انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات العامة ::. > ( القسم الرمضاني ) > فتــاوى رمضـــان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-31-2012, 06:18 PM
انى احبكم فى الله انى احبكم فى الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




New فتاوى الصيام "مفرغه" ..للشيخ مصطفى العدوى

 

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،



http://audio.islamweb.net/audio/index.php?...;audioid=125294



أحكام الصيام [1]


لقد شرع الله الصيام لحكم عظيمة، ومن أعظم هذه الحكم امتثال أمر الله سبحانه وتعالى. وللصيام فوائد كثيرة منها: التضييق على الشيطان بالجوع؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق مجاري الدم. ومن الفوائد المترتبة على الصوم أيضاً: إحصان الفرج وغض البصر؛ والإحساس بما يعانيه فقراء المسلمين من الجوع، فيكون ذلك سبباً في سخاء النفس عند البذل لهم.


تفسير آيات الصيام وبيان الأحكام المتعلقة بها




باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فنتكلم عن تفسير آيات الصيام وما يتعلق بها من أحكام: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]. قوله تعالى: (كُتب) ، أي: فرض، وإن كانت الكتابة أحياناً تأتي بمعانٍ أخر، فتأتي أحياناً الكتابة بمعنى: التقدير، كما قال تعالى: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] أي: ما قدره الله لكم، لكن قوله: (كُتب) في هذا الموضع، معناه: فرض وأوجب. ......




التوجيه الصحيح لقوله: (وأن تصوموا خير لكم)




قال تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]، أن: هنا مصدرية، فالمعنى: وصيامكم خيرٌ لكم، فهنا ينبغي أن تفهم: خير لكم من ماذا؟ لأن البعض يحملها على أنها خيرٌ لكم من الإفطار في السفر، أو خيرٌ لكم من الإفطار في المرض، وهذا محملٌ ضعيف، إنما قوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ أي: خير لكم من الفطر والإطعام. قد كان الأمر أول فرض الصيام: إما أن تصوم وإما أن تفطر وتطعم، سواء كنت مسافراً أو مريضاً أو لم تكن، كان للجميع هذا الترخيص. فقوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، فيه دليل على أن أعمال البر تتفاضل، وهناك فاضل، وهناك ما هو أفضل من هذا الفاضل، وهناك مفضول.







المراد بقوله تعالى: (فمن تطوع خيراً)




قوله تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [البقرة:184]، قال العلماء، المراد بتطوع الخير هنا: أطعم مسكينين أو ثلاثة بدلاً من المسكين الواحد، وهذا قول له وجاهته، وقد تقدم معنا كثيراً في عدة مسائل من مسائل الفقه. فإذا جاءنا شخص وقال: ولد لي ولد وأريد أن أذبح عنه شاتين كما حثنا رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، كما في الحديث: (أمرهم أن يعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة)، فيقول: أريد أن أذبح عجلاً مكان الشاتين، هل هذا يجزئ؟ فنقول: من باب الأقيسة القوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البقرة أو البدنة تقوم مقام سبعة في الحج، والحج أعظم من العقيقة، فمن ثم يجوز لك على هذا القياس أن تذبح عجلاً، وأجرك أعظم، والله تعالى أعلم.








معنى قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية)




قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ [البقرة:184]، أيضاً يقدر أنهم أفطروا، والفدية طعام مسكين، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]. ذهب جمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى تأويل الآية على النحو التالي: قالوا ما حاصله: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمر الصيام لم يكونوا قد تدربوا على الصيام، فلما أُمِروا به رحمةً من الله سبحانه بهم، كانوا بالخيار: إما أن يصوموا، وإما أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم مسكيناً، فكان في أول أمر الصيام، لك أن تصوم، ولك أن تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً، وهذا رأي جمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باستثناء عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قالوا: ثم نسخ هذا التخيير بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]. فقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ إن هم أفطروا ألا وهي طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، وتقدير طعام مسكين تقدير عرفي كذلك. صحيح أنه ورد عن بعض السلف الصالح رحمهم الله، التقدير: بمد من شعير أو مد من أقط أو مد من حنطة، لكن كان هذا هو الذي في زمانهم، وليس فيه خبرٌ ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا كنت من بلدة أهلها يأكلون اللحم فلتطعم المسكين لحماً، إذا كنت من بلدة أهلها يأكلون الفول فلتطعم المسكين من الذي تأكل منه، أي: من الذي يأكل منه عموم الناس، وهي وجبة واحدة.









ما يجب على من أخر القضاء إلى رمضان آخر




قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، يؤخذ منه بعض الفقه، فالله سبحانه وتعالى لم يحدد متى هذه الأيام الأخر، فمن ثمّ يجاب على التساؤل الذي يصدر كثيراً من النساء: امرأةٌ كان عليها أيام من رمضان السابق، فدخل عليها رمضان هذا وهي لم تقض تلك الأيام، فماذا عليها؟ فيرى البعض أن عليها أن تصوم فيما بعد، وأن تطعم عن كل يوم مسكيناً، والإلزام بالإطعام ليس له دليل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، ولم يحدد متى هذه الأيام الأخر، فالقول بإلزامها بإطعام مع الصيام إذا دخل عليها رمضان، ولم تكن قد صامت الأيام السابقة قولٌ لا دليل عليه، وإن أورد شخصٌ علينا أثر أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها الذي فيه: كان يكون عليّ الصيام من رمضان، فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان للشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الأثر ثابت عن عائشة رضي الله عنها، إلا أن القول بالشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من قول عائشة ، إنما هو من قول يحيى بن سعيد القطان أدخله على كلام عائشة رضي الله عنها. فعلى كلٍ ليس في هذا الأثر إلزام بالإطعام، إنما فيه استحباب المبادرة إلى القضاء قبل أن يأتي رمضان آخر، وهذا الصنيع صحيح، ألا وهو استحباب القضاء قبل أن يأتي رمضان آخر، حتى لا تتراكم على الشخص الديون، فالله يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دين الله أحق أن يقضى). وقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، لم يذكر أنها على التوالي، فعلى ذلك فمن أفطر أياماً فإن له أن يُجزِّئْ قضاء هذه الأيام ولا يلزمه التتابع في قضاء ما فاته من أيام قد أفطرها في رمضان.









وجه التشبيه بين صيامنا وصيام من قبلنا




قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] هنا تشبيه، هل التشبيه ينسحب على أصل الفرضية؟ أعني: هل الصيام فرض عليكم كما كان مفروضاً على من كان قبلكم؟ أم أن التشبيه يقصد الصفة، أي: كتب عليكم رمضان بصفة الصيام فيه، غير الامتناع عن الطعام والشراب، كما كان على من كان قبلكم رمضان أم أن الصيام مفروضٌ عليكم كما كان مفروضاً على من كان قبلكم، مع اختلاف في صفة الصيام التي كان عليها الأمم من قبلنا؟ الذي يظهر والله أعلم: أن المشابهة إنما هي في أصل الفرض، فكما أن الصيام فرض على من كان قبلكم، فقد فرض عليكم، لكن هل الصفة هي الصفة؟ لا أعلم شيئاً صريحاً في هذا صراحة تامة، اللهم إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، وكذلك لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسأل عن سبب ذلك؟ فقالوا: هذا يومٌ أنجى الله فيه موسى من الغرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منهم، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه)، فهذا يقرب من قول القائل: بأن صفة صيام من كان قبلنا كصفة صيامنا، والله تعالى أعلم.









الحكمة من الصيام هي التقوى




قوله تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، أي: لعل التقوى تحدث لكم، وهذه هي حكمة الصيام، وكيف تحدث التقوى بالصيام؟ أورد العلماء ثلاثة أمور بها تحدث التقوى: الأمر الأول: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فكلما كان جريان الدم سريعاً كلما كان حركة الشيطان أسرع وأوسع، فمن ثم إذا أكلت كثيراً تحرك فيك الشيطان كثيراً، ولذلك ذكر العلماء في أبواب الحروز من الشيطان ترك الفضول في كل شيء، فالفضول في الطعام يحرك الشيطان تحريكاً أقوى، ويحرك الشهوة كذلك، ومن ثم ورد في بعض الأخبار: (فضيقوا عليه مجاريه بالجوع)، فالجوع يقلل عمل الشيطان لتقليله لجريان الدم، هذا شيء. الأمر الثاني: أن الصيام على وجه الخصوص أقوى عبادة تقوي مراقبة العبد لربه سبحانه وتعالى، فالمراقبة لله سبحانه في الصيام أكثر منها في غير الصيام. الأمر الثالث: أن هذا الصيام يشعرك بأحوال الضعفاء والمساكين، وذلك إذا جُعت أحسست بجوع الجائعين وعطش العطشى، فيحملك هذا على تقوى الله وإعطاء هؤلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاءً).









المراد من قوله تعالى: (أياماً معدودات)




قوله تعالى: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، المراد بها: قليلات محصورات، يأتي عليها العد، ويؤيده قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20]، فالمراد بالدراهم المعدودة: الدراهم القليلة، وكذلك يؤيد هذا المعنى قول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم، إنما يتكلم كلمات لو عدها العاد لأحصاها). فالمراد بقوله تعالى: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ أي: أياما قليلات يأتي عليها العد ويأتي عليها الحصر.









حد المرض والسفر الذي يباح بهما الفطر للصائم




قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، ما هو حد المرض الذي به يباح للصائم أن يفطر؟ حد هذا المرض عرفي، يرجع فيه إلى الأعراف، بلا إفراط ولا تفريط، فالذي يقول: إن من أصابه وجعٌ في ضرسه أو أصابته سعلة أو أصابه بعض الزكام أو بعض الصداع في الرأس يجوز له الفطر مطلقاً، قوله: مجازف وبعيد عن الصواب، وكذلك الذي قال: لا ينبغي أن تفطر إلا إذا أشرفت على الهلكة والموت، كذلك قولٌ بعيد عن الصواب، وكما قال العلماء: وكلا طرفي الأمور ذميم. وإنما المرض الذي يفطر معه الصائم حده عرفي، كأن يقول الناس: إن فلاناً مريض فمن ثم يستحق أن يعاد، فصومه يزيده مرضاً إلى مرضه أو لا يتحمل، فهذا هو حد المرض الذي به يباح للصائم أن يفطر. إذا كان مريضاً مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه فماذا عليه؟ الذي عليه عدة من أيام أخر وهو لا يطيقها، فماذا يصنع؟ ليس هناك دليل ملزم من كتاب الله ولا من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يلزمه بكفارة ما من الكفارات، إنما قول من قال: عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً، إنما هو اجتهاد لبعض الصحابة، وسيأتي مزيد تفصيل فيه إن شاء الله. قوله تعالى: أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، هل قوله: أَوْ عَلَى سَفَرٍ يعطي مدلولاً ما في التفريق بين المسافر الذي جدّ به المسير والمسافر النازل الحال؟ المسافر على حالتين: مثلاً: أنت مسافر إلى مكة، سيقال عنك: جد بك المسير، هذه الحالة الأولى. أما الحالة الثانية: إذا نزلت مكة ووضعت رحلك، فإنك لم تعد فيمن جد بهم المسير، بل إذا وصلت إلى مكة وبقيت فيها أياماً هل لك أن تفطر أثناء إقامتك بمكة أم أن كلمة: أَوْ عَلَى سَفَرٍ ، تعني: المسافر الذي جدّ به المسير وقطع جزءاً من اليوم في السفر؟ كأن الأخير هو الأظهر، والله تعالى أعلم. قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:184]، هنا مقدرٌ لابد منه، فالمقدر هو: فأفطر، فالمعنى: فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، أما من كان منكم مريضاً أو على سفر فصام فلا يلزم بإعادة، فلا بد من التقدير هنا كما هو رأي الجمهور. أما أهل الظاهر فقالوا: لا تقدير، وبعضهم لهم مقالات يتعجب منها حيث قالوا: من كان مريضاً أو على سفر، وصام في سفره وفي مرضه فإن عليه عدة من أيام آخر، وهذا غريب! لأن النبي عليه الصلاة والسلام صام في السفر وما أعاد الأيام التي صامها، ولا أمر أحداً من أصحابه صام أن يعيد هذه الأيام، فعلى هذا ترد التقديرات في كتاب الله، وهذا كالتقدير الوارد في قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فهنا تقدير أيضاً: فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه فارتكب محظوراً ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، أما من كان مريضاً أو به أذى من رأسه ولم يرتكب محظوراً، فلا يلزم بفدية. قال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، هنا سؤال يطرح نفسه: هل الصوم في السفر أفضل أم الإفطار؟ هذه المسألة تنازع فيها سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعروة بن الزبير رضي الله عنهما، وذلك في مجلس أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يوم أن كان أميراً على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سالم : أما أنا فلا أصوم في السفر، أخذته عن أبي، يعني: عن عبد الله بن عمر ، وقال عروة : أما أنا فأصوم في السفر، أخذته عن خالتي، يعني: عائشة رضي الله تعالى عنها، فارتفعت أصواتهما عند عمر بن عبد العزيز ، فقال لهما: إن كان يسرٌ فصوموا، وإن كان عسرٌ فأفطروا. وبنحو ذلك قال ابن عباس: عسر ويسر فخذ بيسر الله سبحانه وتعالى، واختاروا لأنفسكم ما اختاره الله لكم، فإن الله قال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]. والأدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهدت لهذا المعنى، ففي معرض الصوم في السفر ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر مع أصحابه في يومٍ شديد الحر، قال أبو الدرداء : (حتى إن أحدهم ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة )، فهذا في معرض تجويز الصوم في السفر. وكذلك جاء حمزة بن عمرو الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني رجلٌ أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، وكذلك قال فريق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب المفطر على الصائم، ولم يعب الصائم على المفطر)، أما في معرض الفطر في السفر: (فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الصحابة أغمي عليه وقد ظلل عليه وكان مسافراً، وقد اجتمع حوله الناس فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مسافر وهو صائم يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: ليس من البر الصيام في السفر). وكان النبي في بعض المغازي، وذهب المفطرون يخدمون إخوانهم الصائمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر)، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات فقال لأصحابه: (إنكم مصبحو العدو غداً والفطر أقوى لكم)، فحثهم النبي صلى الله عليه وسلم على الفطر، فهذا كله يؤكد ما ذهب إليه الجمهور: من جواز الصوم في السفر، وجواز الإفطار، ولكن من شق عليه الصوم فليفطر، ومن أطاق الصيام صام، ومن أفطر قضى بصفة عامة، والله تعالى أعلم.








