انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-22-2009, 06:26 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي حتى نستفيد من خطبة الجمعة ( ملف.. )

 


حتى نستفيد من خطبة الجمعة



محمد بن عبد الله الدويش


ما أحوج الدعاة إلى التأمل في مجالات الدعوة ، ووسائل مخاطبة الجماهير ، والسعي إلى توسيع دائرة المخاطبة ، والتحدث للجميع وإسماع رسالتهم للكل .
إن مراجعة الدعاة لوسائلهم الدعوية ، وأساليبهم مطلب ملحّ ، وواجب تمليه ضرورة الدعوة ذاتها .
وإن من الوسائل التي يمكن للدعاة أن يخاطبوا فيها الجميع ، ويبلغوا رسالتهم للناس كافة ، (خطبة الجمعة) فأي قدر حظي به هذا المنبر ، وهذه الوسيلة من الدراسة ، والعناية ، فضلاً عن التوظيف العملي لهذه الوسيلة .
وهذه محاولة لوضع إضاءات ، وإشارات حول هذا الموضوع الملحّ .

أولاً : أهمية خطبة الجمعة:
1- الأمر بالسعي لها ، فإن المسلم مأمور بالسعي لصلاة الجمعة حين يسمع النداء ، ويحرم عليه أن ينشغل ببيع أو نحوه .
قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ][الجمعة 9] .
وهو في الوقت نفسه يحض على التبكير إليها كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( مَثَلُ المهجر [1] كمثل الذي يهدي بدنه ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي الكبش ، ثم كالذي يهدي الدجاجة ، ثم كالذي يهدي البيضة ) [2] .
ويؤمر بالتهيؤ النفسي لها فيؤمر بالتطيب والاغتسال والسواك .
قال - صلى الله عليه وسلم -: ( من جاء منكم الجمعة فليغتسل ) [3].

2- وحين يحضر المصلي للجمعة يلزمه الإنصات للخطيب ولا يجوز له الكلام ولو أن يقول لصاحبه صه .
( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة : أنصت فقد لغوت ) [4] .
فهذا المصلي الذي أوجب عليه السعي للجمعة ، وحُث على التبكير لها ، والتغسل والتطيب ، وحُرّم عليه الكلام حال الخطبة ، من حقه أن يعتني بهذه الخطبة التي تقدم له .

3- خطبة الجمعة لها شأن عظيم عند الله -عز وجل- فهي ذكر لله كما سماها الله في كتابه ، وهي شعيرة من شعائر الدين ، تشهدها الملائكة ، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : ( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون من جاء من الناس على قدر منازلهم ، فرجل قدم جزوراً ، ورجل قدم بقرة ، ورجل قدم شاة ، ورجل قدم دجاجة ، ورجل قدم عصفورا ، ورجل قدم بيضة ، فإذا أذَّن المؤذن ، وجلس الإمام على المنبر طووا الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر ) [5] .
إن هذا الحديث يلقي ظلالاًً من الهيبة والجلال على هذه الخطبة ، وفي الوقت نفسه يعطي الخطيب شعوراً بأهمية الكلمة التي يقولها من على المنبر فعلاوة على كل ما فيها من قيمة دعوية ، فإن الملائكة الكرام يسمعونها ، فليت الذين يوظفون خطبهم لتحقيق مصالح فلان أو علان يفقهون هذا الحديث .

4- شهود المسلمين جميعهم لها .
فالمسلمون على اختلاف طبقاتهم ، ومستوياتهم التعليمية ، يحضرون هذه الصلاة ويشهدونها .
فيحضرها المثقف ، والجاهل وطالب العلم ، والمتعلم .
ويحضرها الكبير والصغير ، ومن جانب آخر فحضورها ليس مقصوراً على الأخيار وحدهم ، فكثير ممن لا يشهد صلاة الجماعة يحضر الجمعة ، وهذا يتيح للخطيب أن يخاطب الجميع ، وأن يتحدث للكثير ممن لا يحضرون المحاضرات والندوات ، ودروس المساجد .
إنها باختصار هي المجال الوحيد المتاح للدعاة والذي من خلاله يتحدثون مع الجميع .

5- تكررها كل أسبوع .
ففي العام الواحد يستمع المصلي لـ (52) خطبة ، وحين يعتني بها الخطيب ويرتب موضوعاتها يقدم للمستمع مادة متكاملة .
إنها تمثل دورة مكثفة مستمرة .

6- قيمتها المعنوية عند الناس وتأثيرها ، ففي بحث عن أثر خطبة الجمعة أجري في مصر أفاد 78% أنهم يتأثرون تأثراً دائماً بما يقوله الخطيب ، وذكر 71 % أنهم يلتزمون دائماً بما يقوله الخطيب .
واتفق مع أحد خطباء المساجد على أن يخطب عن الربا ، فأجرى استفتاء قبل الخطبة وبعدها ، كانت النتيجة : أ- 85% كانوا يعرفون المفهوم الصحيح للربا .
وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى 97% .
ب- 33% كانوا يعرفون عقوبة المرابي .
وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى 59% .
ج- 71% كانوا يعلمون أن البنوك المصرية تتعامل بالربا .
وبعدها ارتفعت النسبة إلى 94% .
د- 50% كان يفضل الاستثمار في البنوك الإسلامية .
وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى 64% .
هـ- نتيجة الخطبة : 34% سينصحون الآخرين بترك الربا .
31% سيقاومون أي عمل ربوي [6] .
إن هذه الدراسة وغيرها تعطي دلالة صادقة أن خطبة الجمعة لها تأثيرها على المصلين ، وذلك حين يجدون الخطيب المؤثر .

7- حضورها يزيد ولا ينقص .
فالمصلون لا يخرج منهم أحد قبل انتهاء الخطبة ، إنما يتوافدون ، بخلاف المحاضرة والدرس ، فقد يخرج بعضهم قبل اكتمال الموضوع .
ومع اقبال الناس على الخير في هذه الفترة ، يتوافد الكثير من المسلمين إلى الجمعة ممن كانوا لا يعرفونها قبل ذلك .

8- ثباتها في كافة الأحوال ، فهي مستمرة في السلم والحرب ، وفي القحط والجدب ، وفي سائر الظروف .
ومع ذلك كله رغم مدى عنايتنا بهذا المنبر ، وشعورنا بأهميته ، والحرص على أن يصعده الدعاة الصادقون ، وطلبة العلم الواعون ؟ والخطباء أنفسهم أمام مدى إدراكهم لهذه الرسالة وقيمتها وأهميتها ؟ أليست خطبة الجمعة تستحق منا عناية ودراسة لاستثمارها ، وأساليب تطويرها ؟ ولم لا تتلقى المراكز والمؤسسات الإسلامية دورات وبرامج لإعداد الخطباء وتدريبهم ، والرفع من مستواهم ؟ إنها تساؤلات آمل أن تلقى عناية إخواننا .

ثانياً : الموضوع :
1- أن يختار الموضوع في وقت مبكر ، فإن تأخير اختيار الموضوع ، إلى ليلة الجمعة وربما يومها ، يؤدي بالخطيب ، إلى أن يقرر أي موضوع يخطر في باله ، وربما لا يكون مقتنعاً به القناعة التامة ، إضافة إلى أنه لا يترك له فرصة كافية للتحضير والتفكير في عناصر الموضوع ومحاوره .
ويعاني الكثير من الخطباء من هَمِّ اختيار الموضوع ، فيُقترح إعداد قائمة متنوعة من الموضوعات ، يختار بعد ذلك من بينها .

2- التفكير الجيد في الموضوع بل وطول التفكير فيه - وهذا يستوجب الاختيار المبكر له - يقول ( دايل كارنيجي ) في كتابه (فن الخطابة) : ( حدد موضوعك مسبقاً حتى يتسنى لك الوقت للتفكير به مراراً .
فكر به طيلة سبعة أيام ، واحلم به طيلة سبعة ليال ، فكر به أثناء خلودك إلى الراحة ، وفي الصباح وأنت تستحم ، وفي طريقك إلى المدينة ، أو بينما تنتظر المصعد ، وعندما تكوي الثياب ، أو حين تطهو الطعام ، وناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك ، واسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به ) [7] .

3- أن يكون الموضوع عن قناعة لا تمليها ضغوط الشارع ، أو المناسبة ، أو جهة معينة .
مع الترفع عن الإثارة العاطفية .

4- التنويع في الموضوعات والمجالات وعدم التركيز على جانب واحد .
فينبغي أن تشتمل موضوعات الخطيب الحديث عن مشاكل الناس الاجتماعية ، وحلولها ، وعلى بيان واقع الأمة ، والمؤامرات عليها ، وعلى الحديث عن الأخطاء المتفشية بين الناس ، وعلى بيان العقيدة وتعليمها للناس ، وعلى بيان ما يحتاجه الناس من أحكام عباداتهم ومعاملاتهم ، وعن الرقائق والوعظ ، وتذكير الناس ؛ وباختصار ينبغي أن تشمل على كل ما يحتاج المسلم أن يعرفه في شؤون حياته .
وقد تجد البعض من الخطباء يركز على جانب الوعظ دون سواه ، والآخر على الجانب السياسي ، والثالث على الجوانب الاجتماعية .. وهكذا .
إن هناك فئة غير قليلة من المسلمين لا يتلقون العلم إلا من خلال خطبة الجمعة ، وإن تحقيق التكامل والتنوع في موضوعات الخطبة يهيئ لهؤلاء حَدّاً أدنى من الثقافة الشرعية .

