انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-31-2011, 10:04 AM
أخي في الله أخي في الله غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




Icon37 كيف ترتاح من خلال التعب؟

 




إنَّ من الراحة تركَ الاشتغال بالأعمال الشاقة والمجهدة والمتعبة والمعقدة، هذه العبارة في ظاهرها صحيحة ومنطقية تمامًا ولكنها تحتوي على بذور ممتازة لاستمرار التخلف والجهل والفقر؛ سواء بالنسبة للفرد أو للمجتمع الذي يتبنى هذه المقولة، وسواء كان ذلك فكريًّا وذهنيًّا أو عمليًّا، ومن يتبنى هذه المقولة يظن أنه براحته يرتاح حقًّا وهو في حقيقة الأمر يعد ويهيئ نفسه لمزيد من الشقاء والتعب وفقد الراحة!

ولبيان حقيقة هذا الأمر دعونا نستعرض بعض الأمثلة من خلال الجوانب التالية:
1- يحتاج الحصول على أي علم إلى سبر أغواره ومعرفة تاريخه وعلاقته بالعلوم الأخرى، وكيفية الاستفادة منه وتوظيفه في الحياة التوظيفَ السليم حتى يكون أداة من أدوات النمو والتقدم والرقي يحتاج إلى كثير من الجهد والصبر وطول النفس وسهر الليالي والتفكير وطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها والمثابرة على ذلك، وهذا أمر شاق ومضنٍ في الوقت نفسه، ولكن نتائجه على البناء النفسي والعقلي والمعرفي للفرد تكون غالبًا إيجابية؛ سواء من ناحية انشراح الصدر والإحساس بالمعنى والقيمة في الحياة الدنيا لمن يبذل هذا الجهد مع ما يرافق ذلك من الكسب المادي الطيب؛ إذ أصبحت المعرفة والعلم في الوقت الحاضر من أهم أدوات الكسب والحصول على الرزق، ومتى ما خلصت النية ترقب العبد الخير العظيم من الله عز وجل في الآخرة مع الرفعة بإذن الله في الدارين، وقد قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وهذا الجهد في مجال العلم متى ما أحسن توظيفه في مساره الصحيح كان بإذن الله عاملا من تقدم ورقي وحضارة الفرد والمجتمع، ونلاحظ هنا من أن بذل الجهد والتعب والمشقة في الحصول على العلم كانت له نتائج إيجابية وخير عظيم لمن سلك هذا المسلك، وعلى النقيض من ذلك تمامًا تكون نتائج الجهل مع ما في ظاهره من الراحة، فصحيح أن الفرد لا يبذل أي جهد حتى يكون جاهلاً، ولكن نتائج الجهل تظهر غالبًا عليه من خلال سماته السلوكية والشكلية، وهذه السمات تتضح في مظاهر الجفاء والتخلف التي يعيش فيها، مع إحساسه النفسي العميق بتفاهته ووضاعة قيمته في الحياة،وتظهر عليه غالبًا سمات الفقر والحاجة الكبيرة إلى الناس في تصريف أيسر أموره الدنيوية، وهو مع كل ذلك تافه في عين نفسه وفي أعين الناس حتى لو لم يتحدثوا بذلك.

ونجد من خلال هذه المفردات كيف أصبحت تكلفة العلم وتكلفة الجهل، إن تكلفة الجهل يسيرة ولا تحتاج إلى مجهود، ولكن نتائجها على الفرد وعلى المجتمع كارثية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، في حين إننا نجد أنَّ مع ما في العلم من مشقة وجهد نتائجَ إيجابية على الفرد والمجتمع عظيمة وخيرها جليل.

فأيهما تفضل: الراحة أو بذل الجهد والتعب؟ وبذل الجهد والتعب في حقيقته قمة الراحة.