تعريف الصيام لغة وشرعاً وبيان المسائل المتعلقة به




والصيام وهو: الامتناع، هذا هو التعريف اللغوي للصيام، ومنه قوله تعالى لمريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26] أي: صمتاً عن الكلام. أما الصيام من الناحية الشرعية: هو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون ذلك مصحوباً بالنية أي: نية الصيام. ومن هذا التعريف تخرّج جملة من المسائل، أعني: من تعريف الصيام الذي هو: الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، تخرّج جملة من المسائل: ابتداءً يشهد لهذا التعريف قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) . أما بالنسبة لوقته: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] . أما بالنسبة للنية: فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) . فتخرج من تعريف الصيام جملة من المسائل، فبالنسبة للطعام ترد جملة من المسائل النازلة منها: مسألة الْحُقن مثلاً، فهل الحقن طعام أو شراب يفطر به الصائم أم أنها ليست بطعام وليست بشراب؟ فلقائل أن يقول: إنها ليست بطعام يستطعم ولا بشراب يستشرب كذلك، ثم هي ليست بشهوة يقيناً، فيكون على هذا الرأي أن الحقن برمتها لا يفطر بها الصائم. ولقائل آخر أن يفصل بين الحقن التي تقوم مقام الطعام، والتي هي للدواء فقط، فالتي تقوم مقام الطعام مفطرة، والتي لا تقوم مقام الطعام ليست بمفطرة، ولكن يرد عليه أن الحقن المغذية، ليست بطعام يطعم، فعلى ذلك الذي يبدو أن القول الصحيح هو قول من قال: إن الحقن برمتها لا تفطر. ترد مسألة السواك: السواك يشرع للصائم لأمور ثلاث: الأمر الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين صائم وبين مفطر، فلهذا العموم يشرع السواك. الأمر الثاني: حديث نص في الموضوع وإن كان في إسناده كلام، وهو ما قاله بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: : (رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى يستاك وهو صائم) . الأمر الثالث: أن السواك ليس بطعام وليس بشراب وليس بشهوة، فعلى ذلك فالسواك لا يفطر، ثم يلحق به معجون الأسنان مثلاً، فمعجون الأسنان ما لم يصل إلى الجوف فهو جائز مع الكراهة؛ أما الكراهة فلأنه يتبعه كثير من أعمال المضمضة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ، فهذه بعض الملحقات التي تلحق بالطعام. مسألة الطيب: الطيب كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان البخور موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد أن أحداً أفطر بسبب تطيبه أو بسبب استعماله للبخور، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من استعمل الطيب أو البخور فإنه يفطر. فعلى ذلك: لا بأس بالطيب والبخور للصائم، والمانع يلزمه الدليل. مسألة التبرع بالدم: إخراج شيء من الدم من الجسم، هذا في الأصل ينبني على حكم الحجامة. فالحجامة ورد فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، إلا أن كثيراً من أهل العلم يذهبون إلى أن هذا الحديث منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (احتجم وهو صائم)، واحتجامه وهو صائم، كان بعد قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فلذلك كما قال فريق من أهل العلم: إن الإفطار مما دخل وليس مما خرج، فعليه فإن إخراج الدم من الجسم بوسيلة ما من الوسائل لا يفطر الصائم، اللهم إلا دم الحيض على ما سيأتي بيانه إن شاء الله. مسألة القطرة: لقائل أن يقول: إنها ليست بطعام وليست بشراب وليست بشهوة، وكذلك الدواء الذي يصب في الأذن يأخذ نفس الحكم من ناحية أنه لا يفطر الصائم. فتعريف الصيام هو: ترك الطعام والشراب والشهوة، ما المراد بالشهوة؟ بالاتفاق يدخل الجماع في الشهوة، سواء صاحبه قضاء الوطر أم لم يصاحبه ذلك، أما إذا لم يحدث جماع وحدث إنزالٌ بوسيلة ما من الوسائل، كالاستمناء الذي يفعله شرار الشباب والفساق منهم، وتفعله شرار الفتيات اللواتي لا يراقبن الله، ولا يراعين حرمة الله سبحانه وتعالى، ولا يراقبن ملائكة الرحمان الكرام الكاتبين، فهل الاستمناء الذي يفعله هؤلاء الشريرون يفسد الصيام أو لا يفسد الصيام؟ يرى جمهور أهل العلم: أن إخراج المني بوسيلة ما من الوسائل عن عمد يفطر الصائم؛ وذلك لقول: النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، وهذا المستمني لم يدع شهوته بل قضاها، وهذا رأي جمهور العلماء. ومن أهل العلم من قال: إن المراد بالشهوة في قوله تعالى: (وشهوته من أجلي): شهوة الجماع، وهم قلة من العلماء، أعني: الذين قالوا: الاستمناء لا يفطر الصائم، وحملوا الشهوة في الحديث على شهوة الجماع فقط. مسألة: إذا أصبح الرجل جنباً من جماع غير احتلام فعليه أن يتم صومه اغتسل قبل الفجر أم لم يغتسل؛ وذلك لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ويتم صومه صلى الله عليه وسلم). كذلك إذا نام شخصٌ بالنهار وقدر عليه أنه احتلم فلا يفسد صومه، وعليه أن يتم صومه كأن شيئاً لم يكن. مسألة المذي: المذي لا يفطر على الصحيح من الأقوال، والذي يُمذي لا يكون قد قضى شهوته بل ما زالت باقية فيه. فهذا كله يخرج من تعريف الصيام: ترك الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون ذلك مصحوباً بالنية كما تقدم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ

أحكام الصيام [2]

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?...;audioid=125296


أحكام الصيام [2]


لقد فضل الله شهر رمضان بأن أنزل فيه القرآن، وجعل فيه ليلة هي خير من ألف شهر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قام ليله وصام نهاره إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. فالواجب على كل مسلم أن يستغل شهر رمضان بكثرة تلاوة القرآن ومدارسته، وكثرة الصلاة والذكر والاستغفار والدعاء، والتزود فيه من الأعمال الصالحة، فهو بمثابة المحطة التي نتزود منها لسفر معادنا إلى ربنا سبحانه.


معنى نزول القرآن في شهر رمضان




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: يقول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، شهر رمضان أنزل فيه القرآن أول ما أنزل، وإلا فالقرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة، فهذا قول، وقيل: أنزل جملةً من السماء السابعة إلى سماء الدنيا كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وكما قال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [الدخان:3]، فهذا الشهر هو شهر نزول القرآن فينبغي أن تكثر فيه من تلاوة القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان جبريل يعارضني بالقرآن في كل عام مرة في رمضان ثم عارضني في هذا العام مرتين، وما أرى ذلك إلا لحضور أجلي)، فيستحب لك أن تكثر من قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر، إذ هو شهر القرآن، ولذلك كان بعض أهل العلم يغلقون كتبهم ويقبلون على كتاب الله، لمدارسة كتاب الله، وتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى. ......




حكم الزيادة على إحدى عشرة ركعة




وهل للمصلي أن يزيد عن إحدى عشرة ركعة أو لا يزيد؟ سنجيب بإيجاز واختصار: له أن يزيد، أما ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة)، فمتعقب من وجوه: أولاً: هذا الخبر ثابت عن أم المؤمنين عائشة ، لكن ينبغي إذا درسنا مسألة من مسائل الفقه أن نأخذ بجميع الأدلة التي وردت فيها، لا نأخذ بحديث واحد، وإلا فالخوارج ضلوا ضلالاً بعيداً، بسبب أنهم أخذوا ببعض الأدلة وتركوا البعض، فهم جاءوا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل الجنة قاطع)، وقالوا: إن قاطع الرحم يخلد في النار، وفي المقابل ضلت المرجئة ضلالاً بعيداً، بسبب أنهم أخذوا بحديث: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)، وقالوا: إيمانه على إيمان جبرائيل وميكائيل مهما عمل من المعاصي، وتركوا آيات الربا وآيات القتل، وسائر الآيات التي وردت في مرتكبي الكبائر والصغائر. إذاً: علينا أن نعمل بجميع الأدلة، فحديث عائشة رضي الله عنها: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إحدى عشرة ركعة). ثانياً: قد ورد من حديث أم المؤمنين عائشة أيضاً وأخرجه البخاري عنها في الصحيح: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل ثلاث عشرة ركعة)، فقال بعض أهل العلم: إن الركعتين الزائدتين تحمل إما على سنة العشاء أو على نافلة الفجر، وهذا القول مدفوع؛ لأن قولها: كان، يفيد المداومة، ثم أيضاً قد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر)، فكان ذلك ثلاث عشرة ركعة. وورد نحوه من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمثبت مقدم على النافي. ثالثاً: أن حديث عائشة رضي الله عنها فيه وصف لصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالت: (كان يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن -أي: أربعاً طويلة- ثم يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث) ، فإذا رُمت موافقة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فستأخذ بالسنة صفة وعدداً، لا تأخذ السنة من ناحية العدد وتترك السنة من ناحية الصفة، فإذا جاء شخص وقال: إني قد صليت إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق أو في نصف ساعة، هل نقول: إنك أصبت سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ صحيح أنه أصابها من ناحية العدد، ولكنه لم يصبها من ناحية الصفة. فإذا أردت الموافقة، فلتوافق في الصفة ولتوافق في العدد، لكن هب أنني جئت أوافق في الصفة فوجدت المصلين معي لا يطيقون ولا يتحملون، بل وأنا أيضاً لا أطيق ولا أتحمل صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف أصنع؟ قال العلماء: إذا قصرت في الصفة فزد في عدد الركعات؛ وذلك حتى تصل إلى أحب القيام إلى الله قيام داود، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب القيام إلى الله قيام داود) ، ولم يضبطه النبي بعدد، بل ضبطه النبي بزمن، فقال عليه الصلاة والسلام: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) ، فالرسول عليه الصلاة والسلام ضبطه بالزمن وليس بالعدد، وكذلك قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] ضبطٌ بالزمن، وكذلك: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ [الزمر:9] أي: ساعات الليل، ضبطٌ كذلك بالزمن، فلذلك قال مالك رحمه الله: أستحب ستة وثلاثين ركعة، لماذا -يا مالك- وأنت رويت حديث أم المؤمنين عائشة في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة؟! فيرى هو وأصحابه وعموم جمهور العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي في بيته إحدى عشرة ركعة يطول كما يشاء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول كيف يشاء) ، لكن إذا كنت تصلي بالناس فتراعي حال المأمومين. وهنا بعض المناقشات الفقهية الخفيفة: هل إطالة القراءة مع قِلّت عدد الركعات أفضل أم التخفيف في القراءة والإكثار من عدد الركعات؟ فيرى البعض: أن طول القراءة أفضل؛ لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصلاة طول القنوت) أي: طول القراءة فيها. ويرى آخرون: أن الإكثار من السجود أفضل؛ لحديث: (أعني على نفسك بكثرة السجود) . والأمر في هذا واسع، والنظر إلى حال المأمومين أمر مهم. رابعاً: أن هناك عمومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفادت تجويز الزيادة على إحدى عشرة ركعة، منها حديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) ، وهذا في الصحيحين، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة أو حط عنك بها خطيئة)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)؛ وللحديث الذي سمعتموه آنفاً: (إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة) ، وقوله: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، وغير ذلك كثير كثير. أما ما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه من جمع الناس على أبي بن كعب على إحدى عشرة ركعة، فقد ورد أيضاً من عدة طرق يشد بعضها بعضاً أنه جمعهم على أبي على ثلاث وعشرين ركعة. وجمع العلماء بين ذلك كـالبيهقي رحمه الله، فقال: فعل ذلك أحياناً، وفعل ذلك أحياناً، وهو الصحيح؛ لعلة وهي: أنه خرج عليهم وهم يصلون في الليل فقال: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل، وفي رواية أخرى: أنهم كانوا ينتهون عند بزوغ الفجر من الصلاة، فدل هذا على التنويع كما اختاره البيهقي رحمه الله تعالى.









