انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-28-2009, 03:01 AM
أم سلمى أم سلمى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي ركائز التربية - الشيخ سيد العربى

 


المحاضرة الأولى

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ..

هذا مبتدأ درسنا فى مادة العقيدة ، والعقيدة هى من العُقدة ، وهى ضد الحل وهى ما يكون فى المربوط غير محلول .. وكما نقول ( عقد بيع ) ، ( عقد نكاح ) .. فهذا عقد بيع : أى جمع بين بضاعة وثمن ،، وعقد نكاح : أى جمع بين رجل وأمرأة .. وهكذا ، فالعقيدة معناها من حيث اللغة كأن القلب عقد على شئٍ ما ..
أما معنى العقيدة فى الإصطلاح * : هى المعنى الذهنى الجازم ، أى المعنى الذى ينجزم فى الذهن فالأشياء منها ما يُدرك بالحواس ومنها ما يُدرك بالذهن ، وما يُدرك منها بالحواس يُسمى (مادة) ، وما يُدرك منها بالذهن يُسمى ( معنى).. مثال ذلك : إذا تذوقت شيئاً حلواً أو مراً : ما الذى تُدرك به حلاوة ذلك الشئ أو مرارته ؟ إنه اللسان ( أى الحواس ) وإذا أردت معرفة هل هذا الشئ حار أم بارد تستطيع إدراك ذلك باللمس ( أى بالحواس ).. وهكذا .. فهذه مادة والمواد تُدرك بالحواس .
إذن : كيف تُدرك المعانى ؟
المعانى ندركها بالذهن ، وهذه المعانى كالحب والكره ، والشر والخير ، والخوف والرجاء ، فإذا إنجزم ذلك المعنى فى الذهن صار عقيدة ، فأى معنى تأكدت منه يقيناً لاريب فيه فهو عقيدة ، وليس كل معنى ذهنى يُسمى عقيدة .. فهناك مظنونات وإحتمالات ومرجوحات ، فمع أن كلها معانى إلا أنها لم تنجزم لم تصر عقيدة ، مثال لذلك : إذا سألتك هل فلان صادق ؟ تقول : لا أعتقد ، فهذا ليس معناه أنه كاذب ولكن لما لم ينجزم فى الذهن معنى صدقه فلم يصر ذلك عقيدة .. وإذا سألتك هل فلان يُحبك ؟ عندما تقول : لا أستطيع أن أقول نعم ولا أستطيع أن أقول لا فإنه لم ينعقد فى ذهنك هذا المعنى فلا يُسمى عقيدة،لكن إذا كنت متقيناً من ذلك كان ذلك عقيدة فتقول: نعم أعتقد ذلك
أما معنى العقيدة فى الشرع : فهى جملة المعانى الشرعية التى ينبغى أن تنعقد ( تنجزم ) فى ذهن كل مسلم فيما يتعلق بشأن الله عز وجل والكتب والرسل والملائكة واليوم الآخر ... إلخ .. فالعقيدة معنى ، والمعنى يُدرك بالذهن ولابد أن يكون جازماً لاريب فيه ولا تردد ولاشك ولا إحتمال .. فإن وافقت المعانى صواباً كانت ( عقيدة صحيحة ) ، وإن وافقت خطأ كانت ( عقيدة فاسدة ) .. ومعيار الصواب والخطأ هو الكتاب والسنة وإجماع الأمة بفهم سلف الأمة ..
__________________________________________________ ____________
* الإصطلاح : أى ما اصطلح وتعارف عليه أهل هذا العلم . فمثلاً : الباب عند أهل علم النجارة هو قطعة من الخشب لها سُمك معين وطول معين وليس أى قطعة خشب تُسمى باباً .
** ملحوظة : البعض يخلط مابين العقيدة والتوحيد .. لكن ( التوحيد ) هو جملة المعانى الشرعية المتعلقة بالله وحده وهذا جزء من العقيدة ، أما العقيدة فتشمل شأن الله عز وجل وغيره .
فالعقيدة أعم من التوحيد ، والتوحيد أخص من العقيدة . فالتوحيد : هو إفراد الله عز وجل بما يختص به ويجب له ، وتدور مباحثه حول شأن الله وحده ( ربوبية – ألوهية – أسماء وصفات ... )
أما العقيدة : فهى تختص بالكلام عن ذات الله من حيث ما يتصف به وما يتنزه عنه ، وكذلك الكلام عن ذات الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث ما يتصف به وما يتنزه عنه ومن حيث ما يجب له ، وكذلك السمعيات : وهى الأخبار التى لا نعرفها إلا عن طريق السمع ، أى : القرآن والسنة كذكر الملائكة والجنة والنار والآخرة .. أى كل ما ينبغى أن يكون للعبد فيه معتقد ..
وقبل البدء فى شرح العقيدة لابد من تهيئة القلوب لذلك والأذهان ، فنحن ذكرنا أن العقيدة معانى ، فلابد أن تشعرها وتدركها وليس مجرد محفوظات تسمعها فترددها ، فما نراه من سلوكيات خاطئة مرجعه الى ضعف الإيمان وقلة مساحته فى القلوب ، فلما كان المسلك فرعاً عن التصور : لزم أولاً أن يكون التصور صحيحاً حتى يصير المسلك صحيحاً وذلك لا يكون إلا بالإيمان وإيقاظه فى القلوب ، قال تعالى :{ أوَ مَن كان مَيتاً فأحييناهُ وجعلنا لهُ نوراً يمشى به فى الناسِ كَمَن مَثَلُهُ فى الظلماتِ ليس بخارجٍ منها } الأنعام 122 .. فما من مسلمٍ فى قلبه إيمان بالله واليوم الآخر إلا وتأتى عليه لحظات يتحسر فيها على حاله ويتملكه شعور بالخوف من الله عز وجل وهو على ماهو عليه من غفلة وتقصير وحال تعكس ضعف إيمانه ، فمن مظاهر ضعف الإيمان : التكاسل عن الطاعات ، هجر القرآن ، عدم تأثر القلب ولا تدمع العين لقراءة القرآن ، عدم غض البصر ، اللغو والغيبة والنميمة والغمز واللمز ، عدم بر الوالدين ، عدم العفو والتسامح وتضخيم الذات وقلة البذل والعطاء والإنفاق فى سبيل الله ، الخوف من الإبتلاء ، التكالب على الدنيا ... إلخ ..
لكن .. القلوب التى دخلها الإيمان مهما بلغت قسوتها إلا أن فيها حنيناً الى الله وشوقاً الى الإتصال به والسير إليه .. فكيف السبيل ؟ . . بإتباع المنهج السماوى الذى تربى عليه الصحابة رضوان الله عليهم . هذا المنهج الذى يُركز على ربط قلوبهم بالله ، فانظر أن الخمر لم تحرم إلا فى المدينة ، ولم يُفرض الصوم إلا فى السنة الثانية للهجرة ، بل أن الصلوات الخمس فرضت فى رحلة الإسراء والمعراج ، أما قيام الليل فكان فى بداية الدعوة ، وتأمل ذلك طويلاً فإن قيام الليل بالصورة التى كان عليها فى البداية عبادة شاقة كما قال تعالى :{ يا أيها المزمل قُم الليل إلا قليلاً نصفهُ أوِ انقص منهُ قليلاً أو زد عليه ورتلِ القرآن ترتيلاً ..} المزمل 1-4.. فلماذا كان قيام الليل قبل التكليفات ؟ صلاة الليل والناس نيام وترتيل القرآن وتدبره وطول القيام والركوع والسجود من شأنه أن يُزيل الحُجُب التى تحيط بالقلب ويفتح الطريق بينه وبين خالقه فيحدث الوصال والقرب والإرتباط ..
فإذا ما إتصلت القلوب بالله وذاقت حلاوة معرفته فإن تغيير الظاهر يتم بعد ذلك بالإشارة كما حدث فى تحريم الخمر بقوله سبحانه { فأجتنبوه } فأمتلأت طرقات المدينة به ..
فبداية الإصلاح إذن إنما تكون بربط القلوب بالله وغرس الإيمان فيها حتى يضرب بجذوره فى جنبات القلب فيحرق الشبهات والشهوات ويُبدد الحُجب ..
وأسوق إليك بعض النماذج العملية لنتعرف كيف عاش الصحابة هذه المعانى الإيمانية فصنعوا المعجزات ..
* فالمهاجرون تحملوا الضيق والحصار ، ثم هاجروا الى المدينة تاركين أموالهم وديارهم حباً لله وإبتغاء مرضاته
* أما الأنصار : فقد تمكن الإيمان من قلوبهم تمكناً شديداً حتى قال الله عنهم { والذين تبوؤا الدار والإيمان } فقد دخلوا بكليتهم فى الإيمان ولم يدخل الإيمان فيهم ، وشتان بين الأمرين ، فقد إمتزج الإيمان بلحومهم ودمائهم فضلاً عن تمكنه فى قلوبهم ، فانعكس ذلك على تصرفاتهم فصار بينهم تنافس شديد على ضيافة المهاجرين ، قال تعالى { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى أنفسهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شُح نفسه فأولئك هم المفلحون } الحشر 9 ..
يقول القرطبى : كان المهاجرون فى دور الأنصار ، فلما غنم عليه الصلاة والسلام أموال بنى النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين فى إنزالهم إياهم منازلهم وإشراكهم فى أموالهم ثم قال :
( إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علىّ من بنى النضير بينكم وبينهم – وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكن فى مساكنكم وأموالكم – وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم ) فقال سعد بن عُبادة وسعد بن معاذ : بل نقسمه بين المهاجرين ويكونون فى دورنا كما كانوا ، ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ..
- أخرج الإمام مسلم عن أبى هريرة : جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنى مجهود ، فأرسل الى بعض نسائه فقالت والذى بعثك بالحق ماعندى إلا ماء ، فقال : من يُضيّف هذا الليلة رحمه الله ؟ فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله ، فأنطلق به الى رحله فقال لأمرأته : هل عندك شئ ؟ قالت : لا إلا قوت صبيانى . قال : فعلليهم بشئ فإذا دخل ضيفنا فأطفئى السراج وأريه أنا نأكل ، فإذا أهوى ليأكل فقومى الى السراج حتى تُطفئيه . قال : فقعدوا وأكل الضيف ، فلما أصبح غدا على النبى صلى الله عليه وسلم فقال : قد عجب الله عز وجل من صنيعكما بضيفكما الليلة .
- تأمل حال صُهيب الرومى عندما أراد الهجرة فأرادت قريش أن تمنعه فقالوا له : يا صُهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج ومالك ، والله لا يكون ذلك أبداً .. فقال لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالى تخلون عنى ؟ قالوا : نعم ، يقول صُهيب : فدفعت إليهم مالى فخلوا عنى فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال : ربح صُهيب ربح صُهيب ..مرتين ..
- وانظر كيف شخصية الخنساء التى فى جاهليتها فقدت أخاها لأبيها (صخر) فملأت الأفق عويلاً وبكاءً وشعراً حزيناً وأرادت الموت ، لكن بعد إسلامها قدمت فلذات أكبادها الى الموت راضية مطمئنة ، بل مُحرضة دافعة فلما بلغها نعى الأربعة فى يومٍ واحد لم تلطم خداً ولم تشُق جيباً ولكن إستقبلت الخبر بإيمان الصابرين وقالت : الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته .
- أصحاب الأخدود جعلهم الإيمان لا يبالون بالموت بهذه الطريقة البشعة .
- سحرة فرعون جاءوا من أجل المال { أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين } ، ثم لما دخل الإيمان قلوبهم { إنّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خيرٌ وأبقى } ..
- أبو الدحداح وبستانه
























تطبيقات عملية من المجتمع الإسلامى
فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
وكيفية التعامل معهـا
* غـزوة بـدر :
عندما انتصر المسلمون على المشركين فى غزوة بدر كانت هناك غنائم كثيرة كانت سبباً فى إختلاف البعض حول كيفية توزيعها وظن بعض الشباب أنهم أحق من غيرهم من الشيوخ بها ، فكيف تمت معالجة هذه المشكلة ؟
نزلت سورة الأنفال وبدأت بقوله تعالى { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فأتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } الأنفال 1 .. فخرجت الغنائم من أيديهم تماماً وأصبحت لله ورسوله ، فليس لأحد فيها شئ ، ثم بدأت الآيات تُذكرهم بالإيمان وعلاماته وأوردت صفات المؤمنين ليعرض كل منهم نفسه عليها ، وأول هذه الصفات { إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم } الأنفال 2 ، أى : إهتزت وأضطربت وخافت قلوبهم عند ذكر الله ، وهى صفة مادية يسهُل قياسها ، فمن لم يشعر بذلك فليعمل على زيادة إيمانه ليكون مؤمناً حقاً ، وأستمرت الآيات فى سرد صفات المؤمنين { وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون . الذين يُقيمون الصلاة ومما رزقناهم يُنفقون . أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريم } الأنفال 2-4 .. فهل يُفكر أحد بعد هذه الآيات فى الغنائم أم أنه سيفكر فى نفسه وأين هو من هذه الصفات وهل هو مؤمن حقاً أم لا ؟
ثم تمضى السورة فتُذكرهم بما منّ الله عليهم من نصرٍ عظيم فى هذه الغزوة المباركة وأن هذا النصر من عند الله لا من عند أنفسهم ، فلقد غشـّـاهم بالنعاس وأنزل عليهم الغيث وأمدهم بالملائكة وسدد رميهم وثبتهم وأوهن كيد الكافرين ، ثم تُذكرهم السورة بضرورة الإستجابة لله والرسول وتخوفهم بأن الله يحول بين المرء وقلبه ، وتعود الآيات بذاكرتهم الى أيام مكة حين كانوا مستضعفين ، يقول تعالى :{ وأذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون } الأنفال 26 ..
وبعد ذلك بكثير من الآيات وفى الآية 41 من السورة وبعد أن تجردت القلوب لله وراجع كل واحد منهم إيمانه ونسى أمر الغنائم تحدثت الآية عن كيفية تقسيمها :{ وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم إلتقى الجمعان والله على كل شئٍ قدير } الأنفال 41 ..




* وفى غزوة حُنين :
بعد الفتح العظيم لمكة ، وفيها كان عدد الجيش الإسلامى كبيراً لدرجة أن العُجب بهذا العدد قد دخل الى بعض النفوس كما قال تعالى :{ ويوم حُنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تُغنٍ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحُبت ثم وليتم مدبرين } التوبة 25 .. وبينما هُم ينحدرون فى وادى حُنين وهُم لا يدرون بوجود كمائن العدو فى مضايق هذا الوادى إذ بكتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد فأنشمر المسلمون راجعين لا يلوى أحد على أحد ، وكانت هزيمة مُنكرة حتى قال أبو سفيان بن حرب وهو حديث عهد بالإسلام : لا تنتهى هزيمتهم دون البحر – أى البحر الأحمر – وأنحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جهة اليمين وهو يقول : هلموا الىّ أيها الناس أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله ، ولم يبق معه فى موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين وبعض أهل بيته ، فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فى صحيح مسلم أنه قال للعباس : نادِ يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السُمرة – أى شجرة الرضوان التى بايعوا تحتها على أن لا يفروا حتى يموتوا بين يديه أو ينتصروا على المشركين – يا أصحاب سورة البقرة ، وكان العباس رضى الله عنه رجلاً صيتاً جهير الصوت قوى الصرخة فنادى بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ نداءه مسامع المسلمين وهم على مسافات بعيدة فأقبلوا سراعاً كأنهم الإبل إذا حنّـت على أولادها وهم يقولون : لبيك يا لبيك ، حتى أن الرجل منهم إذا لم يُطاوعه بعيره على الرجوع إنحدر عنه وأرسله وأخذ درعه يقذفها فى عُنقه وأخذ سيفه وترسه يؤم الصوت ( يتجه نحو الصوت ) وأزدحموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم إزدحاماً شديداً حتى كأنه صلى الله عليه وسلم فى حرجة ، فقال العباس رضى الله عنه : فلرماح الأنصار كانت أخوف عندى على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار لشدة ما أحاط الأنصار برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يُقاتلون عنه ويمحون ما كان من هفوتهم فى التولى عنه صلى الله عليه وسلم فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصدقوا الحملة على أعدائهم المشركين فقاتلوهم قتالاً شديداً جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف عليهم مبتهجاً بشجاعتهم وبطولتهم وقال :" الآن حمى الوطيس " وتناول حفنة من الحصباء بيده الشريفة أو ناولها له عمه العباس أو غيره من أصحابه رضى الله عنهم ورمى بها فى وجوه الأعداء المشركين وهو يقول : شاهت الوجوه.. فهزمهم الله تعالى هزيمة مُنكرة فرّقت جموعهم وأرسلوا أرجلهم بالفرار لا يلوون على شئ ..
* روى ابن إسحاق عن أبى سعيد الخدرى
قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا فى قريش وفى قبائل العرب ولم يكن فى الأنصار منها شئ ، وجد هذا الحى من الأنصار فى أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم : لقى والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، فدخل عليه سعد بن عُبادة فقال يا رسول الله إن هذا الحى من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم لما صنعت فى هذا الفئ الذى أصبت قسمت فى قومك وأعطيت عطايا عظاماً فى قبائل العرب ولم يك فى هذا الحى من الأنصار منها شئ . قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ما أنا إلا من قومى . قال : فأجمع لى قومك فى هذه الحظيرة ، فخرج سعد فجمع الأنصار فى تلك الحظيرة فجاء رجال من المهاجرين فتركهم يدخلون ، وجاء آخرون فردهم ، فلما إجتمعوا له أتاه سعد فقال : لقد إجتمع لك فى هذا الحى من الأنصار فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر الأنصار مقالةً بلغتنى عنكم وجدة وجدتموها علىّ فى أنفسكم ، ألم تكونوا ضُلالاً فهداكم الله ، وعالةً فأغناكم الله ، وأعداءً فألف الله بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى الله ورسوله أمنّ وأفضل . ثم قال : ألا تُجيبونى يا معشر الأنصار ؟ قالوا : بماذا نُجيبك يارسول الله ؟ لله ورسوله المن والفضل . قال : أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مُكذَّباً فصدقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك . أوجدتم يا معشر الأنصار فى أنفسكم فى لُعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليُسلموا ووكلتكم الى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الى رحالكم ، فوالذى نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنتُ إمرأً من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار .. فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا .
ألا ترى كيف عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم المشكلة ؟ إنه بالإيمان ..

وأنظر الى العكس إذا تركت النفس دون إيمان فإن طغيانها يكون بلا حدود ..
- ماذا فعلت النفس بقوم صالح : لقد كذبوا نبوته وأبوا أن يؤمنوا بالله وطلبوا منه آية تدل على صدقه فأخرج الله لهم ناقة من بين الصخر آية مبصرة واضحة على صدق هذا النبى..فماذا فعلوا؟.. هل أسلموا لربهم وآمنوا بنبيهم ؟..أبداً.. { فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدُنا إن كنت من المرسلين}.. فماذا حدث لهم ؟..{ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين}
- وماذا فعلت النفس بإخوة يوسف ؟ : { وجاءوا على قميصه بدمٍ كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل والله المستعانُ على ماتصفون }..
- وكذلك فعلت مع السامرى :{ قال ما خطبك يا سامرىُ قال بصُرتُ بما لم يَبصُروا به فقبضتُ قبضةً من أثرِ الرسولِ فنبذتُها وكذلك سولت لى نفسى }
- وكذلك مع أخوان شقيقان ابنى آدم أحدهما ألجم نفسه بلجام الإيمان والآخر تركها ، فماذا حدث ؟ { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } ..

