انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات العامة ::. > التاريخ والسير والتراجم

التاريخ والسير والتراجم السيرة النبوية ، والتاريخ والحضارات ، وسير الأعلام وتراجمهم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-09-2010, 11:52 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Icon36 دعاوى المناوئين للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله سلسة ( براهين وشبهات )

 

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اخوانى واخواتى
ان لما كثر الطعن فى شيخنا محمد بن عبد الوهاب حتى تجد ما يكتب عنه يدمى القلب
من اناس
لاسف انتسبوا لدين الاسلام
كان لازما علينا ان نقدما شىء ولو بسيط لهذا الرجل الذى
طالما دافع طيله حياته عن هذا الدين
فاقدم بحول الله سلسة عن بدايه من حياته وشبهات التى تثار حوله ومولفاته
وذلك على مراحل بحول الله وقوته
وابدا بترجمة الشيخ
والله اسال ان يعيننا على الحق واتباعه

قال عنه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد : أيها الإخوان الفضلاء ، أيها الأبناء الأعزاء . هذه المحاضرة الموجزة أتقدم بها بين أيديكم تنويرا للأفكار ، وإيضاحا للحقائق ، ونصحا لله ولعباده وأداء لبعض ما يجب علي من الحق نحو المحاضر عنه وهذه المحاضرة عنوانها :
الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته
.
لما كان الحديث عن المصلحين ، والدعاة والمجددين ، والتذكير بأحوالهم وخصالهم الحميدة ، وأعمالهم المجيدة ، وشرح سيرتهم التي دلت على إخلاصهم ، وعلى صدقهم في دعوتهم وإصلاحهم . وأعمالهم وسيرتهم مما تشتاق إليه النفوس الطيبة ، وترتاح له القلوب ، ويود سماعه كل غيور على الدين ، وكل راغب في الإصلاح ، والدعوة إلى سبيل الحق رأيت أن أتحدث إليكم عن رجل عظيم ومصلح كبير وداعية غيور ، ألا وهو الشيخ الإمام المجدد للإسلام في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية .
هو : الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النجدي ، لقد عرف الناس هذا الإمام ولا سيما علماؤهم ورؤساؤهم وكبراؤهم وأعيانهم في الجزيرة العربية وفي خارجها ، ولقد كتب الناس عنه كتابات كثيرة ما بين موجز وما بين مطول ، ولقد أفرده كثير من الناس بكتابات حتى المستشرقون كتبوا عنه كتابات كثيرة ، وكتب عنه آخرون في أثناء كتاباتهم عن المصلحين وفي أثناء كتاباتهم في التاريخ ، وصفه المنصفون منهم بأنه مصلح عظيم ، وبأنه مجدد للإسلام ، وبأنه على هدى ونور من ربه ، وتعدادهم يشق كثيرا ، من جملتهم المؤلف الكبير أبو بكر الشيخ حسين بن غنام الأحسائي . فقد كتب عن هذا الشيخ . فأجاد وأفاد وذكر دعوته ، وذكر سيرته وذكر غزواته ، وأطنب في ذلك وكتب كثيرا من رسائله واستنباطاته من كتاب الله عز وجل ، ومنهم الشيخ الإمام عثمان بن بشر في كتابه : عنوان المجد ، فقد كتب عن هذا الشيخ ، وعن دعوته ، وعن سيرته ، وعن تاريخ حياته ، وعن غزواته وجهاده ، ومنهم خارج الجزيرة الدكتور أحمد أمين في كتابه : زعماء الإصلاح ، فقد كتب عنه وأنصفه ، ومنهم الشيخ الكبير مسعود عالم الندوي ، فقد كتب عنه وسماه المصلح المظلوم وكتب عن سيرته وأجاد في ذلك . وكتب عنه أيضا آخرون ، منهم الشيخ الكبير الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني . فقد كان في زمانه وقد كان على دعوته ، فلما بلغه دعوة الشيخ سر بها وحمد الله عليها .

وكذلك كتب عنه العلامة الكبير الشيخ محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار ورثاه بمرثية عظيمة ، وكتب عنه جمع غفير غير هؤلاء يعرفهم القراء والعلماء ، ولأجل كون كثير من الناس قد يخفى عليه حال هذا الإمام وسيرته ودعوته رأيت أن أساهم في بيان حاله وما كان عليه من سيرة حسنة ، ودعوة صالحة ، وجهاد صادق وأن أشرح قليلا مما أعرفه عن هذا الإمام حتى يتبصر في أمره من كان عنده شيء من لبس ، أو شيء من شك في حاله ودعوته ، وما كان عليه .

ولد هذا الإمام في عام ( 1115 ) هجرية هذا هو المشهور في مولده رحمة الله عليه ، وقيل في عام ( 1111 ) هجرية والمعروف الأول أنه ولد في عام 1115 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية .

وتعلم على أبيه في بلدة العيينة وهذه البلدة هي مسقط رأسه رحمة الله عليه ، وهي قرية معلومة في اليمامة في نجد شمال غرب مدينة الرياض بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو مترا تقريبا ، أو ما يقارب ذلك من جهة الغرب . ولد فيها رحمة الله عليه ونشأ نشأة صالحة . وقرأ القرآن مبكرا .
واجتهد في الدراسة ، والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان - وكان فقيها كبيرا وعالما قديرا ، وكان قاضيا في بلدة العيينة - ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف .

ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، فاجتمع بعلمائها ، وأقام فيها مدة ، وأخذ من عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت ، وهما : الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ، أصله من المجمعة ، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض ، وأخذ أيضا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة . هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة . ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف .
ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق فقصد البصرة واجتمع بعلمائها ، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم ، وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله ودعا الناس إلى السنة ، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وناقش وذاكر في ذلك ، وناظر هنالك من العلماء ، واشتهر من مشايخه ، هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى ، فخرج من أجل ذلك وكان من نيته أن يقصد الشام فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية ، فخرج من البصرة إلى الزبير وتوجه من الزبير إلى الأحساء واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين ثم توجه إلى بلاد حريملاء وذلك ( والله أعلم ) في العقد الخامس من القرن الثاني عشر لأن أباه كان قاضيا في العيينة وصار بينه وبين أميرها نزاع فانتقل عنها إلى حريملاء سنة 1139 هجرية فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هجرية ، فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 هـ أو بعدها ، واستقر هناك ولم يزل مشتغلا بالعلم والتعليم والدعوة في حريملاء حتى مات والده في عام 1153 هجرية فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه ، وهم بعض السفلة بها أن يفتك به .
وقيل : إن بعضهم تسور عليه الجدار فعلم بهم بعض الناس فهربوا ، وبعد ذلك ارتحل الشيخ إلى العيينة رحمة الله عليه ، وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء ، ومن جملتهم هؤلاء السفلة الذين يقال لهم : العبيد هناك ، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم وأنه لا يرضى بأفعالهم ، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم ، والحد من شرهم غضبوا وهموا أن يفتكوا به ، فصانه الله وحماه ، ثم انتقل إلى بلدة العيينة وأميرها إذ ذاك عثمان بن محمد بن معمر ، فنزل عليه ورحب به الأمير ، وقال : قم بالدعوة إلى الله ونحن معك وناصروك وأظهر له الخير ، والمحبة والموافقة على ما هو عليه ، فاشتغل الشيخ بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الله عز وجل ، وتوجيه الناس إلى الخير ، والمحبة في الله ، رجالهم ونسائهم ، واشتهر أمره في العيينة وعظم صيته وجاء إليها الناس من القرى المجاورة .
وفي يوم من الأيام قال الشيخ للأمير عثمان : دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فإنها أسست على غير هدى ، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل ، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد ، وحصل بها الشرك فيجب هدمها ، فقال الأمير عثمان لا مانع من ذلك ، فقال الشيخ : إني أخشى أن يثور لها أهل الجبيلة ، والجبيلة قرية هناك قريبة من القبر ، فخرج عثمان ومعه جيش يبلغون 600 مقاتل لهدم القبة ، ومعهم الشيخ رحمة الله عليه فلما قربوا من القبة خرج أهل الجبيلة لما سمعوا بذلك لينصروها ويحموها .
فلما رأوا الأمير عثمان ومن معه كفوا ورجعوا عن ذلك ، فباشر الشيخ هدمها لإزالتها فأزالها الله عز وجل على يديه رحمة الله عليه .

ولنذكر نبذة عن حال نجد قبل قيام الشيخ رحمة الله عليه ، وعن أسباب قيامه ، ودعوته :
كان أهل نجد قبل دعوة الشيخ على حالة لا يرضاها مؤمن ، وكان الشرك الأكبر قد نشأ في نجد وانتشر حتى عبدت القباب وعبدت الأشجار ، والأحجار ، وعبدت الغيران ، وعبد من يدعي بالولاية . وهو من المعتوهين ، وعبد من دون الله أناس يدعون بالولاية ، وهم مجانين مجاذيب لا عقول عندهم ، واشتهر في نجد السحرة والكهنة ، وسؤالهم وتصديقهم وليس هناك منكر إلا من شاء الله ، وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وشهواتها ، وقل القائم لله والناصر لدينه وهكذا في الحرمين الشريفين وفي اليمن اشتهر في ذلك الشرك وبناء القباب على القبور ، ودعاء الأولياء والاستغاثة بهم ، وفي اليمن من ذلك الشيء الكثير ، وفي بلدان نجد من ذلك ما لا يحصى ، ما بين قبر وما بين غار ، وبين شجرة وبين مجذوب ، ومجنون يدعى من دون الله ويستغاث به مع الله ، وكذلك مما عرف في نجد واشتهر دعاء الجن والاستغاثة بهم وذبح الذبائح لهم وجعلها في الزوايا من البيوت رجاء نجدتهم ، وخوف شرهم ، فلما رأى الشيخ الإمام هذا الشرك وظهوره في الناس وعدم وجود منكر لذلك وقائم بالدعوة إلى الله في ذلك شمر عن ساعد الجد وصبر على الدعوة وعرف أنه لا بد من جهاد ، وصبر ، وتحمل للأذى . فجد في التعليم والتوجيه والإرشاد وهو في العيينة ، وفي مكاتبة العلماء في ذلك والمذاكرة معهم رجاء أن يقوموا معه في نصرة دين الله ، والمجاهدة في هذا الشرك وهذه الخرافات . فأجاب دعوته كثيرون من علماء نجد وعلماء الحرمين ، وعلماء اليمن ، وغيرهم وكتبوا إليه بالموافقة ، وخالف آخرون وعابوا ما دعا إليه وذموه ونفروا عنه وهم بين أمرين ، ما بين جاهل خرافي لا يعرف دين الله ولا يعرف توحيد الله ، وإنما يعرف ما هو عليه وآباؤه وأجداده من الجهل والضلال والشرك ، والبدع ، والخرافات ، كما قال الله جل وعلا عن أمثال أولئك : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ }

وطائفة أخرى ممن ينسبون إلى العلم ردوا عليه عنادا وحسدا لئلا يقوم العامة : ما بالكم لم تنكروا علينا هذا الشيء؟! لماذا جاء ابن عبد الوهاب وصار على الحق وأنتم علماء ولم تنكروا هذا الباطل؟! فحسدوه وخجلوا من العامة ، وأظهروا العناد للحق إيثارا للعاجل على الآجل ، واقتداء باليهود في إيثارهم الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية والسلامة .

أما الشيخ فقد صبر وجد في الدعوة وشجعه من شجعه من العلماء والأعيان في داخل الجزيرة ، وفي خارجها ، وعزم على ذلك ، واستعان بربه عز وجل ، وعكف على الكتب النافعة ودرسها وعكف قبل ذلك على كتاب الله ، وكانت له اليد الطولى في تفسير كتاب الله ، والاستنباط منه ، وعكف على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه ، وجد في ذلك وتبصر فيه حتى أدرك من ذلك ما أعانه الله به وثبته على الحق فشمر عن ساعد الجد ، وصمم على الدعوة وعلى أن ينشرها بين الناس ويكاتب الأمراء والعلماء في ذلك وليكن في ذلك ما يكون ، فحقق الله له الآمال الطيبة ، ونشر به الدعوة ، وأيد به الحق ، وهيأ الله له أنصارا ومساعدين وأعوانا حتى ظهر دين الله وعلت كلمة الله ، فاستمر الشيخ في الدعوة في العيينة بالتعليم والإرشاد ، ثم شمر عن ساعد الجد إلى العمل وإزالة الشرك بالفعل لما رأى الدعوة لم تؤثر في بعض الناس فباشر الدعوة عمليا ليزيل بيده ما تيسر وما أمكن من آثار الشرك .
فقال الشيخ للأمير عثمان بن معمر : لا بد من هدم هذه القبة على قبر زيد - وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع ، وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية ، فكان ممن قتل هناك وبني على قبره قبة فيما يذكرون ، وقد يكون قبر غيره ، لكنه فيما يذكرون أنه قبره - فوافقه عثمان كما تقدم ، وهدمت القبة بحمد الله وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة ، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة ، وقصد مستقيم ونصر للحق ، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال :
إنه قبر ضرار بن الأوزر كانت عليه قبة هدمت أيضا ، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل ، وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا فأزيلت وقضى عليها وحذر الناس عنها .
والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة قولا وعملا كما تقدم ، ثم إن الشيخ أتته امرأة واعترفت عنده بالزنا عدة مرات ، وسأل عن عقلها فقيل : إنها عاقلة ولا بأس بها ، فلما صممت على الاعتراف ، ولم ترجع عن اعترافها ، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة ، أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره حالة كونه قاضيا بالعيينة ، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة وبرجم المرأة وبالدعوة العظيمة إلى الله وهجرة المهاجرين إلى العيينة ، وبلغ أمير الأحساء وتوابعها من بني خالد سليمان بن عريعر الخالدي أمر الشيخ وأنه يدعو إلى الله وأنه يهدم القباب ، وأنه يقيم الحدود فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ ، لأن من عادة البادية إلا من هدى الله ، الإقدام على الظلم ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال ، وانتهاك الحرمات ، فخاف أن هذا الشيخ يعظم أمره ويزيل سلطان الأمير البدوي ، فكتب إلى عثمان يتوعده ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة ، وقال : إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا ، وكذا!! فإما أن تقتله ، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب ، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير ، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه ، فقال للشيخ : إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا ، وأنه لا يحسن منا أن نقتلك وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته ، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت ، فقال له الشيخ : إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله ، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله ، فمن تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه ، فإن صبرت واستقمت وقبلت هذا الخبر فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره ، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته ، فقال : أيها الشيخ إنا لا نستطيع محاربته ، ولا صبر لنا على مخالفته ، فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية ، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا حتى وصل إليها في آخر النهار ، وقد خرج من العيينة في أول النهار ماشيا على الأقدام لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلى البلد يقال له : محمد بن سويلم العريني فنزل عليه ، ويقال : إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرض بما رحبت ، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له : أبشر بخير ، وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله ، وسوف يظهره الله ، فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد ، ويقال :
إن الذي أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها : أخبري محمدا بهذا الرجل ، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة ، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له : أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك ، رجل داعية يدعو إلى دين الله ، ويدعو إلى كتاب الله ، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته ، ولا تقف في ذلك أبدا ، فقبل الأمير مشورتها ، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه ويقال : إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له : لا ينبغي أن تدعوه إليك ، بل ينبغي أن تقصده في منزله ، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير ، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه ، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم ، وقصده وسلم عليه وتحدث معه ، وقال له يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة ، فقال له الشيخ : وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة ، هذا دين الله من نصره نصره الله ، ومن أيده أيده الله وسوف تجد آثار ذلك سريعا ، فقال : يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله ، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على أعداء الإسلام ، أن تبتغي غير أرضنا ، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى فقال : لا أبايعك على هذا . . . أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج عن بلادك أبدا ، فبايعه على النصرة وعلى البقاء في البلد وأنه يبقى عند الأمير يساعده ، ويجاهد معه في سبيل الله حتى يظهر دين الله ، وتمت البيعة على ذلك .

وتوافد الناس إلى الدرعية من كل مكان ، من العيينة ، وعرقة ، ومنفوحة ، والرياض وغير ذلك ، من البلدان المجاورة ، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان ، وتسامع الناس بأخبار الشيخ ، ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه ، فأتوا زرافات ووحدانا .
فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحه ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان ، وتعلم الناس علمه في الدرعية الشباب وغيرهم ، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة ، والخاصة ، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة .

ثم بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان وإزالة الشرك الذي في بلادهم ، وبدأ بأهل نجد ، وكاتب أمراءها وعلماؤها . كاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس ، كاتب علماء الخرج وأمراءها ، وعلماء بلاد الجنوب والقصيم وحائل والوشم ، وسدير وغير ذلك ، ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم .
وهكذا علماء الأحساء وعلماء الحرمين الشريفين ، وهكذا علماء الخارج في مصر ، والشام ، والعراق ، والهند ، واليمن ، وغير ذلك ، ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع ، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين بل هناك أنصار والله جل وعلا قد ضمن لهذا الدين أن لا بد له من ناصر ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة .
ولكن الحديث الآن عن نجد ، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل . مع أن فيها علماء فيهم خير ، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي ، وهناك أيضا في اليمن وغير اليمن دعاة إلى الحق وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات ، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة ،
منها :
عدم تيسر الناصر المساعد لهم .
ومنها :
عدم الصبر لكثير من الدعاة وتحمل الأذى في سبيل الله ،
ومنها :
قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة ، والعبارات اللائقة ، والحكمة والموعظة الحسنة .
ومنها : أسباب أخرى غير هذه الأسباب ، وبسبب هذه المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد اشتهر أمر الشيخ ، وظهر أمر الدعوة ، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة ، وفي خارجها . وتأثر بدعوته جمع غفير من الناس في الهند وفي أندونيسيا ، وفي أفغانستان ، وفي أفريقيا وفي المغرب ، وهكذا في مصر ، والشام ، والعراق ، وكان هناك دعاة كثيرون عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم ، وزادت قوتهم واشتهروا بالدعوة ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره ، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه ، ورسائله ، وكتب أبنائه ، وأحفاده ، وأنصاره ، وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها ، وكذلك طبعت الكتب في دعوته ، وترجمته ، وأحواله ، وأحوال أنصاره ، حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار ، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسدا وأن لكل داعي أعداء كثيرين قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة ، وألف المؤلفات القيمة ، ونشرها في الناس ، وكاتبه العلماء ، ظهر جماعة كثيرون من حساده ، ومن مخالفيه ، وظهر أيضا أعداء آخرون ، وصار أعداؤه وخصومه قسمين :
قسم عادوه باسم العلم والدين ، وقسم : عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم ، وتستروا باسم الدين ، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا : إنه على غير الحق ، وإنه كيت وكيت .
والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه ، ويوضح الدليل ، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي علي من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطورا . يقولون : إنه من الخوارج ، وتارة يقولون : يخرق الإجماع ، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منه وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت عليها ، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتستتر باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين .

