! وثبتُ واقفة وأدرت مفتاح الباب وقلت لها بإرهاق :
ـ تفضلي .. عذراً .. كنت نائمة ..

قالت بصوت ينم عن بهجتها الخفية :
ـ هل .. هل ستذهبين معنا اليوم ؟!!

ترددت برهة ثم ابتسمت وأنا أسألها بفضول :
ـ إلى أين ؟ هل سنتنزه قليلاً مثلاً ؟ أشعر بالضجر !

قالت بمكـر :
ـ لا أعلم .. لا أعلم .. ألم .. ألم يخبرك زوجك عن ذهابنا اليوم ؟

أحسست بانقباض في صدري لا أعرف له سبباً :
ـ لا يا عزيزتي .. حتى الآن لم يخبرني أحد إلى أين سنذهب ! ألا تعلمين !!!!!

بعد تردد أجابـت :
ـ لا أعلم .. أقصد .. حسناً أراكِ فيما بعد .. سوف .. حسناً أعتقد أن والدتي تناديني .. بالإذن .. !!!!

ما بها ؟ .. لم هي مرتبكة ؟ .. لا يهم أشعر برغبة في الاستلقاء وأخذ قسط من الراحة بعد القراءة .. قرأت قليلاً .. ثم أعدت وضع كتبي في الدرج الخاص بي .. وفيما أنا أفعل .. دخل الزوج :

ـ ماذا تفعلين ؟! ألم تنامي بعد ؟!
ـ سأفعل .. فضلت قراءة بعض الكتب .. سآخذ قسطاً من الراحة الآن ..

ـ قراءة بعض الكتب ؟! .. أي كتب تقصدين ؟!!
نهض من مكانه وشعرت بأنه يفضل الإطلاع على الكتب بنفسه .. لم أمانع .. من حقه أن يراها !

فتح الدرج .. أخرج الكتب .. امتقع وجهه وهو يقرأ العناوين بصوت خافت :
ـ الكلم الطيب لابن تيمية .. الأذكار للنووي .. جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم .. الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض .. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية .. رسالة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في حكم الاحتفال بالمولد ……

صاح بي قائلاً وصدره يتأجّج غضباً :
ـ من أين جاءت هذه الكتب ؟!!

ـ جئت بها من منزل عائلتي .. ما بك ؟!!!!

اعترض على وجودها معي بإصرار :
ـ كان يجدر بك استشارتي في قراءة هذه الكتب السخيفة !!

ألقى نظرة إلى الكتب مرة أخرى وأضاف حانقاً وهو يلقي بها أرضا :
ـ كان بإمكاني أن أختار لك الكتب التي يجب عليك قراءتها والتدبر فيها ….. !!

إنه يتضايق كثيراً عندما أبدي اهتماماً بالغاً بالكتب والمطالعة !!!!!!

كرر حديثه مرة أخرى وقال بإصرار :
ـ لا أريد أن أرى هذه الكتب في الحجرة ولا في البيت بأكمله ! .. أنا سآتي لك بالكتب التي أرغب في قراءتك لها !

ابتسمتُ لهذه الفكرة وأجبت :
ـ ولكن لا أظن بأننا نفضل نوعية الكتب نفسها .. أليس كذلك ؟!

لم يجد أي تعليق يضيفه على كلامي سوى :
ـ لن تقرأي هذه الكتب مرة أخرى .. هذا أمر .. لا أريد تكرار الكـلام .. تخلّصي منها بأسرع وقت .. فهذه الكتب هي التي تغسل أفكارك .. وتحجّـر معتقداتك !!!

آه .. لا مجال للمناقشة .. لا أريد الدخول في حلقة مفرغة جديدة .. لن أنازعه .. قلت باستسلام :
ـ حسناً .. لك ما تريد .. سأحرقها إن أردت !!!
رأيت ومضياً راقصاً في عينيه !!

