انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-19-2012, 09:31 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي رد ابن القيم على المنكرين للاستواء للشيخ سفر الحوالي

 

  • <LI class=title>رد ابن القيم على المنكرين للاستواء
  • الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
  • من درس: العرش والكرسي (الحلقة السابعة)

ننتقل الآن إلى ما سطره الشيخ الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله، حيث ذكر في (2/126) من مختصر الصواعق المرسلة ، رده على القائلين بالمجاز، ومن ضمن ذلك قال: "المثال الثالث: قوله: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] في سبع آيات من القرآن، حقيقة عند جميع فرق الأمة إلا الجهمية ومن وافقهم" يعني بذلك: المؤولين من الماتريدية والأشعرية ، قال: "فإنهم قالوا: هو مجاز، ثم اختلفوا في مجازه والمشهور عنهم ما حكاه الأشعري عنهم، وبدعهم وضللهم فيه، أنه بمعنى: استولى أي ملك وقهر"، والأشعري رحمه الله ذكر في كتابه المقالات ذكر أن تفسير (استوى) بـ(استولى) من كلام أهل البدع والضلال، نص على ذلك ونسبه إلى أولئك الجهمية ومن اتبعهم.


يقول: وقالت فرقة منهم: بل معنى قصد وأقبل على خلق العرش"، سبحان الله! وهذا منعكس؛ لأن العرش مخلوق قبل السماوات والأرض قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7] أي: قبل أن يخلق السماوات والأرض، {وكتب في الذكر كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة } ثم بعد الخمسين ألف سنة خلق السماوات والأرض، ثم لما خلقهما استوى على العرش؛ وهذا الترتيب معلوم واضح لدى من فقهه الله، فقولهم: (إنه قصد وأقبل على خلق العرش) هذا من أبطل الباطل.

يقول: "وقالت فرقة أخرى: بل هو مجمل في مجازاته" أي بعضهم تفنن فقال: هذا مجازاته كثيرة مجملة فلا نستطيع التعيين، قال: "يحتمل خمسة عشر وجهاً، كلها لا يُعلم أيها المراد" سبحان الله! يتركون الشيء الواضح الذي قالته العرب، وذكره السلف ، ويبحثون عن المجهولات والمعميات، وكأنها ألغاز لا تفقه.


يقول: "لا يعلم أيها المراد، إلا أنا نعلم انتفاء الحقيقة عنه بالعقل".

ثم قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا الذي قالوه باطل من اثنين وأربعين وجهاً" وهذا يدل على سعة علمه وفقهه، حيث أبطل قولهم: بأن الاستواء مجاز، وليس حقيقة، من اثنين وأربعين وجهاً، الواحد منها يكفي ويشفي ويغني، وهذا من قوة الحجة التي أعطاها الله تبارك وتعالى بفضله ومنه وكرمه أهل السنة فالعامي من أهل السنة يغلب ألفاً من المشركين، كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ والعامي الموحد يرد على الفئام من المتكلمين ويغلبهم؛ لأنه يرى أن العلو أمر فطري بدهي لا يحتاج إلى استدلال، والمتعلم منهم: يستطيع أن يرد بثلاثة أوجه أو أربعة أوجه، أما العالم المتبحر المتعمق فيرد بأربعين وجهاً أو بخمسين أو بمائة وجه، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد رد على الأشعرية -في قولهم: إن القرآن ليس كلام الله، بل هو كلام لفظي نفسي، وتقسيمه إلى نفسي ولفظي- رد عليهم في الرسالة التسعينية من تسعين وجهاً.


وهذه من حجة الله التي أعطاها أهل السنة .

والرسالة التسعينية موجودة في المجلد الخامس من الفتاوى الكبرى .