والخصوم في الحقيقة ثلاثة أقسام :
علماء مخرفون يرون الحق باطلا والباطل حقا
، ويعتقدون أن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ،ودعاءها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى ، ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين ، وأبغض الأولياء ، وهو عدو يجب جهاده .
وقسم آخر :
من المنسوبين للعلم جهلوا حقيقة هذا الرجل ، ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين ، وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بغض الأولياء والأنبياء ، ومن معاداتهم ، وإنكار كراماتهم ، فذموا الشيخ ، وعابوا ونفروا عنه .
وقسم آخر : خافوا على المناصب والمراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتنزلهم عن مراكزهم ، وتستولي على بلادهم ، واستمرت الحرب الكلامية . والمجادلات والمساجلات بين الشيخ وخصومه ، يكاتبهم ويكاتبونه ، ويجادلهم ويرد عليهم ، ويردون عليه ، وهكذا جرى بين أبنائه وأحفاده وأنصاره وبين خصوم الدعوة . حتى اجتمع من ذلك رسائل كثيرة ، وردود جمة ، وقد جمعت هذه الرسائل والفتاوى والردود فبلغت مجلدات ، وقد طبع أكثرها والحمد لله ، واستمر الشيخ في الدعوة والجهاد وساعده الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية ، وجد الأسرة السعودية على ذلك ، ورفعت راية الجهاد وبدأ الجهاد من عام 1158 هـ .

بدأ الجهاد بالسيف ، وبالكلام والبيان ، والحجة ، والبرهان ، ثم استمرت الدعوة مع الجهاد بالسيف ، ومعلوم أن الداعي إلى الله عز وجل إذا لم يكن لديه قوة تنصر الحق وتنفذه فسرعان ما تخبو دعوته وتنطفي شهرته ، ثم يقل أنصاره .
ومعلوم ما للسلاح والقوة من الأثر العظيم في نشر الدعوة ، وقمع المعارضين ونصر الحق ، وقمع الباطل ولقد صدق الله العظيم في قوله عز وجل وهو الصادق سبحانه في كل ما يقول : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات ، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق ، ويدفع بها الباطل ، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان ، والهدى والإيضاح ، وأنزل معهم الميزان ، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم ، ويقام به الحق وينشر به الهدى ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط ، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق ، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة ، فهو الملزم بالحق ، وهو القامع للباطل ، ولقد أحسن من قال في مثل هذا :
وما هو إلا الوحي أوحد مرهف *** تزيل ظباه اخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل جاهل *** وهذا دواء الداء من كل عادل
فالعاقل ذو الفطرة السليمة ، ينتفع بالبينة ، ويقبل الحق بدليله ، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف ، فجد الشيخ رحمه الله في الدعوة والجهاد ، وساعده أنصاره من آل سعود ، طيب الله ثراهم على ذلك ، واستمروا في الجهاد والدعوة من عام 1158هـ إلى أن توفي الشيخ في عام 1206هـ فاستمر الجهاد والدعوة قريبا من خمسين عاما . جهاد ، ودعوة ، ونضال ، وجدال في الحق ، وإيضاح لما قاله الله ورسوله ، ودعوة إلى دين الله ، وإرشاد إلى ما شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام .
حتى التزم الناس بالطاعة ، ودخلوا في دين الله ، وهدموا ما عندهم من القباب ، وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور ، وحكموا الشريعة ، ودانوا بها ، وتركوا ما كانوا عليه من تحكيم سوالف الآباء والأجداد ، وقوانينهم ، ورجعوا إلى الحق .
وعمرت المساجد بالصلوات ، وحلقات العلم ، وأديت الزكوات ، وصام الناس رمضان ، كما شرع الله عز وجل ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وساد الأمن في الأمصار ، والقرى ، والطرق ، والبوادي ، ووقف البادية عند حدهم ، ودخلوا في دين الله وقبلوا الحق ، ونشر الشيخ فيهم الدعوة .
وأرسل الشيخ إليهم المرشدين ، والدعاة في الصحراء والبوادي ، كما أرسل المعلمين ، والمرشدين ، والقضاة إلى البلدان والقرى ، وعم هذا الخير العظيم والهدى المستبين نجدا كلها وانتشر فيها الحق ، وظهر فيها دين الله عز وجل .

ثم بعد وفاة الشيخ رحمة الله عليه استمر أبناؤه ، وأحفاده ، وتلاميذه ، وأنصاره في الدعوة والجهاد ، وعلى رأس أبنائه الشيخ الإمام عبد الله بن محمد ، والشيخ حسين بن محمد ، والشيخ علي بن محمد ، والشيخ إبراهيم بن محمد ، ومن أحفاده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ، والشيخ علي بن حسين ، والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد وجماعة آخرون ومن تلاميذه أيضا الشيخ حمد بن ناصر بن معمر ، وجمع غفير من علماء الدرعية ، وغيرهم استمروا في الدعوة والجهاد ونشر دين الله تعالى وكتابة الرسائل وتأليفات المؤلفات ، وجهاد أعداء الدين ، وليس بين هؤلاء الدعاة وخصومهم شيء إلا أن هؤلاء دعوا إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله عز وجل ، والاستقامة على ذلك ، وهدم المساجد والقباب التي على القبور ، ودعوا إلى تحكيم الشريعة والاستقامة عليها ودعوا إلى
الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود الشرعية . هذه أسباب النزاع بينهم وبين الناس .

والخلاصة : أنهم أرشدوا الناس إلى توحيد الله ، وأمروهم بذلك وحذروا الناس من الشرك بالله ومن وسائله وذرائعه ، وألزموا الناس بالشريعة الإسلامية ، ومن أبى واستمر على الشرك بعد الدعوة والبيان ، والإيضاح والحجة ، جاهدوه في الله عز وجل وقصدوه في بلاده حتى يخضع للحق ، وينيب إليه ويلزموه به بالقوة والسيف ، حتى يخضع هو وأهل بلده إلى ذلك .
وكذلك حذروا الناس من البدع والخرافات ، التي ما أنزل الله بها من سلطان ، كالبناء على القبور ، واتخاذ القباب عليها والتحاكم إلى الطواغيت ، وسؤال السحرة والكهنة ، وتصديقهم وغير ذلك ، فأزال الله ذلك على يدي الشيخ وأنصاره رحمة الله عليهم جميعا . وعمرت المساجد بتدريس الكتاب العظيم والسنة المطهرة ، والتاريخ الإسلامي ، والعلوم العربية النافعة ، وصار الناس في مذاكرة ، وعلم ، وهدى ، ودعوة ، وإرشاد ، وآخرون منهم فيما يتعلق بدنياهم من الزراعة والصناعة وغير ذلك ، علم وعمل ، ودعوة وإرشاد ، ودنيا ودين ، فهو يتعلم ويذاكر ، ومع ذلك يعمل في حقله الزراعي ، أو في صناعته أو تجارته وغير ذلك . فتارة لدينه ، وتارة لدنياه دعاة إلى الله وموجهون
إلى سبيله ، ومع ذلك يشتغلون بأنواع الصناعة الرائجة في بلادهم ، ويحصلون من ذلك على ما يغنيهم عن خارج بلادهم ، وبعد فراغ الدعاة وآل سعود من نجد امتدت دعوتهم إلى الحرمين ، وجنوب الجزيرة ، كاتبوا علماء الحرمين سابقا ، ولاحقا فلما لم تجد الدعوة واستمر أهل الحرمين على ما هم عليه من تعظيم القباب ، واتخاذها على القبور ، ووجود الشرك عندها ، والسؤال لأربابها ، سار الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بعد وفاة الشيخ بإحدى عشرة سنة توجه إلى الحجاز ، ونازل أهل الطائف ثم قصد أهل مكة وكان أهل الطائف قد توجه إليهم قبل سعود الأمير عثمان بن عبد الرحمن المضايفي ، ونازلهم بقوة أرسلها إليها الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد أمير الدرعية بقوة عظيمة من أهل نجد وغيرهم ، ساعدوه حتى استولى على الطائف ، وأخرج منها أمراء الشريف ، وأظهر فيه الدعوة إلى الله ، وأرشد إلى الحق ، ونهى فيها عن الشرك ، وعبادة ابن عباس ، وغيره مما كان يعبده هناك الجهال ، والسفهاء من أهل الطائف ، ثم توجه الأمير سعود عن أمر أبيه عبد العزيز إلى جهة الحجاز ، وجمعت الجيوش حول مكة .

فلما عرف شريفها أنه لا بد من التسليم أو الفرار فر إلى جدة . ودخل سعود ومن معه من المسلمين البلاد من غير قتال واستولوا على مكة في فجر 1 من شهر محرم من عام 1218هـ وأظهروا فيها الدعوة إلى دين الله ، وهدموا ما فيها من القباب التي بنيت علي قبر خديجة وغيره ، فأزالوا القباب كلها ، وأظهروا فيها الدعوة إلى توحيد الله عز وجل ، وعينوا فيها العلماء والمدرسين ، والموجهين والمرشدين ، والقضاة الحاكمين بالشريعة .
ثم بعد مدة وجيزة فتحت المدينة ، واستولى آل سعود على المدينة في عام 1220هـ بعد مكة بنحو سنتين ، واستمر الحرمان في ولاية آل سعود ، وعينوا فيها الموجهين والمرشدين ، وأظهروا في البلاد العدل وتحكيم الشريعة ، والإحسان إلى أهلها ولا سيما فقرائهم ومحاويجهم فأحسنوا إليهم بالأموال ، وواسوهم ، وعلموهم كتاب الله ، وأرشدوهم إلى الخير ، وعظموا العلماء ، وشجعوهم على التعليم ، والإرشاد ولم ينزل الحرمان الشريفان تحت ولاية آل سعود إلى عام 1226هـ ثم بدأت الجيوش المصرية والتركية تتوجه إلى الحجاز لقتال آل سعود وإخراجهم من الحرمين ، لأسباب كثيرة تقدم بعضها ، وهذه الأسباب كما تقدم هي أن أعداءهم ، وحسادهم ، والمخرفين الذين ليس لهم بصيرة ، وبعض السياسيين الذين أرادوا إخماد هذه الدعوة وخافوا منها أن تزيل مراكزهم ، وأن تقضي على أطماعهم ، كذبوا على الشيخ ، وأتباعه ، وأنصاره ، وقالوا إنهم يبغضون الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأنهم يبغضون الأولياء ، وينكرون كراماتهم ، وقالوا إنهم أيضا يقولون كيت وكيت مما يزعمون أنهم ينتقصون به الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وصدق هذا بعض الجهال ، وبعض المغرضين ، وجعلوه سلما للنيل منهم والقتال لهم ، وتشجيع الأتراك والمصريين على حربهم ، فجرى ما جرى من الفتن والقتال - وصار القتال بين الجنود المصرية والتركية ومن معهم وبين آل سعود في نجد ، والحجاز ، سجالا مدة طويلة من عام 1226 هـ إلى عام 1233 هـ سبع سنين كلها قتال ونضال بين قوى الحق وقوى الباطل .
والخلاصة : أن هذا الإمام الذي هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه إنما قام لإظهار دين الله ، وإرشاد الناس إلى توحيد الله ، وإنكار ما أدخل الناس فيه من البدع والخرافات ، وقام أيضا لإلزام الناس بالحق ، وزجرهم عن الباطل ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر .
هذه خلاصة دعوته رحمة الله تعالى عليه ، وهو في العقيدة على طريقة السلف الصالح يؤمن بالله وبأسمائه ، وصفاته ، ويؤمن بملائكته ، ورسله وكتبه ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وهو على طريقة أئمة الإسلام في توحيد الله ، وإخلاص العبادة له جل وعلا . وفي الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه ، لا يعطل صفات الله ، ولا يشبه الله بخلقه . وفي الإيمان بالبعث ، والنشور ، والجزاء .
والحساب ، والجنة والنار ، وغير ذلك .
ويقول في الإيمان ما قاله السلف أنه قول وعمل يزيد وينقص . يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، كل هذا من عقيدته رحمه الله ، فهو على طريقتهم وعلى عقيدتهم قولا وعملا ، لم يخرج عن طريقتهم البتة ، وليس له في ذلك مذهب خاص ، ولا طريقة خاصة ، بل هو على طريق السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان . رضي الله عن الجميع .
وإنما أظهر ذلك في نجد ، وما حولها ودعا إلى ذلك ثم جاهد عليه من أباه ، وعانده ، وقاتلهم ، حتى ظهر دين الله وانتصر الحق ، وكذلك هو على ما عليه المسلمون من الدعوة إلى الله ، وإنكار الباطل ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ولكن الشيخ وأنصاره يدعون الناس إلى الحق ، ويلزمونهم به ، وينهونهم عن الباطل ، وينكرونه عليهم ، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه .

وكذلك جد في إنكار البدع والخرافات حتى أزالها الله سبحانه بسبب دعوته . فالأسباب الثلاثة المتقدمة آنفا هي أسباب العداوة ، والنزل بينه وبين الناس . وهي :
أولا :
إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص .
ثانيا :
إنكار البدع ، والخرافات ، كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك كالموالد والطرق التي أحدثتها طوائف المتصوفة .
ثالثا :
أنه يأمر الناس بالمعروف ، ويلزمهم به بالقوة فمن أبى المعروف الذي أوجبه الله عليه ، ألزم به وعزر عليه إذا تركه وينهى الناس عن المنكرات ، ويزجرهم عنها ، ويقيم حدودها ، ويلزم الناس الحق ، ويزجرهم عن الباطل ، وبذلك ظهر الحق ، وانتشر ، وكبت الباطل ، وانقمع ، وسار الناس في سيرة حسنة ، ومنهج قويم في أسواقهم ، وفي مساجدهم ، وفي سائر أحوالهم .
لا تعرف البدع بينهم ولا يوجد في بلادهم الشرك ، ولا تظهر المنكرات بينهم . بل من شاهد بلادهم وشاهد أحوالهم وما هم عليه ذكر حال السلف الصالح وما كانوا عليه زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وزمن أصحابه ، وزمن أتباعه بإحسان في القرون المفضلة رحمة الله عليهم .
فالقوم ساروا سيرتهم ، ونهجوا منهجهم ، وصبروا على ذلك ، وجدوا فيه ، وجاهدوا عليه ، فلما حصل بعض التغيير في آخر الزمان بعد وفاة الشيخ محمد بمدة طويلة ووفاة كثير من أبنائه رحمة الله عليهم وكثير من أنصاره حصل بعض التغيير جاء الابتلاء وجاء الامتحان بالدولة التركية ، والدولة المصرية ، مصداق قوله عز وجل :
{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }

نسأل الله عز وجل أن يجعل ما أصابهم تكفيرا وتمحيصا من الذنوب ، رفعة وشهادة لمن قتل منهم رضي الله عنهم ورحمهم .

ولم تزل دعوتهم بحمد الله قائمة منتشرة إلى يومنا هذا فإن الجنود المصرية لما عثت في نجد ، وقتلت من قتلت ، وخربت ما خربت ، لم يمض على ذلك إلا سنوات قليلة ثم قامت الدعوة بعد ذلك وانتشرت ، ونهض بالدعوة بعد ذلك بنحو خمس سنين الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمه الله عليه فنشر الدعوة في نجد وما حولها ، وانتشر العلماء في نجد وأخرج من كان هناك من الأتراك والمصريين أخرجهم من نجد وقراها ، وبلدانها وانتشرت الدعوة بعد ذلك في نجد في عام 1240هـ وكان تخريب الدرعية والقضاء على دولة آل سعود في عام 1233هـ .
فمكث الناس في نجد في فوضى ، وقتال وفتن بنحو خمس سنين من أربع وثلاثين إلى عام 1239هـ ثم في عام أربعين بعد المائتين وألف اجتمع شمل المسلمين في نجد على الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ، وظهر الحق وكتب العلماء الرسائل إلى القرى والبلدان ، وشجعوا الناس ودعوهم إلى دين الله وانطفأت الفتن التي بينهم بعد الحروب الطويلة التي حصلت على أيدي المصريين ، وأعوانهم ، وهكذا انطفأت الحروب ، والفتن التي وقعت بينهم على أثر تلك الحروب ، وخمدت
نارها ، وظهر دين الله ، واشتغل الناس بعد ذلك بالتعليم ، والإرشاد ، والدعوة ، والتوجيه ، حتى عادت المياه إلى مجاريها .

وعاد الناس إلى أحوالهم ، وما كانوا عليه في عهد الشيخ ، وعهد تلامذته ، وأبنائه ، وأنصاره ، رضي الله عن الجميع ورحمهم ، واستمرت الدعوة من عام 1240هـ إلى يومنا هذا بحمد الله ، ولم يزل يخلف آل سعود بعضهم بعضا ، وآل الشيخ وعلماء نجد بعضهم بعضا فآل سعود يخلف بعضهم بعضا في الإمامة والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله .
وهكذا العلماء يخلف بعضهم بعضا في الدعوة إلى الله والإرشاد إليه ، والتوجيه إلى الحق . إلا أن الحرمين بقيا مفصولين عن الدولة السعودية دهرا طويلا ، ثم عادا إليهم في عام 1343هـ ، واستولى على الحرمين الشريفين الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل ابن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمة الله عليه ولم يزالا بحمد الله تحت ولاية هذه الدولة إلى يومنا هذا .