فإن أردنا الخير فعلينا بزيادة الإيمان فى قلوبنا ، فإن النفس لها عورات كما أن للجسد عورات ، وخير لباس لعورات النفس هو الإيمان ، وعندما يقل مستوى الإيمان فى القلوب تنكشف العورات كالنهر الذى جفّ ماؤه فتظهر فيه النتوءات والحفر { يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُوارى سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير }.
فالبعض يهتم بستر عورات الجسد ولا يهتم بستر عورات النفس مع أنها هى الباعث على ستر عورات الجسد
فغذاء النفس الإيمان ، ودواء القلب القرآن ، فأحرصوا عليهما فإن فيهما النجاة فى الدنيا والآخرة ..
فمن الناس من يهتم بغذاء البدن ويُهمل غذاء النفس مع أن غذاء البدن إن أهمله لم يضره على الحقيقة ، أما إهمال غذاء الروح فهو الذى فيه الهلكة الحقيقية ( الجسد تابوت فيه ميت وهو : القلب)..
إذن فبداية الصلاح هو الإيمان ، فلابد من أن نربى أنفسنا التربية الإيمانية فإن مسألة التربية هى مسألة ينبغى أن تكون بمنزلة العين من الرأس عند كل مسلم لأنها أصل سلامة دين العبد وهى الغاية من الدين ، فالغاية من الدين : إصلاح النفوس حتى تستقيم على مايحبه الله ويرضاه ،وهذا هو معنى التربية ..
والتربية المقصود بها إصلاح الباطن الذى يترتب عليه حُسن المسلك الظاهر ..














المحاضـرة الثانيـة
مبحث التربيـة
كيف نربى أنفسنا التربية الإيمانية ؟
مدخل :
لماذا الإهتمام بمسألة التربية ؟
لأن التربية هى مسألة ينبغى أن تكون بمنزلة العين من الرأس عند كل مسلم ،ولأنها أصل سلامة دين العبد وهى الغاية من الدين ، فالغاية من الدين : إصلاح النفوس حتى تستقيم على دين ربها ، والإستقامة على ما يحبه الله ويرضاه ، وهذا هو معنى التربية .
فالتربية المقصود بها هو : إصلاح الباطن الذى يترتب عليه حُسن المسلك الظاهر .

فما معنى التربية فى اللغة العربية ؟
التربية أصلها من ربى تربية ، ربى يربو ، الربا .
فالتربية معناها الزيادة فى الخير ، السعى فى الزيادة والنماء ، يُقال ربيت أى زدت الأمر خيراً.
فالتربية فى الشرع : أن تحرص على أن تكون ذا زيادة فى الخير ، وهذا لا يتأتى أبداً إلا بالإستقامة على الكتاب والسنة ، لأن النفس بطبيعتها تجر الى الشر ، والتربية هى محاولة إصلاح الباطن ، إصلاح مابين العبد وربه .

هل معنى ذلك إرجاء المسلك الظاهر حتى نُصلح الباطن أولاً ؟
ليس كون التربية هى إصلاح الباطن الذى يترتب عليه حُسن المسلك الظاهر فيُفهم من ذلك إرجاء المطلوب شرعاً سواء كان من الهدى الظاهر أو الأعمال الظاهرة حتى ينصلح الباطن ، فهذا لم يقل به أحد ولا يجوز أن يقول به أحد إنما على العبد أن يُسارع فى كل بر إستطاع وكل خير يقف عليه ، فالله سبحانه وتعالى أمر عباده أن يسـتجيبوا لكل أمر شرعى ، قال تعالى {ياأيها الذين آمنوا إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم } ، وأمر سبحانه وتعالى بالدخول فى السلم كافة قال تعالى { أدخلوا فى السلم كافة } لا فرق بين باطن وظاهر ولا يؤجل هذا على حساب ولا يؤخر هذا بعد هذا ، وأى فقهٍ يُنادى بأن يظل الإنسان آثماً مرتكباً للحرام حتى يُصلح باطنه !! وكيف يصلح باطنه وهو قائم على معصية أبداً كالتبرج للنساء وحلق اللحى للرجال أو ماشابه .
بل إنك إذا عرفت أن إصلاح ظاهر ( هذا يغيظ الكفار والمشركين والعلمانيين واليهود والنصارى الذين أشار إليهم بلفظ الشياطين فى قوله تعالى { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزؤون } كان عليك أن تُكثر سواد المسلمين من خلال الحق وإلتزامك بالحق وكان لابد أن تحرص على ذلك تماماً بنية :
1. الدخول فى السلم كافة
2. إطاعة الله فيما إستطعت وفيما أمر
3. التشبه بخير خلق الله صلى الله عليه وسلم .
وأعلم يرحمنى الله وإياك أن بعض الأمور قد تعظم فى زمان دون زمان ، ففى الحديث :" من أحيا سُنة قد أُميتت من بعدى فله أجر شهيد " , وهذا وإن كان فيه ضعف إلا أنه قد حسّنه بعض أهل العلم ، ولحُسنه وجه لأن هناك نصوص أخرى جاء فيها أن له أجر شهيد وأخرى أنه يُحشر معه صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما يدل على عِظَم الأجر الذى وعد الله به عباده المؤمنين ، فإذا أنت تصورت أن عبداً أحيا فى بيته ، فى أهله ، فى قومه سُنة فلن يُحرم مثل هذا الأجر بإذن رب العالمين ، كالمسلمة التى تلنزم بحجابها فى أسرة لا تعرف إلا التبرج فإنها بذلك تكون قد أحيت سنة أُميتت فى هذه الأسرة ، وكذلك المسلم الذى يُقيم الدين فى أسرة غاب عنها الدين حتى الوضوء الشرعى والصلاة كما أداها النبى صلى الله عليه وسلم والفرائض التى يؤديها الناس على غير ما شرّع اله عز وجل فيؤديها على حقها : فهذا قد أحيا سنة قد أُميتت ، فالسُنة ليست فقط إحياء أمر غائب أى لا يُقيمه أحد لكن أيضاً الأمر المُبدّل عندما يُقيمه على الحق فإنك تكون أحييت سنة قد أُميتت أيضاً ، ليس شرطاً الإحياء فى قارة بأكملها أو دولة ، أبداً إنما إحياءك سنة فى بيتك ، فى عائلتك ، فى جيرانك : يُسمى إحياء ويكون لك أجر ويُضاف الى صنيعك بر فوق البر ، عندمت تؤدى أمر من الدين عظُم عند الناس أمره أو عاداه الناس أو إستشكل شأنه بينهم يكون الأجر لك مضاعف ( أجر الأداء ، أجر الإحياء ) ، وعندما تعلم الناس سنة النبى صلى الله عليه وسلم كلبس القميص – الشرب جالساً إلا لحاجة .. وغيره مما يعلم الهدى والدين والإيمان : صار لك أجر مضاعفاً بمعانى متراكبة متعددة ..
فالمقصود أنه إذا كان الله عز وجل قد مكّنك فى أمرٍ فى أمور الدين فأعلم أن هناك ما هو أدل منه وأعظم وهو أن تربى نفسك ، وهذا ليس معناه ترك ما يمكن عمله ولا يعنى هذا وضع شئ بدل شئ ولا تعنى المطالبة بأمر إلغاء الآخر ، إنما هو ترتيب الأولويات ، وأعلم أن الوقوف عند حد ( المسلك الظاهر ) فقط تضييع ، لأن هذا معناه تغيير المعايير وقلب الموازين ، وحتى لا يكون توادعك مجرد تمثيل وأخلاقك الظاهرة نفاقاً وألفاظك الحميدة تصنّع إنما تكون نابعة من حُسن الشمائل ، نابعة من خفض جناح وذلة قلب للمؤمنين ، ولا يكون صبرك وتحملك (جُبن) إنما : تقوى لله عز وجل ، وصيانتك للأمانة لا تكون خوفاً من الناس ومراقبتهم ، إنما مراقبة لله عز وجل .. إنما أن يكون الأمر مجرد ظواهر : فهذا ما لا نقول به أبداً ..
فالتربية هى محاولتك إصلاح الباطن ، إصلاح مابينك وبين ربك ، حين يظن الناس بك خيراً لمسلك الظاهر لا تركن الى هذا ، إنما هذا من التلبيس والباطل ، إنما تقول بينك وبين ربك : يظن الناس بى خيراً وإنى لشر الناس إن لم تعفُ عنى ، وإذا ظن الناس بك خيراً فهذا من الخير الذى يستوجب الشكر : فأحمد الله على الستر وجاهد أن تكون عند حُسن ظن الناس بك وقل لربك : اللهم إجعلنى خير مما يظنون وأغفر لى ما لا يعلمون ..
وأعلم أن العبد يُجمع فيه مادتان ( مادة الإيمان و مادة النفاق ) بنسب متفاوتة فى الخلق والحُكم يكون للغالب منهما ، ولذا ينبغى على العبد أن يتعهد إيمانه ويخشى على نفسه النفاق ، فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وما أدراك من عمر ، وعندما نسمع كلمة عمر ينبغى أن تستوعب من صاحب المقام ، فهذا عمر كان يُلح على حُذيفة – وكان حُذيفة مستأمن على أسماء المنافقين – ويقول له : ءأنا منهم ؟ ءأنا منهم ؟ ..
وإلحاح عمر رضى الله عنه على حُذيفة من فقهه ، لأن النفاق قد يتسرب الى القلوب دون أن تشعر فالإنسان لا يعرف من نفسه النفاق إلا بعد أن يفسد الإيمان ويدمره كالخلايا السرطانية – عافانا الله وإيّاكم – لذا كان الإحتياج الى التربية من أشد الضرورات والحاجات لأنه الطريق الوحيد الذى يمكن أن يكون مادة معالجة لما يكون موجوداً فى القلب من مرض طبيعى ، وكما يتعاطى الإنسان الدواء طيلة حياته عندما يكون حاملاً لمرض ما : فأنت مُطالب أن تتعاطى من أسباب التربية الإيمانية والأخلاق ما يُضعف مرض النفاق الذى أنت بالضرورة مُصاب به حامل له والذى قد يضعف بقوة الإيمان ، وقد يقوى بالغفلة والشهوات ، وكل منا محتاج ويرجو أن يتقبل الله عمله ، ولذا كان لابد من إحسان العمل ..
الفصـل الأول
كيفية إحسان العمل

إذن : كيف السبيل الى إحسان العمل ؟
إحسان الباطن وإن شئت قل إصلاح التربية . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق ".. وليس المقصود أن يتم مكارم الطعام والشراب ولا أن يتم معاملة الجار وبذل المعروف والرفق والإحسان وإعانة المحتاج ليست هذه هى القضايا التى جاء من أجلها إنما جاء ليُخرج الناس من الظلمات الى النور ، من الشرك الى التوحيد لأن الشرك من أدنى الأخلاق والتوحيد من أكرم الأخلاق والخلق هو الدين كما قال تعالى :{ إن هذا إلا خُلُق الأولين} أى : دين الأولين ، فالبعض يظن أن قوله صلى الله عليه وسلم : إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق " بعض المُتممات والمُحسنات ..لأ.. إنما أصل الدين ، فالصلاة من مكارم الأخلاق لأن فيها الذلة لله تعالى والخضوع ، والصيام من مكارم الأخلاق لأن فيها التضحية بالشهوات من أجل الله تعالى ، والزكاة من مكارم الأخلاق لأن فيها بذل المال بالقدر الذى سمّاه الرب جل وعلا طيبةً به النفس دون شُح أو حرص أو بخل .. هكذا : فالعقائد والعبادات من أصولها الى أدق فروعها من مكارم الأخلاق ، فبُعث ليتمم ذلك بحيث لا يكون هناك نقص أو ثغرة تحتاج الى شريعة أخرى تجبرها ، ولذلك قال تعالى :{ اليوم أكملت لكم دينكم } فالله سبحانه وتعالى أكمل لكم خُلقكم الذى لا تكونوا ذوى خُلُق ودين إلا به .. وأتم الله الدين ليس معناه إطعام الطعام وإفشاء السلام ، إنما أتم الدين من أصوله قبل فروعه ..
ومن أخطر الأمور أن يكون الظاهر مُزين ويكون الأمر تمثيلاً ويكون الباطن خراب ، مجرد مظهر ، وعند التعاملات تجد ما يندى له الجبين ، الزوج مع زوجته ، التاجر فى معاملاته ، العامل فى عمله ... إلخ .. حتى الناس فى المسجد - إلا ما رحم ربى - إذا تأخر الإمام أكلوا لحمه ، وإذا خفف أكلوا لحمه ، وإذا أطال أكلوا لحمه ، وكل هذا فى المسجد فما بالك إذا كانوا فى بيوتهم أو فى وليمة عُرس أو ماشابه ، ومن أعظم اسباب الفلاح : إنشغال العبد بعيوبه ، ولذلك قالوا : طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس ، وكلما وضعت عيبك أمام عينيك كلما جاهدت نفسك فى إصلاحه ، وإذا رأيت عيباً فى غيرك قل لنفسك : رُب عيبٍ عندك أعظم من عيبه هذا .. وكان السلف إذا ذكر أحد بعورته فى مجلسهم قابلوا ذلك بذكر مناقبه منعاً للغيبة ودفعاً للشيطان من مجلسهم ، فالشيطان عندما يجد مجلس يفرش مائدة على أوسع ما يكون ، الشيطان يفرش المائدة هذه المائدة ليست من الفراخ والكباب إنما من لحوم المسلمين ، من الميتة ، من الغيبة والنميمة ، وأصحاب الفطنة عندما يجدوا هذا ماذا يفعلون ؟ يجمعونها ..أنت لا ترى هذا لأن هذا شئ معنوى ، فكيف يجمعونها ؟ بالدفع { إدفع بالتى هى أحسن } و { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً } !! هل تحب ذلك أم تكرهه ؟ { فكرهتموه } : إذن ينبغى أن تكره الغيبة كما تكره أن تأكل لحم أخيك ميتاً ، لكن نحن تعودنا نضع عيوب الآخرين أمامنا ونضع مميزاتنا ، وهذا هو الذى يجعلنا نتردى ونهبط ،و كل من يريد القبول لابد له من إصلاح الباطن وكما تبتئس المرأة عندما يظهر بعض بدنها : لماذا لا تبتئس عندما يظهر نفاقها ؟!! وعندما يظهر نشوزها على زوجها ، وعند ظهور سوء أخلاقها ، وعندما يظهر إتباعها للهوى ، وركوبها الهوى بإسم الغيرة .. أين عورات القلوب ؟ وأين سترة عورات الدين والأخلاق ؟ !!
هل تدرى أن إثم إتباع الهوى أكبر بكثير من إظهار البدن ، وهذا ليس دعوة بإظهار البدن إنما هذه دعوة بالإلتزام بأن الأمر ليس بالظاهر وإذا كان الحرص على النقاب دين : فلماذا يتجزأ الدين ؟ ولماذا الدين الظاهر يتفنن فيه ويحرص عليه ، وما يتعلق بالباطن فلا ؟!! هل هو الجهل أم إتباع الهوى أم النفاق – والعياذ بالله – حتى أن الرجل أو المرأة يحرص أيما حرص على أن يبدوا أمام الآخرين مستور مُزين ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول :" رُب كاسية فى الدنيا عارية يوم القيامة ".. هل عُرى سيقان وأذرع ونهود ؟ ..لأ.. أبداً .. إنما عُرى دين ، عُرى نفاق ، عُرى إتباع الهوى ، عُرى الأخلاق السيئة ، عُرى المرأة التى يُخاصمها زوجها فتخاصمه أشد من مخاصمته ، عُرى المرأة التى تقابل إساءة زوجها بأضعافها ، والمرأة لا تدرى أنها قد يبدو منها عورات هى عند الله عظيمة ، فسوء المرأة مع زوجها عظيم ، وسوء المرأة مع والديها عظيم ، ومثال ذلك : إذا لطم الوالد إبنه : فلعلّ هذا من التربية ، وإذا لطم الزوج زوجه فهذا يكون من تأديبها ، لكن إذا لطم الولد والده : كان هذا من العقوق المُفضى الى جهنم والعياذ بالله ، وإذا لطمت إمرأة زوجها : كان هذا نشوذ عظيم ..
فما الذى يجعل الحُكم مختلف ؟ .. موقعها وليس كونها شديدة أم خفيفة ، إنما إختلف ميزانها بإختلاف موقعها ، فلا تستوى كل لطمة فى الميزان ، فالعبد الذى يريد أن يقبله ربه لابد أن ينظر ماذا يصنع وأين يضع عمله ، أن تستشعر أنك مُقصّر ، أنك لم توف شيئاً مما لله عليك ، إن عليك أن تصحح حق الله من باطنك لأن فيه من الدغل الكثير ، فلماذا نرى العقوق والنشوز وسوء المعاملات ؟ ..لأن الأمور صارت إهتمام بالظاهر مما أفسد قلوبنا وزهّدنا فى ديننا ، وبدلنا أحوالنا وفتنا غيرنا ، ولماذا صارت الأمور هكذا ؟ : لغياب التربية ، رأيت الإحمرار فى الوجوه ظننته تورد الخدود ،ولكنه الصديد تحت الجلود .. صار لنا من الشكل والرونق والمظهر الحسن ما ليس فى جوهرنا ، ترى المظهر الحسن فإذا حدثت المحكّة : ظهر الصديد ، يقول البعض : أنا كنت فى الماضى أفعل طاعة كذا وكذا ، أنا كنت فى الماضى محجبة ، كنت فى الماضى ملتحى وأرتدى القميص ، كنت ، كنت ، فأعلم أنك عندما تقول كنت فى الخير : فهذه نقمة ، وقولك : كنت فى الضلال : فهذه نعمة ..
فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان عندما يتذكر حاله فى الجاهلية يبكى ويضحك ، فلما قيل له : ما يبكيك ويضحكك ؟ قال : أبكى أنى دفنت إبنتى وهى تميز وتعلم ، وأضحك لأننا كنا نصنع الآلهة فى العجوة فإذا جُعنا أكلناه ..فيضحك رضى الله عنه من الضلال الذى كان فيه لأنه (كان) وليس (صار).
وفرعون لمّا عيّر موصى عليه السلام فقال له :{ فعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين } قال موسى : { فعلتها إذاً وأنا من الضآلين . ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حُكماً وجعلنى من المرسلين } فقال أنه كان ضال فى هذه الجزئية لم يُحسن ولم يتصرف بحكمة تامة ، لكن الآن هو صار من المرسلين ، ولم يتعير موسى بذلك ولم تُصبه المعرة لأنه كان ضآل والآن صار الى الأحسن ، صار من المرسلين ، ولو إستمر حالنا على ما نحن فيه من سوء الباطن لدخل اليهود علينا أبوابنا ، وأخذوا منا دورنا إنتقاماً من ربنا وليس لقوة اليهود ، ولو عُدنا الى ربنا وجاهدنا أنفسنا وأصلحنا من أنفسنا لنصرنا الله سبحانه وتعالى بدعوة نرفعها إليه فى جوف الليل ، لأن الله يتولى الصالحين ، فهذا عمر بن عبد العزيز لما حضره الموت قالوا له : يا أمير المؤمنين أوصى لأولادك ، وكان له أحد عشر ولد ، فقال : بما أوصى فوالله لو كانوا صالحين فالله يتولى الصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلا أبالى فى أى أودية الهلاك هلكوا ..
فالذى يخاف عليه ويهتم به هو الصلاح ، والذى لا يتأتى إلا بإصلاح الباطن .