معاني الاستواء عند ابن القيم
نأخذ الوجه الأول؛ لأن المهم عندنا هو معرفة معنى الاستواء في لغة العرب، وإذا فقهناه فما بعده فهو واضح، يقول ابن القيم رحمه الله: "أحدها: أن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله تعالى بلغتهم، وأنزل بها كلامه نوعان: مطلق ومقيد، فالمطلق: ما لم يوصل معناه بحرف" أي: لا يتعدى بحرف (إلى) ولا (على) ولا أي حرف من الحروف المتعدى بها.

يقول: "مثل قولـه تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [القصص:14] وهذا معناه كمل وتمَّ، يقال: استوى النبات واستوى الطعام" بمعنى: نضج، فاستوى بمعنى: تمَّ وكمل ونضج، هذا المطلق.


قال: "وأما المقيد فثلاثة أضرب" أي: بحسب الحرف الذي يتعدى به فعل (استوى).

"أحدها: مقيد بـ(إلى)، كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [فصلت:11]، واستوى فلان إلى السطح، وإلى الغرفة، وقد ذكر الله سبحانه هذا المعدى بـ(إلى) في موضعين من كتابه: في البقرة في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29]، والثاني في سورة السجدة قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [فصلت:11]".

ومقصوده رحمه الله سورة فصلت، وقال: في سورة السجدة؛ لأن فيها سجدة، فهو من باب تعدد أسماء السور، فإذا قيل: (الم السجدة) فهي تلك المعروفة عندنا بسورة السجدة، أما إذا قيل: (حم السجدة) فهي (فصلت).

يقول: "وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف ، كما سنذكره ونذكر ألفاظهم بعد إن شاء الله.

والثاني: مقيد بـ(على)، كقوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:13] وقوله: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44] وقوله: فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29] وهذا أيضاً معناه العلو والارتفاع والاعتدال، بإجماع أهل اللغة.

الثالث: المقرون بواو (مع)، التي تعدي الفعل إلى المفعول معه، نحو: (استوى الماء والخشبة)، بمعنى: ساواها" واستوى زيد وعبد الله، أي: تساويا، إما في العلم، أو في العمر، أو وصلا إلى غاية السباق سواء، ونقول: استوى زيد وعبد الله، أي: تماثلا وتشابها كما تقدم في كلام ابن الأعرابي .

انتفاء ورود (استوى) بمعنى (استولى)
يقول: "وهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم، ليس فيها معنى (استولى) ألبتة، ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يعتمد قولهم، وإنما قاله متأخرو النحاة ممن سلك طريق المعتزلة والجهمية . "

نقل الشيخ الغنيمان في كتاب التوحيد ، عن الإمام الطبري : أن استوى جاءت في لغة العرب على أربعة معان، وذكر منها: (استولى)، وذكر ذلك غيره من المفسرين.

وسبب ذلك: أنهم يذكرون كل ما ورد سواء صح أو لم يصح، فإذا كان أئمة اللغة الثقات المعتد بهم لم ينقل عن أحد منهم ذلك فلا يؤخذ به، كما في كلام ابن الأعرابي وثعلب فقد نفيا أن يعلم في كلام العرب هذا المعنى.


الرد على استدلال أهل الأهواء ببيت الأخطل
من عجائب أهل البدع أنهم يتركون كلام الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام السلف الصالح من الصحابة والتابعين في مسألتين عظيمتين من مسائل العقيدة، وهي مسألة القرآن وصفة الكلام، ومسألة الاستواء والعلو، وأخذوا فيهما ببيتين نسبا إلى شاعر نصراني، سكِّير عربيد، لا يؤخذ بقوله في دين، وإن قيل: إنه يحتج به في اللغة.

البيت الأول: هو ما يكررونه ويذكرونه في معنى كلام الله عز وجل، وهو قول الأخطل :

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

قالوا: الكلام له معنيان: لفظي ونفسي، وكلام الله نفسي، أما ما في المصاحف فمخلوق، فتركوا كل ما صح وما قيل وأثر حتى في القرآن نفسه مما جاء صريحاً، بأن هذا القرآن كلام الله عز وجل، وأخذوا بقول هذا الشاعر النصراني الأخطل ، إن صح أنه قاله؛ فقد روي عنه في البيت هكذا:

إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

وليس: إن الكلام.

