انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-03-2012, 08:12 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Ramadhan05 كتاب (السياسة الشرعية)للشيخ ممدوح جابر *حفظه الله تعالى*...متجدد

 


السياسة الشرعية


السياسة الشرعية وواجب المسلم نحوها :



سوف نبدأ بإذن الله U في دروس السياسة الشرعية , نتناولها من متناول شرعي , لكن نحاول أن نذكر معها ما يقابلها من مصطلاحات حديثة موجودة اليوم ؛ حتى يكون الكلام مثمرًا ؛ لأن أي مسألة لابد أن تُدْرَسَ من جهتين اثنتين , من الجانيب النظري , وهو ما جاء في المسألة من آيات وأحاديث , ثم بعد ذلك نُنزل هذه النصوص على الواقع , وهذه هي الجهة العملية , وهي تحقيق المناط . وأيُّ خلل في ركن من هذين الركنين , يُنْتِجُ حكمًا مشوَّهًا .
ولابد أولاً من ذكر مقدمات لابد من الإشارة إليها .
أولاً : تعريف السياسة الشرعية : مصطلح السياسة الشرعية هو النظام الذي يحكم الدولة , والذي يُحْكَمُ به الناس .
?ولابد لللإنسان المسلم أن يكون مُلِمًّا لقضايا الواقع المعاصرة التي تُحِيطُ بِه , من جهة أن واجبه نصرة الحق , والإنسان لا يستطيع أن ينصرَ شيئًا إلا بأن يعرفه , فنصرة الشيء فرعُ تصوُّرِه . بمعنى أن الإنسان لكي ينصر شيء ما , فلابد له أن يتصور هذا الشيء تصورًا صحيحًا تامًّا , وإن لم يكن هذا التصور تامًّا صحيحًا , فسيكون الأمر عبارة عن أماني ؛ كما نعى الله U على أهل الكتاب فقال : ] وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [[البقرة: 78] . يعني : مجرد تلاوة للآيات , وهذا أمر حسن , لكن لم يُنزَّلِ الكتاب لأجل القراءة فَحَسْب ؛ وإنما أُنْزِلَ الكتاب بنصٍّ صريح واضح – كما قال تعالى - : ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [[النساء: 105] , لا بما رأيتَ أنت , ولا بما تصوَّر الناس .
?ولابد للإنسان أن يكون عبدًا لله , فلا ينسى هذه الحقيقة , فنحن لَسْنَا في حزبٍ سياسي منفصل عن دين رب العالمين , بمعنى أنَّ غرضه الاستيلاء على الحكم - وإن كان الاستيلاء على الحكم من أجل الحكم في الناس بشرع الله , هذا أمرٌ نحن لا نستحي منه - ولكن كل هذا نابع من دين رب العالمين ؛ من قوله تعالى : ] قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [[الأنعام: 162- 163] .
?والسياسة الشرعية هي فرع من الفقه معلوم لدى فقهاء المسلمين منذ أكثر من ألف عام , فكلامنا في هذا الأمر ليس بِدَعًا من القول ؛ وهذا لأن المسلمين كانت لهم دولة , منذ عصر النبي r إلى عام 1923 م , يعني : ليس ببعيد , وهذه الدولة كانت تحكم مشارق الأرض ومغاربها , وَصَلت هذه الدولة إلى الصين , ووصلت حدودها إلى فرنسا , بل دخلت فرنسا في عصر الأندلس , ووصلت إلى أفريقيا , كل هذا كان يُحْكَمُ بشريعة الله U .
?ونحن عندنا برنامج انتخابي أُنْزِلَ من عند رب العلمين , لكن هذا البرنامج الانتخابي يحتاج إلى ناس تفهمه , ثم يشرحونه للناس بالطريقة التي يفهمونها به , وذلك بعد أن يعمل به هؤلاء القائمين على شرحه , فحينما يعملون به ويؤمنون به ويتمسكون به , وقتئذٍ لهم أن يطالبوا الغير بأن يلتزموا بهذا المنهج .