5- التحضير الجيد والمتكامل للموضوع ، من خلال القراءة والاطلاع على ما كتب في الموضوع حديثاً وقديماً ، وإن ترتيب الخطيب لملفاته وأوراقه ، وتدوين ما يمر بباله من عناوين لكتب ، أو مقالات ، أو موضوعات ، أو تقارير مما يعينه على ذلك .
إن المنبر أمانة ، والمصلون ينتظرون أن يسمعوا الجديد من الخطيب ، ومهما كانت ثقافة الخطيب وإطلاعه ، فإنه لا يستغني عن المراجعة والإعداد ، والترتيب لموضوعه ، ومن الظلم للمصلين ، وإهمال الأمانة ، أن يحدد الخطيب موضوعه متأخراً ، ولا يعد له فيجيء مهلهلاً متنافراً .
وفي حادثة السقيفة المشهورة قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - (فزورت في نفسي مقالة ) .
قال البعيث الشاعر - وكان من أخطب الناس - : ( إني والله وما أرسل الكلام قضيباً خشيباً ، وما أريد أن أخطب يوم المحفل إلا بالهائت المحكك ) .
وكان ابن النوام الرقاشي إذا دُعي للكلام ولم يكن مهيئاً نفسه يقول : ( ما اشتهي الخبز إلا بائتاً ) .

6- أن يكون الموضوع حول واقع الناس ، وما يحتاجون إليه ؛ فالعالم الإسلامي اليوم يموج بأحداث ساخنة ، ومضطربة ، والعقل المسلم يعاني من تحليلات الإعلام المضلل الذي يصور القضايا وفق ما يريد فلان ، أو غيره ؟ ولذا فإن المصلي ينتظر أن يسمع الكلمة الصادقة ، وعرض القضية من هذا الخطيب الذي يثق فيما يقول لأنه يعرف أنه يدرك أمانة الكلمة ، ومسؤليتها .
وثمة طائفة من المسلمين لا تتفاعل مع قضايا الساحة ، ولا تُعيرها أي اهتمام ، فلها شأن آخر مع شهوات النفس ورغباتها ؛ وهذه الفئة تحتاج لمن يغرس فيها التفاعل مع قضايا المسلمين ، والاهتمام بها ، وأقرب الناس ، وأقدرهم على ذلك هو خطيب الجمعة .
ومن الجوانب التي تمسّ الناس ، ما قد يحصل من قضايا ، وإشاعات ، وأخبار أو ظواهر متفشية ، إلى غير ذلك مما يخصّ بلداً معيناً ، فينبغي للخطيب أن تكون له فيه كلمته .
وحين يتحدث الخطيب عن هذه القضايا ، لا ينبغي أن يفرط في التحليلات السياسية ، والاجتهادات الخاصة ، والتي هي عرضة للخطأ والصواب ، إنما يركز على بيان وجه القضية ، والأخبار الصادقة عنها ، والمنهج الشرعي في التعامل معها .

7- مناسبة الموضوع المصلين ، فالمسجد الذي يؤمه كثير من غير أهل البلد قد لا يناسب التحدث فيه عن مشاكل اجتماعية خاصة بهذا البلد ، والمسجد الذي أكثريته من الطلاب غير المتزوجين ليس من الحكمة أن يتحدث الخطيب فيه عن المشاكل الزوجية ، ومسجد القرية والبادية لا يستحسن الحديث فيه عن قضايا تخص النخبة المثقفة .
فعلى الخطيب أن يدرك طبيعة المصلين ، وتركيبتهم ، ويختار لهم ما يناسبهم ، وما يحتاجون إليه .

8- العمق العلمي في الموضوع ، فلا يكفي أن يقتصر الموضوع على عبارات إنشائية ، أو خواطر وأفكار شخصية ، وإن العناية بالاستشهاد بالنصوص الشرعية ، وأقوال أهل العلم ، والعناية بالتأصيل العلمي للموضوع يعطي المستمع الثقة ، والقناعة بما يطرح .

9- دقة المعلومات والتأكد من صحتها ومن ذلك :
أ- الأحكام الشرعية : ببحثها بحثاً دقيقاً وتأصيلها .
ب- الأحاديث النبوية : وذلك بالتأكد من صحتها وثبوتها ؛ لذا فعلى الخطيب أن يتعرف على طريقة التعامل مع كتب الحديث ليتسنى له الوقوف على ما قاله أهل العلم في درجة أي حديث يود الاستشهاد به .
ج- الإخبار : فلا يليق بالخطيب أن يتلقف أية إشاعة ، أو خبر ليكون مادة لخطبته ، بل يثبت ويتبين .
د- القضايا العلمية والمتخصصة : قد يتطرق الخطيب للحديث عن بعض الجوانب الطبية ، أو التخصصية في أي فن ؛ وحين يتحدث الرجل بغير فنه يأتي بالعجائب ، فعليه أن يتأكد من صحة المعلومات ، فقد يكون ضمن المصلين أحد المختصين بما يتحدث عنه ، فيسمع الغرائب .

10- مناسبة الموضوع للمقام والزمن : فقد خطب أحد الخفاء ، في إحدى عواصم الدول الإسلامية عن ليلة القدر يوم الثلاثين من رمضان ؛ وليس هناك أمل بإدراك هذه الليلة .
أو يكون هناك حدث يعني الأمة كلها ، وينتظر المصلون الخطبة ليستمعون رأي خطيبهم في ذلك ، فيفاجؤون به يتحدث عن قضية اجتماعية ، أو قضية لا تمت بصلة لما هم فيه .

11- الوحدة الموضوعية ، فلا يسوغ أن تكون الخطبة خليطاً متنافراً من القضايا والموضوعات ، ومليئة بالاستطرادات المناسبة وغير المناسبة .

12- تناسق الأفكار وتسلسلها .
( يتبع )
________________________
(1) المبكر وزناً ومعنى .
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
(3) رواه البخاري (877) ، ومسلم (844 845) كلاهما عن حديث ابن عمر .
(4) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
(5) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
(6) انظر : ( خطبة الجمعة والاتصال بالجماهير ) لمحي الدين عبد الحليم ص (160) فما بعدها .
(7) فن الخطابة ، مع ملاحظة أننا نوافقه على أصل الفكرة دون تفاصيلها .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 05-22-2009 الساعة 11:07 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-22-2009, 06:29 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

حتى نستفيد من خطبة الجمعة
(2)
محمد بن عبد الله الدويش


ثالثاً : الأسلوب :
1- حسن الأسلوب وجودته فالألفاظ قوالب المعاني .

2- وحسن الأسلوب وجودته لا يعني أن يتكلف الخطيب فيقع فيما نُهي عنه [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ومَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ ][ص 86] .
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن التكلف ، والتفاصح صفة مذمومة يبغضها الله -عز وجل- فقال : ( إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها ) [1].
وقال أيضاً : (هلك المتنطعون)[2]
قال ابن الأثير : التنطع في الكلام : التعمق فيه والتفاصح [3] .

ومن ذلك قول أحدهم : ( لقد فاحت رائحة الشمس ، فعطرت وجنات القلوب ، وتركت قطرات الندى الإيماني الأبيض على شفاه الخفقات الدافئة في الصدور ) .

3- الاعتماد على الحجج العلمية المنطقية ، وعدم إلقاء النتائج مباشرة .
فإن الخطيب لم يعد المتعلم الوحيد ولا فريد عصره ، أو نسيج دهره .

4- تجنب النقد اللاذع والعبارات الجارحة ، والتركيز على الأخطاء ، والحكمة في معالجة الخطأ .

5- الاعتدال وعدم المبالغة .
خَطَبَ أحد الخطباء عن الفتيات وخروجهن ليلاً ، وطالب الآباء أن يقوم أحدهم منتصف الليل ليتأكد من وجود ابنته على سريرها ؛ فخرج المصلون وهم يمقتون مثل هذه المبالغة .
ونموذج آخر ذكره الشيخ عبد اللطيف السبكي في مجلة الأزهر [4] وذلك أن خطيباً خطب في جامع الأزهر عن حديث " واتبع السيئة الحسنة تمحها " فهَوَّن أمر المعصية ، وأن الله فطر الناس عليها وقال بالحرف الواحد : ( إن الله لم يقل للناس لا تسيئوا ، ولكن قال إذا أسأتم فاستغفروا ) .
إنه لا يسوغ أن تمتلك الخطيب عاطفته الجياشة فيتحدث بمبالغة دون اعتدال أو إنصاف ؛ بل إن المبالغة تؤدي إلى نتائج معاكسة .

رابعاً : الأداء :
1- الصوت : فينبغي العناية بوضوح الصوت والتأكد من الأجهزة التي تنقل الصوت ، إضافة إلى التحكم في صوته هو ، ورفعه وخفضه في المكان المناسب ، وأن يعتني بسلامة إخراج الحروف .


2- تصوير المعاني بالنطق ، ففي حالة الاستفهام ينتظر الجواب ، وهكذا في حالة التعجب .

3- حسن الوقوف ، فيراعي المعاني وتمامها عند وقوفه .

4- الحماسة ، والعاطفة الحية التي يشعر المصلي من خلالها أن الخطيب يحمل الفكرة في عروقه ودمائه ، وليست مجرد كلمات هامدة ، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب علا صوته ، واحمر وجهه كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم .

5- رباطة الجأش ، والتعود على ذلك .