2- في حال نظرنا إلى الطاعات والمعاصي نجد أن تكلفة المعاصي في الدنيا أيسر من تكلفة الطاعات حتى لو بذل العاصي للوصول إلى معصيته المال والجهد والوقت، فلو نظرنا إلى الصلاة مثلا لوجدنا أن الصلاة تحتاج إلى الوضوء وانتظار الصلاة ومراعاة دخول الوقت والوقوف خلف الإمام أو الإمامة والقراءة في مواضع القراءة والسكوت في مواضع السكوت والقيام بحركات الصلاة الجسدية مع ما فيها من التزام مستمر ودائم بجميع الأوقات، وترك الصلاة أيسر في ظاهره من الالتزام بالصلاة، ولكن ما النتيجة المترتبة على بذل الجهد والاستعداد والقيام بالصلاة وترك بذل الجهد لها؟

يخبرنا القرآن الكريم بالنتيجة؛ فقد قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5]، وقد ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره ما رواه الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "هُوَ الْمُصَلِّي الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ لَهَا ثَوَابًا, وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا عِقَابًا". وَعَنْهُ أَيْضًا: "الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا". وَكَذَا رَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ, قَالَ: "سَاهُونَ بِإِضَاعَةِ الْوَقْت". وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَة: "لا يُصَلُّونَهَا لِمَوَاقِيتِهَا, وَلا يُتِمُّونَ رُكُوعهَا وَلا سُجُودهَا". مع تهديدهم في تفسيره بالعذاب لهم، وفي مقابل ذلك نجد قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رََّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون}: أَي الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا.

ونلاحظ من ذلك أن أداء الصلاة مع ما في ظاهره من مشقة وجهد، ولكن عواقب أدائها النفسية والروحية والمعنوية في الحياة الدنيا عظيمة النفع جدًّا متى ما أداها الفرد على وجهها الشرعي السليم مخلصًا فيها لله عز وجل مع ما يعقب ذلك من الأجر والخير العظيم المدخر عند الله عز وجل، وعلى النقيض من ذلك نجد ترك الصلاة والتهاون في أدائها ظاهره السهولة واليسر وترك بذل الجهد، ولكن عواقبه النفسية والمعنوية في الحياة الدنيا وسلبياته عظيمة، مع فقد التوفيق من الله عز وجل، ويتبع ذلك العقاب العظيم والوعيد بالعذاب والنار لتاركها، ولذلك نجد أن أي جهد يبذل لأداء الصلاة هو جهد يسير إذا نظرنا للعواقب ونتائج الأمور، وأن ترك الصلاة والتهاون فيها على يسره وسهولته هو جهد شاق ومتعب وفيه تكلفة سلبية عظيمة يدفعها الفرد وجزاؤه عذاب في الدنيا والآخرة.

فأيهما تفضل: الراحة أو بذل الجهد والتعب؟ مع أن الصلاة في حقيقتها راحة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرحنا بها يا بلال".

3- إذا نظرنا لموضوع الصحة والمرض (عافانا الله وإياكم من الأمراض، وشفى المبتلين من المسلمين) نجد أن الفرد حتى يحافظ على صحته يحتاج إلى بذل المجهود البدني والنفسي لذلك، مجهودًا بدنيًا للحركة والرياضة، ومجهودًا نفسيًا في مقاومة رغبة الأكل الزائدة عن حدها الصحي والطبيعي، وهذا ظاهره المشقة وبذل الجهد وهو يحتاج إلى تكلفة يجب أن يدفعها الفرد حتى يبقى لائقًا صحيًا، وأما الخلود للدعة والراحة وإتباع النفس هواها في المشروبات والمأكولات والإخلاد للراحة فظاهره جميل وسهل ومريح، ولكن عواقبه الجسدية ثم النفسية على الفرد كبيرة من ابتلاء الشخص بالسكري أو الضغط أو انسداد شرايين القلب أو غيرها من الأمراض، وهي تحتاج لتكاليف سواء من ناحية العلاج أو إجراء العمليات. فيا ترى أين المشقة والتكلفة الأكبر؟