?وشريعة الإسلام انفردت دونًا عن شرائع الآخرين بأنها تحكم كل شيء في حياة الإنسان , فالشرائع التي كانت قبل ذلك , كانت تختص فيما بين الإنسان وبين ربه , وقليل من التشريعات في أمور الدنيا , أمَّا شريعة رب العالمين لأنها هي الشريعة الخاتمة , وهي المهيمنة , وليس بعدها شيء ؛ فلذلك جاءت متممة لكل شيء ؛ كما قال النبي r : إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق .
وكانت مكارم الأخلاق هي التوحيد والعبادات والطاعات التي أُلْزِم بها الإنسان .
فإذًا أول خصيصة من خصائص شريعة الإسلام أنها تحكم الدنيا والدين , يعني : تحكم كل حياة الإنسان ؛ قال تعالى : ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [[النساء: 105], وقال أيضًا : ] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [[النجم: 4] , وقال : ] كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [[الأعراف: 2-3] , فالكتاب أُنْزِلَ للعمل به والحكم به , ولكي يكون حياة ومنهاجًا وشريعة ؛ ] ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [[الشورى: 18]. وإذا أتينا بأي كتاب فقه ونظرنا في الفهرس , سنجد أن هذا الفهرس يتكلم عن كل دقيقة في حياة الإنسان , من قبل أن يولد إلى بعد أن يتوفاه الله U ( المواريث ) مرورًا بأدق الأمور كالنوم وبعد النوم ... وما إلى ذلك , وهذا يعكس هذا الانطباع , أنَّ هذه الشمولية خصيصة لهذه الشريعة , وأنها حاكمة لكل حياة الإنسان دون أي استثناء , فليس هناك شيئًا إلا وللشرع في حكم شرعي , حتى أن الفقهاء اختلفوا في مسألة وهي : هل يمكن أن توجد حادثة ليس لله فيها حكم ؟ والراجح لا ؛ قال تعالى : ] مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [[الأنعام: 38].
فعندما تقرأ كتاب الفقه تجد أول شيء فيه أنه يوثق العلاقة بينك وبين رب العالمين , سواء فيما فرضه عليك من صلاة تؤديها , أو بما تنفلت به , ثم يأتي بعد ذلك العبادات التي لا تلزم جميع الناس كالزكاة والحج , ثم بعد ذلك يأتي كتاب المعاملات كالبيوع والمضاربات والنفقات , ونجد أن الإسلام يحارب الرأسمالية , ويقطع دابر الاحتكار المالي وأن تصبح الثروة مركزة في أيدي بعض الناس بأمرين , الأول : المواريث والتي هي عبارة عن تفتيت للثروة , والثاني : تحريم الربا والذي هو عبارة عن استغلال حاجات الناس , أو المشي مع أطماعهم .
ثم بعد أن ينتهي كتاب المعاملات سنجد أنفسنا داخلين في أبواب الجهاد , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن حياة هذه الأمة في الجهاد , فالجهاد هو عصب الأمة , والأمة لا تقوم لها قائمة بدون الجهاد , الذي هو لبّ قوله تعالى : ] كنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [[آل عمران: 110] .
والجهاد لم يُشْرَع للدفاع عن النفس فقط , وإنما شُرِعَ أيضًا لطلب الكفار في بلادهم . فأمَّا جهاد الدفع فهو إذا نزل العدو بأرض المسلمين , إذا حدث ذلك فقد وجب على المسلمين أن يدفعوا هذا العدو , ووجب على مَن حولهم أن يهبُّوا لمساعدتهم لكي يدافعوا عن أنفسهم , ويصبح الجهاد هنا فرض عيْن على أهل هذه البلدة , فإن لم يستطيعوا , تنتقل لمَن بعدهم ... وهكذا حتى تشمل جميع مسلمي الأرض , لكي يقوموا بالدفاع عن أراضي المسلمين , فنصرة المسلمين في أي مكان ليس لها حدود وليس لها قيود .