فلله الحمد ونسأل الله عز وجل أن يصلح البقية الباقية من آل سعود ، ومن آل الشيخ ، ومن علماء المسلمين جميعا في هذه البلاد ، وغيرها وأن يوفقهم جميعا لما يرضيه وأن يصلح علماء المسلمين أينما كانوا وأن ينصر بالجميع الحق ، ويخذل بهم الباطل ، وأن يوفق دعاة الهدى أينما كانوا للقيام بما أوجب الله عليهم ، وأن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم ، وأن يعمر الحرمين الشريفين ، وملحقاتهما ، وسائر بلاد المسلمين بالهدى ، ودين الحق ، وبتعظيم كتاب الله ، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وأن يمن على الجميع بالفقه فيهما ، والتمسك بهما ، والصبر على ذلك ، والثبات عليه ، والتحاكم إليهما ، حتى يلقوا ربهم عز وجل .
إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير . وهذا آخر ما تيسر بيانه ، والتعريف به ، من حال الشيخ ، ودعوته وأنصاره ، وخصومه والله المستعان ، وعليه الاتكال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله ، وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه ، والحمد لله رب العالمين .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-10-2010, 01:22 AM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

يتبع ان شاء الله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-13-2010, 07:05 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

تابع
حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

زعموا أيضاً أنه يدعو إلى توحيد خاطئ من صنع نفسه! لا التوحيد الذين نادى به القرآن الكريم، فمن خضع له ولتوحيده، سلمت نفسه وأمواله، ومن أبى فهو كافر حربي، ودمه وماله هدر!! إلى غير ذلك مما يقوله الحاقدون على الشيخ ودعوته.
وهذا كله عين الكذب، ومحض الافتراء، وكتاباته كلها، ومؤلفاته جميعها تشهد بأن هذا الشيخ - رحمه الله - إمام من أئمة الدعوة إلى الكتاب والسنة؛ وأنه كان يدعو إلى الإسلام ولا شيء سوى الإسلام، ويشحذ همم تلاميذه لطلب العلم الصحيح، فيقول: " إن أشكل عليك شيء، فسفرك إلى المغرب في طلبه غير كثير" ، ثم يواسي تلاميذه بما ينقله عن الفضيل بن عياض رحمه الله، حيث يقول: "لاتستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين" .
والشيخ رحمه الله يقول: "عقيدتي وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين" . فأي الفريقين أسلم، وأي السبيلين أحكم؟!.
لقد واجه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حملة شعواء كهذه من قبل، ولكنه بين عقيدته في رسائل إلى أهل الآفاق تميط اللثام، وترفع اللبس والإشكال… فكتب "الحموية" لأهل حماة، و "التدمرية" لأهل تدمر، و "الواسطية" لأهل واسط، ورسائل أخر…
وقد نحا شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله المنحى ذاته في كشف اللبس وإزالة الغموض عن عقيدته، فكتب رسائل وألقى خطباً، وبثّ فتاوى تناقلها أهل الحق حتى عمت الآفاق، ولما كان الوقوف على أقواله وآرائه العقدية أمراً ذا بال عند كل طالب علم مخلص، ليدرأ بها الشبه، ويميز الحق من الباطل، وينفي الزغل عن عقيدة (مصلح مظلوم ومفترى عليه) فقد عقدتُ العزم على استخلاص الزبد، وجمع مسائل العقيدة في سفر مفرد، فطفقت أجمع تصانيف الشيخ ومؤلفاته، حتى طالت يدي اثني عشر مجلداً ضخماً جمع فيها أهل العلم النقاد الأفذاذ مؤلفات الشيخ كاملة ، فغصت في أعماقها، والتقطتُ من جواهرها ولآلئها ماقرت به عيناي، وسكنت له نفسي …
ثم جمعتها في هذا السفر على الإيجاز، ولم أورد شيئاً من أدلتها خوف الإطالة والتشعب، وعزوتها إلى مظانها في مؤلفات الشيخ المطبوعة، وصدرتها بعناوين فرعية تدنيها من النوال، واقتصرت على كلام الشيخ دون زيادة أو نقصان إلا فيما مست إليه الحاجة كاستعمال أدوات الربط بين الفقرات، وربما قدمتُ وأخرتُ أو رتبتُ وآلفتُ بينها.
وإني إذ أدفع به إلى المكتبة الإسلامية لأرجو أن يجد فيه طالب العلم ضالته، فيذكرني والشيخ بدعوة صالحة بظهر الغيب.

منقول من كلام
الدكتور أحمد بن عبدالكريم نجيب

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وبناء الدولة السعودية:
التزمت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بالأسلوب السلمي البعيد عن العنف، والمعتمد على الإقناع والتأثير الفكري فكان شعارها هو المبدأ الذي شرعه الله "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: من الآية125)، ولكن الزعامات المحلية والإقليمية رأت في الإصلاح تهديداً لنفوذها فواجهت ذلك الأسلوب السلمي للدعوة بأسلوب المطاردة والعنف والقتل، ولما كانت البلاد آنذاك لا تخضع لسلطة مركزية، وإنما كان لكل قبيلة شيخها ولكل قرية أميرها، ولأن الدعوة حوربت من معظم تلك الزعامات فقد أبرم الشيخ محمد بن عبد الوهاب عهداً مع أمير الدرعية محمد بن سعود على نشر مبادئ الدعوة وحماية دعاتها فتم بين الرجلين ما يُعرف تاريخياً باتفاق الدرعية عام 1744م والذي يُعد عند المؤرخين البداية الحقيقية لقيام الدولة السعودية الأولى، واستمر الشيخ بدعم من الأمير محمد بن سعود يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
استهدفت الدعوة إعادة تنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق، وكذلك إقامة العدل والنظام بين الناس، فهدف الدعوة إعادة الناس إلى الإسلام على ما كان عليه زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بتطبيق الإسلام عبادة وشريعة وأخلاقاً، وإقامة مجتمع إسلامي متكاتف تنظمه دولة إسلامية، وقد تمثلت في الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة (المملكة العربية السعودية).

بواعث قيام الدعوة الإصلاحية وأهدافها الكبرى:
قامت هذه الدعوة الإصلاحية في نجد في الوقت الذي كانت أحوج ما تكون إلى الإصلاح في جميع النواحي الدينية والدنيوية، لقد كان انتشار الخرافة، والإشراك بالله، والانحراف عن هدي الإسلام، وانتشار البدع، وسيطرة التقاليد والأعراف المنافية للحق، وكثرة لجوء الناس إلى الكهان والمشعوذين والسحرة والدجالين، وما نتج عن ذلك من تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية كل هذه كانت أسباباً ملحة استوجبت قيام الدعوة الإصلاحية لإعادة الناس إلى صفاء التوحيد وإخلاص العبادة لله رب العالمين، وهي القضية الكبرى في الإسلام وفي كل الأديان السماوية، وهي المهمة الأساسية التي ينهض بها المصلحون في الإسلام على تعاقب الأجيال.

فإذا استقام أمر التوحيد تبعه القيام بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضمان استمرار صلاح المجتمع وانتظام حياته وتحقيق التكافل والمحبة بين الناس تحقيقاً لأمر الله "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ" (آل عمران: من الآية110).
كان الناس في نجد قبل الدعوة يعيشون فوضى مطلقة في الدين والدنيا، فلم يكن لهم سلطة جامعة، ولم يكن يوجد عندهم قضاة ولا محاكم للفصل في الخصومات وإحقاق الحق، فتحقَّق بقيام الدعوة الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بمؤازرة الدولة السعودية نتائج عظيمة، فقد كان من أهدافها:
1- تحقيق الأمن والنظام: فقد كانت الفوضى هي السائدة في المناطق التي تعرف الآن باسم المملكة العربية السعودية، خصوصاً في نجد والمناطق الصحراوية، وكانت الضرورة تقتضي قيام دعوة إصلاحية وولاية شرعية تحفظ للناس أمنهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وتقوم بالعدل والقضاء بين الناس، وتقيم الحدود وتنشر العلم والخير وتدفع الشر والظلم، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أمر الله _تعالى_، فكانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإسلامية.
2- نشر العلم ومحاربة الجهل وإخراج الناس من حالة الخرافة وأسر الجهالات، فقد ظهرت الدعوة الإصلاحية وتأسَّست بها الدولة السعودية في عصر التخلف وشيوع الجهل والتقليد الأعمى وسيادة الأمية في أكثر مظاهر الحياة الفردية والجماعية، مما جعل قيام هذه الدعوة ضرورة.
3- تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة، فمن المعروف أن المسلمين أصيبوا بالفرقة والشتات والتنازع من جراء كثرة الأهواء والبدع والجهل والإعراض عن الدين، واتباع سبل الغواية والشهوات والشبهات، ونتج عن ذلك الكثير من الذل والهوان والفشل الذي حذر الله منه في قوله _تعالى_: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال: من الآية46)، فكان لا بد من إصلاح أحوال الأمة بالعقيدة والشرع المطهر الذي به تحصل الجماعة والاستقامة.
وفي الجملة فإن هذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي استدعت (بالضرورة) قيام دعوة إصلاحية شاملة تنهض بمهمة إعادة إحياء الإسلام، وتوطيد النظام في هذه الصحراء التي كانت مقطوعة عن مراكز العلم والحضارة، وتعمل هذه الدعوة على إصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع.
وكل هذه البواعث والأسباب لقيام الدعوة الإصلاحية لها ما يقتضيها من النواحي الشرعية والموضوعية والتاريخية المعقولة والعادلة، بل هي أسباب ملحة لقيامها، وحين قامت الدعوة استهدفت علاجها، فكانت النتائج والثمار قيمة وإيجابية ومحمودة.

الانتشار بالإقناع وليس بالإخضاع:
لقد سلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة في سبيل نشر الدعوة، حتى بعد قيام الدولة السعودية، عدة طرق ووسائل سلمية، منها: أسلوب (الوعظ والتدريس)، وأسلوب (الخطابة) لبيان مبادئ الدعوة، وأسلوب (الرسائل) المكتوبة بين علماء هذه الدعوة وبين أهل البلدان المختلفة داخل الجزيرة العربية وخارجها، وأسلوب (المناظرات) مع علماء تلك البلدان، وأسلوب (تأليف الكتب) التي تبحث في حقيقة الدعوة.
وعلى الرغم من المعوقات فقد تجمع للدعوة عوامل إيجابية ساهمت في نشوء الدعوة ليس في الجزيرة العربية فحسب بل خارجها في آسيا وأفريقيا، وكان قيام الدولة السعودية أكبر نجاح للدعوة ساهم إلى حد كبير في نشرها في بقية أجزاء الجزيرة العربية ثم في خارجها، وامتد تأثيرها من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً.
لقد كانت طبيعة مبادئ الدعوة أهم عوامل انتشارها، فهي مبادئ واضحة المعالم، سهلة الفهم، تناسب الفطرة السليمة، بعيدة عن التعقيدات والأمور الفلسفة، بل هي مبادئ مأخوذة من الكتاب والسنة، إنها دعوة إلى الإسلام الخالص من الشركيات والبدع والخرافات.
ولقد كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب استجابة طبيعية لتدهور أوضاع المسلمين بانتشار الشركيات والبدع والخرافات بين المسلمين، إضافة إلى ما صاحب ذلك من ضعف سياسي وتخلف اقتصادي، وتقهقر اجتماعي، كل ذلك هيأ قبولها والاستجابة لها في كثير من المناطق الإسلامية، فالمصلحون والدعاة الذين تبنوها وجدوا نفوساً مهيأة لتقبلها، وآذاناً مفتوحة، كما وجدوا في الناس من يساندهم ويقف بجانبهم.
ومن المعروف أن الأسلوب السلمي كان السمة الغالبة على أكثر الدعوات التي تأثرت بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وذلك التزاماً بأسلوب الدعوة القائم على منهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما جاء في القرآن الكريم، وقد سارت على هذا الأسلوب جميع الدعوات المتأثرة بها في آسيا وأفريقيا، فالصبغة العامة لهذه الدعوات هي اتباع الأسلوب السلمي في أكثر الأحوال، ولهذا وُجد لدعواتهم قبول في المناطق التي ظهرت فيها، حتى بعد أن صارت بدون سلطة سياسية، فحينما تغلبت جيوش الاستعمار على قوة أتباع الدعوة في الكثير من الأقطار الإسلامية المتأثرة بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يكن ذلك نهاية لدعوتهم، بل استمر انتشار تلك الدعوات سلمياً في تلك البلاد ونجحت في ذلك إلى حد كبير، وظهر ذلك عند أتباع الدعوة في إندونيسيا وفي الهند وفي الصين وفي تركستان الغربية، وكذا الحال في ليبيا وفي الجزائر وفي غرب أفريقيا وغيرها.

آثار انتشار الدعوة في العالم الإسلامي:
يدرك الباحث المنصف صفاء دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وصدقها، واعتمادها على أسلوب الإقناع، إذا عرف اتساع تأثيرها من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً على الرغم من أنها انطلقت من قرية صغيرة في عمق الصحراء في الجزيرة العربية، وهي قرية (الدرعية)، فمن هذه القرية التي كانت خاملة لا يعرفها سوى سكانها ومجاوريهم انطلق ذلك الشعاع الباهر، وتأسّست به دولة مترامية الأطراف، فكانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب أشبه بضوء غامر أشرق في جوف ليل حالك الظلام، والناس فيه نيام، فإذا به يوقظ النائمين في المجتمع الإسلامي كله، ففتح الناس أعينهم على هذه الدعوة المباركة، ووجدوا فيها ما هم بأمس الحاجة إليه لإعادتهم إلى صفاء الإسلام ويقظة العقل وتوقد الوجدان.
ويمكن القول: إنه كان لانتشار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في أرجاء العالم الإسلامي في القرنين الماضيين آثار متعددة دينية وسياسية وثقافية، والباحث المنصف لا يستطيع إغفال دور هذه الدعوة في تلك الأمور بعد أن ينظر في حال المجتمع الإسلامي قبل الدعوة ثم ينظر إليه بعد الدعوة فيتضح له أثر الدعوة في تلك المجالات الدينية والسياسية والثقافية.
فمن الناحية الدينية: كان لهذه الدعوة دور كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح والعقيدة الصحيحة بين المسلمين في المناطق التي دخلتها، فمنذ بزوغ شمس هذه الدعوة وهي تحاول بشتى الوسائل عودة المسلمين إلى أصول إسلامهم الصحيح؛ لأن هذا أساس هام لحياتهم حياة عزيزة كريمة، ومن الملاحظ أن أحوال ظهور هذه الدعوة في أي بلد إسلامي كانت متشابهة إلى حد بعيد من حيث انتشار الخرافات والبدع والشركيات واختلاطها مع أمور العقيدة الإسلامية الصحيحة.
كما لا يخفى أثر انتشار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على اليقظة الثقافية والفكرية في العالم الإسلامي، وذلك بالنشاط العلمي الذي برزت آثاره عن طريق ما يقع بين أنصار الدعوة وخصومها من مماحكات ومناقشات ومناظرات ومحاولة دعم كل فريق لأقواله بالدليل والبرهان، ولقد أحدث هذا نهضة علمية وثقافية عارمة بعد الجمود الفكري والتأخر العلمي اللذين مني بهما العالم الإسلامي مدة طويلة.

تنوع الاتجاهات الإسلامية:
تلتزم المملكة العربية السعودية بالإسلام، وتتبع المذهب الحنبلي وهو أحد المذاهب الفقهية الكبرى في الإسلام، فالإمام محمد بن عبد الوهاب ليس صاحب مذهب مستقل بل هو من أتباع الإمام أحمد بن حنبل، فالسعودية تتبع المذهب الحنبلي مثلما أن تركيا – مثلاً – تتبع المذهب الحنفي، ومثلما أن المملكة المغربية تتبع المذهب المالكي، واليمن تتبع المذهب الشافعي، وهذه الانتماءات محصورة بالفروع والمسائل الفقهية الاجتهادية، أما أصول العقيدة فواحدة.
إن الإسلام يعطي مساحة واسعة للتعددية داخل إطاره العام، وقد سمحت هذه المساحة الواسعة بتكوين مذاهب فقهية عديدة داخل الإسلام يعترف بعضها بمشروعية بعض ويستقي بعضها من بعض في زمالة حميمة تتبادل الاحترام كما تتبادل المعرفة، ولا يدعي أيٌّ منها أن قوله هو القول الفصل، وإنما كلٌّ منها بادعاء ا لعصمة لأي صاحب مذهب، وتؤمن كلها بأن اجتهاداتها معرَّضة للخطأ الذي هو من صميم الطبيعة البشرية، وهم بذلك يؤمنون بالإرشاد النبوي الكريم الذي يؤكد بأن كل الناس خطّاؤون، وبأن خير الخطائين التوابون، وبأن الإنسان مأجور بأجرين إذا أصاب، ومأجور بأجر واحد إذا اجتهد وأخطأ، وبأن الله يعفو عن الخطأ والنسيان وعما استُكره عليه الإنسان.
كما أن المسلمين يتحرّكون في فضاء واسع من القيم تتيح ا لعديد من الخيارات مما أدى إلى تنوع الاهتمامات وتفاوت الأولويات بين الاتجاهات الإسلامية، فاختلافاتها ناتجة عن الاختلاف في الترتيب، فما يراه هذا الفريق ذا أولوية قد يراه فريق آخر ليس كذلك، وإنما يرى أعمالاً أخرى أجدر بالاهتمام وأحق بالأولوية، فهم وإن اتفقوا على أهمية كل هذه القيم فإنهم يختلفون في مكانها من سُلَّم القيم، وأيها أكثر أهمية وفقاً للاختلاف في رؤية وتقييم الأوضاع والإمكانات، وهذا التفاوت في ترتيب الأولويات يسمح لفريق من المسلمين أن يركزوا الاهتمام على بعض الأولويات، بينما تكون مجموعات أخرى ذات اهتمامات مختلفة فتركَّز جهدها على مجالات لا يهتم بها الفريق الآخر، كما أن هذا الفضاء الرحب يعطي مجالاً آخر للتعددية في فهم النص الديني (قرآناً وسنة) ضمن أصول وضوابط دقيقة ومتقنة، ومن هنا نشأت مجموعات متنوعة الاهتمامات ومتفاوتة الأوليات.

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب: التقويم الجائر:
إن من السوء أن يوصف الشيء بعكس طبيعته، وأن يُقوّم نقيض حقيقته، وذلك ما حصل ويحصل الآن لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التي انتشرت في جزيرة العرب، وعم نفعها بلاد العالم الإسلامي، وانعكست آثارها على الأمن والسلام في المنطقة، وعلى الإنسانية خارجها.
لقد تأسست دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على مبادئ الإصلاح الديني والأخلاقي، في ضوء منهج الخالق الذي يعلم ما يصلح للخلق، فكان من ثمارها أن قضت على إرهاب الأفراد والقبائل، وأقامت بمؤازرة من السلطة السياسية السعودية نظاماً أقر السلم بدل الاقتتال، وأشاعت الوئام بعد الخصام، لقد كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بمبادئها وإجراءاتها نقلة حضارية هائلة أقامت من القبائل المتناحرة مجتمعاً متحضراً يسوده الإخاء والنظام.
لكن الذي يبدو في التراث الثقافي الغربي وما تقدمه وسائل الإعلام في الغرب لا يعكس حقيقة هذه الدعوة الإصلاحية، بل إنها من القضايا التي طالها التشويه المبني على معلومات خاطئة عن حقيقة هذه الدعوة، وهي معلومات تستقي مادتها من تراث المستشرقين المشوه لتاريخ الإسلام الحديث في الجزيرة العربية أو من وسائل الإعلام التي لا تكلف نفسها عناء البحث عن الحقيقة، والذي يظهر الآن أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في نظر الغرب، وبخاصة في الولايات المتحدة، ارتبطت ظلماً بالغلو والتطرف، فتنظيم القاعدة حسب زعم بعضهم من نتاج دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وعندما تحاكم إندونيسيا (أبو بكر باعشير) يقول عنه الغرب بلا دليل: إنه وهابي، وعندما تحاكم الحكومة اللبنانية جماعة (الظَّنِّية) بالقرب من طرابلس يصفهم الغرب بأنهم وهابيون، وكل تنظيم مسلح ينسب إلى دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وكل اتجاه إسلامي منظم يقولون: إنه متأثر بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهكذا.
ونريد أن نقول للغرب: إن قِلَّة من المسلمين هي التي تنتمي إلى اتجاهات تنظيمية، أما أكثر المسلمين فيلتزمون بالإسلام دون أي انتماء حزبي أو تنظيمي، وحتى التنظيمات فإن الكثير منها ذو اتجاهات دعوية محضة أو إغاثية خالصة، أما التنظيمات ذات النشاط السياسي المحض فهي قليلة بين المسلمين، فأكثر الاتجاهات الإسلامية تقتصر نشاطاتها على غرس التقوى الفردية ونشر الإخاء والمحبة ولا تهتم بتاتاً بالجوانب السياسية، وهناك اتجاهات ذات طابع مؤسسي، وأحياناً ذات طابع تنظيمي في العالم الإسلامي، ولم تكن هذه التنظيمات جديدة على حياة المسلمين ولا مستنكرة في العالم، وكثير من هذه المجموعات لها نشاط معلن منذ عقود طويلة في كثير من الدول الأوربية والولايات المتحدة، ولها سجل مشرف في احترام النظام والأخلاق.

