انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2011, 06:22 PM
دنيا السلام دنيا السلام غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي دعوة للجهاد

 

دعوة للجهاد في سبيل الله

الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والصلاة والسلام على محمد رسول الله من أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون، أما بعد؛
فإنَّ الله لم يخلق الخلق عبثًا، ولم يتركهم سدًى، بل أرسل إليهم رسلاً لعلهم يؤمنون، قال الباري جل وعلا: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وبإرسال الرسل تفرَّق بنو آدم إلى قسمين: مؤمنٌ وكافر، قال الله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وهذه القسمة الثنائية لا ثالث لها، فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السَّعير، وبانقسام الخلق إلى قسمين عُقدت العداوة بينهما، فاتخذ الكافرون المؤمنين أعداءً، وأمر الله المؤمنين بعداوة الكافرين، قال الله: {إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}، وأخبر الله عن الكافرين فقال: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بقتال الكافرين، وابتلاهم بذلك، والقتال كُرهٌ لهم، قال الله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، قال السعدي -رحمه الله-: "أخبر سبحانه أنه -أي الجهاد- مكروهٌ للنفوس لما فيه من التَّعب والمشقة، وحصول أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا فهو خيرٌ محض لما فيه من الثواب العظيم، والتحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء، والظَّفر بالمغانم وغير ذلك". انتهى كلامه رحمه الله.
فالتكليف بالجهاد ابتلاءٌ من الله لعباده ليميز الخبيث من الطيب، قال ربنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المـُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، قال السعدي -رحمه الله-: "فشرع الله الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيَّزون إلا لدين الله، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتَّخذون الولائج والأولياء من دون الله ورسوله والمؤمنين". انتهى كلامه رحمه الله.
قال الله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي لا يحسن لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المـُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، قال الشوكاني -رحمه الله-: "أي لنعاملنَّكم معاملة المختبِر، وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاق ما كُلُّف به". انتهى كلامه رحمه الله.
أيها المؤمنون؛ إنَّ الجهاد ألمٌ وجراحٌ، وأسرٌ وفقدٌ للأحبة، ولكن هذه حكمة الله، وفي هذا خير كثير، قال الله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المـُهْتَدُونَ}.
أيها المجاهدون؛ إنَّ بعد العسر يسرًا، ونهاية الشدة إلى فرج، وقد وعد الله عباده بالنصر، قال مولانا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}، هذا هو الطريق؛ إيمانٌ وجهادٌ، ومحنةٌ وابتلاءٌ، وصبرٌ وثباتٌ، وتوجُّهٌ إلى الله وحده، ثم يجيء النصر والنعيم، قال الله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، انفروا في كل حال، وجاهدوا بالنفس والأموال، ولا تتلمَّسوا الحجج والمعاذير، ولا تخضعوا للعوائق، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون.
ركـــــضًــــا إلى الله بغيــــــــر زادٍ
إلا التُّــــقى وعــــمــــل المــــعاد
والصبر في الله على الجهاد
وكــــل زادٍ عـــــرضــــةٌ للنــــــفاد