وأمَّا الجهاد الآخر فهو جهاد الطلب , والذي يحاول البعض نتيجة الانهزام أن يتهرب منه , وهذا الجهاد شُرِعَ للقيام بالواجب الذي أوجبه الله علينا – كما قال الصحابي - : لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , وهذه المقالة قالها الصحابيّ إلى قائد الفرس , وقائد الفرس يعلم أنهم عبارة عن أعراب , وجل المتحضرين من هؤلاء الأعراب هو الذي يعيش على حدود الدولة الرومانية ودلولة الفرس , يعمل كمخبر لهما , فملوك الغساسنة كانوا عبارة عن مخبرين لقيصر . فظنَّ قائد الفرس أنهم لا زالوا على ما هم عليه , وظن أنه يستطيع ردَّهم ببعضٍ من الأموال أو الحُلل ... وما إلى ذلك , فأوضح له الصحابي أنه في غفلة تامة , وأن قومه هم الذين أُنزلَ فيهم قوله تعالى : ] وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [ [الزخرف: 44] .
وهذه الآية في منتهى الأهمية , أي : أنت وقومك يا محمد لن يقوم لكم ذكر إلا بالتمسك بكتاب الله , وإذا راجعنا كل التاريخ سنجد أن العرب لم تقم لهم قائمة إلا لمَّا تثور فيهم نخوة الإسلام , وخلاف ذلك لا يسمع أحد شيئًا عن العرب , ولا يقيم لهم وزنًا .
فجهاد الطلب يكون لأمر مهم جدًا وهو أن يكون الناس في حرية في أن يختاروا الإسلام أو غيره , أي ليرفع عن الناس أي قيود أو موانع تمنعهم من أن يختاروا الدين الحق وهو الإسلام .
وقد يزعم البعض بأن جهاد الطلب لم يعد له اليوم فائدة بدعوى أن الحرية عمَّت في كل مكان ؛ ففي أمريكا أو غيرها من الدول الغربية لا يمانع أحدٌ أحدًا يدعو إلى الإسلام حتى لو كان ذلك بجوار الكونجرس الأمريكي , فما الداعي إذًا لأن نخيف الناس بهذا النوع من الجهاد ؟ !
وطبعًا هذا الكلام رغم أنه يلمع , إلا أنه لا يدخل إلا على ضعاف العقول :
أولاً : لأن الدعوة بأنه لا داعي للسيف والقوة , هذا كلام مبتور , فعالم اليوم وعالم الأمس وكل عالم لا يحترم إلا صاحب القوة , أمَّا مبدأ بلا قوة , فلا يُلْتَفَتُ إليه , ويتعاملون معه على أنه فلسفة .
وثانيًا : الناس ليسوا أحرارًا في أن يختاروا الإسلام وغيره , فليست هناك حرية إلا بِعُلوِّ شرع الإسلام , وكما هو معلوم , عندما تحدث أي أزمة في أوربا وأمريكا أو اختلال في الحكم , تجد أنهم يذهبون إلى عمل حكومة تصريف أعمال , أو حكومة ائتلاف , أو حكومة وطنية , وهذه الحكومة تكون من ناس محايدين ( تكنوكرات ) لا تملك سن القوانين , ولكن تُنفذ لائحة معينة إلى حين وقت الانتخابات , يعني : حتى يكون الناس في حرية اختيار بعيدًا عن الرئيس ؛ فإذًا حتى تختار الناس بحرية - في مصطلح الغرب – لابد أن يزول الحكم حتى تملك الناس هذا .
