انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة

ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة لرد الشبهات ، ونصح من خالف السنة ، ونصرة منهج السلف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-15-2008, 01:09 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل{الأحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية }

 

الأحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية


الصفحة 1 لـ 6


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً- أما بعد :

فعملاً بواجب النصح لله - عز وجل -ولكتابه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ أتوجه ببعض الوصايا إلى المسلمين في كل مكان، والدافع إلى توجيهها ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من محنة عصيبة وخطر داهم من قبل أعداء الملة والمسلمين بقيادة طاغوت العصر المتغطرس أمريكا وحلفائها، والذين رموا الأمة المسلمة عن قوس واحدة يريدون بها الشر ومزيداً من التفتت والتفرق والنيل من دينها ودعاتها وثرواتها وتغريبها وإقصاء ما بقي فيها من شرائع الدين وشعائره، وهذا تأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن تداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ. قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".

معاشر المسلمين:

لقد اقتضت حكمة الله - عز وجل -أن يوجد الصراع بين الحق والباطل على هذه الأرض منذ أن أُهبط آدم -عليه السلام- وإبليس اللعين إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، وقد جعل الله - عز وجل - لهذا الصراع والمدافعة سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل (( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)) (فاطر: من الآية43).

ولا تظهر هذه السنن إلا لمن تدبر كتاب الله - عز وجل - واهتدى بنوره وهداه (( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (صّ: 29) .

ومن سنن الله - عز وجل -في إهلاكه للأمم أو نجاتهم في هذا الصراع؛ ما قصه الله -تعالى- علينا في كتابه الكريم من إهلاكه للأمم الكافرة وإنجائه لأنبيائه وأوليائه الصالحين، حيث يلفت الله - عز وجل - أنظار المؤمنين إلى سننه - عز وجل -في الإهلاك والإنجاء، بقوله -تعالى-: (( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) (آل عمران: 137) .

ومن ذلك قوله - تعالى - بعد أن قص علينا قصص بعض أنبيائه في سورة هود (( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود: 116، 117) ، وقوله - عز وجل - : (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (الأنفال: 53).

يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "يخبر -تعالى- عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه -تعالى- لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه" ا.هـ. ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- أيضاً عند هذه الآية: "فأخبر الله -تعالى- أنه لا يغير النعمة التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غَيّر غُّير عليه جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبيد، فإن غيّر المعصية بالطاعة غيّر الله العقوبة بالعافية، والذل بالعز وقال –تعالى-: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) (الرعد: من الآية11).

فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، وما حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ". وقد قال - تعالى- : (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) [الشورى: 30]) ا.هـ (الجواب الكافي ص 105).

وقال في موطن آخر: " ومن عقوباتها – أي : المعاصي –أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقدوها بمثل طاعته، فإن ما عنده لا ينال إلا بطاعته، وقد جعل الله -سبحانه- لكل شيء سبباً وآفة، سبباً يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفتها المانعة منها معصيته، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها.

ومن العجيب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره، وسماعاً لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه، وهو مقيم على معصية الله، كأنه مستثنى من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم، وكأن هذا الأمر جار على الناس لا عليه، وواصل إلى الخلق لا إليه، فأي جهل أبلغ من هذا؟ وأي ظلم للنفس فوق هذا فالحكم لله العلي الكبير" ا.هـ (الجواب الكافي ص:145 (

أيها المسلمون :

إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب إلا طاعته، وسننه -سبحانه- في المعرضين عن طاعته معروفة ومطردة، قال - تعالى-: (( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)) (القمر:51) ،

وقال -سبحانه-: (( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ)) (القمر:43) .

فما أهون الخلق على الله - عز وجل-إذا بارزوه بالمعصية. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص فٌرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض. فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره : بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

أيها المسلمون :

إن الأمة تمر بنازلة عظيمة وأيام عصيبة، فهي على ضعفها وذلها ومهانتها، قد سلط الله -سبحانه- عليها أعداءها من اليهود والصليبيين والمنافقين وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم وطائراتهم وأساطيلهم. فهم من كل حدب ينسلون، وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم يريدونها في دينها وثرواتها وتمزيق ما بقي من وحدتها (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) (يوسف: من الآية21)، (( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) (آل عمران: من الآية117).

وإن الناظر إلى هذه الأحداث الجسيمة والنوازل العظيمة التي أحاطت بالمسلمين اليوم لا يستغرب حدوثها ولا يفاجأ بها حينما يعتصم بكتاب الله - عز وجل -وينطلق من توجيهاته في ضوء سنن الله - عز وجل - التي لا تتبدل ؛ والتي أشرنا إلى بعضها فيما سبق. ويكفي أن ننظر إلى أحوالنا ومدى قربها وبعدها عن الله - عز وجل - لندرك أن سنة الله - عز وجل - في من أعرض عن طاعته وأمره قد انعقدت أسبابها علينا، إلا أن يرحمنا الله -عز وجل -، ويرزقنا التوبة والإنابة والاستكانة والتضرع إليه -سبحانه-.

يا معشر المسلمين :

إن الخطب جد خطير، وإن عقاب الله - عز وجل - لا يستدفع إلا بتوبة وإنابة، فالبدار البدار، فإن أسباب العقوبة قد انعقدت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولقد رفع الله - عز وجل -العذاب عن أمة رأت بوادره بتوبتها وإيمانها ورجوعها إلى طاعة الله - عز وجل - قال الله - تعالى-: (( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) (يونس: 98).

إن أحوال الأمة وما حل فيه من معاصي الله - تعالى- ومساخطه لتنذر بالخطر، فلقد ضل كثير من الناس عن أصل هذا الدين وأساسه المتين ألا وهو التوحيد والموالاة والمعاداة فيه، وأصبح الكفرة المحاربون يجوسون خلال الديار وتقدم لهم المعونات والتسهيلات لحرب المسلمين وأوذي أولياء الله ودعاته المصلحون مع أن في ذلك إيذاناً بالحرب من الله القوي العزيز، حيث جاء في الحديث القدسي (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) وضرب الشرك الأكبر من دعاء الأموات والسحر والشعوذة بأطنابه في أكثر بلاد المسلمين، وأبعد شرع الله – تعالى- وحكمت قوانين البشر، وتساهل كثير من الناس بشأن الصلاة والزكاة وهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ووقع بعض المسلمين في عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، وظلم العباد وفشا الربا الخبيث في معاملات كثيرة بين المسلمين، ووقع بعض المسلمين في تعاطي المسكرات والمخدرات، وكثر الغش في المعاملات، ووجد بين المسؤولين من يبخس الناس حقوقهم ويأكل أموالهم بالباطل و يتعاطى الرشوة والتي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الساعي فيها ودافعها وآخذها - وكثر الفجور في الخصومات والزور في الشهادات، وبعض النساء يتساهلن بالحجاب، ويتبرجن بزينة الثياب، وانتشر الزنا والخبث وكثرة وسائله الخبيثة الماكرة من قنوات ومجلات خليعة تدعو إلى الفاحشة وتحببها في النفوس وتزينها، وامتلأت بيوت المسلمين من الفضائيات التي تنشر العفن والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولما سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( نعم إذا كثر الخبث)) رواه البخاري .

وما أصدق ما قاله ابن القيم -رحمه الله تعالى- على واقعنا اليوم وهو يصف زمانه، فكيف لو رأى زماننا ؟ !!.

قال - رحمه الله تعالى- : ( لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربى عليها الصغير، وهرم عليها الكبير. فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الغلبة لهذه الأمور. اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [الفوائد ص 49].


الصفحة 2 لـ 6



أيها المسلمون :

لقد ضرب الله - عز وجل - لنا في كتابه الكريم أمثالاً عظيمة لنتدبرها ونعقلها. قال الله - تعالى-: (( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)) (العنكبوت: 43).

ولنستمع إلى هذا المثل الذي ضربه الله - عز وجل -لمن كفر بأنعم الله - عز وجل -وعاقبة من وقع في معاصيه ولنتدبره حق التدبر، قال الله - عز وجل - : (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) (النحل: 112).