6- سلامة اللغة وعدم اللحن ، وقد كان السلف يعتنون باللغة وسلامتها ، وكان اللحن مما يعاب به على المرء فضلاً عن طالب العلم ، وليس ثمة ما يعيب الخطيب ، أو ينقص من قدره ، أن يدرس مبادئ النحو ، أو يبحث عمن يقرأ عليه فيصحح قراءته .
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- : " تعلموا الفرائض واللحن اللغة والنحو فإنه من دينكم " .
ويمكن أن يلجأ إلى حل مرحلي بأن يشكل الكلمات التي يرى أنه عرضة لأن يخطئ بها .

خامساً : بين الارتجال والخطبة من ورقة :
أولاً : نود الإشارة إلى أن هنالك فرقاً بين الارتجال في المصطلح المعاصر ، وعند العرب ، فهو لدى العرب الخطبة من غير إعداد واستعداد ، ولم يكونوا يعرفون الخطبة من الورقة أصلاً ؟ أما في المصطلح المعاصر فيقصد به الخطبة دون ورقة ، ولو أعد الخطيب لتلك الخطبة .

فالارتجال بمعناه عند العرب لا ينبغي أن يسلكه الخطيب فيصعد المنبر ، ويفكر في موضوع الخطبة أثناء الآذان ، أو يفكر وهو في الطريق إلى المسجد ، ومهما علت مكانة الخطيب ، واتسع علمه ، فلا يستغني عن الإعداد والتحضير المسبق ، لكن ما يكثر عنه السؤال ، ويدور حوله النقاش ، أيهما أولى : أن يخطب الخطيب من ورقة ، أو من دون ورقة مع التحضير والإعداد المسبق .
والموضوع يحتاج لتفصيل تضيق عنه هذه المقالة لكننا نسجل بعض الملحوظات :
1- الناس يختلفون ويتفاوتون في ذلك .

أ- فبعضهم يحتاج للورقة لتضبط ألفاظه ، فلا يشطح ، ويقول ما يُحسب عليه ، أو تضبط له موضوعه فلا يتشتت به الحديث يمنة ويسرى ، وينسى موضوعه ، أو يضبط له وقته فلا يطيل على الناس .
ب- والبعض يحتاج لرؤوس الأقلام ، والنصوص .
ج- والبعض لا يحتاج لذلك ، ويستطيع أن يستوعب موضوعه ، ويضبط ألفاظه ، ووقته .
فإذا كان كذلك فهذا أدعى للتأثير على الجمهور وجلب انتباههم .

2- من لا يجيد الارتجال يستطيع التعود ، بالتدرج ؛ وأفصح الناس قد ولدته أمه وهو لا يجيد النطق بحرف واحد .

3- ليس بالضرورة أن يجعل الخطيب الخطبة دون ورقة هدفاً له ، فقد يخطب من خلالها ، ويفيد الناس ، ويحقق المقصود .

سادساً : بين الإيجاز والتطويل :
الإيجاز هو السنة .

روى مسلم في صحيحه عن أبي وائل قال خطبنا عمار فأوجز وأبلغ ، فلما نزل ، قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ، فقال إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحراً " .
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال : ( كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت صلاته قصداً ، وخطبته قصداً ) .
وقال أبو بكر -رضي الله عنه- ليزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - حين أمّره على جيش إلى الشام : " وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضاً " .
وها نحن نرى في عصرنا من يطيل الخطبة حتى يُملَّ الناس .
ذكر اللواء محمود شيت خطاب أنه صلى مع خطيب في القاهرة استمرت خطبته ساعة وعشر دقائق ، مع اللحن والخطأ في الآيات ، والأحاديث ، والشعر [5] .

الإيجاز والتطويل نسبي وقد يتطلب الموضوع أحياناً قدراً من الإطالة ، أو طبيعة المستمعين .
أو من الخطيب ؛ كأن يفد غريب وهو ممن يحب الناس سماع كلامه ؛ فمثل هذه المواقف قد تسوغ فيها الإطالة ويبقى بعد ذلك الإيجاز هو الأصل ، فالإيجاز يزيد مسؤولية الخطيب ؛ إذ سيحتاج لعرض جملة من الحقائق والمعلومات في وقت يسير .
وليس صحيحاً أن التحضير يتناسب طردياً مع وقت الخطبة .

سابعاً : أمور لابد من اجتنابها :
أ- التركيز على سلبيات المصلين ، والحديث عن أخطائهم ، أو استعمال ضمير المخاطب كثيراً ، وهذا مثل الطبيب الذي يحدث المريض عن مرضه ويبالغ في وصفه وخطورته ؛ إن التركيز على مثل هذا الأسلوب من شأنه أن يحطِّم كل جوانب الأمل لدى المصلي ، مما يجعله يشعر أنه لا يمثل إلا مجموعة من الأخطاء والعيوب ، ومع كثرة النقد وبيان الأخطاء يتلبد إحساسه ؛ فيشعر أن الخطأ أمر طبيعي لا يمكن أن يفارقه .

أو أن يشعر أن هذا الخطيب لا ينظر إلا بعين واحدة ، فينصرف عن سماع ما يقول .
إن الخطيب الناجح يستطيع أن يحقق المقصود ، ويعالج الخطأ دون حاجة للانتقاد المباشر للناس ، فحين يتحدث عن إهمال الناس لصلاة الجماعة مثلاً ؛ بإمكانه بدلاً من النقد اللاذع أن يتحدث عن أهميتها ، وفضلها ، ويسوق الأدلة الشرعية على ذلك ؛ ثم يُثَنِّيْ بعناية السلف بها ، ومحافظتهم عليها ، وذمهم من يتخلف عنها ؛ وبعد ذلك يقف عند هذا الحد ، واللبيب يفهم الإشارة ، وفي التلميح ما يغني عن التصريح ، وهذا لا يعني بالضرورة عدم الحديث عن الخطأ أو مجاملة الناس ، لكن هذا شيء ، وما نفعله أحياناً شيء آخر .

2- وصف الأخطاء والتحذير منها دون العمق في تحليل أسبابها ، والتفتيش عن مكمن الضعف .
فقد أصبح الشعور بالخطأ مشتركاً لدى الأغلب ، لكنهم ينتظرون برنامجاً عملياً ، وخطوات واقعية .
ومن ذلك الحديث المجرد عن الموت والقبر دون ربط ذلك بالواقع .
ويشير ابن القيم -رحمه الله- إلى شيء من ذلك ، فيقول : " وكذلك كانت خطبته ، إنما هي تقرير لأصول الإيمان ، من الإيمان بالله ، وملائكته وكتبه ، ورسله ولقائه ، وذكر الجنة والنار ، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته ، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته ، فيملأ القلوب من خفته إيماناً وتوحيداً ، ومعرفة بالله وأيامه ، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمراً مشتركاً بين الخلائق ، وهي النوح على الحياة ، والتخويف بالموت ، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيماناً بالله ، ولا توحيداً له ، ولا معرفة خاصة به ، ولا تذكيراً بأيامه ، ولا بعثاً للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه ، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة ؛ غير أنهم يموتون ، وتقسم أموالهم ، ويبلي التراب أجسامهم ، فليت شعري أي إيمان حصل بهذا ؛ وأي توحيد وعلم نافع حصل به ؟ ! " [6] .

3- النقد الشخصي والتصريح بالأسماء ، فهذا خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان كثيراً ما كان يقول : " ما بال أقوام يفعلون كذك وكذا " .
أو الغلو والإيغال في التعمية ، فالمنكرات الظاهرة العامة يجب أن تنكر صراحة .

4- مدح من لا يستحق المدح ، والثناء عليه ، كما في بعض المواقف والمشاريع التي يدرك الجميع أنها غير صادقة ، وغير جادة ، أو كانت جادة ؛ لكن الخطيب لا يستطع أن يقول كل شيء ، فلا يستطيع الانتقاد وبيان الخطأ ، فلا يسوغ له الاقتصار على الثناء ؛ لأنه يتضمن التزكية عند الناس ، أما ما يقوله البعض من أن هذا شهادة للمحسن بإحسانه ؟ فهذا مطلوب لكن حين يستطيع أن يشهد بالإساءة والإحسان ، أما حين تكون الشهادة بالإحسان وسيلة لطمس الحقائق ؛ والتلبيس على الناس ، فهذا أمر مرفوض .

5- تأثر الخطيب بعمله الوظيفي .
فحين يكون مدرساً يتحدث كثيراً عن الإجازات ، والامتحان ، وبدء العام ، وهكذا مَنْ يعمل في ميدان الاحتساب ترى معظم خطبه تدور حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعن المنكرات المتفشية في المجتمعات ، وهذه أمور مطلوبة ؛ لكن هذا شيء وكونها سمة غالبة على الخطيب شيء آخر .

ثامناً : مقترحات للخطيب :
لعلنا نقترح هاهنا بعض المقترحات للخطيب على أمل أن تساهم في إفادته ، ورفع مستوى خطبته :
1- اللقاء بالخطباء في الحي ، والتنسيق معهم ، والاستفادة المشتركة من المعلومات ، ووجهات النظر ، مما يختصر عليهم كثيراً من الوقت .


2- وضع صندوق للمقترحات ؛ يشمل موضوعات للخطبة ، وانتقادات ، ومعلومات عن ظاهرة معينة ، ليكون هذا الصندوق حلقة وصل بين الخطيب والمصلين ، وقناة للتفاهم بينهم .