استيقظتُ على صوت آذان العصر .. ما زالت الكتب في مكانها !! .. أخذتها بسرعة .. خبأتها تحت السرير .. في مكان لن يراها فيه !
أيقظته .. قام كالملدوغ وهو ينظر إلى الساعة !! .. ما باله ؟! .. هل خاف أن تفوته صلاة العصر في المسجد ؟! .. مستحيل !!!!!! .. لم أسأله …

قال لي وعيناه ما تزالان مغمضتين :
ـ هيا بسرعة .. استعدي سنذهب بعد نصف ساعة .. لا تعتذري عن الذهاب .. لا أريد اعتراضات ! .. بسرعة سأذهب إلى أمي لأستحثها على الاستعداد بسرعة .. أمامـك متسع من الوقت .. تزيني بأفضل الملابس !!!! .. ثم .. خرج ..
ماذا يقصـد ؟ .. لم يخبرني أحد بأن هناك وليمة أو حفلة زفاف !!!

عــــاد ..

ـ هل أنت جاهزة ؟
ـ تقريباً ! .. ولكن أريد أن أصلي العصر أولاً .. انتظر ..

قال وكأنه قد تذكر شيئاً مهماً …
ـ آه ….. نسيت أن أصلي !! هيا سأصلي أمامك .. تراجعي إلى الخلف ..
قلت في نفسي : ( أين الصلاة في المسجد ؟ لماذا لا تلبّي داعي الله إلى المسجد .. واحسرتاه !!!! ) .

التفت إلي قبل أن يكبّـر وقال :
ـ هيا .. اجهري بنية الصلاة .. وبصوت مسموع .. كي أسمعـك .. ردّدي خلفي .. نويت أن أصلي لله تعالى أربع ركعات لصلاة العصر إماماً ..

ثم سكت .. رفعت حاجبي استغراباً .. وذهلت ! التفت مرة أخرى إلي وقال :
ـ ما بالك ؟! .. ألم تستمعي إلى قولي ؟!

قلت مذهولة :
ـ بلى !! .. ولكن الجهر بالنية والتلفظ بها ………

قاطعني بغضب :
ـ سنــة !! وليس بدعة كما تعتقدين .. هيا ردّدي ما قلته .. ألا تسمعين ؟!

ـ ولكني نويتها في قلبي مثلما نويت الوضوء الذي قبلها وهذا يكفي ! ..

ضرب كفّيه ببعضهما في نفاذ صبر وقال :
ـ وماذا بعد ؟ .. قلت لك تلفظي والآن أمامي .. أريد أن أسمع .. تبـاً لكم من وهّـابـيـن .. كل مستقيم تجعلونه أعوجـاً !! .. هيا انطقي بها ..

نطقت بها مكرهة ! .. فتظاهرت بالصلاة معه .. وقد كنت أصلي بمفردي .. آه .. لقد شككت حتى في صلاتي .. وهي ما أشعر فيها بالراحة والسعادة !!!

أنهينا الصلاة .. وعند التسليم لاحظت كفيه يتحركـان يمنة ويسرة .. ما باله ؟ لماذا يحركها مع التسليمة ؟ .. أردت السؤال فامتنعتُ .. لا أريد المزيد من الجدل .. تظاهرت بالتسليم معه حتى لا يقيم غضبه الدنيا .. فأنا لم أعد أحتمل .. كفاني .. قلت :

ألن تخبرني إلى مكان ذهابنا ؟

ـ ستعرفين فيما بعد .. لا نريد التأخر .. بقيت لنا عشر دقائق فقط .. أين ملابسي ؟
ـ جاهـزة .. ولكن أرجوك أخبرني .. إلى أين ؟ لا أعرف لماذا أنا غير مطمئنة .. !

تمالك نفسه وأراد الخروج فأوقفته :
ـ انتظر أرجوك .. أخبرني أولاً .. إلى أين ؟! إلى أين ؟!

أجاب وهو يبتعد خارجاً من الغرفة :
ـ سنذهب إلى مكان يقام فيه مولد نبوي .. هل اطمأننتي ؟

أوقفته مرة أخرى .. نظرت إليه بتشكك ووجل :
ـ مولد نبوي ؟! .. ماذا تعني بذلك ؟!!!
ـ لن أخبرك سترين بنفسك .. ستسعدين بحضوره .. والآن هيا حتى أغلق الحجرة .. تقدمي ..
أغلق الحجرة .. هرول هابطاً قبلي إلى الدور السفلي .. فكرت في كلماته ملياً .. ماذا يقصد ؟
هبطت السلالم ببطء شديد ! .. هل لهذه المناسبة ارتباط بمعتقدات الصوفية ؟!! .. لماذا لا يريد إخباري ؟ .. هناك شيء ما أجهله !!
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 11-15-2007, 11:25 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

( 15 ) حضر .. حضر


وفجـأة .. قامت النساء واستقبلن القبلة عندما كانت الفتاة الحسناء تقرأ قصة المولد .. حتى إذا بلغت : ( وولدته آمنة مختوناً ) !! لقد قمن إجلالاً وتعظيماً لدقائق تخيلاً منهن وضع آمنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. نظرتُ إليهن .. إني خائفة .. مرتبكـة .. ماذا يحدث حولي .. ثم قالت النساء بأصوات وجدانية :
ـ لقد حضـر .. حضر .. حضر .. أمام القبلة .. !!