حكم ختم القرآن في قيام رمضان




وهل يلزم ما يفعله الأئمة الآن حيث أن الإمام يُجَزِّئُ القرآن على ثلاثين ليلة، ويقرأ بالمصلين في كل يوم جزءاً من القرآن حتى يختمه إلى آخر الشهر؟ نقول: هذا الأمر من باب المباح، أما استحبابه من عدمه فمحله النظر في حال المصلين، وإلا فلم يرد أن النبي صنع هذا الصنيع مع المصلين، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بالصحابة إلا ثلاث ليال، ثم ترك القيام خشية أن يفرض، ولم يرد تفصيل في هذه الأيام الثلاثة، كيف كان الرسول يقرأ؟! ما هي السور التي قرأ بها في هذه الليالي الثلاث؟! وقد قال الله تبارك وتعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20].








حكم قراءة القرآن من المصحف في الصلاة




وهل يشرع للرجل وللمرأة أن يقرأان من المصحف؟ يجوّز الجمهور ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحمل أمامة في الصلاة، فحمل المصحف من باب أولى؛ ولأن ذكوان مولى عائشة كان يؤمها من المصحف، فعلى رأي الجمهور، يجوز أن تقرأ -أيها الإمام- من المصحف، أما العبث الذي يحدث وهو أن المأموم يحمل مصحفاً ويتابع الإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: (ما لي أنازع! لعلكم تقرءون بعدي؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن)، فهذه المنازعة لا تشرع، وليس فيها كبير فائدة ولا كبير معنى، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، وهذا دليل يشجع على حضور الجماعات، وإن كان التأخير إلى الثلث الأخير من الليل أفضل لمن أطاق ذلك؛ وذلك لقول أمير المؤمنين عمر لما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون مجتمعين: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل؛ بل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة، فينزل ربنا إلى السماء الدنيا إذا كان الثلث الأخير من الليل، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه).








تفسير قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)




وقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.)) هذا ناسخٌ لما تقدم من قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، أما ابن عباس فيرى أنه لا نسخ، وأن الآية الكريمة : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ محمولة على الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمرضع والحامل، قال: لهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم مسكيناً. ......




الحكمة من تكرار قوله: (ومن كان مريضاً أو على سفر...)




لماذا قيل: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] مرة ثانية، وقد تقدم ذكرها؟ قال فريق من أهل العلم: إنها أعيدت حتى لا يتوهم متوهمٌ أن قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] ناسخٌ لكل ما تقدم بما فيه نفس الرخصة للمريض والمسافر بالإفطار، فكرر: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] لإثبات بقاء الرخصة، حتى لا يتوهم شخص أن الرخصة لم تزل باقية للمريض والمسافر في الفطر.









حكم الفطر للشيخ الكبير والحامل والمرضع




فهذا يقودنا إلى معرفة ما على الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام وكيف يصنع؟ على رأي ابن عباس : أنه يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكيناً، وهكذا كان يصنع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه لما كبر سنه، كان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكيناً. أما الجمهور فيرون أن الآية منسوخة، فعلى هذا فالشيخ الكبير مخاطب بالصيام إن هو أطاق، فإذا لم يطق فالله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والذمم بريئة ما لم يكن هناك دليل صريح ملزم، والله تعالى أعلم. أما المرضع والحامل، فما شأنهما؟ فيهما أقوال: القول الأول: إنهما يفطران ويطعمان ويقضيان، أقول: هذا الجمع لا أعلم دليلا عليه، أي: الإفطار مع القضاء مع الإطعام. القول الثاني: إنهما يقضيان فقط شأنهما شأن المريض وشأن المسافر، وهو قول الأحناف قياساً على المريض وعلى المسافر. القول الثالث: لا قضاء عليهما ولا إطعام مستدلين بحديث أنس بن مالك الكعبي القشيري : (إن الله وضع عن المرضع والحامل الصوم )، فقالوا: هذا رسولنا بين أن الله وضع عنهما هذا، لكن هل هذا الوضع مؤقت إلى أن تتحسن أحوالهما أم هو وضعٌ كلي؟ لا نستطيع الجزم بأنه وضعٌ كلي؛ لأن الصيام مكتوبٌ علينا، فعلى ذلك بالنسبة للحامل والمرضع يتلخص الأمر في شأنهما لمن أراد الاختيار: أنهما تقضيان إن استطاعتا، فإن لم تستطيعا أطعمتا، فإن لم تستطيعا القضاء ولا الإطعام فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.








المشقة تجلب التيسير




وقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] هذه آية ينبغي أن يستصحبها أهل الفتيا دائماً، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، فهي إحدى آيات رفع الحرج عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة ومنها قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقوله: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173]، وقوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، وقوله: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، إلى غير ذلك من الآيات. ......



وقت إكمال عدة رمضان ومشروعية الذكر بعد إتمامه




قال تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] أي: عدة رمضان ثلاثين يوماً إن غم عليكم، وإلا فالشهر تسع وعشرون، كما قال عليه الصلاة والسلام: (الشهر هكذا، الشهر هكذا، الشهر هكذا فخنس إبهامه في الثالثة)، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، أخذ منه بعض العلماء مشروعية ذكر الله سبحانه وتعالى عند انقضاء الأعمال، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. ......



الحكمة من إدخال قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي...) بين آيات الصيام




وقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، لماذا أدخلت هذه الآية في ثنايا آيات الصيام؟ قال كثير من أهل العلم: أدخلت هذه الآية بين آيات الصيام؛ لبيان أنه يستحب للصائم أن يكثر من الدعاء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم)، فذكر منهم: (الصائم حتى يفطر)، وليس حين يفطر فقط، إنما حتى يفطر، فطول اليوم وأنت صائم، لك دعوة مستجابة. قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، عن أي شأن من شئون ربنا سبحانه سأل العباد نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم؟ هل سألوه عن رحمة الله؟ هل سألوه عن عفو الله؟ عن انتقام الله؟ عن صفات الله؟ كل ذلك ليس المراد هنا، إنما سألوه عن القرب والبعد، قالوا: أقريب ربنا فنناجيه يا رسول الله أم بعيد فنناديه؟! فقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، فدليله أنهم لم يسألوه عن شيء في هذا الباب إلا عن القرب والبعد، فحذفت كلمة: (قل) فلم يقل الله: (فقل لهم: إني قريب) بل قال: فَإِنِّي قَرِيبٌ ؛ للدلالة على القرب كذلك من ناحية النظم القرآني. ......







وقوله تعالى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، هذا يُشكل على من لا فقه له، فيقول: كيف يقول الله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ؟! وكيف يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وهاأنذا قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجب لي؟! فكيف يوفق بين وعد الله بالإجابة وبين تخلف الإجابة في الظاهر عن كثير من الداعين؟! أجاب العلماء على ذلك بعشرة أجوبة وأزيد، فمن هذه الأجوبة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال -فيما أخرجه أحمد في المسند بسند حسن-: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم إلا أعطي بها إحدى ثلاث: إما أن يصرف عنه من السوء مثلها، وإما أن يعطى مسألته، وإما أن تدخر له الإجابة إلى يوم القيامة)، فتقول: يا رب! ارزقني، قد ترزق عاجلاً غير آجل، وقد تدخر لك الإجابة إلى الآخرة، وقد تكون هناك مصيبة ستحل بك فصرفها الله عنك، هذه ثلاثة أجوبة. الجواب الرابع: أن الإجابة مقيدة بمشيئة الله، كما قال تعالى: فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ [الأنعام:41]، فجعلها مردودة إلى مشيئة الله. الوجه الخامس: أنك تسأل ربك مسألةً ويعطيك ربك خيراً من هذه المسألة وأنت لا تشعر، قد يقول قائل: يا رب! زوجني فلانة، يرى أن في زواجه منها خيراً كثيراً، كما يصنع الذين أولعوا بفتاة أو بامرأة من النساء، ووقع الأمر بهم إلى الحد الذي جعل الشاعر الذي أحب امرأة سوداء يقول: أحببت لحبها السودان حتى أحببت لحبها سود الكلاب!! أحب الكلاب السوداء من أجل أن محبوبته سوداء! انظروا كيف أن الأمر وصل به إلى هذا الحد! كل يوم يدعو: يا رب! زوجني فلانة، وربنا سبحانه يختار لك الخير، فيعلم أن زواجك من هذه المرأة شرٌ عظيم وأنت لا تشعر، قد تفتنك عن دينك، هذا شيء، وقد تتزوجها وتصاب بمرض من جراء زواجك بها، قد تتزوجها فتكون عقيماً، قد تتزوجها فلا تحفظ لك فراشك، قد وقد، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]. قد يقول شخص: يا رب! يسر لي (فيزة) إلى الكويت أو إلى السعودية، وطول اليوم يدعو، وربه قد ادخر له رزقاً في هذه البلاد، ويريد حجبه عن السفر لنيل هذا الرزق، ويعلم أنه قد يسافر وقد يصاب بحادث أليم فيرجع مهشم الرأس، مقطع الأوداج، وقد كُسرت عظامه، وهشم وجهه والعياذ بالله! فربنا يختار الأنفع لنا، هو يعلم سبحانه وتعالى ونحن لا نعلم. الوجه السادس: قد تتأخر الإجابة كي تكثر من الدعاء فتثاب، فإنك كلما قلت: يا رب! ارزقني فإنك تثاب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الدعاء عبادة)، ولذلك تأخرت الإجابة عن بعض أهل الفضل والصلاح أزمنة طويلة جداً، تأخرت الإجابة عن أيوب عليه الصلاة والسلام فلبث في بلائه ثمانية عشر عاماً، حتى رفضه القريب والبعيد إلا اثنان من أبناء عمومته. (قال أحدهما يوماً للآخر -لما طال أمد المرض بأيوب عليه السلام-: ترى يا هذا! لقد أذنب أيوب ذنباً لم يذنبه أحد من العالمين، قال: لماذا؟ قال: إنه مكث في بلائه ثمانية عشر عاماً وهو نبي ويدعو ولا يستجاب له، فهذا يدل على أنه صنع شيئاً لا نعرفه نحن إنما يعرفه الله، فما صبر الرجل حتى ذهب إلى أيوب وأخبره، فقال أيوب عليه السلام: الله أعلم بما تقولان، لكن الله يعلم أني كنت أمرُّ بالرجلين يختصمان في مال، فأكره أن يذكر الله سبحانه وتعالى في كذب، فأذهب إلى بيتي وآتي بمال من مالي فأدفعه إلى الخصم حتى لا يقسم بالله كاذباً، الله أعلم بما تقولان، وحزن حزناً شديداً عليه السلام لهذه المقالة، ودعا ربه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]. فخرج يوماً مع زوجته لقضاء حاجته، فانتظرته زوجته وقد كان حيياً عليه السلام، فذهب بعيداً عنها فأوحى الله إليه بقوله: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42]، فضرب برجله فخرج الماء، فاغتسل وشرب فأذهب الله ما بخارجه وما بداخله من داء، فرجع إلى امرأته في أحسن ما يكون، فقالت له: أيا عبد الله! أما رأيت نبي الله ذاك المبتلى؟ فوالله! لقد طال عليّ المقام في انتظاره، فقال لها: أنا هو، قالت: اتق الله! ولا تهزأ بي ولا تسخر مني، فقال: أنا هو، فكررت عليه المقولة وقالت: والله! ما رأيت أحداً شبيهاً به منك إذ كان صحيحاً، قال: أنا هو فحمد الله سبحانه وتعالى على ما كان). الشاهد: أن البلاء لبث به زمناً طويلاً وربه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه حاله، ولكن كل دعوةٍ دعا بها أبوب أثيب عليها، ومن ثم جاءت التزكية والشهادة، ليست تزكية مزورة، إنما تزكية من رب العالمين، قال تعالى: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]، ثلاث تزكيات من الله سبحانه وتعالى بعد هذا الجهد والعناء الطويل: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص:25]. كذلك تأخرت الإجابة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شهراً أو يزيد؛ وذلك عندما قذفت بما قذفت به أم المؤمنين عائشة ، ولا شك أنها كانت تدعو ربها، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل الإسلام كذلك كانوا يدعون ربهم أن يكشف هذه الغمة، فما جاء الخبر إلا بعد شهر من تهوك المتهوكين وإفك الأفاكين، والرسول يغتم لذلك غماً شديداً، والكل يدعو بكشف الغمة وزوالها، ولكنَّ الجواب تأخر والمصيبة ازدادت، ومصيبة أخرى وهي: أن الوحي ينقطع عن بيت رسول الله من النزول ويتأخر؛ فيتخذ ذلك أهل النفاق ذريعة للطعن في رسول الله، وفي بيت النبوة، ويقولون: ما انقطع الوحي إلا أن البيت تدنس، فبعد ذلك كله يأتي الفرج، عائشة تقول: والله! ما كنت أطمع في أكثر من أن يري الله نبيه رؤيا في منامه يبرئني الله بها، وأيضاً تقول عائشة : لشأني في نفسي أحقر من أن ينزل فيّ وحيّ يتلى، ولكن فضل الله أوسع، فلا شك أن في ذلك كله خيراً لأهل الإسلام، كما قال تعالى: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ [النور:11]. فأحياناً تتأخر الإجابة حتى تدعو وتدعو وتدعو، فتثاب وتثاب وتثاب، فكما أن المصلي يثاب والمتصدق يثاب والمعتمر يثاب والذاكر يثاب، فكذلك الداعي يثاب، فالله يختار لك أفضل مما تختاره أنت لنفسك والله سبحانه وتعالى أعلم.......