الفصل الثانى : ركائز التربية
والتربية التى هى إصلاح الباطن لها ركائز خمس ينبغى لكل عبدٍ أن يعرفها حتى يقوم على مقتضيات تربية النفس وإصلاحها والتى يجب على كل عاقل – فضلاً عن ذى دين – أن يتنبه لها ويعطيها فضل إهتمام إن كان يريد إصلاح نفسه ، وهذه الركائز أو الحقائق هى :
1. النفس المجردة والإنسان المجرد مادة مذمومة .
2. أن هذا الإنسان لا يُصلحه ولا يُعالجه إلا الإيمان .
3. أن صلاح العبد يستلزم تعاطى جرعات الإيمان دوماً وأبداً .
4. أن الإنسان بقرينه يقتدى .
5. أن الأعمال بالخواتيم والصلاح بالخاتمة .
وسأقوم بإذن الله وتوفيقه بشرح كل ركيزة منهم على حدة ، فأبدأ بسم الله مستعيناً به ومصلياً ومسلماً على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ..

الركيزة الأولى
أن الإنسان المجرد مادة مذمومة
أنت إنسان سـمّـاك الله إنسان وتكوينك إنسان وخاطبك ربك فى أكثر من موطن فى القرآن {يا أيها الإنسان}لكن ..و الله تبارك وتعالى لما ذكر الإنسان المحض لم يذكر له صفة محمودة , بل لم يذكر الله تعالى الإنسان المجرد فى موطن من المواطن إلا ووصفه بوصف مذموم: قال تعالى : {إن الإنسان لربه لكنود }العاديات 6 ـ أى غير شاكر..
وقال تعالى :{وكان الإنسان عجولا }الإسراء ـ11 ت وقال تعالى :{كلا إن الإنسان ليطغى }العلق 6 ـ وقـال تعالى " إن الإنسان لكفور " الحج 16 , الزخرف 15 ـ وقال تعالى :{إن الإنسان خلق هلوعا }المعارج..
وقال تعالى :{وخلق الإنسان ضعيفا }النساء ـ وقال تعالى :{إن الإنسان لظلوما كفار } إبراهيم ، وقال تعالى :{إن الإنسان لفى خسر }العصرـ وقال تعالى :{وكان الإنسان أكثر شىء جدلا } الكهف ... وغير ذلك من المواطن التى ذكر فيها الإنسان على سبيل الذم وهذا يعنى أن المادة التى ستربيها هى مادة معوجة جزوعة , وعندما يُقال فلان إنسان فهذا ذم وليس مدح وإن كان يقصد الناس أنه ليس كالحيوانات يأكل بعضها بعضاً ويقهر القوى الضعيف ويضيع فيهم حق المهضوم الذى لا قوة له .. إلخ لكن من الناحية الشرعية هو مادة مذمومة وبالتالى ماذا يُستفاد من ذلك ؟ ( أى من معرفتك هذه الركيزة وهى أن الإنسان المجرد مادة مذمومة ) .. يُستفاد :
1. عدم الركون إلى النفس , فلا تركن إلى إنسانيتك ولا إلى نسبك ولا إلى قومك ..إلخ
2. معرفة المكــّـون : لمعرفة كيفية التعامل معه , فإنك إذا عرفت المكون الذى يتكون منه الأنسان عرفت كيف تتعامل معه وتقيمه على ما يـُـصلحه , فأى شىء ترغب فى تربيته لابد أولا ً أن تعرف مكونه, فمثــلا ً : إذا رغبت فى تربية شىء ما فى منزلك فلكى تقوم بذلك لا يكفى مجرد شراؤه وتقديم الطعام له , ولكن من الضرورى جدا ً أن تعرف المكون لهذا الشىء , فإن علمت أن هذا النوع من الحيوانات المفترسة الآكلة للحوم كالأسد أو النمر أو ما شابه علمت أنه لا يمكنك تربيته فى المنزل , إنما له أماكن مخصوصة وأطعمة مخصوصة ودواعى أمنية مخصوصة , كأقفاص حديدية وما شابه , وكذلك لو كان مكون هذا الذى تريد تربيته من الأنواع السامة أو المميتة كالزواحف والعقارب وأيضا ً لو كان هذا الشىء طائر أو أسماك للزينة , فإن ما يصلح لتربية هذا لا يصلح لتربية ذاك , فلا يصلح أن تضع الطائر فى أحواض الماء , ولا أن تضع الأسماك فى أقفاص فى الشرفات , وهكذا فكل مكون له ما يصلحه ويربيـــه .
النبى صلى الله عليه وسلم لم يصر مُشرفاً بنسبه إنما بعلمه ودينه وإيمانه , وإن كان نسبه مشرف بل هو أشرف نسب على الإطلاق , ولكنه لم يبلغ ما بلغ بالنسب وإلا كان أبو لهب مشرفاً , فهما من نفس النسب ولكن لا والبون بينهمـا شاسع , وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم :" من أبطأ به عمله لم يُسرع به نســبه "
قد يُـثار سؤال : كيف يكون هذا وقد قال الله تعالى :" ولقد كرمنا بنى آدم " ؟
هذا التكريم المذكور فى الآية هو تكريم نسبى فيما بينه وغيره من المخلوقات , ولا يعنى هذا أنه مادة محمودة بذاتها فإنما فضـّـله الله على كثير مما خلق وخصه بالمناقب وكرمه بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب , ومن حيث الخلقة { لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم } ومن حيث تسخير سائر المخلوقات له ، وبكثير من النعم الظاهرة والباطنة ، فهذا كله من التكريم له وإن كانت مادته مذمومة ، هذا وصف القرآن وليس وصف إجتهادى .. وأستثنى الله عز وجل من جنس الإنسان المحض : الإنسان المقيد بقيد الإيمان فقط ، قال تعالى :{ إن الإنسان لفى خُسر إلا الذين آمنوا ...}



الركيزة الثانية : لا يصلح الإنسان إلا الإيمان


فلا بُد أن تعرف أن الإنسان لا يُـعالجه ولا يُـصلحه إلا الإيمان فلا تُـصلحه القوميات ولا الشيوعية , ولا الرأسمالية , ولا إتباع الهوى , ولا الحريات المطلقة , ولا إتباع الشهوات يفعل مايُريد وقتما يُريد كيفما يُريد بلا قيد ولا حدود .. لا .. إنما المتقرر شرعاً أنه لا يُصلحه إلا الإيمان . فالبهيمة من الأنعام مثلاً يربى لحمها ويكثر لبنها البرسيم فالإنسان عندما يطلب كثير اللبن من الحيوان ينتظر موسم البرسيم لماذا ؟ لأنه ينميها , إذن فلماذا لا يكون الحديد أو الخشب مثلاً ؟ لأن هذه أمور نُظمت فى الكون وجبلت بحيث جعل الله تعالى أشياء تـُصلح أشياء وأشياء تتوافق مع أشياء ومما جعله الله تعالى سـبباً لإصـلاح مادة الإنسـان المذمومة وسـبباً للصـلاح هو : الإيمان , لذلك لما ذكر الله تعالى الإنسان فى مواطن الذم إستثنى المؤمنين, وأبين كلام فى هذا سورة جامعة مانعة قلـّـت كلماتها وعظـُـمت معانيها وهى سورة العصر قال الله تعالى :{ والعصـر إن الإنسان }( المادة المذمومة ) {لفى خُسـر إلا الذين آمنوا }( لم يستثنى الله عز وجل إلا المؤمنين فلم يقـُـل إلا الذين اتبعوا أهوائهم ولم يقل إلا الشيوعيون أو العلمانيون فالمادة المعالجة المقومة المصلحة لهذه المادة المذموممة وهى الإنسان ليست إلا الإيمان بنص الآية ( إلا الذين آمنوا ) ولذلك لا يـُفلح عند الله تعالى إلا المؤمنون قال تعالى :{ قد أفلح المؤمنون } ـ المؤمنون 1 ـ وبالتالى من يُصلح نفسه بغير الإيمان لا ينصلح , وبالتالى الإنسان المحض إذا وضعت معه علمانية .. فلسفة .. أدب .. بغير الإيمان فلا يزال على كونه مذموماً, فقد يتصور البعض أن التربية للإنسان تكون بدخول المدارس الأجنبية , دراسة المناهج العلمانية , أن يدخل المدارس العسكرية , تعرضه للصعاب والشدائد , يتعلم فى المدارس الراقية فى الخارج وكأنه يتصور أنها مصادر للتربية , وهذا تصور خاطىء لا يفيد بدون إيمان وعندما تعرف هذه الركائز وتفهمها تعرف الناقِه والحبــل , والطحين والبر من النخالة لا تختلط معك الأمور لمعرفتك حقائق هذه الأمور ..

الركـيزة الثالثة
أن إصـلاح العبد يستلزم تعاطى جرعات الإيمان دوماً وأبداً
وهذا معناه أن الإصلاح ليس بجرعة من الإيمان واحدة ، فأنتم تعلمون أن من الأمراض ما يؤخذ لها جرعة دواء لمدة يوم أو أسبوع أو شهر ثم لا يحتاج إليه بعد ذلك ، فلا بد من أخذ دورةعلاج معينة مناسبة لنوع الميكروب المسبب للمرض لفترة معينة وتنتهى المسألة ويُعافى بإذن الله .. وفى بعض الأمراض يأخذ مناعة ذاتية من هذا المرض فلا يعود له مرة أخرى ، وبعض الأمراض لابد من تعاطى الدواء طيلة العمر مثل مريض السكر أو الضغط ( إرتفاع ضغط الدم ) فإن مثل هذا إن قطعت عنه الدواء ظهر عليه أعراض المرض ،وقد يتسبب فى حدوث مضاعفات أخرى ، فإن هذا الدواء لا ينجح إلا إذا إستمر ..
وكذلك صلاح العبد يتأتى بدواء الإيمان ، لو وقف هذا الدواء : ظهر الفساد ، وبالتالى : تعاطى الإيمان لابد أن يكون تعاطى مستمر وليس جرعات مستقلة متفاوتة ، وهذا ظهر فى الناس جميعاً إذا دخلوا فى الإعتكاف مثلاً : إستشعروا نور فى القلوب ورقة فى النفوس ولين فى الأبدان ويُسر فى الطاعات ، فإذا خرجوا من الإعتكاف : تبدّل حالهم وظهرت أعراض المرض عليهم ، وكذلك فى رمضان أو وقت العمرة أو عند سماع دروس العلم وحضور مجالس القرآن فيستشعر من الخير فى قلبه ثم ينقطع وينشغل بالدنيا فيظهر عليه أعراض المرض ويظن أنه فعل ما ينبغى عليه أن يفعله ، ولايدرى المسكين أنه غفل عن أن هذا الدواء لابد أن يستمر ، ولذلك جعل الله تعالى من التكاليف الأساسية المًصلحة للنفوس والأبدان أبدية ، مثل الصلاة ، لماذا لا تسقط الصلاة أبداً لا على مريض ولا قعيد ولا حتى على المقاتل أثناء الملحمة والموت؟
لأن هذا دواء لابد من تعاطيه دوماً وإلا مات ، وهذا مانراه فى أنفسنا إذا توقفنا عن تعاطى هذا الدواء الإيمانى دوماً فتظهر أعراض المرض فى قسوة قلب ، فجور ، ذلة شهوة ، شدة غضب ، حدوث هم وضيق ، ذلة شبهة ...إلخ .. والبعض يظن أن تعاطى جرعة إيمانية واحدة تكفى للشفاء من المرض ، والبعض يغفل عن أن للعلماء كبائرهم وللعباد كبائرهم وللعوام كبائرهم - كما يقولون – فقد يكون قاتل تاب الله عليه وصار من العلماء فإن له كبائر أيضاً إن لم يسلم منها ولكنها ليست هى نفسها عندما كان قاتل ، فقد تكون كبائره حينئذٍ قطع طريق ، ترويع نفوس ، خمر ، زنا ، قتل نفوس ، وغضب .. إلخ .. وعندما أصبح علام أصبح عنده كِبر وتعالى على الناس ، رياء ، غيبة .. إلخ وقد يكون هذا أقبح من هذا ، وهذا أعظم عند الله من هذا ، لكننا من جهلنا عندما نسير فى طريق الصلاح قليلاً نحسب أننا أصبحنا فى أمان .. لأ.. أبداً ، فالهلاك أشد .. وأعلم أن لكلٍ كبائره ، فلا تظن أن المسألة سلامة مُطلقة ، بل سرعان ما يعود المرض ، فالأعراض متعددة وليست واحدة ، فقد يظهر أحدها دون غيرها ، وليس شرطاً ظهورها كلها ، وكذلك مريض الفساد الغير مُربى يمكن أن يظهر عليه فساد قلب – غلبة شهوة – نفاق – رياء – كسب حرام – ليس شرطاً أن يظهر عليه مرض معين فى كل مرة ، لكن من يتعاطى الدواء بإستمرار يكون فطن ومتنبّه ويعرف تلون العرض وإختلاف المرض ، فقد تتعدد الأعراض والمرض واحد ، وأى عبدٍ ركن الى ما عنده من إيمان نفذ ، فالإنسان قد يضع الكثير من المال فى خزينة ويُغلقها وتمر السنوات ولا تنقص ، لكن لو وضعت الكثير من الإيمان فى خزينة ولم تزايده ولم تتعاهده بالزيادة ك ينقص ويضيع ، فالإيمان كسائل شديد التطاير إن لم تزده كل حين نفذ وضاع ، ولذلك فقه الصحابة ذلك فكان الواحد منهم يقول لصاحبه : إجلس بنا نؤمن ساعة ، أى نزداد إيماناً ( كان معاذ يقول هذا ، وكذلك ابن مسعود )
ويعلق العلماء على هذا بأنهم كانوا يعلمون أن الإيمان سريع التناقص ، فكانوا يقوموا دائماً بالزيادة لأنهم كانوا مستقيمين ويتعاهدوا إيمانهم بإستمرار ويتعاطون أسباب الإيمان دائماً ، فإذا لم تتعاطى أسباب الإيمان وجدت نفسك وكأنك أصبحت منافقاً .. لكن محافظتك على الصلوات – خاصةً صلاة الفجر لأنها هى العلامة الفارقة بين النفاق وعدمه – وغلبة الشهوات ، بعض البر ، بعض العلم ، الأذكار ، ترك الكبائر .. وإن كانت جرعات من الدواء يسيرة إلا أن المحافظة والإستمرار فى حد ذاته يحميك من الإصابة بسرطان إيمانى ..
قد يتسائل البعض ويقول : لماذا لا أجد أثر طاعتى هذه ؟
الذى لا يجعلنا نشعر بأثر طاعتنا هو أننا نأخذ جرعات النجاة من الموت وليست جرعات الزيادة والقوة والفتوة فى الدين كمثل مريض ضيق التنفس عندما يصاب بأزمة تنفس فيأخذ جرعة أكسجين فيعود الى القدرة على التنفس فلا يشعر بجديد ويجهل أن هذه الجرعة قد منعت عنه الموت .. فالذى يجعلنا لا نشعر بأثر طاعتنا أننا نظن أن هذه الجرعة اليسيرة تنقلنا الى الصديقين والصالحين ..لأ.. إنما الأمر أنها منعت عنا الموت ..
فطاعتنا تُجبر النقص الشديد الحاصل فى إيماننا ، فالنقص من كل جانب : لأننا نحيا فى مجتمع جاهلى يصد عن سبيل الله يعتبر الإسلام إرهاب ، ونحن ضعفاء ، لدينا حب للشهوات ، وجهل علمى ، بدليل أننا نسأل فى كل شئ ،وكل هذا وغيره من عوامل النقص ، فلا تحسب أننا نأخذ جرعات الصلاح والإحسان والإخلاص ، إنما هى جرعات السلامة من الموت ، وكل عبدٍ يركن الى إيمانه ينفد ، خاصةً عندما لا يكون هناك زيادة مستمرة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً ويمسى مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا " .. أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فالأمر يحتاج الى إدراك الحقائق ، وهذه كانت الحقيقة الثالثة : أما الركيزة والحقيقة الرابعة فهى :

الركيزة الرابعة
أن الإنسان بقرينه يقتدى


إن العدوى فى الإيمان والفسوق والفساد شديدة جداً , فالعلماء من الأطباء يقسمونالأمراض الى ثلاثة أنواع :
أ – مرض غير معدى ( مثل مرض السكر والضغط )
ب – مرض معدى ( مثل الأنفلوانزا )
ج – مرض وبائى ( مثل الأيدز وبعض أمراض الكبد )
والبعض يأخذ الدواء وتظل حالته كما هى لا تتحسن ذلك لأنه كما يأخذ الدواء فإنه يأخذ المرض أيضاً معه فلا يؤثر الدواء
أما صاحب المرض الغير معدى ( السكر ) فيتعاطى الدواء أبداً , والغير معدى يتعاطاه لفترة والمرض الوبائى مهما أخذ له من دواء فلا يؤثر وذلك لقوة المعارض ( الميكروب المسبب للمرض) كذلك الفساد فى الإنسان هو مرض وبائى , فإذا كان أصدقاء العبد من أهل السوء والفساد فمهما تعاطى من أسباب الإيمان والبر والطاعة ( جرعة الإيمـان) فقد لا يؤثر وإن أثـّـر يؤثـر تأثيــراً ضعيفـاً لمــاذا ؟ لقــوة المعـارض والإنسان كحقيقة يقتدى بقرينه ويُـقلده هذه طبيعتــه
هل تعلمون لماذا الإنسـان يتكلـم ؟ لأنه لديه القدرة على المحاكاة فى كل شىء أكثر من غيره من المخلوقات , فالكلام نوع من المحاكاة فمثـلاً : إذا أتيت بهــرةٍ وظللت تـُـردد عليها كلمات يسـيرة لكى تنطقهـا لا تجــد إسـتجابة ولا تسـتطيع إلا أن تمـــؤ , فى حين أنك إذا رددت هذه الكلمات على طفل صغير أصغر من الهرة تجده يرددها بعد فترة قصيرة ذلك لأن الإنسان لديه الـقـُدرة على المحاكاة, لديـه القدرة على أن يـُـقلد الحيوانات كلها ولا تستطيع الحيوانات تقليده ( هناك بعض الببغاوات تستطيع الـمـُحاكاة فـتـُـحاكى الأصوات دون فهم لها ).. لذلك إذا جلس شخص وسط مجموعة لمدة معينة تجده يفعل ويتحدث مثلهم وذلك بالـمـُحاكاة فإذا لم يفطن العبد لذلك كان مثل الذى يتعاطى الدواء مع المرض فلا يكون الدواء ناجعاً , تجد العبد يـُـصلى فى أوقات الصــلاة , ويتصدق ببعض الصدقة لأن الصدقة تـُـنبت الإيمان فى القلوب , ويحاول التقرب إلى الفقــراء والمسـاكين لأنها تورث الذلـة وخفـض الجنــاح , ويبر والديه , ثم يجلس مع أهل الفسـاد فتجده تارة ً يغضـب منهم وتارة يفعل مثلهم فيكون كمن يأخذ الدواء بيد والمرض أو الميكروب المسبب للمرض باليد الأخرى , ولذلك بـّـيــن الله تعالى فى آية جامعة أن الـصُـحبة السـؤ من أخطر ما يـُـصيب العبد بالهلاك , قال تعالى { ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى إتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتى ليتنى لم أتخذ فلاناً خليلا ً لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جائنى وكان الشيطان للإنسان خذولا ً} الفرقــان27 : 29
والله سبحانه وتعالى يـُـعلمنا أن العبد من الظالمين الهالكين يأتى يوم القيامة فيرجع سبب ظلمه وهلكته إلى الـصـُحبة السوء وكان صاحب السؤ لم يضله عن الصلاة , عن العفة عن بر الوالدين إنما أضله عن الذكر أى " الدين " قال تعالى :{ إنـّـا نحن نزلنا الذكر } الحجر 9 الدين كله فبيـّـن الله تعالى مدى أثر الصاحب سلبا ً , وهذه إشارة بيـّـنة على أن الصاحب بالصاحب يقتدى ولذلك قالوا : إذا أردت أن تعرف الرجل فسل عن قرينه ، هذه حقيقة هامة نستفيد منها أن من أراد التربية فيلزمه إلتزاماً لا فكاك منه أن يبعد نفسه عن مصدر الوباء مصدر الفساد وينتقل من صحبة السوء الى صحبة الطاعة ، فلابد أن تعلم أنه لابد من تعاطى الدواء الإيمانى أبداً مع العُزلة عن سبب الوباء ..