إلا التَّـــــقى والبــــــرِّ والرشـــــاد
لقد أرهب الله المؤمنين من ترك قتال الكفار، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}، وفي الأرض أثقالٌ كثيرة: ثقل الخوف على الحياة، وثقل الخوف على المال، وثقل الخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع، وثقل الدَّعة والراحة والاستقرار، وثقل اللذة الفانية والأجل المحدود والهدف القريب، ولكن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
إنَّه لا يُحجم عن النَّفير في سبيل الله إلا من في عقيدته دخَن، وفي إيمانه وهن؛ روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزو، مات على شعبةٍ من نفاق". فالنفاق هو دخَنٌ في العقيدة يقعد بصاحبه عن الجهاد في سبيل الله خشية الموت أو الفقر، والآجال بيد الله، والرزق من عند الله، وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
من ترك النفير هان على الله، فعذَّبه عذابًا أليمًا، واستبدل غيره، وليس على الله بعزيز؛ عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من لم يغزُ أو يجهِّز غازيًا أو يخلف غازيًا في أهله بخيرٍ أصابه الله بقارعةٍ قبل يوم القيامة". أخرجه أبو داود وهو حديث حسن.
وما أكثر القوارع على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشعرون، ومن أعظم القوارع الفتنة في الدين، وكم هم المفتونون في دينهم وهم لا يعلمون؟! يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون.
إنَّ القاعدين عن الجهاد تتوالى عليهم القوارع، وتحلُّ بهم الكوارث، وما من أمةٍ تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل، فدفعت مُرغمةً صاغرةً لأعدائها أضعاف ما كان يتطلَّبه منها كفاح الأعداء.
ومن يَهُن يسهل الهوانُ عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
وكما أرهب الله المؤمنين من ترك قتال الكافرين، كذلك رغَّبهم في القتال، وحثَّهم عليه، وحبَّبه إليهم، قال ربنا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المـُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ}، قال الشوكاني -رحمه الله-: "فهؤلاء المجاهدون باعوا أنفسهم من الله بالجنة التي أعدَّها للمؤمنين، أي: بأن يكونوا من جملة أهل الجنة، وممن يسكنها، فقد جادوا بأنفسهم وهي أنفس الأعلاق، والجود بها غاية الجود.
يجودُ بالنَّفس إنْ ضنَّ الجبان بها والجود بالنَّفس أقصى غاية الجودِ
وجاد الله عليهم بالجنة، وهي أعظم ما يطلبه العباد ويتوسَّلون إليه بالأعمال". انتهى كلامه رحمه الله.
وقال ربُّنا عز وجل في الترغيب في قتال الكفار: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "موقف ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود". حديث صحيح.
وأخرج الحاكم في المستدرك، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر! حارسٌ حرس في أرض خوف لعله ألا يرجع إلى أهله". حديث صحيح.
لقد أدرك المؤمنون المخلصون فضل الجهاد والاستشهاد فنفروا، والعوائق في طريقهم، والأعذار حاضرة لو أرادوا التمسك بها، ولكن باعوا أنفسهم لله يبتغون رضوان الله، ففتح الله لهم القلوب قبل فتح الأرض، وأعزَّ بهم كلمة الله، وأعزَّهم بكلمة الله.
فَدَتْ نَفْسي وما مَلَكَتْ يَمِيني فَوَارِسَ صَدَّقَتْ فيهمْ ظُنُونِــــي
فَوَارِسَ لا يَمَــــلُّونَ المَنـــــــــــــــــَايَا إذا دَارَتْ رَحَى الحَرْبِ الزَّبُونِ
ولا يَجْزُونَ مِن حَسَـــــــــنٍ بِسَيْءٍ ولا يَجْزُونَ مِن غِلْـــــــــظٍ بِلِيـــــنِ
ولا تَبْلَى بَسَالَتُـــــــــــــهُمْ وَإِنْ هُمْ صلُوا بالحَرْبِ حِينًا بعدَ حِيــــنِ