3- اللقاء ببعض فئات المجتمع كالمدرسين ، والطلاب ، والعمال ، والأطباء ، والقضاة ، والعسكريين ، فيستفيد من إطلاعهم على جوانب في المجتمع قد لا يطلع عليها ، ومن التعرف على مشاكلهم ، والتي تمثل عينة من مشكلات يعاني منها الكثير من زملائهم ، إلى غير ذلك مما يفتح للخطيب قنوات أكثر مع المجتمع .

4- الاستفادة من بعض المصلين ، فقد يصلي مع الخطيب أحد طلبة العلم ، أو المثقفين ، أو ممن يمكن أن يستفيد منه ، انتقاداً ، واقتراحاً ، ومعلومات ؛ إلى غير ذلك .

5- وضع " أرشيف " شخصي ، ينظم له معلوماته ، ويمكن أن ينسق مع غيره من الخطباء لتبادل الخبرة ، والمعلومات .

6- الخطيب هو الرجل الوحيد الذي لا يسمع خطبة الجمعة ، ولعله حين يحرص على سماع الأشرطة المسجلة لمشاهير الخطباء يستفيد كثيراً .
7- القراءة في الكتب المؤلفة في الخطابة وفنها .

8- الترجمة للخطبة إذا كان في المسجد جاليات أعجمية .
تاسعاً : هل سألت نفسك هذا السؤال ؟ ماذا حققت من خلال الخطابة خلال مدة اعتلائك المنبر .

هل صححت أخطاء تربوية ؟ هل قمت بحل مشاكل اجتماعية ؟ هلى ساهمت في تعليم الناس أصول العقيدة ، والأحكام التي يحتاجونها في حياتهم ؟ إن هذا السؤال لا يعني فشلك ، أو اتهامك بالتقصير .
لكنه سؤال يجب أن تطرحه على نفسك باستمرار مدى قيامك بهذه الأمانة ، ورعايتها .

________________________
(1) رواه أحمد وأبو داود (5005) ، والترمذي (2857) .
(2) رواه مسلم (2670) وأبو داود (4608) .
(3) جامع الأصول (11/733) .
(4) صفر 1377 هـ .
(5) مجلة لواء الإسلام (شوال 1396ه) .
(6) زاد المعاد (1/423) .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 05-22-2009 الساعة 11:15 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-22-2009, 06:32 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

مَن لهذه المنابر؟
محمد العبدة
رغم الأهمية البالغة لخطبة الجمعة والتي يحضرها المسلمون أسبوعياً ، في أعداد لا تجتمع في غير هذه المناسبة ، بل يتمنى أعداء الإسلام جمع عُشر مثل هذا العدد لينفثوا أباطيلهم ، رغم هذا فإنها لم تُعْطَ العناية الكافية من الدعاة : ما هو الأسلوب الأمثل في مخاطبة الناس ؟ ما هي المواضيع المناسبة ؟ وكيف نرقى بالناس إلى فهم دينهم فهماً واعياً ؟ كيف نقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ؟ كيف نعالج مشكلات حياتهم ؟ كل هذا يجب أن يبحث ويكتب فيه ، فإن غالب الخطباء إما أن يتكلم بعواطف فائرة دون تبليغ فكرة أو معالجة مشكلة معينة ، أو تكون خطبة هادئة جداً تصل إلى درجة البرود ، ومع ذلك فإن هذا الصنف يفتقر غالباً إلى المادة العلمية القوية .
ومن الظواهر الجلية في الدعوة الإسلامية في هذا العصر أن الخطباء الذين يملكون الحنجرة القوية والكلمات الطنانة الفضفاضة ، استطاعوا صياغة شخصيات كثير من أصحاب النوايا الطيبة في العمل للإسلام ، وكثير من الشباب المتحمس للدعوة .
فأصبحت جموع كثيرة لا تحب التفكير الهادئ المتزن ولا تحب التعمق في فهم المشاكل والصعوبات ، ويكفيها أن تعيش على أحلام الخطب الحماسية التي تشبع رغبتها .
نحن لا ننقص من قدر العاطفة وأهمية حشد الجماهير ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يخطب وكأنه منذر جيش يقول : صبَّحكم مسَّاكم ، ولكننا نريد الجمع بين هذه الحماسة وبين تقديم العلم النافع والفكرة الصحيحة ، حتى يجتمع لنا رأي عام بين صفوف المسلمين يؤيد الدعوة ويحبها ويدافع عنها ، نريد الخطيب المفكر والخطيب المؤثر ، نريد الذي يجتمع عنده أصناف الناس من متعلم وعالٍ وعامي ، والكل يرجع وقد استفاد من موعظة قلبية أو فكرة هادفة .
أليس عجيباً أنك إذا زرت مدينة عربية لا تجد في كل المدينة إلا الخطيب أو الخطيبين ، ممن يجتمع علية الناس ؟ وتجمع خطبه بين العلم والعاطفة والتأثير القوي ؟ .
هلاّ اعتبرنا بقول أحد زعماء الأحزاب التي تحارب الإسلام في بلادنا : ( آه لو عندي مثل هذه المنابر ) ؟ !
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-22-2009, 06:38 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

مَنْ لهذه المنابر ؟

(2)
محمد العبدة


مرة ثانية نعود للحديث عن خطبة الجمعة ، هذا المنبر الأسبوعي ذو الأهمية البالغة في توجيه جماهير الأمة ورفع مستواها الإيماني والعلمي .
لقد أهمل غالب الخطباء الإعداد الجيد وأهملوا معرفة ما يقال وما لا يقال ، وما هي أوجه النقص عند من يصلي عنده ، هل عندهم نقص فهم العبودية التامة لله أو نقص في التعاطف مع أمور المسلمين في العالم ، أو غير ذلك ويحاول سد هذا النقص .
قلما رأيت خطيباً في البلاد التي فشا فيها الجهل بتوحيد العبودية يتكلم وبقوة ويقرع أسماع المصلين بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية ؛ ويفصل لهم أقوال العلماء الكبار في هذا الموضوع .
استمعت في الآونة الأخيرة إلى أحد الخطباء وكان يدعو الناس إلى الالتزام بالإسلام سلوكاً وأخلاقاً ، وقال لهم في غمرة الحماسة : نحن ليس لنا دنيا ، يئسنا من الحصول على شيء من الدنيا ، أفلا يكون ديننا صحيحاً … ! ؟ تعجبت من هذا الفهم السقيم وكيف يلق الكلام على عواهنه ، وكأن الإسلام يفصل بين الدين والدنيا ولم يدر الأخ الخطيب أننا لا نستطيع الاحتفاظ بديننا على الوجه الأكمل إلا بإتقان بعض دنيانا ، وهل يقبل الإنسان منك وعظاً وهو جائع ، وهل يكون دين المسلم قوياً وهو يعاني القهر أمام الأعداء .
لا يستشير الأخ الخطيب إخوانه في موضوع الخطبة ، ولا يستشير أهل الرأي والحصافة من جمهور المصلين عنده ، ولا يقرأ كثيراً في الموضوع الذي سيتكلم عنه ؛ فكيف يؤثر في السامعين ؟ إن بعض الموضوعات لابد أن تطرح وترسخ في قلوب وعقول المصلين على اختلاف طبقاتهم ، وذلك بالحديث عنها لعدة خطب متوالية ؛ مثل مفهوم العبودية لله ، والاستسلام لنصوص الوحيين : القرآن والسنة ، وتعظيم السنة ، وتعظيم الصحابة واحترام الأجيال المفضلة ، وبيان محاسن الإسلام وفضائله ، وذكر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم- في سلمه وحربه ، وإبداء الرأي الشرعي فيما يجدُّ من أحداث ، وبث روح الأخوة والتعاون ونبذ الفرقة والخلاف ...
إلى غير ذلك من الموضوعات التي ليس مجال تفصيلها في هذا الخاطرة ، وإنما قصدنا الذي نريد الوصول إليه هو استشعار المسؤولية الملقاة على عاتق العالم والداعية الذي يرقى المنابر ليتكلم باسم الإسلام وفي بيت من بيوت الله .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-22-2009, 06:43 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

عيد الأسبوع .. يوم الجمعة خصائصه وفضائله وأحكامه وآدابه
(1من2)