نظرت باستغراب وتخوف !! أين حجابي ؟! .. انتظرن ! من هذا الذي حضر ؟! .. أوقفنه .. أريد أن أرتدي حجابي .. ولكن .. أنا لا أرى شيئـاً !! من الذي حضر ؟!
هل .. هل يقصدون جنياً ؟ .. من يقصدون ؟ .. هل يرين أشياء لا أراها ؟! .. يا إلهـي !!!

ثـم .. أتي لهن بالمجامر وطيب البخـور .. فتطيبت النساء ! .. ثم درن بكؤوس الماء والعصير فشربن منه بنهم !!

أقبلت إلي بعض النسوة يركضـن وأخذنني وقلن لي فرحات :
ـ هيا معنـا .. بسرعة .. لا نريد أن يفوتكِ الموقف الشريف .. بسرعة .. لقد حضر حضر ..

رأيت الصفقة خاسرة وأحسست بثقل يمشي في صدري .. فقلت بحسرة وأنا أرافقهن :
ـ من هو الذي حضر ؟! .. أهو رجل آخر تطالبنني فيه بالكشف عن وجهي وتقبيله أيضاً ؟!

قلن لي وكأنني قد اعتنقت دين اليهود أو النصارى :
ـ إنه محمد صلى الله عليه وسلم !!!!!!!!!!!!!!

صعقت ونظراتي المكذبة والمصدقة قد آلمتني كثيراً .. عدت إلى مكاني بسرعة .. وعيون القوم ترمقني أن كيف أترك فرصة كهذه وأستهين بها !!

جئن واللوم باد على وجوههن بعد أن انتهين من الابتهالات الجماعية والدعوات والصراخ ! .. وبعد أن ذهبت روح المصطفى إلى بارئها !!!
ـ بالتأكيد أنتِ لا تحبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم !! .. أنت لا تريدينه أن يشفع لك يوم القيامة !! .. ستحدث لك نكبات ومصائـب لأنك استهنت بحضوره بيننا ولأنك رفضتِ مشاركتنا في زمن حضوره !!

يـا إلهـي ! .. هل ما يقلنه صحيح ؟! .. هل هن صادقـات ؟ ..
يبدو التأثر على أوجه الكثيرات منهن !!!

تقدمت إحداهن إلي وقالت لي وكأنما تصب سمّـاً زعافاً في عقلي :
ـ أيتها الحمقاء المعتوهة !! .. لقد كنت مثلك أو أشد منك ! .. وكنت أعتقد أن هذه خزعبلات وترهات !!!
ولكن بعد أن منّ الله علي شعرت بحلاوة الإيمان .. آه كم أنا سعيدة .. وأتمنى لو أنني أقيم في كل يوم مولداً نبوياً في منزلي !! .. جربي ولن تندمي .. وستصبحين مثلنا وأشد ! ..
وإن لم يعجبك الحال فامتنعي ولكنني متأكدة من أنه سيعجبك !!

يـا إلهـي لم أعد أحتمل .. أين الصواب وأين الخطأ ؟! ..
هل يعقل أن يكون أهلي على خطأ ؟! .. هل يمكن ؟! .. وبدأت الشكوك تساورني ! .. آه لقد أثّروا علي من كل اتجـاه .. وحدي أنا ! بدأت أسلحتي تضعف شيئاً فشيئاً !!
ربـاه .. أرجوك .. أريد أن أعود لنقائي .. أفكاري النقية .. معتقداتي وعقيدتي الصافية ! .. سريرتي الطاهرة .. قلبي السليم .. هل يمكن ذلك ؟

مضى الوقت يتلكأ حتى أوشك الليل أن ينتصف !! .. وسيطر السكون بعدها على المكان .. فلم أر وأنا بمكاني إلا عيونـاً قد أخذها اللوم علي ! .. فخشخشت الأوراق بتأثير نسمة طرية باردة .. معلنة عن وقت الرحيل من هذا المنزل .. !!