وكمثال معاصر فـ " ساركوزي " هذا لا يساوي شيئًا , لا يملك شيئًا سوى أن أباه كان يهوديًّا من المهاجرين , بالإضافة إلى عداءه الشديد إلى كل ما هو إسلامي , وهذان الأمران يكفيان لأن يكون رئيسًا للعالم , فهذا الرجل فعل شيئًا استغرب له أهل البلد نفسهم , وهو محاربته للبس المرأة ! وهذا أمر في غاية العجب , عندما تخرج بلدًا من بلاد الحرية تتحكم في لباس المرأة , وأصبح هذا قانونًا يقره الناس ! مع أن هذا الرجل عنده مشاكل داخليه , لكنه ترك هذه المشاكل وفعل هذا الأمر العجيب .
فهذه هي النُّكتة التي شُرِعَ لأجلها جهاد الطلب , لكي يرتفع عن الناس كل حمل وكل ثِقل في أن يختاروا ما يشاؤون , وهذا الجهاد مشروع إلى يوم القيامة .
?مما سبق يتبيَّن لنا أن الإسلام دين ودولة ؛ لشمولية أحكام الإسلام لجميع مناحي الحياة أولاً , والأمر الثاني : انفراد رسول الله r دونًا عن البشر جميعًا بأن جميع أجزاء حياته نُقِلَت ؛ وذلك من أجل تثبيت هذا الأصل : ] أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [[الشورى: 13], ولهم بعد ذلك أن يسموا ذلك : مدني .. عسكري .. وما إلى ذلك , ولا يمكن أبدًا الفصل بين الدين والدولة ؛ فهذا ليس موجودًا عندنا .
?وفصل الدين عن الدولة هذا هو ما يُسَمَّى بالعَلْمانية
معنى العَلمانية
ومعنى العلمانيةفي اللغة الإنكليزية مساوٍ لـ ( اللا دينية ) , وبعضهم يحاول أن يقولها بالكسر ( العِلمانية ) ليوهموا أنها مشتقة من العلم , وفي الحقيقة هم أبعد ما يكونون عن العلم , فأي علم يخترعونه , أول مَن يخالفه : هم أنفسهم , وبعد ذلك يأتي العرب , فهم أول مَن يحترف في الاحتيال على الآخرين , فيخترع لك مثلاً الكمبيوتر ومعه الفيروس , وكذلك يصنع لك الطائرة لتقوِّي دفاعك , ثم يذهب لآخر ويخترع له الصاروخ ... وهكذا حتى يأخذ منك كل ما تملك .
?والعلمانية ( اللادينية ) قائمة على مبدأين :
الأول ( العلمانية الجزئية ) : فصل الدين عن الدولة , وهذا المبدأ يسمُّونه بالمبدأ السهل , وأنه يصلح للمتدينين , فاصنع ما شئت من العبادات , لكن بشرط أن يكون ذلك داخل المسجد , وأن لا يمتد ذلك في معاملاتك مع الآخرين , ويحاولون أن يُجَمِّلوا هذا المعنى أحيانًا فيقولون : لا نفصل الدين عن الدولة بمعنى أن الدين لا دخل له , وإنما نقصد أن السياسة لا تصلح الأخلاق فيها – بزعمهم - . فمن الممكن أن لا يصلح معنى الرحمة والعدل في وقت ما , فلابد أن نتخلى وقتئذٍ عن هذه المبادئ , والدول الأوربية أساتذة في هذا الأمر .
الثاني ( العلمانية الشاملة ) : وهي فصل الدين عن الحياة كلها .