(*) عن كتاب (خطاب إلى الغرب رؤية من السعودية)، ص112-ص134،
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-13-2010, 08:30 PM
فتى الصحراء فتى الصحراء غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

ونريد أن نقول للغرب: إن قِلَّة من المسلمين هي التي تنتمي إلى اتجاهات تنظيمية، أما أكثر المسلمين فيلتزمون بالإسلام دون أي انتماء حزبي أو تنظيمي،


بل قل انهم ينتمون الى التخاذل والجبن والخور والضعف
فاين عزة المسلمين
فلسطين والعراق ولبنان والشيشان وافغانستان وتركستان
وكشمير وغيرها من البلدان الاسلامية
اين هم من الذل والعار
اين هم من العفيفات التي انتهكت اعراضهم
جورج بوش ابان حكمه يقصف اخواننا
في العراق وافغانستان وحكام المسلمين
يستقبلونه في المطارات بالورد والزهور
وايضا اوباما
لا تصدعوا رؤؤسنا ،، افرادتنظيم القاعدة ,, وان كانت هناك اخطاء
اقل ما في الامر انهم قاموا , وجاهدوا منهم من قتل ومنهم من اسر
ومنهم من جرح ،، فاين نحن منهم
هل جاهدنا ,,, هل حتى دعينا للمجاهدين في سبيل الله بالنصر !!
نحن بضاعة كلام لا اقل ولا اكثر
بالامس صورور رسولنا في ابشع الصور
اسالكم بالله ماذا قدمنا !!؟
حتى ما استطعنا ان نقاطع الالبان النماركية
والذي فيه خير مننا ، قاطعها اسبوع او اثنين , وكما يقال عادت حليمة الى عادتها القديمة
والكلام في الموضوع كثير
وهذه قطرة من يم

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-15-2010, 01:08 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي اثر دعوة الشيخ فى الداخل والخارج

أثر دعوة الشيخ في البلاد النجدية

العلامة الشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي

1. قضت هذه الدعوة المباركة،قضاءاً تاماً ،على ما كان شائعاً في ((نجد)) من الخرافات،وما كان شائعاً من تعظيم القبور والنذر لها،والاعتقاد في بعض الأشجار ، وأحيت معالم الشريعة بعد اندثارها.
2. إن أهل نجد ، قد رجعوا إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك والوثنية،كما رجعوا إلى الكتاب والسنة المطهرة ، وحكموها في جليل الأمور وحقيرها.
3. كانوا متفرقين ، لا تجمعهم رابطة ،ولا يجمعهم حكم شرعي ، ولا قانوني ، بل كانوا مختلفين ومتفرقين ، في المشارب والمنازعات .
فوحدت هذه الدعوة كلمتهم ، وجمعت شملهم ، وجعلتهم تحت راية واحدة وأخضعتهم لسلطان واحد ، يسوسهم بكتاب الله المجيد ، وسنة رسوله .
4. كانوا في نهاية من الجهل والغباوة ، إلى حد أن اعتقدوا في الأشجار والغيران .
فنشرت الدعوة فيهم ، علوم الشريعة المطهرة وآلاتها ، من التفسير ، والحديث ، والتوحيد، والفقه والسير ،والتواريخ، والنحو ، وما إلى ذلك من العلوم
وأصبحت الدرعية ، كعبة العلوم والمعارف ، يفد إليها طلاب العلوم من سائر النواحي من أرجاء نجد ،واليمن ، والحجاز ، والخليج العربي ، وانتشر العلم في جميع الطبقات ، حتى قال المؤرخين : أصبح الراعي يرعى المواشي في الفيافي ، ولوح التعليم في عنقه .
حتى من قوة انتشار العلم وسريانه ، ظهر العلماء الراسخون ،وألفوا الكتب القيمة في مختلف العلوم ، بعد ذلك الجهل العظيم الذي خيم على أرجاء نجد وتركها تتخبط في دياجير الظلمات والأوهام .
5. انتشر الأمن في جميع أرجاء نجد ، حتى كان الماشي والراكب ، يمشي المسافات الطويلة ، ذات الليالي والأيام، لا يخاف إلا الله ، ولو كان عنده من الأموال ما تنوء بحملها عصبة من الرجال .
6. لم تكن نجد معروفة لدى الأمم، وكانت حقيرة وليس لها حساب ولا ميزان،ولا قيمة ، ولم يكن لها ملك،ولا حاكم معروف ، ما عدا بعض الأمراء الصغار الذين كانوا يحكمون قرية أو قريتين . فأصبحت نجد ببركة هذه الدعوة مملكة موحدة طار صيتها في الآفاق ،ووضعت في صف الأمم .
وكانت الدولة إذ ذاك الدولة العثمانية ، حسبت لها ألف حساب وحساب وخافت على سلطتها وسيطرتها من هذه الدولة السعودية المباركة ، حتى جرت الجيوش الجرارة لمحاربتها ، وإماتتها.
7. إنه بقي من آثارها ، هذه الدولة السعودية الحاضرة الممتد سلطانها من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً .
دولة الكتاب والسنة والتوحيد النقي ، دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دولة نشرت العدل والأمن والسلام .
دولة عززت من مركز العلم ، وقامت بنشره بين جميع أفراد الرعية ، وكل من يفد إليها .
فأسست المعاهد العلمية والكليات ، والمدارس وأنفقت الأموال الطائلة للمدرسين والدارسين ، سواء كانوا من الوطنيين ، أو غيرهم .
دولة تمثل الصدر الأول والسلف الصالح ، في أحكامها وهيمنتها على الأخلاق ، وتحكيمها للكتاب والسنة.
دولة تسهر على مصالح الرعية ، وتعمل لرفاهية الشعب ومحاربة الفقر ، ورفع مستوى المعيشة ، كما تسهر على راحة الحجاج ، وبذل جميع الوسائل لرفاهية الحجاج ، وتذليل جميع العقبات أمامهم ، وترغيبهم في العودة المرة بعد المرة ، إلى الحج بيت الله الحرام ، وزيارة المسجد النبوي ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام .
وبالجملة فهي أحسن الدول العربية في تحكيم الشرع ، ونشر الأمن والعدل والعلم ، ومحاربة أهل البدع والضلال ، والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين بالأخلاق ، والمنتهكين الحرمات .أيدها الله ، ووفقها للخير والنفع العام .

اثر الدعوة فى الخارج
انتشرت دعوة الشيخ في الخارج نجد من أجل استيلاء الدولة السعودية على مكة المكرمة سنة 1218هـ وأصبح حجاج البلاد الإسلامية يفدون إلى مكة المكرمة ويشاهدون علماء هذه الدعوة الحقة، ويستمعون خطبهم ومواعظهم وإرشاداتهم السديد وتوجيهاتهم القيمة ، كما شاهدوا سيرة الدولة السعودية إذ ذاك ، وما هي عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة ، ونشر الأمن والعدل والإنصاف .
فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ ، فأخذ ينشر في بلاده التوحيد ، ويحارب الخرافات الشائعات في بلاده ، كما قام بضد القبوريين ، والداعين إلى تقديس القبور ، وبناء القباب عليها .
فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى السودان في إفريقيا وسومطرة ، في آسيا والهند .
كما انتشرت في العراق والشام ومصر والجزائر وجاوة ، وعمان ، وفارس .
وكان هدف رعاتها في كل مكان تحل به ، هو محاربة الفساد ، والقضاء على البدع والخرافات،وتصحيح العقيدة الدينية .
فقامت الثورات على يد دعاة الوهابيين ، ضد الأوضاع السائدة في البلاد .
أما في السودان فقد كان الداعية هو الشيخ عثمان بن فودى ، أحد أفراد قبيلة الفولا ، وهي من قبائل رعاة السودانيين ، فإنه بعد التقائه بعلماء الدعوة في موسم الحج ، وبعد اعتناقه المبادئ التي دعا إليها الشيخ – عاد إلى بلاده وأخذ يحارب البدع الشائعة بين عشيرته وقومه ، ويعمل للقضاء على بقايا الوثنية وعبادة الأموات التي كانت لا تزال مختلطة بالعقيدة الإسلامية ، في نفوس السودانيين ، وأخذ ينشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة ، ويذيع مبادئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فاستطاع أن يجمع حوله ، قبيلته في وحدة متماسكة ،مرتبطة برباط الدين المتين ،بعد أن كانت منقسمة إلى عدة وحدات ضعيفة متخاذلة .
وبعد ابتدأ حروبه سنة 1802م ضد قبائل الهوسا الوثنية ، وقضى على مملكة غبر ، التي كانت على مجرى نهر النيجر .
وما مضت سنتان ، حتى أقام عثمان مملكة ( سوكوتو ) في السودان على أساس من الدعوة الدينية الوهابية ، ومدت رواقها على جميع الأقطار الواقعة بين ( تمبكتو ) وبحيرة ( تشاد) ، وبقيت محافظة على استقلالها ووحدتها نحو القرن ، حتى استطاع الاستعمار الأوربي ، أن يقضي على ما كان لها من استقلال ووحدة .
وكما غزت الدعوة الوهابية السودان ، وكذلك غزت الدعوة بعض المقاطعات الهندية ، بواسطة أحد الحجاج الهنود ، وهو السيد أحمد .
وقد كان الرجل من أمراء الهند ، وذهب إلى الحجاز ، لأداء فريضة الحج بعد أن اعتنق الإسلام ، سنة 1816م.
فلما التقى بالوهابيين ، في مكة اقتنع بصحة ما يدعون إليه ، وأصبح من دعاة المذهب الذين تملكهم الإيمان ، وسيطرت عليهم العقيدة .
ولما عاد سنة 1820م – إلى وطنه في الهند بجهة البنغال ، وجد ميداناً صالحاً للدعوة ، بين سكان المنطقة من الهنود المسلمين ، الذين ،اختلطت عقائدهم وتقاليدهم الدينية ،بالكثير من عقائد الهندوس وعوائدهم.
فابتدأ الدعوة في مدينة (بتين ) ودعا إخوانه المسلمين ليؤمنوا بمبادئ الإسلام الصحيحة ، ويتركوا البدع والعقائد الهندوسية ، التي كانت شائعة بينهم وبعد مرحلة من الجهاد ، استطاع هؤلاء المسلمون الوهابيون أن يقيموا الدعوة الإسلامية على أساس من المبادئ الوهابية ، بجهة البنجاب ، تحت حكم الداعية ، السيد أحمد .
ولم تلبث هذه الدولة طويلاً،حتى قضى عليها الاستعمار الإنكليزي،في العقد الرابع من القرن التاسع عشر
ولكن الدعوة الوهابية ، ظلت قائمة هناك على يد خلفاء السيد أحمد من بعده ولم يستطيع المستعمرون أن ينالوا منها .
ولا يزال الكثيرون من سكان هذه المناطق ، يدينون بالإسلام على المذهب الوهابي .
وفي سومطرة ابتدأت الدعوة الوهابية سنة 1803م على يد أحد الحجاج من أهل الجزيرة ، وكان قد عاد من الحج في نفس السنة ، بعد أن التقى بالوهابيين واطلع على صحة ما يدعون إليه .
فلما عاد إلى وطنه ، ابتدأ دعوته ، ثم تطورت الحركة إلى حروب طاحنة ، بين المسلمين الوهابيين الذين أصبحوا قوة كبيرة في سومطرة ، وبين غير المسلمين من سكانها الأصليين ، حتى رأت حكومة الاستعمار الهولندية سنة 1821م أن تناهض هذه الحركة القوية محافظة على كيانها ونفوذها هناك .
واستمرت المناوشات والحروب بين المستعمرين الهولنديين ، وبين السومطرين الوهابيين ، ما لا يقل عن ستة عشر عاماً .
ثم انتهت بتغلب قوى الاستعمار على القائمين بحركة الوهابية .
كذلك الحركة السنوسية ، التي ابتدأت في الجزائر أواسط القرن التاسع عشر ثم غزت طرابلس بعد ذلك ، وانتشرت في شمال أفريقيا ، ثم مدت رواقها نحو الجنوب ، فتمكنت في السودان هذه الحركة السنوسية ، التي ناهضت الاستعمار في كل مكان ، والتي كانت ولا زالت مدرسة تربية وتهذيب للشعب السنوسي ، قد تأثرت بالدعوة الوهابية في اساسها .
فالسيد محمد على السنوسي ، مؤسس الحركة السنوسية ، كان في مكة يطلب العلم ، وقت استيلاء الوهابيين عليها .
فعاشرهم ، وتتلمذ على علمائهم ، وتأثر بمذهبهم .
ثم عاد إلى الجزائر ، وابتدأ حركته الإصلاحية ، على ضوء تعاليم الإصلاح الدينية الإسلامية ، التي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب انتهى بحذف واختصار .
وكما انتشرت في الجزائر بواسطة الدعوة السنوسية ، فقد انتشرت هذه الدعوة المباركة بحضرموت ، وجاوة ، بواسطة السيد محمد رشيد رضا ، وتأليفه جمعية الإرشاد الداعية هناك إلى الكتاب والسنة ، ونبذ البدع والخرافات ، طبق مبادئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
وقد تأثر فيها كثيرون . بحضرموت ، وعدن ، وجاوة ، كما هو معروف .
وبالجملة ، فقد كان لهذه الدعوة أثر عظيم خطير .في العالم الإسلامي من نواح مختلفة ، وكانت الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله تأثر بها زعماء الإصلاح في سائر الأقطار الإسلامية .
وكل الحركات الإصلاحية ، مدينة للدعوة الوهابية .
ويمكن تحديد الصلة بينها وبين كل من هذه الحركات،أما عن طريق الاقتباس،أو المحاكاة ،أو مجرد التأثر .


المصدر كتاب : الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-16-2010, 12:34 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مفتريات وشبهات ألصقت بدعوة الشيخ
3- فرية إنكار كرامات الأولياء



نتحدث - في هذا الفصل - عما أورده بعض المناوئين لهذه الدعوة السلفية من إفك مبين وكذب عظيم، حيث بهتوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - كعادتهم - وافتروا عليها بأنها تنكر كرامات الأولياء.
وسنورد - كما فعلنا في الفصلين السابقين - تمهيداً يتضمن بعض النصوص التي اخترناها من كلام أئمة الدعوة وأنصارها، والتي تبين وضوح موقفهم من كرامات الأولياء..، وأنهم يثبتونها ويقرون بها..، كما كان يثبتها ويقررها إخوانهم من قبلهم من أهل القرون المفضلة ومن تبعهم..
وعقب هذا التمهيد ننقل افتراء الخصوم في ذلك - كما جاء مدوناً في كتبهم - ونعرض لما تضمنته تلك النقول من عناصر وأفكار..
ثم نتبع – تلك الفرية – بالدحض والرد، مما كتبه أئمة الدعوة وأنصارها، وبما سطروه من أدلة ساطعة وحجج دامغة لتلك الفرية الكاذبة الخاطئة.
يقرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – إثباته لكرامات الأولياء، فيقول بكل صراحة ووضوح :
(وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله) (1).
ويقول أيضاً:
(وقوله: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } (2) إلى آخره. هذا وحي إلهام، ففيه إثبات كرامات الأولياء) (3).
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الواجب في حق أولياء الله الصالحين فيقول: (.. الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين) (4).
ويؤكد أتباع الدعوة – من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – هذا الاعتقاد ويقررونه.
فنجد أن الإمام عبد العزيز الأول يشير إلى حقوق أولياء الله، مع بيان الفرق بين الولي الحق، وبين مدعي الولاية – كذباً وزوراً – فقال رحمه الله:
(وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم، ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو عز وجل، فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس.
هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين كظهور اتباع سنة وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل، وليس شكلاً مخصوصاً وجمع الطبول والبيارق، وأكل أموال عباد الله ظلماً وادعاءاً، ورغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأحكام شرعه)(1).
وبين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بعضاً من حقوق الأولياء.. لكن دون الغلو فيهم فيقول رحمه الله:
(ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم، مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات، لا حال الحياة، ولا بعد الممات بل يطلب من أحدهم الدعاء في حالة حياته، بل ومن كل مسلم) (2).
وينص الشيخ عبد العزيز الحصين على ما قرره أسلافه فيقول – بياناً لحق الأولياء -:
وحق أوليائه محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكرامتهم، لا عبادتهم ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تبارك وتعالى ويدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه أو رفعه إلا الله، لأنه عبادة مختصة بجلاله سبحانه..) (3).
وقد سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن كرامات الأولياء، فأجاب على ذلك فكان مما قاله:
(مسئلة: كرامات الأولياء حق، فهل تنتهي إلى إحياء الموتى وغيرها من المعجزات ؟.
(الجواب: كرامات الأولياء حق عند أهل السنة والجماعة، والولي أعطي الكرامة ببركة اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا تظهر حقيقة الكرامة عليه، إلا إذا كان داعياً لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم بريئاً من كل بدعة وانحراف عن شريعته صلى الله عليه وسلم، فببركة اتباعه يؤيده الله تعالى بملائكته وبروح منه..) (4).
ويشير محمود شكري الألوسي – رحمه الله – إلى وجوب الإيمان بكرامات الأولياء، فيقول:
(وأما الجواب عن مسألة الكرامات فيقال: إن كرامات الأولياء حق لا شبهة فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة، ولشيخ الإسلام قدّس الله روحه كتاب جليل في ذلك سماه الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن)(5).
ويوضح الشيخ سليمان بن سحمان معتقدهم في كرامات الأولياء، فيقول في كتابه (الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد):
(واعلم أننا لا ننكر الكرامات التي تحصل لأولياء الله، إذا صدرت على القانون المرضي والميزان الشرعي، فإن أولياء الله هم المتقون المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيفعلون ما أمر به، وينتهون عمّا نهى وزجر.. فيؤيدهم الله بملائكته وروح منه ،ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين..)(6).
ويقول ابن سحمان في قصيدته (عقود الجواهر واللئالي في معارضة بدء الأمالي)، حيث تحدث عن كرامات الأولياء، وبيّن أن خوارق العادات إما أن تكون أحوالا شيطانية، أو كرامات فقال رحمه الله:
وكل كرامة ثبتت بحق *** فحق للوليّ بلا اختلال
نوال من كريم حيث كانوا *** بطاعة ربهم أهل انفعال
وليس لهم نوال أو حباء *** لمن يدعوهمو من كل عال
وإن الخرق للعادات فاعلم *** على نوعين واضحة المثال
فنوع من شياطين غواه *** لمن والاهمو من ذي الخيال
ونوع وهو ما قد كان يجري *** لأهل الخير من أهل الكمال
من الرحمن تكرمة وفضلا *** لشخص ذي تقى سامي المعالي
ولكن ليس يوجب أن سيدعى *** ويرجى أو يخاف بكل حال
فما في العقل ما يقضي بهذا *** ولا في الشرع يا أهل الوبال (1)

