انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-08-2011, 12:23 AM
ام عبده البرنس ام عبده البرنس غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




New سلسلة شرط البخاري ومسلم

 

سلسلة شرط البخاري ومسلم


سلسلة شرط البخاري ومسلم



لفضيلة الشيخ: أبي إسحاق الحويني



المحاضرة الأولى



أن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن أصدف الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتهما، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب: (اختصار علوم الحديث) فائدة: "أول من اعتنى بجمع الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، فهما أصح كتب الحديث، والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراج الحديث في كتابه هذا أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلمٌ الثاني بل اكتفى بمجرد المعاصرة، ومن هنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم كما هو قول الجمهور، خلافاً لأبي علي النيسابوري شيخ الحاكم وطائفة من علماء المغرب، ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده بل في السنن وغيرها".
بعدما انتهينا في المرة الماضية من الكلام على أصحّ الأسانيد واختلاف أهل العلم في هذا الباب فمن قائل بأن أصحّ أسانيد أهل البصرة فلان عن فلان، وأهل الكوفة فلان عن فلان، ومن قائل من يحكم بأصح الأسانيد إلى صحابي بعينه فيقال أصح أسانيد أبي بكر الصديق، فلان عن فلان، وعمر فلان عن فلان، وعثمان فلان عن فلان.. الخ. والصواب أنه لا يحكم لإسناد من الأسانيد بأنه الأصح مطلقاً، لا على البلدان ولا على الصحابة، لاحتمال أن يكون هناك إسناد يقال إنه من أصح الأسانيد خولف فيه صاحبه، فلا يكون حينئذٍ صحيحاً، بل يكون معللاً، يعني مثلاً: لو روى سفيان بن عيينة حديثاً عن الزهري عن سالم عن أبيه، وهذا معدود من أصح الأسانيد (سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا إسناد (مذهّب) إذا افترضنا، ولو تتذكرون حديث بحث الشاذ الذي كنا أفضنا فيه في نحو خمس محاضرات قبل رمضان الماضي وذكرنا في هذا البحث أحاديث رواها سفيان بن عيينة وخولف فيها، خالفه مالك مثلا، أو خالفه معمر، فلو قلنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سلم عن أبيه من أصح الأسانيد فما رأيك إذا خولف سفيان في هذا الإسناد، خالفه مالك؟ فحينئذٍ يقال حديث مالك أصح وحديث سفيان شاذّ، برغم أنه سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه، ومع ذلك فهذا الإسناد شاذ في هذا الحديث، فلا يكون من أصح الأسانيد لأنه معلّ بالمخالفة، فلأجل هذا لا يحكم لإسناد بعينه أنه أصح الأسانيد(مطلقاً) بل لابد من النظر في كل حديث على حدة، وهل هذا مما يصحح إسناده أم لا؟
هذا كان البحث الماضي الذي وقفنا عنده في المرة الفائتة، واليوم نتكلم عن صحيحي البخاري ومسلم، وأجد مناسبة للكلام عن صحيح البخاري وعن كيفية تصنيفه لهذا الكتاب العظيم، الذي تلقته الأمة جميعاً بالقبول، والمقصود بـ (الأمة) هم أهل العلم الذي ينعقد بهم الإجماع ولا أقصد الأمة كلها، لأن الأمة كلها في أصحاب صناعات مختلفة لا يدرون ما الكتاب ولا الإيمان فضلا عن درايتهم بصحيح البخاري وكيف صنّف البخاري كتابه، فعندما نقول بإجماع الأمة، أي بإجماع أهل العلم الذين ينعقد بهم الإجماع. وشهرة الإمام البخاري رحمه الله معروفة لدى القاصي والداني، وكنا في هذا المسجد ترجمنا للبخاري في ثمان محاضرات، وأسهبنا في ترجمة الإمام رحمة الله عليه، وذكر حياته وذكر طلبه للعلم وذكر شيوخه وورعه وإخباته ومحنته إلى وفاته رحمه الله ورضي عنه. ولسنا نعنى في هذا البحث بترجمة البخاري رحمه الله وغنما نعطي إطلالة على صحيح البخاري.
الإمام ابن كثير ذكر المزية التي للبخاري على مسلم هنا، وهذا بحث عويص وسأحاول بقدر المستطاع أن أيسر هذا البحث على أذهانكم حتى تستوعبوه ولا تيأس إذا لم تفهم البحث من أول مرة فهذا بحث عظيم اختلف فيه العلماء الكبار، فمن مرجح لرأي البخاري ومن مرجح لرأي مسلم رحمة الله عليهما.