الركيزة الخامسة : إن الأعمال بالخواتيم
وأن الصــلاح بالخاتمة

قد ينصلح العبد أعوام ثم يصير إلى الفساد فتسؤ خاتمته فيـُـحشر على الفسـاد , وإذا فسـد قرونا ً ثم أصلحه الله تعالى ومات على الصلاح بـُـعث مع الصالحين فائما ً ينظر العبد إلى حاله بحيث يكون يومه خير من أمسـه رجـاء أن يكون غده خيـر من يومه , وكل عبد رأى فى نفسـه أن يومه أسـوأ من أمسـه فهذا نذير شـؤم ينبغى أن يحذر على نفسـه ويسـأل الله سبحانه وتعالى التحول إلى الخير , ويبكى على ما إنتقل إليه حيث أنه بالأمس كان خيرا ً من اليوم فأنت تسير إلى نقطة الخاتمة التى قد تكون بعد هذه اللحظة بطرفة عين , وقد تكون بعدها بأطول من ذلك مما لا يعلمه إلا الله , فإذا كان اليوم أسوأ من الأمس كان معنى ذلك أنك تتجه إلى الخاتمة بســؤ , أما إن كان اليوم خير من الأمس فهذا فيه من البـُـشـرى لأنك تتجه إلى الخاتمة بخير ..فلا ينظر الإنسان إلى ما قـدّم إنما يكون مراقبـا ً لما أخـّـر .. ما الذى سـتؤخره ؟ مالذى سـتـُـقدمه بعد ؟ وكل عبد يضع الخاتمة أمامه لا تقر له عين ولا يغمض له جفن ولا يطمئن له قلب حتى يدركها على خير , فإن كنت اليوم على خير ٍ فما أدراك بحالك فى الغد والله يـُـقلب القلوب كيف يشــاء فيزيغ قلب من يشاء ويثبت قلب من يشاء ويهدى من يشاء ويضل من يشاء وهو على كل شىء قدير , ولما كانت العبرة بالخواتيم كان لابُـد لكل عبـدٍ أن يعلم أن الصلاح المقصود ليس لساعة ولا لعام إنما مقصود للخاتمة , وأسأل نفسك كيف سيكون حالى إذا صرت إلى عمر أبى وجدى ؟ هل سأكون على ما أنا عليه من بـر أم أزداد أم أنقص وأتبدل ؟ خاصة أن الفرق عمر طويل بالنسبة لنا وليس بالنسبة للدنيا ولا عند الله فإن لم تـر فى ذلك آية فأنظر الى شـُـبان كانوا على الـتُـقى ثم لما صاروا كهولا ً ثم لما صاروا شيوخا ً كيف تبدلت أحوالهم ؛ ويقولون لك أنا كـُـنت فى الماضى أؤذن فى المسجد , أنا كنت فى الماضى ملتحى مثلك , كنت .. كنت .. هذا يـُخيفك لأن ثباتك على الحق وأستمرارك على الخير ليس بيدك لاتستطيع أن تقول لا توجد قوة تمنعنى من أن أصلى , لا توجد قوة تمنعنى أن أكون على خير .. لا .. يوجد الله يحول القلوب كيف يشاء وبالتالى لا بـُـد أن ينظر العبد على أى حال ستكون غدا ً خاتمته ؟ هل سيبدل ؟ هل سيـُـفتن خاصة أن العباد يـُـفتنون ويتغيرون ويتبدلون ؛ وبالتالى فالعبرة بالخواتيم والأمر عند الله بخاتمتك , فمثلا ً قصة قاتل المئـة نفـس فيها من العبر ما فيها وكيف أنه طال عمره فى الفساد ثم إنصــلح لحظات وليس شهور أو سنين بل لحظات لما صدق فى العزم وصدق فى التوبة وأطــاع العالـِــم فيمـا نصـحه بـه وأرشــده إليه فأستجاب وسارع فى الخير لحظات ختم الله له بهذه اللحظات وليس بسنين العمر ـ نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير ..
وفى الحديث عند أهل السـُـنن وعند الترمذى بسـند صحيح من حديث أبى هريرة أن رجلا ً قاتل مع النبى صلى الله عليه وسلم حتى أنه ما يترك شاذة(يكون المقاتل بمفرده ,شاذة هى التى إنفردت عن الجيش ) ولا فاذة ( القوى الذى لا يـُـقهر من الناس ) إلا ّ وأتبعها , فقلنا : ما أبلى مثله !! حتى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : هو فى النار .. قال فشـق على ذلك فتبعته فإذا به يـُـجرح جرحا ً فتألم منه ألما ً شديدا ً , فوضع حد سيفه على الأرض ووضع ذبابة بين ثدييه فاتكأ عليه فقتل نفسه , فجاء الرجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله إن رجل كان كذا وكذا فقلت كذا فشق على فتبعته ـ وقص عليه الأمر ـ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسـبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .. الى آخر الحديث ..

الحاصل أن هذا الحديث يدل على أن الرجل الذى أبلى بــلاءً حسـنا ً ولفت نظر الجميع بشجاعته ومهارته ثم لما إشتد ألمه ولم يصبر وضجر وقنط من شدة الألم قتل نفسه فختم له بقتل النفس ولم يختم له بما قدم ؟.. فأجمع بين هاتين القصتين لتعلم أن العبرة بالخواتيم : فهذا قاتل المئة خـُـتـم له بخير بالغم مما قدم من سوء , وهذا خـُـتم له بعمل أهل النار بالغم مما أبلى بلاء حسنا ً فى القتال فى سبيل الله وما قدم من خير .. وبالتالى لا يقول أحد بحال من الأحوال أننى قدمت , إننى فعلت كذا من الخير ولا يركن الى ذلك فالعبرة بخواتيم الأعمال ..
فهذه هى الركائز الخمس للتربية ولا بـُـد لمن أراد تربية نفسه أن يضعها نصب عينيه دائما ً , فإنك إن علمت هذا ذهبت إلى ما يـُـصلحك , فكم من مريض لا يطلب الدواء لأنه لا يعرف أنه مريض حتى يشتد عليه المرض فيذهب للطبيب فيـُـخبره أنه مريض بمرض عضــال , نحن كذلك كثير منا لا يعرف أننا بأنسانيتنا المحضة مرضى نحتاج الى دواء خاصة وأننا نشأنا فى قوم ٍ زهدونا فى الدواء ـ وهذا الدواء هو الإيمـــانلاشىء غيره فهذه حقيقة شاء الناس أم أبوا , رضوا بها أم إمتنعوا : أن الإنسان لا يُصلحه إلا الدين فقد قال الله سبحانه وتعالى :
" إن الإنسان خـُلق هلوعا ً , إذا مسه الشر جزوعا ً , وإذا مسه الخير منوعا ً , إلا المصلين , الذين هم على صلاتهم دائمون .." إلى آخر الآيات ..
سؤال : لماذا قال هنا : إلا المصلين ولم يقل إلا المؤمنين ؟
لأن من أميز علامات المؤمنين الصلاة .. وهذه دلالة بينة على أن الصلاة من أصلب ومن أدعى ومن أول علامات الإيمان وان تركها فقد الإيمان
وقال الله تعالى فى موطن آخر : " والعصر إن الإنسان لفى خسر , إلا الذين آمنوا "
وبالتالى لما تعرف مرضك تبحث عن الدواء , تبحث عن معطيات الإيمان , عن سلامة العقيدة , سلامة المسلك , صحة العبادات , البعد عن البدع , صحة الإتباع , التدقيق فى إتباع النبى صلى الله عليه وسلم أخذا ً من الطبيب الذى لا يعرف الدواء إلا هو , ولذلك إذا تنكب الناس للدين فســدوا , وإذا تعاطوا مقتضياته صلحوا , لأن لا صلاح إلا به , فإن قال البعض : ان الصوفية يتعاطون دواء , وكذلك الشيوعيون ..لا .. هم يتعاطون أشياء لا يزدادوا بها إلا مرضــا ً , إنما الدواء هو الإيمــان, والإيمان هو : قال الله قال الرسول عليه الصلاة والسلام بمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم كتاب وسنة بفهم سلف الأمة منضبط طالبا ً للدليل بعيدا ً عن المذهبية والحزبية , بعيد عن الأرتباط بأشخاص أو طوائف أو جماعات أو أحزاب .. هذا هو الدواء الصحيح , أما ما يتعاطونه هم فلا يمت للدواء بصلة فأنهم يخدعونهم يعطونهم سائل ما على أنه دواء واحد لكل الأمراض , فأى عاقل يصدق هذا ؟ فلا توجد آية فى كتاب الله ولا حديث فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء لجميع الأمراض , بل إذا كان الإنسان مرضه شـُـبهة فإنه يحتــاج من آيـات العلم , وإن كان مرضه شـهوة يحتاج من آيات الموعظة والزجر .. وهكذا .. وليس دواء واحد لكل الأمراض إنما كل داء له دواء , لأن كل داء له طريقة فى معالجته ..
وطالب الصلاح عليه أن يتخلص من الجهل لأن الجهل من أعدى أعداء العبد , ومما يـُـفسـده ويـُـفسـد دينه وما أفســد أ ُمة المسلمين إلا جهلهم بدينهم حتى حدثهم أعدائهم فى دينهم فيقولون : إن دينكم فيه تطرف , فيه إرهاب , لا بـُـد أن يتغير ولا بـُـد أن نفوسكم تتغير , لابـُـد أن يكون عندكم سـماحة , ولابـُـد من تحديث الدين .. وكأننا بهائم يسوقونها يمين وشمال ونحن الأمة التى أناط بها الله قيادة العالم بأسره قال تعالى :" لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " ـ البقرة 143 ـشهداء أى قادة الأمم لأن لا أحد لديه العلم وضبط الأمور والشريعة الحق التى تمتلكونها , وللأسف تركنا هذا وبحثنا عن زبالات أفكار الكافرين والشيوعيين والعلمانيين طمعـا ً فى الحضارة والتقدم فما حـصـّـلنا إلا التخلف والهوان والسقوط , فلما كانت الأمة تقيم بعــض دينها وليـس كله ـ لأن الولاة شغلتهم شهواتهم لكنهم كانوا يـُـقيمون بعض مقتضى العقيدة والدين ـ أيام الخلافة العثمانية كان الغرب ترتعد فرائصـه منهم وكانوا يـُـقيمون لهم وزن وكانوا لا يستطيعون أن يقربوا المنطقة الإسلامية , ولما تركنا ديننا لم نعد نساوى شـيئا ً عند أبناء القردة والخنازير , ولـن يصبح لهذه الأمة قيمة إلا بالإسلام , وهذا ما يجعلهم يخشون شبابنا الملتزم المتدين لأن وجود هذا الشباب حتى وإن كان جاهلا ً طالما إنه ينوى إقامة الإسلام ينوى تعلم دينه مجرد النية فقط كالديناميت عليهم فيحاولون بشتى الطرق قتل هذه النية فى مهدها قبل أن تكون واقع وحقيقة وكيان لكن أبشـّـر نفسـى وإياكم بقول الله تعالى : " يريدون أن يـُـطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يـُـتم نوره ولو كره الكافرون" التوبة 35 ـ وقال تعالى :" يـُـريدون ليـُـطفئوا نور الله بأفواههم والله مـُـتم نوره ولو كره الكافرون " الصف 8 ـ
المهم أن تعرف أنك مـُـطالب بأن تعرف حقيقة الأمر وتـُـقيم مقتـضى الصلاح من خلال إستعمالك لهذا المـُـقتضى فالكثير من المرضى لا يتناولون الدواء لأنهم لايعرفون أنهم مرضى لكن أنت إذا عرفت أن الإنسان بطبيعته مذموم بحثت عن سبب ذلك فأستقمت على مـُـقتضى الدين وأخذت الدواء الحقيقى وليس ما يـُـطلقون عليه دواء , وليس كل ما يقولون عنه أنه دين يكون دين , فإنهم يطعنون فى السـُـنة ويقولون دين , ويكذبوا بالقرآن ويقولون دين , يـُـنكروا الحجاب ويقولون دين , إنما الدين هو ما قيل فيه حدثنا وما سوى ذلك فوسواس الشياطين , فالقضية ليست مجرد مسميات ؛ فإنهم يـُـطلقون على الإسلام "إرهاب" لينفروا الناس منه , كمايـُـطلقون على الفجور والمجون والعـُرى والإباحية والإختلاط " فن" , وعلـى الكـلام الفاحش والبذئ "أدب" ليرغبوا الناس فيه ..
فلن تقوم للأمة قائمة إلا إذا تعاطت أسباب صلاحها , إلا إذا إستقامت على دين ربها وتعاطت الإيمان دوما ً مع عزلها عن سبب الداء , وأضرب لكم مثلا ً يـُـقرب لكم القضية : فالناظر إلى أحوال الصحابة رضوان الله عليهم يجد هذا الأمر واضح جلى , فإنهم كانوا ـ قبل أن يصيروا صحابة ـ إنسان ـ فهم بشر مثلنا لكن لما كانوا بدون إيمان بغض النظر عن نسبهم وأموالهم وأقوامهم وعشائرهم .. إلخ كانوا فى أتم الذم وعلى حال أسوأ ما يكون , وكيف أن الرجل إذا ولدت له إمرأته إبنة أخذها ساعة ميلادها وبدلا ً من أن يـُـقبلها ويحمد الله عليها ويسأل الله أن تكون صالحة مـُعينة لأمها ويظن فيها اليـُمن والخير وأن تكون حاملة ً له فى كبره ومرضه .. يأخذها ويدفنها حية ويـُعلن لأصحابه أن إمرأته ولدت له أنثى وأنه دفنها بجوار أختها إن كان له إبنة من قبل , هذا كان أحد شـؤون الجاهلية وحال الصحابة قبل الإيمان عندما كانوا إنسان مجرد مطلق غير مقيد بقيد الإيمان , وكانوا قـُـطاع طرق ـ كأبو ذر الغفارى رضى الله عنه ـ فصار بلإيمان عَــلم من أعلام الـزُهد والرقة والدين,
وأنظر الى الفياض بن عياض : كان سارق , قاطع طريق , قفز ذات ليلة إلى بيتٍ فسمع قارئ يقرأ قوله تعالى :" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون " الحديد 16 ـ فلما سمع هذه الآية وقف على الجدار ورفع نظره إلى السمآء وبكى وقال : ربى بلى قد آن , ربى بلى قد آن .. ثم نزل وقصد المسجد وتاب وأستعد للقاء الله ..
وهذا زَدَان الكـنـْـدى الإمام المحدث : كان صاحب لهو ٍ وطرب , كان ذات مرة فى السوق يعزف له أصحابه وهو بينهم يـُـغنى , فمـر بهم عبد الله بن مسعود الصحابى الجليل فلما رأى حالهم صاح بهم فتفرقوا عنه , فأمسك بزَدان وهزه وقال : لو كان ما يسمع من صوتك يا غلام بقراءة القرآن كنت أنت أنت ـ أى المـُـقرب من ربه فى جناته , المرتفع شأنه عند ربه ـ ثم مضى , فألتفت زَدَان الى من بقى من أصحابه وقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بن مسعود .. قال : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبكى ومضى يبكى وأسرع يلحق بعبد الله بن مسعود وصاح به , فوقف له فبكى بين يديه وقال : لقد تـُـبت والله مما أفعل , قد حاربت ربى وتبت مما أفعل , فبكى عبد الله بن مسعود وقال : مرحبا ً بمن أحبه الله .. ثم لازم بن مسعود وتعلم منه الحديث والقراءة وأصبح إمام محدّث بعد أن كان موسيقى مغنى فأنظر كيف حـوّل الإيمان هذه القلوب وجعلها تـُـراقب عـلآم الغيوب وتخشى عاقبة الذنوب ..
وبالنظر أيضا ً إلى علاقة الزواج أو علاقة الرجل بالمرأة فى الجاهلية وكيف أصبحت بالإسلام , وهذا نستوضحه ونبينه من حديث عائشة رضى الله عنها ـ عند البخارىحدثنا يونس عن بن شهاب قال : أخبرنى عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح فى الجاهلية كان على أربع أنحاء :
ـ فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل الى الرجل وليته أو إبنته فيصدقها ثم ينكحها ,
ـ ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلى إلى فـُـلان فأستبضعى منه ويعتزلها زوجها ولا يلمسها أبدا ً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذى تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب ـ وإنما يفعل ذلك رغبة فى نجابة الولدـ فكان هذا النكاح نكاح الإستبضاع ,
ـ ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها , فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلا يستطيع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم : قد عرفتم الذى كان من أمركم وقد ولدت فهو إبنك يا فـُـلان تسمى من أحبت بإسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل ,
ـ ونكاح رابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها ـ وهن البغايا ـ كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما ً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جـُـمعوا لها ودعوا لهم القافه ثم ألحقوا ولدها بالذى يرون فألتاط به ودعى إبنه لا يمتنع من ذلك .
فلما بـُـعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم . فتح البارى ـ كتاب النكاح 4123 باب 37 ..
( القافه: هو الذى يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية )
( التاط : أى إستلحقه به )
والشاهد من الحديث : أحوال المجتمع الجاهلى قبل الإسلام , وكيف أن هذه العلاقات كانت تتم تحت سمع وبصر المجتمع وبرضاه وليست من وراءه أو خيانة , فإن قال البعض إن هذا موجود الآن فى بلد كذا أو مجتمع كذا .. نقول : نعم , ولكنها تتم سرا ً وعلى إستحياء , وفى خفاء , نسأل الله أن يطهر مجتمعاتنا , لكن هذه الأمور فى الجاهلية كانت تتم برضا المجتمع وإرادته وتعاونه مما يبين حقيقة هذه المجتمعات التى كان فيها الإنسان المجرد والعرب بشيمهم وفروسيتهم وأدبهم وشعرهم وفطاحلهم وثقافتهم , هذه كانت أخلاقياتهم وأنتم تعرفون دينهم : كانوا يعبدون الحجر والشجر والأصنام والأوثان والكهنة والشياطين , كانت أحوالهم وشرائعهم , كانت هذه هى أحوال الأنسان قبل الإسلام ثم كيف صاروا بعد الإسلام,وكيف صار الواحد منهم أُمة بالإسلام , وصار أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والصحابة رضوان الله عليهم بالإسلام , ولاشىء سوى الإسلام , ولا يكرم الإنسان ولا يسويه إلا الإيمان , والصلاح ليس له باب ولا طريق إلا بالإيمان لكن .. البعض يقف عند حد معرفة الطريق فقط ولا يتعداه , وبدلا ً من إستكمال مسيرة التعلم والتربية يقف ولا يلج الباب ولا يخطو خطوات على الطريق تغلبه رغبات الدنيا وتفتنه الشهوات , فصار التنافس فى الدنيا لا فى الدين , ونشأ جيل فقير علميا ً ليس لديه المهارات العلمية , فاقد لروح العلم , فلا تجد من له باع فى الفقه وأصوله , ومن يفقه فى العقيدة ويفهم أصولها ومحاوراتها ومناظراتها والرد على الشبهات العارضة , ومن يتقن الحديث ويقف على فنونه ـ وتجد من ينافسهم ويثير هممهم ولا تجد من يصبر على مرارة العلم ليذوق حلاوته فى النهاية ومن الطبيعى ألا يطلب العلم إلا القليل , لكننا أصبحنا أقل من القلة , والذى يجعل مستوانا بهذا الإنحدار هو التنافس فى الدنيا وليس فى الدين , ومن الأسباب العظيمة التى منعتنا من التقدم فى الدين إرادة زينة الحياة الدنيا , وطلب الدنيا ومتاع الدنيا , وأننا غفلنا عن أننا مـُـطالبين بالنظر نظرتين :
نظرة متعلقة بالدنيا :ـ وهى نظرة إلى من هو أدنى منا والمنع من النظر إلى من هو أعلى منا قال تعالى :" ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه , ورزق ربك خير وأبقى "
وفى الحديث : لا تنظروا إلى من هو فوق منكم وأنظروا إلى من هو أسفل منكم ذلك أحرى ألا تزدروا نعمة الله عليكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم
النظرة الثانية : هى نظرة فى الدين وذلك بالنظر إلى من هو أعلى منك .. قــال تعالــى :" وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " الكهف 28
فالأمر للنبى والفعل لأمته فالنبى صلى الله عليه وسلم هو أعلى الناس فى الدين لكن الله سبحانه وتعالى يأمر أمته من خلال النبى صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء هم الذين سيجعلونك تتقدم فى دينك وتستشعر تقصيرك , وهؤلاء هم دائمى الذكر , دائمى الطاعة , دائمى التقوى , وليس مثلنا نذكر الله فى رمضان فقط أة فى الحج فقط أو عند فقد عزيز أو حدوث مصيبة , فهذه تقوى موسمية يتبعها فجور يمحوها , إنما هؤلاء يدعون ربهم بالغداة والعشى , أى تقوى دائمة , وهذه التقوى الدائمة هى الدافع والقوى المحركة لتقدمك فى دينك , والتقدم كما قلنا لا يكون إلا بالإيمان , والإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم , وهذا يتحقق بالمحاولات والإجتهادات فى تحصيل المقتضى العلمى الذى يجعل المسائل الشرعية بينة أمامه فيتضح الطريق ويعرف الخلاف فى المسائل الهامة , ويستطيع التمييز بين قول أناس وقول آخرين للوقوف على الصواب . فلا بـُـد من العلم فليس المرء يولد عالم فليس ذو علم كمن هو جاهل , والله عز وجل لا يحب من العبد عملا ً كما يحب من طالب العلم تعلم
فالعلم هو أصل كل بر , وهو الذى يقود إلى الصلاح وإلى إنكار المنكر والأمر بالمعروف , بل العلم يقود إلى الجهاد أيضا ً وإلى إصلاح الدنيا والدين , فالدين عبارة عن علم قال تعالى :" فأعلم أنه لا إله إلا الله "