ونختم هذه النقول النفيسة بما أورده الشيخ عبد الله بن بلهيد – رحمه الله – في خطابه الذي ألقاه أثناء الاجتماع بين علماء نجد وعلماء مكة المكرمة، فقال – ذاكرا حقوق أولياء الله -:
(وكذلك أولياء الله تجب محبتهم، والإقرار بفضائلهم على اختلاف مراتبهم، وما يجريه الله على أيديهم من الكرامات، وخوارق العادات، ولا ينكر كرامات الأولياء إلى أهل الله، لكن يجب أن يفرق بين أولياء الله وغيرهم فإن أولياء الله هم المتقون العاملون لله بطاعته، كما قال تعالى في وصفهم { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون..) (2)
فمن كان مؤمناً تقيا كان لله ولياً ليس إلا..) (3)
من خلال هذه النقول نلاحظ أنها متفقة على إثبات كرامات الأولياء، والإقرار بها، ومتفقة على وجوب محبتهم والاعتراف بفضائلهم ومناقبهم. كما أنها توضح أن الولي لله – حقاً – هو من كان مؤمناً متبعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فليست الولاية مجرد لبس زيّ مخصوص، وإسبال الإزار، وإطالة السبحة، ومد اليد للتقبيل، مع ترك اتباع السنة النبوية..
وهذه النقول تؤكد النهي عن الغلو في الأولياء، فلا يجوز صرف شيء مما يستحقه الله تعالى لهم، فحق الأولياء هو المحبة والتقدير وإثبات الكرامات لهم فلا جفاء في حقهم وليس من حقهم أن تصرف بعض أنواع العبادة – التي يجب أن تكون لله وحده – لهم، فلا غلو في قدرهم
فاختار أئمة الدعوة –بهذا المسلك – دين الله الذي هو وسط بين طرفي في الغلو والجفاء.
ننتقل – بعد ذلك التمهيد – إلى ما افتراه المناوئون وسودوا به الصحائف من قذف الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بفرية إنكار كرامات الأولياء، وسنورد أقوالهم – كما جاءت مسطورة في كتبهم -، ثم نعرض لهذه النقول بنظرة سريعة فيما احتوته من قضايا وأفكار.
يزعم علوي الحداد في مصباحه أن إنكار كرامات الأولياء من جملة هذيان الشيخ ابن عبد الوهاب، فيقول الحداد:
(ومن جملة هذيانه أيضاً إنكاره كرامات الأولياء وما خصهم الله به من الخصوصيات والأسرار والبركات) (1).
ويقول علوي الحداد أيضاً – حين ذكر ما أسماه بضلالات النجدي -:
(وأنه يرى أن الأموات لا نفع منهم للحي وأنه لا كرامة لهم.. وأن من مات انقطعت كرامته، حتى أدخل على العوام الشبه، والنزاع منه في ذلك مكابرة فيما هو معلوم بالتواتر، وأيضاً إذا أقر بكرامات الأحياء، فهم أجمعوا بل وأخبروا بوقائع بينهم وبين الأموات، فتكذيبه في حق الأموات تعدي لتكذيبه للأحياء فهو مكذبها معاً..) (2).
ويدعي عمر المحجوب في رسالته – رداً على الشيخ محمد بن عبد الوهاب – هذه الفرية فيقول:
(كما أنه يلوح من كتابك إنكار كرامات الأولياء وعدم نفع الدعاء وكلها عقائد عن السنة زائغة وعن الطريق المستقيم رائغة) (3).
ويتلقف اللكنهوري هذه الفرية، فيزعم في أحد أبواب كتابه المسمى (كشف النقاب):
(الباب الثالث: عقيدته في الأولياء والصالحين كان منكراً لكرامتهم وزيارتهم وقد بينه هو وأتباعه ببينات طويلة لا طائل تحتها، ونحن ننقل بعض عباراته في هذا المقام ليكون الناظر على بصيرة من نفثات لسانه) (4).
ومما كتبه بن سليمان بن جرجيس عن الغلو في الأولياء، قوله:
(ولما كان يحصل من التوسل والتشفع بالأنبياء والأولياء إنما هو من طريق الكرامة مع كونهم متسببين في دار برزخهم فالولي ما دام لم يصل إلى الآخرة، وهي ما بعد القيامة فهو بدار دنيا، فتكون كراماته موجودة) (5).
ويتوصل إبراهيم السمنودي في كتابه (سعادة الدارين) إلى فهم أعوج، وقصد سيء حين جعل ما ذكره أئمة الدعوة من انقطاع عمل الميت وعدم قدرته، إلى أنهم يقصدون بذلك إنكار كرامات الأولياء، فقال:
(وأما قول المنكرين للتوسل أن الميت لا يقدر على شيء أصلا ً إلى آخره مازعموه فيقصدون به إنكار كرامات الأولياء، وما ثبت في تصرفهم كالأنبياء والشهداء بعد موتهم لعدم الكرامة فيما بينهم، وذلك أدل دليل على أنهم بدعة كالمعتزلة المنكرين لها)(6).
ويقول حسن الشطي في رسالته (النقول الشرعية):
(وكرامات الأولياء حق، وأنكر الإمام أحمد من أنكرها وضلله، والحاصل أن علماء الحنابلة كغيرهم من أهل السنّة يجمعون على إثباتها حتى طائفة النجدية الوهابية مع غلوهم يثبتونها للأولياء، إلا أن البعض منهم يخصها بالأحياء، ولم يثبت لهم دليل التخصيص أبداً) (1).
ثم ذكر الشطي كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في مسألة كرامات الأولياء، فكان مما نقله – هذا المفتري المحرف – ما نصه:
(ولا ننكر كرامات الأو لياء، ونعترف لهم بالفضل وأنهم على هدى من ربهم. مهما ساروا على الطريقة المرضية، والقوانين الشرعية، أحياءً وأمواتاً، إلا إنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادة) ا.هـ كلامه بحروفه (2).
- ثم قال الشطي:
(فانظر إلى عبارة إمامهم المذكورة لا تجدها مخالفة لما عليه الجمهور من إثبات الحياة والكرامة للشهداء والأولياء والصالحين بعد وفاتهم كحال حياتهم … فكيف يسوغ الآن من هذه الطائفة أو من غيرهم بتخصيص الكرامة في حال الحياة وبنوا عليها تخصيص التوسل والطلب في حال الحياة فقط حتى من إمامهم المذكور، فما هو إلا من غلوهم وعنادهم وغلبة جهلهم …) (3).
ويأتي أفّاك أثيم، فيزيد على سابقيه بالكذب والبهتان وهو المدعو عثمان بن يحيى العلوي (4) حيت يقول:
(وكذا كفَّر – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – من اعتقد كرامات الأولياء) (5).
(وأنه أنكر كرامات الأولياء).
ويتبع العلوي من الإمعان في الإفك والزيادة في الإثم والبهت، ما زعمه المدعو محمد بن توفيق سوقية في رسالته (تبيين الحق والصواب) فيقول:
(وإما إ نكارهم لكرامات الأولياء الثابتة بالكتاب والسنة، فأمر لا يخفى على أدنى ممارس لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والكرامة لا تقع إلا على يد من بالغ في الاتباع للشريعة حتى بلغ الغاية، فأنى تراها الوهابية مع انحرافهم عن الجادة)(6).
ويكذب سوقية مرة أخرى فيقول:
(ولا عبرة بإنكار الوهابية للكرامات حيث لا يعدون في العير، ولا في النفير، ولا ينظر لكلامهم البتة بعد ما ثبتت الكرامات..) (7).
ويستمر في كذبه – كعادته – فيقول:
(ولما كانت الوهابية لا إمام لها في كل شيء تقوله وتدين به سوى اختراع دين جديد حباً في الظهور قالت بإنكار الكرامات.. (1).
ويقول حسن خزبك في (مقالاته):
(ومن قال بأن كرامات الأولياء لا تكون إلا في حياتهم فقط، وتزول بعد الموت فقوله غير معتد به، لأن الكرامة أمر خارق للعادة.. يظهرها الله على يد رجل صالح متمسك بدينه الحق..)(2).
ومن أواخر هؤلاء المفترين الكذّابين ممن افترى على هذه الدعوة السلفية فرية إنكار كرامات الأولياء، ما كتبه المدعو مالك بن داود في كتابه (الحقائق الإسلامية):
(من أعظم خطئهم بعد تكفير المسلمين، إنكارهم على أولياء الله وكراماتهم مع أنهم يصدقون بالاختراعات العصرية.
- ثم يقول: فهناك جماعة غير قليلة من الوهابيين ينكرون على أولياء الله وكراماتهم، ويرفضون حصول الكرامات والخوارق لهم.. ولهم في ذلك أقوال أعتذر عن حكايتها مراعاة للأدب ولعدم مناسبتها لحضرة أولياء الله تعالى..) (3).
ويجدر بنا عقب هذا النقل لمفتريات خصوم الدعوة السلفية في مسألة كرامات الأولياء - أن نلقي نظرة عابرة.. لما تضمنته تلك النقول من أفكار نوجزها بما يلي:
(1) يظهر تناقـض الخصوم واضطرابهـم في كذبهم، وافترائهم، حين زعموا أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - وكذا أتباعه وأنصاره ينكرون كرامات الأولياء، فمرة يزعمون أن هذا الإنكار لكرامات الأولياء إنما هو بالنسبة للأموات، كما هو واضح فيما كتبه علوي الحداد.
مـع أن بعــض الخصوم أقر واعترف بإثبات أئمة الدعوة لكرامات الأولياء، ومن ذلك ما كتبه محمد بن عبد المجيد بن كيران الفاسي في رسالته (الرد على بعض المبتدعة من الطائفة الوهابية) حيث يقول:
(وهذا المبتدع (4) مصرح في رسالته الكبرى بإثبات الكرامات، حيث قال الواجب عليك الإقرار بكراماتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال) (5).
ويورد محمد جواد مغنية اعترافه بإقرار أئمة الدعوة السلفية بكرامات الأولياء، ولكنه يورده مستنكراً عليهم هذا الإقرار، لأن الكرامة عنده هي الصدق والإخلاص(6)، يقول مغنية:
(ويعتقد الوهابية بكرامات الأولياء، وأن الله يجري على أيديهم خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات…) (1).
(2) يتبين مما سبق نقله -، أن هؤلاء الخصوم لا يرون أيّ فرق بين إثبات الكرامات للأحياء، بين إثباتها للأموات، فليس هناك دليل يخص الكرامة بالأحياء دون الأموات.
(3) نلاحظ ضلال الخصوم في تعريفهم الكرامة وبيان حدّها، فهم يظنون أن الكرامة فعل الولي، مع أن الكرامة في الحقيقة هي فعل الله لا فعل للولي فليس له قدرة عليها ولا تأثير.
(4) نجد هؤلاء الخصوم قد جعلوا كثيراً من الشركيات ومحدثات الأمور ضمن إثبات كرامات الأولياء، فأجازوا الاستغاثة بالأولياء – فيما لا يقدر عليه إلا الله -، ودعاؤهم بحجة أن هذا – الشرك – ضمن إثباتهم كرامات الأولياء، ومن باب محبتهم وتقديرهم. ومن أنكر هذه الشركيات فهو منكر للكرامات، ومما يدل على أن الكثير من الشركيات قد صارت ديناً وأمراً مشروعاً، لأنها ضمن الإقرار بكرامات الأولياء، ما نجده مسطوراً في كتب هؤلاء الخصوم، ونذكر على ذلك مثالين:
الأول: ما قاله القباني في (فصل الخطاب): (وإغاثة الأولياء كرامة لهم) (2).
الثاني: ما كتبه الزهاوي في فجره: (المراد بالاستغاثة بالأنبياء، والصالحين، والتوسل بهم هو أنهم أسباب ووسائل لنيل المقصود، وأن الله تعالى هو الفاعل كرامة لهم..) (3).
وتبدو هذه الأمور الأربعة ظاهرة جلية، حين نعرض لها بالرد والدحض بما كتبه أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في هذا المقام.
سنورد - في مقام الرد والدحض لفرية إنكار كرامات الأولياء - ما ذكره بعض أئمة الدعوة في رد هذه الفرية ودحضها.
ثم نشير إلى ما قالوه من عدم الاغترار بخوارق العادات عموماً، وضرورة التفريق بين الولي – حقاً – وبين مدعي الولاية – كذباً وزوراً -.
وعقب ذلك نشير إلى ما قرره علماء الدعوة في بيان حد الكرامة وتعريفها.
ثم نورد بعض الردود على ما وقع فيه الخصوم من الغلو في الأولياء وصرف شيء مما يستحقه الله إليهم.
(وقد ردّ الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – على من اتهمه بانتقاص الصالحين فكان مما قاله:
(مما ذكره المشركون عليّ أني أتكلم في الصالحين أو أنهى عن محبتهم فكل هذا كذب وبهتان افتراه عليّ الشياطين)(4).
ويقول – أيضاً – في هذا المقام:
(وأما الصالحون فهم على صلاحهم رضي الله عنهم، ولكن نقول ليس لهم شيء من الدعوة قال الله: { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } (5)) (6).
ويكذّب الشيخ سليمان بن سحمان هذه الدعوى فيقول:
(والجواب أن يقال أن هذه الدعوى دعـوى كاذبة خاطئة، فإن الشيخ رحمه الله لا ينكر كرامات الأولياء بل يثبتها ولا ينكر إلا خوارق الشيطان، فإن أوليـاء الرحمن لهم علامات يعرفون بها، فمن علامات أولياء الله محبة الله، ومحبة رسوله والتزام ما أمر الله به ورسولـه، وتقديـم ما دلّ عليه الكتاب والسنة على ما يخطر ببال أحدهم أنه كرامة …)(1).
ويقول ابن سحمان في دحض ما أورده الحداد من الحكايات في كرامات الأولياء بعد الممات:
(ذكر الملحد أحاديث وأخبار وحكايات في كرامات الأنبياء والأولياء منها ما هو صحيح مؤول وباطل مقول ؟، ومنها ما هو خرافات ومنامات وخزعبلات وحكايات لا يثبت بها حكم شرعي، ولا يدل ما صح منها من الكرامة على أنهم يدعون من دون الله أو يستغـاث بهم في الشدائد والمهمات، أو يطلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات …) (2).
ويدحض ناصر الدين الحجازي تلك الفرية بهذا الأسلوب فيقول:
(.. ثم أن كرامات الأولياء ما سمعنا من أحد إنكارها، وإذا كان ثم إنكار فإنما هو على أشياء مكذوبة لا تطابق عقلاً ولا نقلاً، وكيف ينكرها قوم يتلون كتاب الله وسنة رسوله، لكن صاحبنا أخذ يلتقط أشياء من أفواه العامة، ويسوّد به صحيفته، ومثل هذا يكون الكلام معه ضائعاً، فلا يلتفت إليه وإن أطال مهما أطال، ونحن نكلفه أن يثبت مدعاه بالنقل من كتاب موثوق به، فإن وجد شيئاً من ذلك فنحن نشاركه في الرد على المنكر، لكن على طبق الشرع وصحة النقل..) (3).
وحيث أن الإقرار سيد الأدلة، وقد أوردنا – في مقدمة هذا الفصل – من النقول عن أئمة الدعوة السلفية، وعلى رأسهم مجددها الشيخ محمد بن عبد الوهاب مما يؤكد ويقرر إثباتها لكرامات الأولياء، فلسنا بحاجة إلى زيادة – عما سبق ذكره - ردود على تلك الفرية الساقطة.
ولكن مع أن هؤلاء الأئمة – رحمهم الله تعالى – يثبتون كرامات الأولياء، إلا إنهم لا ينخدعون بكل ما هو خارق للعادة، فإن خوارق العادات كما تحصل لأولياء الرحمن، فربما تقع بعض خوارق العادات لأولياء الشيطان من السحرة والدجالين والمشعوذين، فعلامة ولي الرحمن أنه مؤمن تقي متبع لسّنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالقصد طلب الاستقامة – لا طلب الكرامة.
لذا يقول الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب – أثناء ذكره لفوائد قصة آدم مع إبليس -:
(ومنها أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بخوارق العادة، إذا لم يكن مع صاحبها استقامة على أمر الله، فإن اللعين أنظره الله، ولم يكن ذلك إلا إهانة له وشقاء له، وحكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير، فينبغي للمؤمن أن يميز بين الكرامات وغيرها، ويعلم أن الكرامة هي لزوم الاستقامة) (4).
ويبين الشيخ – أيضاً – الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيقول:
(بيان الله سبحانه لأولياء الله، وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله المنافقين والفجار، ويكفي في هذا آية في سورة آل عمران وهي قوله: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } (1) الآية، وآية في سورة المائدة وهي قوله: { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } (2) الآية، وآية في سورة يونس، وهي قوله: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } (3).
ثم صار عند أكثر من يدعي العلم وأنه من هداة الخلق وحفاظ الشرع إلى أن الأولياء لابد فيهم من ترك اتباع الرسل، ومن تبعهم فليس منهم) (4).
ويبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن من صفات أهل الجاهلية أنهم يعتقدون في خوارق السحرة أنها من كرامات الأولياء الصالحين، يقول رحمه الله:
(العشرون: اعتقادهم في مخاريق السحرة … وأمثالهم أنها من كرامات الصالحين ونسبته إلى الأنبياء كما نسبوه لسليمان عليه السلام) (5).
ويورد الشيخ عبد الظاهر أبو السمح – رحمه الله – جهل عبّاد القبور حين اعتقدوا أن الكرامات هي مجرد الخوارق فقط، فأقحموا أفعال السحرة والدجالين ضمن الكرامات، يقول أبو السمح في (الرسالة المكية):
(ومن جهل عباد القبور أنهم يعتقدون أن الكرامات هي الخوارق فقط لا أكثر ولا أقل. فهم يعتقدون كرامة كل من أظهر شيئاً خارقاً في نظرهم، وإن كان من السحرة والمشعوذين، ويعدونه ولياً، وإن لم يصم) (6).
وكما أن هناك فرقاً بين الولي الحق، وبين مدعي الولاية – كما أشرنا إلى ذلك -، فهناك – أيضاً – فرق بين حال الأولياء في حياتهم وبين حالهم بعد مماتهم، وليس كما يزعم هؤلاء الخصوم بأن أهل الكرامات حالهم في الممات كحالهم في الحياة.
لذا يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله – في الرد على داود بن جرجيس حيـن زعم أن أهل الكرامات حالهم في الممات كحالهم في الحياة، فقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وهذا يبطله ما ذكـره الله تعالى بقوله: { وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور } (7) فلم يجعلهم الله سواء بل فرق بين الأحياء والأموات، وشبّه بهم من لم ينتفع بسماع الهدى) (8).
وعقب ذلك، نورد ما قرره بعض علماء الدعوة في حدَّ الكرامة وتعريفها وسيتضح خطأ وضلال الخصوم في فهمهم لمعنى الكرامة، وترتب على ضلالهم في معناه، الكثير من الآثار السيئة والنتائج الوخيمة – كما ستظهر بوضوح حين نتحدث عما أورده بعض علماء الدعوة من الردود فيما وقع فيه الخصوم من الغلو في الأولياء – يقول الشيخ محمد بن ناصر التهامي – رحمه الله -:
(الكرامات فعل الله يكرم بها من يشاء من عباده، كما أنه سخر بعض العباد لبعض، وليس إلى المعتقد شيء من الكرامات بل هي إلى الله..)(9).
ويقول الشيخ صنع الله الحنفي الحلبي(1) في كتابه الذي ألفه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفاً في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة.
(الكرامة شيء من عند الله يكرم بها أولياءه، لا قصد لهم فيه، ولا تحدي، ولا قدرة ولا علم …)(2).
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في بيان معنى الكرامة:
(الكرامة أمر يجعله الله للعبد لا صنع للبشر فيه. فالذي أوجد الكرامة لمن شاء من عباده هو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، فإن الكرامة إنما تقع لبعض الموحدين المخلصين بسبب توحيدهم وإخلاصهم لله تعالى)(2).
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في (البراهين الإسلامية):
(والمعروف في حد الكرامة أنها خرق الله العادة لوليه من غير تحد..) (3).
ثم يوضح ذلك فيقول: (ولا يخفى أن الملحدين وعبّاد القبور القائلين بالتصرف يموهون على الناس بأن تصرف الأولياء كرامة، وأن من نفـاه فقد نفا الكرامة … وأهل الحق لا ينكرون الكرامة التي جاء بها القرآن الكريم، كما في قولـه تعالى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون } (4)، وقوله: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا }(5).. الآية.
فيثبتون خرق العادة للأولياء في بعض الأحيان، لكن ليس في هذا دليل على أنهم يتصرفون ولا تلازم بين التصرف والكرامة؛ لأن الكرامة خرق الله العادة لوليه، من غير فعل من ذاك الولي …) (6).
ويورد علامة العراق محمود شكري الآلوسي تعريف الكرامة، فيقول رحمه الله:
(كل من يذكر تعريف الكرامة وحدها يقول: هي خرق الله العادة لوليه لحكمة ومصلحة تعود عليه أو على غيره، وعلى هذا التعريف لا فعل للولي فيها، ولا إرادة، فلا تكون سبباً يقتضي دعاء من قامت به أو فعلت له، ومن أي وجه دلّت الكرامة على هذا ؟) (7).
ويؤكد الشيخ عبد الظاهر أبو السمح أن الكرامة من فعل الله، فيقول:
(الكرامات لا يملكها أحد لنفسه بل الله يكرم من يشاء من عباده بالإيمان والتقوى { ومن يهن الله فما له من مكرم } (8) …) (9).
فالكرامة – إذن – هي فعل الله، وهي خرق الله العادة لوليه، فلا فعل للولي فيها، بل هي فعل الله تعالى، وقد لا يكون طالباً لها، وإنما قصده وغايته الاستقامة والاتباع للسنة النبوية، لأن الكرامة قد تقع للمفضول دون الفاضل، لذا كانت الكرامة في عهد التابعين أكثر منها في عهد الصحابة، كما أن الكرامة قد تحصل لضعفاء الإيمان لزيادة إيمانهم(1).
لذا قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (ليست الكرامة من لوازم المنزلة وعلو الدرجة، مشى قوم فوق البحار، ومات عطشاً من هو أفضل منهم وأقوى إيماناً) (2).
لقد ترتب على خطأ وضلال هؤلاء المناوئين في تحديد وتعريف الكرامة، أنهم أقحموا – ضمن معنى الكرامة – الكثير من الكفريات والمحدثات، فجعلوا دعاء الأموات والاستغاثة بهم واتخاذ قبور الأولياء أعياداً والتوسل بالموتى والتشفع بهم، كل ذلك جعلوه ضمن كرامات الأولياء وزعموا أن ذلك هو من محبة الصالحين وتقديرهم.
ورحم الله محمود شكري الآلوسي حيث يقول:
(من الأمور التي يجب التنبيه عليها: أن من مكايد الغلاة التي كادوا بها العوام أنهم يقولون أن الاستغاثة بالأموات وندائهم في المهمات … هو من علامات محبتهم، ومن أنكر ذلك وأبى ما هنالك، فهو من المبغضين للصالحين، والمنكرين لكرامات الأولياء والصديقين، كبرت كلمة تخرج من أفواهم، فإن من أنكر تلك البدع والضلالات هم المحبون لهم، والمحافظون على هديهم وطريقتهم..) (3).
ولقد قام علماء الدعوة وأنصارها بالرد والدحض لهذا الغلو، وسنورد بعضاً من أقوالهم.
فيقول صنع الله الحلبي الحنفي في كتابه الذي ألفه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفاً في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة:
هذا وأنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفاً في حياتهم، وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليّات، وبهم تكشف المهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات، وقالوا: منهم أبدال ونقباء وأوتاد ونجباء وسبعون وسبعة وأربعون وأربعة، والقطب هو الغوث للناس، وعليه المدار بلا التباس، وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا فيهما الأجور. قال (الحلبي) وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق ومضادة الكتاب العزيز المصدق، ومخالف لعقائد الأئمة، وما اجتمعت عليه الأمة.
إلى أن قال: فأما قولهم أن للأولياء تصرفاً في حياتهم وبعد الممات، فيرده قول الله تعالى: { أإله مع الله ؟ ألا له الخلق والأمر له ملك السموات والأرض } … فهو سبحانه المنفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير ولا شيء لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه. والكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً وإحياءً وإماتةً وخلقاً.
إلى أن قال وأما القول بالتصرف بعد الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة، قال جلَّ ذكره: { إنك ميت وإنهم ميتون } (4).. وفي الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) (5) الحديث فهذا يدل على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة أو نقصان، فليس للميت تصرف في ذاته فضلاً عن غيره بحركة، وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات فهو من المغالطة، لأن الكرامة شيء من عند الله يكرم بها أولياء لا قصد لهم فيه ولا قدرة … الخ) (6).
ويدحض الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن غلو داود بن جرجيس في الأولياء حيث زعم داود (أن أرواح الصالحين تدعى وتدبر، واستدل بقوله تعالى { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} (1) وأن المفسرين - ومنهم البغوي، قالوا: رأى يعقوب عاضاً على أنملته يقول إياك وإياها، فلم يفعل، فكان يوسف في مصر، ويعقوب في الشام، فهذا نوع من الكرامة وهي سبب، والقدرة لله) (2) ا.هـ كلام داود.
فقال الشيخ عبد اللطيف في (دلائل الرسوخ) رداً عليه:
(يريد العراقي أن مثل هذا يدل على جواز دعاء الصالحين، وندائهم بالحوائج في الغيبة وبعد الممات؛ لأن هذا كرامة، والكرامة يدعى صاحبها وينادى ……
والجواب أن يقال: عبادة الله وحده لا شريك له وإفراده بالدعاء والطلب فيما لا يقدر عليه إلا هو، دلت على وجوبها الكتب السماوية، واتفقت عليها الدعوة الرسالية وهي أصل الدين وقاعدته لا يعتريها نسخ ولا تخصيص.
وهو سبحانه المختص بالخلق والرزق اللذين هما أصل المخلوقات وقوامها، فكيف يعارض هذا الأصل بمثل هذه الأوهام الضالة.
هذا لو سلم أن الكرامات سبب، وأن هذا المثال فيه إثبات الكرامة، فكيف والأمر بخلاف ذلك بإجماع أهل العلم، والمقدمات كاذبتان؛ لأن الكرامة فعل الله تعالى لا فعل للولي فيها، ولا قدرة له عليها ولا تأثير.
كما أن أكثر المفسرين على غير هذا، فمنهم من قال إن همّ يوسف من جنس الخطرات، والواردات التي لا تستقر، وليست بعزم فتركها..) (3).
ويذكر الحازمي شيئاً من هذا الغلو والابتداع عند هؤلاء الخصوم، ويجعلونه ضمن معنى الكرامة:
(وليس معنى كرامة الولي أن يبنى قبره، ويتصل بالمسجد، ويعتني به أكثر من المسجد، ويبخر وينقش جداره، وتعلق فيه الألواح المنقوشة والقناديل.. فهذه الأمور لا تسمى كرامة ولا يكرم الله عبداً بمحرم، وهذه محرمات وإضاعة مال، وتقرب إلى الله باقتراف كبائر …) (4).
ويورد عبد الظاهر أبو السمح صورة من صور ضلال من غلى في القبور، فيقول في (الرسالة المكية).
(ومن خبل عبّاد القبور، إنك إذا ذكرت الله وحده وقلت: ادعوه وحده، ولا تلتفتوا إلى سواه، اشمأزت قلوبهم، وغضبوا غضباً شديداً، وعدوا ذلك تنقصاً لأوليائهم الذين لم تثبت ولايتهم ولا بنصف دليل، ولا شبه خبر صحيح، وقالوا: ينكر الكرامات، في حين أنهم بدعاء غير الله ينتقصون ربهم، وبالتفاتهم عنه سبحانه يقعون في عارٍ كبير وظلمٍ عظيم لو فطنوا) (5).
ويقول – في موضع آخر -: (فلو فرضنا أن عدم سؤال الأولياء يستلزم عدم كرامتهم، وهو في الحقيقة لا يستلزم، فإن عدم سؤال الله يستلزم ظن السوء به جل وعلا حقيقة لا فرضاً …) (6).
وإذا نظرنا إلى كتب هؤلاء الخصوم، وما تضمنته من الغلو في الأولياء وصرف بعض أنواع العبادة – التي يجب صرفها لله وحده – لهم تحت ستار محبة الأولياء والإيمان بكرامتهم، فإنا نجد فيها من الطامات والدواهي ما لا يعد، ولا يحصى …
ونذكر أمثلة معدودة من غلوهم في الأولياء من أحد هذه الكتب، وهو كتاب(مصباح الأنام) لعلوي بن أحمد الحداد، يقول الحداد:
(قال السيد الجليل محمد بن زين بن سميط في كتابه (غاية القصد والمراد من مناقب السيد الحبيب القطب عبد الله الحداد). في الباب الرابع في ذكر الحكايات والوقائع من كراماته. حيث ذكر أن أحدهم قال: لم تأت لي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، وأنا بمكة، فرأيت النبي في المنام، فقال لي: يا عبد الله لم لا تزورنا أما علمت أن من زار السيد عبد الله الحداد تقضى له سبعون حجة، فما بالك بزيارتنا.
وذكر أن رجلاً من أهل الخطوة وصل من بلد المغرب في سبعة أيام إلى تريم لزيارة السيد عبد الله الحداد، وأمر شيخه بالمغرب لما استشاره للحج فقال له: اخرج لزيارة القطب عبد الله الحداد بالمشرق خير لك من كذا وكذا حجة، قال: فخرجت لزيارة سيد عبد الله) (1).
(وقال السكران باعلوي: في مقبرة تريم ألوف من الأولياء المتصوفون بعد موتهم كحياتهم.
ويقول السيد يوسف بن عابد الفاسي أن بعد أجداده كثر في الاعتقاد فيه قبائل المغرب، فلما دفنه أولاده من حيث لا تعلم للناس، صار كل يطلب دفنه عنده لاعتقاد كل فيه منهم، ففعل كل منهم قبراً أو قبة، وادعى كل أنه عنده، فاجتمعوا على التبيين والتحقيق ومن ظهر عنده يسلمون له ذلك، فبحثوا في كل المشاهد، فوجدوه في كلها، وذلك بمحضر عظيم، وخلائق لا يحصى لهم عدد) (2).
يظهر من هذه الأمثلة المحدودة ما كان عليه خصوم الدعوة السلفية من الغلو الشديد في الصالحين، والاعتقاد الفاسد حين زعموا أن زيارة أضرحة بعض الأولياء أفضل من حج بيت الله الحرام أضعافاً مضاعفة، وأما ما أورده الحداد من قصة ذلك الولي الذي وجد جسده بعد موته في عدة مشاهد وقباب، فهذه من كيد الشيطان لهم وتلبيسه عليهم، فلا عجب أن يتمثل بعض الشياطين على هيئة ذلك الولي الميت، فيظنّ عبّاد القبور أن هذه كرامة لذلك الولي – بعد موته – وتصرفاً له بعد موته، حين وجدوا جثته في عدة قباب وقبور، فيعتقدون فيه ويشركونه في العبادة، وعندئذٍ يتحقق مراد الشيطان (3).
قال الله تعالى:
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً. إن يدعون من دونه إلا إناثاً، وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً. لعنه الله. وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكنّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً } (3).
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-16-2010, 12:38 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ
2- الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم


لقد رمى الخصوم هذه الدعوة السلفية، ورموا أتباعها وأنصارها بفرية التجسيم والتشبيه، وما نقموا منهم إلا أنهم وصفوا الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وسنورد - كما فعلنا في الفصل الأول - بياناً كافياً يوضح معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في باب أسماء الله وصفاته، ويوضح - أيضاً - معتقد أتباعه وأنصار دعوته في هذا الباب.
وسندرك من خلال عرض سريع أن الشيخ رحمه الله، وأتباعه - من بعده - قد اعتنوا بمسألة الأسماء والصفات، وأعطوها حقها من الإيضاح والبيان.
فمع ما كانوا عليه من الانشغال والحرص التام في تقرير توحيد العبادة وبيان ما يناقصه، والاهتمام به قبل كل شيء، لأنه أول واجب على المكلف ومفتاح دعوة الرسل.
إلا إن هذا لم يشغلهم عن بيان توحيد الأسماء والصفات (2) - كما قرره علماء السلف، خاصة بعدما انتشرت هذه الدعوة الإصلاحية خارج بلاد نجد، حيث إن بلاد نجد لم تكن ظاهرة فيها الانحرافات في باب الأسماء والصفات، كما كانت الانحرافات ظاهرة ومشاهدة في باب العبادة والألوهية.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - عن حال أهل نجد في مسألة الأسماء والصفات:
(ونحن بحمد الله قد خلت ديارنا من المبتدعة أهل هذه المقالات)(3) لكن لما انتشرت الدعوة خارج بلاد نجد، احتاج الأمر إلى زيادة بيان في مبحث الأسماء والصفات، لما كان عليه غالب بلاد المسلمين من كثرة الانحراف في باب الأسماء والصفات.
كما أن هذا البيان المفصل - نوعاً ما - سيكون بمثابة الرد - ابتداء - والحجة الدامغة لفرية الخصوم الآتي ذكرها بعد هذا البيان.
وسنورد مفتريات الخصوم - كما جاءت مدونة في كتبهم أو من نقلها عنهم -، ثم نتبعها بالرد والدحض.
ونسوق في خاتمة هذا الفصل - وبإيجاز - بعض ما سطره خصوم أئمة الدعوة في بيان معتقدهم في الأسماء والصفات.
يقرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - عقيدته في باب الأسماء والصفات فيقول - بكل وضوح:-
(ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمّي له ولا كفؤ له، ولا ندَّ له ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، فنزّه سبحانه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل. فقال: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} (1).
وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود وأنه تكلّم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد رسول الله) (2).
ويقول أيضا – رحمه الله – في بيان توحيد الأسماء والصفات :
(و {قل هو الله أحد} متضمنة لما يجب إثباته له تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال صمديته وغناه وأحديته، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والمثيل، فتضمنت إثبات كل كمال، ونفي كل نقص، ونفي إثبات شبيه له، أو مثيل في كماله، ونفي مطلق الشريك…) (3).
ويثني الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله – على جده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، ثناءً حسناً، لما كان عليه من سلامة المعتقد، وتمام الاتباع للسلف الصالح في باب الأسماء والصفات، فيقول الشيخ عبد اللطيف:
(ولهذا المجدد علامة يعرفها المتوسمون، وينكرها المبطلون، أوضحها وأجلاها وأصدقها وأولاها، محبة الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلم بما كانوا عليه من أصول الدين، وقواعده المهمة التي أصلها الأصيل وأسها الأكبر الجليل معرفة الله بصفات كماله، ونعوت جلاله، وأن يوصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا تحريف ومن غير تكييف ولا تمثيل) (4).
وقد أورد صاحب (جواب الجماعة) معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في باب الأسماء والصفات فقال:
(وكان رحمه الله يعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة …، فيؤمن بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفي عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يلحد في أسمائه، وآياته، ولا يكيف، ولا يمثل صفاته بصفات خلقه …) (5).
فظهر جلياً – مما سبق ذكره – ما كان يعتقده الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في باب الأسماء والصفات، وأنه – رحمه الله – يدين الله بما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
أما عن معتقد أتباعه – من بعده – في هذا الباب، فنبتديء بما قاله الشيخ عبد الله ابن محمد بن عبد الوهاب في بيان معتقدهم، حين دخلوا مكة المكرمة سنة 1218هـ، يقول رحمه الله:
(.. مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم والأعلم والأحكم، خلافا لمن قال طريقة الخلف أعلم، وهي أنا نقرُّ آيات الصفات وأحاديثها، ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها إلى الله تعالى..) (1).
ويورد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب معتقدهم في باب الأسماء والصفات – بجواب أوسع من الجواب السابق – فيقول جواباً عن اعتقادهم في آيات الصفات:
(الذي نعتقده والذي ندين الله به، هو مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من الأئمة الأربعة، وأصحابهم رضي الله عنهم أجمعين، وهو الإيمان بذلك والإقرار به وإمراره كما جاء من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل..، ممن سبيلهم في الاعتقاد: الإيمان بصفات الله تعالى، وأسمائه التي وصف بها نفسه، وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليها، ولا نقصان منها ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها، ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ولا تشبيه بصفات المخلوقين، ولا سمات المحدثين بل أمروها (2) كما جاءت، وردوا علمها إلى قائلها، ومعناها إلى المتكلم بها صادق لا شك في صدقه، فصدقوه، ولم يعلموا حقيقة معناها(3) فسكتوا عما لم يعلموه، وأخذ ذلك الأخر عن الأول، ووصى بعضهم بعضاً بحسن الاتباع، والوقوف حيث وقف أولهم، وحذروا من التجاوز لها والعدول عن طريقهم، وبيّنوا لنا سبيلهم ومذاهبهم، وحذرونا من اتباع طريق أهل البدع والاختلاف..)(4).
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – مبيّناً ظهور توحيد الأسماء والصفات، ووضوحه عن طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول:
(ومن المحال في العقل والدين، أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب ليحكم بين الناس، فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعث من الكتاب والحكمة، وهو يدعو إلى الله، إلى سبيله بإذن ربه على بصيرة، وقد أخبر الله تعالى بأنه قد أكمل له ولأمته دينهم، وأتم عليهم نعمته، محال هذا وغيره – أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبساً مشتبهاً، ولم يميّز ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وما يجوز عليه وما يمتنع عليه فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول..)(5).
ونختم كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب موجزاً مذهب السلف الصالح فيقول في كتابه (جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والقدرية):
(مذهب السلف رحمة الله عليهم: إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وعلى هذا مضى السلف كلّهم، ولو ذهبنا نذكر ما أطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرج بنا عن المقصود في هذا الجواب)(1).
وسئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر بن معمر – رحمهم الله – عن آيات الصفات الواردة في الكتاب كقوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى } (2) وكذلك قوله: { ولتصنع على عيني}(3) وقوله: { أسمع وأرى } (4) وقوله: { بل يداه مبسوطتان } (5) وقوله: { لما خلقت بيدي } (6) وقوله: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} (7) وقوله: { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } (8) وغير ذلك في القرآن. ومن السنّة قوله صلى الله عليه وسلم: (قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن) (9) وكذلك النفس، وقوله: (إن ربكم ليضحك)(10)، وقوله: (حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط) (11) وغير ذلك مما لا يحصره هذا القرطاس. على ما تحملون هذه الآيات وهذه الأحاديث في الصفات ؟
فكان من جوابهم أن قالوا:
(الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها: ما قال الله ورسوله، وما جمع عليه سلف الأمة وأئمتها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اتبعهم بإحسان، وهو الإقرار بذلك، والإيمان من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما قال الإمام مالك لما سئل عن قوله { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى ؟ فأطرق الإمام مالك، وعلته الرحضاء – يعني العرق -، وانتظر القوم ما يجيء منه، فرفع رأسه إليه، وقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء، وأمر به فأخرج، ومن أوّل الاستواء بالاستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك، وسلك غير سبيله، وهذا الجواب من مالك في الاستواء شاف كاف. في جميع الصفات مثل النزول والمجيء واليد والوجه وغيرها فيقال في النزول النزول معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة.. إلى أخر جوابهم رحمهم الله) (12).
وللشيخ حمد بن ناصر بن معمر رسالة نفيسة تضمنت بياناً شافياً وكافياً لعقيدة السلف الصالح في الأسماء والصفات (1)، وحشد النصوص والبراهين الدالة على صحة عقيدة السلف الصالح، نقتصر على إيراد هذا النص من هذه الرسالة:
(فشيخنا (2) رحمه الله وأتباعه، يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتجاوزون القرآن والحديث، لأنهم متبعون لا مبتدعون، ولا يكيفون، ولا يشبهون، ولا يعطلون، بل يثبتون جميع ما نطق به الكتاب من الصفات، وما وردت به السنة مما رواه الثقات، يعتقدون أنها صفات حقيقية منزهة عن التشبيه والتعطيل، كما أنه سبحانه له ذات حقيقية منزهه عن التشبيه والتعطيل، فالقول عندهم في الصفات كالقول في الذات، فكما أن ذاته حقيقية لا تشبه الذوات، فصفاته صفات حقيقية لا تشبه الصفات، وهذا هو اعتقاد سلف الأمة وأئمة الدين، وهو مخالف لاعتقاد المشبهين، واعتقاد المبطلين، فهو كالخارج، من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) (3).
ويقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله، في تقرير توحيد الأسماء والصفات – من خلال سورة الإخلاص:
(فسورة {قل هو الله أحد} فيها توحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصمدية، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل، ونفي مطلق الشريك عنه، وهذه الأصول مجامع التوحيد العلمي والاعتقادي الذي يباين صاحبه فرق الضلال والشرك) (3).
ويذكر صاحب كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) بيان توسط أهل السنة والجماعة بين الفرق فيقول:
(فأهل السنة والجماعة وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسمائه وآياته، ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه، حتى شبهوه بالمعدوم وبالأموات، وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوق، فيؤمن أهل السنة والجماعة بما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تمثيل ولا تكييف..) (4).
ويبين الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – أهمية الإيمان بأسماء الله وصفاته، فيقول في كتابه (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد) عند شرحه لباب (من جحد شيئاً من الأسماء والصفات):
(لما كان تحقيق التوحيد، بل التوحيد لا يحصل إلا بالإيمان بالله، والإيمان بأسمائه وصفاته، نبّه المصنف – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله صاحب كتاب (التوحيد – على وجوب الإيمان بذلك) (1).
ونظرا لخطورة إنكار شيء من صفات الله – عز وجل -، فإن الشيخ سليمان رحمه الله يقوله في شرحه لقوله تعالى: { وهم يكفرون بالرحمن } (2).
(فيه دليل على أن من أنكر شيئاً من الصفات فهو من الهالكين، لأن الواجب على العبد الإيمان بذلك سواء فهمه أم لم يفهمه، وسواء قبله عقله أو أنكره، فهذا هو الواجب على العبد في كل ما صحَّ عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم) (3).
ويذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن معتقدهم في باب الأسماء والصفات، وأنه معتقد أهل السنّة والجماعة، فيقول في كتابه (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) عند شرحه باب قول الله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }(4):
(قلت: والذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة متقدمهم ومتأخرهم، إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بجلالة الله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (5)، وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذي حذوه ومثاله، فكما أن يجب العلم بأن لله ذاتاً حقيقية لا تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين، فله صفات حقيقية لا تشبه شيئاً من صفات المخلوقين، فمن جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله، أو تأوله على غير ما ظهر من معناه فهو جهمي قد اتبع غير سبيل المؤمنين، كما قال تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } (6)) (7).
ويشير الشيخ عبد الرحمن بن حسن إلى منشأ ضلال المعطلة في مسألة الصفات، فيقول في شرحه لباب (من جحد شيئاً من الأسماء والصفات):
(فإن الجهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله، وبنوا هذا التعطيل على أصل باطل أصّلوه من عند أنفسهم، فقالوا هذه الصفات هي صفات الأجسام، فيلزم من إثباتها أن يكون الله جسماً. هذا منشأ ضلال عقولهم، لم يفهموا من صفات الله إلا ما فهموه من خصائص صفات المخلوقين، فشبهوا الله في ابتداء آرائهم الفاسدة بخلقه، ثم عطلوه من صفات كماله، وشبهوه بالناقصات والجمادات، والمعدومات، فشبهوا أولاً، وعطلوا ثانياً، وشبهوه ثالثاً بكل ناقص ومعدوم، فتركوا ما دلَّ عليه الكتاب والسنة من إثبات ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله على ما يليق بجلاله وعظمته …) (1).
وحين ختم الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب التوحيد بقوله: باب ما جاء في قول الله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } (2)، ثم ساق أحاديث هذا الباب (3).
كان مما سطره قلم الشيخ عبد الرحمن بن حسن شرحاً لهذا الباب أنه قال:
(وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم قدرته، وعظم مخلوقاته، وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته، وعجائب مخلوقاته، وكلها تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وتدل على إثبات الصفات لله على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل..
وتأمل ما في هذه الأحاديث الصحيحة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلاله، وتصديقه اليهود فيما أخبروا به عن الله من الصفات التي تدل على عظمته، وتأمل ما فيها من إثبات علو الله تعالى على عرشه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في شيء منها، أن ظاهرها غير مراد، وأنها تدل على تشبيه صفات الله بصفات خلقه، فلو كان حقاً بلّغه أمينه أمَّته، فإن الله أكمل به الدين، وأتم به النعمة، فبلّغ البلاغ المبين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين) (4).
ومما كتبه الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن في مبحث أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته نختار هذه الخلاصة:
(.. والحاصل أنه ما من اسم يسمى الله به، إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد، وأنه سبحانه منزه عن كل ما يلزم من حدوثه أو نقصه، فكما أن علمنا وقدرتنا وإرادتنا وحياتنا وكلامنا ونحوها من الصفات أعراض تدل على حدوثنا، امتنع أو يوصف الله سبحانه بمثلها، فنعوذ بالله من تأويل يفضي إلى تعطيل، ومن تكييف يفضي إلى تمثيل..) (5).
ويورد الشيخ أحمد بن مشرف توحيد الأسماء والصفات بعد توحيد الربوبية وذلك في قصيدته جوهرة التوحيد، فيقول رحمه الله:
والثاني أن يوحد الله على *** أسمائه وفي صفاته العلــى
وكل ما به تعالى وصـفا *** لنفسه على لسان المصطـفى
فإن وصفه به جل لـزم *** والحكم في أسمائه كذا التزم (1)
ويدافع الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتابه النفيس (تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي)، عن معتقد السلف الصالح في هذا الباب، ويرد على من رماهم بالتشبيه، فكان مما قاله:
(حاشا السلف من اعتقاد التشبيه، أو أنهم يسكنون عن ظهور البدع ولكنهم لكمال علمهم، وقوة إيمانهم لم يفهموا ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله تشبيهاً، وأما المعطلة فإنهم فهموا مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله التشبيه والتجسيم، ثم شرعوا في رد الكتاب والسنة بالتأويلات المستنكرة والتحريفات المزورة، فأخطأوا خطأين؛ لأنهم شبهوا، أولاً، ثم عطلوا ثانياً، وأما السلف الصالح، ومن معهم من الخلف الناجح فمسلكهم مسلك بين مسلكين، وهدى بين ضلالتين، أثبتوا بغير تشبيه وتمثيل، ونزهوا بغير تحريف ولا تعطيل، وأنكروا مذهب الجهمية والمعتزلة، وردوا على من قابلهم من المجسمة والممثلة …) (2).
وفي رسالة (تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات) (3) لأحد علماء نجد، يذكر معتقدهم في أسماء الله وصفاته فيقول:
(اعلم أن إيماننا بما ثبت في نعوته تعالى كإيماننا بذاته المقدسة، إذا الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري ونميّز ذاته المقدسة عن الأشباه، من غير أن نعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونعقل وجودها ونعلمها في الجملة، من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تشبيه ولا تعطيل، ونقول كما قال السلف الصالح: آمنا بالله على مراد الله، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فالاستواء معلوم من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وكل ما وصف الله به نفسه وجب الإيمان به، كما يجب الإيمان بذاته والكيف مجهول فيهما لاستحالة تصوره لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (4) ومن ليس له مثل لا يمكن التصور في ذاته وصفاته لا شرعاً ولا عقلاً..) (5).
ويجمل علامة العراق محمود شكري الألوسي عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسألة الأسماء والصفات فيقول الألوسي في (تاريخ نجد):
(قد عرف واشتهر واستفاض من تقرير الشيخ، ومراسلاته، ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه، وعرف واشتهر من أمره ودعوته وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته، أنه على ما كان عليه السلف الصالح، وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى في باب معرفة الله، وإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحَّت به الأخبار النبوية، وتلقاها أصحاب رسول الله بالقبول والتسليم يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها، كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل..) (6).
وقد تضمن (البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد) ما نصَّه:
(أما بعد فإنا نعتقد أن الله واحد في ربوبيته، واحد في ألوهيته، واحد في أسمائه وصفاته..، فله الأسماء الحسنى والصفات العليا كما أثبتها لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسله، وبلا تكييف، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، وأن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته على عرشه علا علـى خلقه، وهـو سبحانـه معهم أينـما كانوا يعلم ما هم عاملون …)(1).
ويقول الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد في خطابه، موضحاً توحيد الأسماء والصفات، ومبيناً أوجه الاتفاق وأوجه الخلاف في هذا التوحيد عند أصحاب المقالات من الفرق الإسلامية:
(توحيد الأسماء والصفات وهو إثبات ما وصف الرب تعالى وسمَّى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى إثباتاً يليق بجلاله وعظمته، ويختص به من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وجميع أصحاب المقالات من الفرق الإسلامية متفقون على إثبات هذه المقدمة وهي أن الله تعالى موصوف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، وإنما اختلفوا فيما هو كمال وما هو نقص أو يلزم منه النقص فمنهم من ظنَّ أن وصف الباري تعالى بما وصف به نفسه يلزم منه التجسيم والتشبيه، فنفى ما أثبته الله تعالى لنفسه، وعطلَّ أسماءه وصفاته، وألحد فيها، ومنهم من أثبت ذلك وغلا في الإثبات حتى شبه صفات الباري تعالى بصفات خلقه، وهدى الله أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية إلى القول بما دلَّ عليه الكتاب والسنة ومضى عليه سلف الأمة من إثبات جميع ما وصف به تعالى نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وإمرارها كما جاءت وهذا هو طريق النجاة..) (2).
ويقول القصيمي في كتابه (الثورة الوهابية) أثناء حديثه عن معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (إيمانه بما تواترت عليه الكتب المقدسة، ولا سيما القرآن من أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على العرش استواءً يليق به لا كما يستوي المخلوق.. وقد نازعه مخالفوه قائلين أن ذلك يقتضي التجسيم وتشبيه الله بخلقه، فرد عليهم قائلا: أن جميع الكتب السماوية مصرحة بذلك تصريحاً لا يقبل الجدل. والله أعلم حيث يصف نفسه، وأعلم بما يجوز في حقه وما لا يجوز، وقائلاً: إن المسلمين قائلون بذلك قبل ظهور هؤلاء المخالفين بلا نزاع بينهم …) (3).