من أسباب عدم إجابة الدعاء




فعلى ذلك يلزمك أن تكثر من الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل قيل: وكيف الاستعجال يا رسول الله؟! قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر عن الدعاء فيترك الدعاء)، والناظر إلى حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، تجد أن اليأس لم يتسرب إلى قلوبهم، يعقوب عليه الصلاة والسلام سنوات طوال تمر به ويقول في آخرها: يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]، وزكريا عليه السلام مع كبره يقول: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]. قد يحجب عنك إجابة الدعاء بسبب مظالم العباد، فأنت تدعو ومظلوم يدعو عليك، دعوتك تصعد، ودعوته تصعد تدمر دعوتك، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول -فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى-: (وإياك ودعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)، أي: ولو بعد زمن، فإن نصر المظلوم حقٌ على الله سبحانه وتعالى. ونضرب في ذلك أمثلة لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: (أروى بنت أبي أوس اختصمت مع سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة في بئر في أرض، فادعت أروى أنها لها، ورفعته إلى مروان بن الحكم فاستدعاه مروان فقال له: أخذت أرض أروى يا سعيد ، قال: أنا آخذ أرضها بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: وماذا سمعت من رسول الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه يوم القيامة من سبع أرضين، قال: والله! لا أسالك بينة بعد هذا، فقال سعيد بن زيد : اللهم! أعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، فكبرت حتى عمي بصرها، ومرت على البئر التي خاصمت فيها فسقطت فيها، فما استطاعوا إخراجها فكانت قبرها). ونحوه صنع سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه؛ وذلك لما طعن فيه أهل الكوفة، حين أرسلوا رسالة إلى عمر رضي الله عنه: أن سعداً لا يحكم بالسوية، ولا يخرج في السرية، ولا يعدل في القضية، فأرسل عمر إلى مساجد الكوفة من يسأل عن أخبار سعد ، فذهب إلى المساجد وكل أهلها يثنون على سعد خيراً، فمر بمسجد لبني عبس، وقال -أي رسول عمر -: أناشدكم بالله أن تقولوا في سعد الذي تعلمونه، فقام رجل فقال: أما وقد نشدتنا بالله، فإن سعداً لا يحكم بالسوية، ولا يعدل في القضية، ولا يخرج في السرية! تعجب سعد من ظلم هذا الظالم المفتري الكذاب، فقال سعد : اللهم! إن كنت تعلم أن عبدك هذا قام رياء وسمعة؛ اللهم! أطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، فكبر الرجل حتى انحنى ظهره، وسقط حاجبه على عينه، ومع هذه الحال المزرية من الكبر كان يمشي في الطرقات يغمز الجواري ويتعرض لهن، فإذا عوتب قال: أصابتني دعوة سعد رضي الله تعالى عنه. فإياك ودعوة المظلوم، فقد تدعو ومظلوم يدعو عليك فدعوته تدمر دعوتك. ومن أسباب حجب الدعاء أنك قد تدعو وأنت آكل للحرام كأكل الربا والرشوة وغيرهما من المحرمات، والنبي صلى الله عليه وسلم: (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟)، قد تدعو الله بلسانٍ مغتاب تخوض به يميناً ويساراً في أعراض المسلمين والمسلمات، قد تدعو الله بقلب مليء بالغل والأحقاد والحسد للمؤمنين والمؤمنات، كيف يستجاب لك وأنت تتمنى من قلبك أن تنزل بصاحبك مصيبة، أو أن تنزل بجارك مصيبة، أو أن يخرص لسانه فلا يتكلم، أو أن يصاب بحادث؟! فكيف تدعو الله بقلب حمل هذا الدنس، وحمل هذا الوسخ؟! قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي أي: فيما أمرتهم به من دعاء وَلْيُؤْمِنُوا بِي أي: ليصدقوني فيما أخبرتهم به، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، والراشد هو المستمسك بدينه على صلابة فيه.








تفسير قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)




وقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، ما المراد بالرفث الرفث بصفة عامة: يطلق على الكلام الذي يقال عند مقدمات الجماع، ويطلق على الجماع نفسه كذلك، وهنا المراد به الجماع نفسه. ومن مجيء الرفث الذي يراد به مقدمات الجماع، ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فقال في شأنه: (إن أخاً لكم ليقول الرفث)، وذلك أنه قال: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانــا الهـدى بعد العمى فقلـوبنا به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجـافي جنبـه عن يمينه إذا استثقلـت بالمشركين المضاجع وقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ [البقرة:187]، هل كان هذا الرفث حراماً حتى يقال: (أُحِلَّ)؟ كان الأمر في أول فرض الصيام إذا غربت الشمس، لك أن تأكل وتشرب إلى حد أن تنام، مثلاً: لو أن المغرب يؤذن في الخامسة، لك مباح لك أن تأكل وتشرب إلى أمدين: الأمد الأول: إلى أن تنام، أو إلى أن يأتي عليك الفجر، فإذا نمت بعد الساعة الخامسة قبل أن تأكل خمس دقائق أو ساعة حرُم عليك الأكل والشرب إلى اليوم الثاني في المغرب، يعني: إذا نمت مثلاً بعد أذان المغرب مباشرة، فإنه يحرم عليك أن تأكل وتشرب إلى غدٍ وقت الإقطار، ولو نمت في الساعة التاسعة واستيقظت الساعة الحادية عشرة ليس لك أن تأكل ولا أن تشرب. فكان هناك صحابي يقال له: قيس بن صرمة الأنصاري ، كان يعمل، فرجع مجهوداً من العمل، أصابه جهد شديد، رجع إلى بيته فقال لزوجته: هل عندكم طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق أبحث لك عن طعام، فذهبت تبحث له عن طعام، ومن شدة التعب الذي به نام، فلما رجعت ورأته نائماً، علمت أنه لن يأكل ولن يشرب إلا غداً في المغرب، فقالت له: خيبة لك، -ليس المراد بالخيبة على اصطلاحنا- فأصبح من غد صائماً، فلم يستطع أن يواصل فأغمي عليه في النهار، فنزل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ .. الآية [البقرة:187]. وكذلك كان قومٌ يخونون أنفسهم، فهذا عمر رجع يوماً متأخراً إلى امرأته، وأراد منها ما يريد الرجل من امرأته، فقالت له: إني نمت، فقال لها: ما نمت، قال تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ أي: تخونونها فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]. وقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، أي: طول الليل، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، واللباس هنا: السكن والفراش، ليس كما ترجمه بعض الذين ترجموا القرآن، وهم لا يدرون عن معانيه شيئاً، ترجموه بالإنجليزية فقالوا: ((هُنَّ لِبَاسٌ))، أي: هن (clothes) لكم وأنتم (clothes) لهن! فهذه الترجمة تنم عن جهل المترجم بروح الدين والشريعة.......




مشروعية الاعتكاف في عموم المساجد




وقوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فالجماع عند جماهير العلماء يفسد الاعتكاف. فقوله: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فيه مشروعية الاعتكاف في عموم المساجد، أما حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)، فالصواب وقفه على حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وعلى صحته فهو محمولٌ على نفي الفضيلة الكاملة، أي: لا اعتكاف أفضل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة، وذلك لمضاعفة أجر الصلاة في هذه المساجد، والمساجد الثلاثة هي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]. وفقنا الله وإياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.









معنى التوبة والعفو والصفح




وقوله تعالى: فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، أما التوبة فهي الرجوع إلى الله، فتوبوا إلى الله: ارجعوا إلى الله، أما العفو: فهو ترك المؤاخذة بالذنب، أما الصفح: فهو إزالة أثر الذنب من القلب. فمثلاً: رجلٌ شتمك، إذا عفوت عنه لا تشتمه كما شتمك، إذا صفحت عنه تزيل أثر هذه المسبة من قلبك، كما فعل أحد السلف مع جارية أتت إليه بطعام، فلما أتت إليه بطعام كان فيه مرق، وعنده أضياف فأتت مسرعةً فسقط المرق على صاحب البيت أو على الأرض، فأراد سيدها أن يلطمها، فقالت له: إن الله يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ، فقال: كظمت غيظي، فخشيت أن يعاقبها فيما بعد، فقالت: ويقول: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ، قال: عفوت عنك، قالت: ويقول: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله، فالصفح محو أثر الذنب.









معنى المباشرة في الآية




وقوله تعالى: فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، المباشرة: هنا الجماع في هذا الموطن؛ لدلالة قوله: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] أي: الولد. والمباشرة أيضاً: تطلق على ما دون الجماع، لكن أبيح الجماع، وأبيح ما دونه في هذا المقام، وللصائم في النهار كذلك أن يقبل ويباشر ما دام أنه يأمن على نفسه أن يقع في الجماع؛ وذلك لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم، قالت: أيكم يملك إربه كما كان الرسول يملك إربه؟!)، وكان عبد الرحمن زوجاً لـعائشة بنت طلحة، فدخلا على أم المؤمنين عائشة وهما في عنفوان الشباب، وهما صائمان، فقالت له: يا عبد الرحمن! ما يمنعك أن تقبل زوجتك وتلاعبها؟ قال: يا أم المؤمنين! أقبلها وأنا صائم؟! قالت: كنت أصنع ذلك أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.









