انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-25-2011, 06:37 PM
sasa sasa غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي حول فقه الواقع وعلة ذل المسلمين

 

حول فقه الواقع
للعلامة محمد ناصر الدين الألباني


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد :
فإن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )
فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟
قال : ( بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟
قال : ( حب الدنيا وكراهية الموت ) [ حديث صحيح تراه مخرجا في ( الصحيحة )958 ]


واقع المسلمين :
قد تجلى هذا الحديث النبوي الشريف بأقوى مظاهره وأجلى صوره في الفتنة العظيمة التي ضربت المسلمين ففرقت كلمتهم وشتتت ( صفوفهم)
ولقد أصاب طرف من هذه الفتنة القاسية جذر قلوب عدد كبير من الدعاة وطلبة العلم فانقسموا وللأسف الشديد على أنفسهم فصار بعضهم ( يتكلم ) في بعض والبعض ( الآخر ) ينقد الباقين ويرد عليهم . . . وهكذا

معرفة الحق بالرد :
وليست تلك الردود ( مجردة ) أو هاتيك النقدات ( وحدها ) بضائرة أحدا من هؤلاء أو أولئك سواء منهم الراد أم المردود عليه لأن الحق يعرف بنوره ودلائله لا بحاكيه وقائله عند أهل الإنصاف وليس عند ذوي التعصب والاعتساف وإنما الذي يضير أولئك أو هؤلاء : هو الكلام بغير علم وإلقاء القول على عواهنه والتكلم بغير حق على عباد الله


) مسألة ( فقه الواقع:
ولقد أثيرت أثناء تلك الفتنة العمياء الصماء البكماء مسائل شتى فقهية ومنهجية ودعوية وكان لنا حينها أجوبة علمية عليها بحمد الله سبحانه ومنته
ومن المسائل التي أعقبت تلك الفتنة وكثر الخوض فيها : ما اصطلح ( البعض ) على تسميته ب ( فقه الواقع )
وأنا لا أخالف في صورة هذا العلم الذي ابتدعوا له هذا الاسم ألا وهو ( فقه الواقع ) لأن كثيرا من العلماء قد نصوا على أنه ينبغي على من يتولون توجيه الأمة ووضع الأجوبة لحل مشاكلهم : أن يكونوا عالمين وعارفين بواقعهم لذلك كان من مشهور كلماتهم : ( الحكم على الشيء فرع عن تصوره ) ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة ( الواقع ) المحيط بالمسألة المراد بحثها وهذا من قواعد الفتيا بخاصة وأصول العلم بعامة
ففقه الواقع إذا هو الوقوف على ما يهم المسلمين مما يتعلق بشؤونهم أو كيد أعدائهم لتحذيرهم والنهوض بهم واقعيا لا كلاما نظريا [ أما الكلام ( النظري ) الذي ليس له من ( يتبناه ) عملا ويخرجه إلى حيز ( الواقع ) فعلا ] أو انشغالا بأخبار الكفار وأنبائهم . . . أو إغراقا بتحليلاتهم وأفكارهم

أهمية معرفة الواقع :
فمعرفة الواقع للوصول به إلى حكم الشرع واجب مهم من الواجبات التي يجب أن يقوم بها طائفة مختصة من طلاب العلم المسلمين النبهاء كأي علم من العلوم الشرعية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي علم ينفع الأمة الإسلامية ويدنيها من مدارج العودة إلى عزها ومجدها وسؤددها وبخاصة إذا ما تطورت هذه العلوم بتطور الأزمنة والأمكنة