فهذا المثل وإن كان في أهل مكة الذين أشركوا بالله وكفروا نعمة الله -تعالى-؛ إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا إنذار وتحذير للأمم التي تعيش في رغد من العيش وأمن وسكينة؛ أنها إن كفرت بنعمة الله -تعالى- وقابلتها بالمعصية والإعراض فإن الله - عز وجل - يسلبها نعمة الأمن والمعيشة، ويذيقها مكان ذلك الجوع والخوف، وخطر الابتلاء بالجوع والخوف ليس في ذاتهما فحسب، ولكن الخطر الحقيقي يكمن فيما يجرانه على الناس من تنازلات رهيبة في الدين والأعراض. فكم من تارك لدينه ومرخص لعرضه دافعه إلى ذلك الجوع والخوف -عياذاً بالله - .

وهذه سنة إلهية إذا انعقدت أسبابها وقعت بالناس ولات حين مناص. وإن في التاريخ لعبراً، ويكفي أن نتذكر ما حل بالمسلمين في بغداد سنة 656 هـ، حينما اجتاح المغول التتر عاصمة السلام في ذلك الوقت وما جرى في هذا الهجوم من حوادث مريعة يقشعر لها جلد القارئ بعد هذه القرون، فكيف بمن عاناها واصطلى بحرها!! وقارنوا أحوالنا اليوم بحال المسلمين في ذلك الزمان، أعني زمن دخول التتر إلى بغداد، فهل نحن اليوم أحسن حالاً منهم، حتى ننجو من خطر الأعداء الذين أحاطوا بنا من كل جانب؟؟ والجواب البدهي: لا والله ، لسنا بأحسن حالاً منهم، فواقعنا المعاصر لا يقارن في سوئه بذلك العصر، ومع ذلك سلط الله عليهم الكفرة المتوحشون الذين سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض، وأفسدوا الحرث والنسل (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) (العنكبوت: من الآية40).

فيا أيها المسلمون بعامة :

نحن على خطر وشيك ولا ينقذنا منه إلا أن نفر من معصية الله إلى طاعته، ومن أسباب سخطه إلى أسباب رضاه فلا نجاة لنا منه إلا إليه – سبحانه-.

أيها الأب والراعي المهمل لبيته ورعيته :

اتق الله - عز وجل - ولا نؤتى من قبلك، تب إلى الله وأقلع عن مجاهرة لله - عز وجل - بمعاصيك، واعلم أن وجود أجهزة اللهو والفساد من التلفاز والقنوات الفضائية والمجلات الخليعة هي من المعاصي العظيمة التي تسخط رب العالمين، فبادر إلى التوبة منها وإخراجها من بيتك غير مأسوف عليها رجاء ثواب الله –تعالى- وخوف عقابه، مر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، وكن قدوتهم في ذلك، وحث أبناءك على أدائها في جماعة وتفقدهم عليها.

اتق الله في نسائك ومحارمك وأحسن إليهن بكل وجوه الإحسان، ومن أعظم ذلك الإحسان إليهن في تربيتهن وتأديبهن والحيلولة بينهن وبين ما حرم الله - عز وجل - عليهن من السفور والتبرج والاختلاط المحرم بالأجانب من خدم وسائقين وأقارب من غير المحارم، وكذا إبعادهن عما يفسد دينهن وأخلاقهن من أفلام سيئة وأغاني ماجنة وصواحب فاسقات.

أيها الآباء المربون :

ربوا أبناءكم وطلابكم على الجد والاجتهاد وأعدوهم للجهاد في سبيل الله –تعالى-، واربطوهم بالأهداف العالية النبيلة ولا تعلقوهم بالتوافه من الأمور والأهداف الدنيوية الهابطة والحياة المترفة. أليس من المؤسف ألا يوجد في جو المنزل والمدرسة – إلا من رحم الله - تعالى- من يقول للناشئة : إن أمتكم تنتظركم، وإن لكم دوراً في نشر الخير والعلم والدعوة إلى التوحيد وهداية الناس - بإذن الله تعالى-، والجهاد في سبيله - عز وجل -، والذود عن حمى الأمة وعقيدتها، إن هذا مما ينبغي أن يقال لأبنائنا فلا تقصروا في هذا الواجب فالخطب جسيم، والخطر عظيم، فالأمة تحتاجكم في كل وقت واليوم هي في أشد الحاجة إليكم فلا تخيبوا آمالها.

فأنت أيها الأب الكريم ، وأنت أيها المدرس الناصح اللبيب ، وأنتم يا من ولاكم الله مسؤولية التربية ومناهجها اتقوا الله في أبناء المسلمين وأدوا الواجب الذي عليكم؛ اغرسوا في قلوب أبناء الأمة كل معاني التوحيد من التوكل على الله - عز وجل - والتعلق به -سبحانه- وموالاة المؤمنين وبغض الكافرين، واستثمروا هذه النازلة في تقوية عقيدة الولاء والبراء وبيان خطر أعداء الله وأهدافهم الحقيقية؛

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى-: ( إن الواجب على الرجل أن يعلم عياله وأهل بيته الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة فيه، مثل تعليم الوضوء والصلاة؛ لأنه لا صحة لإسلام المرء إلا بصحة الصلاة؛ ولا صحة لإسلامه أيضاً إلا بصحة الموالاة والمعاداة في الله ) ا.هـ

معاشر الآباء والمربين :

اغرسوا في قلوب الناشئة الشجاعة والإقدام، والجرأة على الأعداء، واغرسوا في قلوبهم حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، فالأمة التي تربت على الجهاد يخاف منها الأعداء وتصبح أمة قوية قاهرة ظاهرة، وكونوا قدوة صالحة لهم في كل ما توجهونهم إليه من الفضائل. علقوا أبناء الأمة بتاريخهم المشرق: تاريخ الصحابة الأبطال المجاهدين الذين رفعوا رأس الأمة، علموهم سيرة نبينا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم قائد عرفه التاريخ وأعظم شخصية عرفتها الأمم المسلمة والكافرة، والذي غير الله به مجرى التاريخ وأنقذ به من شاء من عباده من الظلمات إلى النور.

يا علماء الأمة ودعاتها :

إن أمتنا الإسلامية تمر هذه الأيام بساعات حاسمة ونوازل شديدة ومحن عظيمة لها ما بعدها، إن الأمة تنطلق من كلمتكم ومواقفكم التي تبينون فيها الحق للناس، فأنتم معقد الأمل فيها بعد الله - عز وجل -، وأنتم الذين ينير الله بكم الطريق للناس إذا ادلهمت الخطوب، وأنتم الذين أخذ الله عليكم الميثاق لتبينن الحق للناس ولا تكتمونه، فمن للأمة في هذه الفتن والنوازل والأزمات ومن لها إذا اختلطت عليها الأمور وكثر التلبيس والتدليس من قبل أعدائها من الكفار والمنافقين. إنه لا ملجأ لها بعد الله إلا إليكم، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين، ولا تتركوا الأمة في حيرتها ولا تسلموها لأعدائها يسيرونها وفق أهوائهم، وإن الله سائلكم عن علمكم فيما عملتم به (( لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الأنفال: من الآية27)

يا علماءنا الأجلاء :

إن الأمة تحتاج إلى سماع قولكم فيمن يظاهر الكفار ويناصرهم بنفسه أو سلاحه أو ماله أو رأيه أو يسهل عليهم أي أمر يعينهم على قتال المسلمين. إن الأمة محتاجة إلى سماع ما كنتم تقولونه لطلابكم في شرح كتب التوحيد والإيمان وما يناقضه، فإذا سكتم في مثل هذه النوازل عن بيان أصل الدين وما يهدمه فمن يبينه للناس؟ (حقاً إن أمانة العلم عظيمة وخطيرة).

كما أن الأمة تنتظر بيانكم في كشف أهداف الصليبيين الحاقدين على الإسلام وأهله، وأنهم كما قال الله - عز وجل – عنهم : (( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا )) (البقرة: من الآية217).

فالكفار لا تكفيهم التنازلات مهما كثرت إلا أن يرتد المسلمون عن دينهم. فلا تتركوا أمة الإسلام للإعلام المضلل الفاسد الذي يبعد الناس عن حقيقة الكفار في حربهم ويحاول حصرها في أهداف اقتصادية أو يردد ما يقوله الغرب الكافر بأنهم يهدفون إلى حرب الإرهاب وتخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل!!.