بادئ ذي بدء، فالبخاري لم يفصح عن شرطه قطّ، إنما استنتج العلماء شرطه من تصرفه في صحيحه ومن تاريخه الكبير، وأول من علمتُه صرّح بشرط البخاري هو القاضي عِياض رحمه الله، وأن البخاري يشترط سماع كل راوٍ عن شيخه، ولو في إسناد من الأسانيد، يعني (مالك عن نافع عن ابن عمر) هذا إسناد ذهبي معدود من أصح الأسانيد مطلقاً، فمالك يشترط حتى يصحح روايته عن نافع أن يَرِدَ ولو في سند واحد أن يقول مالك: حدثني نافع أو أنباني نافع (نبأني – نبأنا- أنبأني- أنبأنا- أخبرني- أخبرنا- سمعت- قال لي) أي صيغة من الصيغ التي تحتمل السماع المباشر وكلمة (حدثنا) في اصطلاح العلماء يُعنى بها السماع المباشر، لهذا بعض الناس توسع وأرسل لي بحثا في جواز أن يقول المستمع للشيخ الألباني في شريط من الأشرطة (حدثني الألباني) لأنني أسمع صوته في الأذن، ليس هناك واسطة بيننا، اتكالاً على أن هذا سماع مباشر، وهذا ليس بصحيح، هذا تدليس، هذا داخل في باب التدليس، إلا أن يذكر الوسيلة التي بها قد سمع الألباني، فيقول: سمعتُ الألباني من شريط مسجل، لأن هذا شبيه بمن يحدث بالإجازة مطلقاً، يعني أنا أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب وجعلتُ الإجازة مقرونة بالمناولة، والمناولة أن أناولك الكتاب فأقول: اروِ هذا عني، أجزتُك أن تروي هذا عني، فهذه إجازة مقرونة بالمناولة، والإجازة أحد وجوه التحمل، والمناولة أحد وجوه التحمل أيضاً، فأنت إذا أردتَ أن تحدث عني من كتابي هذا الذي أجزتك أن تروي ما فيه عني، فإذا قلت: (حدثنا أبو إسحق قال حدثنا الألباني) تكون مدلساً، إذن كيف تتصرف؟ تقول حدثنا أبو إسحق، إجازة خاصة مقرونة بالمناولة، هكذا تكون قد بينت الوسيلة أو الطريقة التي تلقيت الكلام بها عني، فإذا سمعت شريط التسجيل، نعم هو سماع مباشر من التسجيل إلى أذنك وليس من الشيخ الألباني نفسه، لأجل هذا يعدّ هذا تدليساً، فالصواب أن تقول: سمعت الألباني في شريط تسجيل يقول كذا وكذا.
فالإمام البخاري قال: حتى أصحح رواية مالك عن نافع، أشترط أن يقول مالك في إسناد واحد- لا أطالبه بأكثر من ذلك- أن يقول حدثني نافع.
ومالك عن نافع روى ألف حديث مثلاً، يقول أريد إسناداً واحداً كي أصحح له 999 حديثاً، فما الفائدة من ذلك؟ كي أتأكد أنه لقيه، ولا يصحح سماع متعاصر من متعاصر مالم يقع تحديثه في إسناد. يعني مثلا الشيخ محمود شاكر رحمه الله، وقل من يعرف الشيخ محمود شاكر إلا إذا كان معنياً بالأدب أو على الأقل لو كان معنياً بالحديث، فيكون عنده كتاب من الكتب التي حققها الشيخ أبو رحمه الله، مثل كتاب تفسير الطبري، حقق في ستة عشر مجلداً، وكتاب تهذيب الآثار لابن جرير الطبري أيضاً. الشيخ محمود شاكر توفي من حوالي ثلاث سنوات أو أربع، فلا شك أن كل من في المسجد عاصره، وكان يسكن في مصر الجديدة بالقاهرة، وأنت تنزل القاهرة في الأسبوع مرة أو مرتين، وممكن تنزل في شارع الشيخ حسين المرصفي الذي كان الشيخ محمود شاكر يسكن فيه في مصر الجديدة، ومع ذلك ما خطر ببالك أن تمرّ عليه، أ عاصرته أم لا؟ أ سمعتَ منه؟ إذن المعاصرة لا تقتضي السماع، أريد أن تركزوا لأن هذا بحث مهم ومفيد وأنا أعتذر للإخوة الذين جاؤوا وهم يطمعون بدروس في الرقائق ويسمعوا كلاماً مفهوماً فإذا بهم يفاجئوا بهذا الدرس، فنحن على شرطنا القديم كل يوم أثنين لصيد الخاطر أو الدروس العامة، ويوم أثنين لمصطلح الحديث، علم تصحيح الأخبار، فإذا كان أحد الأخوة جاء ليسمع كلاماً في الرقائق أو المواعظ، فأرجو أن يتصبر ولا يقوم من المجلس ضجراً لأنه لا يفهم، لأنه سيفهم إن شاء الله. ولعلكم تذكرون الرجل الذي وافانا من البحيرة قبل رمضان، ا هو موجود أم لا؟ وهذا الرجل يحضر مصطلح الحديث وكان قد أتى ليحضر محاضرة عادية فقال لي، ولعلكم تذكرون قوله: (تكلم كلام مفهوم أنا غير فاهم ولا كلمة) فكنتُ أصبّره وأقول إننا اقتربنا من الانتهاء من المحاضرةـ وسوف أقول كلاماً مفهوماً، فمرتْ المحاضرة بسلام، ووجدته في المرة التي تلتها في مصطلح الحديث جالساً، ورأيته أكثر من ثلاث مرات يحضر معنا مجالس مصطلح الحديث، لأنه هذا علم جليل والذي يفتح قلبه وعقله، سيغير كثيراً من نمط حياته، فأنا أرجو من إخواننا الذي حضروا ولم يهيئوا أنفسهم للسماع أن يتصبروا قليلاً، وسأحاول أن أيسر هذا البحث بقدر الإمكان، ولا أستطيع بطبيعة الحال أن أستوفي البحث كله، لأن البحث عضل وبه مشاكل كثيرة، فأنا سأعطي إطلالة عامة وربما نعود إليه مرة بعد مرة.
ذكرنا أن البخاري رحمه الله لابد- حتى يصحح رواية راوٍ من شيخه- أن يكون هذا الراوي قال مرة واحدة في إسناد صحيح، حدثني فلان، وذكرنا الآن أن المعاصرة لا تقتضي السماع، في هذا المثال الذي ذكرناه وتستطيع أن تضيف لهذا المثال أمثلة أخرى شبيهة به مثل الشيخ الألباني كان معاصراً لنا، وأكثر الطلبة لم يروه، الشيخ ابن باز، الشيخ ابن عثيمين، رحمة الله على الجميع، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، كل المشايخ هؤلاء عاصرناهم، وكثير منا لم هؤلاء، لكن أنا تكلمت عن الشيخ محمود شاكر، حتى أقول إن هذا مصري ويسكن في القاهرة، بينما الشيخ الألباني ساكن في الأردن، فأنت لكي تذهب إلى الأردن تحتاج تصريحا وتذكرة ومال.. لهذا سهلتً عليك المسألة وقلت لك أن تنزل القاهرة مرة أو اثنتين وثلاث في الأسبوع وتكون بجانب بين الشيخ محمود شاكر ومع ذلك لم تلق الشيخ. فالمعاصرة إذن لا تقتضي السماع؛ لأجل هذا قال البخاري يرحمه الله: أنا لابد أن أحقق سماع كل راوٍ من شيخه، وكثيراً ما تراه في كتاب( التاريخ الكبير) يقول: فلان لم يذكر سماعا من فلان، فالعلماء بالنظر في صحيح البخاري، وفي كتاب (التاريخ الكبير) وفي الأحاديث التي نقلها الترمذي وغيره عن البخاري، وفيها إعلالٌ بالانقطاع، لاحظوا أن البخاري يشترط ذلك لتصحيح الحديث. مسلمٌ عارض ذلك وأنكر أشدّ الإنكار هذا الكلام ونسب قائله إلى الجهل بمذاهب السلف في هذه المسألة، وهذا مما يقع على قلبي أن مسلماً ما قصد البخاري ولا علي بن المديني، العلماء يقولون مَن يا ترى قصده مسلمٌ بكلامه عندما تكلم بكلام شديد يردّ هذا الشرط؟ فمن قائل يقصد علي بن المديني، ومن قائل يقصد الإمام البخاري، والذي يقع على قلبي أنه لا يقصد واحداً من هذين، إنما يقصد رجلاً آخرَ نابهاً في عصره، ولكن ليس له شهرة البخاري وليس له شهرة علي بن المديني، وإن كان رجلا محترماً في علمه، حتى إن مسلماً انتصب للردّ عليه، ولذلك لم يُسمّه مسلم، بل عرّض به تعريضاً يدل على وضاعة مكانته، وأنه لم يكن معروفا تلك المعرفة في ذلك الزمان، وإن كان رجلاً نابهاً في نفس الوقت وهو يقول: (وقد تكلم بعض منتحلي الأخبار من أهل عصرنا) ولا يقال هذا الوصف لا للبخاري ولا لعلي بن المديني، وإنما يقال كما قلت لرجل نابهٍ وإن لم يكن في الشهرة كهؤلاء.
