انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > القرآن الكريم

القرآن الكريم [أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوبٍ أقفالها] .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-11-2009, 04:02 AM
احمدنمير احمدنمير غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Tamayoz تأملات في قصة أصحاب الكهف

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم




تأملات في قصة أصحاب الكهف

تأملات في سياق القصة

جاءت قصة أصحاب الكهف تسلية وتسرية وتثبيتا لقلب رسولنا صلى الله عليه وسلم

كان نزولها في العهد المكي حيث لقى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه كثيرا من المحن والابتلاءات على طريق الدعوة الذي حُفًّ بالعقبات والمكاره.

نزلت هذه القصة وما زال المسلمون الأوائل يلقون أشد صنوف البلاء ويتذوقون من العذاب ألوانا وأنكالا, ومن السخرية والاستهزاء أشكالا, ومن الصدود والإعراض نصيبا على يد الفئة الظالمة الغاشمة.

نزلت هذه القصة على القلوب المستضعفة بردا وسلاما تروي شغافها وتقوي دعائمها.

نزلت لتكون حجة ساطعة تشهد بصدق هذا النبي الأمين.

جاءت برسالة موجهة إلى أهل الكتاب أن هذا القرآن فيه فصل الخطاب وخير الجواب لكل ما يطرحونه من تساؤلات.

لقد كادت نفسه صلى الله عليه وسلم تذهب حسرات وتهلك غما وهما من أحوال قومه الذين جاءهم بالحق المبين لكنهم في غيهم سادرون وفي ضلالهم يعمهون, فجاءت القصة لتنبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يترفق بنفسه فإنه يؤدي ما عليه من واجب البلاغ وأمانة الرسالة, وليتذكر أن الهداية من الله يمنحها من يستحقها .

قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}(الكهف:6)

فالهداية من الله, يختص بها من يشاء, وأمامنا قصة أهل الكهف أولئك الفتيان الذين ملأ الله قلوبهم بالإيمان وهداهم إليه بالفطرة والبرهان وزادهم هدى على هدى لما توجهوا إلى ربهم بصدق سائلين إياه أن يهيئ لهم طريق الهدى والرشاد ويوجههم إلى التوفيق والسداد

المناسبة بين القصة والمحور العام للسورة:

لما بين الله عز وجل أن ما على الأرض من زينة إنما هو للابتلاء والامتحان الذي يبرز معادن الناس ويجلي عن قصدهم وهمتهم نحو العمل الصالح قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا[1] (8)}.

لما بين الله تعالى ذلك ضرب أمثلة تكشف عن موقف الناس من زينة الدنيا, فبدأ بقصة أصحاب الكهف الذين لم يغتروا بزينة الشباب وزينة الأهل والعشيرة وزينة الأبهة والسلطان بل تركوا كل هذه الملذات وأعرضوا عن جميع الإغراءات وهجروا الأهل والخلان في سبيل الله جل في علاه.

ثم جاءت قصة صاحب الجنتين الذي غره المال ولم يحمد الله عليه بل ازداد بطرا وأشرا, في حين نجح صاحبه في الابتلاء حيث عرف حقيقة هذه الدنيا الفانية, فكان له ناصحا أمينا وواعظا بليغا[2].

ثم يأتي التعقيب على هذه القصة مبينا حقيقة الدنيا الفانية وما فيها من زينة تسلب القلوب وتأسر النفوس وتصرفها عن غاية وجودها وعاقبة أمرها[3].

وإذا كان هناك من يغتر بالمال أو بالولد فإن هناك من يغتر بالوعود الكاذبة والأماني الباطلة التي يمني بها إبليس اللعين هذا العدو القديم الذي أظهر عداوته قديما يوم أن امتنع عن السجود لآدم قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا}(الكهف:50). ومن أشد أسلحة إبليس اللعين سلاح التزيين فكم من معصية زينها, وكم من بدعة حسنها وكم من طاعة صرف الناس عنها وكم من ضلالة زخرفها , وكم من توبة سوًّفها.

ثم يورد لنا السياق حقائق ساطعة وسننا ربانية وقضايا عقدية حول الألوهية والرسالة واليوم الآخر وسنن الله الماضية والجارية في الأمم[4].

ومن الناس من يغتر بنعمة العلم بل وربما ظن أنه أعلم الناس وهنا تأتي قصة موسى والخضر عليهما السلام لتبين أن العالم مهما بلغ من العلم فإن هناك من هو أعلم منه ومهما أوتينا من العلم فما قيمته وما قدره أمام علم علام الغيوب !

ثم يضرب الله مثلا لمن لم يغتر بالقوة والسلطان العبد الصالح ذو القرنين الذي وظف ملكه وسلطانه في نشر الدين ورفع الظلم عن المظلومين ورد الطغاة الباغين, وكان كلما جدد الله له نعمة جدد لها شكرا وردها إلى المنعم عز وجل[5].

ويجدر بنا هنا أن نقارن بين الملك الظالم الذي سلب قومه عقولهم وغصبهم حريتهم فأطرهم على الكفر أطرا وبين الملك الغاصب الذي يسرق أموال رعيته ويغتصب ممتلكاتهم قال تعالى على لسان الخضر عليه السلام {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}(الكهف:79) وبين الملك الصالح الذي مكنه الله في الأرض فأقام ميزان العدل والإحسان وأزال سلطان الكفر والطغيان وعاش الناس في عهده في راحة وأمان إنه ذو القرنين رحمه الله.

كما نقارن بين عهدين: عهد ساد فيه الكفر والفساد, وعهد أشرقت فيه شمس الهداية وأضاءت أنوار العدالة, مملكة كافرة تجعل الكفر لها سبيلا ودستورا, ومملكة مؤمنة تجعل الإيمان لها منهجا ودستورا.

شتان بين مشرق ومغرب

ولنقارن أيضا بين صاحب الجنتين الذي اغتر بجنتيه وجحد النعمة وتمادى في الضلال وبين صاحبه الذي يذكره بالله, وبين صاحب الجنتين وبين ذي القرنين الذي يتذكر دائما فضل الله عليه ورحمته به ويلهج دائما بحمده تعالى على ما أولاه من النعم وأسداه من الكرم, وكيف وظف هذه النعم في نشر الحق والفضيلة في أرجاء الأرض.

{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا {97} قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}

من هنا تتجلى لنا الصلة بين قصة أصحاب الكهف وبين القصص الأخرى التي انتظمتها هذه السورة الكريمة حيث تدور حول الابتلاء بزينة الدنيا وموقف الناس منه.

وبضدها تتبين الأشياء

وإذ قد بينت لنا السورة حقيقة الزينة الفانية التي جعلها الله امتحانا وابتلاء ليبلونا أينا أحسن عملا فلقد جاءت الآيات توضح لنا الزينة الحقيقية الباقية وهي في نعيم الجنة الباقي وما يقرب إليه من الباقيات الصالحات, قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}

وقال سبحانه {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا (46)}

وقال جل وعلا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا (108)}

وجه آخر للمناسبة

ومن أوجه المناسبة بين قصة أصحاب الكهف و المقاصد الرئيسية لسورة الكهف أنها خطت لنا طريق النجاة من الفتن حيث تعرض الفتية لفتنة عظيمة عصمهم الله منها, حين سعى الملك إلى فتنتهم في دينهم واستغل سلطانه في مساومتهم على الحق وإغرائهم بكل المغريات كما استخدم فتنة التهديد والوعيد فضلا عن فتنة الضغوط العائلية ؛ فهم من أسر لها مكانتها ووجاهتها, فعصمهم الله تعالى من كل تلك الفتن لما خلصت نيتهم وصفت سريرتهم وصدق توجههم إلى الله تعالى.

وهكذا نجد السورة الكريمة تبرز لنا طريق النجاة من جميع الفتن فتنة السلطان وفتنة الأهل والعشيرة وفتنة المال وفتنة الولد وفتنة العلم وفتن الأعداء وفتنة إبليس اللعين وفتنة العلم والملك والولد من خلال قصة أصحاب الكهف وصاحب الجنتين وقصة موسى مع الخضر, وفتنة القوة والتمكين من خلال قصة ذي القرنين, وفتنة يأجوج ومأجوج وفتنة الفرق الضالة الناكبة عن الحق كالخوارج وغيرهم والذين قال عنهم رب العالمين في ختام سورة الكهف {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}

لذلك فلا عجب أن نجد من خواص هذه السورة الكريمة ومن جملة فضائلها أنها عصمة لقارئها من الفتن:

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدّجّالِ"[6].

وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين )[7] .

فهي نور وضياء لقارئها تبدد ظلمات الفتن وهي عصمة لقارئها من فتنة عظيمة ألا وهي فتنة المسيح الدجال عصمنا الله منها ؛ وذلك من ثمرات قراءتها ،ومن خلال ما قدّمَتْه من مفاتيح للتعامل مع مغاليق الفتن وتحصينات من الاغترار بزينة الدنيا وزخارفها, وبهارج الباطل وأهله .

سبب نزول هذه القصة

ذكر ابن إسحاق أن قريشا بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ليس عندنا من علم أنبياء؛ فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم؛ فإنه قد كان لهم حديث عجب, وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح، ما هي ؛ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد صلى الله عليه وسلم قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبي، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم. فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، قد كانت لهم قصة عجب، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخبركم بما سألتم عنه غدا) ولم يستثن. فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة ليلة، وقد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه؛ وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف[8], وورد ذكر الروح في سورة الإسراء.

في رحاب القصة

مطلع القصة وبراعة الاستهلال

بدأ السياق بهذا الأسلوب الشيق أسلوب الاستفهام التعجبي {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}(الكهف:9) فنحن أمام قصة عجيبة, وإن كان هناك ما هو أعجب منها, فخلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وآيات الأنفس والآفاق وعالم النبات وعالم البحار فضلا عن عالم الغيب وما فيه من حكم وأسرار ودقائق وأخبار وغير ذلك من عجائب صنع الواحد القهار.

قال الرازي رحمه الله: "اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الامتحان فقال تعالى: أم حسبت أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط, فلا تحسبن ذلك فإن آياتنا كلها عجب, فإنه من كان قادرا على خلق السموات والأرض وتزيين الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان ثم بعد ذلك يجعلها صعيدا جرزا خالية عن الكل كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم, هذا هو الوجه في تقرير النظم والله أعلم[9]" .

فلكم يغفل كثير من الناس عن النعم الظاهرة والآيات الباهرة لكونها مألوفة لهم, بل وقد يغفلون عن شكر النعم الظاهرة كنعمة السماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار.

فيا عجبا كيف يعصى الإل000ـه أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكــ000ـة وتسكينـة في الورى شاهد

وفي كـل شـيء له 000آيـة تـدل عـلى أنـه واحد

والكهف هو المغارة الواسعة, أما الرقيم فهو العلامة أو الكتابة أو الرسم على الشيء ومعناه هنا قيل هو اللوح الذي سجلت عليه أسماؤهم وقيل كتاب دونت فيه أسماؤهم وقيل اسم الجبل وقيل اسم القرية.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الرقيم لوح من حجارة وقيل من الرصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وشد ّ ذلك اللوح على باب الكهف[10].

والذي أرجحه: أنه اسم اللوح أو الكتاب الذي سجلت فيه أسماؤهم وسمي بذلك لأن أسماءهم كانت مرقومة عليه أي مكتوبة.

ومن غرائب التفسير من زعم أن الرقيم هو اسم كلبهم وأغرب منه من ادعى أنه قصة الثلاثة نفر الذين انسد عليهم باب الغار[11]

مكان الكهف وزمان أصحابه

أما عن مكانه فقيل بالشام وقيل ببلاد الروم وجاء في مجلة العربي الكويتية[12] " إن عالم الآثار الأردني ( رفيق وفا الدجاني ) اكتشف عام 1963معند منطقة الرحيب بالأردن, مغارة الكهف التي اتخذها أصحاب الكهف مرقداً لهم حين دخلوها هاربين بأنفسهم.

وأغرب بعضهم في بيان مكان الكهف وزمانه حتى قالوا بأن الكهف المشار إليه كان في بلاد الأندلس, قال أبو حيان في البحر المحيط: "وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب, وأكثرهم قد تجرد لحمه وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم أثارة. ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، دخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة، وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم، كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة، وبأعلى غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيانوس، وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها, … قال والدي فسح الله في مدته وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورونه. .. وأما ما ذكر من مدينة دقيانوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مرارا لا تحصى وشاهدت فيها حجارة كبارا ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصارى بها حتى إنها هي بلاد مملكتهم العظمى[13] ولأن الإخبار بما هو في أقصى مكان عن أرض الحجاز أبعد أن لا يعرفه أحد إلا بوحي من الله "[14] .

أقول: ما استشهد به الإمام أبو حيان لا يعتد به فزعم النصارى ليس بحجة فقد يوهمون الناس بأن هذه المغارة أو تلك هي الكهف حتى يتردد الناس عليها ويزورونها فينتفع بزيارتهم أصحاب المكان ويضفى عليه قداسة تجعل له قيمة ومنزلة تعود بالدراهم والدنانير على من روج لهذا الإدعاء, وأما استشهاده بكثرة النصارى في تلك البلاد فليس هذا دليلا على أن هذا الكهف هو المذكور في القرآن فللنصارى تواجد في بلاد أخرى عديدة وأما استناده إلى بُعْدِ كهف الأندلس عن الجزيرة: فلقد غاب عنه البعد الزماني للقصة فلا عبرة ببعد هذا الكهف عن مهبط الوحي لأن العبرة بالبعد الزماني الذي جعل هذه القصة مطوية منسية حتى عن كثير من النصارى فضلا عن اليهود.

وللإمام القرطبي رد على هذا الزعم حيث قال في تفسيره: ما ذكر من رؤيته لهم بالأندلس فإنما هم غيرهم، لأن الله تعالى يقول في حق أصحاب الكهف: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا" الكهف: 18{. وقال ابن عباس لمعاوية حينما كانا في غزوة ببلاد الروم لما أراد رؤيتهم: قد منع الله من هو خير منك عن ذلك.[15]

وكما اختلفوا في مكانهم فلقد اختلفوا في زمانهم حتى زعم بعضهم أنهم كانوا قبل عيسى عليه السلام وأغرب بعضهم فزعم أنهم كانوا قبل موسى عليه السلام لأن اليهود كانوا على معرفة بهم والذي أرجحه والله أعلم أنهم كانوا بعد عيسى عليه السلام وقبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ومعرفة اليهود بهم ليست دليلا قاطعا على كونهم قبل موسى أو بعده, لأنه لا تلازم بين ما يعرفونه وما يؤمنون به فقد يعرفون شيئا لكنهم لا يؤمنون به, ومن ذلك معرفتهم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا يقرون برسالته ولا يؤمنون بنبوته.

قال تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِن َّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(البقرة:146)

وقال سبحانه{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأنعام:20)

لكن الذي أراه هو البعد عن هذه التفصيلات التي لم ترد في القرآن والسنة ولو كان لمعرفتها عظيم فائدة لوردت وإنما العبرة بما في القصة من مقاصد ومعان ودروس وعظات, ولقد نهانا الله جل وعلا عن الاستطراد إلى ما لم يرد فيه نص صحيح في شأن هذه القصة كما نهانا عن الرجوع إلى مسلمة أهل الكتاب لنستأنس بما لديهم في شأنها قال تعالى { فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}(الكهف:22)

والذي يفيده السياق أنهم عاشوا في زمان ملك كافر مشرك ظالم غاشم يحمل الناس على الكفر ويستعين بمن معه من الكهنة والسدنة الذين يرسخون مفاهيم الكفر في الناس ويصرفون أنظار الناس إلى الخرافات والأساطير والأعياد والملاهي والطقوس التي تربط الناس بآلهتهم التي عبدوها من دون الله, ولما شرح الله صدور أولئك الفتية وكانوا من علية القوم وتآلفت قلوبهم وتعارفت أرواحهم واجتمعت كلمتهم على رفض ما عليه قومهم من ضلال, بل والإنكار عليهم ودعوتهم إلى الحق فرفع أمرهم إلى الملك الظالم ولم تجد معهم الوعود والإغراءات فتوعدهم وهددهم إن لم يرجعوا إلى دينه ودين أتباعه, وأمهلهم , وقبل انقضاء المهلة لم يجدوا بُدّاً من الفرار بدينهم فخرجوا تحت جنح الظلام وساروا حتى وصلوا إلى كهف في جبل رأوا أن يناموا فيه على أن يواصلوا بعد ذلك سيرهم.