ركبـت في السيـارة .. التقت نظراتي الحزينة التائهة بنظرات الزوج المتلهفة لمعرفة ردة فعلي على ما سمعت وما رأيت .. أغمضت عيني .. شعرت بحاجتي لصدر أمي الحنـون .. حتى البكاء .. أصبح عسيراً علي .. ربـاه .. اللهم اكفنيهم بما شئت .. !

عـدت إلى المنزل .. وقفت أفكاري وعاد إليها ركودها الأول .. أحسست برغبة جامحة في الدخول إلى مخدعي .. ولكن السكون المطلق الذي ران على المنزل لم يشجعني على سرعة الدخول .. فأخذت أنظر إلى غير هدف ! .. أنظر إلى أي شيء !! .. وأنظر إلى كل شيء !

شعرت بتقدم خطى الليل .. فوقفت بتكاسل .. وتحسست طريقي في الظلام حتى وصلت إلى فراشي .. واندسست تحت اللحاف الخفيف .. أخذت نفسـاً عميقـاً .. وأنا أشعر بالوحدة .. كان آخر ما تذكرته في هذه الليلة هو اليوم الكئيب الذي عاصرت فيه أحداثاً ثقيلة .. في البحر .. في المنزل .. في المولد النبوي ..

بقيت نظراتي تائهة .. وأفكاري متلاطمة حتى بانت خيوط الصباح الأولى .. ثم .. أسدلت أجفاني بثقل شديد .. فنمت وأنا أسمع أنيني يخترق فضاء الأحـزان

يتبع ...
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 11-15-2007, 11:25 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

( 16 ) رحلة مع العبد الصالح الخضر !!

عند الفجــر ..دقّ جـرس الساعة المنبهة إعلاناً لقرب الآذان .. فتحت عيني المجهدتين .. أغلقت المنبه .. استرخيت قليلاً .. ثم نهضت .. سمعت صوتاً على نافذتي .. اقتربت بخوف .. آه .. كان المطر ينهمر على سقف المنزل !! .. نقراته اللطيفـة هي التي تطرق نافذتي .. انشرحت كثيراً .. مرحباً بك أيها المطر ..

اقتربت من النافذة كثيراً .. أخذت أتأمل المنظر من ورائها .. ارتسمت على شفتي ابتسامة عريضة .. لقد أتى حتى يغسل همومي وآلامي .. مرحى .. مرحى .. تسلّلت ببطء نحو الضوء .. أشعلته .. أردت أن أوقظ الزوج للصلاة .. لم أجده ! لم يأتِ بعد !! هذا أفضل .. هذا أفضل !! .. ما أسعدني !!

توضأت .. صليت .. دعوت الله أن يخرجني من هذا المكان .. أن ينير لي درب الخير .. لأتبعه .. بكيت كثيراً ضارعة إلى الله تعالى .. إن الأمطار التي تهطل ما هي إلا قطرة من أدمعي التي تذرف من عيني الباكيتين .. رحمـاك يا الله .. رحمـاك .. رحمـاك ..

عدت مجدداً إلى النافذة .. كان المطر قد توقف عندئذ عن الانهمار .. فتحتها قليلاً .. لم أعد أرى في الخارج إلا القطرات المتساقطة فوق السقف المنحدر لبناء المنزل .. أو من أغصان الشجر .. ابتسمت مجدداً .. ما أجمل المنظر .. ثم .. أغلقت النافذة ببطء .. واستدرت لأرفع سجادتي .. فوجدتـــه !!
صرخت من شدة الخوف .. كتمت أنفاسي فجأة .. غمرتني موجة حارقة جعلت سعادتي تتحول إلى كآبة .. كان وجهه شاحباً .. يبدو عليه الإرهاق .. وثوبه مكمّشاً .. فرك يديه وهو يجلس .. ثم قال :

ـ أرغب في الخروج اليوم إلى النزهة في هذا الجو الجميـل .. أيقظت الجميع للاستعداد .. هيا استعدي أنتِ أيضاً .. نظرت بإمعان إلى وجهه لأرى هل هو جاد أم هازل .. فسألته :

ـ حقاً ؟!! .. هل أنت جاد ؟ .. هل سنتنزه في هذا الجو الجميل ؟ .. حقاً ؟!!
اعتدل في جلسته وقال بصوت هادئ :
ـ نعم .. سنتنزه .. ألا تريدين الخروج معنا ؟ هل تفضلين عدم الذهاب ؟!