بقلم : عبد اللطيف بن محمد الحسن



فضل الله تبارك وتعالى يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع ، ونوّه بأمره وعظم شأنه فقال عز وجل : [ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ] ]الجمعة : 9] .
وقال تعالى [ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ] ]البروج : 3] ، وفُسِّر الشاهد بيوم الجمعة [1] ، فكان إقسام الله به دليلاً على شرفه وفضله ، وهذا أمر واضح .
وقد شرعت صلاة الجمعة ، واتّخِذَت لها آداب ، وخصائص تزيد في جلالها ، وصارت من أعلى الفرائض ، وأعظم الشعائر .
والرجل المشغول المكدود يحتاج إلى يوم يتفرغ فيه باله للعبادة والقربات ، ويجلو فيه صدأ القلب الحاصل من الكد ومعاناة الحياة ، فكانت هذه الصلاة من رحمة الله تعالى بهذه الأمة ، وكانت الجمعة ميزان الأسبوع ، فمن صح له يوم جمعته وسَلِمَ ، سلمت له سائر جمعته [2] .
ولم يزل المسلمون يعظمون هذا اليوم ، ويخصونه بمزيد من الاهتمام ، حتى أولئك الذين لا يحافظون على الصلوات الأخرى تراهم يواظبون على صلاة الجمعة على الرغم من تفريطهم في غيرها .
والحق أن صلاة الجمعة ذات أثر عظيم في حياة المسلمين ، فالمنبر مصدر تعليم وتثقيف وإصلاح ، واجتماع المسلمين منبع أخوة وتآلف .
كما أن للجمعة والجماعة فضلاً في وحدة المسلمين في العبادات ، وإحكام الدين من الانحراف وبقاء مظاهر الحياة الإسلامية ، وحفظ المسلمين من الانسلاخ ، ومزيد من الفرقة ، كما في الأديان الأخرى [3] .
ولكنك ترى أن اهـتمام المسلمين بهذه الشعيرة تضاءل ، وصارت كغيرها من الشعائر تؤدى بصفة لا أثر لها في نفس صاحبها ، خاصة مع تقصير كثير من الخطباء في أداء واجبهم .
ولإحياء جذوة الاهتمام بهذه الفريضة العظيمة كانت هذه السطور ، وهي متضمنة بعض خصائص الجمعة ، وفضائلها ، والوعيد في تركها ، وما ينبغي للتهيؤ لها ، وشروطها ، وأحكامها ، وآداب استماع خطبتها ، أسأل الله أن ينفع بها ؛ إنه سميع مجيب الدعاء [4] .
أولاً : سبب تسمية هذا اليوم بالجمعة ، واختصاص الأمة به : كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية يوم (العَروبة) بفتح العين ، وسمي بالجمعة ؛ لأن خلْق آدم جُمع فيه ، لحديث سلمان مرفوعاً ، وفيه : ( يوم الجمعة به جمع أبوك أو أبوكم ) [5] .
ولأن أهل المدينة اجتمعوا قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وصلى بهم مصعب بن عمير ، وسموها جمعة .
وقد فرضت بمكة ، ولم يتمكن النبي - صلى الله عليه وسلم- من فعلها ، وقد هدى الله عز وجل هذه الأمة لهذا اليوم .
قال رسول الله : ( أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله عز وجل بنا ، فهدانا ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة ، ونحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضيّ لهم قبل الخلائق) [6] .
وهي من النعم التي يحسدنا عليها اليهود .

ثانياً : من خصائص يوم الجمعة :
1- أنه يوم عيد متكرر : فيحرم صومه منفرداً ؛ مخالفة لليهود ، وليتقوى على الطاعات الخاصة به من صلاة ودعاء ونحوه .

قال : (إن يوم الجمعة يوم عيد ؛ فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم ، إلا أن تصوموا قبله أو بعده) [7] .

2- أنه يوم المزيد يتجلى الله فيه للمؤمنين في الجنة : كما في حديث أنس الطويل وفي آخره : (فليس هم في الجنة بأشوق منهم إلى يوم الجمعة ، ليزدادوا نظراً إلى ربهم عز وجل وكرامته ولذلك دعي يوم المزيد) [8] .

3- كراهية تخصيص ليلة الجمعة بالقيام : لحديث النبي : (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، .... ) [9] الحديث ، ومما يدل عليه الحديث بطلانُ ما يسمى : (صلاة الرغائب) وهي صلاة على صفة مخصوصة يجعلونها في أول ليلة جمعة من رجب .

4- قراءة : [ الّم (1) تَنزِيلُ ] ]السجدة : 1 ، 2] و [ هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ ] ]الإنسان : 1] في صلاة الفجر يوم الجمعة : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها [10] ؛ ولعل ذلك لما اشتملت عليه من ذكر خلق آدم ، وأحوال القيامة ؛ لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة ، وليس المقصود السجدة التي فيها [11] .

5- فضل التبكير إلى الجمعة وغسل الجنابة يومها : قال : (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح ، فكأنما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشاً ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) [12] فجعل التبكير إلى الصلاة مثل التقرب إلى الله بالأموال ، فيكون المبكر مثل من يجمع بين عبادتين : بدنية ومالية ، كما يحصل يوم الأضحى .
والمراد بطي الصحف : طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة ، دون غيرها من سماع الخطبة ...
ونحوها .
والراجح في الساعة الأولى أنها من أول النهار .
والله أعلم [13] .

6- فيه ساعة الإجابة : قال : (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم ، وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه) ، وأشار بيده يقللها [14] .
وهذه الساعة في قول أكثر السلف هي آخر ساعة بعد العصر ، وعلى هذا تدل أكثر الأحاديث ، ومنها حديث : (فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) [15] .
وجاء في حديث آخر عند مسلم [16] أنها : (ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة) ، وهذه ساعة أخرى ترجى فيها إجابة الدعاء .

7- إكثار الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة : لحديث : (من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليّ ، فقالوا : يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا ، وقد أَرِمْت ؟ يعني : قد بليت قال : إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم ) [17] فاجتمعت الصلاة على سيد الأنام ، في خير الأيام ؛ وهو الذي دل أمته على كل خير .

8- فضل الأعمال الصالحة فيه : قال : (خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة : من عاد مريضاً ، وشهد جنازة ، وصام يوماً ، وراح إلى الجمعة ، وأعتق رقبة) [18] .
والمراد : أن صيامه وافق يوم الجمعة بدون قصد .

9- أنه يوم تقوم فيه الساعة : لحديث النبي : ( ...
ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) [19] .

10- ( من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي فتنة القبر ) [20] .

11- قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة : قال أبو سعيد رضي الله عنه : ( من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له فيما بينه وبين البيت العتيق)[21] ، وهو في حكم المرفوع الذي قاله ؛ لأن هذا لا يمكن أن يقال بالرأي .
وأما قراءة سورة الدخان فلم يصح الحديث الوارد فيها [22] .

12- جواز الصلاة نصف النهار يوم الجمعة ، دون سائر الأيام : كما في أحاديث عدة : (ثم يصلي ما كتب له) [23] .

ثالثاً : فضائل يوم الجمعة وما جاء من الوعيد في تركها :
1- فضل المشي إلى الجمعة ومضاعفة أجره : قال : (من غسّل يوم الجمعة ، واغتسل ، ثم بكر وابتكر ، ومشى ، ولم يركب ، ودنا من الإمام فاستمع ، ولم يلغُ ، كان له بكل خطوة عمل سنة : أجر صيامها وقيامها) [24] .


2- الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينها وزيادة ثلاثة أيام : قال : (من ثم أتى الجمعة ، فصلى ما قدر له ، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ، ثم يصلي معه ، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام) [25] .

3- وعيد من ترك الجمعات : قال : (لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين) [26] .


رابعاً : التهيؤ للجمعة والاهتمام بها : ويتمثل ذلك في أمور :
1- الاشتغال عن القيلولة والغداء بالتهيؤ والاستعداد للجمعة : كان الصحابة يتغدون ، ويستريحون قبل الزوال كل يوم ، إلا يوم الجمعة ، فكانوا ينشغلون بالاستعداد للجمعة ، والتبكير إليها ، فلا يبقى لهم وقت يسع للقيلولة قبل صلاة الجمعة .

( والقيلولة : الاستراحة وسط النهار ، وإن لم يكن معها نوم ) .
قال سهل -رضي الله عنه- رضي الله عنه : (ما كنا نقيل ، ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) [27] .

2- الغسل : اختلف في حكمه بين الوجوب والاستحباب ، فاستدل الموجبون : بقوله : (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) [28] ، وقوله : (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل) [29] .
واستدل القائلون بالاستحباب بقوله : (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل) [30] فينبغي الاغتسال إدراكاً للفضل ، وخروجاً من الخلاف .

3- استعمال السواك والطيب : قال : (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وأن يستنّ ، وأن يمس طيباً إن وجد ) [31] .
قال الحافظ : قوله : ( أن يستن ) : أي يدلك أسنانه بالسواك.

4- تخصيص لباس للجمعة : عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر في يوم الجمعة : (ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة ، سوى ثوب مهنته) .


خامساً : شروط صلاة الجمعة :
وهي نوعان : أ- شروط الوجوب :
1- الإسلام .

2- والعقل : وهما شرطان في جميع الأحكام الشرعية ، باتفاق الأمة ، والأدلة عليها متوافرة .
3- البلوغ : عن حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) [32] .
4- الحرية .
5- والذكورية .
6- وعدم العذر : قال النبي : (الجمعة حق واجب على كل مسلم ، في جماعة ، إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض) [33] .
7- الإقامة : لحديث : (ليس على مسافر جمعة) [34] وعلى هذا قول الأئمة الأربعة [35] .
8- أن لا يكون في الطريق مطر ، ولا وحل : عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لمؤذن في يوم مطير : إذا قلت : (أشهد أن محمداً رسول الله) ، فلا تقل : (حي على الصلاة) ، قل : (صلوا في بيوتكم) ، فكأن الناس استنكروا ! قال : (فعله من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض) وبوّب البخاري : باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر [36] .
9- مسألة : اشتراط العدد : في المسألة خمسة عشر قولاً ذكرها ابن حجر في الفتح ، وذكر أن القول باشتراط الكثير بغير قيد : هو أرجحها من حيث الدليل [37] .
واختار الشوكاني أنها تصح باثنين ، كسائر الصلوات [38] .
ورجح بعض العلماء أنها تصح بثلاثة : الإمام واثنين معه ، وتجب عليهم [39] .
10- مسألة : اشتراط المدن لإقامة الجمعة : لا يشترط لإقامة الجمعة أن تكون في المدن دون غيرها ، بل تقام في القرى أيضاً ، قال ابن عباس : إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس ، بجواثى من البحرين [40] وجواثى : قرية ، ولم يجمّعوا إلا بأمر رسول الله .
وسيأتي دليل آخر في المسألة التالية .
ومن الناس من وقع في الوسواس فتراه يصلي الظهر بعد الجمعة إذا كان في قرية ، خوفاً من عدم صحة الجمعة ، وهذه بدعة ! ! وضابط القرية التي تقام فيها الجمعة : أن تكون مبنية بما جرت به العادة ، وأن تكون مجتمعة البناء بما هو مألوف [41] .
11- مسألة : اشتراط إذن السلطان : استنبط الزهري رحمه الله من حديث : (كلكم راع) أن إذن السلطان لا يشترط [42] وقال ابن قدامة : الصحيح أنه ليس بشرط ، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور .
ثم ذكر من الأدلة : صلاة علي زمن حصر عثمان ، ولم يُنكر .
وقول عثمان : (إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس ، فإن أحسنوا فأحسن معهم ، وإن أساؤوا فاجتنب إساءتهم) [43] .
ولأنها من فرائض الأعيان ، ولأنها صلاة أشبهت الصلوات [44] .