تفسير قوله تعالى: (وابتغوا ما كتب الله لكم)




وقوله تعالى: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، فيه حثٌ على الأخذ بالأسباب، ذكر العلامة ابن القيم وغيره ما حاصله: لو قام رجلٌ حديث عهد بعرس، هو وزوجته الحسناء من الليل يصليان ويدعوان ربهما: يا رب! ارزقنا الولد، يا رب! ارزقنا الولد، كل ليلة على هذا المنوال ولم يقربها أبداً، ماذا عساها أن تقول له؟! تقول له: أبك خبل؟! أبك جنون؟! ما حدث جماع! هذا يوم ضنك، والجماع سبب من أسباب الحمل. فالآية مما يستدل بها على مشروعية الأخذ بالأسباب.









بيان مفهوم: (الخيط الأبيض من الخيط الأسود)




وقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، تأخر نزول قوله تعالى: (مِنَ الْفَجْرِ) ، فكان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يربطون خيوطاً بيضاء وخيوطاً سوداء في أرجلهم، ويأكلون ويشربون حتى يظهر لهم هذا من ذاك، إلى أن نزل: (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أن المراد: بياض النهار وسواد الليل. أما مسألة الإمساك التي يقول بها بعض من أهل العلم، فليست أبداً على الإلزام، إنما أخذها البعض من حديث زيد بن ثابت عندما سئل: كم قدر ما بين السحور والأذان؟ قال: قدر خمسين آية، هذا وصف حال، وإلا فقد قال سهل بن سعد : (كنت أتسحر مع أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي الآية نصٌ على الوقت الذي لا يؤكل فيه ولا يشرب، ألا وهو: تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. وأحب هنا أن أنبه على أثر حذيفة بن اليمان -وإن كان ظاهره الحق إلا أنه شاذ ومعلول- حيث قال: (تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه والله! النهار، إلا أن الشمس لم تطلع )، فهو لا يثبت عن حذيفة رضي الله عنه؛ لأنه معلول وشاذ. وقوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، ليس المراد بالليل: اشتباك النجوم، إنما المراد بالليل: غروب الشمس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)، وما وجه الخيرية في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) وإنما هي دقائق؟ قال فريق من العلماء: حتى يقطع على جمهور الموسوسين وسوستهم، والله أعلم. أما الشيعة: ففهموا من الآية: أنهم يمتنعون عن الأكل والشرب إلى أن تظهر النجوم؛ وذلك لأنهم لم يتأملوا أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب، فالحمد لله الذي وفقنا لسنته عليه الصلاة والسلام.





فتاوى رمضان

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?...;audioid=125604

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتاوى رمضان




مقدمة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. وبعد: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فعلامة الخير: أن يوفق العبد للفقه في دينه، وهذا يتأتى باتباع الوارد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الاطلاع على أقوال أهل العلم يرحمهم الله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم التابعين، ثم أتباع التابعين، فمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا ونحن الآن بين يدي شهر كريم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، أهلّ الله علينا وعلى المسلمين هلاله بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه.. بين يدي شهر كريم تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين.. بين يدي شهر القرآن، شهر الإحسان والجود والعطاء.. بين يدي هذا الشهر الكريم الدعاء فيه أقرب إلى الإجابة.. بين يدي هذا الشهر الكريم فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر.. بين يدي شهرٍ كريم من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامهُ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وكذا فيه ليلة من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. فجدير بكل منا أن يتأهب لاستقبال هذا الشهر استقبالاً يليق به؛ بالتحلل من المظالم، وبكثرة الاستغفار، وبتعلم أحكام الصيام، فكما هو معلوم أن الأجور تتضاعف إذا بنيت العبادات على علم صحيح موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم هذه طائفة من الأسئلة المتعلقة بهذا الشهر الكريم.. أسئلة تتعلق بالصيام، وأخرى تتعلق بالقيام، وثمّّ أسئلة أخرى تتعلق بالاعتكاف، مع شيء من الوارد في ليلة القدر، فنسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد للإجابة عليها إجابة ترضيه سبحانه وتعالى، ويرفع الله بها درجاتنا ودرجاتكم وموازيننا وموازينكم، اللهم آمين. ......



تعريف الصيام




السؤال: ما تعريف الصيام؟ الجواب: أما الصيام في اللغة: فهو الامتناع، ومنه قول الله سبحانه وتعالى لمريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:26]، فقوله تعالى: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا أي: صمتاً عن الكلام. أما من الناحية الشرعية، فالصيام: الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون ذلك مصحوباً بالنية. هذا بالنسبة للتعريف الشرعي على وجه الإجمال للصيام. ......



حكم تبييت النية لصيام رمضان




السؤال: هل يجب تبييت النية من الليل لصيام شهر رمضان، أم أن هذا ليس بواجب؟ الجواب: جمهور أهل العلم على إيجاب تبييت النية لصيام شهر رمضان، وعليه فإذا لم تنو الصيام من الليل ثم طلع عليك نهار أول يوم في رمضان ولم تكن نويت من الليل، فصومك ليس بمحتسب، لكنك تتم صيام اليوم توقيراً لهذا الشهر الكريم، ثم بعد ذلك تعيد يوماً مكانه لكونك لم تنو الصيام من الليل. وهذا يختلف عن صوم النفل، فصوم النفل يذهب جمهور العلماء: إلى أنه يجوز أن تنعقد النية من النهار؛ وذلك لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها ذات يوم، فقال: (هل عندكم شيء؟ قالت: فقلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم، قالت: ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيسٌ، فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً، فأكل صلى الله عليه وسلم) ، فبهذا استدل جمهور العلماء على أن صوم النفل يجوز فيه عقد النية من النهار. ومن العلماء من قال: إن النية يجوز عقدها من الصباح إلى الزوال، أي: إلى قبيل الظهر بنصف ساعة تقريباً. ومنهم من قال: ما دمت لم تأكل ولم تشرب -وهذا كما بينا في صيام النفل- فيجوز لك أن تعقد النية حتى ولو بعد الزوال. أما في شهر رمضان -فكما أسلفنا- فيلزم تبييت النية من الليل، هذا وقد ورد في هذا الباب حديث أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها، ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صيام لمن لم يبيت النية)، وأهل العلم في هذا الحديث بين مصحح ومضعّف، وأكثر العلماء الأولين على تضعيفه، وجعله موقوفاً على حفصة رضي الله عنها من كلامها وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعليه: فحديث: ( لا صيام لمن لم يبيّت النية ) الذي احتج به من احتج على لزوم تبييت النية من الليل في التطوع، ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا وقد وردت في هذا الباب جملةٌ من الآثار عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها: حديث أم الدرداء رضي الله عنها: (أن أبا الدرداء كان يجيء بعدما يصبح فيقول: أعندكم غداء؟ فإن لم يجده قال: فأنا إذاً صائم). وكذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه كان يصبح حتى يُظهِر، ثم يقول: والله لقد أصبحت وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا). وأيضاً ورد عن أبي طلحة رضي الله عنه: (أنه كان يأتي أهله من الضحى فيقول: هل عندكم غداء؟ فإن قالوا: لا، صام ذلك اليوم). فهذا محله -كما بينا- في صيام النفل. فعليه: يجوز في صيام النفل ما لا يجوز في صيام الفرض، وذلك من جواز عقد النية في النهار بالنسبة للشخص إذا لم يأكل وأراد الصيام. ......



الحكمة من مشروعية الصيام




السؤال: ما الحكمة من مشروعية الصيام؟ الجواب: أجيب على ذلك بقول الله تبارك وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فبالصوم تحدث التقوى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، وقد ذكر أهل العلم عللاً وحكماً للصيام، فقالوا: إن الغني إذا ذاق ألم الجوع شعر بإخوانه الفقراء الضعفاء، فمن ثم يتولد عنده -بإذن الله- الحنان عليهم والإحسان إليهم، ثم إن الصائم أيضاً تكثر منه الطاعات، والطاعات من خصال التقوى، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فقال فريق من أهل العلم: إن جريان الدم يكون أقوى إذا كان الشخص مفطراً، أما إذا كان الشخص صائماً قل جريان الدم في عروقه، ومن ثمَّ قل عمل الشيطان وضعف عمله، هذا والله تبارك وتعالى أعلم. ......



سبب اختصاص الله تعالى بالصيام




السؤال: لماذا خص الصوم من بين سائر العبادات أنه لله عز وجل، ففي الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)؟ الجواب: قال فريق من أهل العلم: إن الصوم سرٌ بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى، ولا يَظهر إلا لله، ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما سواه من العبادات فظاهرٌ يراه البشر، أما الصوم فهو سرٌ بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى. وقال آخرون من العلماء: إن الصوم يمنع من ملاذِّ النفس منعاً أكثر مما تمنعه غيره من العبادات، هذا والله سبحانه وتعالى أعلم. ......



حكم تقبيل الصائم ومباشرته




السؤال: هل يجوز للصائم أن يقبل زوجته وأن يباشرها بما دون الجماع، أم أن ذلك ليس بجائز؟ الجواب: يجوز للصائم إتيان هذا إذا كان يملك أمر نفسه، وقد دل على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم)، والمباشرة هنا دون الجماع بلا شك، قالت رضي الله عنها: (وكان أملككم لإربه)، أي: أنه يستطيع التحكم في نفسه، فيمنع نفسه من الجماع، وفي رواية عن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت)، وكذلك قالت أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم)، وكذلك من حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (هششت يوماً فقبلت وأنا صائم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لقد صنعت اليوم أمراً عظيماً، قال: وما هو؟ قلت: قبلت وأنا صائم، قال: أرأيت لو تمضمضت من الماء، قلت: إذاً لا يضر، قال: ففيم؟)، أي: ففيم تفطر؟ أي: وما هو الضرر إذا قبلت وأنت صائم؟ فالقبلة للصائم كالمضمضة بالنسبة له. هذا وقد فرق بعض أهل العلم بين الشاب والشيخ في مسألة القبلة، فرخصوا للشيخ الكبير في القبلة ومنعوا الشاب منها؛ لكونها قد تفضي معه إلى الجماع المهلك المحرم، وقد ورد هذا عن عدد من أهل العلم، وقد ورد فيه حديث ضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حاصله: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخرٌ فسأله فنهاه)، إلا أن هذا الحديث لا يثبت من ناحية الإسناد، وإن ثبت فمحله حيث تُخشى الفتنة على الشاب إذا قبّل. هذا وقد جوّز آخرون من أهل العلم القبلة حتى للشاب، واستدلوا بأن عائشة بنت طلحة كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو صائم، فقالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتقبلها وتلاعبها؟ قال: أقبلها وأنا صائم؟! قالت: نعم ). قالوا: فهذه عائشة بنت طلحة، وكانت من أجمل النساء في زمانها، وكانت متزوجة بـعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو شاب، ومع ذلك أرشدتهما عائشة رضي الله تعالى عنها إلى القبلة والملاعبة، ومحل هذا أيضاً أمن الفتنة، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



حكم الاستمناء في نهار رمضان




السؤال: ما حكم الاستمناء الذي يفعله شرار الشباب إذا كان في رمضان، هل يفطر الصائم أم لا؟ الجواب: الجواب على ذلك حاصله: أن جمهور أهل العلم -ومعنى جمهور أهل العلم: أي أكثر أهل العلم- على أن الرجل إذا استمنى في رمضان فقد فسد صومه، وعليه إعادة ذلك اليوم، وحجتهم في هذا قول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، قالوا: فالذي استمنى وخرج منه المني لم يدع شهوته بل قد قضاها كاملةً. ومن العلماء -وهم قلةٌ- من قال: إن قوله في الحديث: (شهوته) ، المراد به: الجماع، فعليه لم يجعلوه مفطراً، ولكن رأي الأكثرين على أن المستمني في رمضان قد بطل صومه، ولكنه يمسك عن الطعام والشراب حفاظاً على حرمة هذا الشهر الكريم، وبعد ذلك يقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي كان قد أفطره. ......



حكم من أذن الفجر وهو جنب




السؤال: جامعت زوجتي من الليل ثم لم يسعني الوقت للاغتسال، فأذن المؤذن للفجر ولم أغتسل، فهل يصح صومي أو لا يصح؟ الجواب: الصوم صحيح ما دمت لم تجامع بعد الفجر، ثم بعد ذلك عليك أن تغتسل للصلاة وتصلي والصوم صحيح، وقد ورد في هذا الباب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام، ثم يتم صومه صلى الله عليه وعلى آله وسلم). ......