من أنواع ( الفقه ) الواجبة :
ومما يجب التنبيه عليه في هذا المقام أن أنواع الفقه المطلوبة من جملة المسلمين ليست فقط ذلك الفقه المذهبي الذي يعرفونه ويتلقنونه أو هذا ( الفقه ) الذي تنبه إليه ونبه عليه بعض شباب الدعاة حيث إن أنواع الفقه الواجب على المسلمين القيام بها ولو كفائيا عل الأقل أكبر من ذلك كله وأوسع دائرة منه فمن ذلك مثلا : ( فقه الكتاب ) و ( فقه السنة ) و ( فقه اللغة ) و ( فقه السنن الكونية ) و ( فقه الخلاف ) ونحو ذلك مما يشبهه
وهذه الأنواع من الفقه بعمومها لا تقل أهمية عن نوعي الفقه المشار إليهما قبل سواء منها الفقه المعروف أم ( فقه الواقع ) الذي نحن بصدد إيضاح القول فيه
ومع ذلك كله فإننا لا نرى من ينبه على أنواع الفقه هذه أو يشير إليها وبخاصة ( فقه الكتاب والسنة ) الذي هو رأس هذه الأنواع وأسها هذا الفقه الذي لو قال أحد بوجوبه عينيا لما أبعد لعظيم حاجة المسلمين إليه وشديد لزومه لهم وبالرغم من ذلك :
فإننا لا نسمع من يدندن حوله ويقعد منهجه ويشغل الشباب به ويربيهم عليه

نريد ( المنهج ) لا مجرد الكلام :
نعم كثيرون ولله الحمد الذين يتكلمون في الكتاب والسنة اليوم ويشيرون إليهما ولكن الواجب الذي نريده ليس فقط أكتوبة أو محاضرة هناك إنما الذي نريده جعل الكتاب والسنة الإطار العام لكل صغير وكبير وأن يكون منهجهما هو الشعار والدثار للدعوة بدء وانتهاء وبالتالي أن يكون تفكير المدعوين من الشباب وغيرهم مؤصلا وفق هذا المنهج العظيم الذي لا صلاح للأمة إلا به وعليه
فلا بد إذا من أن يكون هناك علماء في كل أنواع الفقه المتقدمة وبخاصة ( فقه الكتاب والسنة ) بضوابط واضحة وقواعد مبينة


الانقسام حول ( فقه الواقع:(
ولكننا سمعنا ولاحظنا أنه قد وقع كثير من الشباب المسلم في حيص بيص نحو هذا النوع من العلم الذي سبقت الإشارة إلى تسميتهم له ب ( فقه الواقع ) فانقسموا قسمين وصاروا للأسف فريقين حيث إنه قد غلا البعض بهذا الأمر وقصر البعض الآخر فيه إذ إنك ترى وتسمع ممن يفخمون شأن ( فقه الواقع ) ويضعونه في مرتبة علية فوق مرتبته العلمية الصحيحة أنهم يريدون من كل عالم بالشرع أن يكون عالما بما سموه ( فقه الواقع )
كما أن العكس أيضا حاصل فيهم فقد أوهموا السامعين لهم والملتفين حولهم أن كل من كان عارفا بواقع العالم الإسلامي هو فقيه في الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح
وهذا ليس بلازم كما هو ظاهر

الكمال عزيز فالواجب التعاون :
ونحن لا نتصور وجود إنسان كامل بكل معنى هذه الكلمة أي : أن يكون عالما بكل هذه العلوم التي أشرت إليها وسبق الكلام عليها
فالواجب إذا : تعاون هؤلاء الذين تفرغوا لمعرفة واقع الأمة الإسلامية وما يحاك ضدها مع علماء الكتاب والسنة وعلى نهج سلف الأمة فأولئك يقدمون تصوراتهم وأفكارهم وهؤلاء يبينون فيها حكم الله سبحانه القائم على الدليل الصحيح والحجة النيرة
أما أن يصبح المتكلم في ( فقه الواقع ) في أذهان سامعيه واحدا من العلماء والمفتين لا لشيء إلا لأنه تكلم بهذا ( الفقه ) المشار إليه فهذا ما لا يحكم له بوجه من الصواب إذ يتخذ كلامه تكأة ترد بها فتاوى العلماء وتنقض فيه اجتهاداتهم وأحكامهم