فصل :أسباب الصلاح

عرفت مما سبق الركائز الخمس للتربية أو قل إن شئت الحقائق الخمس كمدخل للتربية ومعرفة هذه الحقائق ترشدك إلى المقصود , ترسم لك الطريق , تدلك على المراد , فهذه المعرفة تفيد فى إدراك من أين يكون الصلاح ؟ وكيف يكون الأنسان صالحا ً ؟ , وهذا يتطلب أمرين هما البنيان القائم على أساس الحقائق الخمس التى ذكرناها من قبل , وهما كما يلى : ـ
1. صلاح ذات العبد ( الصلاح الذاتى )
2. الجليس الصالح والصحبة الطيبة
وسوف نتناول كل واحد منهما بالشرح والبيان والتفصيل بإذن الله تعالى
أولاً : إصــلاح ذات العبــد :
وذلك بإصلاح دينه وعقيدته أى أن يصير صاحب دين , يفهم دينه ويستقيم على الطاعات وعلى ما أتى به الشرع غير مبتدع , ولا يحدث فى دين الله ما ليس منه , والأستقامة على العقيدة الحق .. وذلك بتعلم مقتضيات العقيدة وأحكام العبادات والسـنن والبدع , والمداومة على ذلك ليل نهار
ومما ينبغى لكل عاقل ـ فضلا ً عن ذى دين ـ أن ينتبه له ويعطيه فضل إهتمام إن كان يريد إصلاح نفسه : إن من أنعم الله عليه بشىء من الهدى فإنما أنعم عليه بأعظم نعمة أنعمها الله عز وجل على عباده , والنعم تستوجب من العبد أن يوفيها الشكر بقدرها , فإن كانت هذه هى أعظم نعمة ومنة يمن الله بها على عباده فلا بد أن يوفيها العبد بشىء من الشكر يتناسب مع هذه النعمة , ومن أهم مقتضيات هذا الشكر المحافظة عليها , والعض عليها بالنواجذ, وعدم التفريط فيها , وأن تضعها فى عينيك , وأن تجعلها حلية رأسك وكرامة نفسك , فإنك لا تكون إلا بها , وبدونها يصبح العبد ضائع لا قيمة له ولا وزن , فالعباد لا يكرمون عند ربهم ولا يكون لهم وزن إلا بالإيمان قال تعالى :" إن أكرمكم عند الله أتقاكم " , وفى الحديث :" أخرجوا من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان " وهذا يعنى أن هذا هو الذى له قيمة وإن دقت , فأستمسك بالنعمة التى أنعمها الله عليك وأحرص عليها وأطلب الزيادة فيها أبدا ً , وأعلم أن كل زيادة إلى فناء وكل مطمع للعبد إلى بوار إلا الإيمان , فهو الوحيد الذى لا يفنى ولا يبور والزيادة فيه نافعة فى الدين والدنيا , وفى الدنيا والآخرة تجد له أثر فى دنياك وتجد حصيلته فى الآخرة بيـّـنة جليـّـة
وأعلم أنه إذا كان الله عز وجل قد منّ عليك بهذه المنة العظيمة فإن هناك الكثير ممن حـُـرموا منها ويرجون أن يجدوا ما تجد وأن ينعم الله عليهم بما أنعم عليك , فلا تكن من المغبونين فتفرط فيما فضلك الله به على غيرك , فإننا نرى فى أنفسنا وفى غيرنا التقصير والتفريط , تجد العبد فى بداية عهده بالإلتزام يكاد يكون من الصالحين إن لم يك منهم ثم بعد أيام , شهور , أعوام , يتبدل حاله ويقبل من نفسه ما كان ينكره من قبل ويتنزل ويترخص فى غير موطن الرخصة ويبدل دينه ـ نعوذ بالله من أن نرتد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ـ ويتنازل عن كثير منه بسبب خوف , شهوة , فتنة , دنيا .. وغير ذلك من الأمور التى قد تؤثر فيه , فمن لم يضع هذا نصب عينيه ويحافظ على نعمة الإيمان والهدى لدخل عليه الزيغ من حيث لا يحتسب , ومن ظن أنه غير معرض للفتن أو التبديل والتغيير فهو مخبول غير عاقل لا يدرى سـُـنة الله فى الخلق , فالله سبحانه وتعالى يقلب قلوب العباد كيف يشاء , والله قادر على أن يمسى العبد على حال غير التى أصبح عليها , وهو أمر الله وحده إن شاء هداك وإن شاء أزاغ قلبك , فلابـُـد أن تعلم أنهما إثنتان :
ـ الهدى والإهتداء
ـ الثبات على الهـُـدى وعدم الزيغ
لذلك علـّـمنا ربنا أن نقول :" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" وكم من عبد يهتدى ثم يزيغ , وكم من عبد يصيبه النقص بعد الزيادة , والكفر بعد الإيمان , وهذه من الأمور التى إستفاد بها النبى صلى الله عليه وسلم فقال :" اللهم أنى أعوذ بك من الخور بعد الكور " أى من الهدم بعد البناء ومن النقص بعد الزيادة
إذا ً لا بد أن تعلم أن مادة الصلاح الوحيدة هى الإيمان , وأنها من أعظم النعم التى أنعمها الله على عباده مما يستوجب شكرها والمحافظة عليها قال تعالى :" وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد " ـ إبراهيم 7
لكن : أى دين يصلح به الناس ؟ توجد فى الأرض أديان كثيرة كلها تزعم أنها على الحق وليس الأمر كذلك , فالدين الحق هو الذى لا يقوم على عبادة بشر أو بقر , أو شمس أو قمر , أو حجر أو شجر , أو غير ذلك ..إنه الدين الذى يقوم على عبادة إله واحد أحد , فرد صمد , لم يلد ولم يولد , ولم يكن له كفوا ً أحد .. إنه الدين الذى يأخذ بيد الفرد والجماعة والأمة إلى منهج حياة , أوحى به العليم الخبير , فى كتاب حـُـفظ من التبديل والتغيير قال تعالى :" ..قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين , يهدى به الله من إتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة (15-16 )
إنه الدين الذى لا بد منه لكل الناس إن أرادوا إصلاحا ً وفلاحا ً , أما غيره من الأديان فليست بشىء فقد حرفت أصولها , وضاعت معالمها , وأضطرب أمرها وتحولت إلى كفر وضلال وظلام , وأديان هذا شأنها لا شك أنها أديان باطلة , إضافة إلى أنهم أباحوا كثيرا ً مما حرم الله كالربا والخمر والزنى والإنحلال والتبرج فضيعوا الدين والدنيا معا ً
إنه الدين الذى يقوم على قوله تعالى :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون " ـ النحل 90 , وعلى قول النبى صلى الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه , من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته , ومن فـرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة , ومن ستر مسلما ً ستره الله يوم القيامة " ـ رواه البخارى وعلى قوله صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يـُـحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخارى ومسلم , وقوله صلى الله عليه وسلم :" بحسب إمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسيلم ، " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " رواه مسلم ..
فإن الدين الذى يقوم على هذه الأصول وعلى غيرها من مكارم الأخلاق فىالنيات والأعمال والأقوال هو الدين الحق والذى سيحتاجه الناس أجمعون لصلاحهم ، قال تعالى { ومن يبتغِ غَيرَ الإسلامِ ديناًُ فلن يًُقبل منه وهو فى الآخرةِ من الخاسرين ْ} آل عمران 85 ، ومن مقتضيات صلاح العبد : تعلًُم هذا الدين الذى لا يقبل الله سبحانه وتعالى غيره، فقد فرض الله عز وجل على كل مكلف أن يتعلم من أمور دينه ما تصح به عقيدته وما يصلح به عمله وما يستقيم به سلوكه وما يسلم به تصوره لهذا الدين ، فقال تعالى { فأعلم أنه لا إله إلا الله ْ} محمد 19 .. وقال صلى الله عليه وسلم :" طلب العلم فريضة على كل مسلم " رواه ابن ماجه ، والمراد بالعلم الشرعى الذى يُعلم به الحلال والحرام ومايجب فعله وما يتعين تركه مما هو فرض على كل مسلم ومسلمة .. أما العلوم الأخرى اللازمة للأمة كعلوم الزراعة والتجارة والصناعة وغيرها فهى فرض كفاية على المجتمع المسلم : أى إذا قام به فرد أو أفراد وتحقق المقصود سقط هذا الفرض عنهم جميعاًُ ، وإن لم يقوموا به أثموا جميعاًُ ، ولاسبيل للتعرف على هذا الدين وتعلًُمه إلا من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح ومن نهج نهجهم من أهل الفقه فى دين الله تفسيراًُ لكتابه وإيضاحاًُ لسنة نبيه وإجتهاداً قائماًُ على الدليل الصحيح ..
وبعد أن عرفت أن مادة صلاح العبد هى الإيمان كان لزاماًُ أن سيحرص العبد على تعاطى الإيمان دوماًُ وأبداًُ حيث أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ويتفاضل الميسلمون بذلك فأكثرهم إيماناًُ أعظمهم فضلاًُ وأقلهم إيماناًُ أقلهم فضلاًُ .. قال تعالى : { يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل وأن الله لا يًُضيعًُ أجر المؤمنين . الذين إستجابوا لله والرسول من بعدِ ما أصابهم القرح . للذين أحسنوا منهم وأتقوا أجرٌ عظيم . الذين قال لهم الناسًُ إن الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم فزادهم إيماناًُ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ْ} آل عمران 173 وقال سبحانه وتعالى { الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناًُ ْ} الأنفال 2..
ومادام الإيمان يزيد فهو ينقص قال صلى الله عليه وسلم :" لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن " رواه البخارى . فهذا الحديث وأمثاله يدل على نقصان الإيمان بالمعاصى لا سيما الكبائر , والذين يقولون بأن الأيمان لا يزيد ولا ينقص يجعلون إيمان العـُـصاة كإيمان الرسل والأنبياء والصحابة والصالحين والشهداء وهذا ما لا يتصوره عاقل ولا يقوله إلا جاهل فضلا عن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى نصت بما لا يقبل التأويل بأن الإيمان يزيد وينقص
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده فى كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بجميع ما يصلح قلوب عباده ويقربها منه , ونهاهم عما ينافى ذلك ويضاده , ولما كان الآدمى مركبا ً من جسد وروح ولكل منهما غذاء يتغذى به , وكما أن الجسد يتغذى بالطعام والشراب فكذلك الروح لها غذاء تتغذى به هو قوتها فإن فقدنه مرضت أعظم من مرض الجسد بفقد غذاءه ومتى كان الجسد سقيما ً فإنه لا يلتذ بما يتغذى به ولا يميل الى ما ينفعه بل ربما مال الى ما يضره , وكذلك القلب والروح إذا مرض فإنه لا يلتذ بغذائه ولا يميل إليه بل يميل إلى ما يضره ولا قوت للقلب والروح ولا غذاء لهما سوى معرفة الله عز وجل ومعرفة عظمته وجلاله وكبريائه فيترتب على هذه المعرفة خشيته وتعظيمه وإجلاله والأنس به والمحبة له والشوق الى لقائه والرضا بقضائه فإن القلوب إذا هطل عليها وابل الإيمان من سـُـحب القرآن أخذت ما وسعت فإذا بــذر فيها القرآن حقائق العرفان وسقاه ماء الإيمان أنبتت ما زرعت , ولما كانت الروح تقوى بما تسمعه من الحكمة والموعظة الحسنة وتحيى بذلك شرع الله لعباده سماع ما تقوى به قلوبهم وتتغذى وتزداد إيمانا ً , فتارة يكون ذلك فرضا ً عليهم ( كسماع القرآن والذكر والموعظة يوم الجمعة فى الخطبة والصلاة , وكسماع القرآن فى الصلوات الجهرية من المكتوبات ) وتارة يكون ذلك مندوبا ً إليه غير مفترض (كمجالس الذكر ) فهذا السماع حــاد يحــدر قلب المؤمن الى الوصول الى ربه , وسائق يسوقه ويشوقه الى قربه .. وقد مدح الله المؤمنين بوجود مـُـريد أحوالهم بهذا السماع وذم من لا يجد منه ما يجدونه ,قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ً } ـ الأنفال 2 , وقال تعالى :{ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك فى ضلال مبين , الله أنزل أحسن الحديث كتابا ً متشابها ً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله } الزمر 22 – 23 وقال تعالى :{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ..} ـ الحديد 16 , وهذه الآية تتضمن توبيخا ً وعتابا ً لمن سمع هذا السماع ولم يحدث له فى قلبه صلاحا ً ورقة ً وخشوعا ً
قال الحسن : تفقدوا الحلاوة فى الصلاة وفى القرآن وفى الذكر , فإن وجدتموها فأمضوا وأبشروا , وإن لم تجدوها فأعلموا أن الباب مغلق
هذا هو مجمل طريق إصلاح الدين الذى يتطلب منك المجاهدة , وبقدر مجاهدة العبد فى طلب الحق بقدر قيامه على الحق بتوفيق الله عز وجل , حيث أن القيام على الحق وهداية القلوب للحق وتمكين الهداية من القلب هى فعل الرب جل وعلا , والله يعطى الأجر على قدر الجهد , والله سبحانه وتعالى يزن الأعمال بمثاقيل الذر فضلا ً عن كرمه وجوده ســـبحانه وتعالى.. قال تعالى :" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " ـ العنكبوت 69 , فهل أنت من الذين جاهدوا ؟
فالمجاهدة هى : بذل الجهد أى وسع ما عندك , والمجاهدة هى : البذل بمشقة , أى إجهاد النفس , وسميت كذلك لأن العبد يأتى ما فى وسعه كله .. وأنت تتعلم تجاهد , وأنت فى العبادة تجاهد .. إلخ , فالشرط ما إشترطه الله وأنت مخلوق لهذا فعليك تحقيق الشرط حتى تجنى المشروط , وأنت قد عرفت الطريق وأن الإسلام هو المنجى وأن الله يتقبل عباده الصالحين المحسنين الطائعين , فإذا عرفت هذه الحقائق كان دورك أن تستقيم عليها حتى تـُـقبل و يجعلك الله من أهل الجنة , وأنت قد عرفت الطريق وغيرك لم يعرف , ومن ذلك إحمد الله عز وجل وأشكر نعمه , فمعرفة الطريق فى ذاتها نعمة لكن لا تستفيد منها إلا إذا تابعتها بنعمة أخرى وهى نعمة التطبيق , نعمة الخطى بخطوات واسعة على الطريق .. قال تعالى :{وأن هذا صراطى مستقيما ً فأتبعوه ولا تتبعوا السـُـبل فتفرق بكم عن سبيله } ـ الأنعام 153

ثانياً : الجليس الصالح ( الصحبة الطيبـة ) :