ب- شروط الصحة :
1- تقدم الخطبة على الصلاة : لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وسيأتي الكلام عنها مفصلاً ، في الحديث عن الخطبة .

2- الوقت : عن أنس : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس [45] وهذا يدل على أن وقت الجمعة : عند زوال الشمس ، أي : وقت صلاة الظهر ، وعن سلمة قال : (كنا نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه) [46] وهذا يدل على أنهم كانوا يصلونها في أول الوقت عند الزوال ، بلا إبراد ، بخلاف ما كانوا يفعلون في صلاة الظهر عند اشتداد الحر .
وسئل جابر : متى كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الجمعة ؟ قال : (كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها) زاد عبد الله في حديثه : (حين تزول الشمس ، يعني : النواضح) [47] ، وهذا دليل لمن يقول بصحة الجمعة قبل الزوال ؛ فإن الخطبة والصلاة لو كانتا بعد الزوال لما أمكن بحال أن تكون إراحة النواضح عند الزوال ، بل بعده بكثير [48] .
3- تحديد المكان الذي تؤتى منه الجمعة إذا كان الرجل في مكان لا تقام فيه الجمعة : جاء في خبر الأعمى : (هل تسمع النداء بالصلاة ؟ ) فقال : نعم ، قال : (أجب) فإذا كان هذا في مطلق الجماعة ، فالقول به في خصوصية الجمعة أوْلى .
وهذا الأمر في حق من كان في مكان لا تقام فيه الجمعة ، أما من كان في بلد تقام فيه الجمعة فعليه الإجابة سمع النداء أم لم يسمع ، لقوله تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ] ]الجمعة : 9]
________________________
(1) رواه أحمد موقوفاً على أبي هريرة ، وصحح الشيخ شاكر إسناده ، المسند 2/298 .
(2) انظر : زاد المعاد 1/398 ، والأركان الأربعة ، لأبي الأعلى المودودي ، ص 59 ، 60 .
(3) انظر : الأركان الأربعة ، ص 61 ، 62 .
(4) أصل هذا الموضوع رسالة علمية بعنوان : (أحاديث الجمعة دراسة نقدية وفقهية) لعبد القدوس محمد نذير ، مع زيادات كثيرة ، ومباحث عديدة .
(5) رواه ابن خزيمة برقم (1732) 3/118 قال د الأعظمي : إسناده حسن وأخرجه أحمد والطبراني .
(6) رواه مسلم برقم (856) .
(7) رواه أحمد ، وقال شاكر : إسناده صحيح ، المسند 15/175 ، ح/8012 .
(8) أخرجه ابن أبي شيبة 2/58 وأخرجه الطبراني في الأوسط ، (مجمع البحرين ح/4879) ، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب ، وقال : بإسناد جيد ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب للألباني1/291 ، ح 694 .
(9) رواه مسلم برقم (1144) .
(10) البخاري برقم (891) .
(11) زاد المعاد ، 1/375 .
(12) البخاري برقم (881) .
(13) راجع بحثاً فيها في زاد المعاد ، 1/399 407 .
(14) رواه البخاري برقم (935) .
(15) رواه النسائي في كتاب الجمعة ، باب وقت الجمعة ، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1316) .
(16) رواه مسلم برقم (853) .
(17) مسند أحمد (4/8) ، وسنده صحيح .
(18) أخرجه ابن حبان ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ، لابن بلبان برقم (2771) وقال المحقق : إسناده قوي وصححه الألباني في صحيح الجامع ، .
(3252).
(19) أخرجه مسلم برقم (854) .
(20) رواه أحمد في المسند (2/202) ، وقال شاكر : إسناده صحيح ، ح/ 7051 .
(21) رواه الدارمي برقم (3283) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
(6471) .
(22) الحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً : (من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له) وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأورده الألباني في ضعيف الترمذي (545) .
(23) البخاري ، حديث (883) .
(24) رواه أبو داود برقم (345) وأورده الألباني في صحيح أبي داود (333) .
(25) أخرجه مسلم برقم (857) .
(26) رواه مسلم برقم (865) .
(27) رواه البخاري برقم (939) ، وانظر بمعناه الحديثين بعده في الصحيح .
(28) رواه البخاري برقم (858) في الأذان ، باب وضوء الصبيان .
(29) رواه البخاري برقم : (877) .
(30) سنن النسائي في كتاب الجمعة ، وأورده الألباني في صحيح النسائي برقم (1307) .
(31) رواه البخاري برقم : (880) .
(32) أخرجه النسائي في كتاب الجمعة ، وأورده في صحيح النسائي برقم .
(1299) .
(33) أخرجه أبو داود برقم (1076) ، وأورده في صحيح أبي داود (942) .
(34) انظر صحيح الجامع للألباني برقم : (5405) .
(35) انظر المغني لابن قدامة 2/338 .
(36) أخرجه البخاري برقم (901) الفتح ، 2/446 .
(37) الفتح 2/490 .
(38) نيل الأوطار ، شرح منتقى الأخبار ، 3/285 .
(39) الشيخ ابن باز ، انظر : فتاوى إسلامية ، 1/425 .
(40) رواه البخاري ، ح/892 .
(41) المغني 2/327 .
(42) الحديث رواه البخاري برقم (893) ، وانظر الفتح (2/443) .
(43) البخاري برقم 695 .
(44) انظر المغني ، 2/330 .
(45) أخرجه البخاري برقم : (904) .
(46) رواه البخاري ، 2/386 ، ونحوه لمسلم برقم : (860) .
(47) أخرجه مسلم برقم : (858) والنواضح : جمع ناضح : الصب ، والمراد به : البعير الذي يستقى به الماء .
(48) وذهب بعض أهل العلم إلى مشروعية الإبراد في صلاة الجمعة أيضاً ، ومال إليه البخاري ، ولم يجزم به ، ومنع ابن المنير بناء عليه أداءها قبل الزوال ؛ إذ لو جاز تقديمها قبل الزوال ، لأغنى عن الإبراد بها ، انظر : باب : إذا اشتد الحر يوم الجمعة ، من كتاب الجمعة في الصحيح ، وشرحه في الفتح ، 2/451 .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 05-22-2009 الساعة 11:27 PM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-22-2009, 06:45 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

عيد الأسبوع .. يوم الجمعة
خصائصه وفضائله وأحكامه وآدابه
(2/2)

بقلم : عبد اللطيف بن محمد الحسن


تحدث الكاتب في الحلقة السابقة عن فضل يوم الجمعة وسبب تسميته واختصاص الأمة به ، وخصائص هذا اليوم ، وما جاء من الوعيد في ترك صلاة الجمعة وعن أهمية التهيؤ لها والاهتمام بها .
ثم عرج على ذكر شروط صلاة الجمعة وقسمها إلى نوعين : شروط الوجوب ، وشروط الصحة .
ويتابع في هذا العدد حديثه عن أحكام الصلاة والخطبة وآداب الخطيب ، وآداب الجلوس في المسجد يوم الجمعة .
- البيان -
سادساً : من أحكام صلاة الجمعة :
1- حكمها : هي فرض عين على الرجال ، وهذا أمر ظاهر .