خطأ ( العالم ) لا يسقطه :
ومن المهم بيانه في هذا المقام أنه قد يخطئ عالم ما في حكمه على مسألة معينة من تلك المسائل الواقعية وهذا أمر ( حدث ) ويحدث ولكن . . . هل هذا يسقط هذا العالم أو ذاك ويجعل المخالفين له يصفونه بكلمات نابية لا يجوز إيرادها عليه كأن يقال مثلا وقد قيل : هذا فقيه شرع وليس فقيه واقع
فهذه قسمة تخالف الشرع والواقع
فكلامهم المشار إليه كله كأنه يوجب على علماء الكتاب والسنة أن يكونوا أيضا عارفين بالاقتصاد والاجتماع والسياسة والنظم العسكرية وطرق استعمال الأسلحة الحديثة ونحو هذا وذاك
ولست أظن أن هناك أنسانا عاقلا يتصور اجتماع هذه العلوم والمعارف كلها في صدر إنسان مهما كان عالما أو ( كاملا)


خطأ ( الجهل ) بالواقع :
وقد سمعنا أيضا عن أناس يقولون : ( ما يهمنا نحن أن نعرف هذا الواقع ) فهذا إن وقع خطا أيضا
فالعدل أن يقال : لا بد في كل علم من العلوم أن يكون هناك عارفون به متخصصون فيه يتعاونون فيما بينهم تعاونا إسلاميا أخويا صادقا لا حزبية فيه ولا عصبية ليحققوا مصلحة الأمة الإسلامية وإقامة ما ينشده كل مسلم من إيجاد المجتمع الإسلامي وتطبيق شرع الله في أرضه
فكل تلك العلوم واجبة وجوبا كفائيا على مجموع علماء المسلمين وليس من الواجب في شيء أن يجمعها فرد واحد فضلا عن استحالة ذلك واقعا
فمثلا : لا يجوز للطبيب أن يسوغ أحيانا القيام بعملية جراحية معينة إلا إذا استعان برأي العالم الفقيه بكتاب الله سبحانه وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منهج السلف الصالح إذ من الصعب إن لم نقل : من المستحيل أن يكون الطبيب المتمكن في علمه عارفا أيضا بالكتاب والسنة متمكنا من فقههما ومعرفة أحكامهما


التأكيد على وجوب التعاون :
لذلك لا بد من التعاون عملا بقول رب العالمين في كتابه الكريم : ) وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( [ المائدة : ] وبذلك تتحقق المصالح المرجوة للأمة الإسلامية
وهذه المسألة من البداهة بمكان فإن المسلم لا يكاد يتصور عالما فقيها في الكتاب والسنة ثم هو مع ذلك طبيب خريت ثم هو مع ذلك يعرف كما يقولون اليوم ( فقه الواقع ) إذ بقدر اشتغاله بهذا العلم ينشغل عن ذاك العلم وبقدر اهتمامه بذاك العلم ينصرف عن هذا العلم . . . وهكذا
ولا يكون الكمال كما ذكرت آنفا إلا بتعاون هؤلاء جميعا كل في اختصاصه مع الآخرين وبذلك وبه فقط تتحقق المقاصد الشرعية لكل المسلمين وينجون من الخسران المبين كما قال رب العالمين : ) والعصر إن الإنسان لفي
خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (

الغلو فيما لابد منه :
لكن الذي لاحظناه ونلاحظه أن للعواطف الحماسية الجامحة التي لا حدود لها : آثارا سلبية متعددة منها الغلو فيما لا بد منه إذ الواجب الذي لا بد منه يقسم إلى قسمين :
الأول : الفرض العيني وهذا يجب على كل مسلم
الثاني : الفرض الكفائي وهو ما إذا قام به البعض سقط عن الباقين
فلا يجوز أن نجعل الفرض الكفائي كالفرض العيني متساويين في الحكم
ولو أننا قلنا تنزلا : يجب على طلاب العلم الصاعدين أن يكونوا عارفين بفقه الواقع فلا يمكن أن نطلق هذا الكلام في علماء المسلمين الكبار فضلا عن أن نلزم طلاب العلم بوجوب معرفة الواقع وما يترتب على هذه المعرفة من فقه يعطي لكل حالة حكمها