وأخيراً ندرك – من خلال النصوص السابقة – طريق النجاة الذي سلكه أئمة هذه الدعوة السلفية، تأسياً واقتداء بالرعيل الأول، من وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوزون القرآن والحديث في ذلك.
ونلاحظ – كما سيأتي – أن مزاعم خصوم هذه الدعوة السلفية التي تكذب على إمام هذه الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتبهته بأنه مجسم ومشبه في الصفات، نلاحظ أن من مبررات الخصوم في القذف بهذا البهتان هو أن الشيخ رحمه الله وكذا أتباعه من بعده يثبتون جميع الصفات التي وردت في الكتاب والسنة، ويمرونها – كما جاءت – على ظاهرها دون تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، ويفوضون العلم بالكيفية إلى الله سبحانه وتعالى.
فجعل الخصوم هذا الإثبات مبرراً في رمي الشيخ بالتشبيه والتجسيم، لذا يأتي مع هذه الفرية غالباً بيان لبعض الصفات التي يثبتها الشيخ لله عز وجل – وهو كما تقدم لا يصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم.. مثل صفة الاستواء والعلو، والنزول، ونحوها ويسوق الخصوم هذا الإثبات زعماً منهم أنه تجسيم وتشبيه، ولا يكتفون بذلك، بل يختلقون زيادة في الإفك والبهتان، فيزعمون أن الشيخ يثبت لله الجلوس والجنب واللسان بل يكذبون عليه – أشنع من قبل -، ويبهتونه بأنه يقول إن الله جسم كالحيوان.. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ومن أوائل الذين ذكروا هذه الفرية، أحد علماء الزيدية حين كتب رسالة يرد على رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، فقال هذا الزيدي مخاطباً الشيخ عبد الله:
(وأنت أيضا قد ناقضت كلامك بكلامك، حيث قلت: وذلك مثل وصف نفسه تبارك وتعالى بأنه فوق السموات مستوٍ على عرشه، فقد فسرت كتاب الله وأثبت لله صفة، وهي الفوقية المستلزمة للتجسيم، وليست الفوقية مذكورة في قوله: { الرحمن على العرش استوى }) (1).
ويشنع علوي الحداد على الشيخ الإمام، فيقول الحداد:
(ومن أعظم بدع النجدي عقده الدروس في التجسيم للباري تعالى الله عن قول الجاحدين والكافرين علواً كبيراً)(2).
ويقول – أيضا – عن الشيخ: (.. ومع ذلك أظهر التجسيم والحركة والانتقال) (3).
ويذكر أحد دجالي بلاد المغرب (4) هذه الفرية.. فكان من دجله أنه قال في كتابه المسمى (المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية):
(ويحكي عنهم – أي الوهابية – أنهم اتبعوه – أي ابن تيمية – في القول بالتجسيم، وحملوا على ذلك ظواهر القرآن الكريم تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.. وكانوا أجدر باللحوق بأهل الأصنام لأنهم إذا اعتقدوا أن معبودهم جسم لم يعبدوا الله ولا عرفوا منه إلا الاسم..) (5).
وأما المدعو علي نقي اللكنهوري، فقد رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالأكاذيب والمفتريات، ولكنه أعرض عن هذه الفرية فقال: (ونطوي كشحاً عما يعزي إليهم من التجسيم) (6).
ويورد شيخ الكذب أحمد بن زيني دحلان هذه الفرية، أثناء سرده الأكاذيب على الشيخ، فقال دحلان:
(وإظهار التجسيم للباري تبارك وتعالى، وعقده الدروس لذلك..) (7).
وتلقف أحمد مختار باشا المؤيد هذا الإفك فقال:
(ومن مذهبهم: القول بالتجسيم للباري جل وعلا، وقرروه في دروسهم) (1).
ويستنكر النبهاني في قصيدته (الرائية الصغرى) إثبات الوهابيين لصفة العلو لله سبحانه وتعالى، فكانوا أحق بالوقوع في الشرك؛ لأن هذا تجسيم على حدَّ زعمه، فقال:
وهم باعتقاد الشرك أولى بقصرهم *** على جهة للعلو خالقنا قصـــرا
هو الله رب الكل جل جلالــه *** فما جهة بالله من جهة أحـــرى
تأمل تجد هذي العوالم كلـــها *** بنسبة وسع الله كالذرة الصغــرى
فحينئذ أين الجهات التي بـــها *** على الله من حمق بهم حكموا الفكر (2)
ويأتي المدعو (جميل صدقي الزهاوي) بهذه الفرية، ويستطرد في الإفك والبهتان فيقول:
(لقد خبطت (الوهابية) كل الخبط في تنزيهه تعالى، حيث أبت إلا جعل استوائه سبحانه ثبوتاً على عرشه، واستقراراً وعلواً فوقه، وأثبتت له الوجه واليدين، وبعضته سبحانه فجعلته ماسكاً بالسموات على أصبع والأرض على أصبع، والشجر على أصبع، ثم أثبتت له تعالى الجهة، فقالت هو فوق السموات ثابت على العرش، يشار إليه بالأصابع إلى فوق إشارة حسيّة، وينزل إلى السماء الدنيا ويصعد..)(3).
ويقول الزهاوي أيضاً:
(لقد اعتقدوا متمسكين بظواهر الآيات أن الله تعالى ثبت على عرشه وعلاه علواً حقيقياً، وأن له تعالى وجهاً ويدين، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقين، وأنه يشار إليه في السماء إشارة حسية.. لقد جعلت الوهابية معبودها جسماً كالحيوان جالساً على عرشه ينزل ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقين، وله وجه ويد ورجل وأصابع حقيقية يتنزه عنه المعبود الحق..) (4).
وقد شنع يوسف الدجوي على أتباع الدعوة في إثباتهم لصفة العلو لله سبحانه، ويقول عبد الله بن علي القصيمي:
(مما ينقمه (الدجوي) من الوهابيين، ويكفرهم من جرائه مسألة (علو الله على خلقه) وقد كتب في ذلك مقالات كثيرة في مجلة نور الإسلام، وفي مجلة الإسلام، وفي بعض الجرائد اليومية..)(5).
ويورد (شرف)(6) في معرض تهجمه على الوهابية (المجسمة) على حـد تعبيره هـذا القول حاكياً حال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
(.. وأنه مؤول فيها الاستواء بالاستقرار قاتله الله، والله تعالى خال عن الجهات الست)(1).
ويذكر الأسكندراني في نفحته تلك الفرية فيقول:
(ومما تمذهبت به الوهابية في العقيدة إثبات اليد والوجه والجهة للباري وجعله جسماً يصعد وينزل)(2).
وقد أطال محسن الأمين العاملي هذه الفرية، وسوّد الصحائف بتلك الكذبة، فنورد بعضاً من إفكه حيث يقول:
(لقد خرق بنفسه - أي ابن عبد الوهاب - ستور التوحيد، وأنه تكلم في حضرة الله تعالى عما يقول علواً كبيراً تكاد السموات يتفطرن منها، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًّا، وهي أنه يحمل آيات الصفات على ظاهرها فيقول أن الله جالس على العرش حقيقة وأن له يداً ورجلاً وساقاً وجنباً وعيناً ووجهاً ولساناً ونفساً وغيرها حقيقة، وأنه يتكلم بحرف وصوت، وذلك عين التجسيم الذي أطبق المسلمون على كونه كفراً..)(3).
وبعد أن يسوق بعض الأقوال في معتقد الوهابيين في الصفات، يعقبه بقوله:
(وهذه الأقوال مما تأباه الشريعة الإسلامية والملَّة المصطفوية لملازمتها التجسيم، وأن المجسمة قد أطبق المسلمون على كفرهم فإنه ينافي التوحيد …)(4).
ويقول هذا الأفاك الأثيم:
(لقد أثبتوا لله جهة الفوق، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء، والقرب وغير ذلك بمعانيها الحقيقية من دون تأويل. وهو تجسيم صريح..) (5).
ونختم هذه الفرية بما أورده محمد جواد مغنية في كتابه (هذه هي الوهابية) حين قال:
(يجمد الوهابيون على ظاهر نصوص الكتاب والسنة في صفات الله سبحانه، ولم يجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلَّت عليه الصورة الحرفية، بل يعتبرون التأويل كفراً؛ لأنه كذب على الله ورسوله، ويرون تنزيه الله بإثبات اليد له والرجل والكف والأصابع والنفس والوجه والعين والسمع والجلوس.. وما إلى ذلك من الصفات التي وصف الله بها نفسه، أو جاءت على لسان نبيه من غير زيادة ولا نقصان، ولا تأويل بما يخالف ظاهرها) (6).
وبهذا يتضح من مزاعم الخصوم، أنهم يلصقون فرية التشبيه والتجسيم بالشيخ الإمام وأنصار دعوته، بحجة أن هؤلاء الوهابيين يأخذون بظواهر النصوص في آيات الصفات وأحاديثها.
إذا انتقلنا إلى مقام الدحض والرد، لفرية التجسيم والتشبيه، فإن من أبلغ الردود وأقواها، ما أوردناه من النقول المتعددة التي تصرح بإثبات الصفات لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، إثباتاً بلا تمثيل ولا تكييف.
وقد أظهر علماء الدعوة الحجج الدامغة والبراهين الساطعة في دحض هذه الفرية الكاذبة الخاطئة.
فيقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرد على (الزيدي) الذي زعم – كما سبق ذكر قوله – أن إثبات الصفات يلزم منه التجسيم، فكان مما قاله الشيخ عبد الله – رحمه الله –رداً عليه:
(قوله: وقد أردت أن تنزه ربك بما يلزم منه التجسيم كذب ظاهر؛ لأنا قد بينا أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله حق وصدق وصواب، ولازم الحق حق بلا ريب، ولا نسلم أن ذلك يلزم منه التجسيم، بل جميع أهل السنة المثبتة للصفات ينازعون في ذلك، ويقولون لمن قال لهم ذلك لا يلزم منه التجسيم، كما لا يلزم من إثبات الذات لله تعالى، والحياة والإرادة والكلام تجسيم وتكييف عند المنازع، ومعلوم أن المخلوق له ذات ويوصف بالحياة والقدرة والإرادة والكلام، ومع هذا لا يلزم من إثبات ذلك لله تعالى إثبات للتجسيم والتكييف تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
(ومعلوم أن هذه الصفات في حق المخلوق إما جواهر، وإما أعراض. وأما في حقه تبارك وتعالى، فلا يعلمها إلا هو بلا تفسير ولا تكييف)(1)
ويقول الشيخ عبد الله – أيضاً -:
(وقوله وأثبت لله صفة وهي الفوقية المستلزمة للتجسيم كذب ظاهر؛ لأن إثبات الفوقية لا يلزم منه ذلك عند من قال به، والله سبحانه وتعالى أعلم من خلقه بما يجوز عليه وما يمتنع عليه، ولكن هذا شأن أهل البدع الضلال، يردون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله بهذه الأمور القبيحة…)(2).
ويقول الشيخ أحمد بن مشرف الإحسائي، أحد شعراء هذه الدعوة، رداً على فرية التشبيه، ودحضا لهؤلاء المعطلة الذين عطلَّوا صفات الله..، فيقول ابن مشرف في قصيدة (الشهب المرميّة على المعَّلة والجهمية):
نفيتم صفات الله فالله أكـــمل *** وسبحانه عما يقول المعــطل
زعمتم بأن الله ليس بمستــــو *** على عرشه والاستوا ليس يجهل
فقد جاء في الأخبار في غير موضـع *** بلفظ استوى لا غير متــؤول
وقد جاء في إثباته عــن نبيــنا *** من الخبر المأثور ما ليس يشكل(3)
ويُفصَّل الشيخ سليمان بن سحمان – أثناء رده على فرية التجسيم – المراد من إطلاق لفظ (الجسم) على الله سبحانه وتعالى، ويبيّن ما يجوز من هذه المعاني، وما لا يجوز فيقول رحمه الله:
(الجواب أن نقول أعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا فيكون له الإثبات، ولا نفياً فيكون له النفي، فمن أطلقه نفياً وإثباتاً، سئل عما أراد به، فإن قال أردت بالجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه، فلا للهواء جسم لغة.. فهذا المعنى منفي عن الله سبحانه عقلاً وسمعاً، وإن أردتم به المركب من المادة والصورة والمركب من الجواهر المفردة، فهذا منفي عن الله سبحانه قطعاً، وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات، ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم، ويسمع ويبصر، ويرضى ويغضب، فهذه المعاني ثابتة للرب، وهو موصوف بها، فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسماً.
وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسيّة، فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى بأصبعه رافعاً لها إلى السماء بمشهد الجمع الأعظم مستشهداً له لا للقبلة..) (1).
- إلى أن قال رحمه الله -:
(وكذلك إن أردتم بالتشبيه والتركيب هذه المعاني فنفيكم لها بهذه الألقاب المنكرة خطأ في اللفظ والمعنى، وجناية على ألفاظ الوحي، أما الخطأ اللفظي فتسميتكم الموصوف بذلك مركباً مؤلفاً مشبهاً بغيره، وتسميتكم هذه الصفات تجسيماً وتركيباً وتشبيهاً، فكذبتم على القرآن وعلى الرسول وعلى اللغة، ووضعتم لصفاته ألفاظاً منكم بدأت وإليه تعود، وأما خطاؤكم في المعنى فنفيكم وتعطيلكم لصفات كماله بواسطة هذه التسمية والألقاب فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر.
وأشد ما جادل به أعداء الرسول من التنفير عنه هو سوء التعبير عما جاء به وضرب الأمثال القبيحة له، والتعبير عن تلك المعاني التي لا أحسن منها بألفاظ منكرة. ألقوها في مسامع المفترين المخدوعين توصلت إلى قلوبهم فنفرت عنه..)(1).
وللشيخ سليمان بن سحمان قصيدة شعرية في الرد على المدعو (شرف اليماني) حين رمى هذه الدعوة السلفية بالتجسيم فكان مما قاله:
فلم نؤول كما قد قاله عمــها(2) *** ونتبع الجهم فيما قال وانصرفـــا
ولم نجسّم كما قالوا بزعمـــهم *** بل نثبت الفوق والأوصاف والشرفا
إن المجسمة الضلاّل ليــس لهـم *** في غيهم من دليل يوجب النصـفا
والله ما قال منا واحد أبــــداً *** بأنه كان مجسماً إنّ ذا لجـــفا
بل نثبت الذات والأوصاف كاملة *** كما به الله والمعصوم قد وصـفا
ولم نشبه كأهل الزيغ حين بغـوا *** واستبدلوا بضياء الحق ما انغسقا(3)
ويبين الشيخ فوزان السابق في كتابه (البيان والإشهار) تدليس المدعو أحمد باشا مختار المؤيد، وتلبيسه الحقائق حين رمى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بفرية التجسيم، فقال الشيخ فوزان:
(أقول: أجمل هذا الملحد فريته، فلم يذكر وجه هذا التجسيم الذي قرره الوهابيون في دروسهم مفصلاً كما زعمه، وقصده في هذا التدليس، إخفاء مذهبه الباطل فهو جهمي معطل، ويعني بالتجسيم إثبات صفات الباري جل وعلا، كما هي واردة في الكتاب والسنة، وكما عليه سلف الأمة من الإيمان بالله وبما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يحرفون الكلم عن مواضعه.. فمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في صفات الله تعالى مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم..)(4).
ومما كتبه محمد رشيد رضا في دحض كذب الرافضي العاملي، لما رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب – وكذا ابن تيمية من قبل – بفرية التشبيه والتجسيم، فقال محمد رشيد رضا:
(إن ما ذكره من العقائد التي زعم أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم أباحوا بها حمى التوحيد، وهتكوا ستوره بإثباتهم لله تعالى صفة العلو والاستواء على العرش.. إلخ، وإنما أثبتوا بها كسائر أهل السنة ما أثبته الله تعالى في كتابه المعصوم وفي سنة خاتم أنبيائه المعصوم المبيّنة له.
فهم يثبتون تلك النصوص بمعانيها الحقيقية بدون تأويل، ولكن مع إثبات التنزيه فهم متبعون في ذلك لسلف الأمة الصالح غير مبتدعين له، وإنما ابتدع التأويل الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.
وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام، فبهذه الشبهة عطلوا أكثر صفات الله حتى صارت عندهم في حكم العدم.
والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به، وأشد منهم تنزيها للرب – إلى أن قال-: والقاعدة في ذلك أن تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه قد ثبت بدليل العقل والنصوص القطعية من النقل كقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } (1) وأن السلف يجمعون بين الأمرين: تنزيه الرب سبحانه ووصفه بما وصف به نفسه من الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغير ذلك، وعدم التحكم في التفرقة بين هذه الصفات وصفات العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام) (2).
ثم يكذّب محمد رضا دعوى هذا الرافضي، حيث يقول:
(زعم الرافضي العاملي أن ابن تيمية أول من أثبت ما ذكره من صفات الله تعالى بدون تأويل وتبعه بعض تلاميذه، ثم الوهابية، وأنهم خالفوا في ذلك جميع المسلمين، وهذا كذب وافتراء، وتضليل لعوام أهل السنة، وتمهيد إلى جذبهم إلى الرفض الذي من أصوله تعطيل صفات الله تعالى بالتأويل، وجعله عز وجل كالعدم تعالى الله عما يقول المبتدعون علواً كبيراً. فما من صفة من تلك الصفات إلا وهي منصوصة في القرآن أو في الأحاديث النبوية الصحيحة..)(3).
ويقول ناصر الدين الحجازي في (النفخة) راداً على بهتان الأسكندراني حين جعل إثبات الوهابية للصفات تجسيماً:
(الوهابية لم يثبتوا ذلك وإنما أثبته الله تعالى لنفسه، غاية الأمر أن الوهابية كغيرهم من السلف، يؤمنون بذلك، ويكلون علمه إلى الله تعالى من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، وبذلك نطقت كتب عقائدهم.
ولقد كانت المعتزلة ترمي أهل السنة بأنهم مجسمة وذلك مسطور في كتبهم، وصاحبنا سلك هذا المسلك، فإذا كان المؤلف ينكر إثبات تلك الصفات لله تعالى، فلينكر على من أثبتها، وأما الجسمية فمحال أن يعتقدها مسلم (4)، ومن ادعاها لأمة مسلمة فعليه أن يبرهن عليها بنقل من كتبهم لا بمجرد الإفك والافتراء) (5).
ويهاجم عبد الله بن علي القصيمي أهل الرفض من أمثال العاملي وغيره؛ لأنهم أكذب الناس حديثاً فلا يعول على نقلهم، ويذكر القصيمي ما عليه الرافضة من التشبيه والتجسيم، حيث أنهم من أفراخ اليهود.
يقول القصيمي في كتابه (الصراع بين الإسلام والوثنية) في الرد على العاملي بعد أن ساق كلامه:
(يقال إن الذين أباحوا حمى التوحيد وهتكوه ونسفوه، وأضفوا إلى الله ما لا يليق بقدسه وجلاله وكماله من التشبيه والتمثيل، تمثيل الله بخلقه لم يوجد في طائفة من الطوائف المنحرفة مثلما وجدا في طائفة الرافضة.
ولا خلاف بين علماء الملل والنحل أن التشبيه أول ما دخل على الطوائف الدائنة للإسلام إنما دخل عليها من شطر الرافضة، وجانب شيوخها القدامى.
ولا خلاف أيضاً أن التشبيه كان أصلاً ووضعاً في طوائف الشيعة وشيوخها ووضعة مذهبها وبناة نحلتها… حيث أن واضع مذهب الشيعة هو رجل يهودي وهو عبد الله بن سبأ، واليهود هم أهل التشبيه والتنقص لله جلَّ وعلا…)(!).
ثم يقول القصيمي:
(وأما دعواه أن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وتلاميذه وأهل السنَّة من أهل نجد يقولون أن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه يشبه أحداً من خلقه في صفة من صفاته ونعت من نعوته، فهذه دعوى يتقلدها ويبوء بإثمها هو ومن افتجرها له وقلده فيها، ممن تعبدوا الله بالأكاذيب والاختلاق على رجال السنة والحديث تغريراً وتنفيراً وخداعاً مزرياً، ولو لم تكن كتب ابن تيمية وتلاميذه الأبرار وأهل السنة من أهل نجد مطبوعة منشورة في أنحاء العالم، معروفة للخاصة والعامة، لقلنا كذب على غائب مجهول، قد يروج، وقد ينفق، وقد يحسب من الحقائق الصادقة، وقد يكون كذلك، وقد يخادع الكاذب نفسه ويغش علمه ويظلم دينه، أما الكذب على معلوم حاضر فلا يجرؤ عليه إلا أناس قليلون استهانوا بالحق والخلق.. فهذه كتب النجديين موجودة في كل مكان، قد طبع الشيء الكثير منها، وهذه مقالاتهم وآراؤهم في هذه المطالب المتنازع فيها بينهم، وبين هؤلاء الخلوف المخالفين، وهذه أقاويلهم في الله، وفي صفاته، مثل الاستواء على العرش، ومثل كلامه، ونزوله إلى سماء الدنيا، وسائر صفاته تعالى، هل يستطيع أحد من الناس أن يجد فيها أنهم زادوا على النصوص الصحيحة من الآيات والأحاديث الثابتة، أو أنهم قالوا على الله قولاً لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبيه..) (2).
إن هؤلاء الأدعياء ممن رموا هذه الدعوة الإصلاحية بفرية التجسيم والتشبيه، أنهم لم يفقهوا من الصفات التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم إلا صفات البشر، ولم يفقهوا من صفات الله إلا ما فقهوه من خصائص وصفات المخلوقين، فشبهوا الله في ابتداء آرائهم – المنحرفة – بخلقه، ثم عطلوه من صفات كماله – كالاستواء والعلو، والكلام، ونحوها -، وشبهوه بالناقصات، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
فهؤلاء جمعوا بين التشبيه بالمخلوق أولاً، ثم التعطيل ثانياً، ثم التشبيه بالناقصات، ولم يكتفوا بذلك الضلال، بل قذفوا – كذباً وزوراً – أئمة هذه الدعوة السلفية بالتجسيم والتشبيه، حين وصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم(1).
ونختم هذا الفصل بذكر مثالين – فقط – لما كتبه الخصوم في مسألة الصفات، ليتضح – جلياً – ضلال القوم وفساد عقائدهم في ذلك.
والمثال الأول: هو ما كتبه أحد علماء الشيعة، وهو المدعو محمد بن عبد الوهاب ابن داود الهمداني، في رسالته (إزهاق الباطل) (2) حيث ذكر معتقدهم بكل زهو وعجب، على أنه هو المعتقد الحق في ذلك فقال:
(واعلم أنا لما نظرنا بعين البصيرة.. في المذاهب، وجدنا أحقها بالاتباع والانقياد، وأخلصها من شوايب الفساد، وأعظمها تنزيها لله ولرسوله، ولأوليائه الأمجاد مذهب الشيعة، لأنهم اعتقدوا أن الله سبحانه هو المخصوص بالأزلية والقدم، وأن كل ما سواه محدث، وأنه ليس بجسم، ولا جوهر، ولا في مكان، وإلا كان محدثاً، وأنه تعالى غير مرئي، ولا مدرك بشيء من الحواس).
ففي النصَّ السابق، إنكار لبعض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث أنكر علوه سبحانه، وأنكر رؤيته سبحانه، كما أن هذا النص تضمن وصف الله تعالى بألفاظ مبتدعة مستحدثة، مع الإعراض عن الألفاظ الشرعية الدينية..
والمثال الثاني: ما ذكره أحد أدعياء التصوف وهو النبهاني في كتابه (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) حيث يقول:
(قد ظهر لنا معاشر أهل السنة من السلف والخلف من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ظهوراً جلياً ليس معه أدنى شك وارتياب أن الصواب الصراح والحق الأبلج الوضاح هو تنزيه الله عن جميع الجهات العلويات والسفليات، لأنها من أوصاف الحادثات..)(1).
ويقول النبهاني – أيضاً – منكراً صفة العلو:
(وأما ما ورد مما يفيد ظاهره أن الله تعالى في جهة العلو وجهة الفوق، وفي السماء، فهذا يجب تأويله قطعاً لأن كمال الله تعالى الثابت المحقق من كل الوجوه عقلاً ونقلاً يقتضي أن لا تحصره تعالى جهة العلو ولا غيرها من الجهات) (2).
ومما قاله النبهاني – شعراً:

(سبحانه من إله ليس يحمله *** عرش بل العرش محمول له وبه
لو استقر على عرش لكان به *** للعرش حاجة محتاج لمركبه
لكن عليه استوى لا كيف نعلمه *** للاستواء أو القهر المراد به
جاء المجيء له سعياً وهرولة *** والحب والقرب منه مع تقربه
والعلو والفوق أيضا والنزول أتى *** والضحك مع غضب ويل لمغضبه
وقد تعجب من أشياء قد وردت *** كما يليق به معنى تعجبه
وهكذا كل لفظ موهم شبها *** فوّضه لله أو أوَّل بلا شبه) (3)

لقد تضمنت تلك النصوص المتردية تعطيلاً لصفات الخالق عز وجل مثل العلو والاستواء والنزول وغيرها، وكما تضمنت تحريفاً للنصوص الثابتة عن مواضعها، مع الافتراء على السلف الصالح، والزعم بأن التعطيل هو مذهبهم، والله المستعان.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-21-2010, 03:58 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

جزاكِ الله خيراً
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-25-2010, 11:28 AM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم الزُبير السلفية مشاهدة المشاركة
جزاكِ الله خيراً
بارك الله فيك
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(, ), للشيخ, محمد, الله, المناوئين, الوهاب, براهين, بن, يعاني, رحمه, سلسة, عبد, وشبهات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 05:15 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.