يا دعاة الأمة من علماء ومتعلمين :

إن عليكم مسؤولية عظيمة في تثبيت الأمة -بإذن الله تعالى- في مثل هذه الظروف، وإحيائها من سباتها واستثمار هذه الأحداث الكبيرة في إيقاظها وتقوية إيمانها وتوحيدها وولائها وبرائها والقضاء على اليأس والإحباط الذي قد يتسرب إلى بعض النفوس في مثل هذه الظروف، والتأكيد على أن النجاة من الفتن وتحقيق الأمن يكمن في قوة التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك قال الله -تعالى- : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) (الأنعام: 82). كما يكمن في قوة التوكل على الله -تعالى- وإحسان الظن به - سبحانه- (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )) (الطلاق: من الآية3) ، و (( إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)) (هود: من الآية49).

يا دعاة الأمة والإصلاح:

(( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ )) (الأنفال: من الآية1) ، (( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) (الأنفال: من الآية46) ، واعلموا أن من أخطر الأدواء وأفتك الأمراض التفرق وبخاصة في مثل هذه الظروف العصيبة التي رمانا فيها الأعداء عن قوس واحدة، فما أشد فرح عدونا بخلافنا.

إنه لا يجوز بحال أن نوجه حرابنا وخصامنا إلى بعض والعدو يسن سلاحه علينا جميعاً، فالدعاة جميعاً مستهدفون من الغرب الكافر وأذنابه، ومن العجب أن دعاة أهل السنة يتفقون في مواطن كثيرة والخلاف بينهم قليل ومع ذلك يوقف الشيطان كثيراً منهم عند نقاط الخلاف وينسيهم مواطن الاتفاق، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وهو كثير وأهمه الاتفاق على وجود الخطر وضرورة مواجهته وما اختلفنا عليه من مسائل الاجتهادية فليناصح بعضنا بعضا فيها.




الصفحة 3 لـ 6



معاشر المصلحين :

إنكم تمثلون – بإذن الله تعالى – صمام الأمان لهذه الأمة، فبكم وبأمثالكم يدفع الله العقاب والعذاب عن العباد، قال الله - تعالى- : (( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود: 117).

فكثفوا الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية الناس على الإيمان ونشر الخير ومحاربة الفساد ودعوة الناس إلى التوبة الصادقة، وكونوا على يقظة تامة في مثل هذه الظروف مما يحيكه أعداء الأمة من الكفار وأوليائهم المنافقين في انتهازهم لأوقات الفتن وانشغال الناس ليمرروا وينفذوا مخططاتهم الفاسدة في مجتمعات المسلمين وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة وسبل إفسادها، فهذه عادة المنافقين في كل زمان ومكان ، وإنما ينجم نفاقهم ويظهر ويفتضح خبثهم أيام الفتن والنوازل والمحن، فكونوا على حذر واقطعوا عليهم الطريق، وافضحوهم وعرفوهم للناس حتى لا ينخدعوا بهم ، فالمنافقون في كل زمان ومكان أولياء للكفار وبخاصة اليهود والنصارى، قال الله -تعالى-: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) (الحشر:11).

أيها المسلمون :

إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم خير وبركة على الأمة، فبهم يفتح الله الخير والبركات على الناس وبهم يدفع الله الشرور عن الأمة، وبهم يرهب الله الأعداء.

ألا ما أشرف مهنتهم وما أكثر خيرهم وأثرهم على الناس، فما أجدر الأمة أن تحبهم وتدعو لهم وتتعاون معهم على البر والتقوى وتكون معهم على أعدائهم وشانئيهم.

معاشر المسلمين :

إن أيام الفتن والنوازل مظنة لمزلة الأقدام وضلال الأفهام وتحير العقول، وإن من أعظم ما يتسلح به أمام هذه الفتن:

1- دعاء الله - عز وجل - والتضرع إليه : قال الله - تعالى-: (( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)) (الأنعام: من الآية43).

فالدعاء سلاح عظيم تسلح به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم من الصالحين، فلنجهد فيه للنفس. للمسلمين وعلى الكافرين، وليحث الناس عليه وبخاصة كبار السن من الصالحين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم )) رواه البخاري.

2- العلم بالشرع والبصيرة في الدين : فبالعلم تدفع الشبهات ويزول اللبس، ولا يتعرض العبد لخداع المضللين، فإن لم يكن لدى المسلم علم يكفي فالمتعين عليه سؤال العلماء الربانيين الذين يجمعون بين العلم والتقوى والوعي بسبيل المجرمين، فبهم تدفع الشبهات ويميز الله بهم الحق من الباطل.

3- الاجتهاد في العبادات : ففي ذلك تثبيت للعبد وتوفيق له إلى الصواب والحفظ من الفتن بخلاف الغافل المقصر فإنه يخشى عليه أن تزل قدمه. قال الله - عز وجل -: (( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)) (النساء: 66-68) .

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( احفظ الله يحفظك)) ، كما أن للعبادة وقت الفتن شأناً وفضلاً، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم .

وقال - صلى الله عليه وسلم- : (( عبادة في الهرج كهجرة إلي)) رواه مسلم وأحمد ولفظه عنده ((العبادة في الفتنة كهجرة إلي)) .

قال ابن رجب - رحمه الله تعالى- في شرحه لهذا الحديث في لطائف المعارف ( وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتنة يتبعون أهواءهم فلا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مسا خطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-) ا هـ.

4- الحذر الحذر من العجلة والتسرع أيام الفتن : ولزوم التؤدة في جميع الأمور، فالتؤدة خير كلها إلا في أمور الآخرة؛ وتتأكد في النوازل والفتن، فكم هم الذين أقروا بندمهم على تسرعهم وتعجلهم في أمر كان لهم فيه أناة ولكن حين لا ينفع الندم، ومما يعين على التؤدة والأناة كثرة المشاورة لأهل العلم الناصحين وأهل الوعي والتجربة، وعدم الانفراد بالرأي في اتخاذ الموقف، ومما له علاقة بالعجلة أيام الفتن تطبيق أحاديث الفتن الواردة في آخر الزمان على واقع قائم أو نازلة تحل بالمسلمين فإنه يحلو لبعض الناس المتعجلين مراجعة أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفتن وتنزيلها على واقع قائم وهذا خطأ وتعجل لا يحمد عقباه، كمثل ظن بعضهم أن المهدي هو رجل من هذا الزمان سموه وعينوه ورتبوا على ذلك أفعالاً وأحكاما وكما فسر بعضهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (( إن الفتنة في آخر الزمان تكون من تحت رجل من أهل بيتي)) بأنه فلان بن فلان أو القول بأن تفسير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- "يكون بينكم وبين الروم صلح آمن..." إلى آخر ما جاء في الحديث من أخبار وأحداث هو ما يحصل في زماننا وهذا التطبيق لأحاديث الفتن على الواقع وبث ذلك في المسلمين قبل حصول موجبات القطع واليقين به ليس من منهج أهل السنة والجماعة فإن السلف علمونا أن أحاديث الفتن لا تنزل على واقع حاضر، وإنما يظهر صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أخبر به من حدوث الفتن بعد حدوثها وانقضائها. وأهل السنة والجماعة يذكرون الفتن وأحاديثها محذرين منها مباعدين للمسلمين عن غشيانها أو الاقتراب منها، وشبيه بالعجلة في تفسير أحاديث الفتن العجلة في تأويل الرؤى والتعلق بها والانطلاق منها في اتخاذ المواقف والقيام بأعمال خطيرة بناء على الرؤى وهذا قد يكون من كيد الشيطان ومكره، فالصادق من الرؤى يستبشر به ولا يعول عليه.

أيها الإعلاميون في بلدان المسلمين :

إن أمتكم تمر بظروف عصيبة وحاسمة وإن المسؤولية عليكم عظيمة والأمانة جسيمة ((لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الأنفال: من الآية27).