لا ينكر ( فقه الواقع :(
وكذلك لا يجوز والحالة هذه أن ينكر أحد من طلاب العلم ضرورة هذا الفقه بالواقع لأنه لا يمكن الوصول إلى تحقيق الضالة المنشودة بإجماع المسلمين ألا وهي التخلص من الاستعمار الكافر للبلاد الإسلامية أو على الأقل بعضها إلا بأن نعرف ما يتآمرون به أو ما يجتمعون عليه لنحذره ونحذر منه حتى لا يستمر استعمارهم واستعبادهم للعالم الإسلامي وهذا لا يكون جزء منه إلا بتربية الشباب تربية عقائدية علمية منهجية قائمة على أساس التصفية للإسلام من الشوائب التي علقت به ومبنية على قاعدة التربية على الإسلام المصفى كما أنزله على قلب رسول صلى الله عليه وسلم


بين العلماء والحكام :
ومن الأمور التي ينبغي ذكرها هنا : أن الذين يستطيعون حمل الأمة على ما يجب عليها وجوبا عينيا أو كفائيا ليس هم الخطباء المتحمسين ولا الفقهاء النظريين وإنما هم الحكام الذين بيدهم الأمر والتنفيذ والحل والعقد وليس أيضا أولئك المتحمسين من الشباب أو العاطفيين من الدعاة
فعلى الخطباء والعلماء والدعاة أن يربوا المسلمين على قبول حكم الإسلام والاستسلام له ثم دعوة الحكام بالتي هي أحسن للتي هي أقوم إلى أن يستعينوا بالفقهاء والعلماء [ فهم للمسلمين جماعات وأفرادا ضياء السبيل ومنار الطريق وعلى نهجهم يسيرون ] على اختلاف علمهم وتنوع فقههم فقه الكتاب والسنة فقه اللغة فقه السنن الكونية فقه الواقع . . . وغير ذلك من مهمات إعمالا منهم للمبدأ الإسلامي العظيم مبدأ الشورى ويومئذ تستقيم الأمور ويفرح المؤمنون بنصر الله ) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ( [ الشورى : 4 ]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-25-2011, 06:40 PM
sasa sasa غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

علة ذل المسلمين :
ولا بد هنا من بيان أمر مهم جدا يغفل عنه الكثيرون فأقول : ليست علة بقاء المسلمين فيما هم عليه من الذل واستعباد الكفار حتى اليهود لبعض الدول الإسلامية هي جهل الكثيرين من أهل العلم بفقه الواقع أو عدم الوقوف على مخططات الكفار ومؤامراتهم كما يتوهم


من أغلاط بعض ( الدعاة :(
ولذلك فأنا أرى أن الاهتمام بفقه الواقع اهتماما زائدا بحيث يكون منهجا للدعاة والشباب يربون ويتربون عليه ظانين أنه سبيل النجاة : خطأ ظاهر وغلط واضح
والأمر الذي لا يختلف فيه من الفقهاء اثنان ولا ينتطح فيه عنزان : أن العلة الأساسية للذل الذي حط في المسلمين رحاله :
أولا : جهل المسلمين بالإسلام الذي أنزله الله على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام
وثانيا : أن كثيرا من المسلمين الذين يعرفون أحكام الإسلام في بعض شؤونهم لا يعملون بها


التصفية والتربية :
فإذا : مفتاح عودة مجد الإسلام : تطبيق العلم النافع والقيام بالعمل الصالح وهو أمر جليل لا يمكن للمسلمين أن يصلوا إليه إلا بإعمال منهج التصفية والتربية وهما واجبان مهمان عظيمان وأردت بالأول منهما أمورا :
الأول : تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها
الثاني : تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة وتحرير العقول من آصار التقليد وظلمات التعصب
الثالث : تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والمنكرات
وأما الواجب الآخر : فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام المصفى من كل ما ذكرنا تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره دون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة
ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهودا جبارة مخلصة بين المسلمين كافة : جماعات وأفرادا من الذين يهمهم حقا إقامة المجتمع الإسلامي المنشود كل في مجاله واختصاصه