?وقبل أن ندخل في الموضوع , هناك مجموعة من الكتب تُعطينا نظرة شرعية , ونظرة واقعية , نستعين بها بجانب الأمور التي تتعلق بالسياسة , وهي : كتاب " العلمانية " للدكتور سفر الحوالي , وهناك كتاب " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " , وكتاب " الإسلام والحضارة الغربية " وهو أهم , وكلاهما للدكتور محمد حسين , وكذلك كتاب " الانحرافات العقائدية في القرني الثالث عشر والرابع عشر الهجريين " , وكتاب " السياسة الشرعية " لابن تيمية وهو موجود داخل مجموع الفتاوى , ومطبوع أيضًا في جزء منفصل . وكتاب " تحرير الإنسان وتجريد الظغيان " و " الحرية أو الطوفان " للدكتور " حاكم المطيري " , وكتاب " صلاح الدين " و كتاب " الدولة العثمانية " للصلابي , ومجموعة رسائل " الإصلاح " للشيخ محمد الخضر حسين , وهناك مقالتين عن العلمانية للدكتور محمد المبروك في أعداد جريدة البيان , وهناك مقال أيضًا في نفس الجريدة للدكتور أحمد محمد الدغاشني , والدكتور رفيق حبيب أيضًا , وأهم كتاب في العلمانية للدكتور محمد البهيّ وهو أزهري على عقيدة سليمة .
والسياسة الشرعية تقوم على آيتين اثنتين من كتاب الله U :
الآية الأولى : قوله U : ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [[النساء: 58] .
والآية الثانية : قوله I : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [[النساء: 59] .
قال العلماء : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور , عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها , وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل , ونزلت الآية الثانية في الرَّعية من الجيوش وغيرهم .

يتبع....

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 02-03-2012 الساعة 09:27 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-03-2012, 08:17 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


طبيعة العلاقة بين الحاكم والرَّعية :

العلاقة بين الحاكم والرَّعية في الإسلام هي علاقة وكالة , فهم وكَّلوه في أن يتكلم باسمهم , وأن يحكم باسمهم , وفي مقابل هذه الوكالة , يتنازلون عن جزءٍ من حريتهم ؛ لأنه لا يُعقل أن يكون كل تصرف من تصرفاته سوف يرضي جموع الرَّعية , فلا شك أنه سوف يتصرف تصرفات ترضي بعضًا ولا ترضي آخرين , وهذا الجزء من الحرية الذي يتنازل الرعية عنه إنما هو لأجل إصلاح المجتمع .
فالآية الثانية تُكلِّم الرَّعية في أن يسمعوا ويطيعوا , ليس سمعًا مطلقًا , وليست طاعة مطلقة كما هو مبيَّن في الآية .
كيف يتكون نظام الحكم في الدولة الإسلامية :
يتكون نظام الحكم من أركان عدة , نتكلم عليها بإذن الله U , ثم نشرح هذه الأركان . مراحل الحكم الإسلامي تتلخص في أركان أساسية :
الركن الأول : ضرورة الدولة للدين :
نحن نتكلم عن شريعة رب العالمين التي نزلت على محمد r , نزل عليه شريعة ؛ ] ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [ [الشورى: 18], ونزلت عليه أوامر من عند ربه I , وأُمِرَ أن يبلِّغَها r ؛ ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [[المائدة: 67], وأُمِرَ أن لا يَحكم إلا بها ؛ ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [[النساء: 105],وأمر الله U نبيه r أن لا يحيد إلى غيرها ؛ ] وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [[المائدة: 49] , ونعى على مَن ابتغى في غيرها الخير ؛ فقال تعالى : ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [[المائدة: 50] , بل جعل الله I مَن تحاكَمَ إلى غيرها نَقْضٌ لإيمان العبد ؛ ] فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [[النساء: 65].
إذًا هناك دين , وهذا الدين – كما قلنا – يقيم حياة كاملة , وحتى يقوم هذا الدين فلابد له من دولة , وهذا موافق لبديهة العقول , فالدين لا يقوم بدون دولة , وهذه كانت دعوة النبي r حيث كان يطوف على القبائل يقول : مَن يحملُنِي أُبَلِّغْ كلمةَ الله , وله الجنة ؟
وكما هو معلوم أن الجاهلية عبارة عن مفاهيم وواقع , أي أن هذا الواقع الجاهلي مؤسس على مفاهيم , فحتى تزالَ هذه الجاهلية , ينبغي أن تزال أيضًا بواقع ومفاهيم .