وأياً ما كان الأمر، سواء قصد علي بن المديني، أو قصد البخاري، أو قصد هذا المجهول الذي قلتُ إنه يقع على قلبي ذكره، فإن مسلماً رحمه الله ردّ كلامه ونقل مذهب أهل العلم في ذلك، فقال رحمه الله في مقدمة صحيحه: "والقول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز ممكن له لقاؤه و السماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة. إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلقَ من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة على ما بينا" هذا كلام مسلم الذي نقله عن أهل العلم.
يقول: "القول الشائع المتفق عليه" وأرجو أن تستحضر أن مسلماً من الأئمة الكبار الذين لو نقلوا الإجماع لقبل منهم، ومن عجب أن هناك من يوهّم مسلماً في نقل الإجماع، كابن رجب الحنبلي وغيره. ومسلم ليس خفيف الوزن إلى هذا الحد الذي ينقل إجماع العلماء ويقول- في جملة ما يقول- "ولو ادعى قائل هذه المقالة خلاف ما قلنا فليأت بدليل ولن يجد إليه سبيلا" فهو لا يزال يوثق دعوى الإجماع التي نقلها ويعثّر على المخالف أن يجد شيئا يخالف هذا الإجماع، وأطنب في ذكر الأدلة على قوله في هذه المقدمة المبدعة، فأرجو- وأنت تسمع هذا الكلام- أن تستحضر مكانة مسلم رحمه الله، وأنه إذا نقل الإجماع فليس هو واحد من أفناء الناس كأمثالنا ينقل الإجماع ويخفى عليه موضع الإجماع، فيقول: (إن القول الشائع) أي المعروف "والمتفق عليه بين أهل العلم أن كل راوٍ ثقة يروي حديثاً عن مثله" أي عن ثقة أيضاً مثل مالك عن نافع، وهذا الراوي "جائز ممكن" فلما قرن الجواز بالإمكان، دلّ على أنه لا يقصد مطلق المعاصرة، إنما يقصد المعاصرة البينة، والتي هي أن يروي أهل بلد عن بعضهم [البعض]، أن يروي مصري عن مصري، وشامي عن شامي، وحجازي عن حجازي، وكوفي عن كوفي، وبصري عن بصري..الخ. هذه اسمها المعاصرة البينة، لأن اليوم [لدينا] مصري عن شامي، أنت تسأل: أين التقيا؟ فمصري عن مصري الاثنان طلاب علم، واحد شيخ مشهور وواحد تلميذ جاد في طلب العلم، من الطبيعي أن يلقاه، لاسيما في ذلك الزمان، الدولة نفسها تشجع على طلب العلم الشرعي، وكان الخلفاء يعطون الأعطيات الكثيرة لطلبة الحديث، حتى إن المأمون امتحن رجلاً، فقال [يوماً] هل هنا رجل من أهل الحديث؟ فقال رجل : نعم، فقال: أ تروي عن هشيم؟ لأن المأمون أدرك هشيماً وروى عنه، فهشيم بن بشير هذا شيخ الإمام أحمد، فكم روى هشيم في باب كذا؟ فيسكت، فكم روى فلان عن فلان في باب كذا؟ فيقول حديثاً مثلا، والمأمون لديه أكثر من ذلك، فيقول: أ يطلب أحدكم العلم ثلاثة أيام ثم يزعم أنه محدّث؟ أعطوه ثلاثة دنانير. على قدر ماذا؟ على قدر البضاعة التي لديه، فالخلفاء أنفسهم كانوا يطلبون الحديث وكانوا يحضرون على الشيوخ، وكانت الدنيا كلها آنذاك مهتمة بالعلم وبالرحلة، وكان الخلفاء والأمراء والولاة يحضّون على طلب الحديث، فصعب جداً أن يكون هناك راوٍ مشهور في بلد ما، وهناك طلبة علم ويعلمون أن هذا المحدث عنده أسانيد عاليات ومع ذلك يكسل أحدهم ويجلس في بلده ولا يطلب العلم على هذا الشيخ، هذا أكاد أقول إنه مستحيل، إلا لماماً، إذا أتينا بفلان عن فلان ولم يلق أحدهما الآخر وهما في بلد واحد، لكن إذا لم يكن هناك هذا المثال، يكون الأصل أن الطالب كان يبحث عن الشيوخ أصحاب الأسانيد العوالي، وكانوا يحضرون عنده، فمن العسير جداً، أن يكون هناك مصري مشهور، وطالب علم مصري أيضاً ولا يسمع من هذا الشيخ، لكن يمكن أن يكون رجلاً في الشام، وأنا مصري وليس عندي نفقة فلم أرحل.