الإسلام الصحيح :
فلا بد إذا من أن يعنى العلماء العارفون بأحكام الإسلام الصحيح بدعوة المسلمين إلى هذا الإسلام الصحيح وتفهيمهم إياه ثم تربيتهم عليه كما قال الله تعالى : ) ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( [ آل عمران : 7 ]
هذا هو الحل الوحيد الذي جاءت به نصوص الكتاب والسنة كما في قوله تعالى :
) إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( [ محمد : ] وغيره كثير


كيف يأتي نصر الله ؟
فمن المتفق عليه دون خلاف ولله الحمد بين المسلمين أن معنى ) إن تنصروا الله ) أي : إن عملتم بما أمركم به : نصركم الله على أعدائكم
ومن أهم النصوص المؤيدة لهذا المعنى مما يناسب واقعنا الذي نعيشه تماما حيث وصف الدواء والعلاج معا قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) [ وهو مخرج في كتابي ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( رقم : 11 ]


سبب( مرض ) المسلمين :
فإذا : ليس مرض المسلمين اليوم هو جهلهم بعلم معين أقول هذا معترفا بأن كل علم ينفع المسلمين فهو واجب بقدره ولكن ليس سبب الذل الذي لحق بالمسلمين جهلهم بهذا الفقه المسمى اليوم ( فقه الواقع ) وإنما العلة كما جاء في هذا الحديث الصحيح هي إهمالهم العمل بأحكام الدين كتابا وسنة
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة ) إشارة إلى نوع من المعاملات الربوية ذات التحايل على الشرع
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأخذتم أذناب البقر ) إشارة إلى الاهتمام بأمور الدنيا والركون إليها وعدم الاهتمام بالشريعة وأحكامها ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورضيتم بالزرع)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وتركتم الجهاد ) هو ثمرة الخلود إلى الدنيا كما في قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ( [ التوبة : 3 ]
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( . . . سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) فيه إشارة صريحة إلى أن الدين الذي يجب الرجوع إليه هو الذي ذكره الله عز وجل في أكثر من آية كريمة كمثل قوله سبحانه : ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضت لكم الإسلام دينا ( [ آل عمران : 1 ]
وفي تعليق الإمام مالك المشهور على هذه الآية ما يبين المراد حيث قال رحمه الله : ( وما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)


الغلو في ( فقه الواقع) :
وأما هؤلاء الدعاة الذين يدندنون اليوم حول ( فقه الواقع ) ويفخمون أمره ويرفعون شأنه وهذا حق في الأصل فإنهم يغالون فيه حيث يفهمون ويفهمون ربما من غير قصد أنه يجب على كل عالم بل على كل طالب علم أن يكون عارفا بهذا الفقه
مع أن كثيرا من هؤلاء الدعاة يعلمون جيدا أن هذا الدين الذي ارتضاه ربنا عز وجل في أمة الإسلام قد تغيرت مفاهيمه منذ قديم الزمان حتى فيما يتعلق بالعقيدة فنجد أناسا كثيرين جدا يشهدون أن ( لا إله إلا الله ) ويقومون بسائر الأركان بل قد يتعبدون بنوافل من العبادات كقيام الليل والصدقات ونحو ذلك ولكنهم انحرفوا عن مثل قوله تعالى : ) فاعلم أنه لا إله إلا الله ( [ محمد : 1 ]