لقد أنعم الله عليكم بنعمة القلم والبيان، فاشكروا الله على ذلك وسخروا ذلك في بيان الحق للناس وتحذيرهم من الباطل، ولا تلبسوا على الناس الحقائق ولا تضللوهم بتقليد الإعلام الكافر وترديد ما يقول ويلبس؛ إنكم إن فعلتم ذلك فقد كفرتم نعمة الله عليكم وعصيتم أمر ربكم وخنتم أماناتكم وأمتكم وتحملتم وزر من ضل بسببكم من غير أن ينقص ذلك من أوزار الضالين شيئاً.

تجنبوا النفاق والكذب وقلب الحقائق ، فإن الله سائلكم ومحاسبكم عن ذلك كله (( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )) (الكهف: 49).

وأنتم يا من ابتلاكم الله بتوجيه الإعلام المرئي من تلفاز وبث فضائي إلى الأمة.. إن الأمة تشكوكم إلى بارئها - عز وجل - وتعج إلى الله -تعالى- مما صنعتم في إفساد الدين والأعراض والأخلاق. فهل أنتم منتهون؟ وهل أنتم مدركون لعظيم جرمكم؟ اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، وانتبهوا لعظيم ما تجرونه من الفساد على أمتكم. إن عدونا يحيط بنا من كل جانب، فهل يليق بنا والحالة هذه أن نلهو ونلعب و نرقص ونغني؟؟ فاتقوا الله في دينكم وأمتكم (( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)) (البقرة: 281).

هذا ما يسر الله لي كتابته في هذا البحث فما كان فيه من صواب فمن الله وحده وبتوفيقه وله علي المن والفضل، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن يكلني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقه طرفة عين.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.





الصفحة 4 لـ 6





الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

قال الله تعالى : ((قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) (آل عمران:137) .

(( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)) (فاطر: من الآية43) .

والآيات من كتاب الله عز وجل في ذكر مثل هذه السنن الربانية كثيرة جداً وبخاصة عند التقديم والتعقيب على قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم ،وإنه لمن الواجب على دعاة الحق و المجاهدين في سبيل الله تعالى أن يقفوا طويلاً مع كتاب الله عز وجل وما تضمن من الهدى والنور ومن ذلك ما تضمنه من السنن الربانية المستوحاة من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وذلك لأن في معرفتها والسير على هداها أخذ بأسباب النصر والتمكين والفلاح ، ونجاة مما وقع فيه الغير من تخبط وشقاء وفي الغفلة عنها تفريط في الأخذ بأسباب النجاة وإعراض عن هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله عز وجل ، الذين هم أعرف الناس بالله سبحانه، وبأسمائه وصفاته ، وبالتالي فهم أعرف بسننه سبحانه وعاداته وأيامه وهم ألزم الناس لها وللسير على ضوئها ،وما ضل من ضل إلا بسبب الإعراض عن كتاب الله عز وجل وما فيه من الهدي والنور ، يقول الدكتور محمد السلمي حفظه الله :

( التاريخ بما يحتوي من الحوادث المتشابهة والمواقف المتماثلة يساعد على كشف هذه السنن التي هي غاية في الدقة والعدل والثبات ، وفي إدراكنا للسنن الربانية فوائد عظيمة حتى لو لم نقدر على تفادي حدوثها والنجاة منها ، حيث يعطينا هذا الإدراك والمعرفة صلابة في الموقف ، بخلاف من يجهل مصدر الأحداث ؛ فإن الذي يعلم تكون لديه بصيرة وطمأنينة ، أما الذي يجهل فليس لديه إلا الحيرة والخوف والقلق ) أهـ .

( منهج كتابة التاريخ الإسلامي ص 60)

وليس المقصود هنا التفصيل في موضوع السنن الربانية فهذا له مقام آخر، وإنما المقصود هو الاستضاءة بهذه السنن في الوصول إلى الموقف الحق الذي نحسب أنه يرضي الله عز وجل وذلك في الأحداث الساخنة التي تدور رحاها في العراق وفلسطين وأفغانستان ، والشيشان وما صاحبها من فتن ومواقف ، وسأقتصر على ذكر ثلاث من هذه السنن التي رأيت أن لها مساساً بهذه الأحداث المعاصرة :

السنة الأولى : سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل .

السنة الثانية : سنة الابتلاء والتمحيص .

السنة الثالثة : سنة الإملاء والاستدراج .

السنة الأولى : سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل

يقول الله عز وجل : (( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)) (البقرة: من الآية251) .

ويقول تبارك وتعالى : (( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (الحج: من الآية40) .

وعن عياض بن حمار المُجاشِعي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته : ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا ؛ كل مال نحلته عبداً حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، , وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً . وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ، وقال :إنما بعثتك لأبتليك وابتلى بك ، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ، وإن الله أمرني أن أحرق قريشاً فقلت :رب إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزةً قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغرك ، وأنفق فسننفق عليك ، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ) الحديث .(1)

ففي هاتين الآيتين والحديث القدسي أبلغ دليل على أنه منذ أن اجتالت الشياطين بني آدم عن دينهم وظهر الشرك والكفر وظهر تحريم الحلال وتحليل الحرام والصراع حتمي بين الحق وأهله من جهة والباطل وأهله من جهة أخرى ؛ هذه سنة إلهية لا تتخلف ووقائع التاريخ القديم والحديث تشهد على ذلك وهذه المدافعة وهذا الصراع بين الحق والباطل إن هو إلا مقتضى رحمة الله وفضله ، وهو لصالح البشرية وإنقاذها من فساد المبطلين ؛ ولذلك ختم الله عز وجل آية المدافعة في سورة البقرة ، بقوله سبحانه : (( ولكن الله ذو فضل على العالمين )) حيث لم يجعل الباطل وأهله ينفردون بالناس بل قيض الله له الحق وأهله يدمغونه حتى يزهق فالله تعالى يقول : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)) (الأنبياء:18) .

إن الذين يطمعون في الإصلاح ودرء الفساد عن الأمة بدون هذه السنة – أعني سنة المدافعة مع الباطل وأهل الفساد – إنهم يتنكبون منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل الذي ارتضاه واختاره لهم ، وإن الذين يؤثرون السلامة والخوف من عناء المدافعة مع الفساد وأهله ، إنهم بهذا التصرف لا يسلمون من العناء والمشقة ، بل إنهم يقعون في مشقة أعظم وعناء أكبر يقاسونه في دينهم ، وأنفسهم ، وأعراضهم ، وأموالهم ، وهذه هي ضريبة القعود عن مدافعة الباطل ، وإيثار الحياة الدنيا .

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى : ( إن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت والدينونة لله وحده – مهما عظمت وشقت – أقل وأهون من تكاليف التبعية للطواغيت ! إن تكاليف التبعية للطواغيت فاحشة مهما لاح فيها من السلامة والأمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق ! إنها تكاليف بطيئة طويلة مديدة ! تكاليف في إنسانية الإنسان ذاته . ( فهذه الإنسانية ) لا توجد والإنسان عبد للإنسان وأي عبودية شر من خضوع الإنسان لما يشرعه له إنسان ؟ ! وأي عبودية شر من تعلق قلب إنسان بإرادة إنسان آخر به ورضاه أو غضبه عليه ؟ ! وأي عبودية شر من أن تتعلق مصائر إنسان بهوى إنسان مثله ورغباته وشهواته ؟ ! وأي عبودية شر من أن يكون للإنسان خطام أو لجام يقوده منه كيفما شاء إنسان ؟ !

