من هو العالم وكيف تتعلم

[طالب النجاة]

 

من كتاب
ماذا يريد الله منك؟
للشيخ أبي عبد الرحمن/علي بن قاسم،-حفظه الله-

من هو العالم؟ وكيف تتعلم؟!

من هو العالم؟!

قد تقول:

إذا كان الواجب علينا أن نتعلم ديننا على أيدى العلماءالراسخين ،فهلا وضعت لي ضوابط وقواعد لأتعرف من خلالها على وصف العالم الذي أتلقَّى العلوم الشرعية على يديه ؛خاصةً في هذا الزمان الذي تبدَّلت فيه الموازين ،واختلت فيه الأفكار ،وأقبل الناس على المسيء،وأعرضوا عن المُحسِن ،بل كُمِّمَت أفواه أهل العلم والذكر والقول والبيان، وتعالت أصوات من ليس لهم في عير العلم ولا نفير الفهم،وَوُسِّد الأمر إلى غير أهله،

وغاب أهل الحلِّ والعقدعن الأسماع والأنظار،حتى أصبح الواحد في حيرة

من أمره، فهو لايعرف {مَنْ يُصَدَّقُ ،ومن يكذَّب ؟!،ومن هو العالم الذي ينبغي أن يؤخذ منه العلم}؟!.

والجواب:

نعم.. إن كلَّ ما ذكرته -أيها الأخ الكريم-واقع مرير،تحياه الأمة؛

لذافنحن نناديأمتنا المسلمة أن تأخذ العلم من أهله المتخصصين ،ممن لديهم اليد الطولَى في تحصيل العلوم الشرعية.

ويؤكد على ذلك الإمام الشاطبيُّ-رحمه الله- فيقول :

(إنَّ من أنفع طُرُق العلم الموصِّلة إلى غاية التحقق به:أخذه عن أهله المتحققين بهعلى الكمال والتمام)[الموافقات (91/1)].

إذن .. فالأصل في التعلُّم:

هو الدراسة على الشيوخ ،وقراءة الكتب على يد العلماءالمتحققين المتقنين ، فإنهم -بعد عون الله تعالى- عون للطالب على فهم العلوم على وجهها الصحيح.

أما عن الإجابة على سؤال : {

من هو العالم ؟!} ،

فأقول:

إن الموصوفين بالعلم -ولشديد الأسف- عند عامة الناس على أصناف:

فمن الناس

من يظن ُّ أن كلَّ رجل يُشار إليه بالبنان - لأنه من البلغاء أو الفُصَحاء في خطبه ومحاضراته ،ونحو ذلك - يقال له :(عالم).

ومن الناس

من يتوهم أن العلماء هم هؤلاء الساسة الذين يخضون في الأحداث، يتكلَّمون فيها بما يُسَمُّونه <فقه الواقع>,أو <فقه الجرائد والمجلات>يفتئتون على الأمراء والحُكَّام والعلماء الصادقين ،بلا هدى أو بصيرة .

ومن الناس

من يُطلِق لفظ العالم على كل من أطلق لحيته ,وقصر ثوبه,وقام ببعض المهام الدعوية.

ومن الناس

من يُطلِق لفظ العالم على من حصَّل شيئا من سماكة جلدة وجه كتاب.

ومن الناس

من لا يُفَرِّق بين العالم المُجتَهِد,والرجل المُقلَّد,وبين الطالب والعالم ،وبين القاضي ,والواعظ فالكل عنده علماء يستفتيهم ،ويأخذ عنهم.

فكان من الواجب أن نحدد المفهوم الصحيح لمن يُطلَق عليه لفظ العالم ؛

لنقضي بذلك على التنازع والاختلاف والجدال السفسطائي ,وهذا من أعظم الطرق لجمع كلمة المسلمين .

وصف العالم

العالم:هو من يخشي الله تعالى،ويعمل بمقتضى علمه.

ويعرف العالم الربَّانيّ بأنه:

رجلٌ ربَّانيّ..؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:<الربانيُّ هو :الحكيم الفقيه>،وقال مجاهد: <الربَّانّي:الفقيه>، وقال

مسعود بن مالك أبو رزين الأسدي:<الربَّاني:الحكيم العالم>،وقال قتادة:

<الربَّاني:العالم الجليل>.

إذن فالعالم الربَّانيّ:هو العالم الفقيه الحكيم البصير العامل ، الذي يدل الخلق على الحق بحق، ويأخذ بأيديهم إلى الجنة -بأقواله وأفعاله -].

ويُعرَف العالم:بجده في طلب العلم ،واجتهاده في التفقـُّه في الدين ،والتلقي عن المشايخ ،وملازمتهم زمناً معتبراً.