صرخت قائلة في فرح مفاجئ أدهشه كثيراً :
ـ لا لا .. لا أريد البقاء .. سأذهب للنزهة .. كم أنا سعيدة .. أحب جو المطر .. هيا لنذهب .. هيا :
ـ حسناً .. استعدي .. سأنتظركم في السيارة .. لا تتأخروا ..
وخـرج .. شعرت بشي من النشوة تسري في عروقي .. آه .. أخيراً سأخرج إلى الهواء الطلق .. بعيداً عن كل شي .. ما أسعدني .. ما أسعدني .. تناولت معطفي الواقي من المطر .. وكذلك معطفه .. أغلقت حجرتي .. قفزت السلالم قفزاً وكأنني في واحة غنّـاء .. رفرف قلبي من فرط الفرح .. منذ زمن لم أخرج للطبيعة أحتضن جمالها ..
توقفنا في مكان رائع الجمال .. كانت الأرض موحلة ومشبّعة بالماء .. وأعواد القمح الممتلئة بعصارة الربيع قد خارت وتمددت على الأرض في أمواج ممتدة على مدّ النظـر !!

خرجت من السيارة .. فتحت عيني باتساع .. تلفتُّ حولي بدهشة .. أرسلتُ ضحكة كانت مقيّدة ومكبلة .. أطلقت لها العنان .. شعرت بأني غارقة في محيط نظراتهم المتوهجة !
وفجأة سمعت نفسي أقول له وأنا لا أكاد أشعر بأني بدأت الحديث :
ـ هل .. هل تسمح لي بالذهاب حول هذا المكان للتنزه .. لن أبتعد ..

قال بصوت لا يخلو من حدّة :
ـ ليس الآن .. اجلسي معنا .. لا تنفردي بنفسك .. نريد العودة باكراً .. فاليوم هو ليلة الخامس عشر من شعبان !! .. لم أكن أتوقع مثل هذه الإجابة .. فأحنيت رأسي بأسف وقد اضطرم وجهي خجلاً وحزناً ..
ورحت أتأمل أطراف أصابعي وأحاول تمالك نفسي .. ولكن ماذا يعني بليلة الخامس عشـر من شعبـان ؟!!

تناولت الإفطار وحدي .. نظروا إلي وقد أدهشهم ما طرأ علي من تغيير .. لاحظت دهشتهم بقلب مرتاب .. وأخذت أجمع بعض الأعواد من الأرض ..

تردّدت الأم برهة ثم قالت لي :
ـ يجب أن نعود مبكرين حتى نستعد للذهاب إلى المكان الذي سيتم فيه اجتماع الناس في هذه الليلة ..

كتمت أنفاسي .. هذه المرة الثانية التي يؤكدون فيها أهمية هذه الليلة !! .. يا إلهي .. ماذا سيفاجئني اليوم أيضاً ؟! .. أومأت برأسي إيجابـاً .. ابتسمت بهدوء ..

في تلك اللحظة .. اختلست النظر إلى الزوج ووالدته .. راقبتهما في محاولة مني لفهم المعاني التي ينطوي عليها حديثهما .. ولكنني لم أستطع أن أفهم شيئاً !! .. سوى أنهم جميعاً صائمون اليوم !! .. لماذا ؟ ..

قلت لهم بتوسّل ..
ـ هل أذهب الآن ؟! .. لن أبتعد .. أرجوك ..

أزال عن كتفه بعض القش العالق به ثم قال :
ـ اذهبي .. ولكن ..
وفتح فمه ليقول شيئاً .. ولكني انصرفت بسرعة .. لم أنتظر .. ركضت .. ضحكت .. بكيت .. اختلطت مشاعري .. رحت أقفـز في كل الأرجاء .. نظرت إلى الأرض الجميلة .. لقد تجمع المطر فيها .. ثم راح ينطلق في جداول صغيرة سريعة ويملأ كل منطقة منخفضة .. حدّقت في روعة السمـاء !
إن صفحة السماء تصفو من الغيوم التي تمزقت وتباعدت كتلها تاركة رقعاً واسعة من الصفحة الزرقاء المضيئة ! .. بعضها صاف تماماً وبعضها لا يزال محجوباً بغلائل من السحاب الرقيق !!!
أما الهـواء فقد سكن على الأرض تماماً وشاعت فيه رائحة العشب المبلل والجذور العارية .. لا أعرف كم من الوقت مضى .. ساعـة .. ساعتـــــان .. أكثر !! لم أشعـر .. أوه !! لقد ابتعدت كثيراً .. أين أنــا ؟!