على أن الأمر لا يقف عند حد هذه المعاني الرفيعة . إنه يهبط ويهبط حتى يكلف الناس – في حكم الطواغيت – أموالهم التي لا يحميها شرع ولا يحوطها سياج ، كما يكلفهم أولادهم ؛ إذ ينشئهم الطاغوت كما شاء على ما شاء من التصورات والأفكار والمفهومات والأخلاق والتقاليد والعادات ، فوق ما يتحكم في أرواحهم وفي حياتهم ذاتها ، فيذبحهم على مذبح هواه ، ويقيم من جماجمهم وأشلائهم أعلام المجد لذاته والجاه ! ثم يكلفهم أعراضهم في النهاية؛ حيث لا يملك أب أن يمنع فتاته من الدعارة التي يريدها بها الطواغيت ، سواء في صورة الغصب المباشر – كما يقع على نطاق واسع على مدار التاريخ - أو في صورة تنشئتهن على تصورات ومفاهيم تجعلهن نهباً مباحاً للشهوات تحت أي شعار! وتمهد لهن الدعارة والفجور تحت أي ستار . والذي يتصور أنه ينجو بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه في حكم الطواغيت من دون الله ، إنما يعيش في وهم أو يفقد الإحساس بالواقع !) أهـ (2)

والمدافعة بين الحق والباطل تأخذ صوراً متعددة : فبيان الحق وإزالة الشبه ورفع اللبس عن الحق وأهله مدافعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدافعة ، وبيان سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين مدافعة ، والصبر والثبات على ابتلاء الأعداء من الكفرة والظلمة مدافعة ، ويأتي الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل على رأس وذروة هذا المدافعات لكف شر الكفار وفسادهم عن ديار المسلمين ودينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( والجهاد : منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة والبيان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكنه ) (3) .

واليوم لم يعد خافياً على كل مسلم ما تتعرض له بلدان المسلمين قاطبة من غزو سافر وحرب شرسة على مختلف الأصعدة ، وذلك من قبل أعدائها الكفرة ، وأذنابهم المنافقين ؛ فعلى الصعيد العسكري ترزح بعض بلدان المسلمين تحت الاحتلال العسكري لجيوش الكفرة المعتدين التي غزت أهل هذه البلدان في عقر دارهم كما هي الحال في أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين وكشمير ، وعلى صعيد الحرب على الدين والأخلاق والإعلام والتعليم والاقتصاد لم يسلم بلد من بلدان المسلمين من ذلك .

وكما هو مقرر عند أهل العلم أن جهاد الكفار يصبح متعيناً على أهل كل بلد عند ما يغزون في عقر دارهم ، ويجب على كل قادر أن ينفر لصد العدوان وقتال الكفار حتى يجلوا عن أرض المسلمين ، والجهاد في هذه البلدان يكون بالنفس والمال ولا يشترط له شرط كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله : ( وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين ، فواجب إجماعاً ؛ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء : أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده ) (4)

ويجب على بقية بلدان المسلمين أن ينصروا إخوانهم في بلدانهم المغزوة بأن يمدوهم بالمال والسلاح والبيان والدعاء ، وإذا لم يكف المقاتلون في البلد المعتدى عليه في صد العدوان وجب على البلاد المجاورة لهم أن تمدهم بالرجال والمال حتى يكتفوا كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث يقول : ( وإذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذا بلاد المسلمين كلها منزلة البلدة الواحدة ) (5).

كما يجب على من كان من المسلمين ذا خبرة عسكرية في صنف من فنون القتال أن ينفر لنصرة إخوانه في البلدان المغزوة ؛ قال الله تعالى : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ، إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (التوبة:38- 41) .

هذا فيما يتعلق بقتال الدفع عن المسلمين الذين احتل الكفار ديارهم وغزوهم في عقر دارهم ، أما البلدان التي غزاها الكفار في عقر دارها عقدياً واجتماعياً وإعلامياً واقتصاداً وثقافياً، وتعاون معهم إخوانهم المنافقون في تنفيذ مخططاتهم فهذا النوع من الغزو لم يسلم منه بلد من بلدان المسلمين وقد تسارع الغزاة في تنفيذ مخططهم الإفسادي في السنوات الأخيرة بشكل لافت وخطير ، فما هو الواجب على المسلمين في هذه البلدان لمدافعة هذا الغزو الخطير؟

فقد تقرر فيما سبق من الكلام إن الجهاد يتعين على المسلمين إذا غزاهم الكفار في عقر دارهم ، ويصبح واجباً على كل مسلم قادر أن يشارك في دفع الصائل عن بلده بكل ممكن ، فإن كان الغزو عسكرياً وبالسلاح وجب رده بالقوة الممكنة والسلاح ، وإذا كان الغزو بسلاح الكلمة والكتاب والمجلة والوسائل الإعلامية الخبيثة بأنواعها المقروءة و المسموعة والمشاهدة منها أقول : إذا كان الغزو من الكفار للمسلمين في عقر دارهم بهذه الوسائل والمعاول الخطيرة والتي يباشر الكفار بعضها وينيبون إخوانهم من المنافقين في بعضها فإن الجهاد بالبيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمدافعة والتحصين يصبح واجباً عينياً على كل قادر من المسلمين كل بحسبه ، وإن التقاعس أو التشاغل أو التخذيل لهذا الضرب من الجهاد يخشى أن يكون من جنس التولي يوم الزحف ، وتقديماً للدنيا الفانية على محبة الله عز وجل ورسوله والجهاد في سبيله تعالى ، ولا يبعد أن يكون من المعنيين بقوله تعالى : (( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) (التوبة:24).

هذا ، وإن كانت هذه الآيات في جهاد الكفار في ساحات القتال ولكن ما الذي يمنع من أن تشمل أيضاً القاعدين عن جهاد الكفار والمنافقين بالبيان والمدافعة لأفكارهم الخبيثة وأخلاقهم السافلة ، والوقوف أمام وسائلهم ومخططاتهم المختلفة وتحصين الأمة وتحذيرها منها ؟

فلقد قال الله عز وجل آمراً نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في سورة مكية بمجاهدة الكفار بالقرآن قبل فرض الجهاد عليهم بالقتال ؛ وذلك في سورة الفرقان حيث يقول الله عز وجل : ((فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً)) (الفرقان:52).

وقد مر بنا كلا م شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( والجهاد منه ما هو باليد ، ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكن) ولا يعذر أحد من المسلمين في النفرة لهذا الجهاد كل بحسب علمه وقدرته ؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : ( ولله سبحانه على كل أحد عبودية بحسب مرتبته ، سوى العبودية العامة التي سوى بين عباده فيها : فعلى العالم من عبودية نشر السنة والعلم الذي بعث الله به رسوله ما ليس على الجاهل ، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره .

وعلى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من هو عليه به ، والصبر على ذلك والجهاد عليه ما ليس على المفتي وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير .

وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما .

ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين ، هم أقل الناس ديناً والله المستعان ، وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تُنتهك ، وحدوده تضاع ، ودينه يترك ، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرغب عنها ، وهو بارد القلب ساكت اللسان ، شيطان أخرس ، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق؟ وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم ، فلا مبالاة بما جرى على الدين ؟ وخيارهم المُتحزِّن المتلمظ ،

ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتذبل وجدّ واجتهد ، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه ، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون ، وهو موت القلوب ؛ فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل ) (6)

(1) رواه مسلم ( 2865) .

(2) في ظلال القرآن 3/ 1319 بتصرف يسير

(3) الاختيارات الفقهية : ص 447

(4)الاختيارات الفقهية ص 309 ، 310

(5)الاختيارات الفقهية ص 448

(6) إعلام الموقعين 2/176



الصفحة 5 لـ 6



السنة الثانية : سنة الابتلاء والتمحيص

قال الله عز وجل : (( الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون. ولقد فتنا الذين من قبلهم ليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين َ) ) (العنكبوت:1،2) .

وقال تعالى : (( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (آل عمران: من الآية154) وقال سبحانه وتعالى : (( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيم (آل عمران:179) .

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى عن الآية الأخيرة : ( أي لا بد أن يعقد سبباً من المحنة يظهر فيه وليه ، ويفتضح فيه عدوه ، يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر ) (1) .

ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى : ( ويقطع النص القرآني بأنه ليس من شأن الله – سبحانه – وليس من مقتضى إلوهيته ، وليس من فعل سنته ، أن يدع الصف المسلم مختلطاً غير مميز، يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ، ومظهر الإسلام ، بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ، ومن روح الإسلام ؛ فقد أخرج الله الأمة المسلمة لتؤدي دوراً كونياً كبيراً ، ولتحمل منهجاً إلهياً عظيماً ، ولتنشئ في الأرض واقعاً فريداً ، ونظاماً جديداً ، وهذا الدور الكبير يقتضي التجرد والصفاء والتميز والتماسك ، ويقتضي ألا يكون في الصف خلل ، ولا في بنائه دخل ، وبتعبير مختصر يقتضي أن تكون طبيعة هذه الأمة من العظمة بحيث تسامي عظمة الدور الذي قدره الله لها في هذه الأرض، وتسامي المكانة التي أعدها الله لها في الآخرة .