إذن المعاصرة البينة أن يروي أهل كل بلد عن أهل البلد، فعندما يقول مسلم "وجائز ممكن له" فقرن الجواز بالإمكان "لقاؤه والسماع منه فالحجة بروايته قائمة لازمة إلا أن يقوم دليل" على أن هذا لم يسمع من هذا أو أنه لم يلقه، طالما أن هذا الدليل غير موجود، والأمر على الإمكان، مصري مع مصري على الإمكان، فالحجة لازمة بهذه الرواية.
يعني معنى كلام مسلم: مثلا لو قلنا أن الليث بن كعب- وهذا أحد الأئمة المصرين الكبار من أقران الإمام مالك- والليث مثلا في القاهرة، ونحن طلاب علم، وأنا رويتُ عن الليث مثلاً، قلتُ: عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، فقال إمام مثل يحيى بن معين، فلان [يعني أنا] لم يلق الليث؛ لأن هذا خرج من مصر سنة كذا، وذهب إلى العراق، ودخل الليث بن سعد مصر بعد خروج هذا إلى العراق، ولما رجع هذا من العراق كان الليث قد مات. إذن أين أكون قد سمعت منه؟ الليث مثلا دخل مصر أي سنة من السنوات [لنقل] 150 مثلاً، أنا خرجتُ من مصر سنة 149 وذهبت للعراق، إذن أنا لم ألقه. الليث مثلا مات 155 وأنا نزلتُ مصر ثانية سنة 158-159 فهل لقيت الليث؟ سمعتُ منه؟ فمسلم يقول هذا، يقول "إذا قامتْ دلالة بينة" كالذي قلته آنفاً، على أن فلاناً لم يسمع من فلان أو لم يلقه، إذن نعمل بهذه الدلالة ونقول فلان لم يسمع فلاناً والإسناد منقطع.
أما إّذا لم يعرف أنا متى خرجت إلى العراق ولا متى دخل الليث ولا متى رجعت إلى مصر، والأمر على الإمكان إذن الرواية صحيحة، حتى تقيم الدليل على أنني لم أسمع من الليث، [يجب أن تفهم ما قلتُه آنفاً] لأنه سيتركب على هذا البحث أبحاث أخرى فإذا لم تفهم الآن هذا البحث فهماً جيدا [فلن تفهم الباقي] لأنه أدقّ وأعوص.
فمسلم رحمه الله بعدما قال هذا الكلام ضرب أمثلة قال: فإن قال- هذا القائل- أنا إنما طالبتُ بسماع الراوي من شيخه ولو مرة، مخافة ألا يكون سمع ويروي بالإرسال أي بالعنعنة، ولا يكون سمع منه، فهذا الذي جعلني أحتاط؛ لأنه من الممكن ألا يكون قد سمع منه، فأنا لكي أتأكد أنه لقيه وسمع منه، لهذا أنا محتاج أن يقول حدثني ولو في إسناد واحد، فقال له: إذا كنت تقول هذا الكلام فيلزمك أن تطلب السماع في كل رواية، وليس في رواية واحدة، لاحتمال أن يروي بالعنعنة رواية ما ولا يكون سمعها، وضرب أمثلة على ذلك، يقول: [إن] هشام بن عروة نحن نعلم بيقين أنه سمع من أبيه عروة وعروة سمع من عائشة وعائشة سمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاشك عندنا في اتصال هذا الإسناد، إسناد مذهب أيضاً، فأعطاك أحاديث لم يسمعها هشام بن عروة من أبيه عروة إنما سمعها من أخيه عبد الله بن عروة، وهذه مثلا عينة من الأحاديث التي لم يسمعها هشام من أبيه، فلو قال (هشام عن أبيه) أ ليس بهذه الأدلة يمكن أن يكون بعض الأحاديث لم يسمعها هشام عن أبيه؟ إذن حين يقول هشام (عن عروة) من أدراك أنه سمع هذا الخبر عن عروة، ولا يكون بينه وبين عروة واسطة؟ وقد تكون الواسطة رجلاً ضعيفاً مثلا وأنت لا تدري، فأنت تصحح إسناد هشام بن عروة، (سوف تصحح هذا الإسناد مع أن هناك واسطة في هذا الحديث بالذات بين هشام وعروة) إذن هذه الأمثلة تَرِدُ عليك وتهدم كلامك من أصله، وجعل مسلم يدلل بأدلة وأمثلة كثيرة على صحة قوله. خلاصة الكلام أن شرط البخاري الذي نسب إليه لاشك أنه أضيق وأحكم، ولكننا إذا التزمناه ستضيع علينا أحاديث كثيرة لم نقف فيها على موضع السماع من فلان عن فلان، مع إمكان السماع، فإذا كان شرط البخاري