واقع) الدعاة ) مع ( فقه الواقع( :
ونحن نعلم أن كثيرا من أولئك ( الدعاة ) يشاركوننا في معرفة سبب سوء الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم جذريا ألا وهو بعدهم عن الفهم الصحيح للإسلام فيما يجب على كل فرد وليس فيما يجب على بعض الأفراد فقط فالواجب : تصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتصحيح السلوك
أين من هذه الأمة من قام بهذا الواجب العيني وليس الواجب الكفائي ؟ ؟ إذ الواجب الكفائي يأتي بعد الواجب العيني وليس قبله
ولذلك : فإن الانشغال والاهتمام بدعوة الخاصة من الأمة الإسلامية إلى العناية بواجب كفائي ألا وهو ( فقه الواقع ) وتقليل الاهتمام بالفقه الواجب عينيا على كل مسلم وهو ( فقه الكتاب والسنة ) بما أشرت إليه : هو إفراط وتضييع [ أنظر ما سبق ( ص 14 ] لما يجب وجوبا مؤكدا على كل فرد من أفراد الأمة المسلمة وغلو في رفع شأن أمر لا يعدو كونه على حقيقته واجبا كفائيا


القول الوسط الحق في ( فقه الواقع ) :
فالأمر إذا كما قال الله تعالى : ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( [ البقرة : 14 ] ففقه الواقع بمعناه الشرعي الصحيح هو واجب بلا شك ولكن وجوبا كفائيا إذا قام به بعض العلماء سقط عن سائر العلماء فضلا عن طلاب العلم فضلا عن عامة المسلمين
فلذلك يجب الاعتدال بدعوة المسلمين إلى معرفة ( فقه الواقع ) وعدم إغراقهم بأخبار السياسة وتحليلات مفكري الغرب وإنما الواجب دائما وأبدا الدندنة حول تصفية الإسلام مما علق به من شوائب ثم تربية المسلمين : جماعات وأفرادا على هذا الإسلام المصفى وربطهم بمنهج الدعوة الأصيل :
الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة


وجوب المحبة والولاء :
ومن الواجب على العلماء أيضا وعلى مختلف اختصاصاتهم فضلا عن بقية الأمة أن يكونوا ممتثلين قول نبيهم صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد . . . ) [ مخرج في ( الصيحة ) ( 1083 ]
ولا يتحقق هذاالمثل النبوي العظيم بمعناه الرائع الجميل إلا بتعاون العلماء مع أفراد المجتمع تعليما وتعلما دعوة وتطبيقا
فيتعاون إذا من عرفوا فقه الشرع بأدلته وأحكامه مع من عرفوا فقه الواقع بصورته الصحيحة التطبيقية لا النظرية فأولئك يمدون هؤلاء بما عندهم من علم وفقه وهؤلاء يوقفون أولئك على ما تبين لهم ليحذروا ويحذروا
ومن هذا التعاون الصادق بين العلماء والدعاة على تنوع اختصاصاتهم يمكن تحقيق ما ينشده كل مسلم غيور


خطر الطعن بالعلماء :
أما الطعن في بعض العلماء أو طلاب العلم ونبزهم بجهل فقه الواقع ورميهم بما يستحيى من إيراده :
فهذا خطأ وغلط ظاهر لا يجوز استمراره لأنه من التباغض الذي جاءت الأحاديث الكثيرة لتنهى المسلمين عنه بل لتأمرهم بضده من التحاب والتلافي والتعاون


كيف نعالج الأخطاء ؟
وأما الواجب على أي مسلم رأى أمرا أخطأ فيه أحد العلماء أو ( الدعاة ) : فهو أن يقوم بتذكيره ونصحه :
فإن كان الخطأ في مكان محصور : كان التنبيه في ذلك المكان نفسه دون إعلان أو إشهار وبالتي هي أحسن للتي هي أقوم
وإن كان الخطأ معلنا مشهورا فلا بأس من التنبيه والبيان لهذا الخطأ وعلى طريقة الإعلان ولكن كما قال الله تعالى : ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ( [ النحل : 12 ]
ومن المهم بيانه أن التخطئة المشار إليها هنا ليست التخطئة المبنية على حماسة الشباب وعواطفهم دونما علم أو بينة لا وإنما المراد : التخطئة القائمة على الحجة والبيان والدليل والبرهان
وهذه التخطئة بهذه الصورة اللينة الحكيمة لا تكون إلا بين العلماء المخلصين وطلاب العلم الناصحين الذين هم في علمهم ودعوتهم على كلمة سواء مبنية على الكتاب والسنة وعلى نهج سلف الأمة
أما إذا كان من يراد تخطئته من المنحرفين عن هذا المنهج الرباني فله حينئذ معاملة خاصة وأسلوب خاص يليق بقدر انحرافه وبعده عن جادة الحق والصواب