فكتاب الله لابد له من الدولة حتى يظهر هذا الكتاب , فهذا الكتاب عبارة عن : أمر بالمعروف ونهي عن المنكر , وجهاد , وجمع وتوزيع الصدقات , وحماية المظلوم , والقصاص , والحدود , كيف تقوم هذا الأشياء بدون دولة وبدون شوكة ؟ لا يمكن أبدًا , وهذا كان واضحًا في خطاب الله U : ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى [[النور: 55], وأهمية هذه الآية ستظهر فيما بعد لنبيِّن بها أن إقامة الدولة لم يكن همَّ النبي r فقط , بل لنبيِّن أنَّ هذه الدولة قائمة إلى ما شاء الله . فمعنى أن الله U وعد المؤمنين إذا آمنوا وعملوا الصالحات أن يستخلفهم , أي : أن يكون لهم خليفة , وكيان قائم على هذا الدين .
وقال I : ] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [ [الحج: 41] .
وقد صحَّ عن النبي r فيما رواه البيهقي وغيره حينما كان يعرض نفسه على القبائل , أنه r كان يعرض نفسه على هذا المبدأ , أن يستجيبوا له , وأن يقيموا كيانًا , فعرض نفسه r على بني شيبان([1]) , فقال سيِّدهم المثنَّى بن حارثة([2]) : إنما نزلنا في العراق على عهدٍ أخذه كسرى علينا , أن لا نُحْدِثَ حَدَثًا , ولا نؤي مُحْدِثًا , وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك [ إذًا هو لم يأمره r بالصلاة والتسبيح فقط وإلا لما أجابه بهذه الإجابة , فهذا لا يضر بالملوك , ولذلك نريد أن نقول : الدين يعني دولة , وهذا أول دعوة النبي r ] فإن أحببت أن نؤيدَك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله r : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق,وإنَّ دين الله لن ينصره إلا مَن حاطه من جميع جوانبه ...
يعني : ما يكرهه كسرى , وهو نظام الحكم البديل لنظامه ونظام غيره , فهذه دعوة النبي r التي يؤيدها الكتاب والسنة , وهذا كان واضحًا في بيعتي النبي r للأنصار :
البيعة الأولى : كانت على أشياء تخصهم بينهم وبين ربهم I .
والبيعة الثانية :في حديث جابر بن عبد الله : قلنا : يا رسول الله , عَلَامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ [ وهذا يبيّن أنه نظام قائم , ليس صلاة وصوم وحج وزكاة , وإنما هناك مَن يقول , وهناك مَن يستمع ] وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ , وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ [ يلاحظ أنه يكلم اثنين وسبعين رجلاً مختبئين في شعاب مكة , يخافون أن يخرج عليهم أحد فينفضَّ المجلس وكل شيء , لكنه يقول لهم وإن بدا أننا الآن بعيدين عن هذا الأمر , لكن هذا هو الذي ينبغي أن يكون في حِسِّنا وفي وِجداننا وفي خطابنا وفي أفعالنا ] وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ , وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عليكم فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمْ الْجَنَّةُ [ طبعًا :حدث تطوير لهذه البيعة بعد ذلك في غزوة بدر فتطورت بدلاً من الدفاع فقط إلى الهجوم ]فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ , فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ فَقَالَ : رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ , إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ , إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً [ يعني سوف يدخلون في مواجهة مع العرب كلهم , وهذا منبثق من فهمهم أن الإسلام دين ودولة , وأن هناك نظام قائم يقتضي هذا ] وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ , وَأَنْ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ ...
وهذا هو نفس الأمر الذي جعل أمر الدولة في حِسِّ الصحابة y ؛ ولذلك انشغلوا عقب وفاة النبي r بأمر غريب جدًا وهو أنهم انشغلوا في سقيفة بني ساعدة مَن الذي سيَحكم ؟ فإذًا هذا أتى من اعتقاده بأن دينهم هذا لا يقام ولا يصلح إلا بدولة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنَّ الله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح , لا لرفع الفساد بالكلية , فإن هذا ممتنع في الطبيعة الإنسانية ؛ إذ لابد فيها من فساد([3]) . اهـ .