الآن وبعد أن عرفت مجمل طريق إصلاح الدين الذى يتطلب منك المجاهدة فيه , كان عليك أن تتعرف على أثر الجليس , فالكثير منا لا يعرف خطورة الجليس ولا يعرف أثره سلباً و إيجاباً فإن الجليس هو مادة الإصلاح والإفساد المباشر للعبد وقد لا تعلم أن كثير من الناس يتأثرون ويتحولون من صلاح أو فساد بسبب الجليس , فقد يكون الإنسان صالحاً وعلى خير ثم يتحول إلى غير ذلك لا لشىء إلا بسبب الجليس بتقدير رب العالمين , والجليس هو من تُكثر مجالسته ويسمى جليس نفسه من إعتزل الناس وبعد عنهم , وعلى ذلك فليس رفيق العمل ولا السفر ولا الجار .. إلخ بجليس إلا إذا كثرت مجالستك له بإختيارك ومحبتك وإرادتك ..ومما يجعل للجليس أثراً بالغاً أن الإنسان مركب ومجبول على الإقتداء بجليسه والتأثر به وبعمله وعلى أن يجتذب منه كما يجتذب المغناطيس الحديد لما جبلوا عليه من خصائص ذاتية تجعل هذا ينجذب لهذا , وهذا يجذب هذا بلا أوامر أو ضغوط أو ما شابه إنما بالجبلة والتركيب (خاصية المغناطيس وخاصية المعادن القابلة للمغنطة )
وكذلك الإنسان مجبول على أن يجتذب من طباع جليسه حتى أنهم يقولون :" الطبع سرّاق " أى يسرق من طبع جليسه بغير إذن منه أى إنه لا يرتب لأخذ هذا الطبع أو هذا الفعل من صاحبه قد يحدث هذا لكن فى غالب الأمر أن كثير من طباع الجليس تتسرب وتدخل خلسة على الجليس , فإن كان هذا المأخوذ حسناً عاد على الجليس بالحسن لأنه أدخل على نفسه مقتضيات حسنة , وإن كان سيئاً كان لذلك أثراً سيئاً لأنه أدخل على نفسه مقتضيات سيئة , وهذا ليس خاصاً بإنسان دون آخر أو رجلاً دون إمرأة أو شعباً دون باقى الشعوب .. أبداً بل هى جبلى جبل الله عليها بنى آدم ولذلك شدد عليك من خلقك وركبّـك ويعلم جبلتك وتركيبك بأن تتخير جليسك لأنه بطبيعة الحال سيقع تجاذب فى الطباع والأخلاق من أقوال وأعمال , فإذا إختار الإنسان فى حال كونه مغناطيس معدن جيد إنجذب إليه , وإذا إختار معدن ردىء إنجذب إليه كذلك دون إرادة المغناطيس ودون إرادة المعدن بل هذا ما جبل الله عليه الخلق


الفصل ....
الأدلة على أثر الجليس من الكتاب والسنة
وأقوال أهل العلم
بيّن الله تعالى فى آية جامعة أثر الجليس سلباً وإيجاباً , فقال تعالى :
" ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى إتخذت مع الرسول سبيلاً .. يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولاً " الفرقان 27 : 29
هذه ثلاث آيات من سورة الفرقان جمعت القضية كلها وبينت أن أثر الجليس عظيم جداً فى دين العبد وأن من أعظم أسباب إصلاح العبد أو إفساده الجليس .. أخرج ابن أبى حاتم عن هشام فى قوله تعالى :" ويوم يعض الظالم على يديه .. الآية " قال : يأكل كفيه ندامة ً حتى يبلغ منكبه لا يجد مسـّها قال : يأكل يده ثم تنبت , أى الظالم يوم القيامة من شدة الندم يأكل يده حتى كتفه ثم تنبت ويندم ويأكل فيها من شدة الندم والتحسر مثل أن يأكل الإنسان فى نفسه فى الدنيا فيشعر بالألم الشديد , وأنتم تعرفون أن من صنوف العذاب يوم القيامة الندم والحسرة لأن أهل النار يدعون ثبوراً من شدة الندامة والحسرة والله عز وجل يبكتهم فيقول :" لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وأدعوا ثبوراً كثيراً .." نسأل الله العافية والسلامة
والخليل هو الصاحب والصديق , وقوله " لقد أضلنى عن الذكر " أى أن العبد عندما يأتى يوم القيامة ظالماً خسر دينه نادماً يقول حال كونه نادماً : لقد أضلنى من إتخذته فى الدنيا خليلاً عن القرآن والإيمان به .. وقيل :" الذكر " أى عن الرسول عليه الصلاة والسلام
( وكان الشيطان للإنسان خذولاً ) قيل : هذا من قول الله لا من قول الظالم , يبين فى هذا الموضع أن الشيطان يخذل الإنسان لأنه يعده ويمنيه , قال تعالى :
" يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً " النساء 120 - فالشيطان هو الذى عمق الخلة الفاسدة , وذلك لأن الخلة الصالحة لا يعمقها إلا الله , والخلة الفاسدة إنما يوحى بها ويوسوس بها الشيطان.. فقد تجد والد يضرب ابنه ويعنفه ويحرمه ليفارق صاحب ما له ولا يستطيع بل قد يضرب الابن بكل هذا عرض الحائط ويهجر والده فى سبيل طلب مصاحبة هذا الصاحب بالرغم من أن هذا الصاحب هو سبب فساده وسبب هلاكه , من الذى عمق هذه الخلة بينهما ؟ وحى الشيطان وتلبيس إبليس والعياذ بالله , وهنا يقول ربنا عز وجل :" وكان الشيطان للإنسان خذولاً " أى بعد أن يعمق الخلة الفاسدة بينهما يخذله ويأتى يوم القيامة ليراه نادماً فيقول له : أنا الذى جعلتك تصاحب فلاناً وأوحيت لك ووسوست لك بذلك فأطعتنى
وهذه الآية لا تعم إبليس فقط بل تعم شياطين الإنس والجن وصاحب السوء الذى لا يجر إلا الى السوء هو من شياطين الإنس وبالتالى يُفهم من الآية " وكان الشيطان " أى صاحب السوء كما تُفهم على الشيطان عموماً أى إبليس فلا معارضة بين أن تُفهم هكذا أو هكذا , والخذلان هو ترك الإعانة ومنه خذلان إبليس للمشركين وكل من صدّ عن سبيل الله وأُطيع فى معصية الله كان شيطان للإنسان خذولاً
وقال مالك بن دينار:( إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار ) و الخبيص هو نوع من الطعام الجيد .. والمقصود : أنك إذا صاحبت الأبرار وحملت معهم الحجارة وأصابك معهم المشقة والتعب ونال منك النصب فإن صحبتهم وما فيها من صلاح القلب أولى من أن تعيش الحياة الناعمة مع الفجار لكنه الهوى الذى يردى بنى آدم نسأل الله أن ينجينا من أهواء أنفسنا
وأنشد يقول : وصاحب خيار الناس تنجى مُسـلـّـماً
وصاحب شرار الناس يوماً فتـنـدمـــا
أى إذا صاحبت أصحاب السوء تأتى يوم القيامة نادماً متحسراً
وصدق من قال : تجنب قرين السوء وأصرم حباله
فإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب حبيب الصدق وأحذر مراءه
تنل منه صفو الود ما لم تماره
[ أصرم : إقطع مراءه : تماره : تجادله ]