عرض موجز للقصة

{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}(الكهف:10)

ليمكثوا فيه بعيدا عن أعين الراصدين لهم والباحثين عنهم من قبل الملك الذي أرسل في طلبهم من يأتي بهم بعد أن هربوا من بطشه وظلمه.

جمعوا بين الأخذ بالأسباب والتوجه إلى العزيز الوهاب فقالوا ( رَبَّنَا ): وفي التعبير بعنوان الربوبية تأدب مع الله تعالى, أي يا من خلقتنا ورزقتنا وهديتنا {آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} , دعاء صادق من قلوب خالصة ونفوس زكية ترجو رحمة ربها وتلتمس رشده , فكان أن عمهم الله بفضله وشملهم برحمته وأحاطهم بعنايته.

وفي هذا درس عملي للدعاة والمصلحين أن لا يغفلوا عن سلاح الدعاء مع مراعاة الأدب مع الله, وانتقاء العبارات المناسبة فلكل مقام مقال, وفي القرآن الكريم والسنة النبوية أدعية مباركة لها دلالتها وخواصها وآثارها وفعاليتها, فأهل الكهف التمسوا أمرين مهمين هما رحمة الله بهم وإرشاده لهم, وفي طلبهم للرحمة مع الرشاد ما يدل على أنهم ماضون في طريق الحق ثابتون عليه مهما كلفهم من تضحيات.

وتتجلى أهمية هذا الدعاء للدعاة والمصلحين حين يواجهون المحن والابتلاءات والفتن والعقبات أو تتشعب بهم الآراء, أو يقفون على مفترق الطرق.

{ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا }(الكهف:11)

فالسمع هو الوسيلة الرئيسة في تنبيه النائم خاصة من ينام بمعزل عن الناس, والنائم لا يسمع في العادة ما حوله من أصوات بمجرد استغراقه في النوم.

{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَي الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}(الكهف:12)

أي ليتحقق ذلك الذي في علم الله تعالى عيانا, حيث يصير هذا العلم واقعا معاينا, فيتبين أي الحزبين أحصى أمدهم أي مدة لبثهم في الكهف حيث صارت تلك المدة موضع خلاف بين العلماء , أو المراد بالحزبين أهل الكهف حيث زعم بعضهم أنهم لم يلبثوا إلا يوما أو بعض يوم وبعضهم ظن أن المدة طالت فتوقف وفوض علم المدة إلى الله كما سيأتي بيانه في الحوار الذي دار بينهم عندما انتبهوا من نومهم فتساءلوا بينهم قال تعالى{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}(الكهف:19)

الفتية في رحاب الإيمان

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ} تفصيل بعد إجمال وتقرير بعد بيان, فالقرآن الكريم كتاب الحق نزل بالحق على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق إلا بالحق وقصصه الحق وكل ما فيه من حكم وأحكام وعبر وعظات ووعد ووعيد هو الحق من عند الله.

والذي يقص نبأهم هو العليم بحالهم, المدبر لشئونهم , وفي هذا تشويق للقارئ ؛ حين يسمعها من المولى عز وجل. وفي التعبير بالنبأ إشارة إلى أن قصتهم لها شأن عظيم وخطب جليل .

{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}

وفي التعبير بالفتوة بيان لحداثة سنهم وقوة إرادتهم وحماسهم للحق .

واختلفوا في سبب إيمانهم قيل إنهم آمنوا عن طريق حواري المسيح عليه السلام ونقل المفسرون رواية مردها إلى الإسرائيليات[16].

وقيل إنما استجابوا لنداء الفطرة فاهتدوا بفطرتهم السليمة وعقولهم الغضة.

فائدة:

فى قوله تعالى { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }

إشارة إلى حداثة سنهم وفتوتهم وطاعتهم لربهم في هذه المرحلة المهمة في حياة الإنسان مرحلة الشباب, وهى مرحلة البذل والعطاء, ومرحلة القوة والحماس, ولقد عُنى الإسلام بإعداد الشباب وتوجيههم ورعايتهم, فهم عماد الأمة وأساس نهضتها ونبراس حضارتها ومنطلق تقدمها وتحررها, ومبعث عزها وصناع أمجادها.

وصدق الشاعر هاشم الرفاعى رحمه الله حيث يقول :-

ملكنا هذه الدنيا قرونــا وأخضعها جــدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضيـاء فما نسى الزمان ولا نســينا

بنينا حقبة فى الأرض ملكـا يدعمه شباب طامـحـونــا

شباب ذللوا سبل المعالــى وما عرفوا سوى الإسلام دينـا

تعهدهم فأنبتهم نباتــــًا كريما طاب في الدنيا غصونــا

إذا شهدوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونـــا

شباب لم تحطمـــه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينــا

وإن جن المساء فلا تراهـم من الإشفاق إلا ساجدينـــا

كذلك أخرج الإسلام قومي شبابا مخلصاً حراً أمينــــا


إن مرحلة الشباب مرحلة حاسمة فى حياة الإنسان لها أهميتها ولها خطرها

وحين ينشأ الشاب فى رحاب القرآن ويحيا تحت ظلال الإيمان فإن جزاءه يوم القيامة أن ينعم بظل الرحمن, قال صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله )[17] الخ الحديث .

وهنيئاً لشاب حافظ على شبابه وصرفه في طاعه ربه, سيما فى مجتمعات شاعت فيها الفتن, فتن الشبهات, وفتن الشهوات, فترى الأديان المحرفة والرايات الزائفة, وتجد من يشوه الحقائق ويزخرف الأباطيل, وينشر الفساد والانحلال.

وعجباً لمن يحفظ شبابه في هذا التيه, ويصارع أمواج الفتن ويجابه أعاصير المحن فيصمد ويثبت ويعبر هذه المرحلة الحاسمة سالماً معافى ؟

روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة مرفوعاً: (إن الله ليعجب للشاب لا صبوة له)[18]

{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}

أي بصرناهم بمقتضيات الإيمان وأركانه وبراهينه, فازدادوا إيمانا على إيمانهم وهدى على هداهم مصداقا لقول الحق جل وعلا (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا}(مريم:76)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}(محمد:17)

فكما أن الإيمان يزيد وينقص فكذلك الهداية.

قال أبو السعود :" (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)بأن ثبتناهم على الدين وأظهرنا لهم مكنونات محاسنه"[19]

والذي يتأمل حديثهم الممتع وعرضهم الرائع لأصول الإيمان وإدراكهم لما عليه قومهم من كفر وضلال, ودقة براهينهم وعمق تحليلاتهم وتبصرهم بأمر دعوتهم وتحليهم بمكارم الأخلاق في مجتمع ساد فيه الفساد والانحلال وعمه الكفر والضلال , المتأمل في ذلك كله يدرك أنهم كانوا على بينة من أمرهم و علم نافع وبصيرة نافذة نابعة من أصول شرعية كانت ثمرة لدعوة وتربية من أحد المؤمنين بالدين الحق الذي جاء به نبي الله عيسى عليه السلام ,

فضلا عن فطرتهم السليمة وعقولهم الراجحة التي كانت سبباً لهدايتهم

{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}(الكهف:14)

{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: شددنا عليها وثبتناها, ليواجهوا رياح الفتن وأعاصير المحن ويجابهوا موجات الكفر العارمة وتياراته الجارفة التي تولى كبرها وحمل لواءها الملك وبطانته ودعاة الكفر وسدنته, فألهم الله عز وجل أولئك الفتية بالصبر والثبات في مجابتهم لتحالف الشر.

قال صاحب روح البيان: "{وربطنا على قلوبهم} أي قويناهم حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الأهل والأوطان والنعيم والإخوان واجترأوا على الصدع بالحق من غير خوف ولا حذر , والرد على دقيانوس الجبار[20] , وفي الحديث " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"[21] [22]

تقرير العقيدة الصحيحة

{إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}

قاموا بين يدي الملك الجبار, أو قاموا بمعنى اجتمعوا, أوانبعثوا وعزموا على المضي قدما في طريق الحق.