حكم الاحتلام في نهار رمضان




السؤال: نمت في نهار رمضان فاحتلمت وأنا نائم، فهل هذا الاحتلام يفسد عليّ صيامي؟ الجواب: لا يفسد هذا الاحتلام عليك صيامك بالإجماع، وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام لا يفسد الصيام، فقم واغتسل لصلاتك، وأتم صيامك، ولا تلزمك إعادةٌ، وبالله تعالى التوفيق. ......



حكم الاكتحال للصائم




السؤال: هل يجوز للصائمة أن تكتحل؟ الجواب: نعم، يجوز للصائمة أن تكتحل؛ إذ ليس هناك دليلٌ يمنعها من الاكتحال، وقد تقدم في الحديث القدسي في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، والكحل ليس بطعام ولا بشراب ولا بشهوة. وهذا رأي جمهور أهل العلم: أنه يجوز للصائمة أن تكتحل، وكذلك يجوز للرجل الصائم أن يكتحل، وقد قال الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]. ......



حكم السواك للصائم




السؤال: هل للصائم أن يستاك؟ الجواب: نعم، للصائم أن يستاك، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين صائم وغيره، وقد ورد أيضاً في حديث آخر لكن في سنده ضعفٌ يسير عن بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن أحدهم قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم)، ولكن التعويل على النص السابق، وهو: (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، بدون تفريق بين صائم وغيره. ......



حكم استعمال معجون الأسنان للصائم




السؤال: ما حكم استعمال معجون الأسنان واستعمال الفرشاة للصائم؟ الجواب: إذا لم يتسرب شيء من المعجون إلى الجوف، وأمن من ذلك؛ فاستعمال الفرشاة والمعجون لا بأس به، لكن كرهه بعض العلماء سداً للذريعة، وقياساً على أن الصائم لا يبالغ في المضمضة والاستنشاق، ولكن إذا استعمل الشخص الفرشاة مع المعجون فصومه صحيح ما لم يصل شيءٌ من ذلك إلى الجوف، ولكن الأولى أن لا يبالغ في ذلك؛ لأن الصائم لا يبالغ في المضمضة ولا في الاستنشاق، لحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وبالله التوفيق. ......



حكم تذوق الصائمة للطعام ومضغه




السؤال: هل يجوز للصائمة أن تتذوق الطعام وأن تمضغه لصبيها، أم أن هذا ليس بجائز؟ الجواب: يجوز لها ذلك ما لم يصل شيءٌ منه إلى جوفها، وقد وردت أثار عن عبد الله بن عباس تصح عنه بمجموعة طرقها أنه قال: (لا بأس أن يتذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم)، وورد عن حماد أنه سئل عن المرأة الصائمة هل تتذوق المرق؟ فلم ير عليها في ذلك بأساً. وعليه يجوز للمرأة التي تطهي الطعام -على سبيل المثال- أن تتذوقه بلسانها، فتنظر أمالحٌ هو أم ليس بمالح؟ ما لم يصل شيءٌ من ذلك إلى جوفها، وبالله التوفيق. ......



حكم ما يدخل من القبل أو الدبر للصائم




السؤال: هذا سائلٌ يسأل عن الماء الذي يدخل في الدبر أو القبل من جراء استعمال دورات المياة الإفرنجية، فهل هذا يؤثر ذلك على صحة الصيام بشيء؟ الجواب: هذا لا يؤثر على صحة الصيام بشيء؛ لأنه ليس بطعام ولا بشراب ولا بشهوة، والحديث فيه: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي). وعليه أيضاً: فاستعمال الحقنة الشرجية التي يستعملها البعض لعلل أو لإزالة الإمساك، على الصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تفطر؛ وذلك لأن الحقنة الشرجية ليست بطعام ولا بشراب ولا بشهوة، والله تعالى أعلم. ......



أحكام الحقن للصائم




السؤال: ما دمتم ذكرتم الحقنة الشرجية، فما شأن سائر الحقن، تفطر أم أنها لا تفطر؟ الجواب: ابتداءً مسألة الحقن بصورتها التي نحن عليها الآن تعد من المسائل النازلة، والمسائل النازلة هي التي لم تكن موجودةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما نزلت بالمسلمين بعد زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، أو نزلت في أزماننا هذه، فهذه يسميها العلماء: مسائل نازلة، فالمسائل النازلة في كثير من الأحيان ترد فيها اجتهادات للعلماء، وتتعدد فيها أقوالهم، فبالنسبة لسائر الحقن من أهل العلم من يقول: إن هذه الحقن تقوم مقام الطعام والشراب، فإذا كانت الحقن مغذية قامت مقام الطعام والشراب، ومن ثم يفطر من تناولها، بينما أبى ذلك آخرون فقالوا: إنها لا تدخل من مدخل الطعام ولا من مدخل الشراب، وعليه: فعند هذا الفريق الآخر لا تفطر، وهذا الذي تطمئن إليه النفس، وإن أراد شخصٌ الاحتياط فليصم يوماً مكان ذلك اليوم، ولا يفطر إذا تناول حقنة، وإن كان الأولى أن يؤجل تناولها إلى الليل. فعلى كلٍ: من العلماء من يجعلها تقوم مقام الطعام والشراب، وعليه: فإنها عندهم تفطر، وآخرون قالوا: إنها لا تدخل من مدخل الطعام والشراب، ولا يتلذذ بها الصائم، بل يتأذى بها، فعلى هذا الرأي لا تفطر، والأولى: الاحتياط للدين، فحتى إن تناولت حقنة في نهار رمضان فأكمل صومك، واحتياطاً صم يوماً مكانه، وبالله تعالى التوفيق. ......



حكم تناول الحقن لمرضى السكر




السؤال: المريض بمرض السكر -عافانا الله وإياكم- إذا لم يتناول الحقنة تضرر بعدم تناولها، فهل يتناولها وهو صائمٌ، أم أنه يمنع من تناولها؟ الجواب: نقول وبالله التوفيق: تناولْها -وفقك الله لكل خير- وهذا جهدك وتلك طاقتك، والله يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ويقول تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]. ......



معنى الرفث ليلة الصيام




السؤال: ما سبب نزول قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، وما معنى ذلك؟ الجواب: الرفث له عدة معانٍ، وكثير من الاصطلاحات في كتاب الله عز وجل تتعدد معانيها، ويفهم معنى كل اصطلاحٍ من السياق الذي ورد فيه، فكلمة (الرفث) أحياناً تأتي بمعنى: الفاحش من القول، وفي هذا الباب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مثنياً على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: (إن أخاً لكم لا يقول الرفث)، فذكر من أبيات شعره قوله: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق مشهور من الليل ساطع أرانا الهدى بعـد العمى فقلوبنا به مـوقنات أن ما قـال واقع يبيت يجـافي جنبـه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع فهذا ليس برفث من القول إنما هو قول طيب. والرفث أحياناً يراد به الجماع، وهو المراد في هذه الآية الكريمة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، فالسؤال المطروح: هل كان الرفث حراماً حتى يقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ؟ والجواب: أن الشخص في ابتداء فرض الصيام كان له أن يفطر إذا أذن المؤذن للمغرب، ثم إذا نام ولو بعد نصف ساعة من الأذان ثم استيقظ فلا يحل له أن يأكل ولا أن يشرب ولا أن يجامع زوجته إلى أن تغرب الشمس من اليوم التالي، وكان ثم صحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه قيس بن صرمة الأنصاري وكان صائماً، فلما حضر وقت الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يعمل طيلة يومه، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك! لأنه لم يأكل، وسيصبح غداً صائماً، ومن يستطيع أن يواصل الصيام، فلما انتصف النهار أغمي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، فأبيح للمرء المسلم بعد ذلك أن يأكل ويشرب ويجامع طول الليل في رمضان بعد أن كان ممنوعاً منه إذا هو نام، وبالله تعالى التوفيق. ......



حكم من طهرت من الحيض قبيل الفجر ولم تغتسل




السؤال: امرأة حائض رأت الطهر قبيل الفجر، ولم يسعها الوقت كي تغتسل، بل طلع عليها الفجر ولم تغتسل، ولكنها رأت الطهر قبل طلوع الفجر، فهل تصوم وهل صومها صحيح؟ الجواب: نعم تصوم وصومها صحيح، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، وقد تقدم شيءٌ يشهد لهذا، وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح من جماع من غير احتلام، ثم يتم صومه صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا الذي ذكرناه هو رأي جمهور أهل العلم، أي: أن أكثر أهل العلم على هذا: أن المرأة إذا رأت الطهر قبيل الفجر وطلع عليها الفجر ولم تغتسل، صح صومها إذا نوت الصيام، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



حكم صيام الحائض




السؤال: هل يجوز للحائض أن تصوم؟ الجواب: ليس للحائض أن تصوم، وإن صامت فصومها باطل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين نقصان دين المرأة قال: (أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟)، وهذا إجماعٌ من أهل العلم: أن الحائض لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت حيضتها قضت الصيام ولم تقض الصلاة، فإذا ذهبت الحيضة قضت ما عليها من الأيام التي أفطرتها ولم تقض الصلوات، وهذا كما بينا بالإجماع، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



حكم استعمال الأدوية لمنع الحيض للصيام




السؤال: هل يجوز للمرأة أن تتناول دواءً يقطع حيضتها كي تتمكن من صيام شهر رمضان كاملاً، وكي تتمكن من قيام شهر رمضان كاملاً؟ الجواب: نعم هذا جائزٌ لها، وقد جوّزه فريق من أهل العلم، ولم يرد مانع منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن الأولى تركه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عائشة رضي الله عنها تحج وهي تبكي، فقال: (ما لكِ أحضت؟ ثم قال لها: هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم)، ثم إن من الأدوية ما لا يقطع الحيضة بالكلية فيورث المرأة شكاً ووسوسة، فهذا الدواء وإن كان جائزاً إلا أنه يكره لما يخشى منه أن لا يقطع الحيض بالكلية، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



صيام المستحاضة




السؤال: هل يجوز للمستحاضة أن تصوم؟ الجواب: المستحاضة غير الحائض، فالمستحاضة: هي التي انقطع منها عرقٌ فنزل الدم من فرجها واستمر نزوله مدةً تختلف عن مدة الحيض أو تتفق معها، لكن لون دم الاستحاضة يختلف عن لون دم الحيض، والزمن يختلف أيضاً في كثير من الأحيان، فالمستحاضة التي انقطع منها عرق ونزفت نزيفاً يلزمها أن تصوم، ويلزمها أن تصلي، ويجوز لزوجها أن يجامعها، هذا بخلاف الحائض، فالحائض تمنع من كل ما ذكر، وبالله التوفيق. ......



حكم من أفطر لكبر سنه




السؤال: هل يجب على الشيخ الكبير إذا أفطر في رمضان لعدم استطاعته الصيام أن يطعم؟ الجواب: من أهل العلم من قال: يجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً، وحجته في ذلك تأويل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما للآية الكريمة: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فقد ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن هذه الآية لم تنسخ وأنها باقية في حق الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمرضع والحامل الذين يستطيعون الصيام لكنه يجهدهم، فإذا صاموا شق عليهم الصيام، فقال في شأن هؤلاء: يطعمون مكان كل يوم مسكيناً، إذا هم أفطروا. أما الحجة الثانية التي استدل بها القائلون بأن الشيخ الكبير يطعم مكان كل يوم مسكيناً: فهو أثرٌ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أنه لما أسن، أي: تقدم به السن -وكان لا يطيق الصيام- كان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكيناً. فعلى ذلك: ذهب فريق من أهل العلم -وهم الجمهور- إلى أن الشيخ الكبير إذا أفطر أطعم مكان كل يوم مسكيناً. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يلزم بشيء؛ وذلك لأنه مخاطب بالصوم، فعجز عن الصيام، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأجاب هذا الفريق الذي لم يلزم الشيخ الكبير بالإطعام: بأن الآية الكريمة: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، منسوخة عند الجمهور، فقالوا: أمر هذه الآية الكريمة متعلق بالذي يطيق الصوم، قالوا: ففي أول فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مكان كل يوم مسكيناً، فهذا قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، قالوا: ثم نسخت بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]. فقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، نسخ التخيير في قوله تعالى: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ))[البقرة:184] قالوا: فليس في الآية إذاً حجةٌ على إلزام الشيخ الكبير بشيء، وأما فعل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهذا فعلٌ موقوفٌ على صحابي، ولا يتنزّل منزلة الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالحاصل في المسألة: أن الشيخ الكبير إذا أفطر لعدم إطاقته الصيام على رأي الجمهور يطعم مكان كل يوم مسكيناً للحجج التي ذكرنا، ومن العلماء من قال: لا يلزم من ذلك بشيء. يبقى أنه مستحب له إذا أفطر أن يطعم ويكون ذلك أعظم لأجره، وإلا فـلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. ......