فإذًا كل هذه الدعوة لتقليل الفساد , لكن إذا كنت تحلم بإزالة الفساد بالكلية , فهذا لم يحدث في عهد النبي r .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-03-2012, 08:23 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

الركن الثاني : ضرورة إقامة السلطة وأنه لا دولة بلا إمام :
ذكرنا في الركن الأول أنه لابد من دولة حتى يقوم الدين , وما دامت توجد الدولة , فلابد لها من سلطة , فلابد أن نعلم : كيف تأتي هذه السلطة , وما شكلها , وما صلاحيتها , وما قابلية هذه السلطة للإزالة ؟ فهذا تفكير منطقي ستجيب عليه نصوص الشرع .
أولاً : كون أنه لابد أن يكون على رأس الدولة إمام , هذا محل إجماع واتفاق بين علماء الأمة , ولك بعد ذلك أن تُسَمِّيَ هذا الإمام بالسلطان أو الإمام أو الخليفة أو الحاكم أو الأمير ... الخ , المهم أن يكون هناك رجل يحكم .
قال الماوردي : الْإِمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ [ يعني : لا نأتي بأي أحد لهذه المهمة ] فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا [ إذًا أصل الخلافة إقامة دين الله U , ومن ضمن إقامة دين الله أن يسوس الناس , أي : أن يحكمهم ويرعى أحوالهم اليومية والتي يسمونها دنيوية , ولكن كلها من عند الله U , وهذه الجزئية يتأسس عليها الركن الثالث وهو : كيف يتم اختيار هذا الحاكم , فاختيار الحاكم مبنيّ على أن وظيفته الأصلية : حماية جناب الدين وسياسة الناس في أمورهم , وبدون هذه الوظيفة يفقد هذا الرجل أهليته للرئاسة , ولو قام بغير هذه الوظيفة لا يُعتبر حاكمًا ] وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ([1]) . اهـ .
يعني : هذا ليس أمرًا اخياريًّا .
قال الشَّهْرسْتانيُّ : الصحابة y عن بكرة أبيهم متفقين على أنه لابد من إمام([2]) .
وقال القرطبي : لا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة ... وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة ... فدل على وجوبها , وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين([3]) .
وما دام إقامة الخليفة أمرًا واجبًا لإقامة الدين والحكم بين الناس , فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب , يعني : كل ما يؤدي إلى إقامة هذا الواجب فهو واجب , ليس هذا فَحَسْب , بل كل ما يقطع الطريق على هذه المصلحة يعتبر مفسدة يجب منعها , وكل مصلحة هي أقل من هذه المصلحة , يجب تأجيلها لأجل هذه المصلحة الكبرى , فإذًا هذا ليس أمرًا سهلاً , بل هذه المسألة سيترتب عليها فتاوى كثيرة جدًا على أرض الواقع سيأتي ذكرها .
قال ابن تيمية : وِلَايَةَ أَمْرِ النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ ؛ بَلْ لَا قِيَامَ لِلدِّينِ وَلَا لِلدُّنْيَا إلَّا بِهَا . فَإِنَّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَلَا بُدَّ لَهُمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ رَأْسٍ ... لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِقُوَّةِ وَإِمَارَةٍ . وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا أَوْجَبَهُ مِنَ الْجِهَادِ وَالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ , لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقُوَّةِ وَالْإِمَارَةِ([4]).
ويقول الإمام الغزَّالي : السلطان ضروري في نظام الدين ونظام الدنيا , ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين , ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة , وهو مقصود الأنبياء قطعًا فكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه ([5]).