أضيق، لكن شرط مسلم صحيح ولا إشكال فيه، وشرط البخاري أضيق ولا نختلف أيضاً على انه أقوى، ولكن شرط مسلم قوي أيضاً، فلا معنى لتضعيف رأي مسلم في سبيل نصر رأي البخاري، كما فعل ذلك جماعة من طلاب العلم المعاصرين، وأنا كنت أودّ من إخواننا طلاب العلم أن يرجئوا الكلام في هذه المسألة الكبيرة، وألا يتسرعوا فيها فقد اختلف فيها العلماء الكبار جداً الذين لا تصل قامة واحد منا إلى شراك نعل واحد منهم، ومع ذلك اختلفوا في هذه المسألة اختلافاً كبيراً متبايناً، فكان الأولى بطلاب العلم أن يتمهلوا وان يصبروا على أنفسهم حتى إذا نضجتْ ملكتهم وطالتْ أعمارهم وكثر استقراؤهم، يصلون في أخر أعمارهم إلى الفصل في هذه المسألة، لأنني رأيتُ كثيرا من الطلبة الذين أعرفهم معرفة شخصية، ومنهم من لم تقلم أظفاره في العلم، ومنهم من يسرق تخريجات الشيخ الألباني وينسبها لنفسه، ويدعي تصحيحاً وتضعيفاً، دخل في هذه المسألة وألف كتاباً في الرد على الإمام مسلم رحمه الله، وفي تضعيف شرطه وفي نصر كلام الإمام البخاري، وأخذ هذا البحث كله في كتاب ابن رشيد السبتي الفهري رحمه الله الذي سماه (السند الأبين، والمورد الأمعن، في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) وعمل مقارنة بين شرط البخاري ومسلم، وإن كنتُ رأيتُ في هذا الكتاب- مع قوة نَفَس ابن رشيد فيه- (وابن رشيد من الأئمة الفحول الكبار وله كتاب ممتع يدل على رحلته الواسعة وهمته العالية سماه :ملء العيبة بما جُمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة مكة وطيبة، كتاب جمع في رحلته ولقائه بالشيوخ وطلاب العلم والأحاديث والكتب التي أخذها عنهم، أي أن هذا رجل فاضل عالم جليل) لكن على العادة [فإن] علماء المغرب مجاهيل، علماء المغرب عن أهل المشرق مجاهيل أو كالمجاهيل، نحن لا نعرف أحداً من علماء المغرب بخلاف المشرق، فإن المغاربة يعرفون علماء المشرق جميعاً، لأن المشرق هو أرض الرسالات، وكل الأنبياء نزلوا في المشرق دون المغرب، وكأن المغرب حل عليه معنى الغروب فلم يشتهر علماؤه، لذلك لو قلتُ لكل طلبة العلم النبهاء الفضلاء هل يستطيع الواحد منكم أن يسمي لي عالما من ليبيا أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو موريتانيا مثلاً (وربما لأن العلماء الشناقطة جاؤوا إلى المشرق فعُرفوا وإلا لو بقوا في موريتانيا لما عرفوا) فلا يستطيع واحد منا أن يعرف عالما من علماء المغرب وهذه المسألة قديمة، فكان ابن حزم من نباهته لم يُعرف في المشرق، وقد توجع هو من ذلك وقال:
أنا الشمس في جو العلوم منيرةٌ لكن عيبي أن مطلـــــــــــعيَ الغربُ
ولو أنني من جانب الشرق طالعٌ لجد على ما ضاع في ذكري النــــهب
ولو نحو أكناف العراق صــبابة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصبُّ
فإن ينزل الرحمن رحليَ بينــــهم فحينئذٍ يبد التأســــــــــــف والكرْبُ
هنالك يظهر أن للبعد قصــة وأن كساد العلم آفتـــــــــــه القُربُ

فهو يقول إذا خرجتُ من المغرب وذهبتُ إلى العراق، ستأسفون على فقدي وتعرفون قيمتي، ولكن كساد العلم القرب، وأزهد الناس في العالم أهله وجيرانه.
فابن رُشيد هذا إمام عالم كبير متضلع بأنواع العلوم، وفي علم الحديث خصوصاً. صنف هذا الكتاب الممتع، وأنا أقرُّ بأنه كتاب ممتع وقد صنّفه بطريقة مبتكرة جيدة، ولكن مأخذي عليه أنه لم يحتفل برأي الإمام مسلم، ولم يتعنى في إظهار هذا الرأي مثلما تعنى في إظهار الرأي المنسوب إلى الإمام البخاري رحمه الله.