قال الإمام القرطبي رحمه الله "قوله تعالى: "إذ قاموا فقالوا" يحتمل ثلاثة معان: أحدها: أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر - كما تقدم، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه، ورفضوا في ذات الله هيبته. والمعنى الثاني فيما قيل: إنهم أولاد عظماء تلك المدينة، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد؛ فقال أسنهم: إني أجد في نفسي أن ربي رب السماوات والأرض؛ فقالوا ونحن كذلك نجد في أنفسنا. فقاموا جميعا فقالوا: "ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا". أي لئن دعونا إلها غيره فقد قلنا إذا جورا ومحالا. والمعنى الثالث: أن يعبر بالقيام، عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله تعالى ومنابذة الناس؛ كما تقول: قام فلان إلى أمر كذا إذا عزم عليه بغاية الجد. "[23]

أقول وهذه المعاني جميعها محتملة ومتلازمة ولا تعارض بينها, فلا مانع من حمل القيام عليها وتضمينه معنى العزم والمضاء والنهوض بالحق والقيام به وتحمل تبعاته, واجتماعهم على غير موعد, وصدوعهم بالحق أمام الملك.


فائدة جليلة :

أورد القرطبي في تفسيره : عن ابن عطية قال: "تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله تعالى {إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض}[24]..

وتعقبه القرطبي بقوله: " قلت: وهذا تعلق غير صحيح هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروه لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم؛ وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء. أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان؛ هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء. ثم هذا حرام عند جماعة العلماء، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في "سبحان" عند قوله: {ولا تمش في الأرض مرحا} (الإسراء: 37) ما فيه كفاية. وقال الإمام أبو بكر الطرسوسي وسئل عن مذهب الصوفية فقال: وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري؛ لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار وعباد العجل، على ما يأتي[25].

{ فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}

لقد اجتمعت كلمتهم, وتوحدت دعوتهم فقالوا جميعا بألسنتهم وقلوبهم {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} فهو تعالى المتفرد بالربوبية فلا رب غيره وهذا دليل على تفرده عز وجل بالألوهية فلا معبود سواه, والعجيب أن المشركين بالله تعالى يقرون له بالربوبية ومع ذلك يشركون به آلهة أخرى.

قال أبو السعود رحمه الله :" وضمنوا دعواهم ما يحقق فحواهم ويقضي بمقتضاها فإن ربوبيته عز وجل لهم تقتضي ربوبيته لما فيهما "[26].

{لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا}

كما يزعم المشركون, حيث أشركوا بالله غيره في الألوهية مع إقرارهم بأن الخالق الرازق هو الله لذلك جاء التعبير ب (إِلَهًا).

{لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}

إن نحن قلنا بمقالتهم الباطلة فقد انحرفنا عن المنهج القويم ونكبنا عن الصراط المستقيم, والشطط هو مجاوزة الحد والانحراف عن الجادة والبعد عن الحق ومنه شطت الدار إذا بعدت

بيان بطلان عقائد الشرك

{هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} (الكهف:15)

بعد أن أعلنوا عقيدة التوحيد أعلنوا البراء من عقائد الشرك فأنكروا ما كان عليه قومهم من ضلال, حيث ادعوا لله شركاء.

{لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} فالدعاوى لا بد لها من بينات, وينبغي على كل من جاء برأي أو قول لا أصل له ولا برهان له به أن يأتي بالدليل إثباتا لما ادعاه وإلا فهو مُدّعٍ.

قال الرازي: " فثبت أن الاستدلال بعدم الدليل على عدم المدلول طريقة قوية "[27] .

وقال صاحب روح البيان: " وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود, والآية إنكار وتعجيز وتبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال "[28] .

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}

أي ليس هناك أظلم ممن افترى على الله عز وجل وهو الذي خلقه ورزقه.

فالشرك بالله أعظم وأشنع أنواع الظلم, قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}[29].

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذبيه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا)[30] .

فائدة: في مدارسة العقيدة, وعرضها على العقول تقريرا لها وتذكيرا بها وتوصية بالثبات عليها, فضلا عن تجديد الإيمان وزيادته, وهي من التواصي بالحق, وتثبيته في النفوس, وترسيخه في القلوب ،وفي قصص الأنبياء والصالحين من الصفحات المضيئة والمواقف الرائعة والعبر والعظات ما يثبت الفؤاد ويرطب الأكباد ويربط على القلوب برباط الإيمان.

طريق النجاة

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} (الكهف:16)

بعد تقريرهم لعقيدة التوحيد وإبطالهم لعقيدة الشرك وبراءتهم من الكفر وأهله بينوا واجبهم الذي يتحتم عليهم فعله وهو اعتزال قومهم وما يعبدونه من دون الله والبراء من شركهم, فما في قوله تعالى (وَمَا يَعْبُدُونَ) موصولة أو مصدرية, والمعنى: اعتزلتم عبادتهم أو اعتزلتم معبوداتهم من دون الله.

{فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}

أي امكثوا فيه مدة, واجعلوه مأوى لكم إلى أن يقضي الله أمرا, واللام في (الكهف) تدل على العهد الذهني أي الكهف الذي يتبادر إلى أذهانهم لذا قالوا (إلى الكهف) ولم يقولوا: إلى كهف والذي يبدو لي أن هذا الكهف كان معروفا لهم إما لشهرته وإما لأنهم مروا به في تريضهم وسياحتهم والله أعلم.

{يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته}

أي يبسط لكم ويفيض عليكم من رحمته التي تستنزلونها وتستمطرونها بطاعتكم لربكم وخروجكم في سبيله وابتغاء مرضاته.

{ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}

أي ما فيه من منافع لكم فترتفقون به قال ابن عباس :" يسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه ويأتكم باليسر وبالرفق واللطف[31] .

وفي هذا دليل على حسن ظنهم بربهم وجميل توكلهم عليه, قال صاحب روح البيان :" وجزمهم بذلك لخلوص يقينهم عن شوب الشك وقوة وثوقهم[32] " .

في كنف الرحمن :

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}(الكهف:17)

انطلق الفتية نحو الكهف, واتخذوه مأوى إلا أن يقضي الله أمرا , وقد كان فتنـزلت الرحمات ولاحت الكرامات وهبت نسائم النفحات حين اتخذوا مضاجعهم في هذا الكهف الموحش وخلدوا في نوم عميق فهيأ الله لهم أسباب البقاء ووسائل السلامة ليجتازوا بنومهم حواجز السنين, وتتعاقب القرون, وتسَّاقط ممالك, وتتبدل أجيال وهم في سبات رهيب لم ينهضوا منه إلا بعد مئات السنين. وقد حجب الله عنهم ضوء الشمس فلا تصيبهم فتراها وقد مالت عنهم عند طلوعها وتجاوزتهم عند غروبها, بقدرة من أجراها وسخرها. قال الزمخشري: " المعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض للشمس لولا أن الله يحجبها عنهم "[33] .

وقيل إن باب الكهف كانت من جهة الشمال فكنت الشمس تطلع على يمين الكهف وإذا غربت كانت على شماله فضوء الشمس لم يكن يصل إليها البتة لكن الهواء الطيب والنسيم العليل كان يصل.[34]

(وهم في فجوة منه) أي متسع, وقيل كانت يصيبهم شيء قليل وقدر ضئيل من أشعتها بقدر ما تنتفع به أجسادهم أورد ذلك الرأي أبو حيان وعزاه إلى أبي علي الفارسي فقال: " قال أبو علي: " معنى تقرضهم تعطيهم من ضوئها شيئا ثم تزول سريعا كالقرض يسترد والمعنى أن الشمس تميل بالغدوة وتصيبه بالعشي إصابة خفيفة. .. قيل ولو كانت الشمس لا تصيب مكانهم أصلا لكان الهواء يفسد ويتعفن ما في الكهف فيهلكوا, والمعنى أن الله تعالى دبر أمرهم فأسكنهم مسكنا لا يكثر سقوط الشمس فيه فيحمى ولا تغيب عنه غيبوبة دائمة فيعفن [35]" .