حكم صوم المريض مرضاً مزمناً




السؤال: ما حكم المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه ؟ الجواب: هذا المرض المزمن يشترط فيه أنه كمريض مخاطبٌ بقول الله تبارك وتعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] أي: فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فأفطر -هذا تقديرٌ يقدره العلماء- فعدةٌ من أيام أخر، فإذا لم يستطع الصيام في الأيام الأخر، فليس هناك شيءٌ من النصوص يلزمه بكفارةٍ أو بإطعام. فعليه: المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه، ليس هناك فيما علمت دليلاً يلزمه بإطعام مسكينٍ مكان كل يوم قد أفطره، وإن أطعم فهو خيرٌ له، إذ قال الله: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [آل عمران:115]، هكذا عموماً بالنسبة للأمراض المزمنة التي لا يرجى برؤها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم. ......



حكم إفطار الحامل والمرضع




السؤال: الحامل والمرضع هل لهما أن تفطرا؟ الجواب: نعم لهما أن تفطرا، خاصةً إذا خافتا على نفسيهما أو على الطفل التلف والهلاك، وقد جاء في الباب حديث أنس بن مالك الكعبي القشيري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة)، ثم هل تقضيان أم تطعمان، أم تطعمان وتقضيان، أو لا تطعمان ولا تقضيان؟ بكل قد قال بعض العلماء، وإن كان الظاهر لديّ -والله سبحانه وتعالى أعلم- ما ذهب إليه الإمام الأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهما من العلماء: أنهما تفطران وتقضيان ولا يلزمان بالإطعام، وذلك قياساً على المريض، والله سبحانه وتعالى قد قال في شأن المريض: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، والله تبارك وتعالى أعلم.......



حكم صيام المسافر في رمضان




السؤال: أيهما أفضل في السفر الصوم أم الإفطار؟ الجواب: الظاهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن الأمر يختلف باختلاف أحوال المسافر، فثم مسافرٌ الصوم في حقه أفضل، وثم مسافرٌ الفطر في حقه أفضل، وقد وردت أدلةٌ تشهد لهذا ولذاك. فمن الوارد في هذا الباب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً قد ظلل عليه والتف الناس حوله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: هذا صائمٌ يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر)، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقام المفطرون بخدمة الصائمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر)، فهذا والذي قبله فيهما تزكيةٌ للفطر في السفر، وأيضاً قد ورد في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وكانوا في غزوة من الغزوات: (إنكم مصبحو العدو غداً والفطر أقوى لكم)، فهذا أيضاً نصٌ يساعد القائلين بأن الفطر أولى في السفر خاصةً لمن يشق عليه الصيام في السفر. هذا وقد وردت أيضاً عدة أحاديث تشهد لمشروعية الصيام في السفر، منها ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أو أصوم في السفر؟ -وكان حمزة بن عمرو هذا كثير السفر- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر). وكذلك ورد في الصحيحين من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم شديد الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه). فهذا أيضاً دليل على مشروعية الصيام في السفر، هذا وقد سأل أبو حمزة رحمه الله تعالى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن الصوم في السفر، فقال: (يُسرٌ وعسر، فخذ بيسر الله عز وجل). وكذلك ورد عن عروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز لما كان أميراً على المدينة، فجلس عروة وسالم مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فتذاكروا الصوم في السفر، قال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر، وقال عروة : كانت عائشة تصوم في السفر، وقال سالم: إنما أخذت عن ابن عمر، وقال عروة : إنما أخذت عن عائشة، حتى ارتفعت أصواتهما، فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: اللهم عفواً! إذا كان يسراً فصوموا، وإذا كان عسراً فأفطروا. وعليه: فالمسافر الذي يطيق الصيام في السفر يستحب له أن يصوم في السفر، حتى لا تتراكم عليه ديون؛ ثم إن الله قال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، أما إذا كان الصوم في السفر سيشق على الشخص فالأولى له أن يفطر، ثم يقضي بعد ذلك، وبالله تعالى التوفيق.......



حكم الحجامة للصائم




السؤال: هل يباح للصائم أن يحتجم، أم أن الحجامة تفطر الصائم؟ الجواب: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن الحجامة لا تفطر الصائم، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي أخرجه البخاري وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم). بينما ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إلى أن الحجامة تفطر الصائم، واستدل بحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)، والجمهور على أن الحديث منسوخٌ باحتجام النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم. أما الإمام أحمد فيؤول الرواية التي فيها (أن النبي صلى الله عليه وسلم: احتجم وهو صائم)، ويقول: الصواب: (أن النبي احتجم وهو محرم). ورواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهوصائم)، وكذا (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم)، كلاهما في صحيح البخاري ، وإن كانت الأقوى: (احتجم وهو محرم). ولكن قال بعض العلماء: الجمع ممكن، بأن يقال: احتجم وهو محرمٌ صائم. فعليه: نرى قوّة رأي الجمهور القائلين بأن الحجامة لا تفطر الصائم، خاصة إذا استحضرنا قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي يرى أن الفطر مما دخل ليس مما خرج. ويلتحق بمسألة الحجامة هذه مسألة: التبرع بالدم، فهل يجوز للشخص أن يتبرع بالدم وهو صائم؟ الجواب: على رأي الجمهور القائلين بأن الحجامة تجوز للصائم، فكذلك التبرع بالدم يجوز للصائم ولا يفطره، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



حكم التقيؤ للصائم




السؤال: رجلٌ استقاء رغماً عنه، فهل يفطر أم لا؟ الجواب: هناك تفصيل بين من ذرعه القيء أو خرج منه القيء رغماً عنه، وبين من تعمد أن يتقيأ، فالذي ذرعه القيء وخرج منه عن غير عمدٍ؛ فبالإجماع صومه صحيح ولا يفطر، أما الذي استقاء متعمداً بأن وضع إصبعه مثلاً في فمه كي يستقيء عن عمد، فيرى جمهور العلماء أنه أفطر باستقاءته تلك، ويستدلون بخبرين: الخبر الأول: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقضِ )، إلا أنه ضعيف الإسناد، والثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر)، فهاتان حجتان للجمهور القائلين بأن من تعمد القيء يفطر. وقال بعض أهل العلم -وهم قلةٌ-: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قاء فأفطر، ليس بصريح في أن الإفطار كان من أجل القيء، ولكن لعل جسمه ضعف، فأفطر من أجل ذلك. فعليه: الأحوط أن من استقاء فليقضِ يوماً مكانه، وأكرر التفريق بين من قاء واستقاء، قاء أي: ذرعه القيء فلا يفطر، وأن متعمد القيء عند الجمهور يفطر، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



اختلاف مطالع الهلال




السؤال: إذا رؤي الهلال في دولة من الدول، وأهل بلادنا لم يروا الهلال عندنا، فماذا نصنع؟ الجواب: هذه المسألة خاضعة لمسألة اختلاف المطالع، أو خاضعةٌ لمسألة: رؤية قطر للهلال هل تلزم به سائر الأقطار، أم أن لكل قطر هلاله الخاص به ورؤيته الخاصة به؟ جمهور أهل العلم على أن رؤية بلدة ملزمة لسائر البلدان، فإذا رؤي الهلال في بلدة لزم بقية الأمصار أن يصوموا كما صام أهل تلك البلدة، ودليل الجمهور على ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). بينما ذهب فريق آخر من أهل العلم: إلى أن كل بلدةٍ لها هلالها الخاص بها، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال كريب : فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: وأنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففهم البعض من قول عبد الله بن عباس : (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصوموا استقلالاً إذا رأوا رؤية خاصة بهم، بينما وجه الجمهور هذا وقالوا: الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم: أن نصوم لرؤيته وأن نفطر لرؤيته، والعبرة بما روى الراوي لا بما فهم. فعلى كلٍ: رأي الجمهور أن رؤية بلدة تلزم سائر البلاد، فإذا اخترت هذا الرأي فالحمد لله، ولكن لا يستحب لك أن تجهر بالخلاف في وسط الناس، فمثلاً: إذا كنت هاهنا في مصر وترى أن رؤية قطر آخر -كالسعودية مثلاً- تلزمك، وأردت أن تصوم أو أن تفطر فلك سلف في ذلك، لكن لا تجهر بخلافك بين الناس؛ لأن الخلاف شر، إنما تسر برأيك ولا تجهر به حتى لا تضعف كلمة المسلمين، ولا تشككهم في أمر دينهم، هذا وبالله تعالى التوفيق.......



الزمن الذي يقضي فيه المفطر صيامه




السؤال: هل لقضاء الصوم أمدٌ محددٌ يجب على الشخص أن لا يتجاوزه، بمعنى: شخصٌ أفطر أياماً من رمضان، هل هناك زمنٌ معين يلزم فيه بإعادة تلك الأيام؟ الجواب: لا أعلم في ذلك خبراً يحدد زمناً للقضاء، بل الله قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] أي: فعدد الأيام التي أفطرها يصومها في الأيام الأخر، ولم يحدد ربنا سبحانه وتعالى في كتابه زمناً لهذا القضاء، فعليه: الأمر مفتوح وواسع. وأيضاً هذا الكلام يحمل إجابة على سؤال قد يطرح، ألا وهو: المرأة التي عليها أيامٌ من رمضان، فلم تستطع أن تقضيها، ودخل عليها رمضان آخر، وصامت رمضان الجديد، وبقي عليها أيامٌ من رمضان سابق، فهل عليها كفارة مع القضاء أم لا؟ فالذي يظهر والله أعلم: أن عليها الإعادة، وليس هناك دليلٌ يلزمها بالإطعام أو الكفارة، وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان يكون عليّ الصيام من رمضان فلا أستطيع أن أقضي إلا في شعبان)، قال يحيى بن سعيد -أحد الرواة- للشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنيع عائشة هذا محمول على الاستحباب، حتى لا تتراكم عليها أيامٌ من رمضان الجديد فوق ما سبق، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



علاقة شهر رمضان بالقرآن




السؤال: ما وجه قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] بين آيات الصيام؟ الجواب: إنه حثٌ بيّن على تلاوة القرآن في هذا الشهر الكريم؛ إذ هو شهره الذي نزل فيه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل بالقرآن في كل عام مرةً في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم عارضه بالقرآن مرتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أرى ذلك إلا لحضور أجلي). وكذلك قد يطرح سؤال مشابهٌ هو: ما وجه تخلل قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] بين آيات الصيام؟ فالجواب: وبالله تعالى التوفيق، والعلم عند الله تعالى: أن هذا أيضاً حثٌ على الدعاء، فالصائم من الذين تستجاب دعوتهم، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر)، وذكر الحديث، فعليه: يستحب للصائم أن يكثر من الدعاء أثناء صومه، ويستحب له كذلك أن يكثر من تلاوة القرآن، هذا وبالله التوفيق. ......



حكم من أكل أو شرب ناسياً




السؤال: ما حكم من أكل أو شرب ناسياً في رمضان أو في صوم تطوع؟ الجواب: من أكل أو شرب ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه، كذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه قال: (من أكل أو شرب ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه)، وهذا نص عام، يشمل صائم الفريضة والنافلة على السواء، وبالله تعالى التوفيق. ......



حكم صيام الصبيان




السؤال: هل يستحب لنا أن ندرب صبياننا على الصيام أم أن هذا فيه مشقةٌ عليهم؟ الجواب: يستحب لك أن تدرب أبناءك وبناتك الصغار على الصيام، وقد أحسن من قال: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه وفي الصحيح عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأمصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار)، أي: أن الطفل كان يصوّم فيدرب على الصيام، فإذا جاع وبكى أعطوه لعبة من الصوف يلعب بها وينشغل بها حتى يؤذن المؤذن للمغرب فيفطرون ويفطر، وقد ورد أن عمر رضي الله تعالى عنه قال لرجل سكران في رمضان: (ويلك! كيف تفطر وصبياننا صيام؟!)، فضربه عمر رضي الله عنه. فالشاهد: أن هذا الأثر يفيد أن الصبية كانوا يصومون زمن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ......