يقول ابن كثير يرحمه الله: "ومن هاهنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم كما هو قول الجمهور" على أساس أن شرط البخاري أضيق من شرط الإمام مسلم، وكلما ضاق الشرط كان دخول الخلل منه أقل، وكلما اتسع الشرط أمكن دخول الخلل منه، "كما هو قول الجمهور خلافاً لأبي علي النيسابوري شيخ الحاكم وطائفة من علماء المغرب ينسب إلى أبي علي النيسابوري أنه قال: ما تحت أديم السماء أصحّ كتاباً من كتاب مسلم" وإن كان الحافظ بن حجر العسقلاني أشار في مقدمة كتابه (فتح الباري) إلى عدم ثبوت هذا الكلام عن أبي علي النيسابوري، أي أن الإسناد إلى أبي علي فيه ضعف. فقيل لمّا رُدّ كلام أبي علي النيسابوري فيُحمل على أشياء أخرى بخلاف التصحيح، كترتيب مسلم لكتابه مثلاً، وكطريقته في نظم الإسناد، فكتاب مسلم يترجح فعلاً على كتاب البخاري من هذه الجهة، وأن من أراد أن يستمتع بدراسة الأسانيد فعليه بكتاب مسلم دون كتاب البخاريـ والذي يريد أن يستمتع بالفقه، فعليه بكتاب البخاري دون كتاب مسلم. والإمام البخاري يقطّع الأحاديث، الحديث الواحد في عدة أماكن على حسب الفقه الذي يطلبه من الحديث بخلاف مسلم فإنه يورد الحديث كاملا في الباب، فتستمتع أنت بالقراءة في صحيح مسلم على الحديث كاملا، وبعد الحديث يورد عدة أسانيد يقوي بها هذا الحديث مثل أول حديث في صحيح مسلم، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي هو حديث الإيمان والإسلام والإحسان المعروف بحديث جبريل عليه السلام، فإن مسلماً أخرج هذا الحديث وانفرد به عن البخاري، فالبخاري لم يخرّج حديث عمر، إنما خرج حديث أبي هريرة والذي رواه مسلم أيضاً، فأورد مسلم الحديث عن ابن الخطاب ثم أتى له بعده أسانيد حوالي سبعة أسانيد غير الإسناد الذي بدأ به الحديث فيجمع الأسانيد كلها في مكان واحد، ويجمع الحديث كله في مكان واحد ولا يقطعه، وقلما يعيد مسلم الحديث في مكان آخر، نادراً جداً أن يعيد الحديث في مكان آخر، إنما البخاري فقد كرر حديث (إنما الأعمال بالنيات) في سبعة مواضع من صحيحه ولو أنه ينوع في مشايخه ولكن روى الحديث ببعض ألفاظه بنصها في أماكن أخرى؛ لأن البخاري محتاج إلى هذا الحديث لوضعه في هذه الكتب [التي صنفها في صحيحه] كتاب الإيمان والنذور- كتاب الحيل- كتاب الطلاق- كتاب بدء الوحي- يضع هذا الحديث على حسب الفقه الذي يريده من هذا الحديث.
فربما قصد أبو علي النيسابوري- على فرض ثبوت هذا الكلام عنه- المعاني التي ذكرتها ولا نقصد تصحيح مسلم رحمه الله، وإلا فأهل العلم جميعاً على أن البخاري كان أجلّ من مسلم في فهم الحديث وفي فهم علله، وإنما تخرج مسلم بالبخاري بل قال الدارقطني رحمه الله: "لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء" وأنا أعتقد أن هذا الكلام صدر على سبيل المبالغة وإلا فقد تخرج مسلم بمئات الشيوخ الكبار من أمثال البخاري، منهم هو، وقد لازم البخاري فعلا خمس سنوات ولكن علم الحديث الذي عند مسلم ليس عن البخاري وحده، إنما أعتقد أن هذا الكلام إنما صدر على سبيل المبالغة، وعلى سبيل إظهار مكانة البخاري رحمه الله.
وقال قائل آخر إن مسلماً بعض غلمان البخاري، وهو أيضاً يجري الكلام هنا على نفس الوتيرة التي صدرت من الدارقطني رحمه الله.
فالبخاري- كما قلت- إذا كانت جلالته في علم الحديث فوق مسلم فلاشك أن تصحيحه يكون فوق مسلم أيضاً، لإجماع العلماء على الفرق بينهما، وقد ذكر بعض إخواننا سؤالاً يقول: هل شرط البخاري هذا في صحيحه فقط؟ أم في أصل الصحة؟ والظاهر أنه في أصل الصحة وليس في صحيحه فقط، ويدلّ على ذلك أحاديث كثيرة في كتاب (التاريخ الكبير علّلها البخاري رحمه الله برغم أنها موجودة مثلاً في صحيح مسلم، لكن علّلها البخاري بأنه لا يعلم لفلان سماعاً من فلان، ويعلّل أحاديث أخرى بنفس هذه العلة، فدلّ ذلك على أن البخاري إنما يقصد أصل الصحة في هذا الشرط، ولا يقصد صحيحه وحده.