وكل هذا يقتضى أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث ، وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة ، وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر ، ومن ثم كان شأن الله – سبحانه – أن يميز الخبيث من الطيب ولم يكن شأنه أن يذر المؤمنين على ما كانوا عليه قبل هذه الرجة العظيمة ! ) (2)

وبالنظر إلى ما يدور من الأحداث الخطيرة والمتسارعة في بلدان المسلمين اليوم - وذلك في الصراع بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر والنفاق سواء ما كان منه صراعاً عسكرياً جهادياً باليد والسنان كما هو الحال في بلاد العراق وفلسطين وما صاحب ذلك من التداعيات أو ما كان منه صراعاً عقدياً وأخلاقياً كما هو الحاصل في عامة بلدان المسلمين - أقول : بالنظر لهذا الصراع في ضوء سنة الابتلاء والتمحيص نرى أنه هذه السنة الربانية الثانية تعمل الآن عملها بإذن ربها سبحانه وتعالى لتؤتي أكلها الذي أراده الله عز وجل منها ؛ ألا وهو تمحيص المؤمنين وتمييز الصفوف حتى تتنقى من المنافقين وأصحاب القلوب المريضة ؛ وحتى يتعرف المؤمنون على ما في أنفسهم من الثغرات والعوائق التي تحول بينهم وبين التمكين لهم في الأرض فيتخلصوا منها ويغيروا ما بأنفسهم . فإذا ما تميزت الصفوف وتساقط المتساقطون في أبواب الابتلاء وخرج المؤمنون الصادقون منها كالذهب الأحمر الذي تخلص من شوائبه بالحرق في النار حينها تهب رياح النصر على عباد الله المصطفين الذين يستحقون أن يمحق الله من أجلهم الكافرين ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وقبل هذا التمحيص والتمييز فإن سنة محق الكافرين وانتصار المسلمين التي وعدها الله عز وجل عباده المؤمنين لن تتحقق . هكذا أراد الله عز وجل وحكم في سننه التي لا تتبدل : أن محق الكافرين لا بد أن يسبقه تمحيص المؤمنين ، ولذلك لما سأل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : أيها أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى كان من دقيق استنباطه وفهمه لكتاب الله عز وجل أن قال: " لا يمكن حتى يبتلى . " ولعله فهم ذلك من قوله تعالى : (( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) (آل عمران:141) .

وللتدليل والتأكيد على أن مجتمعات المسلمين تعيش اليوم حالة شديدة من الابتلاء والتمحيص والفتنة في هذه النوازل : أذكر بعض المواقف التي أفرزتها هذه السنة - أعني سنة الابتلاء والتمحيص - في خضم هذه الفتن المتلاطمة ولم يكن لهذه المواقف أن تعرف ويعرف أهلها قبل حصول هذه الفتن ، وقد ظهرت هذه المواقف مع أننا في أول السنة وبداية الابتلاء فكيف يكون الحال في آخر الأمر نعوذ بالله أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن ، وفي ذكر هذه المواقف نصيحة وتحذير لنفسي ولإخواني المسلمين من الوقوع فيها أو المبادرة بالخروج منها لمن وقع فيها .

الموقف الأول : موقف المنافقين والمرجفين

النفاق داء عضال في الأمة ، ولقد عانت الأمة في تاريخها الطويل ما عانت من الخيانات ومظاهرة الكافرين وكشف عورات المسلمين لأعدائهم ، ومن عادتهم أنهم لا يظهرون إلا في أيام المحن الكبيرة والنوازل العظيمة التي تمر بالمسلمين حيث يظهر الله عوارهم ويكشف أسرارهم ، وهذا من رحمة الله عز وجل وحكمته في حصول الابتلاءات ، ومن ذلك ما كان منهم يوم الأحزاب يوم أن أحاط المشركون وحلفاؤهم بالمدينة ، ونقضت اليهود عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزلزل المسلمون زلزالاً شديداً وعند ذلك نجم المنافقون والمرجفون والمعوقون ممن كانوا مندسين في الصف المسلم . ويكفينا في وصف حال المنافقين في هذه الغزوة قول الله عز وجل : (( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ، وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً ، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً)) (الأحزاب:12، 13، 14) .

إلى قوله تعالى :(( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً)) (الأحزاب:18) .

وها نحن في هذا الزمان نشاهد فريقاً منهم يقفون نفس الموقف الذي وقفه إخوانهم يوم الأحزاب ؛ وذلك عند ما رأى منافقوا زماننا ما أحاط بالمسلمين من النوازل ، ورأوا إخوانهم من الصليبيين يحيطون ببلدان المسلمين فظهر نفاقهم وبدا للناس ما كانوا يخفون من قبل ، وأصبحنا نسمع منهم الإرجاف وترديد ما يقوله الكفرة الغزاة عن المجاهدين والدعاة الصادقين ، وراحوا يحرضون عليهم ويشمتون بما يصيبهم من المحن والمصائب ، وصاروا يبثون في الأمة اليأس من مقاومة الغزاة ، يحسنون الكفرة الغزاة في عيون المسلمين ، ويستبشرون بمجيئهم ويساندونهم في تنفيذ مخططاتهم لغزو العقيدة والأخلاق " قال الله تعالى في وصف سلفهم من المنافقين الأولين : (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) (الحشر:11) .

وقال سبحانه وتعالى عن شماتتهم بالمؤمنين وإشاعة اليأس والإرجاف وإساءة الظن بالله عز وجل ووعده : (( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)) (الفتح:12) .

ولم يعد خافياً على أحد ما يطرحونه في وسائل الإعلام المختلفة وبكل وقاحة ودون حياء ولا خوف من الله عز وجل أو من الناس ، وذلك في ما يتعلق بثوابت الدين أو ما يتعلق بالمرأة والتحريض على خروجها ومخالطتها للرجال والزج بها في أعمال مخالفة لحكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، والسعي الحثيث لمحاكاة المرأة الغربية في هديها وأخلاقها .

وليس المقصود هنا تتبع ما يفعله المنافقون والمرجفون في هذه السنوات الأخيرة والمحن العصيبة التي تمر بالمسلمين ، وإنما المقصود التدليل على أن سنة الله عز وجل في الابتلاء والتمحيص أنها تكشف وتفضح المنافقين وتبرزهم في مجتمعات المسلمين كما فضح الله عز وجل إخوانهم وسلفهم في عزوة الأحزاب وغزوة أحد وغزة تبوك التي أنزل الله عز وجل فيها سورة كاملة هي سورة التوبة التي من أسمائها الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وميزتهم. وهذه من الحكم العظيمة ، والفوائد الجليلة لسنة الابتلاء ؛ إذ لو بقي المنافقون في الصف المسلم دون معرفة لهم فإنهم يشكلون خطراً وتضليلاً للأمة ، أما إذا عرفوا وفضحوا وتميزوا فإن الناس يحذرونهم ، وينبذونهم ويجاهدونهم بالحجة والبيان ، أو بالسيف والسنان إن ظهر انحيازهم للكفار ومناصرتهم لهم ، وبذلك يتخلص المسلمون من سبب كبير من أسباب الهزيمة والفشل ويتهيئون لنصر الله عز وجل وتأييده .