والبيت الثاني: هو ما يذكرونه في معنى الاستواء:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق

قالوا: (استوى) هنا بمعنى (استولى)، ثم زعموا أنه هو المعنى المراد في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

قال ابن القيم رحمه الله رداً على البيت الشعري السابق: "الوجه الثاني: أن الذين قالوا ذلك لم يقولوه نقلاً، فإنه مجاهرة بالكذب، وإنما قالوه استنباطاً منهم وحملاً للفظة (استوى) على (استولى)، واستدلوا بقول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق

وهذا البيت ليس من شعر العرب أصلاً كما سيأتي بيانه" وقد أجـاد وأفاد رحمه الله في الوجه السادس عشر.

عدم ثبوت البيت المنسوب إلى الأخطل
يقول: "الوجه الثالث: أن أهل اللغة لما سمعوا ذلك أنكروه غاية الإنكار ولم يجعلوه من لغة العرب" أي: أن أهل اللغة أنكروا على من يقول: إن (استوى) بمعنى (استولى)، قالوا: لا تعرف العرب ذلك.

قال ابن القيم رحمه الله: "قال ابن الأعرابي ، وقد سئل هل يصح أن يكون استوى بمعنى استولى؟ فقال: لا تعرف العرب ذلك، وهذا هو من أكبر أئمة اللغة".



رد ابن القيم على البيت المنسوب إلى الأخطل
قد أجاد ابن القيم الرد على من زعموا أنه (استوى) بمعنى (استولى) مستدلين بذلك البيت السابق؛ قال رحمه الله: "الوجه السادس عشر أن هذا البيت محرف، وإنما هو هكذا:

بشر قد استولى على العراق

فالذين عكسوا البيت أولوا ذلك متعمدين، فقالوا: (إن استوى بمعنى استولى).

يقول: "هكذا لو كان معروفاً من قائل معروف، فكيف وهو غير معروف في شيء من دواوين العرب وأشعارهم التي يرجع إليها؟!"، أي: حتى إلى هذا النصراني لم يثبت أنه قاله، وإنما نسب إليه، فاختطفوه وغيّروه وحرفوه، وبنوا عليه دينهم وعقيدتهم، سبحان الله! كيف يلقى الله يوم القيامة من يقول بمثل هذا القول؟! كيف يلقى ربه يوم القيامة معتقداً هذا الاعتقاد مستنداً إلى بيت منسوب محرف؟!

وهذا الكلام ليس عن فراغ وليس استطراداً، فكثير من المسلمين اليوم في معاهد علمية وفي كليات جامعية، ابتداءً من الأزهر، إلى كليات الشريعة في كثير من البلدان، وكذلك المعاهد والكتاتيب في المساجد، في أكثر بلاد العالم الإسلامي، إذا مرت بهم هذه الكلمة (استوى)، قالوا: معناها (استولى).

فلا تظنوا أن هذا مجرد رد على فرقة بائدة قديمة، نشأت قبل مئات السنين ثم انقرضت، أو فرق وهمية كما يظن بعض الناس، بل هذا موجود ومقرر ومعتمد عليه في أكثر المعمورة؛ لأنهم لا يثبتون أن الله سبحانه وتعالى استوى كما أخبر، وقد نبتلى بمثل هؤلاء، ويكونون ممن يدرس عندنا، ويكونون أئمة يصلون بنا.

ومن هنا نقول: إنه يجب علينا ضرورة أن نفقه الأدلة والحجج البالغة من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لغة العرب؛ لرد الناس إلى طريق الصواب والهدى، وما ذلك على الله بعزيز.