قال: "ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يُحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده بل في السنن وغيرها". وطبعاً هذا فيه ردّ على اللذين زعموا أن البخاري ومسلماً استوعبا الأحاديث الصحيحة، وبنوا على هذا شيئا آخر وقالوا إن الأحاديث الصحيحة لا تتجاوز ثلاثة آلاف حديث، لأن مجمل ما في البخاري ومسلم- بعدم المكرر- قرابة ألفي حديث ونيف، وهذا الكلام غير صحيح، يدلّ عليه قول البخاري نفسه. قال: "ما أخرجتُ في كتابي هذا كل ما عندي من الصحيح، إنما أخرجت فيه أصحّ الصحيح وتركت من الصحاح لحال الطول" روى هذا عنه إبراهيم بن معقل النسفي أحد رواة كتابه، وصرح بذلك الأئمة مثل أبي بكر إسماعيل صاحب المستخرج على صحيح البخاري، وصرح به أيضاً ابن عبد البر عالم الأندلس الشهير وجماعة أخرى، وصار كالمتواتر عند علماء الحديث بل هو متواتر، فعند علماء الحديث أن البخاري رحمه الله لم تخرج كل الأحاديث الصحيحة، ومن الأدلة على ذلك أن من طالع كتاب (العلل الكبير) لأبي عيسى الترمذي رحمه الله، وهو كتاب يشتمل على أحاديث يسأل الترمذي فيها شيخه البخاري عن جملة من الأحاديث والبخاري يجيب بما عنده من العلم، إما هذا الحديث معلل، وإما صحيح وإما حسن وإما موقوف على حسب ما يجيب البخاري، فيقول: سألتُ محمداً- أي ابن إسماعيل البخاري- عن الحديث الذي رواه فلان حدثني فلان عن فلان عن فلان فقال هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح أو هذا حديث صحيح، فقد صحح البخاري أحاديث كثيرة في كتاب العلل الكبير للترمذي، بل في كتبه الأخرى مثل التواريخ الثلاثة أيضاً، يخرج أحاديث ويحكم على بعضها بالصحة، فدلّ هذا على أن البخاري لم يشترط جمع الصحيح كله في كتابه، فكل هذه الأحاديث التي صححها لا تكون في صحيح البخاري وإنما تكون في السنن وغيرها.
وكذلك الإمام مسلم رحمه الله، قال: "انتخبت هذا الكتاب من ستمائة ألف حديث مسموعة" وأقصى ما ذكره أحمد بن سلمة رفيق مسلم وصاحبه، وهو الذي عناه مسلم بالمخاطبة في مقدمة صحيحه، فإنه يقول: "وإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ولك مني أن أصنف كتاباً.. إلى آخر كلام مسلم، فمسلم يخاطب أحمد بن سلمة، فيقول أحمد بن سلمة أن جملة ما في صحيح مسلم اثنا عشر ألف حديث، وطبعاً هو يقصد بالمكرر، بحيث أن مسلماً لو قال حدثنا قتيبة ح حدثنا مثلا القعنبي قال قتيبة حدثنا مالك وقال القعنبي أخبرنا مالك أنه يعدّ هذا حديثين، حديث لقتيبة عن مالك، وحديث للقعنبي عن مالك، إذا كان الأمر كذلك، نعم يمكن أن يصل الأمر إلى اثني عشر حديثاً، لكن بالمتون فصحيح مسلم يتجاوز الألفين بشيء يسير، حوالي ثلاثمائة أو أربعمائة، وسنذكر عدة ما في صحيح البخاري وعدة ما في صحيح مسلم عن أهل العلم في المحاضرة القادمة إن شاء الله..


س: ماذا يقال لو قلنا عن البخاري صحح أحاديث ليست على شرطه كما عند الترمذي؟
ج: كلمة (شرط البخاري) مرتبطة بـ(صحيح) البخاري، وليس بـ(تصحيح) البخاري، فيجب التفرقة بين الاثنين، فعندما نقول هذا حديث صحيح على (شرط البخاري)، فإننا نقصد طريقة البخاري في صحيحه خصوصاً، فيراعى في الكلام على الشرط صحيح البخاري لا تصحيح البخاري، فالبخاري قد يصحح أحاديث ليست على شرطه، وليس كل حديث ليس على شرط البخاري يكون ضعيفاً، لأن الحديث إما أن يكون على شرطهما أو على شرط البخاري أو على شرط مسلم أو على شرط واحد من أصحاب الصحاح الذين يأتون بعد ذلك، مثل ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
البخاري, سلسلة, شرط, ومسلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 01:38 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.