خطر) السياسة ) المعاصرة :
ولا بد أخيرا من تعريف المسلمين بأمر مهم جدا في هذا الباب فأقول :
يجب ألا يدفعنا الرضا بفقه الواقع بصورته الشرعية أو الانشغال به إلى ولوج أبواب السياسة المعاصرة الظالم أهلها مغترين بكلمات الساسة مرددين لأساليبهم غارقين بطرائقهم
وإنما الواجب هو السير على السياسة الشرعية ألا وهي ( رعاية شؤون الأمة ) ولا تكون هذه الرعاية إلا في ضوء الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح وبيد أولي الأمر من العلماء العاملين والأمراء العادلين فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن [ انظر ( الدر المنثور ) ( 4 / 99 ) ]
أما تلك السياسة الغربية التي تفتح أبوابها وتغر أصحابها : فلا دين لها وسائر من انساق خلفها أو غرق ببحرها : أصابه بأسها وضربه جحيمها لأنه انشغل بالفرع قبل الأصل ورحم الله من قال : ( من تعجل الشيء قبل أوانه : عوقب بحرمانه )
والله الموفق للسداد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[ 12 ] سؤال و جواب حول فقه الواقع للعلامة شيخ الإسلام الألباني

</b></i>


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-26-2011, 05:47 PM
*أم مريم* *أم مريم* غير متواجد حالياً
مهتمة بقسم القرآن الكريم وفروعه .
 




افتراضي

رحم الله شيخنا العلامة الألباني رحمة واسعة

وجزاكم الله خيراً على هذه المقالة النافعة
التوقيع



اللهم جاز معلمتنا الخير عنا خيرا واسكنها الفردوس الأعلى من الجنة يارب

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-27-2011, 02:53 AM
sasa sasa غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *أم مريم* مشاهدة المشاركة
رحم الله شيخنا العلامة الألباني رحمة واسعة

وجزاكم الله خيراً على هذه المقالة النافعة
جزا الله خيرا الفاضلة أم مريم ونسأل الله لك خيري الدنيا والآخرة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-27-2011, 01:22 PM
التونسي الصابر التونسي الصابر غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

أنا رأيي أن سبب إنحطاط المسلمين اليوم هو تراكمات على مر التاريخ لأسباب عديدة أرى من أبرزها :
هو نفس السبب الذي نتج عن إنحطاط العرب والمسلمين على مستوى العلوم الدنيوية,,
سأطرح السؤال التالي :
ماهو سبب تراجع الامة الإسلامية على مستوى الإنتاج والصنع بين الأمم؟؟
ربما السبب الرئيسي في نظري ليس كما هو شائع البرنامج الذي يدرس عندنا أو ضعفنا في أمور الفقه للواقع..
أنا ارى أننا شبعنا برامج وتجارب من تجربة البرنامج الفرنسي والإنقليزي والإسباني والأمريكي ولكن دون جدوى ..