أقول: وفي هذا رد على من زعم أن الملك لما طلبهم ووصل إلى مكانهم أمر بسد الباب عليهم حتى يموتوا فهذا الكلام مخالف لظاهر الآيات.

وجاء في مجلة العربي الكويتية[36] " عن عالم الآثار الأردني الذي أعلن أنه اكتشف مكان الكهف(رفيق وفا الدجاني) قال: درست فجوات الكهف وخاصة موضع دخول الشمس إليه فتبين أن فتحة الكهف الجنوبية كان اتجاهها جنوب غربي, فإذا وقف شخص داخل الكهف في وقت الأصيل تزاورت الشمس عن الكهف ذات اليمين, و مرت أشعة الشمس بقوتها أمام الشخص الواقف تكشف المرائي و الآفاق.

و حين تتوسط الشمس السماء لا يدخل الكهف منها شيء, و إذا مالت نحو الغروب دخل قسم من أشعتها فجوة الكهف.

و بتفسير أوضح إن الشمس تبعد أشعتها عند بزوغها و تميل عنه في غروبها, بسبب اتجاه فجوة الكهف إلى الجنوب الغربي.

ومن أسرار التعبير القرآني قوله عز وجل {وترى الشمس} ذلك لأن الكثير من الظواهر الخاصة بالشمس إنما تكون بحسب الرائي وبطبيعة المكان وبإمكانية الرؤية فهو وصف لرؤية العين, وإدراك الرائي.. وليس للحقيقة العلمية الخاصة بالشمس فى علاقتها بالأرض ودورانها, وحقيقة المعنى العلمي للشروق والغروب وغير ذلك من الظواهر.

لذا نقرأ في نفس السورة الكريمة في قصة ذي القرنين رحمه الله قوله تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}(الكهف :86).فالشمس أعظم من أن تحتويها الأرض أو تحيط بها.

والشمس آية من آيات الله وجند من جنوده التي لا يعلمها إلا هو.

{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}(الكهف:17).

أي ما حدث لهم من لطائف ربانية ومنن إلهية من آياته عز وجل الدالة على عنايته بأوليائه وحفظه لهم, والشاهدة بكمال قدرته , وجلائل نعمه ولطائفه التي لا تحصى ولا تعد .

{من يهد الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد له وليلاً مرشدا}

فالهداية من الله يمن بها على من يشاء فمن شاء الله هدايته هداه ومن هداه تعالى فهو المهتد فلا هادي إلا الله ولا هداية إلا من الله, ومن كتب الله له الشقاء وحكم عليه بالضلال فلا هادي له ولو اجتمعت الأمة بأسرها عليه فلا تجد العبر ولا تغن النذر.

{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}(الكهف:18).

و قوله: {وتحسبهم أيقاظا و هم رقود} الأيقاظ: جمع يقظ و يقظان و الرقود جمع راقد و هو النائم, و في الكلام إشارة إلى أنهم كانوا مفتوحي الأعين حال نومهم كاليقظان, والحكمة في ذلك حفظ أبصارهم أن تتجمد في المآقي وتلتصق الأجفان بطول المدة.

و قوله: {ونقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال} لئلا تأكلهم الأرض، و لا تبلى ثيابهم، و لا تبطل قواهم البدنية بالركود و الخمود طول المكث.

حتى لا تترسب الأملاح في جهة واحدة فتتآكل أجسادهم وتتعرض للتلف والتعفن.

فائدة: وقد ذكر الأطباء : أن من الإصابات الشائعة و الصعبة العلاج مشكلة حدوث ما يسمى بقرحة السرير , عند المرضى الذين تضطرهم حالتهم للبقاء الطويل في السرير كما في كسور الحوض و العمود الفقري أو الشلل أو حالات السبات الطويل و هذه عبارة عن قرح وموت في خلايا الجلد و الأنسجة بسبب نقص التروية الدموية عن بعض مناطق الجلد, نتيجة انضغاطها بين الأجزاء الصلبة من البدن و مكان الاضطجاع و أكثر ما تحصل في المنطقة العجزية و الأليتين و عند لوحي الكتفين و كعبي القدمين, و لا وقاية من حدوث هذه القرح سوى تقليب المريض, و قد تكون هذه هي الحكمة من تقليب الله عز و جل لأهل الكهف لوقايتهم من تلك الإصابة و إن كانت قصة أهل الكهف كلها تدخل في نطاق المعجزة !![37] .

وهذا من لطف الله بأهل الكهف.

وزعم أحد الباحثين أن الله –جلّت قدرته- قد أوقف وظيفة السمع ضمن وقف جميع الوظائف العضوية لأجسامهم بصفة وقتية، فلم تبصر العين بالرغم من كونها مفتوحة {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}، ولم تتحرك العضلات بالرغم من أنهم أحياء {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}، ولم تتغير هيئتهم على الرغم من مرور سنين عددًا عليهم بالكهف {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}، وحالتهم هذه تقارب حفظ أعضاء الإنسان بطريقة وقف العمليات الحيوية والتي تتمّ غالبًا بالتبريد، وهي تستخدم الآن بشكل واسع في العالم.

وتشير المراجع العلمية إلى أن التعرُّض للبرودة الشديدة يؤدّي إلى انخفاض كبير في درجة حرارة الإنسان، والشخص الذي انخفضت حرارته انخفاضًا كبيرًا يصبح شبيهًا بالميت، إلا أنه يكون محميًا إلى حد ما من نقص الأوكسجين وانخفاض ضغط الدم وفشل الدورة الدموية، وفي حالات عديدة.. فإن الشفاء التامّ قد يحدث؛ خاصة للشباب من هذه الحالات، ولهذا لا يجب اعتبار أي إنسان تعرّض للبرودة الشديدة وانخفضت درجة حرارته انخفاضًا شديدًا ميتًا، وذلك حتى يتمّ دفنه تمامًا، وإجراء الإسعافات اللازمة له، وقد أصبح اليوم لحفظ الأعضاء ضرورة كبيرة… ولو أن أهل الكهف كانوا نيامًا فقط لاحتاجوا إلى الماء والغذاء، ولأيقظتهم الحاجة إلى التبوّل بعد بضع ساعات؛ لكن الله –سبحانه وتعالى- قد أوقف جميع الوظائف الحيوية وأبقى الأجسام في صورة حياة، كما يتمّ حفظ الأعضاء اليوم؛ مثل ضغط الدم والقرنية والكلى والكبد والقلب وغيرها لحين زراعتها في أشخاص آخرين، وكذلك ما نراه اليوم من إمكانية حفظ الأجنة وإلى عودة الحياة لأشخاص دفنوا تحت الجليد لعدة أيام ثم عادت إليهم الحياة بعد تدفئتهم، خاصة لصغار السن، فيمكن بالتبريد وقف جميع عمليات الهدم التي تتسبّب في دمار الأنسجة[38].

تنبيه

أقول: لقد غاب عن هذا الباحث أن ما حدث لأصحاب الكهف كان كرامة لهم والكرامات أمور خارقة للعادة يعني لا تخضع لنواميس الكون ولا يمكن أن تعلل أو تحلل تعليلا وتحليلا علميا إذ أنها لا تخضع للعلم التجريبي فهي أمور غيبية, و مهمة العلم فقط يقربها إلى الأذهان لا أن يحللها فالكرامات أمور خارقة للعادة خارجة عن الأسباب المادية.

نفحات من صحبة الصالحين

سار الفتية في طريقهم نحو الكهف, فتبعهم كلب لعله كان لأحدهم ولازمهم.

ولقد تكرر ذكر هذا الكلب في ثنايا القصة أربع مرات وفي هذا ما يدل على شرف صحبة الصالحين.

قال تعالى: {وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} والوصيد فناء الكهف و قيل: عتبته أو بابه.

و المعنى كانوا على ما وصف من الحال و الحال أن كلبهم مفترش بذراعيه باسط لهما بفناء الكهف و فيه إخبار بأنهم كان لهم كلب يلازمهم و كان ماكثا معهم طول مكثهم في الكهف.