بدأت أشعر بالخوف .. إلى أي اتجاه أعود ؟!! ربـاه .. أين المكان .. رباه !! .. أين معطفي ؟ أين أضعته ؟! .. بدأت أبحث .. وأبحث .. آه .. قطرات المطر عاودت في النزول .. يا رب .. آوه .. معطفي هنا .. وجدته .. ارتديته لأتقي المطر .. ولكن أين المكان ؟

تناولت نظارتي .. مسحت قطرات المطر عنها بمنديلي ثم أعدتها إلى عيني .. رحت أنظر إلى الأرض الموحلة حتى أتجنب الخوض في إحدى الحفر المتناثرة حولي .. رفعت بصري إلى الأفق .. ازداد انهمار المطر .. رفعت النظارة عن عيني ووضعتها في جيبي ..
رأيت عن بعــد رجـلاً يقدم تجاهي .. أسدلت غطائي .. رحمـاك يا رب .. إنه شيخ كبيـر .. يعمل على تنظيف المكان .. دبّ الـرعـب في أوصالي .. هل سيختطفني ؟! الويل لي .. تقدم إلي وسألني وقد بدت على وجهه آثار الزمن على هيئة خطوط عميقة تحيط بوجهه :

ـ كيف جئتي إلى هنا يا ابنتي ؟! المكان خطر .. هيا بسرعة الحقي بعائلتك ..

انحدرت دموعي من شدة الخوف :
ـ ولكني أضعت المكان .. الويل لي .. كيف أصل إليهم ؟ أرجوك ساعدني .. أرجوك ..
ـ هيا اتبعيني من هذا الطريق ..

جل اهتمامي كان منصباً على غضب الزوج وحنقه .. وعدتُه ألا أبتعد !! يا ويلتي .. يا ويلتي !!

وبعد أن قطعنا مسافة من الطريق .. رفعت رأسي .. وإذا بالزوج يهرول قادماً إلي !! .. يا ويلتي !! ..
وقف أمامي كصخرة جامدة .. والشرر يتطاير من عينيه .. فوجدت نفسي أقول بسرعة وكأني أشرح له موقفي الضعيف :

ـ أرجوك .. أنا .. أنا .. آسفة .. لم أقصد .. سرقني الوقت وأنا أتجول في هذا المكان ! ولكني …… نظر برفق إلى الشيخ الكبير .. مما أثار دهشتي .. لم يغضب منه .. أشار إلي أن أتقدمه .. ففعلت .. أقبلت على والدته وباقي الأسرة .. وجدتهم حانقين .. غاضبين !!

استدرتُ لأرى الشيخ الكبير والزوج .. جاء الزوج إلى أهله .. تشاوروا .. تهامسوا .. أكرموا الشيخ إكراماً عظيمـاً !!!!!! .. أغدقوا عليه العطاء .. طلبوا منه الدعاء لهم .. ولي !!!!!
تسمّرت في مكاني وأنا أرقبهم !! .. ما بالهم لم كل هذه الحفاوة ومن الجميع !!!

ذهب الشيخ الكبير في طريقه .. أخذ ينظف ما بقي من أقذار .. وابتعد شيئاً فشيئاً حتى اختفى .. والجميع يرقبه .. تكاد قلوبهم أن تتبعه .. رأيت وجوههم في صورة أخرى .. اختفت إمارات القسوة والسخط .. نظروا إلي في قلق .. خاطبتني الأم قائلة في تودد :
ـ هل تعلمين من يكون هذا ؟!!

ارتعشت .. نظرت بوجل .. قلت بصوت بالكاد سمعوه :
ـ من .. من يكون ؟!

قال الزوج وهو يضع ساقاً على الأخرى .. وينتهد بارتياح :
ـ إنه الخضـر .. العبد الصالح الخضر .. الذي كان مع موسى .. بالتأكيد هو ! يا فلان بن فلان !!