حسب رأيي السبب الأول هو إهتمامنا بالنظري وإنشغالنا عن التطبيق في التعليم..أوضح الفكرة :
لب الحديث أننا اليوم أنشغلنا بالفقه والحديث وهذا أمر جيد ولازم لكن هذا نظري فقط أما التطبيق فلا نعطي له أهمية أكبر أو نفس الأهمية..
أضرب مثلا:
اليوم ترى الإنشغال بالحفظ بالقران والحديث والمتون ووو,,وهو أمر لازم لكل متعلم وهذا لا يختلف فيه أثنان ,,
وأين التطبيق,, أقصد تطبيق القران ,,نعم تطبيق السنة أين هي في المنهج التعليمي عندنا , طبعا الإجابة ليس لها أهمية كأهمية النظري أقصد كأهمية الحفظ,,
نعم نحن اليوم مشكلتنا أننا اهتمينا بالحفظ و بالكلام وبالجدال لكن الفعل والتطبيق والعمل لم نهتم به بل ربما لا نجده أصلا في بعض الحالات,,وقس ذلك على كل علم من العلوم...
آنظر سلمك الله منهج الحبيب وهو يعلم الصحابة منهج التعليم مع العمل: من أصبح منكم اليوم صائما ,, فيجيبه أبا بكر ,,ويبين صلى الله عليه وسلم فضل الصيام وو,, إذن العلم مع العمل.

شكرا ساسا على الموضوع والله أسأل أن يجعل لهذه الأمة مخرجا من هذا التشرذم والجمود والسلبية...
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-28-2011, 06:34 AM
sasa sasa غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التونسي الصابر مشاهدة المشاركة
أنا رأيي أن سبب إنحطاط المسلمين اليوم هو تراكمات على مر التاريخ لأسباب عديدة أرى من أبرزها :
هو نفس السبب الذي نتج عن إنحطاط العرب والمسلمين على مستوى العلوم الدنيوية,,
سأطرح السؤال التالي :
ماهو سبب تراجع الامة الإسلامية على مستوى الإنتاج والصنع بين الأمم؟؟
ربما السبب الرئيسي في نظري ليس كما هو شائع البرنامج الذي يدرس عندنا أو ضعفنا في أمور الفقه للواقع..
أنا ارى أننا شبعنا برامج وتجارب من تجربة البرنامج الفرنسي والإنقليزي والإسباني والأمريكي ولكن دون جدوى ..

حسب رأيي السبب الأول هو إهتمامنا بالنظري وإنشغالنا عن التطبيق في التعليم..أوضح الفكرة :
لب الحديث أننا اليوم أنشغلنا بالفقه والحديث وهذا أمر جيد ولازم لكن هذا نظري فقط أما التطبيق فلا نعطي له أهمية أكبر أو نفس الأهمية..
أضرب مثلا:
اليوم ترى الإنشغال بالحفظ بالقران والحديث والمتون ووو,,وهو أمر لازم لكل متعلم وهذا لا يختلف فيه أثنان ,,
وأين التطبيق,, أقصد تطبيق القران ,,نعم تطبيق السنة أين هي في المنهج التعليمي عندنا , طبعا الإجابة ليس لها أهمية كأهمية النظري أقصد كأهمية الحفظ,,
نعم نحن اليوم مشكلتنا أننا اهتمينا بالحفظ و بالكلام وبالجدال لكن الفعل والتطبيق والعمل لم نهتم به بل ربما لا نجده أصلا في بعض الحالات,,وقس ذلك على كل علم من العلوم...
آنظر سلمك الله منهج الحبيب وهو يعلم الصحابة منهج التعليم مع العمل: من أصبح منكم اليوم صائما ,, فيجيبه أبا بكر ,,ويبين صلى الله عليه وسلم فضل الصيام وو,, إذن العلم مع العمل.

شكرا ساسا على الموضوع والله أسأل أن يجعل لهذه الأمة مخرجا من هذا التشرذم والجمود والسلبية...
الأخ الفاضل التونسي الصابر جزاك الله خير الجزاء
وقد سبق بها عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال:
"تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن وإنه يجيءأقوام بعدنا يتعلمون القرآن يشربونه شرب الماء يقيمون حروفه ولا يقيمون حدوده"

جزاك الله خيرا أخي
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المسلمين, الواقع, ذم, حول, فقه, نغمة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 01:11 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.