ومما يدل على تسلط الشياطين على قلوبنا إلا ما رحم ربى أننا كثيراً ما نزهد فى صحبة الطيبين وتميل أنفسنا إلى صحبة الظالمين , فتجد الكثير منا يزهد فى من يذكّـره بالخير ويُعلمه دينه وينصحه فى الله ويُقبل على من وراءه أهواء وشهواتويجره الى الهلاك , والباعث على هذا هو هوى النفس عفانا الله وإياكم
قال البعض : والناس مثل دراهم ميزتها فوجدت منها فضة وزيوفاً
أى ميزت منها الأصيل من الدنىء كالدراهم منها فضة ومنها ما هو مزيف ..وقال تعالى فى حق الصحبة وفى بيان أثر الجليس " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " الزخرف 67 – عدو : أى أعداء , وهذا بيان أن غالب الصحبة إنما صحبة سوء , لأن جعل أن غالب الأخلاء متعادين وأستثنى منهم المتقين , وهذا إشارة الى أن الكثرة هم المتعادين ونحن نرى أن أوثق الصحبة بين الناس قائمة على شهوةعلى جلسة على دنيا على سهرة على رصيف على نواصى , هم الذين بينهم صحبة وتدوم وبينهم علاقات وبينهم طعام وشراب وذهاب وإياب ولا يجر كل صاحب على الآخر إلا الوبال " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" يعادى بعضهم بعضاًً ويلعن بعضهم بعضاً إلا المتقين فأنهم أخلاء فى الدنيا والآخرة لأنهم بينهم رباط الدين فيستشعرون أن خلى الدنيا كانت سبباً لفرج الآخرة فيظلون ممسكون ببعض ..لكن يوم القيامة يوم الحقيقة الأخلاء يرمى كل منهم الملامة على الآخر وكل منهم يرى أن صاحبه سبب ضياعه, أما بين المتقين يسر كل منهما بالآخر ويرى أن صاحبه سبب نجاته فيكون بينهم الرباط لأنهم رأوا أن خلتهم عادت عليهم بالخير، وهذه الآية فيها بيان بين فصل فى أثر الجليس ومدى النفع به فى الدنيا والآخرة بفضل رب العالمين
ذكر القرطبى قال : كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران , فمات أحد المؤمنين فقال يارب إن فلان كان يأمرنى بطاعتك وطاعة رسولك وكان يأمرنى بالخير وينهانى عن الشر ويخبرنى أنى ملاقيك يارب فلا تضله بعدى وأهده كما هديتنى وأكرمه كما أكرمتنى فإذا مات خليله المؤمن جمع الله بينهما .. فيقول الله تعالى : ليثنى كل واحد منكما على صاحبه , فيقول : يارب أنه كان يأمرنى بطاعتك وطاعة رسولك ..فيقول الله تعالى : نعم الخليل ونعم الأخ ونعم الصاحب كان
قال ويموت أحد الكافرين فيقول : يارب أن فلان كان ينهانى عن طاعتك وطاعة رسولك ويأمرنى بالشر وينهانى عن الخير ويخبرنى أنى غير ملاقيك فأسألك يارب ألا تهده بعدى وأن تضله كما أضللتنى وأن تهينه كما أهنتنى .. والعياذ بالله .. فإذا مات خليله الكافر قال الله تعالى لهما ليثنى كل واحد منكما على صاحبه , فيقول : يارب إنه كان يأمرنى بمعصيتك .. فأسألك أن تضاعف عليه العذاب
فيقول الله تعالى : بئس الصاحب والأخ والخليل كنت , فيلعن كل واحد منهما صاحبه،
قال القرطبى : والآية عامة فى كل مؤمن ومتق , وكافر ومضل , أى الآية " الأخلاء " ليس من المؤمنين فقط بل الناس كلهم فى كل عموم الخلق وفى كل صنوف الناس ،
وهذا الأثر وإن كان فيه نظر إلا أن المراد بيان المعنى ( أى لا أعرف حقيقة ثبوته ولم أقف على صحته ) لكن المراد بيان معنى الآية لأن المعنى الذى فى الأثر بغض النظر عن تفاصيله فيه نفس معنى الآية " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو " فهذا هو المعنى المقصود
وفى الحديث عن أبى بردة أن أبى موسى عن أبيه رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه ( أى ستكسب شىء إما أن تشترى من المسك وتأخذ نصيباً وافراً كما يجالس الصاحب الصاحب فيتعلم من علمه يأخذ من أخلاقه قسطاً وفيراً وهو جالس معه لا يسمع إلا الكلام الطيب يأمران بالمعروف ويتناهان عن المنكر ويذكـّـر كل منهما الآخر بالخير فالرائحة رائحة طيبة ..وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة : أى يعلمك منكر يحرقك فى بدنك أو فى ثوبك حسب شدة المنكر , فشبه أثر المنكرات , وأن كان صاحب الكير ليس مذموم ويجوز ضرب المثال بما ليس مذموم فى المعنى المذموم فلا يفهم أحد أن صاحب الكير فاجر أو ماجن بل إن الحداد يصنع أشياء صالحة ويحتاجه الناس فى صنع أسلحتهم وآنيتهم لكن ضرب المثال لتقريب المعنى وليس شرطاً أن يكون المثال على وفق حقيقة المعنى المضروب كما قال العلماءبالتالى الفساد الحاصل من صاحب السوء كالفساد الحاصل من مصاحبة الحدادفى غير الحداد لأنه ستقع عليه من ناره فتحرق بدنه أو ثوبه أو يشم الريح الخبيث من ريح الكير الذى يصنع فيه الحديد ..
ويقول النووى فى الحديث فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخ الكير وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمرؤة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب .. هم هؤلاء الذين تصادقهم ..
والنهى عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته وغير ذلك من الأنواع المذمومة لأن ضرب المثال على سبيل الذم والمدح يترتب عليه التخصيص على فعل الممدوح وترك المذموم
وقال بن حجر أيضاً : فى الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته
متى يتأذى الأنسان بمجالسة صاحب السوء ؟ لما يكون مؤمن , فقد يأمرك بمعصية فتفرح وتسر , فلا يتأذى العبد إلا إذا كان مؤمناً لما يسمع الشر يختنق إذا جالس أصحاب السوء , فالمنصلح فى دينه يستشعر قيمة الصحبة الطيبة التى تذكره بالله , أو يستبشر بريح المسك , والشخص الغير صالح نتيجة الخلل الذى يكون فيه يجد الجليس الصالح يخنقه , ويفرح بجليس السؤ ويحب مصاحبته , فهذا راجع إليك أنت إن كنت مؤمن تحب جلسة الجليس الصالح وإن كنت غير ذلك أحببت جليس السؤ ..
فلا تظن أنك عندما تسمع الجليس الصالح سبب عظيم من أسباب الصلاح( وهذا كلام ثابت من القرآن والسنة ) فتذهب للبحث عن جليس صالح وتجلس معه فلما تسمع كلامه تجد أنك نهرب منه لأنك غير مؤهل من داخلك للصحبة الطيبة , فالصاحب ماهو إلا مادة إصلاح ..
يقول بن رجب ( فأما التشبه بأهل الخير فى الظاهر , والباطن لا يشبههم فهو بين منهم , وإنما القضية بالتشبه أن يقال عن المتشبه بهم أنه منهم وليس منهم فهذه خصال النفاق كما قال بعض السلف )إستعيذوا بالله من خشوع النفاق أن يرى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع ..
قال الحسن : لن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم وتأخذ بهديهم وتقتدى بسنتهم وتصبح وتمسى وأنت على منهاجهم حريصاً أن تكون منهم وتسلك سبيلهم وتأخذ طريقهم وإن كنت مقصراً فى العمل فإن ملاك الأمر أن تكون على أستقامة – أما رايت اليهود والنصارى أهل الأهواء يحبون أنبيائهم ليسوا معهم لأنهم خالفوهم فى القول والعمل وسلكوا غير طريقتهم فصار مأواهم النار ..تجد عندك إستقبال جيد إذا كان عندك حسن إستقبال يقول لك مسألة تتعلمها , يعمل بر أمامك تقلده فيه ..فلن يكون للجليس الصالح أثر فى النفس إلا إذا كانت النفس ذاتها مؤمنة ولكن لو كانت منحرفة لن تستجيب , هو يرسل وأنت ليس لديك حسن إستقبال فلن تستقبل ،، النفوس المهتدية هى التى تحب الهدى , والهدى هدى الله سبحانه وتعالى , الله يقول :" من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد فى السماء "وهذا الذى يحدث تجد شخص يكلمك يوجهك يبين لك عيوبك ويصلح لك وأنت مسرور بذلك وتحمد الله على أنه أنعم عليك بصحبته وآخر بقدر الله تجده فى عملك فى دراستك .. فهذه أرزاق والصاحب رزق فيقول لك كذا وكذا فتجد نفسك تقول له أنت فى حالك وأنا فى حالى , وهل أنت فقط المسلم وتجد نفسك تختنق .. كان يونس بن عبيد ينشد :
فأنك من يعجبك لا تك مثله إذا أنت لم تصنع كما كان يصنع
فلابد من تهيئة النفس أولاً ثم تبحث عن الصحبة الطيبة التى ترسل لك الخير والنور لكى تستقبله , وأعلم أنك تتعلم من صاحب العلم أكثر من ألف درس لأنك تتعلم منه تطبيقاً وكل مقام فى مقامه ويضبط لك الرخصة فى محلها , ذلك من خلال جلساتك معه ومصاحبات ما تحتاج لسنوات طويلة لكى تحصلها , أنما ليس معنى مجالسة الصالحين والطيبين يجعلك صالح إنما هى مفاعلة فلا بد أن يكون لديك إستعداد محاولة لأصلاح النفس , ومجاهدة فى الله سبحانه وتعالى , فهذه عبارة عن إعطاء لمن يستقبل لمن يحتاج لذلك نبهك مع تعليمه لك فى دينك ومع إصلاح عقيدتك التى يترتب عليها تصوراتك ومسلكك المنضبط
إن من العوامل الكثيرة بل من أكبر العوامل المعينة على الخير الصاحب , هذا بالنسبة لمن كان دينه صالح وليس لأى أحد فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول :" فمثل الجليس الصالح .. لمن ؟ ليس لكل واحد فى الدنيا إنما لمن كان دينه صالحاً لأنه سوف يستحسن الصلاح ويتأذى من الفساد ...لذلك يقول بن حجر : وفى الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى لمجالسته فى الدين والدنيا , والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهم
ومما جاء فى وصف جليس الخير ما أخرجه ابن ماجه فى كتاب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن من الناس مفاتح للخير مغاليق للشر , وإن من الناس مفاتح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتح الخير على يديه , وويل لمن جعل الله مفاتح الشر على يديه " صحيح حسنه الألبانى فى صحيح الجامع
أن تصيبك دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام أو أن تصيبك البشرى وأن تدخل فى المبشرين , لإن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم
بشرى يبشر بها النبى معاذ وكل من سار فى مقام الهداية أن يجعلك الله سبباً للخير , كن لنفسك جليس صالح أن تكون أنت المادة الصالحة التى يبحثون عنها ويتمنون مصادقتك ومجالستك وأنتبه الى طريقتك فى الدعوة فكثير منا تكون طريقته سقيمة وينقصها الحكمة والعلم وهذا إفساده أكثر من إصلاحه
فالبعض يقول أنه عندما يدعو تنفر منه الناس ولا تحبه أقول لمثل هذا أنظر الى طريقتك فى الدعوة فقد تكون منفرة أو تكون جاهلاً بأساليب الدعوة وماشابه , فإن لم تكن كذلك إسأل نفسك من هم الذين لا يرضون عنك ولا يحبونك : هل هم أهل السؤ ؟ فهؤلاء لا يضرك رضاهم أو سخطهم ومن الطبيعى ألا يرضوا عنك ولأن الطالح لا يرجو مصاحبة الصالح المهم ألا يكونوا لا يحبوننى نتيجة إساءتى لهم إنما نتيجة لنوعيتهم , وإن كانوا أهل الصلاح ولا يحبوننى فهذا يكون نتيجة خلل عندى ولعيب عندى ولا بد أن تراجع نفسك بإنصاف .. أما الآخرين فقد تكون مجاملة شكلية وليس حب حقيقى وخيركم من يألف ويؤلف , كان رسول الله خير الناس يألف ويؤلف ..
يقول الشافعى رحمه الله : رضا الناس لا مأمور ولا مأمول فاعنى بإرضاء الله ومعنى مفاتيح الخير أى أن الله أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير كالعلم والصلاح على الناس حتى كأن الله ملكهم مفاتيح الخير ووضعها فى أيديهم ... قال المنادى فى فيض القدير : قال الحكيم ( فالخير مرضاة الله والشر سخطه , فإذا رضى الله عن عبده فعلامة رضاه أن يجعله مفتاح للخير )أن تكون فى بيتك فى عائلتك فى عملك باب للخير لما يحتاج الناس الخير , تتذكر فلان كان الله جعل مفاتيح الخير عندك وطبعاً الناس يحتاجون الى الخير ( الأخلاق – العلم – الصلاح – الهداية – الحلم – التوبة ) ليس الى النفقة أو الطعام والشراب فقطفإن رؤى ذكر الخير برؤيته وإن حضر حضر الخير معه وإن نطق نطق بخير وعليه من الله سمات ظاهرة لأنه لا يتقلب إلا فى الخير ويعمل الخير وينطق بالخير ويفكر فى خير ويضمر خير
أنظر الصفات أنظر من هو الذى رضى الله عنه , الذى جعله جليس صالح , الذى هو مصدر خير , الذى يبعث على الصلاح هو نفسه إذا حضر ذكر الخير البر التقوى معاونة الطيبين إحسان .. فالمرء مماثل ومشاكل لخليله وجليسه فى الإستقامة وعدمها فى كل شىء ففى الحديث عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أحمد والترمذى وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع برقم 3545 , ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم على دين خليله أى عادة صاحبه وطريقته وسيرته وأخلاقه لأن الدين يُطلق على هذا حتى قالوا " لو كان شيعياً لأخذك الى التشيع دون أن تشعر مادام هو جليسك "
يقول قائل : هل معنى ذلك أنى إذا جالست قدراً رجل مجرم فى قطار هل أصير مجرماً بعد نزولى من القطار ؟
لا يقول هذا أحد لأن هذا ليس بجليس , إنما الجليس هو المختار الذى تُـسر به والذى ترضى به , ورضاك وإختيارك له ومداومة وتكرار المجالسة هو الباعث , فلو كان مثلا المغناطيس يجذب الحديد فى ثوان فالطبع يجذب الطبع فى أيام أو شهور بحسب ما جبل الله عليه الخلق , المهم والذى ينبغى أن تعرفه أن هذه خاصية مركبة فى بنى آدم فالنبى يقرر فى هذا الكلام الجامع تعليماً لهؤلاء المجبولين على هذه الجبلة , حقيقة ثم نتيجة :
ماهى الحقيقة ؟ [ المرء على دين خليله ] هذه حقيقة ليست مسألة محتملة أى تكون أو لا تكون لا ولكن المرء على طباع خليله ومذهب خليله وعلى سيرة خليله – كل هذا يدخل فى الدين
والنتيجة بناء على هذه الحقيقة أمر شرعى يجر الى الصلاح بناء على هذه الحقيقة : [ فلينظر أحدكم من يخالل ] بمعنى ماذا تريد أن تكون ؟
هل تريد أن تكون قاطع طريق يتطاول على أعراض الناس وأموالهم ؟ هل تريد أن تكون فاجر ماجن تسير فى الزنا وطرقاته ؟ فأبحث عمن هذا طريقه وصادقه
هل تريد أن تكون صاحب أموال وتكسب كثيراً وتكون صاحب دنيا ؟ فلابد أن يحدد العبد ماذا يريد ؟ فإذا قال أريد أن أكون صالحاً ذو دين وأخلاق صاحب علم ينضح الخير علىّ وعلى غيرى من علمى ومما علمنى ربى داعياً للهدى رمزاً للخير .. إذا أردت ذلك : فلينظر أحدكم من يخالل إذن إبحث بناء على ماذا ؟ لو لم تعرف ماذا تريد لن تبحث عن شىء إذن هذه النتيجة تُعلــّــم العبد أولاً أن يحدد مراده..
والعباد مرادهم أرشدهم الله إليه وقال ك" يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " أياً كان شأنك فالله يأمرك بعبادته ويعلمط أنه ما خلقك إلا لهذا " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " , حتى لو كنت صاحب ذنوب وتشعر أنك بعيد لا يؤمل فى قربك وأن بينك وبين العبادة جبال من الذنوب فإن الله تعالى يقول لمثل هؤلاء :" قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " أسرفوا : من الكثرة , والإسراف هو الإنفاق بحد زائد عن كل حاجة حتى فى الشىء الترفى
أسرفوا – ليس أذنبوا – أى أذنبوا بحاجة وبدون حاجة , أى أطلقوا العنان للذنوب بغير قيد , هناك إنسان يذنب لأن حاجته إضطرته للذنب – وإن كان ليس هذا بعذر – مثلاً شاب إضطرته شهوته الى النظر , فقير جداً أضطرته حاجته لأن يمد يده لكن شخص يسرق لأن مزاجه أن يسرق أو يسرق وهو غير محتاج أصلاً , شخص يتطلع الى هذه وهذه حتى محارمه , فهذا يسرف فى الذنب , أى يذنب بعلة وبغير علة , وإن كانت القاعدة الشرعية أن الذنب المعلل قد يكون عند الله أهون وإن كان هو ذنب , لذلك بعض الذنوب تعظم فى بعض أفراد ويقل نفس الذنب فى حق أفراد, فالزنا مثلاً إذا وقع من رجل عجوز لا يرجى منه ميل للنساء فإن مثل هذه الحال تجعل ذنب الزنا من أشد مما لو كان من شاب غير متزوج دعته إمرأة أو فتنته وكلاهما زنا ولهما عقوبة الزنى لكن قد تكون الحالة الأولى أعلى من الحالة الثانية ..
إذن فالله عز وجل حدد لك ما تريد فعندما أسألك ماذا تريد لا تفكر ماذا تريد لا ينبغى أن تقول أريد أن أحيا كما تحيا الناس بدون قيود مثل الإلحاديين أو الشيوعيون مثلاً , أو كما يحيا الغرب منطلق لا يكون هناك هذا حرام وهذا حرام كأنك تريد أن تكون دهرياًً حلولياً إباحياً , لا ينبغى لعبد أن يكون كذلك ( يقول ذلك ) حتى لو كان من أهل الكفر إن كان عنده أدنى عقل – لن نقول إيمان إنما عقل – لأن الله سبحانه وتعالى أعطانا الإجابة على هذا السؤال : ماذا تريد فى حياتك ؟ هذا السؤال لم يترك لنا الإجابة عليه بل أملى الله لنا بعلمه بحالنا
· لا يجوز أن تطلق كلمة " عاوز " على الله فلا يقال " ربنا عاوز كدة " لأن العوز من الحاجة فإطلاقه على نفسـك يصح لأن كلنا حاجة , أما إذا أردت أن تذكر الله فى أمر فقل " الله أراد ذلك مما أراده " [ فعال لما يريد ]
لأن ذلك يثير بأهوائنا ووحى الشياطين وعوائد الناس والتقاليد وعلو الباطل وقلة الحق يثير حيرة فيجعل الإنسان لا يعرف ماذا يريد إلا أن يقول بحسب ما يماثله غيره من حب الدنيا أو العلو فيها أو نيل حطامها أو نيل شىء من ( حطامها ) عرضها , لكن الله تبارك وتعالى من فضله على خلقه ومن رحمته بهم ومن منته عليهم أرشدهم الى أنهم لم يُخلقوا إلا لكى يكونوا عبيد وأمرهم بذلك وبين لهم أن سبيل النجاة فى أن يقوموا على هذا الأمر وأنهم لن يكونوا من المكرمين إلا أن يكونوا من المتقين ..
وبالتالى كل هذه النقاط تجمع عند العبد عند هذا السؤال : ماذا تريد ؟ ماذا تحب أن تكون ؟ الإجابة : أن أكون عبداً لله من المتقين , إذن فلينظر أحدكم من يُخالل , هذه يسبقها أن يحدد العبد ماذا يريد أن يكون وبناءً عليه ينظر من يُخالل بناء على مراده فإذا عرف العبد أن مراده أن يكون عبداً لله من المتقين إذن فلينظر أحدكم من يُخالل بناءً على هذه الرغبة وبناءً على هذه الحاجة ..ولذلك قالوا أطلب صحبة الصالحين ولو بثمن ثيابك , أى لو تبيع ثيابك لتطلب صحبة الصالحين فأنت الفائز..
ونحن نرى فى مجتمعنا والأمور المقلوبة وعلو الماديات أن أهل الصلاح مزهود فيهم إما لأن الناس مالت الى الدنيا وشهواتها فزهدوا فى كل من ليس كذلك , أو أن الناس يرون فى أهل الصلاح أنهم أهل ملل يُبينون عيوبهم ويُذكرونهم بنقائصهم وهذا يجعل الإنسان يمل لأن الإنسان بطبيعته ( الإنـسان الذى هو المادة المذمومة ) يحب من يخادعه , ولذلك أكثر الخلق يطيعون الشيطان لأنه يُخادعهم , الشيطان يوحى لأهل الكفر فى الأرض أهل الفجور لكل المعتدين لكل المحاربين : إفعل ذلك لتكون أنت الأعلى , إفعل ذلك لتكون لك الغلبة , ليكون لك المجد , لترفع علم بلدك , ليكون إسمك فى التاريخ وتكون أنت الوحيد ..
" زيـّـن لهم الشيطان أعمالهم " وفى المقابل يكرهون من ينصحهم بالخير ويكرهون من يدلهم على الخير , ويكرهون من يُبين لهم عيوبهم , وهذا مُشاهد فتجد إذا كان رجل يعمل عنده أناس وكان من بينهم من يُبين له عيبه كا، أبغض العاملين الى قلبه , وتجد أحب العاملين الى قلبه ذلك الذى يخادعه , والخداع نفاق
والمرأة لا تحب زوجها إلا إذا خادعها إلا ما رحم ربى
لذلك الناس تتبع خطوات الشيطان لأن الشيطان يخدعهم حتى فى المعصية يقول الشيطان للعبد ( وقد يكون عنده علم ) فيقول له هذه صغيرة ومن إجتنب الكبائر كفر الله عنه الصغائر ولا يخلو إنسان من ذنب , وأحمد الله على أن ذنبك هكذا فغيرك يفعل أكثر - ويلبس عليه بما يهـّـون عليه وتجده يُطيع الشيطان دون أن يشعر , لذلك الله أعلمنا بالكم فقال :" ولقد أضل منكم جبـّـلاً كثيراً " هذه آية إحصائية يعلمنا الله عز وجل مدى الذين ضلوا بسبب الشيطان , ولا يحصى هذا إلا الله الذى هو أعلم بالقلوب , وكيف يطيع الخلق الشيطان وهو عدو مضل مبين والله يقول إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدواً , وبرغم من ذلك تجد كثير من الخلق إن لم يكم أكثرهم يطيعون الشيطان لأنه يُخادعهم فالنفس بطبيعتها – بغير إيمان بغير مقتضيات الدين – يحب من يخادع , بينما بلا إيمان يكره من يُخادعه
ولذلك عمر كان يقول أحب الناس الىّ من أهدى الىّ عيبى , أنظر الفاروق بين غالب الناس الذى هو الأنسان المحض الإنسانية المحضة بغير قيد وبين الإنسان بقيد الإيمان , فهو بقيد الإيمان يحب النصيحة ويعرف أن النصيحة تُجبر عيبه ويعرف أن النصيحة ترده عن شفير البئر , أما بغير قيد الإيمان فهو يحب المخادع له حتى لو كان سينزله على أم رأسه ولا يفيق إلا وهو هالك , حتى أن الشيطان الذى يخدع الخليقة إلا من رحم الله يأتى يوم القيامة ويقف فيهم خطيباً وقد إلتفوا عليه يُلقون عليه باللوم فيقرر لهم أبتداءً حقيقة مهمة أن فى هذا المقام وهو مقام الآخرة " ما أنا بناصركم وما أنتم بناصرى وما أنا بدافع الشر عنكم وما أنا بصارخ ٍ حتى يدرككم مدرك لأن المصير أنتهى , فلما يُعاتبوه ويلقون عليه بالملامة يقول : أنتم تُحبون الخديعة جداً بدليل " دعوتكم فأستجبتم لى وما كان لى عليكم من سُلطان " , فلم أجبركم أو دفعتكم فلماذا تلومونى أنها كانت مجرد كلمات قلتها لكم فأطعتمونى حتى ولو كانت خادعة أنتم تُحبون ذلك بدليل أنكم سارعتم بلا سُلطان ولا دفع ولا قوة ولا ضغط بمجرد دعوة " تعالوا " فجئتم لولا أنكم تحبون ذلك ما أتيتم لأن الأنسان لا يفعل إلا ما يحب أو ما يُكره عليه فهما إثنان لا ثالث لهما , ولذلك لم يجعل الله مقابلة إلا بين الرضا والإكراه لا ثالث لهم " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً " – كل من عمل عملاً بغير إكراه فقد شرح به صدراً , هذا لا إستثناء فيه ..كيف أخرج من هذا القيد ؟ بالإيمان
فالإيمان هو البصيرة التى تبين للإنسان مداخل الشيطان , وأن الشيطان إنما يُزين حتى أن الإيمان يبين للعبد شراك الشيطان الحبال , والخطاف , والأقفاص , والخطط , كل الألاعيب المغطاة بزين الشيطان وتزيينه والتى لا نستطيع أن نراها إلا بالإيمان كما قال الله تعالى :{ أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نور يمشى به فى الناس }..
الإيمان هو الذى يجعل العبد يرى الحقيقة قبل أن يراها فى الآخرة بعد الموت , وهذا هو الفارق بين المؤمن والكافر " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ,الفارق فى الدنيا أن المؤمن يرى الحقيقة فى الدنيا : لما يقال هناك ساعة يراها حقيقة, هناك ثواب وعقاب يراها حقيقة , هناك حسنة وسيئة يراها حقيقة , هناك جنة ونار يراها حقيقة بالإيمان , من لم يبصره الله ببصيرة الإيمان يرى
بينما من بصره الله ببصيرة الإيمان يرى أن تلك هى الحياة الحقيقية التى ذكرها الله فى كتابه حيث قال :{ يا أيها الذين آمنوا إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } لن ترى الحقيقة إلا بعين الإيمان , وبغير عين الإيمان ستكون فى حيرة بناء على الغشاوة التى على بصيرتك التى لا تدرك بها الحقائق " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس " نور الإيمان .. نور البصيرة التى تجعلك ترى الكفار يقتلون المسلمين وتقول : هؤلاء فى الجنة وهؤلاء فى النار مثل المسلمين يوم أحد الكفار نفشوا ريشهم فى آخر اليوم وتصولجوا بصولجان الشرك , فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يرد عليهم ويقول لهم : لا تجيبوهم – عندما يسألوا أفيكم محمد ؟ يقول لا تجيبوهم , أفيكم بن أبى قحافة ؟ لا تجيبوهم , أفيكم بن الخطاب ؟ لا تجيبوهم , فلما قال الكفار : "أعلُ هبل لنا العزة ولا عزة لكم.. قال : أجيبوهم .. قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم " من يتولى أمركم " فلما إستكبروا بنصرهم كانت الإجابة حازمة , حدث قتل من الطرفين وإن كان القتل كثير فى المسلمين يوم أحد , كانت الإجابة : قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار .. من الذى يرى هذا ؟ إمام المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين إستقوا من إيمان النبوة , كان عندهم بصيرة , كانوا يروا القتلى فى الجنة , حتى أن النبى وقف على قليب بدر ( البئر الذى دفن فيه عتبة وربيعة وابن أبى معيض .. الذين كان منهم من إستهزؤا به وسخروا به لما ألقوا عليه أحشاء الجمل وهو يسجد وهو يصلى فى الكعبة ويقولون : أبشروا بما يسؤكم هل وجدتم ما أنذرتكم ؟ والصحابة يتعجبون ويقولون : هل يسمعوك ؟ قال نعم يسمعونى ولا يستطيعون أن يجيبونى
يخاطبهم بعد الموت لأن الحقيقة بعد الموت , وهذا ما يغيب عنا , نغتر بأى شىء لو رأينا مال .. عرض .. عورة .. نميل مع أى ميل , تجد أن مجرد عمل راتبه أكبر وممكن يكون محرم ويكلفه ترك دينه وحلق لحيته أو بعده عن الهدى يقول لك مش مهم ربنا غفور رحيم ويُلقى بنفسه فى براثن الفتنة , ومن فك حبل دينه سـُـحب منه ولا يلومن إلا نفسه .. فما دام رضى أن يفك بيده فهو ممن لا يشكر نعمة الهدى , ممن يرى أن دين الله حمل ثقيل وليس شرف وكرامة ..
قد يُجبر العبد , قد يُكره والله يجبرك , لكن أن تفكه بيدك من أجل شهوة , من أجل عرض , من أجل مطمع , وأنت مطالب أنه لو كان فى يدك وتملكه تُضحى به من أجل أن تعلو فى دينك فتفك من رباط دينك لتناله وهو مشبوه ملوث فأنت إذن ممن لا يشكر نعمة الهدى
تجد من يحلق لحيته ليشغل وظيفة ما ويقول هل حلقها كفر ؟ لا ليس كفر لكنك فرطت فيها بإرادتك طمعاً فى عرض ملوث , تكون النتيجة مصائب وضيق ومشاكل وما يدرى المسكين أنه فك حبل دينه بيده وأنسحب منه,
عيبنا أننا لا نعرف قيمة هذا الدين وأنه ثمين جداً وأن الله يُعطينا إياه وينظر إلينا ماذا نحن صنعنا فيه ؟ إن أنت حافظت عليه , عضيت عليه بالنواجذ ووضعته مكان روحك بل أن روحك أهون عليك منه , زادك منه وهذا سر قوله تعالى :{ لئن شكرتم لأزيدنكم }
وأيضاً لما يعطيك الدين وينظر إليك فيجدك تفرقه وتضيعه يميناُ وشمالاً , وتقول وإيه يعنى اللحية هل حلقها كفر ؟ إيه يعنى الأغانى ؟ وإيه يعنى لما أصلى فى البيت, وهل ترك صلاة الجماعة كفر ؟ هذا العبد كفر نعمة الله , فرط فى الدين , باعه بالخيص فيُـحرم .. يُـسلبه . حتى القليل الذى أعطاك الله إياه يسلبه منك بدليل أنك بالأمس كنت أفضل من اليوم , والعام الماضى أفضل من هذا العام , لماذا ؟ لأنك فرطت بينما الذى شكر وأستمسك وعض عليه بالنواجذ وخاف عليه أكثر من روحه يجد زيادة يجد من الله عز وجل فضل .. نسأل الله أن يمـُـن علينا من فضله وأن يُثبتنا حتى نلقاه .. فأنت الذى تبيع فلا تستعجب أن تلحقك الخسارة
( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ) فالعبد الذى فتن والذى تحول وفلان كان ملتزم , كل هذا يهدمنى أنا أيضاً لأن البنيان واحد أليس البنيان يسند بعضها بعضاً , وإذا وقع بيت أخلوا البيت المجاور له لأنه تأثر بفقد هذا البيت هذه حقيقة واقعة بينها النبى صلى الله عليه وسلم قال :" كالبنيان المرصوص "
أى أن البنيان المتراص يشد بعضه بعضاً , فإذا هدمت جزء الجانب الآخر ينهار , لكن الواحد منا ينظر الى نفسه بالنسبة الى الذى كان بجواره وأنهار فيطمئن أنه لم ينهار ولا يدرى المسكين أنه كالجدار يشد بعضه بعضاً , وطالما أنت تنظر الى من هو أدنى منك فى الدين , فلا بد أن إيمانك سينقص كل دقيقة وليس كل أسبوع بدليل أنك لا تزد والعمر يزيد , وهذا معيار نقص إن لم يكن عندك من الذنوب والتدنى والبعد عن الطاعات وترك بر .. نزول مستمر وسقط .. أما إذا نظرت الى الأعلى منك فى الدين هذا فى البر , وهذا فى الإعانة , وهذا فى أخلاقه والعلم .. إلخ .. ستجد نفسك الى الأعلى هذا يدفعك وهذا يدفعك " وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه " 0
ينبغى لكل شخص حضر درس علم لمدة عام أن يكون داعى , أن يحسن الكلام وعرض القضايا وتذكير بالحق والوصاية فى الخير 0 لكن أنت كما أنت 00 نقص 00 عمر يزيد وأيمان ولو كان ثابت كان ذلك نقص شديد 0
وفى الأثر كل يوم يمر يقول لصاحبه إعلم أننى إذا ذهبت فلن أعود الى قيام الساعة, فلا تظن أن غياب يوم فيه درس علم أو تدارس القرآن أو أى طاعة لا تحسب أنه سيعود
قال الغزالى : مجالسة الحريص ومخالطته تحرك الحرص , ومجالسة الزاهد ومخالطته تزهد فى الدنيا لأن الطباع مجبولة على التشبه والأقتداء بل الطبع من حيث لا يدرى صاحبه أخذ , قال الخطابى : فإنك إذا خاللته قادك الى دينه ومذهبه
أنت عندما تصاحب أى إنسان أخذك بالضرورة الى دينه ومذهبه وعقيدته ومسلكه ,وقال بن مسعود : ما شىء أدل على الشىء , ولا الدخان على النار ( أى أدق من دلالة الدخان على النار ) الصاحب على الصاحب
وهذا لأن الصاحب بالصاحب يقتدى , والقرين بالقرين مجبول على أن يأخذ منه , وصدق من قال :
إن سرّك العلم وأشباهه وشاهد ينبيـك عن غائــب
فأعتبر الأرض باسمائها وأعتبر الصـاحب بالصاحب
هذه من الدلالات التى لا تنفك إذا أردت أن تعرف الصاحب فأسأل عن قرينه فإنه به يُعرف وبه يُسمى لأنه يشبهه من كل وجه
وفى الحديث عن عائشة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها إختلف "
وقال يحيى بن أيوب حدثنى يحيى بن سعيد بهذا والحديث عند البخارى ومسلم
قال الخطابى : يحتمل أن يكون إشارة الى معنى التشاكل فى الخير والشر , والصلاح والفساد , وأن الخيـّـر من الناس يحن الى شكله , وأن الشرير من الناس يحن الى شكله أيضاً ويميل الى نظيره , فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التى جبلت عليها من خير وشر , فإذا إتفقت تعارفت وإذا إختلفت تناكرت , وهذا يعلم كل واحد ما إنه إذا كان يميل ويتوافق ويأتلف مع أهل الشر فذلك عنوان أنه شرير..
يقول قائل فإذا كان لى صاحب فى العمل أو الدراسة أو الجيرة .. لأ .. هذا ليس من ائتلفت معه , الألفة هى أنك ترجو دوام العشرة به ..
لما نقول فلان أليف فلان بمعنى إن هاج مع الناس ائتلف معه وإن نفر من الناس سكن عنده هذا معنى ألفه ..
ويسمون الزوجة وليفة لأنها بها تدوم العشرة وزوجها يطلب السكن إليها مهما بعد عنها .. فالإئتلاف ليس معناه أنك لديك صاحب فى العمل أو الدراسة هذا لم تختاره إنما إذا كنت أنت دائماً تحب أن تكون معه تحب مصاحبته , عندما تنزل تؤم داره, تذهب الى مكانه تحب أن تأوى إليه هذا دلالة الإئتلاف وهذه الدلالة تدل على عنوانك فإن كان من أهل الخير فذاك عنوان لك , وإن كان من أهل الشر فذاك عنوان لك , فإذا أردت معرفة عنوانك أنظر الى من تئتلفه فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف بحسب ما جُبل عليه من الخير والشر , ولذلك قالوا (الطيور على أشكالها تقع ) وأنت ترى أهل الشر مؤتلفين فيما بينهم لا يستطيع أن يجلس مع غيرهم لأنه منهم ولأنهم شكله وهو شكلهم ولأنهم شبهه إذا جلست بينهم شعرت بنفور شديد وتشعر بالإختناق لا تطيق تصرفاتهم ولا أفعالهم ولا مرادهم أما إذا كانت هذه ألفتك وما تحبه فهذا عنوانك
قال بن الجوزى : ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو إصلاح فينبغى أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى فى إزالته ليتخلص من الوصف المذموم