أطبقت شفتي فـوراً …. انعقد لساني من فرط الاضطراب والارتباك :
ـ من ؟ من ؟ أي خضر ؟ .. العبد الصالح ؟!! .. كيف ؟! .. لا بد أنك تمزح !! .. الخضر ؟!!!! .. لا بد أنك …………............. رفع يده وقاطعني :
ـ هذه الأمور ليست مجالاً للهزل والمزاح ! قلت لك أنه الخضر .. ألم تسمعي عنه ؟!!

ارتسم الجزع على وجهي فقلت :
ـ ولكن .. ثم نظرت إلى الجميع .. كلهم جادّون .. فأكملت :
ـ ولكن .. الخضر عليه السلام قد مات منذ زمن بعيد .. هل تقصد أنه ما زال حياً يُرزق ؟! .. لا .. كانت أخته تتلوى في مقعدها .. لم تصبر فقالت :
ـ من غير الممكن ألا تكوني على علم بحياته !!! .. إن الخضر صاحب موسى عليه السلام حي يرزق للآن .. ويطوف الدنيا كلها ويتشكل في صور مختلفة .. فقد يأتي في صورة سائل مرة .. وفي صورة مريض .. ينزل من جسده القيح والصديد .. أو في شكل شيخ كبير كهذا الرجل مثلاً .. فبالتأكيد هذا هو الخضر قد زارنا … !!

ارتعدت .. نظرت إلى وجوههم !! تخوفت .. تململت .. أردت أن أنطق .. لم يتركوا لي مجالاً ..

كانت الأم تراقب تعبيرات وجهي وترى أثر كلماتهم علي .. فقالت بسرعة :
ـ عندما يأتي الخضر بهذه الأشكال ويزور الناس فيطردونه يكون هذا دليلاً على شقاوتهم وتعاستهم .. أما إن رحبّـوا به وعالجوه وأكرموه .. اختفى بدون أن يترك أثراً له .. وكان ذلك دليل سعادتهم !!!!!! .. فاحذري من طرد أي رجل بهذا الشكل أو تعنيفه .. احذري .. فربما كان هو الخضر جاء لزيارتك !

غصصت بريقي .. قلت متلعثمة من الصدمة :
ـ صدقوني .. لقد مات الخضر – عليه السلام – قبل إرسال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم .. إنه لم يخلّـد !!

أرسل الزوج ضحكة جافة ساخرة وهو يقول :
ـ الخضر هو حارس في الأنهار والصحاري ويعين كل من يضل عن الطريق إذا ناداه ..

ـ كيف يكون حارساً وهو ميت شأنه في ذلك شأن الأموات .. لا يسمع نداء من ناداه .. ولا يجيب من دعاه .. ولا يهدي من ضل عن الطريق إذا استهداه .. !!!

كشّر عن نابيه وقال :
ـ إذا لم يكن ذلك صحيحاً .. فكيف اهتديتي إلى مكاننا عن طريقه ؟!! .. أيتها الحمقــاء ..
لقد زارك وهداكِ إلى طريقنا ومكاننا .. أفلا تعقلين ؟! أفـلا تتفكرين ؟! .. عجباً لك أيتها العنيدة !!!

ـ إنما هو رجل قد سخره الله لي لأستدل طريقكم ليس إلا !! .. ولا يشترط أن ..

تأفّـف .. في تلك اللحظة تلاشى جو الألفة والمودة بيني وبينهم .. وخيّمت مكانه سحب الشك والتربص !! .. لم يعتقدون ذلك ؟! .. هل اعتقادهم خاطئ حقاً ؟! .. نعم .. نعم .. أنا متأكدة .. نعم .. قطع صوت الزوج حبل أفكاري حين سمعته ينادي من السيارة :
ـ هيا .. لا نريد التأخـر .. أمامنا ليلة حافلة .. فلنستعد للعودة .. المطر يتساقط بغزارة ..

ركبنا جميعا ً.. ابتسمتُ في قرارة نفسي .. ازداد إحساسي بالبهجة .. كم كنت أهفو إلى مثل هذا اليوم الذي أقضيه بمفردي تماماً .. بلا خوف من زوجي أو أهله .. وبلا أية هموم أو متاعب .. ولكن .. هذه الليلة .. ماذا عساها تكـــــون ؟! ستـــرك ورحمتـك يـــا رب ..
يتبع...
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:15 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.