كما يُعرَف العالم

بشيوخه ،من هم؟وكيف هم ؟ كذلك فإنه يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم ؛لأخذه عنهم ، وملازمته لهم ، ثم بشهادتهم له برسوخ قدمه في هذا العلم،أو إجازتهم إياه.

و

يُعرَف العالم بتركه التقليد.

كما يُعرَف العالم

بكبر سنه ؛ لأن الشيخ زالت عنه متعة الشباب،وحدَّته،وعجلته،وسفهه،واستحصب التجربة والخبرة.

و

يُعرَف العالم بآثاره : من الإنتاج العلمي ، والتصنيف، والدروس، والفتاوى، وكذا تلاميذه، ويُعرف بتميزه، ورسوخ قدمه، في مواطن الشبهات، حين تضل الأفهام، وتتزلزل الأقدام، وبمواقفه العلمية والعملية، وثباته في الفتن والابتلاءات، وأخذه بحظ وافر من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

و

يُعرَف العالم بأنه ممن كملت أهليته، وصحَّت عقيدته، وتحققت ثقته، وظهرت مروءته، كما يُعرف بمحاسن الأخلاق عمومّا .

و

يُعرَف العالم بالعبادة، والتنسُّك، والورَع، والخشوع، كما يُعرف بأنه يوضع له القبول في الأرض.

وقد قال ابن عبد البر في كتابه الماتع:

<جامع بيان العلم وفضله> فصلاً بعنوان: <من يستحق أن يُسمَّى فقيهًا أو عالمًا حقيقةً لا مجازا< ًفليراجعه من شاء، ففيه فرائد وفوائد

فإذا علمت سمات العالم المحقق، فإنك ستدرك من هم العلماء على الحقيقة،

ومن الذين يتزيون بزيِّ العلماء زوراً وبهتانًا؟!

وستسقط أمام عينك أقنعة عن وجوه أناس كانوا يُحسبون عند الناس من أجِلَّة أهل العلم، فإذا هي بادية الصفرة، تضطرب على صفحاتها ذُبالات أفناها الغرور، وأماتها الجهل الفاضح.

أخيراً..

فاحذر -عبد الله- أمثال هؤلاء المزورين المضلين، ولا تغُرَّنك -أخي الحبيب- الأسماء اللامعة، ولا المناصب العالية الرفيعة؛

ولكن اتَّبع العلماء الربانيين السلفيين، واسلك سبيلهم، وتدرج على أثرهم، وتتبع فهمهم، فهم زوامل دين رب العالمين ، الذين نطقوا بهم الكتاب، وبه نطقوا، وبهم قامت السنة، وبها قاموا، واحذر الدعاة المضلين العلماء المزورين، وأنصاف المتعلمين.

الحذر الحذر

قد يقول قائل :

وما الداعي إلى الذهاب إلى العلماء،ولماذا لاأقرأ الكتب الشرعية وحدي، وأستفيد منها، وأنهل من كنوزها العلمية؟!

والجواب: نقول لمن أراد دراسة العلوم الشرعية وحده:

ستضيع عمرك ووقتك هباءً، وستفسد أكثر مما تُصلِح، والواقع خير شاهد على صدق ما أقول فما ظهر هذا التمزق الفكري، والتشتت الدعوي، والانقسام الحركي؛ إلا بعد ظهور طلاب الكتب، وتلاميذ الصحف، فأصبحتَ ترى الفهم الأعوج، والفتاوى الشاذة، والتعالم المقيت، والجرأة على العلماء بغير دليل رشيد، ولا فهم سديد.

..ويرحم الله الشافعي إذ يقول :

(من تفقَّه من بطون الكتب ضيَّع الأحكام)، وقال أحد السلف: (من دخل في العلم وحده، خرج منه وحده).

إذن..

فالمسلك الصحيح الرشيد: هو أخذ العلم عن أهله، وهذا من أحسن وأنفع الطرق في طلب العلم.

كيف تتعلم؟!

1-

عليك بتقوى الله سبحانه وتعالى؛ إذ هو القائل سبحانه{ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} (سورة البقرة282).

2- يستحب سؤال العبد لربه أن يرزقه العلم النافع

؛فلقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: <اللهم انفعني بما علمتني، وعلِّمني ما ينفعني، وزدني علمًا>[رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه (47/1)].

3-

اجتنب جميع المعاصي؛ صغيرها وكبيرها؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: <إني لأحسب الرجل ينسي العلم يعلمه بالذنب يعمله>.

4- إياك أن تنشغل بالأحاديث والآثار عن كلام رب العالمين بل اجعل الحظ الأكبر والنصيب الأوفر لكتاب ربك تلاوة وحفظًا وتدبرًا وفهمًا، واعلم أن كل ما شغلك عن القرآن فهو شؤم عليك.