كيفية الخروج من دائرة الســـوء :

طبعاً لما يجد شخص أن عنوانه شر , ويشعر أنه غير مؤتلف مع أهل الصلاح والتقى والخير والبر فيقول أنا عنوانى هكذا ..لا .. أنت مُطالب بأن تُجاهد نفسك فى الخير وتقودها الى البر حتى الممات ولعلك تفوز فى جولة من الجولات , إعتبر أنت ونفسك فى حلبة مصارعة دائمة ولا ينبغى لك أن ينقطع أملك فى الفوز على نفسك , والحياة بينك وبين الشر سجال يغلبك مرة وتغلبه أخرى , فلعلك تموت وأنت غالبه فتموت على خير ولكن لما الإنسان يستسلم ويقول : أنا هكذا , ومن سيدخل الجنة ؟ أنا حاولت مع نفسى ولم أستطيع , حاولت أن أصلى , حاولت أن أبعد عن الداء الخبيث الفلانى ودائماً أعود له وما يدرى المسكين أن كل توبة نافعة ولو كان بينها وبين الذنب ثانية
فإنك إذا تُبت من ذنب وأصلحت من نفسك وعاهدت الله على خير وكنت صادقاً ثم غلبتك شهواتك وجهلك وغفلتك وضعفك وأهواءك التى هى عصابة الشر الموجودة فى داخل كل واحد منا , وأنت الذى كانت توبتك منذ قريب , فإن كانت توبتك صادقة فقد محت وعودتك لا تُـيأسك بل إتبعها بتوبة , وفى الحديث من حديث أبى هريرة عند مسلم أن العبد يُذنب الذنب فيستغفر الله عز وجل فيقول الرب جل وعلا : علم عبدى أن له رب يأخذ بالذنب ويغفره .. ثم يعود العبد فيتوب الى الرب فيقول الرب : علم عبدى أن له رب يأخذ بالذنب ويغفره فيتوب عليه .. ثم يعود العبد ..وهكذا فيضحك الرب من العبد من كثرة عوده وتوبته وإستغفاره أو كما قال صلى الله عليه وسلم , وهذا يسر الرب جل وعلا أنك تُكثر من العود وليس أن تُكثر من النفور ..
ولو تذكرت قول الرب جل وعلا " قل لعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " ثم أرشدهم عز من قائل فقال :" وأنيبوا الى الله وأسلموا له " أنيبوا أى إرجعوا الى الله أثيبوا هذا هو الجواب , فإن قال العبد : أنا مسرف عندى من الذنوب كثير نقول : الله يحب عودك لأن عودك معناه أنك لازلت تحرص على مرضاة الله تقع ولا تترك الحبل أبداً , تقع وتعتصم بحبل الله , تقع ليس مرة بل مرات ومئات ولا تترك الحبل أبداً , ألم تتعب ألم تزهق , العود للإستمساك بالحبل قد يجعل الله ساعة موتك هى ساعة الإستمساك بالحبل , لكن لو أنت سلـّـمت ولم تعاود تكون قد إخترت لنفسك سوء الخاتمة ..كيف تأتيك حُسن الخاتمة !! كنت أنت سلمت بالوقوع لا تريد القيام بل وإن أذنبت فى اليوم الواحد مئة مرة نفس الذنب إتبعه بمائة توبة عسى الله أن يقبضك على التوبة ..
المهم أن تتوب بنية أن تدرك رحمة الله بنية أن ترجع وليس إستخفاف وليس توبة تحتاج الى توبة , وليست توبة إنسان ينوى العودة وهو يتوب , لا العزم على ألا تعود , وقد تغلب وقد تنهار بعد لحظة قوة
من تعاطى التوبة نور الله قلبه , لن يظل أسود , وكما فعلت الذنوب وتركت فى القلب نقط سوداء إجعل التوبة لتخط فى القلب نقاط بيضاء
فلا يصلح من يستغفر الله وهو يرتب للذنب , فإنه هكذا ما تاب بل هو مستهزىء مستخف , إنما إذا كان يستغفر الله وهو محتقر لنفسه مقدر لقدر ربه يرجو رحمته يخشى أن يأخذه الله عز وجل على الذنب , ويحاول القيام محتقر ما فعلت مُعظم قدر الرب جل وعلا , وتعلم مدى فضله عليك هذا يؤلمك فى قلبك فيورثك ألم الذى هوحقيقة الندم عندئذ ٍ ينور القلب ولو نور خافت عندما يجتمع على الأقل لا يتحول الى ماجن يكفى أنه مستور لكن لو لم يتبعه توبة
بالأمس كان مستخف , اليوم يجترىء عليه وبعده يدعو اليه وبعده يتعاون عليه وبعده يطلب من غيره يفعله وبعده يُعين غيره عليه ويُعلمه كيف يفعله , أصبح ماجن يسعى فى الأرض فساداً لأنه لم يك يمسح السواد
وأعذرونى إن قلت أشياء لكن مقتضى التعليم يضطرنى لهذا , كلما كان هناك سقوط وقيام كان هناك أمل أن يمـُـن الله بفضله وجوده , فضل وليس لإستحقاق العبد , لكن كيف ينال العبد هذا الفضل ؟ بمحاولة القيام كأنه يقول يارب أدركنى مدنى بمددٍ من عندك , يقولها بالتوبة , بالقيام , وقع ويقوم , إنكفأ ويقوم , ويذل بشهواته وأهوائه ويقوم , فهناك أمل أن يأخذه الله لكن لما يقع ويظل على ماهو عليه فمثل هذا يختار لنفسه الشؤم والسوء بل قل اللهم أعنى على نفسى وقنى شر نفسى وقنى شُـح نفسى , لا أحد بدون خطيئة لكن المرار والشؤم الحقيقى أن يرضى بالخطيئة خاصة أننا مُبتلين أن صاحب الذنب منا مدمن : ليس كالصحابة كان الذنب منهم عرضى , أى غضب غضبة , زل زلة , غفل غفلة , لكن نحن مشكلتنا أن صاحب الدنيا منا نظراً للضعف عندما يأتى المرض لصاحب البنية القوية يأتى مرة وأنتهى الأمر , وعندما يأتى لصاحب البنية الضعيفة تجده لا يتركه حتى لو أخذ الدواء تجد المرض مازال بداخله من ضمن الأمور الغريبة التى يجب أن ننتبه لها أن ذنوبنا ليست كذنوب الصحابة , فالصحابى كان يقع فى الذنب زلة مرة فى العمر لا تتكرر , حتى وأن تكرر من بعضهم كان واحد , لكن الحال العام
لكن نحن كل واحد منا يعلم ما عنده ولكن الله يستره ويعلم أنه مدمن وتاب منها مئة مرة ورجع لها مرة أخرى , إذن أصحاب الأمراض المزمنة يحتاجوا الى علاج أقوى , فالمسألة محتاجة منك لأهتمام أشد , وإلا دينك يُنخل حتى أننا نرى أناس مجرد صورة فقط وفى كل شىء جاهلى فى المعاملات فى الكلام فى الأفعال فى الأبوة ..الخ لماذا ؟ لم ينتبه لدينه فأصبح مثل المنخل , وأنت تعتقد أن الدين عبارة عن جدار خرسانة من أسمنت حديديى , أبداً بل الإيمان رقيق جداً ثوب رقيق أى شىء يدخل فيه تخرمه بسهولة بدليل أنك تسمع الموعظة داخل الدرس فتؤثر فيك ثم تخرج لبيتك أو بتجارة تجد الأمر إنقلب وحدث غضب وتذبذب وزبد .. لذلك يحتاج الإيمان دائماً الى مراعاة فهو ليس جدار حديدى يدخل فيه الصاروخ فلا يتأثر أبداً بل نظرة ..كلمة .. موقف .. يؤثر فيه , وذلك لضعف الإيمان وعدم المحافظة ووضع الموانع فلينظر الى المقتضى


ثمرة الصُــحبة الطيبــة :

أولاً :إن الصحبة الصالحة منـّـة من الله تعالى , كون الله بفضله وجوده وكرمه يُـيسر لك الصحبة الطيبة فهذه نعمة عظيمة ، فهذه أولاً
ثانيـا ً : أن يُحببك فى صحبته فهذه نعمة أخرى
ثالثـا ً : أن يُيسـر لك دوام المجالسة بقدره ( جيرة - عمل - ذهاب - إياب) فهذه نعمة ثالثة
رابعا ً: أن يرزقك إغتنامها ( فنحن نظن كعقيدة الصوفية : الرجل دة بركة أضعه فى بيتى ُأجلسه عندى فقد تكون الصحبة الطيبة موجودة ولكن لا يُيسر لك إغتنام.. فإن كان من أهل العلم إغتنم هذه الساعة إسأله فى العلم , إن كان من أصحاب الحكمة إستنصحه فى صلاح الدنيا والدين

وكيف يأخذ الإنسان بنفسه الى الخير ؟
هؤلاء الأربعة يتحقق بهم نفع وتتحقق ثمرة المجالسة الصالحة وتتم نعمة الصحبة الصالحة بهم ..ففى الحديث عن أبى مليكة عن الحسور بن مخرمة قال : لما طُعن عمر جعل يألم فقال له بن عباس – وكأنه يُجـزّعه - : يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك ( لو كانت هذه نهايتك ) لقد صحبت رسول الله فأحسنت صُحبته ثم فارقته وهو عنك راضى , ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راضى ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون ( يعزيه بأن الله راضى عنك لأن من كان أصحابك ؟ من الذين جالستهم ويسر الله لك مجالستهم) قال : أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإن ذلك مـنُُّ ُ مـنّ الله علىّ ( أنظر شكر النعم وتقديرها ) , وأما ما ذكرت من صحبة أبى بكر ورضاه فإن ذلك منُ ُ من الله جل ذكره مـنّ به علـىّ , وأما ماترى من جزعى والألم الذى أنا فيه فهو من أجلك وأجل أصحابك , والله لو أن لى طلاع الأرض ذهباً ( كل مكان .. كل فج ) لأفتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه ( من باب أنه يعلم مدى عذاب الله وأنه لا طاقة لأحد به , ولو إفتدى نفسه بكل مافى الأرض لو كان له طلاع الأرض ذهباً ستكون أهون فى ضياعها من أن يُعذبه اللـــه )
بن عباس يُذكـّـرك أن هناك منن وأن هذه علامة الخير , وهذا من فهم بن عباس وفقهه , وأن الصاحب دليل على الصاحب أدل من الدخان على النار , فقال عمر وأعترف أن هؤلاء منـّـة مـنّ بها الله عليه
لو تعرف مدى صونك بهم بفضل رب العالمين ومدى ما يحجزونك – أى الصحبة الطيبة – عن السوء ولو من نفس وشحها لربطت نفسك فيهم بالحبال ..فالصحبة الطيبة هى التى تنصحك وتقول لك إتق الله وكن عبد الله المظلوم ولا تكن عبد الله الظالم , وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل , وصية محمد عليه الصلاة والسلام , إوعى تفرط فى البر , هذا بر , هذا أمر شرعى , هذه حقوق كذا .. يُبين له فيحفظه من شره , وكلنا فينا شر , ويمكن الله يرزق الواحد منا بشخص يعظه يذكـّـره .. ولذلك شـدد الشرع فى الصحبة الطيبة
وفى الحديث عن أبى سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
لا تُصـاحب ( لم يقل ياليت – من الأفضل – لعلك – لكن لا تُصاحب ) إلا مؤمنـاً ولا يأكل طعامك إلا تقىّ .. رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه الألبانى ( 7341) لا تصاحب إلا مؤمناً : أى من كمُـل إيمانه وبرز , كيف نعرف أنه مؤمن ؟ لما تشعر أن علامات الإيمان ظاهرة عليه : كلامه طيب .. سمعته طيبة .. دينه .. فى المحافظة على الصلوات والواجبات والبر وقيامه بالفرائض , وليس من أهل الكبائر وأهل المعاصى ، فلا تُصاحب إلا مؤمناً أى كامل الإيمان ..
كيف يعرف كماله ؟ مما يظهر , فإن كان أصله الإيمان فهو موجود عند كل المسلمين كأصل , لكن كمال إستحقاق , وصف الإيمان لا يكون إلا بالكمال , لأن الطباع سـرّاقة , فلما تُصاحب المؤمن الذى يتكلم بالإيمان يتصرف بالإيمان ينظر بالإيمان .. يسمع بالإيمان .. ينصح بالإيمان .. طبعك سـرّاق وما دمت تصاحبه سيسرق منه طبعك , ومن ثم قيل " صُحبة الأخيار تورث الخير , وصُحبة الأشرار تورث الشر , كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً , قد يكون على بُعد جيفة نتنة , وجاء الهواء من هذه الجهة فتجد الريح القادم فيه رائحة نتنة , رغم أن هذا المكان ليس فيه رائحة نتنة , فمن أين جاءت ؟ لما مرّ الريح على النتن حمل ريحه , وكذلك إذا صاحبت أهل الشر شرهم سيمر عليك , وإذا مرت على الطيب ( حقل ياسمين ) حملت
وقال الشافعى :" ليس أحد إلا له محب ومبغض , فإذن لا بد لك من ذلك فليكن المرجع الى أهل طاعة الله " .. أى إجعل الذين يحبونك وتحبهم هم أهل الطاعة ومن تبغضهم ويبغضونك أهل الشر
ومن ثم قيل : " ولا يصحب الإنسان إلا نظيره "
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-06-2009, 03:33 PM
أم مُعاذ أم مُعاذ غير متواجد حالياً
لا تنسوني من الدعاء أن يرْزُقْنِي الله الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى وَحُسْنَ الخَاتِمَة
 




افتراضي

جزاكِ الله خيرا اختنا وبارك الله في الشيخ
التوقيع

توفيت امنا هجرة الي الله السلفية
اللهم اغفر لامتك هالة بنت يحيى اللهم ابدلها دارا خيرا من دارها واهلا خيرا من اهلها وادخلها الجنة واعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-17-2009, 04:44 AM
أم مُعاذ أم مُعاذ غير متواجد حالياً
لا تنسوني من الدعاء أن يرْزُقْنِي الله الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى وَحُسْنَ الخَاتِمَة
 




افتراضي

للرررررفع
التوقيع

توفيت امنا هجرة الي الله السلفية
اللهم اغفر لامتك هالة بنت يحيى اللهم ابدلها دارا خيرا من دارها واهلا خيرا من اهلها وادخلها الجنة واعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-17-2009, 10:32 AM
نور الاسلام قادم لا محالة نور الاسلام قادم لا محالة غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

جزاكم الله الفردوس الاعلى من الجنة وجزى الله الشيخ الفردوس الاعلى من الجنة وبارك الله له فى علمه وزاده علما وتقى ورزقا واعاده الله الى الدعوة اللهم امين

بوركتى حبيبتى وفى انتظار المزيد تقبل الله منك صالح الاعمال اللهم امين
التوقيع

اسال الله ان يحشرك حبيبتى وامى هالة يحيى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا وان يظلنا فى ظله يوم لا ظل الا ظله وان يجمعنى بك وبجميع من نحب فى الفردوس الاعلى من الجنة وان يرزقنا جميعا حسن الخاتمة وان يثبت قلوبنا على دينة حتى نلقاه اللهم امين



رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 11:06 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.