ثم قال ابن القيم رحمه الله: "الوجه السابع عشر: أنه لو صح هذا البيت وصح أنه غير محرف، لم يكن فيه حجة، بل هو حجة عليهم، وهو على حقيقة الاستواء، فإن بشراً هذا كان أخا عبد الملك بن مروان ، وكان أميراً على العراق ، فاستوى على سريرها كما هو عادة الملوك ونوابها، أن يجلسوا فوق سرير الملك مستوين عليه، وهذا هو المطابق لمعنى هذه اللفظة في اللغة، كقوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:13]" لو فرضنا أنه جاء كما ذكروه فليس فيه إشكال؛ لأنه بالمعنى اللغوي مثل قوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:13] فمعنى: استوى على العراق ، استوى على سرير الملك، وكما هو معلوم أنه إلى اليوم يسمى عند بعض الناس عيد الجلوس على العرش؛ لأنه كناية عن ملك البلاد، ومثله: تربع على عرش البلاد؛ أي: تولي الحكم.

يقول رحمه الله: "وهذا هو المطابق لمعنى هذه اللفظة في اللغة، كقوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:13] وقوله: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44]، وقوله: فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29] وفي الصحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ملبياً }، وقال علي : {أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الغرز، قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها، قال: الحمد لله } فهل تجد في هذه المواضع موضعاً واحداً أنه بمعنى الاستيلاء والقهر؟" لاتجد ذلك أبداً، وإنما هو بمعنى العلو والارتفاع والصعود والاستقرار.

وكلمة (استقر) نقلت عن بعض المفسرين، فإنه نقل عن أبي العالية أنه قال: (علا)، وعن مجاهد قال: (ارتفع) وعن مقاتل والكلبي أنهما قالا: (استقر)، لكن الذهبي رحمه الله قال: (لا تعجبني كلمة استقر).

ففي مختصر العلو (ص 266، 280) بتعليق الشيخ الألباني (266-280) نقل الذهبي رحمه الله عن أبي عبيدة اللغوي الإمام المعروف، أن معنى استوى: (علا وصعد)، كما ورد عن مجاهد وأبي العالية : علا وارتفع، وكلامهما ذكـره البخاري -رحمه الله- في كتاب التوحيد (3/403) مع الفتح ، والإمام الذهبي رحمه الله ذكر أن البغوي في تفسيره نقل كلام هؤلاء، وهو أن استوى بمعنى: (صعد وعلا)، وكلام مقاتل والكلبي أنها بمعنى: (استقر)، لكن قال الذهبي -رحمه الله- عقب ذلك: (ولا يعجبني قوله: استقر).

وعلى كل حال فالمسألة ليست بكبيرة، فالذي يهمنا أن نعرف أن استوى بمعنى: علا وارتفع وصعد، والمعاني كلها متقاربة إن شاء الله.

وأريد أن أنبه إلى أن أهل البدع ومن تأثر بهم يرون أن (استقر) توهم معنى المماسة أو الملامسة، أو ما أشبه ذلك من اللوازم الباطلة التي يقولونها.

فنقول: إن ما صح من تفسير عن السلف ، فإنه لا يوهم ذلك، وإن كان في أذهان الناس أنه قد يوهم.

ولا يلزم من إثبات الاستقرار -لو صح- المماسة ولا الملامسة، وما أشبه ذلك.

وهنا لابد أن نشير إلى أمر وهو: أن الشيخ الألباني -رحمه الله- ذكر في مختصر العلو قول صاحب بدء الأمالي في عقيدة الماتريدية :

بلا وصف التمكن واتصال

فقال: "فهؤلاء يثبتون أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على العرش، بلا تمكن ولا اتصال" وأيضاً ذكر الشيخ جزاه الله خيراً في جواب له في بعض أشرطته هذا البيت الشعري السابق، وقال: "إن هذا دليل على أن هذه هي العقيدة الصحيحة، لكن المتأخرين من الماتريدية لم يوافقوها؛ بل خرجوا عنها وأولوا".

ونحب أن ننبه إلى أن هذا قد يحدث لبساً، فقد يظن أن أهل السنة يقولون: علا أو ارتفع بلا مماسة وبغير استقرار ولا اتصال ولا ملامسة، ولا كذا ولا كذا.