5-اجتهد في طلب العلم بمنهجية: عن طريق ملازمة العلماء والشيوخ في المساجد، واعلم أنه لا يهلك العلم حتى يكون سرًّا.

6-إن استطعت الإلتحاق بمعهد من معاهد إعداد الدعاة، أو بحلقة من الحلقات العلمية فافعل.

7-

أكثر من الإطلاع والقراءات الخاصة المُرتَّبة المنتقاة،

واحرص على الاسترشاد في هذا السبيل بآراء ذوي العلم والرأي من الراسخين في العلم، مع لزوم الحزم في التنفيذ والمتابعة.

8-تعلم كيف تقرأ؟ ولمن تقرأ؟ وكيف تنتقي الكتب؟ وكيف تكون مكتبة قيمة؟ وما هي الفروق الدقيقة بين الطبعات؟! ومن هم أفضل المحققين في زماننا؟

9-احرص على المحافظة على الأوقات،وأحسن ترتيبها، واحرص على استغلالها، بحيث تعطي كل ذي حق حقه، بدون غلوٍّ، ولا جفاء.

10-أكثر من الاستماع إلى أشرطة التسجيل، خاصةً

لعلمائنا الأجلاء:

كسماحة الشيخ/ ابن باز -رحمه الله-، وفضيلة الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-، والشيخ الألباني -رحمه الله-، والشيخ /صالح الفوزان -حفظه الله-، وفضيلة الشيخ/ ابن جبرين -شفاه الله-، والشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-، وفضيلة الشيخ/ بكر أبو زيد -رحمه الله-،... وغيرهم.



.. واستمع إلى شرائط مشايخنا المبرزين في بلادنا : كشيخنا د/ محمد بن عبد المقصود -حفظه الله-، وشيخنا/ محمد بن إسماعيل المقدم -حفظه الله-، وشيخنا أبي إسحاق الحويني -حفظه الله-، وشيخنا محمد صفوت نور الدين -حفظه الله-، وشيخنا/ مصطفى بن العدويّ -حفظه الله-،، وشيخنا/ عبد العظيم بن بدوي -حفظه الله-، وشيخنا/ محمد بن حسان -حفظه الله-، وشيخنا/ وحيد بن عبد السلام بالي -حفظه الله-، وشيخنا/ محمد حسين يعقوب
-حفظه الله- ،..وغيرهم.
ويمكنك متابعة هذه الأشرطة عبر الشبكة العنكبوتية على المواقع الإسلامية الآتية: <موقع صيد الفوائد، و موقع طريق السلف، ومنتدى فرسان السنة، وموقع طريق الإسلام، ومنتدى الحور العين>.
11-احرص على التحلي ببعض صفات طالب العلم
كالإخلاص لله تعالى: بأن تبتغي بعلمك وجه الله والدار الآخرة،والمجاهدة، والصبر، وتحمُّل المشاق، وسعة الصدر، والتواضع في طلب العلم، والإقبال على العلم، والجدّ في تحصيله، والبعد عن الجدال العقيم والمراء الباطل، كذلك فاحرص على التحلي بالورع والتقوى، وبذل العلم للناس، والجرأة في الحق، والاستمرار في طلب العلم حتى الممات، وكذلك يمكنك أن تراجع كتاب: <حلية طالب العلم> للشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-
12-احذر الآفات التي قد تصيب بعض طلاب العلم: كالغرور، والتعالي، والقول على الله بلا علم، والتحاسد، والتباغض، والحقد، وقد وَضَّحَ الشيخ/ أحمد أبو العينين -جزاه الله خيرًا- صاحب كتاب <سبائك الذهب في كشف آفات الطلب> هذه الأمور وغيرها بجلاء، فأنصح بمراجعة هذا الكتاب.
13-عليك بتوقير العلماء واحترامهم وحفظ، مكانتهم، وعدم تجريحهم، أو انتقاصهم؛ قالالشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: (إن أغرَّ شيء في الأمة هُم العلماء، فلا يجوز أن ننتقصهم بالجهل، والغباوة، والمداهنة، أو نسميهم علماء سلطة، فإن هذا يحمل في طيَّاته خطرًا عظيمًا على الأمة).[<وجوب التثبُّت في الأخبار، واحترام العلماء>للشيخ/ الفوزان(ص45)]
14-

احرص على الإهتمام بدراسة الأصول الواجب تعلمها في كل علم، ولا تتفرع منذ البداية، واعلم بأن التفرع عطب.....

15-

احرص على قراءة كتب المتقدمين والمتأخرين من أهل العلم،

واحذر أن تتعصب لشيخ بعينه، أو لمذهب بعينه، أو لجماعة بعينها.

[مع الله]

جزاكم الله خيراً ونفع بكم

[أم عبد الرحمن السلفية]

جزاكم الله خيراً وبارك فيكم .