تقدم من النصوص ما يدل عليه .
2- حكم صلاة الجمعة إذا اجتمع يوم الجمعة ويوم العيد : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنا مجمّعون) [1] .
وهذا ظاهره أن الجمعة تعد رخصة بعد صلاة العيد ، فمن شاء شهدها ، ومن شاء صلى الظهر أربعاً ، سواء في ذلك الإمام أو غيره لشمول النص لذلك .
والأوْلى والله أعلم أن يصليهما جميعاً تحرياً للفضيلة ، وطلباً للأجر .
3- إدراك الجمعة : عن ابن عمر قال : قال رسول الله : (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد أدرك الصلاة) [2] .
وهذا يدل على أن الجمعة تصح بإدراك ركعة ؛ ومفهومه : إذا لم يدرك ركعة فإنه لم يدرك الجمعة ، فيتمها ظهراً أربع ركعات [3] .
واشترط بعض الفقهاء لصحة الجمعة إدراك شيء من الخطبة ، وقالوا : فإنْ لم يدرك شيئاً منها صلى أربعاً .
4- استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة ، أو الأعلى والغاشية ، أو الجمعة والغاشية : جاء كل ذلك في صحيح مسلم [4] .
قال ابن القيم : (ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها ، أو يقرأ إحداهما في الركعتين ، فإنه خلاف السنة) [5] .
5- صلاة النفل قبل صلاة الجمعة : لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة راتبة للجمعة ، ولكن إذا دخل المصلي المسجد ، سُنّ له أن يصلي تحية المسجد ركعتين ، ثم يصلي ما كتب له كما ورد في الأحاديث ، قال ابن القيم : (فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من بيته فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة ، فإذا أكمله أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخطبة من غير فصل ، وهذا كان رأي عين ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم ، فركعوا ركعتين ، فهو أجهل الناس بالسنة) [6] .
6- السنة بعد الجمعة : قال : ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) [7] .
وعن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته .
أخرجاه [8] .
وللجمع بين الحديثين ذهب بعض العلماء إلى أنه : إن صلى في المسجد صلى أربعاً ، وإن صلى في بيته صلى ركعتين [9] وذهب آخرون إلى أن الركعتين خاص به -صلى الله عليه وسلم- ، والمشروع في حق أمته أربع ركعات .
7- المستحب أن يفصل بين الفريضة والسنة بالتحول من مكانه ، أو بالكلام : فقد قال معاوية رضي الله عنه لرجل رآه صلى السنة بعد الجمعة بلا فصل : (لا تعد لما فعلت ، إذا صليت الجمعة ، فلا تَصِلْها بصلاة حتى تكلم أو تخرج ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك : أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج) [10] .
والأوْلى أن يتحول إلى بيته .
8- استحباب القيلولة بعد الجمعة : حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على القيلولة فقال : ( قيلوا ؛ فإن الشياطين لا تقيل ) [11] وحدد وقتها في يوم الجمعة بعد الصلاة ؛ لحديث أنس قال : ( كنا نبكر بالجمعة ، ونقيل بعد الجمعة ) [12] .


سابعاً : أحكام الخطبة :
1- الأذان عند جلوس الإمام على المنبر للخطبة : عن السائب بن يزيد قال : (كان النداء يوم الجمعة ، أوله إذا جلس الإمام على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، قال : فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء) [13] .

وعلى الإمام أن يجيب وهو على المنبر إذا سمع النداء كما في البخاري [14] .
2- حمد الله في الخطبة والثناء عليه والإتيان بخطبة الحاجة : عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا تشهد قال : ( الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئاً ) [15] .
3- الشهادة في الخطبة : قال رسول الله : (الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجذماء) [16] .
4- يخطب خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس : روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال : (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائماً ، ثم يقوم كما تفعلون الآن) [17] .
5- موعظة الناس وتذكيرهم : عن جابر بن سمرة قال : كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- خطبتان يجلس بينهما : يقرأ القرآن ويذكّر الناس [18] .
وقوله : (يذكر الناس) فيه دليل على جواز الخطبة بلغة غير العربية ، لكن لا بد له من قراءة الآيات والأحاديث بالعربية كما لا يخفى ، ثم يترجم معانيها بلغة المخاطبين .
وإذا فهم المقصود من الخطبة عُلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن خطبته مجرد كلام لا حياة فيه ولا روح ، ولا رسالة ولا توجيه ، بل كانت متصلة بالحياة ، وبالواقع كل الاتصال [19] ، وقد كانت خطبه تملأ القلوب إيماناً وتوحيداً ، لا كخطب غيره التي قد لا يحصل منها إلا النوح على الحياة ، فتخلو من ذكر ما يعرّف بالله ويذكّر بأيامه ، ويبعث النفوس على محبته ، والشوق إلى لقائه .
6- استحباب قصر الخطبة : قال رسول الله : (إن طول صلاة الرجل ، وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة ، وأقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحراً) [20] .
فإقصار الخطبة سنة ، وهو التوسط ، وعلامة لفقه الرجل ، لكونه مطلعاً على جوامع الألفاظ ، فيعبر باللفظ المختصر عن المعاني الكثيرة ، وكذلك كانت خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- واقعية بليغة مؤثرة ، لكنها لم تكن طويلة مملة .
والمقصود بإطالة الصلاة أن تكون بحيث لا تشق على المؤمنين ، فتكون طويلة نسبة للخطبة .
وإطالة الصلاة تنبيه إلى المقصود والأهم من الاجتماع وهو الصلاة .
7- قراءة شيء من القرآن في الخطبة : عن يعلى بن أمية أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ على المنبر : [ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ ][21] [الزخرف : 77] .
وهذا الحديث وغيره يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ آياً من القرآن بدون ملازمة لسورة أو آية في خطبة الجمعة .
8- استحباب قراءة سورة (ق) : لحديث أم هاشم بنت حارثة بن النعمان قالت : ( .. وما أخذت [ ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ ][ق : 1] إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس) [22] .
قال العلماء : وسبب اختياره هذه السورة لما اشتملت عليه من ذكر البعث والموت ، والمواعظ الشديدة ، والزواجر الأكيدة .
وقد كان ذلك لقوم يفهمون معانيها ، ويدركون أسرارها ، فيتأثرون بها أعظم التأثر ، ويتعظون بها أجلّ الاتعاظ ، أما قراءتها عند قوم لا يفهمون معانيها ، ولا يدركون مغازيها ، فلا ينبغي إلا مع الشرح والبيان ، حتى يتحقق المقصود .
9- مشروعية الدعاء في الخطبة : لحديث الأعرابي الذي شكى الجدب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب فدعا ، فمُطروا حتى الجمعة الأخرى ، فشكا أعرابي في الجمعة التالية كثرة المطر ، فقال -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب : ( اللهم حوالينا ولا علينا ) ورفع يديه فدعا [23] .
وأيضاً فهي ساعة يجاب فيها الدعاء .
10- المستحب أن تكون الخطبة حسب مقتضى الحال : وهو أمر تضافرت عليه الدلائل من أحوال خطب النبي ؛ ومن أمثلته حديث أبي سعيد الخدري قال : جاء رجل يوم الجمعة ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بهيئة بذة ، فقال له رسول الله : (أصليت ؟ ) قال : لا ، قال : (صل ركعتين) ، وحث الناس على الصدقة ، فألقوا ثياباً ، فأعطاه منها ثوبين .
11- جواز أن يتكلم الإمام في غير موضوع الخطبة عند الحاجة : كان النبي- صلى الله عليه وسلم- ربما رأى رجلاً في الشمس ، فأمر بتحوّله إلى الظل ، أو رأى رجلاً ترك السنة فأمره بها ، كما في تحية المسجد ، أو رأى مرتكِباً منهياً فنهاه ؛ كمن تخطى رقاب الناس .


ثامناً : آداب الخطيب :
1- أن يسلم على المأمومين إذا صعد المنبر ويُقبل عليهم بوجهه : عن عطاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس فقال : السلام عليكم .

وهذا مرسل صحيح [24] .
2- أن يجلس على المنبر بعد صعوده قبل الخطبة : عن محمد بن عمر بن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوم الجمعة إذا استوى على المنبر يجلس ، فإذا جلس أذن المؤذن ، فإذا سكتوا قام يخطب ، فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس ، ثم قام فخطب الخطبة الآخرة [25] .
3- أن يخطب على المنبر : أخرج البخاري [26] عن جابر قال : ( كان جذع يقوم إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فلما وُضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العِشار ؛ حنيناً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي تركه ، وقد كان يخطب عليه ، وحنيناً لما كان يسمع الذكر) حتى نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده عليه وقد صنع المنبرَ امرأةٌ ، كما في حديث سهل ، وفيه : ( فاحتمله النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضعه حيث ترون ) [27] .
4- أن يخطب قائماً : أخرج ابن ماجه بسنده : سئل عبد الله : أكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يخطب قائماً أو قاعداً ، قال : أوَ ما تقرأ : [ وَتَرَكُوكَ قَائِماً ] [الجمعة : 11] [28] .
ويدل على هذا أيضاً حديث كعب بن عجرة في مسلم [29] .
5- أن يتكئ على عصا أو قوس : دل عليه حديث الحكم بن حَزَن الكَلَفي[30] .
والحكمة : الاشتغال عن العبث ، وقيل : أربط للجأش .
6- أن يرفع الصوت ويبجل شأن الخطبة : عن جابر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : صبّحكم ، ومسّاكم ، ويقول : (أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ...
) [31] .
7- كراهة رفع اليدين وتحريكهما ، وجواز الإشارة بأصبع أو أصبعين حال الخطبة : أخرج مسلم [32] عن حصين عن عمارة بن رويبة قال : رأى بشرَ بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال : قبح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا [اي : يشير بها] ، وأشار بأصبعه المسبحة .
واختلف الرواة عن حصين ؛ فقال بعضهم : رافعاً يديه يدعو ، وبعضهم لم يذكر الدعاء ؛ لذا اختلف العلماء في فهم الحديث على قولين :
1- ففهم البيهقي والشوكاني المعنى الأول : وهو ذكر الدعاء ، وقالوا : ليس من السنة رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة .

2- وفهم الطيبي المعنى الثاني ، وذكر أن المقصود بالنهي رفع اليدين أثناء الكلام حال الخطبة كما هو دأب الوعاظ والقصاص .
8- أن ينهى عن المنكر إذا رآه وهو يخطب : وهذه المسألة تقدم لها شواهد وأدلة كثيرة .


تاسعاً : آداب الجلوس في المسجد يوم الجمعة :
1- أن يصلي ركعتين تحية المسجد قبل الجلوس ؛ للأمر العام ، ولقوله : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة ، والإمام يخطب فليركع ركعتين ، وليتجوز فيهما) [33] .