فائدة: ورد ذكر كلبهم في القصة أربع مرات, وقد شغل هذا الكلب اهتمام بعض المفسرين والباحثين فاستطردوا إلى الحديث عن اسمه ولونه وعن قصة لحاقه بهم فاهتموا بتفصيلات لا فائدة منها ولا ثمرة في البحث عنها, غير أنها تدل على ثمرات الصحبة الطيبة وعموم نفعها وشمول بركتها كالغيث أينما وقع نفع, فهذا كلب جاء ذكره في أشرف الكتب التي نزلت على أشرف الرسل صلى الله عليه وسلم بمجرد سيره وراء الصالحين وحرصه على ملازمته ألا يدل ذلك على شرف الصحبة الطيبة ورفعتها ؟

فائدة : قال ابن كثير رحمه الله " وشملت كلبهم بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، وهذه صحبة الأخيار فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن "[39].

قال ابن عطية: وحدثني أبي رضي الله عنه قال سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم؛ كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله"[40].

" قلت: إذ كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال، المحبين للنبي صلى الله عليه وسلم وآله خير آل "[41].

وفي الصحيح عن أنس بن مالك قال: بينا أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها" قال: حب الله ورسوله. قال: "فأنت مع من أحببت". في رواية قال أنس بن مالك: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأنت مع من أحببت". قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم[42].

قلت: وهذا الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين كل ذي نفس، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين ؛ كلب أحب قوما فذكره الله معهم فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان وكلمة الإسلام، وحب النبي صلى الله عليه وسلم، {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الإسراء: 7)[43].

{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}

أي لو أشرفت عليهم وهم نيام في كهفهم على هذه الحال لوليت منهم فرارا من الوحشة والرهبة التي حفظهم الله بها, ولملئت منهم رعبا حين تطبع صورتهم في ذهنك فلا تكاد تفارقك, وقرئ{ولملِّئت} بالتشديد مبالغة في الفعل أو تكراراً له[44].

وعن سر تقديم الفرار على الرعب يقول أبو السعود: " ولعل تأخير هذا عن ذكر التولية للإيذان باستقلال كل منهما في الترتب على الإطلاع إذ لو روعي ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم ترتب المجموع من حيث هو هو عليه وللإشعار بعدم زوال الرعب بالفرار كما هو المعتاد.[45]

وليس السبب في هذا الرعب والتولي هو ما زعمه بعض المفسرين أن شعورهم وأظفارهم طالت ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان أول تساؤل لهم بعد أن استيقظوا من نومهم كما سيأتي بيانه في الآية التالية.

من الكهف إلى المدينة

{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}

يقظة وحيرة. ... وحذر وحيطة

كان أول تساؤل لهم حين قاموا من نومهم فقال بعضهم {كَمْ لَبِثْتُمْ } فأجاب آخرون {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وغاب عنهم أنهم ناموا مئات السنين, فرد عليهم آخرون {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} أي أشهى وأطيب, وقيل هو الحلال الطيب, {فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} أي فوضوا أمر ذلك إلى الله تعالى وانشغلوا بما يصلحكم وهو إحضار الطعام.

أقول وفي هذا دليل على أنهم لم ينووا طول البقاء في الكهف وإلا لتزودوا بما يكفيهم من الطعام والشراب مدة لبثهم فيه.

وفيه أيضا إشارة إلى وجوب تفويض العلم إلى الله عز وجل وعدم القطع في المسائل بدون أدلة قطعية.

وفيه أيضا من آداب الصحبة: إسداء النصح وتقبله وحسن الحوار وترك الجدال.

ومراعاة الحذر والحيطة, وأن التوكل على الله عز وجل واليقين به لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب

وفيه جواز الوكالة في البيع والشراء والشركة في المطعم والمشرب.

وفيها أيضا جواز التمتع بالطيبات كالماء البارد واللحم والفاكهة وغير ذلك ،مع القصد والاعتدال, ولا يتنافى ذلك مع الزهد والورع قال سبحانه وتعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33)}[46]

وفي حملهم النقود مع صدق توكلهم على الله رد على من يتواكل بحجة التوكل فربما خرج بدون أخذ بالأسباب أو حمل للمال بدعوى التوكل.

قال النسفي :" وفي هذا دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأي المتوكلين على الله دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية القوم من النفقات "[47].

{فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}

أي يبالغ في الحذر والحيطة, والتخفي أو يتلطف في الشراء فلا يتعنت مع البائع أو يبخسه حقه أو يتلطف مع البائع فلا يغبنه, قال النسفي :"وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن أو في أمر التخفي حتى لا يعرف[48] "

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}(الكهف:20)

أي لو عرفوا مكانكم وتمكنوا منكم فلن تسلموا منهم, وفي هذا ما يدل على أنهم كانوا مهددين مطاردين, بعد أن أمهلهم الملك بالعودة إلى دينه, ففروا بدينهم وقد أرخى الليل سدوله ثم وصلوا إلى الكهف.

{يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} بناء على ما توعدكم به إن لم ترجعوا إلى دينهم فإما الرجم حتى الموت وإما البقاء مع العود إلى ملتهم وفي هذا من الخسران ما فيه.

{وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} قال البقاعي رحمه الله: "أي إذا عدتم فيها مطمئنين بها ؛ لأنكم وإن أكرهتم ربما استدرجكم الشيطان بذلك إلى الإجابة حقيقة[49] ".

وقال الرازي رحمه الله :"فإن قيل أليس أنهم لو أكرهوا على الكفر لم يكن عليهم مضرة فكيف قالوا {وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} قلنا يحتمل أن يكون المراد أنهم لو ردوا هؤلاء المسلمين إلى الكفر على سبيل الإكراه بقوا مظهرين لهذا الكفر مدة فإنه يميل قلبهم إلى ذلك الكفر ويصيرون كافرين في الحقيقة, فهذا الاحتمال قائم فكان خوفهم منه والله أعلم[50] ".

أقول لقد تذكرت والذكرى مؤرقة إخواننا في الأندلس لما تمكن النصارى الأسبان منهم أجبروا من لم يتمكن من الفرار على ترك الإسلام ونسيان لغة القرآن ففر من فر بدينه وبقي من بقي على دينه خفية لا يستطيع أن يجهر به وإلا فإن محاكم التفتيش حيث العذاب صنوف وألوان وأجبروا على دخول الكنائس وممارسة شعائر النصرانية حتى ولد من أصلابهم من يقول بمقولة النصارى الكاذبة ويعتقد دينهم الباطل بل وربما كان من بين ذرياتهم من يناصب الإسلام والمسلمين العداء ويتعصبون للصليب وينتمون لليمين المتطرف الناشط في هذه الأيام في أسبانيا والذي يطالبون الآن بطرد العرب المقيمين فيها , وقد خفي عليهم وغاب عنهم أن هذا الدين الذي يبارزونه العدوان هو دين أسلافهم ؛ أجبروا على التخلي عنه بالحديد والنيران.

في المدينة

المدينة بعد ثلاثمائة عام : مئات السنين مرت على هذه المدينة حيث توالت العهود وتعاقبت الملوك وولت دولة المجرمين الظالمين وقطع دابرهم, وانحلت مملكة الشرك والأوثان وحلت دولة العلم والإيمان وتنسمت الأجيال عبير الحرية.

غريب في مدينته

خرج من وقع عليه الاختيار من الكهف إلى المدينة فراعه ما وجده من وجوه جديدة ومعالم مختلفة حتى التبس الأمر عليه ولسان حاله يقول

أما الديار فإنها كديارهم وأرى رجال الحي غير رجالهم

عجبا ! أليست هذه مدينته التي عاش في أحضانها وسلك دروبها وعاش فيها طفولته وأحلامه وشهدت فتوته وشبابه , كاد أن يستغرق في التفكير, لكن الوقت لم يسعفه كي يتحقق من الأمر ؛ حتى لا يلفت الأنظار إليه فبادر إلى السوق وهنا حدث ما لم يكن في حسبانه حيث كانت الدراهم وراء انكشاف أمره حين دفعها إلى البائع فتعجب ودهش ونقل الخبر بسرعة البرق إلى جميع من حوله وظن البعض أن هذا الفتى الغريب قد وقع على كنز عجيب فرفعوا أمره للملك الصالح الذي وجد ضالته وجاءته الإجابة القاطعة التي كان ينتظرها ففرح أيما فرح أن ساق الله إليه الدليل المادي على البعث .

