انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-03-2011, 10:43 PM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي خبز الحرية المحترق ! / وجدان العلي

 

خبز الحرية المحترق!
وجدان العلي

كلّما هبت فتنة لنزع الظلم وقهر القيد، قلت في نفسي: أيُّ محنةٍ يصنعها سكوت أهلِ العلمِ عن قول الحق والقيام بالقسط، مما يترك الشارع بعيدًا عن "الشارع"، فتشيع الفوضى وينفلت الزمام..؟!
ومهما تنادت القلوب بأن اعتصموا بالصبر والزموا غَرْزَ السُّنَّة،، يظل للظلم عمله في النفوس التي لا تستجيب؛ فصوت العَقْلِ لا يُسمَعُ عند هُبوبِ العاصِفَة!

وإذا غاب العلم عن الساحة، وغاب حاملوه الربانيون، وُسِّدَ الأمر لغير أهله، وقَبِل العقل الجمعي كلّ ما يَرِد له، طالما لم يكن مؤسسًا على العلم، ولم يكن عارفًا بمنهج التغيير، وسنن الأنبياء والمرسلين، وسنن الله تعالى في خلقه.

وكل المحن إنما تفشو في ظلال الجهل، وعتمة التقليد الذي ينادي أمعاء الناس وبطونهم الخاوية..والجائع المقهور سريع الانفعال والاشتعال.. يقبل القول الشارد والصيحة الثائرة، ويهب بلا بصيرة وسط الجموع المتنادية..

يسمع الكل هذه الأيام عن الدعوة المنتشرة للثورة في مصر والنزول إلى الشارع، قياسًا على ما كان في تونس، وهي دعوة نشأت في الفراغ، ناسيةً أن مصر ليست تونس، وأن الخلط بين البلدين في التصور والتعامل يدل على عدم الوعي بحال مصر، والحال التي كانت عليها تونس..

مصر مع الظلم الذي يقع، والفساد الذي يتوغل، تُقام فيها الصلوات وينتشر النقاب، ويُرفع صوت الأذان، ويصطف الملايين للصلاة في الجوامع والمحافل، ويُسمع الخير ويُطلب العلم، وتونس كانت بالحال الذي علمه ويعلمه الكل!

ولطالما تكلم العلماء والمفكرون عن الفساد والظلم والبغي وغياب العدالة، ولكن الربّانيين يعلمون أن الظلم لا يُدفع بالجهل، والحرية لا تُنال بالشّطط، وإنما بالإيمان والعمل الصالح، وإن للنور طريقًا واحدًا، عرفه من عرفه وجهله من جهله: (إياك نعبد وإياك نستعين).. لا بشعارات الغضب، ولا بهتافات الثورة الجائعة..

المشهد صاخب ساخن، والتعليقات في المنتديات والمواقع مفعمة بالغضب، والتواصي بالنزول إلى الشارع، والقيام بالثورة، والتجمع صفًّا واحدًا لنزع الفساد وقهر الرشوة والإطاحة بالبطالة. ثم ماذا بعد؟ إذا ما نُحِّيَ كرسي، وتُرِكَ مقعد، وفرّغت الساحة، ما الهدف والغاية والتصوّر؟ لا تحسّ إذا دخلت هذه المنطقة إلاّ بالصّمت المبهم، وإنما هو التغيير وحسب، ولو بأي شيء- كما قال بعضهم- بلا علمٍ بالواقع ولا ضابط من الشرع!

سألت نفسي سؤالاً: لو أن هذا التنادي الحارّ، للحصول على خبز الحرية، كان هو هو بنفس منطقه، وحرارته، وسخونته، والاحتشاد الْمُصَوَّر والمتكلم، كان للنهضة بالمجتمع نفسه، عبر التغيير في معاني الذوات لا في الذوات، والقضاء على جذور "الفساد" لا على "ثمرته"، والتفتيش عن الغائب من ديننا وقيمنا وثقافتنا وأخلاقنا، لإعادته بالقوة نفسها، والحرارة نفسها، أفما كان يكون لأوطاننا وجه آخر، ليس مفصولًا عن جسده، وإنما نابعٌ من نفوسنا وأفعالنا وسلوكنا؟

تصوّرت المشهد لشبابٍ تواعدوا وتعاهدوا فيما بينهم للقضاء على البطالة الفكرية والسلوكية والأخلاقية والعلمية، ونزع الفساد والظلم والغش الذي يسكن كثيرًا من غرفنا، ويشاركنا خبزنا اليومي، بالسلوك الخاطئ، والعبادة المتثائبة، والصدق المرتجف، أفما كان هذا سبيلاً عظيمًا لتضييق منافذ الفساد، والقضاء عليه؟

لو انطلق الشباب بحيويّتهم تلك للقضاء على "العادة" التي تألَّهت في غياب الشرع، والتقاليد التي تحكّمت، وتواصى الكل بإعادة الحياة من جديد على أصلها الثابت من الحق والعدل الذي قامت به السماوات والأرض، بعيدًا عن هذا الطغيان الذي يمارسه الأفراد فيما بينهم، ويتمادى صاعدًا متوغلاً في النفوس والعقول والأرواح، حتى يتسلط عليها الظلم؛ لأنه في الحقيقة نبع منها، وتخلق فيها، أفما كان لحياتنا ألقها الحقيقي؟ أم أن البحث صار مغموسًا في علاج العرض ونسيان المرض؟!

إن الظلم لا ينشأ في الفراغ، ولا يسكن العدم، وإنما ينشأ في البيئة التي تحتضنه، والنفوس التي إن كرهته يومًا، قبلته أيامًا، ومارسته، وأغضت عنه، واتخذته منهجًا تعيشه وتقتات عليه، والمنهج التبريري جاهز للدفاع: "هكذا الناس، وماذا سنفعل، والناس سيقولون لنا، وهذا هو ما عليه الناس"؟!

والدين بقواعده وأحكامه، والحضارة الأخلاقية التي لا تقوم إلاّ بالسلوك الحي، أين هي؟!

إن خبز الحرية لا ينضج إلاّ بالصبر، ويحترق بالاشتعال، والصبر لا يعني القعود، بل الانطلاق بلا توقّف ولا سأم للتغيير من ذواتنا وأساليب حياتنا، وتصحيح مشاعرنا ومناهجنا السلوكية والعلمية والثقافية..
والعقل يقضي أن تغيير الطلاء لن ينفع البناء المتآكل، وارتحال الوجوه لا يعني غياب مناهجها التي غرستها وزرعتها، فصارت أصلًا مشتركًا في النفوس، ينبغي أن يرتحل أولاً؛ فليست القضية في شخص الظالم، ولكن في البيئة الحاضنة لظلمه أيضًا!

المصدر
الاثنين 20 صفر 1432 الموافق 24 يناير 2011
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
!, /, المحترق, الحرية, العلي, حبس, وجدان


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 12:19 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.