نلاحظ أن المشقة والجهد الأكبر كان في الراحة واتباع هوى النفس، نعم مشقة أكبر إذا نظرنا للنتائج المترتبة على الراحة أو بذل الجهد، فنتائج بذل الجهد والتعب للحفاظ على الصحة تكون في استمرار الصحة ورشاقة الجسم وقلة مراجعة الأطباء واستمرار الإنسان في صحته وعافيته، وأما نتائج الراحة فقد ذكرناها. ولذلك نجد أن الراحة في مجال المحافظة على صحة الجسد هي في ظاهرها راحة ولكنها في حقيقة الأمر ليست راحة بل هي أفضل طريقة للوصول إلى المرض البدني في المستقبل!

فأيهما تفضل: الراحة أو بذل الجهد والتعب للحفاظ على الصحة؟ وبذل الجهد هنا هو الراحة بعينها.

4- وضع الله سننًا كثيرة للأفراد والمجتمعات وهي مبثوثة في آي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ومن هذه السنن سنة الأخذ بالأسباب، وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات"، وقد دل على معنى الأخذ بالأسباب آيات كثيرة منها قول الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النساء: 123]، وقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]، فجعل الله عز وجل في الآية الأولى أن الجزاء من جنس العمل، ووضع عز وجل في الآية الثانية أن الأكل والشرب الهنيء كان بما سلف في الأيام الخالية، ونعلم جميعًا أن الأخذ بالأسباب عمومًا في أي عمل يحتاج إلى الجهد وبذل الوسع والطاقة، ولكن نتائجه كما نعلم حسنة على من أخذ بالأسباب، وعلى العكس من هذا فإن ترك الأخذ بالأسباب وَبالٌ ونكال على صاحبه في الدنيا والآخرة، ويمكن استشفاف هذا المعنى بالنسبة لمن تخلى عن الأخذ بالأسباب في الواجبات الشرعية من قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [يونس: 52].

ونلاحظ جميعًا أن مع ما في ظاهر الأخذ بالأسباب من التعب وبذل الجهد، ولكن عواقبه حميدة، وعلى عكس ذلك تمامًا نجد أنه مع ما في ترك الأخذ الأسباب من الراحة ولكن عاقبته مهلكة للفرد والمجتمع.

فأيهما تفضل: الراحة في ترك الأخذ بالأسباب أم التعب في تحصيل النتائج من خلال الأخذ بالأسباب؟

إن حياة المسلم بغير بذل الجهد والوسع والطاقة حياة ناقصة، حياة تجعله يفقد قيمة معنى الحياة ولذتها من خلال الاستمتاع بالأعمال الجميلة والرائعة التي يؤديها لنفسه ولمجتمعه، ولقد أمرنا الله عز وجل بالمسارعة والمسابقة في حياتنا وليس فقط أداء العمل السهل اليسير ذي النتائج المحدودة، إن عمل الأشياء السهلة يؤدي إلى نتائج سهلة ومحدودة، وإن عمل الأشياء العظيمة والصعبة والمعقدة يؤدي بإذن الله إلى نتائج ضخمة وعظيمة النفع للفرد والمجتمع، وقد قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِه ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]، وقد جمع الله عز وجل في الآية الأخيرة بين المسارعة والمسابقة. والحياة الجميلة الرائعة هي حياة المسابقة والمسارعة والصبر والمجاهدة وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

فاختر لنفسك منهجًا، إما منهج الراحة في حياتك؛ مع تحمل النتائج المحتملة من جهل وفقر ومرض وبؤس وشقاء نفسي الذي هو من أشد أنواع الشقاء في الدنيا، وإما منهج بذل الجهد والتعب وعرق الجبين واتخاذ الأسباب في العلم والعمل؛ مع نتائجه الجميلة الممتعة من الراحة النفسية والمركز المتميز في المجتمع بإذن الله والرضا عن النفس ورضا الله عز وجل عنك ومن ثم رضا الناس عنك. فأيهما تختار؟....

اللهم استعملنا ولا تستبدلنا...
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
من, التعب؟, ترتاح, جمال, كيف


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:42 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.