َ{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُم فقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}(الكهف:21)

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "حكي في القائلين ذلك قولان أحدهما أنهم المسلمون منهم, والثاني أنهم المشركون, و الظاهر أنهم أصحاب النفوذ, ولكن هل هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَعْنَ اللّهُ الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"[51]

ولقد تعقب هذا الكلام الإمام القاسمي رحمه الله فقال في المحاسن " وعجيب من تردده في كونهم غير محمودين, مع إيراده الحديث الصحيح بعده المسجل بلعن فاعل ذلك, وهو أعظم ما عنون به على الغضب الإلهي والمقت الرباني والسبب في ذلك أن البناء على قبر النبي أو الولي مدعاة للإقبال عليه والتضرع إليه ؛ ففيه فتح لباب الشرك وتوسل إليه بأقرب وسيلة, وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك ؟ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لقوله تعالى {َوقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالًا (24)}[52]

كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم فلما طال عليهم الأمد عبدوهم فهؤلاء لما قصدوا الانتفاع بالموتى قادهم ذلك لعبادة الأصنام.[53] إلى آخر ما ذكره رحمه الله.

وقال السعدي رحمه الله :" {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} الله أعلم بحالهم ومآلهم، وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وذم فاعليها، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها، فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم، وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا، بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم، وحذرهم من الاطلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى[54]".

وفي قصة أصحاب الكهف دليل على جواز الفرار بالدين والعزلة حين تشتد الفتن

قال السعدي رحمه الله : " وفي هذه القصة، دليل على أن من فر بدينه من الفتن، سلمه الله منها. وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن أوى إلى الله، آواه الله، وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته، كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب {وما عند الله خير للأبرار}"

كم كان عددهم ؟

قال تعالى {سَيَقُولُونَ ثَلاثَة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}(الكهف:22)

أخبر المولى عز وجل عن اختلاف أهل الكتاب في عددهم وبين أن قول من قال بأنهم ثلاثة أو خمسة قول لا دليل عليه وإنما بني على الظن والتخمين لذا عقب عز وجل القولين بقوله تعالى{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} وأتبع قوله تعالى {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} برد العلم إليه تعالى {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} وبين سبحانه أن هناك من يعلم عدتهم وهم قليل بالنسبة إلى غيرهم {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من القليل الذي استثنى اللّه عزَّ وجلَّ، كانوا سبعة, وكذا روي عن عطاء أنه كان يقول: عدتهم سبعة.[55]

{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا}

أي واضحا وبينا دون تعمق أو خوض فيما استأثر الله بعلمه.

قال الشوكاني :"وهو أن يقص عليهم ما أوحى الله إليه فحسب[56]

{وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}

لأن المفتي لابد وأن يكون أعلم من المستفتى " وهاهنا الأمر بالعكس ولا سيما في واقعة أهل الكهف وفيما قص الله عليك في ذلك ما يغنيك عن سؤال من لا علم له[57] ".

قال الشيخ سعيد حوى رحمه الله: " أي ولا تسأل أحدا من أهل الكتاب, ولا من غيرهم عن قصتهم سؤال متعنت له ،حتى يقول شيئا فترد عليه أو تزيف ما عنده, ولا سؤال مسترشد, لأن الله تعالى قد أرشدك بأن أوحى إليك قصتهم.

وهذا من أدب المسلم أن لا يستفتي أحدا من خلق الله غير أهل العلم من المسلمين[58] " .

{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}

نهاه عز وجل أن يقطع بشيء أو يعزم على فعل دون أن يستثني فيقول إن شاء الله ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن الأسئلة الثلاثة وعد أن يجيبهم في الغد ثقة بمجيء أمين الوحي جبريل بالجواب الكافي من عند الله تعالى ولم يقل صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فلبث الوحي مدة لا ينزل, حتى ظن المشركون وأشاعوا أنه هجره, وإنما كان ذلك درسا له صلى الله عليه وسلم أن يربط كل ما هو متوقع الحصول بمشية الله تعالى, لما في ذلك من تفويض الأمر إلى علام الغيوب والتماس التوفيق والسداد, والبركة والتيسير منه تعالى .

قال ابن عطية: "أي عسى أن يرشدني فيما أستقبل من أمري وهذه الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي بعد تعم أمته[59] "

وقال ابن كثير رحمه الله :" هذا إرشاد من اللّه تعالى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد إلى مشيئة اللّه عزَّ وجلَّ علام الغيوب، كما ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ نَبِيّ اللّهِ: لأَطُوفَنّ اللّيْلَةَ عَلَىَ سَبْعِينَ امْرَأَةً، كُلّهُنّ تَأْتِي بِغُلاَمٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ، أَوِ الْمَلَكُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، وَنَسِيَ، فَلَمْ تَأْتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، إلاّ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقّ غُلاَمٍ"، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللّهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكاً لَهُ فِي حَاجَتِهِ"[60].

".. وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف: "غداً أجيبكم"، فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً, ولأن المرء معرض للنسيان فلقد شرع الله لمن نسي أن يقول إن شاء الله أن يذكر ربه

قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}

" إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف والمعنى لعل الله يؤتيني من البينات والدلائل على صحة أني نبي من عند الله صادق القول في ادعاء النبوة ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من نبأ أصحاب الكهف, وقد كان حيث أعطاه الله عز وجل من قصص الأنبياء والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك"[61] "أو لأقرب رشدا وأدنى خيرا من المنسي"[62] .

أي إذا سئلت عن شيء لا تعلمه فاسأل اللّه تعالى فيه، وتوجه إليه بصدق حتى يوفقك للصواب والرشد في ذلك .

كم لبثوا في الكهف ؟

قال تعالى:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}

بين الله عز وجل مدة لبثهم وهي ثلاثمائة سنة بالحساب الشمسي, أو ما يقابلها بالحساب القمري وهي الثلاثمائة وتسع سنوات, وذلك لأن السنة الشمسية تزيد على السنة القمرية بأحد عشر يوما. فبين الله عز وجل مدة لبثهم بالحسابين, وبين الله عز وجل وجوب رد العلم إليه تعالى في مدة لبثهم فهو الأعلم بها, فإذا ادعى أحد من أهل الكتاب أنهم لبثوا أكثر من ذلك فنجيب عليهم بأن الله تعالى هو الأعلم بمدة لبثهم فلا عبرة بادعاءاتهم, فقد أخبرنا من له غيب السموات والأرض بخبرهم.

وقوله تعالى {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق[63].

{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.


تعقيب على القصة

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا(27)}

أي واقرأ عليهم ما أوحى الله إليك فهو الحق والصدق والهدى والرشاد, واتبع هذا الوحي الإلهي فهو الحق الواضح الذي لا تبديل فيه ولا تغيير فقصصه الحق وأمثاله الصدق ووعده وكل ما فيه من أخبار لا مبدل لها، كما أنه لا مبدل لسننه عز وجل في عباده والتي من بينها نصرته لأوليائه وسنة التداول, تداول العصور وانقضاء العهود وهلاك الظالمين مهما طال بهم الزمان واضمحلال دولتهم مهما علت, وقصة أصحاب الكهف دليل على ذلك حيث نجى الله هؤلاء الفتية من بطش قومهم وجعلهم آية باهرة وحجة ظاهرة على إمكانية البعث بالروح والجسد.

ومن خلال القصة أيضا نتعلم أن لا ملجأ لنا ولا ملاذ ولا عاصم إلا الله.

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (27)}

لما تبين لنا من قصة أصحاب الكهف كيف اجتمعوا على طاعة الله وتعانقت قلوبهم على الحب في الله وتآلفت أرواحهم على الإيمان بالله واجتمعت كلمتهم على نصرة دين الله دعا المولى عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه مع أولياء الله المريدين لوجهه والمبتغين لفضله فلا ينصرف عنهم لفقرهم أو لضعفهم, فهم بالإيمان أغنى وأقوى وأكرم من غيرهم

وبمناسبة قوله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (27)}

نورد هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ سَعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سِتّةَ نَفَرٍ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هَؤُلاَءِ لاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا.

قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلاَلٌ، وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمّيهِمَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقَعَ. فَحَدّثَ نَفْسَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام:52).وعَنْه رضي الله عنه قال: "فِيّ نَزَلَتْ: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ}.

قَالَ: نَزَلَتْ فِي سِتّةٍ: أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا لَهُ: تُدْنِي هَؤُلاَءِ"[64].

فائدة : في عصور الجهل والانحطاط استغل بعض أصحاب المصالح وأرباب النفوذ بساطة الناس وسذاجتها في تحقيق مآربهم فيدعون اكتشاف كهف في المكان الفلاني به أصحاب الكهف وينسجون حوله الروايات ويقدمون الأدلة على صحة ادعائهم حتى يشيع الخبر بين الناس ويطير بين البلاد ويصير الكهف مزارا يؤمه الناس من بلاد شتى وما زلنا نسمع عن بعض الجهال أن هناك شجرة في المكان الفلاني وبئر في البلد الفلاني يتزاحم عليه الجهلة طلبا للتداوي والاستشفاء من الأمراض المزمنة والمستعصية وفي هذا من المخالفات الشرعية ما لا يخفى.

ولعل هذا يفيد في معرفة أسباب اختلاف الناس في مكان الكهف حتى قيل إنه ببلاد الأندلس أو ببلاد الترك أوكذا أوكذا, ولقد فطن إلى هذا الأمر ابن عباس رضي الله عنه حين خرج غازيا مع حبيب بن مسلمة فمروا بكهف فإذا فيه عظام، فقال رجل: هذه عظام أهل الكهف. فقال ابن عباس: ذهبت عظامهم أكثر من ثلثمائة سنة.

والله أعلم

وإلى هنا ينتهي حديثنا عن هذه القصة, وأسأل الله عز وجل أن أكون قد وفقت في عرضها واستخلاص ما من الله علي به من فوائد, والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.








--------------------------------------------------------------------------------

[1] أي خالية من الزينة

[2] وردت قصة صاحب الجنتين في الآيات من 32 إلى 44

[3] الآيات من 45 : 49

[4] الآيات من 51 : 59

[5] سورة الكهف الآيات من 83 إلى 98

[6] صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي. 257 - (809)

[7] رواه البيهقي في السنن 3 / 249 والحاكم في المستدرك وقال وأورده السيوطي في الجامع الصغير الحديث رقم: 8929- وعزاه إلى الحاكم والبيهقي وصححه

[8] هذه القصة رواها ابن إسحاق كما في السيرة النبوية لابن هشام 1/ 321وأوردها ابن كثير في تفسيره 5/ 133 ويراجع جامع البيان للطبري 15/ 127، 128 ودلائل النبوة للبهقي 2 / 269 وهي مع أنها لم ترو بسند صحيح إلا أنها تتناسب مع السياق .

[9] التفسير الكبير للرازي 21/ 81 ، 82 بتصرف

[10] رجح هذا القول الرازي في تفسيره 21 / 82

[11] أورد هذه الأقوال الغريبة الإمام القرطبي في تفسيره 10/ 356

[12] مجلة العربي 367 حزيران 1989م

[13] يعني ما كان في زمانه

[14] البحر المحيط 6 /99

[15] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10/ 358

[16] راجع لباب التأويل للخازن 4 / 194 وروح البيان للبروسوي 5 / 221

[17] رواه البخاري في صحيحه بسنده عن أبى هريرة ك الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد ح 660 ، ورواه مسلم فى صحيحه عنه ك الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة ج 91

[18] رواه الإمام أحمد فى مسنده ، والطبرانى فى الكبير ، وأبو يعلى فى المسند وقال الهيثمى رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى وإسناده حسن .وأورده الألبانى فى الصحيحة وجود إسناده .سلسلة الصحيحة 6/824 – حديث 2843

[19] إرشاد العقل السليم لأبي السعود 5 /210 ويراجع روح البيان 5 / 221

[20] زعموا أن هذا اسم ذلك الملك الظالم ، وليس في القرآن ولا في السنة ذكر لاسمه ، والله أعلم به

[21] رواه النسائي في السنن عن 40 ـ كتاب البيعـة. 1943 ـ باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر. الحديث رقم: 4207 ـ ورواه الترمذي فى السنن عن أبى سعيد الخدرى أبواب الفتن باب أفضل الجهاد كلمة عدل سلطان جائر ح 2265 وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ورواه أبو داود فى السنن عنه ك الملاحم باب الأمر والنهى ح 4344 ورواه ابن ماجة فى السنن عنه ك الفتن باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ح 4011.

[22] روح البيان 6 / 222

[23] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 365

[24] المحرر الوجيز 3 / 373

[25] نفس المرجع 10 / 366

[26] إرشاد العقل السليم 5 / 210

[27] التفسير الكبير للرازي 21 / 98

[28] روح البيان للبروسوي 5 / 223

[29] لقمان 13

[30] صحيح البخاري كتاب التفسير - باب: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه } الحديث رقم: 4212 - (كذبني) نسب إلي ما هو خلاف الحقيقة والواقع. (شتمني) وصفني بما لا يليق بي .

[31] الوسيط في تفسير القرآن المجيد للواحدي النيساوري 3 / 138

[32] روح البيان 5 / 223

[33] الكشاف للزمخشري 3 / 708 ويراجع مدارك التنزيل 3 /5 وإرشاد العقل السليم 5 / 210

[34] ذكر ذلك الرأي الرازي في تفسيره 21 / 99، 100

[35] البحر المحيط 6 / 108

[36] مجلة العربي 367 يونيه حزيران 1989- م

[37] مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن دمشق

[38] الدكتور هشام مهابة أستاذ الصحة العامة بكلية الطب جامعة عين شمس

[39] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 5 / 140

[40] المحرر الوجيز لابن عطية 10 / 378

[41] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 5 /140

[42] الحديث رواه البخاري في صحيحه كتاب مناقب الصحابة6 - باب: مناقب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. الحديث رقم: 3485

[43] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10/ 372 وحاشية الجمل على الجلالين 3 / 12 ، 13وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 5 / 140

[44] قراءة التشديد للمبالغة ، وهي لابن كثير ونافع وابن عباس وأهل مكة وأهل المدينة وقرأ الباقون بتخفيف اللام – وهم على أصولهم في الهمز- النشر في القراءات العشر 2/ 310 والمحرر الوجيز لابن عطية 10 / 379

[45] إرشاد العقل السليم 5 / 212

[46] سورة الأعراف

[47] مدارك التنزيل 3/ 6 ، 7

[48] مدارك التنزيل 3/ 7

[49] نظم الدرر 4 /458

[50] التفسير الكبير 21 / 102 ، 103

[51] رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها كتاب المساجد ومواضع الصلاة. باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.وعنها رضي الله عنها كما في نفس الكتاب والباب عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ أُمّ حَبِيبَةَ وَأُمّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أُولَئِكَ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرّجُلُ الصّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَىَ قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

[52] سورة نوح

[53] محاسن التأويل للإمام جمال الدين القاسمي 11 / 21

[54] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ السعدي ص 473

[55] يراجع في ذلك معالم التنزيل للبغوي 3 /157وتفسير القرآن العظيم لابن كثير3 /144 والوسيط في تفسير القرأن المجيد للواحدي النيسابوري3 /143

[56] فتح القدير للشوكاني 3 /278 ويراجع التحرير والتنوير 13 / 294

[57] نفس المرجع 3 / 278

[58] الأساس في التفسير للشيخ سعيد حوى 6 / 3173

[59] المحرر الوجيز 3 / 508

[60] صحيح مسلم كتاب الأيمان والنذور - باب الاستثناء . الحديث رقم: 23 - (1654)

[61] التفسير الكبير للرازي 21 /111

[62] إرشاد العقل السليم لأبي السعود 5 / 217

[63] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ السعدي ص 474

[64] صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة رضي اللّهُ تعالى عنهم - باب في فضل سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه.

الحديث رقم: 46 - (2413)


<!-- / message -->
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أصحاب, الكهف, تأملات, في, قصة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 11:53 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.