الموقف الثاني : موقف اليائسين والمحبطين والخائفين

لما كشف أعداء هذا الدين من الكافرين وبطانتهم من المنافقين عن عدائهم الصريح وحربهم المعلنة على الإسلام وأهله ، وعندما تعرض كثير من المسلمين ومؤسساتهم الدعوية والخيرية للمضايقة والأذى من الكفرة والمنافقة شعر بعض المسلمين حينئذ بشيء من اليأس والإحباط والخوف وبخاصة لما قام شياطين الإنس والجن يبثون وساوسهم وشبههم في تضخيم قوة الأعداء وأنها لا تقهر سيطر على بعض النفوس اليأس من ظهور هذا الدين والتمكين لأهله؛ فكان منهم فئة ظهر ضعف يقينها ومرض قلوبها في هذه الابتلاءات فشكت في ظهور هذا الدين واهتز يقينها بوعد الله تعالى بنصرة دينه ، وهؤلاء على خطر يهدد إيمانهم ويخشى أن يقعوا في فتنة المنافقين الظانين بالله ظن السوء. وفئة أخرى لم يساورها الشك في دين الله تعالى : بنصرة أوليائه ، وإنما أصابها اليأس من ذلك في هذا الزمان حيث رأت أن المسلمين اليوم غير قادرين على المواجهة لعدم تكافؤهم مع عدوهم وعليه فلا داعي للمقاومة التي لا تفيد شيئاً، وإنما هي بمثابة المحرقة التي تحرق المسلمين وبخاصة المجاهدين منهم ، والحل عند هؤلاء : الاستسلام للواقع وانتظار معجزة ربانية من الله عز وجل كانتظار المهدي أو المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام !! ولا يخفى ما في هذه التصور من الانحراف والشطط ، وكم هو مفرح للكفرة والمنافقين مثل هذا التفكير ومثل هذه المواقف المستخذية التي تبث اليأس في نفوس المسلمين وتعيقهم عن بذل الجهد في الدعوة والجهاد والأخذ بالأسباب الشرعية والمادية للنصر على الأعداء . وإن مواقف الخوف واليأس والإحباط ما كانت لتعرف لو لا سنة الابتلاء والتمحيص وظهور هذه السنة وعملها اليوم في حياة المسلمين هي التي أفرزت وأظهرت مثل هذه المواقف وفي ظهورها فائدة لأصحابها لعلهم أن يراجعوا أنفسهم ويقلعوا عن هذه المواقف بعد أن اكتشفوا هذا المرض الكامن في نفوسهم بفعل هذه السنة ، كما أن فيه فائدة أيضاً لغيرهم ليحذروا من هذه المواقف ويحذروا ممن ينادي بها ؛ قال الله تعالى في تحذير عباده المؤمنين من الوهن واليأس والإحباط : )) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (آل عمران:139).

وقال سبحانه وتعالى في وصف عباده الصابرين والموقنين بنصره عز وجل: (( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) (آل عمران:146، 147، 148)

وقال سبحانه وتعالى في وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لما تحزبت عليهم الأحزاب : ((وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)) (الأحزاب:22) .

الموقف الثالث : موقف المسايرين للواقع أهل الحلول الوسط

وهم الذين نظروا إلى شدة ما يصيب المسلمين في هذه الأزمنة من الأذى والتضييق والابتلاءات المتنوعة فرأوا أن الثبات والصمود على ثوابت هذا الدين والصبر على أحكامه الشرعية ومصادمة الواقع مما يصعب في مثل هذه الظروف ؛ لأن أعداء هذا الدين لا يرضون بذلك بل يوجهون حربهم إلى هؤلاء الثابتين الذين يطلقون عليهم تارة : الأصولية ، وتارة : المتشددين ، وتارة : الإرهابيين ، والخطير في الأمر في هذه المواقف أنها تغطى بشبه شرعية ، ويحاول أصحابها أن يؤصلوا مواقفهم هذه بأدلة يزعمون أنها قواعد شرعية مع أنها غير منضبطة بضوابط الشرع ولا ملتزمة بمقاصده ؛ كاستدلالهم مثلاً بالضرورة وأحكامها ، وقواعد التيسير ورفع الحرج ، وبالمصالح المرسلة وغيرها مما هي صحيحة في أصله لكنها فاسدة في تطبيقها (3)

وعلامة أصحاب هذا الموقف أنهم يصفون أنفسهم أو يصفهم غيرهم بالمعتدلة أو الوسطية . وهذه المواقف ما كانت لتعرف لولا سنة الابتلاء التي تمحص وتميز الصفوف ويكشف الله بها كوامن النفوس التي يعلمها الله مسبقاً ، لكنه سبحانه يظهرها للناس بفعل سنة الابتلاء والتمحيص وصدق الله العظيم : (( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)) (آل عمران: من الآية179) .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتمسك بدينه في آخر الزمان يعد غربياً بين الناس ووصفه بأنه كالقابض على الجمر وهذا الوصف لا يقدر عليه إلا أولوا العزم من المؤمنين الصابرين ؛ قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الإسلام بدأ غربياً وسيعود غريباً كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء " قيل ومن هم يا رسول الله ؟ قال: " الذين يصلحون ما أفسد الناس)) (4).

وقال صلى الله عليه وسلم : (( يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)) (5) .

ولا يخفى على من يراقب اليوم كثيراً من الفتاوى والحوارات التي تقوم بها بعض الصحف والمجلات والقنوات الفضائية ما تحمل من هذه المواقف المتميعة والتي يحاول أصحابها أن يتشبثوا في الاقتناع بها بأدنى شبهة أو أدنى قول شاذ يخالفه الدليل الصحيح من الكتاب والسنة ، وهذه المواقف والفتاوى لم تقتصر على الأحكام فحسب بل تعدتها إلى أصول العقيدة وأركانها ، وبخاصة ما يتعلق بمسائل الإيمان والكفر وحدودها، أو بمسائل الولاء والبراء، أو ما يتعلق بالجهاد وأحكامه ؛ والمقصود أن سنة الابتلاء والتمحيص التي نعيشها هذه الأيام قد أفرزت مثل هذه المواقف ولله عز وجل الحكمة في ذلك ؛ لأن في ظهورها خيراً لأهلها لعلهم يحاسبون أنفسهم فيتخلصون منها كما أن فيها خيراً أيضاً لغيرهم حتى يحذروها ويحذروا منها .

الموقف الرابع : موقف المتعجلين المغيرين بالقوة

وهذا الموقف يقابل الموقف السابق ، فبينما ينحي الموقف السابق إلى التنازل عن بعض الثوابت والتعلق ببعض الشبهات والشذوذات ، يذهب أصحاب هذا الموقف إلى الطرف المقابل حيث لم يصبروا على ما يرون من شدائد ومحن وابتلاءات توجه للمسلمين في دينهم وأعراضهم وعقولهم ورأوا أن الموقف إزاء مثل هذه الابتلاءات هو المواجهة المسلحة دون أن ينظروا إلى ما يترتب عليها من مفاسد كبيرة ، ودون أن ينظروا إلى واقعية المصالح التي يسعى لتحقيقها فنشأ من جراء ذلك أضرار عظيمة عليهم وعلى الدعوة وأهلها في المحيط الذي تدور فيه هذه المواجهات ، وهنا أود التنبيه إلى أنه ليس المعنى في هذه المواقف تلك الحركات الجهادية التي تدافع عن المسلمين وديارهم في أفغانستان والعراق والشيشان وفلسطين وكشمير وغيرها ممن يقوم بجهاد الدفع عن ديار المسلمين المحتلة ، وإنما المعني هنا أولئك الذين يرون المواجهة المسلحة في بعض بلدان المسلمين قبل وضوح راية الكفر في تلك البلدان للناس ، ودون وضوح راية أهل الإيمان في مقابل ذلك ، مما ينشأ عنه اللبس والتلبيس على الناس ، فتختلط الأوراق ويجد هؤلاء المجاهدون المستعجلون أنفسهم وجهاً لوجهٍ مع إخوانهم المسلمين ، فحينئذ تقع الفتنة بين المسلمين ، ويقتل بعضهم بعضاً ، كما هو حاصل في الجزائر وما قد حصل في مصر وسوريا أما تلك الحركات الجهادية التي أعلنت جهادها على الكفار في العراق وأفغانستان لمواجهة التحالف الصليبي أو في كشمير لمواجهة الهندوس والوثنيين ، أو في الشيشان لمواجهة الملاحدة الشيوعيين ، أو في فلسطين لمواجهة اليهود الغاشمين فإنها حركات مشروعة لوضوح الراية الكفرية ، وزوال اللبس عن المسلمين في تلك الأماكن ، كما أنه جهاد للدفاع عن الدين والعرض والمكان حتى لا ترتفع فيه راية الكفار . والذي حملني على هذا التنبيه ما نسمعه – ويا للأسف – من بعض الفتاوى المتسرعة والتي مفادها أن القتال ضد الغزاة الكفرة في العراق هو قتال فتنة وتعجل وافتئات على الأمة وهذا من صور الابتلاء الذي يتعرض له المسلمون في هذه الأزمنة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير ابن كثير عند الآية ( 179) من سورة أل عمران .