استحباب السحور للصائم




السؤال: هل يستحب للشخص أن يتسحر أم لا يستحب له ذلك؟ الجواب: نعم يستحب للشخص أن يتسحر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)، ويستحب له أن يؤخر ذلك السحور، بمعنى: أنه يجعل السحور قريباً من الفجر، وذلك لما أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية: (أن أدرك السحور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). والرواية الأولى: (أن أدرك السجود)، عليها أكثر العلماء. وكذلك ورد في هذا الباب من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية)، أي: قدر ما يقرأ القارئ خمسين آية، فهذا يدل على تأخير السحور إلى قريب الفجر، وقد قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، وبالله التوفيق.......



وقت إفطار الصائم




السؤال: هل يستحب لي أن أفطر إذا كنت صائماً بمجرد غروب الشمس، أم أن الأولى بي أن أنتظر حتى أتقين من أن الشمس قد غربت، وحتى تشتبك النجوم؟ الجواب: الأولى لك أن تعجل بالفطر إذا تأكدت من أن الشمس قد غربت، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث، الذي أخرجه البخاري وغيره : (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، وكذا جاء عند البخاري من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فصام حتى أمسى، ثم قال لرجل: انزل فاجدح لنا، قال: لئن انتظرت حتى تمسي، قال: انزل فاجدح لنا، إذا رأيت الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم)، فأخذ من هذا تعجيل الفطر، وهو مستحب كما سمعتم، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



وقت إمساك الصائم عن الأكل والشرب




السؤال: إذا أذن المؤذن للفجر وفي يدي لقمة فهل آكلها أم أنني أتوقف عن الطعام؟ الجواب: الذي عليه جمهور أهل العلم: أنك تتوقف عن الطعام مباشرةً إذا سمعت الأذان؛ لأن الله قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، ومن المعلوم أن المؤذن لا يؤذن إلا إذا رأى الخيط الأبيض؛ فهذا مستند الجمهور القائلين بأنك تتوقف عن الطعام. بينما ذهب بعض العلماء إلى أنك تأكل؛ لحديث: (إذا أذن المؤذن وقد وضع أحدكم اللقمة على فيه فليأكلها)، إلا أن الجمهور ضعفوا هذا الحديث، وبالله تعالى التوفيق. ......



عدد ركعات قيام الليل في رمضان




السؤال: كم عدد ركعات قيام الليل في رمضان ؟ الجواب: ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، كان يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعة لا تسأل عن حسنهم وطولهن، ثم يوتر بثلاث)، فأخذ بعض علمائنا يرحمهم الله تعالى من هذا الحديث: أن صلاة الليل لا يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة. أما جمهور العلماء: فرأوا أن الأمر أوسع من ذلك، وذلك للآتي ذكره: وبين يدي ذكر أقوال العلماء وذكر استدلالاتهم ننبه على أمرٍ من الأهمية بمكان كبير، ألا وهو: أننا عند دراسة أي مسألة من مسائل الفقه نأخذ بكل الوارد فيها، ثم نصدر حكماً ينتظم جميع الوارد، ولا نبني على دليل واحدٍ ونترك باقي الاستدلالات، فحديث عائشة رضي الله تعالى عنها المذكور ثابت صحيح بلا شك، ولكن قد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بسند صحيح أيضاً في الصحيح وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)، وكذلك ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في الصحيح وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل فصلى ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر)، فكان المجموع: ثلاث عشرة ركعة. وكذلك ورد نحو هذا من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه، وكذلك ورد في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)، أي: توتر لك ما قد صليت، وكذلك ورد في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، فكل هذه لا بد أن تؤخذ في الاعتبار. وهذا القول له وجاهته وله استدلالاته: أن العبرة في قيام الليل ليست بعدد الركعات، إنما هي بزمن القيام لله، بمعنى: إذا صلى شخص إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق، وصلى آخر أربع ركعات في ساعة كاملة بطمأنينة، قالوا: فالعبرة في زمن القيام، واستدلوا لذلك بأن الله قال: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]. قالوا: فالتعويل هنا على الزمن وليس على عدد الركعات. وكذلك قوله تعالى: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ [آل عمران:113] أي: ساعات الليل، وكذلك قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، وكذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يصف أحب القيام إلى الله الذي هو قيام داود عليه الصلاة والسلام، فيقول: (كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر أحب القيام بأنه ثلث الليل، فهذا التفسير بناءً على الزمن ليس بناءً على عدد الركعات. ولذا ذهب جماهير العلماء إلى أن صلاة الليل لم تؤقّت بتوقيت عدديٍ معين، بل للشخص أن يصلي كما يشاء من الليل؛ إذ ليست هناك ساعات من الليل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، فإذا قال قائلٌ: أنا سأصلي إحدى عشرة ركعة اتباعاً للعدد الوارد عن رسول الله، فنقول: قد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة أيضاً، ثم نقول: إذا أردت أن توافق سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام -وهي خير السنن على الإطلاق- فانظرها كيف كانت، فقد كان يسجد السجدة كما في هذا الحديث التي ذكرته عائشة: (قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية)، فإذا كنت ستصلي منفرداً كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته منفرداً، وتطيق أن تسجد سجدة قدرها خمسين آية؛ فالأولى لك أن تصلي بهذه الطريقة في بيتك وحدك، أما إذا كنت إمام قوم وستصلي بهم تلك الصلاة التي صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، فمن ثم ستشق على المصلين، وسينفض عنك الناس. ولذلك فإذا أردت أن توافق السنة فوافقها صفةً وعدداً، أما أن تصلي عشر ركعات أو إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة وتظن أنك وافقت السنة، وتبدّع الذين يصلون ساعتين أو ثلاث ساعات، فهذا ليس عليه سلفك الصالح يرحمهم الله، وقد قال عطاء رحمه الله تعالى وهو من أجلة التابعين: (أدركت الناس يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة). هذا وقد ورد في هذا الباب: أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أُبي بن كعب رضي الله عنه على إحدى عشرة ركعة، وفي رواية: أنه جمعهم على أبي على ثلاث وعشرين ركعة، والجمع بين الروايتين ممكن، وقد ذهب إلى الجمع بين الروايتين الإمام البيهقي رحمه الله تعالى فقال: في رواية: أن عمر قال: ( نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل ) لما رأى الناس قد اجتمعوا على أُبي بن كعب ففهم من هذا أنهم كانوا يصلونها أول الليل، ثم رواية أخرى عن أبي أنهم كانوا ينصرفون عند بزوغ الفجر، فكانوا يصلون أحياناً في أول الليل، وأحياناً يصلون عند بزوغ الفجر، فلا يمتنع أن يكون أُبي صلى أحياناً بإحدى عشرة وأحياناً صلى بثلاث وعشرين ركعة. وقد قال عدد من أهل العلم: إذا أطلت في القيام فقلل في عدد الركعات، وإذا خففت في القيام فزد في عدد الركعات حتى تصل إلى أحب القيام، وهو قيام داود الذي هو ثلث الليل، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



الاعتكاف في المساجد الثلاثة




السؤال: حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)، هل هذا الخبر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنه ليس بثابت؟ الجواب: هذا الخبر لم يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من قول حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وهو موقوف على حذيفة من قوله، ثم هو محمول على نفي أفضلية، فالمعنى: لا اعتكاف أفضل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة، ويدل على هذا الحمل قول الله تبارك وتعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]. وعلى هذا جماهير العلماء، فجماهير العلماء على جواز الاعتكاف في أي مسجد من المساجد خاصةً المساجد التي تقام فيها الجُمع، حتى لا يضطر المعتكف إلى الخروج لصلاة الجمعة في مسجد آخر، والله تبارك وتعالى أعلم. ......



بداية دخول المعتكف إلى معتكفه




السؤال: ما بداية وقت دخول المعتكف مُعتكفه؟ الجواب: من أراد الاعتكاف، فعليه أن يدخل المعتكف بعد غروب شمس يوم العشرين من رمضان، فعليه سيبيت ليلة الواحد والعشرين، ويستمر في المعتكف إلى أن يظهر هلالُ شوال، فإذا ظهر هلال شوال خرج من معتكفه، هذا هو قول جمهور العلماء في هذه المسألة، أما الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من: (أنه كان إذا صلى الفجر دخل معتكفه)، فهذا ليس المراد به ابتداء الاعتكاف، ولكن عند جمهور العلماء المراد به: وصف العمل اليومي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كلما صلى الفجر دخل معتكفه صلوات ربي وسلامه عليه، وبالذي قلناه من بداية دخول المعتكف معتكفه يكون قد أتم اعتكاف عشر ليالٍ، وبالله التوفيق.......



التحلل من مظالم العباد




أذكر نفسي وإخواني وأخواتي بين يدي هذا الشهر الكريم وفي أثنائه بالتحلل من المظالم، وهو إن كان الصائم الذي صام رمضان يغفر له ما تقدم من ذنبه إذا صامه إيماناً واحتساباُ، فثم ذنوب لا تكاد تغفر إلا إذا تحلل الشخص ممن ظلمهم، وهي المظالم المتعلقة بالعباد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)، فالدين حق متعلق بالعباد، ولا يغفر حتى وإن مات الشخص شهيداً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم). فالله الله في حقوق العباد، خاصة في هذا الشهر الكريم، (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)، ومن جميل المناسبات أن نذكر بأن الربع الذي وردت فيه آيات الصيام في كتاب الله ختمت بقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، أي: إذا كنا قد حرمنا عليكم الطعام والشراب أثناء النهار في رمضان، فكذلك لا تترك الطعام والشراب وتتجه إلى أكل أموال الناس بالباطل، فلا يليق بك أن تمتنع عن الطعام الذي هو سائر العام حلال، وإنما حرم في نهار رمضان، ثم تأكل المال بالباطل، فهو حرام في رمضان وفي غير رمضان. فاتقوا الله أيها الإخوة في أنفسكم، واتقوا الله في إخوانكم المسلمين، (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد). وأيتها الأخت الكريمة! لا يليق بكِ أن تبارزي الرب بالعصيان والتمرد على أمره في رمضان ولا في غير رمضان، فكيف يليق بك أن تتقلبي في نعم الله عليك، وبما أنعم عليك به من حسن منظر وجميل عقل، ثم تتمردين على أمره سبحانه، وهو القادر على أن يبدل النعم إلى نقم، والرخاء إلى شدة، واليسر إلى عسر، عافانا الله وإياكم من زوال نعمته وتحول عافيته، وفجاءة نقمته وجميع سخطه. فالله الله في أنفسنا، لا نظلمها بجلب ما يضرها في دنياها وأخراها، واعلموا أيها المسلمون! أن الله لم يك مغيراً نعمة على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله لا يزيل النعم عن القوم إلا إذا حولوا طاعتهم بالليل إلى معاصٍ، فحينئذٍ تسلب منهم النعم. فها نحن في شهر رمضان يلجأ فيه التائبون والمنيبون إلى ربهم، فاجعلوها بداية طيبة للرجوع إلى الله، فربنا كان للأوابين غفوراً، جعلنا الله وإياكم من الأوابين، وتقبلنا الله وإياكم بقبول حسن. وصل اللهم على نبينا محمد وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ......
التوقيع

ساهموا معنا






رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-01-2012, 02:10 AM
انى احبكم فى الله انى احبكم فى الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

لا اله الا الله
التوقيع

ساهموا معنا






رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-09-2012, 03:06 PM
التاريج الاسلامي التاريج الاسلامي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

جزاكم الله خيرا
علي هذا المجهود العظيم
جعله الله في ميزان حسناتكم
التوقيع

لاغني كالعقل ولافقركالجهل ولاميرات كالادب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-09-2012, 03:08 PM
التاريج الاسلامي التاريج الاسلامي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انى احبكم فى الله مشاهدة المشاركة
لا اله الا الله
سيدنا محمد رسول الله
التوقيع

لاغني كالعقل ولافقركالجهل ولاميرات كالادب
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 07:36 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.