وهذه الألفاظ من الألفاظ المجملة التي تحتمل معاني، وإن كان ظاهرها التنزيه، لكن أهل السنة لا يثبتونها، وإن كان المراد بها نفي المماثلة.

إن أهل السنة يقولون: ليس كمثله شيء، لكنهم لا يقولون: إنه علا وارتفع بلا مماسة ولا ملامسة ولا استقرار، لأن هذه الزيادات من البدع المحدثة.

ولأنه إذا أردنا بالقول بها نفي اللوازم الباطلة التي ذكرها بعض أهل البدع قديماً؛ فمن سيأتي من أهل البدع ربما يذكر لوازم أخرى، فإذا كانت الزيادات السابقة ترد على الأولين ما ذكروه من لوازم باطلة، فمن يرد على الآخرين ما قد يذكرونه من لوازم؟!

إن المؤمن لا يورد هذه الزيادات، بل يقول: استوى، علا، ارتفع، صعد، استوى استواء يليق بجلاله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وهذا هو منهج أهل السنة سواء في كلمة استوى أو في غيرها، يثبتون الصفة دون أن يأتوا بهذه القيود المبتدعة.

وقد نبهت على ذلك؛ لأن كلمة الشيخ أثابه الله -لكونه إماماً يقتدى به- قد توهم أنه يزكي هذا القول بإطلاق، وهو لا يقول ذلك فيما يظهر لي من كلامه.

ثم قال ابن القيم رحمه الله: "الوجه الثامن عشر: أن استواء الشيء على غيره يتضمن استقراره وثباته وتمكنه عليه، كما قال تعالى في السفينة: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44]" ثبتت واستقرت، وتمكنت بعد أن كانت تضطرب وتميد فوق الموج؛ أي: رست عليه واستقرت على ظهره، "وقال تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:13] وقال في الزرع: فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29]، فإنه قبل ذلك يكون فيه ميل واعوجاج لأجل ضعف سوقه، وإذا استغلظ الساق، واشتدت السنبلة، استقرت.

ومنه:

قد استوى بشر على العراق

فإنه يتضمن استقراره وثباته عليها ودخوله دخول مستقر ثابت غير مزلزل، وهذا يستلزم الاستيلاء أو يتضمنه، فالاستيلاء لازم معنى الاستواء، لا في كل موضع، بل في الموضع الذي يقتضيه، ولا يصلح الاستيلاء في كل موضع يصلح فيه الاستواء، بل هذا له موضع، وهذا له موضع ولهذا لا يصلح أن يقال: استولت السنبلة على ساقها، ولا استولت السفينة على الجبل، ولا استولى الرجل على السطح إذا ارتفع فوقه.

الوجه التاسع عشر: أنه لو كان المراد بالبيت استيلاء القهر والملك، لكان المستوي على العراق عبد الملك بن مروان لا أخوه بشر ، فإن بشراً لم يكن ينازع أخاه عبد الملك ولم يكن ملكاً مثله، وإنما كان نائباً له عليها ووالياً من جهته، فالمستولي عليها هو عبد الملك لا بشر ، بخلاف الاستواء الحقيقي وهو الاستقرار فيها والجلوس على سريرها، فإن نواب الملوك تفعل هذا بإذن الملوك.

الوجه العشرون: أنه لا يقال لمن استولى على بلدة ولم يدخلها ولم يستقر فيها بل بينه وبينها بعد كثير: أنه قد استوى عليها، فلا يقال: استوى أبو بكر على الشام ولا استوى عمر على مصر والعراق ، ولا قال أحد قط: استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، مع أنه استولى عليها واستولى خلفاؤه على هذه البلاد، ولم يزل الشعراء يمدحون الملوك والخلفاء بالفتوحات، ويتوسعون في نظمهم واستعاراتهم، فلم يسمع عن قديم منهم -جاهلي ولا إسلامي- ولا محدث أنه مدح أحداً قط أنه استوى على البلد الفلاني الذي فتحه واستولى عليه، فهذه دواوينهم وأشعارهم موجودة".

التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 12:40 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.