(2) في ظلال القرآن (1/525 ) .

(3) للرد على هذه الشبهات : انظر كتاب ( فاستقم كما أمرت ) للمؤلف

(4) تحفة الأحوذي ( 2361 ) 6/539 وقال الترمذي : حديث غريب وقال الأرناؤوط في جامع الأصول له شواهد يرتقي بها .




الصفحة 6 لـ 6



السنة الثالثة : سنة الإملاء والاستدراج للكفار والمنافقين

قال تعالى : (( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)) (آل عمران:178) .

وقال تعالى : (( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)) (لأعراف:182، 183) .

وهذه السنة الإلهية تعمل عملها في هذه الأوقات ؛ وذلك في معسكر أهل الكفر والنفاق ؛ وبخاصة أولئك الذين بلغ بهم الكبر والغطرسة والظلم والجبروت مبلغاً عظيماً ونراهم يزدادون يوماً بعد يوم في الظلم والبطش والكبرياء ومع ذلك نراهم ممكنين ولهم الغلبة الظاهرة كما هو الحاصل الآن من دولة الكفر والطغيان أمريكا ؛ حيث ظلمت وطغت وقالت بلسان حالها ومقالها : ( من أشد منا قوة ) وقد يحيك في قلوب بعض المسلمين شيء وهم يرون هؤلاء الكفرة يبغون ويظلمون ومع ذلك هم متروكون لم يأخذهم الله بعذاب من عنده ، لكن المسلم الذي يفقه سنة الله عز وجل ويتأملها ويرى آثارها وعملها في الأمم السابقة لا يحيك في نفسه شيء من هذا لأنه يرى في ضوء هذه السنة أن الكفرة اليوم وعلى رأسهم أمريكا وحلفائها هم الآن يعيشون سنة الإملاء والاستدراج والتي تقودهم إلى مزيد من الظلم والطغيان والغرور ، وهذا بدوره يقودهم إلى نهايتهم الحتمية وهي الهلاك والقصم في الأجل الذي قد ضربه الله لهم قال تعالى : (( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)) (الكهف:59) .

والله عز وجل لا يستجيب لعجلة المستعجلين بل له الحكمة البالغة والسنة الماضية التي إذا آتت أكلها أتى الكفرة ما وعدهم الله تعالى لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون .

يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى في هذه الآية السابقة الذكر من سورة آل عمران : ( وفي هذه الآية يصل السياق إلى العقدة التي تحيك في بعض الصدور ، والشبهة التي تجول في بعض القلوب ، والعتاب الذي تجيش به بعض الأرواح ، وهي ترى أعداء الله وأعداء الحق ، متروكين لا يأخذهم العذاب ، ممتعين في ظاهر الأمر ، بالقوة والسلطة والمال والجاه! مما يوقع الفتنة في قلوبهم وفي قلوب الناس من حولهم ؛ ومما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، يحسبون أن الله – حاشاه – يرضى عن الباطل والشر والجحود والطغيان ، فيملي له ويرخي له العنان ! أو يحسبون أن الله – سبحانه – لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل ، فيدع للباطل أن يحطم الحق ، ولا يتدخل لنصرته! أو يحسبون أن هذا الباطل حق ، وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب ؟ أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض ، وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر ! ثم يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين ، يلجون في عتوهم ويسارعون في كفرهم ، ويلجون في طغيانهم ، ويظنون أن الأمر قد استقام لهم ، وأن ليس هنالك من قوة تقوى على الوقوف في وجههم !!

وهذا كله وهم باطل ، وظن بالله غير الحق ، والأمر ليس كذلك .

وها هو ذا الله سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن ؛ إنه إذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه وإذا كان يعطيهم حظاً في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه ؛ إذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء فإنما هي الفتنة ، وإنما هو الكيد المتين ، وإنما هو الاستدراج البعيد : (( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)) (آل عمران:178) .

ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم الله من غمرة النعمة ، بالابتلاء الموقظ لابتلاهم ، ولكنه لا يريد بهم خيراً وقد اشتروا الكفر بالإيمان ، وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه ! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة – غمرة النعمة والسلطان – بالابتلاء ! ((وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)) .

والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء .

وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد له الله به الخير ، فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم – ولو وقع الابتلاء مترتباً على تصرفات هؤلاء الأولياء – فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف، وفضل الله على أوليائه المؤمنين )

ويقول في موطن آخر :

(( وإنه لمما يخدع الناس أن يروا الفاجر الطاغي ، أو المستهتر الفاسد ، أو الملحد الكافر ، ممكناً له في الأرض ، غير مأخوذ من الله ولكن الناس إنما يستعجلون ؛ إنهم يرون أول الطريق أو وسطه ، ولا يرون نهاية الطريق ونهاية الطريق لا ترى إلا بعد أن تجيء ! لا ترى إلا في مصارع الغابرين بعد أن يصبحوا أحاديث والقرآن الكريم يوجه إلى هذه المصارع ليتنبه المخدوعون الذين لا يرون – في حياتهم الفردية القصيرة – نهاية الطريق ؛ فيخدعهم ما يرون في حياتهم القصيرة ويحسبونه نهاية الطريق ! )

ومن حكمة الله عز وجل في سنة الإملاء للكافرين أن يمكنهم في هذا الإملاء ليزدادوا إثماً وطغياناً يندفعون به بعجلة متسارعة إلى نهايتهم التي فيها قصمهم ومحقهم ، وقد بدت بوادر المحق في الأمريكان الكفرة وحلفائهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان التي يتشدقون بها وغير ذلك من عوامل المحق والقصم ، ولكن الله عز وجل بمكره لهم قد أغفلهم عن سوءاتهم وعما يترتب على حماقاتهم وطغيانهم ليحق عليهم سنته سبحانه في القوم الكافرين ، كما أن من حكمته سبحانه في إملاء الكافرين وظلمهم وتسلطهم على المسلمين تحقيق للسنة التي سبق الحديث عنها ألا وهي سنة الابتلاء والتمحيص للمؤمنين .

ففي الإملاء للكفار وتركهم يتسلطون على المسلمين في فترة من الزمن ابتلاء وتمحيص للمؤمنين ، حتى إذا آتت سنة الابتلاء أكلها وتميز الصف المؤمن الذي خرج من الابتلاء نظيفاً ممحصاً عندئذ تكون سنة الإملاء هي الأخرى قد أشرفت على نهايتها فيحق القول على الكافرين ويمحقهم الله كرامة للمؤمنين الممحصين الذين يمكن الله لهم عز وجل في الأرض ويخلفون الأرض بعد محق الكافرين .

قال تعالى : (( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) (آل عمران:141) .

فذكر الله سبحانه التمحيص قبل المحق ولو محق الله الكفار قيل تهيأ المؤمنين الممحصين فمن يخلف الكفار بعد محقهم إن الله عز وجل حكيم عليم وما كان سبحانه ليحابي أحداً في سننه ولله عز وجل الحكمة في وضع السنتين سنة الابتلاء وسنة الإملاء في آيتين متتاليتين في سورة آل عمران ؛ قال تعالى : (( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)) (آل عمران:178)

((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) (آل عمران:179) .

ولعل من الحكمة – والله أعلم – أن يعلمنا الله عز وجل أن هاتين السنتين متلازمتان ومتزامنتان وأن إحداهما تهيئ للأخرى .

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، الهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه وليك ويذل فيه عدوك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك سميع الدعاء

اللهم ارحم عبادك الموحدين والطف بهم في العراق وفي كل مكان ؛ اللهم احقن دماءهم واحفظ لهم دينهم وأعراضهم .

اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين في كل مكان ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم اشف صدورنا وأقر أعيننا بنصرة دينك وأوليائك وخذلان أعدائك ؛ اللهم قاتل أمريكا وحلفاءها الذين يكذبون رسلك ويعادون أولياءك ويصدون عن سبيلك ، وأنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق ، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين .
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 02:44 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.