2- أن يجلس حيث وجد المكان : قال : (لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ، ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه ، ولكن يقول : افسحوا) [34] .
3- ألاّ يتخطى رقاب الناس ولا يفرق بينهم : قال عبد الله بن بسر : جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فقال له النبي : (اجلس فقد آذيت) [35] .
ويستثنى من ذلك : الإمام إذا لم يجد طريقاً ، ومن رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي على خلاف ويتأكد التخطي إذا ترك الناس الصفوف الأولى وجلسوا في آخر المسجد ، قال الحسن : (تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد ؛ فإنه لا حرمة لهم) ويستثنى أيضاً : من جلس في مكان ثم خرج لحاجة ، ثم عاد إلى مكانه [36] .
4- أن ينصت إذا بدأ الإمام يخطب : قال : (إذا قلت لصاحبك : أنصت والإمام يخطب فقد لغيت ) [37] .
وقال : ( من مس الحصى فقد لغا ) [38] .
5- يجوز أن يشير إذا احتاج إلى الكلام : روى ابن خزيمة في صحيحه[39] عن أنس قال : دخل رجل المسجد ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر يوم الجمعة ، فقال : يا رسول الله متى الساعة ؟ فأشار إليه الناس أن اسكت ، فسأله ثلاث مرات ، كل ذلك يشيرون إليه أن اسكت ...
الحديث [40] .
6- أن يدنو من الإمام : وهو أمر قلّ الحريصون عليه ، وغفل الكثير عما ورد فيه من ترغيب ، بل عن قوله : (احضروا الذكر ، وادنوا من الإمام ؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يُؤخّر في الجنة وإن دخلها) [41] .
7- أن يجتنب اللغو : قال : (يحضر الجمعة ثلاثة نفر : رجل حضرها يلغو بلغو ، وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو ، فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ، ولم يتخط رقبة مسلم ، ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها ، وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك بأن الله عز وجل يقول : [ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ][الأنعام : 160] [42] .
8- أن لا يحتبي : عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحبوة يوم الجمعة ، والإمام يخطب [43] .
والاحتباء : أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره ، ويشده عليهما ، وقد يكون باليدين عوضاً عن الثوب ، وهو يجلب النوم ، ويعرِّض لانتقاض الطهارة ، ومثله الاستناد إلى الجدار ونحوه وقد يكون أشد منه في جلب النوم .
9- أن يستقبل الإمام : عن عدي بن ثابت عن أبيه قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم [44] .
10- أن لا يتحلق قبل الجمعة : لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشراء والبيع في المسجد ، وأن تُنشد فيه ضالة ، وأن ينشد فيه شعر ، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة [45] .
وهذا يدل على كراهة ذلك [46] ؛ لأنه ربما قطع الصفوف ، مع كونهم مأمورين يوم الجمعة بالتبكير والتراص في الصفوف الأول فالأول .
11- أن يتحول من مكانه إذا نعس : لحديث : (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول عن مجلسه ذلك) [47] .
12- مسألة : حكم الكلام بعد نزول الإمام من المنبر وقبل الصلاة : والأوْلى أن لا يتكلم إلا لحاجة ؛ لأحاديث منها حديث سلمان بلفظ : (وينصت حتى يقضي صلاته) [48] .


عاشراً : كيفية الاستفادة من خطبة الجمعة : إن خطبة الجمعة وسيلة متاحة للدعاة ، ليخاطبوا بها جميع المسلمين بمختلف طبقاتهم ، واتجاهاتهم ، وقد شرع الله عز وجل لهذه الوسيلة ما يعين على الاستفادة منها ، من أمر المسلمين جميعاً من الذكور بالسعي للصلاة ، والإنصات للخطيب .
وهي وسيلة متاحة في كل أسبوع ، فيستمع المسلم في العام الواحد إلى (52) خطبة ؛ ومع إقبال الناس على صلاة الجمعة ، فإنهم يتأثرون إذا وجدوا خطيباً جيداً .
وهذا مما يوجب على الدعاة وخاصة الخطباء أن يراجعوا أساليبهم في مخاطبة الناس ، وينظروا دائماً في إصلاح أخطائها [49] .

________________________
(1) رواه أبو داود برقم : (1073) ، وأورده في صحيح أبي داود برقم : (948) .
(2) رواه ابن ماجه برقم : (1123) ، وأورده في صحيح ابن ماجه (922) .
(3) انظر المغني ، 3/183 184 .
(4) انظر رقم : (877) ، (878) .
(5) زاد المعاد 1/381 .
(6) ج1/432 وللتوسع في المسألة ، انظر (فتح الباري 2/476 ، 493 ، 494 ، وزاد المعاد 1/431 440 ورسالة (سنة الجمعة) لشيخ الإسلام ابن تيمية .
(7) رواه مسلم برقم (881) .
(8) البخاري برقم : (937) ، ومسلم برقم : (882) .
(9) وإليه ذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، انظر زاد المعاد 1/440 .
(10) رواه مسلم برقم : (883) .
(11) ذكره في صحيح الجامع ، ح/4431 .
(12) رواه البخاري برقم : (905) .
(13) أخرجه البخاري برقم : (912) والنداء الثالث ، هو : المعروف اليوم بالأذان الأول ، وإنما صار ثالثاً على اعتبار أذان الجمعة نداء أول ، والإقامة نداء ثانياً لأنها تسمى أذاناً كما في حديث : (بين كل أذانين صلاة) ، والمراد بين الأذان والإقامة .
(14) برقم : 2/396 .
(15) رواه أبو داود برقم : (1097) ، وأورده الألباني في الضعيف ولكن له شواهد منها ما أخرجه النسائي وأورده الألباني في صحيح النسائي برقم (1331) عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (علمنا خطبة الحاجة : الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له) .
(16) رواه أحمد في المسند 2/302 قال شاكر : إسناده صحيح ، ح/ 8004 والجذماء : المقطوعة .
(17) برقم : (920) .
(18) رواه مسلم برقم : (862) .
(19) انظر : الأركان الأربعة ، ص 57 .
(20) رواه مسلم برقم : (869) .
(21) رواه البخاري برقم : (4819) .
(22) رواه مسلم برقم : (873) .
(23) رواه البخاري برقم (933) .
(24) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن عطاء 1/192 .
(25) وهذا مرسل حسن الإسناد ، ويقويه حديث معاوية في إجابة الخطيب للمؤذن ، فذكر فيه جلوسه حال أذان المؤذن .
(26) برقم : (918) ، والعشار : النوق الحوامل التي قربت ولادتها .
(27) تلخيص الحبير ، 2/126 .
(28) برقم : (1108) ، وأورده في صحيح ابن ماجه : (909) .
(29) برقم : (864) .
(30) رواه أبو داود برقم : (1096) وسنده حسن كما قال الحافظ وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (971) .
(31) رواه مسلم برقم : (867) .
(32) برقم : (874) .
(33) رواه مسلم برقم : (875) .
(34) رواه مسلم برقم : (2178) .
(35) رواه مسلم برقم : (1118) وأورده في صحيح أبي داود برقم : (989) .
(36) انظر تفصيل ذلك في المغني 2/39 ، 350 .
(37) رواه مسلم برقم : (851) .
(38) رواه أبو داود برقم : (927) ، وأورده في صحيح أبي داود (1050) .
(39) 3/149 وإسناده حسن كما أفاد صاحب (أحاديث الجمعة) ص : 426 ، 427 .
(40) وحديث أنس في سؤال الأعرابي عن الساعة ، وقول الرسول : ماذا أعددت لها ؟ أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بعدة طرق ، ولكن ليس فيها كما في رواية ابن خزيمة من أنه كان يخطب ، ولا ذكر يوم الجمعة .
(41) سنن أبي داود (1108) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (980) .
(42) رواه أبو داود برقم : (1113) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود ، ح/984 .
(43) رواه أبو داود برقم : (1110) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (982) .
(44) أخرجه ابن ماجة برقم : (1136) وصححه الألباني (932) .
(45) رواه أبو داود برقم (1079) وصححه الألباني (956) .
(46) وهو قول الجمهور ، انظر مثلاً : معالم السنن ، للخطابي ، 1/651 .
(47) رواه الترمذي عن ابن عمر برقم : (532) وصححه وأورده في صحيح سنن الترمذي (436) .
(48) النسائي برقم : (1330) وصححه الألباني .
(49) انظر تفصيلاً مهماً في مقال بعنوان : (حتى نستفيد من خطبة الجمعة) للشيخ محمد الدويش ، في مجلة البيان ، عدد 65 ، ص 18 ، عدد 66 ، ص 9 .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 05-22-2009 الساعة 11:41 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-22-2009, 06:47 PM
أم عمر أم عمر غير متواجد حالياً
اللهم نسألك الجنة بغير حساب وأن ترحم أبى وتعلى قدره فى الجنة وترزقنا الثبات حتى الممات
 




افتراضي

فعلا موضوع مهم خاصة ونحن نجد هذا التخبط والإنفصال الكبير بين خُطب الجمعة وبين واقع الناس وحياتهم ونجد الخطيب يخطب عن الفن فى الإسلام ومنذ عصر الفراعنة والأمة تتمزق كل يوم !!!!وإلى الله المشتكى

نفع الله بكم وبما نقلتم
التوقيع

غراس الجنة:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05-22-2009, 06:50 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

باركَ اللهُ بكم.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-23-2009, 02:39 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

جزاكم الله خيراً
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-26-2009, 02:01 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

وجزاكم خيرًا منهُ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 01:27 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.