قال الله: {مِنَ المـُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، هذا حال المؤمنين؛ وفاءٌ مع الله، وصدقٌ عند اللقاء.
وقومٌ آخرون؛ مرتابون أفَّاكون في ريبهم يترددون، علموا الحق وعرفوا الصدق، ولكن ثقلت أنفسهم فكره الله انبعاثهم فثبَّطهم، فكانوا من المتخلفين القاعدين، يبحثون عن الأعذار ليتملَّصوا من التكاليف، قال الله: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالمـُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ}، لقد كرههم الله وكره معاصيهم، بل كره منهم الطاعة كما كره منهم المعصية {وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ}، يعتذرون بالخوف من الفتنة وفي الفتنة هم مرتكسون، قال الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ}.
وقوم آخرون؛ رضوا بالدنية وسكنوا إلى الراحة والدَّعة، لم تشرق نفوسهم بالقرآن ولم ترق أرواحهم بسموِّ الإيمان، ولكن اتَّبعوا الشيطان فسوَّل لهم وأملى لهم، يفرحون بتخلفهم عن الطاعة والقتال، ويغتبطون بعصيانهم وتخلفهم، فتبًا لهم وبعدًا، قال الله: {فَرِحَ المـُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}، يا لها من نفوسٍ دنيئة، لا دين ولا حمية ولا غَيرة، يفرحون بالتخلف عن القتالِ وشرعُ الله يمتهن، والحُرمات تنتهك، والأعراض تستباح، بئست الحياة حياة أولئك، ولله درُّ القائل:
سأغسل عنِّي العار بالسيف جالبًا عليَّ قضاءُ الله ما كـــــان جالبـــــــــــا
وأذهل عن داري وأجعل هـــــدمها لعرضي من باقي المـــــذمَّة حاجبــا
فإن تهدِموا بالغدر داري فإنـــَّــــــها تراثُ كريمٍ لا يبـــــالـــــي العواقبــــــــا
إذا همَّ لم تُردع عزيمــــةُ همِّـــــــــــــه ولم يأتِ ما يأتي من الأمــــــر هائبا
ولم يستشرْ في رأيـــه غيرَ نفســـــه ولم يرضَ إلا قائمَ السيفِ صاحبا
إنَّ المخلفين الفرحين بتخلفهم يخسرون من النفوس والأموال في الذل والهوان أضعاف ما يخسرون في الكفاح والجهاد، ويقدِّمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلَّبه منهم الكرامة لو قدَّموا لها الفداء.
وقوم آخرون؛ متثاقلون متباطئون، يرغبون ولا يريدون، يطلبون قتالاً بلا قتلٍ ولا جرحٍ ولا أسرٍ ولا خسارةٍ، فهم واهمون يتمنَّون الأماني، لم يقوَ إيمانهم للتضحية في سبيل الله، قال الله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
ومن شرِّ الناس؛ المرجفون من يثيرون الشائعات ويبثُّون الأكاذيب، نفوسٌ مريضةٌ، وألسنةٌ كاذبةٌ فاجرةٌ، سفلَة القوم وأنذال الناس، عليهم اللعنة ولهم سوء المثل، قال الله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المـُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمـُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً}.
وممن قعد عن القتال من عذرهم الله؛ قال الله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى المـَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى المـُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، قال ابن كثير -رحمه الله-: "فليس على هؤلاء حرجٌ إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يُرجفوا بالناس ولم يثبِّطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا". انتهى كلامه رحمه الله.
فيشترط لهؤلاء المعذورين حتى لا يصيبهم الحرج النصيحةُ والإحسانُ؛ ومن ذلك:
أولاً: إخلاص النية وصدقها؛ بأن تكون أنفسهم توَّاقة للجهاد، كهؤلاء الذين وصفهم الله بقوله: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}، والذي لا يغزو إنْ لم تحدِّثه نفسه بالغزو فإنَّه يُخشى عليه من النفاق.
ثانيًا: الدعاء للمجاهدين؛ وهو من أعظم ما يُعين به المعذورون إخوانَهم الغزاة، فيدعون لهم بالنصر ولعدوهم بالخذلان، عن مصعب بن أبي وقاص أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم". رواه النسائي بسندٍ صحيح.
ثالثًا: النفقة في سبيل الله؛ فأصحاب الأعذار غيرِ الفقراء يجب عليهم الجهاد بالمال لتجهيز الغزاة، وإمدادهم بالمال والسلاح والمؤن، ورعاية أسر المجاهدين والشهداء والأسرى، عن زيد بن خالد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزى، ومن خلف غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزى". متفق عليه.
رابعًا: الدعاية لقضية الجهاد؛ ببيان الحق الذي يقاتل عليه المجاهدون، ووجوب نصرتهم، وبيان باطل الطاغوت، وما يرتكبه من فظائع ضد المسلمين.
خامسًا: تحريض المؤمنين على الجهاد؛ فالعاجز عن الجهاد عليه أن يحرِّض غيره لقوله تعالى:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المـُؤْمِنِينَ}، وهذا واجبٌ على القادر والعاجز، وعلى كل مسلم، أن يحرِّض إخوانه على الجهاد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: "من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله". رواه مسلم.
سادسًا: النصح للمسلمين والمجاهدين؛ بنقل أخبار الأعداء ومخططاتهم إلى المسلمين ليحذروهم، ومن النصح للمجاهد أن تعينه على التخفِّي من عدوه، وتساعده في ذلك ما استطعت إذا احتاج إلى ذلك، ومنها تزويد المسلمين بكل ما يعينهم على قتال عدوهم من معلومات وخبرات، مع كتمان أسرار المسلمين.

وختامًا؛ قال الله: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}.

والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للجهاد, دعوة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 04:20 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.