كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
فصل فى تفسير غنى النفس
للامام العلامة ابن القيم الجوزية قبل أن أنقل لكم نفائس هذا الكتاب فنصيحة لكل من لا يمتلك هذا الكتاب أن يبادر باقتنائه فهو من درر ابن القيم , و من يقتنيه و لم يقرؤه فسارع بقراءته و اسبح فى هذا البحر و أما من قرأه فأعد قراءته فستكتشف لآلئ جديدة لم تكتشفها من قبل . فصل فى تفسير غنى النفس قوله فى غنى النفس أنه :"استقامتها على المرغوب و سلامتها من الحظوظ و براءتها من المراءاة " يريد استقامتها على الأمر الدينى الذى يحبه الله و يرضاه و تجنبها لمناهيه التى يسخطها و يبغضها, و أن تكون هذه الاستقامة على الفعل و الترك تعظيما لله سبحانه و أمره و ايمانا به و احتسابا لثوابه و خشية من عقابه لا طلبا لتعظيم المخلوقين له و مدحهم, و هربا من ذمهم و ازدرائهم, و طلبا للجاه و المنزلة عندهم, فان هذا دليل على غاية الفقر من الله و البعد عنه و أنه أفقر شئ الى المخلوق. فسلامة النفس من ذلك و اتصافها بضده دليل غناها ,لأنها اذا أذعنت منقادةلأمر الله طوعا و اختيارا و محبة و ايمانا و احتسابا بحيث تصير لذاتها و راحتها و نعيمها و سرورها بعبوديته كما كان النبى يقول :"يا بلال أرحنا بالصلاة " و قال :" حبب الى من دنياكم النساء و الطيب و جعلت قرة عينى فى الصلاة " فقرة العين فوق المحبة , فجعل النساء و الطيب مما يحب , وأخبر أن قرة العين التى يطمئن القلب بالوصول اليها و محض لذته و فرحه و سروره و بهجته انما هو فى الصلاة التى هى صلة بالله و حضور بين يديه و مناجاة له و اقتراب منه , فكيف لا تكون قرة عين؟ و كيف تقر عين المحب بسواها؟ فاذا حصل للنفس هذا الحظ الجليل فأى فقر يخشى معه, و أى غنى فاتها حتى تلتفت اليه؟ و لا يحصل لها هذا حتى ينقلب طبعها و يصير مجانسا لطبيعة القلب , فتصير بذلك مطمئنة بعد أن كانت لوامة , وانما تصير مطمئنة بعد تبادل صفاتها و انقلاب طبعها , لاستغناء القلب بما وصل اليه من نور الحق جل جلاله, فجرى أثر ذلك النور فى سمعه و بصره و شعره و بشره و عظمه و لحمه و دمه و سائر مفاصله , و أحاط بجهاته من فوقه و تحته و يمينه و يساره و خلفه و أمامه , و صارت ذاته نورا و صار عمله نورا و قوله نورا و مدخله نورا و مخرجه نورا و كان فى مبعثه ممن انبهر له نوره فقطع به الجسر . و اذا وصلت النفس الى هذه الحال استغنت بها عن التطاول الى الشهوات التى توجب اقتحام الحدود المسخوطة , و التقاعد عن الأمور المطلوبة المرغوبة , فان فقرها الى الشهوات هو الموجب لها التقاعد عن المرغوب المطلوب , و أيضا فتقاعدها عن المطلوب بينهما موجب لفقرها الى الشهوات ,فكل منهما موجب للآخر . و ترك الأوامر أقوى لها من افتقارها الى الشهوات , فانه بحسب قيام العبد بالأمر تدفع عنه جيوش الشهوة , كما قال تعالى :" ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر " و قال تعالى : " ان الله يدافع عن الذين آمنوا " و فى القراءة الأخرى ( يدفع ) فكمال الدفع و المدافعة بحسب قوة الايمان و ضعفه , فاذا صارت النفس حرة طيبة غنية بما أغناها به مالكها و فاطرها من النور الذى وقع فى القلب ففاض منه اليها استقامت بذلك الغنى على الأمر الموهوب , و سلمت به عن الأمر المسخوط و برئت من المراءاة , و مدار ذلك كله على الاستقامة باطنا و ظاهرا , و لهذا كان الدين كله فى قوله تعالى :" فاستقم كما أمرت " و قال سبحانه :" ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون" و هذه الاستقامة ترقيها الى درجة ثالثة من الغنى , و هو الغنى بالحق تبارك و تعالى عن كل ما سواه ,و هى أعلى درجات الغنى وهذا فصل آخر من فصول هذا البحر نكمله لاحقا و هو : فصل فيما يغنى القلب و يسد الفاقة ملحوظة : الى من قرأ لابن القيم بالله عليكم قولوا لى كيف استطاع أن يصل الى هذا الحس العالى و الى هذه الكلمات الرقيقة التى تمس القلب برفق و تجعله يقف حائرا مراجعا نفسه فى كل خطاه . كيف نصل الى هذه الدرجة فى ظل ارهاق القلب الذى نمر به؟ صدق هذا القول : لو لم يكن لابن تيمية حسنة الا تلميذه ابن القيم لكفى. |
#2
|
|||
|
|||
اسال الله يرحمهم برحمته وان يلحقهم بالشهداء والصدقين - اللهم آمين
في كلامهم درر عليهم رحمة الله جزاكِ الله خيراً وبارك الله فيكِ
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|