فإذًا تكونت عندنا دولة , وعلى رأس هذه الدولة إمام وحاكم , من أهم وظائفه حفظ وإقامة الدين , وإقامة الشرع وتطبيق الحدود بين الناس , الشريعة لا تعرف حاكمًا إلا بهذه المواصفات ابتداءً , فإن فقدها فلا يجوز توليته , فإن كانت عنده ثم فقدها فهنا يجب خلعه على تفصيل لأهل العلم .
ولابد أن نعلم كيف يتم اختيار الإمام ؛ حتى نزيل عنَّا جزءًا من الجهالات التي تقال عنَّا , يقول المستشرقون : إن المسلمين أفضل ناس ينصاعوا لأي أحد يستولي على الحكم أيًّا كان ؛ لأنهم يقدسون الحاكم , ولا يجوز عندهم الخروج عليه مهما فعل بهم , ومهما كانت صفاته من فجور وظلم ... الخ .
وفي الحقيقة هذه عقيدة باطلة , بل نحن أوائل الناس الذين علَّمناهم أن هذا الحاكم لم يكن حاكمًا إلا من الشعب , وأن هذا الحاكم لو حاد عمَّا قاله ( البرنامج الانتخابي ) يجب على الشعب خلعه .
فهذه مبادئ أساسية عندنا , كتاب الله U , وسنة نبينا r , وكلام أهل العلم لا يخرج عن هذا .
الركن الثالث : كيفية اختيار الحاكم ( البيعة ) :
هل نختار الحاكم من عائلة فلان , أم من قوم فلان , أم أكابر القوم في البلد هم الذين يختارونه , أم ماذا ؟
اختيار الحاكم عندنا لا يكون بالتفويض الإلهي , بمعنى أنه يمكن لنا أن نناقش الحاكم فيما يقول , فنقول له : أخطأت في كذا .. وأنت صحيح في كذا .. أنت طغيت .. أنت فسقت .. أنت كفرت .
وليس عندنا بالحق الموروث عائلة لا يخرج الحاكم عنها , ولكن عندنا أن هذه الإمامة تكون بعقد البيعة بين الأمة والإمام , وحقيقةً : الإسلام سبق في هذا الأمر جميع أمم أهل الأرض ,فعندما يطَّلع الإنسان على كلام أهل العلم , لا يجد إلا أن يسجد لله شكرًا أن هذا دينه I ؛ لأنه سيجد أرقى ما وصل إليه هؤلاء القوم , هو من بديهيات الإسلام التي يتعامل بها المسلمون .
فسنتكلم عن دولة الإسلام من سنة 1 هـ إلى سنة 73 هـ .
فالنبي r علَّم الصحابة العقد الذي يكون بين الحاكم والمحكومين وهو عقد البيعة , وقد عقد النبي r مع أهل المدينة بيعتين مختلفتين , أمَّا البيعة الأولى فعلى الإيمان بالله وعدم الإشراك به والتي تسمَّى ببيعة النساء , وأمَّا البيعة الثانية فعلى إقامة الدولة الإسلامية , وانتشرت هذه البيعة بعد ذلك كما في الحديبة وغير ذلك .
فهذا أول شيء صادفنا في سنة النبي r في طريقة اختيار الحكم وهو أنه لابد أن يكون منهم , وهذا المبدأ كان واضحًا جدًا عند صحابة النبي r في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ .
طبيعة البيعة :
1- أن تكون البيعة من الناس :
نلاحظ أن ما حدث من حادثة السقيفة وبيعة أبي بكر , وبعدها قال له عمر : ابسط يدك أبايعك , وبايعوه وانتهى الأمر , إلى هاهنا كل فقهاء الإسلام حتى أبو بكر , لم يعتبروا أن أبا بكر بهذا الكلام أصبح خليفة , وإنما أصبح خليفة عندما ذهب إلى الناس وبايعوه ؛ فإذًا حتى أهل الحل والعقد الذين يُسَمُّون بالصفوة أو المثقفين أو مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو مجلس البلدية أو أي مسمًّى آخر , كل هؤلاء , ترشيحهم لهذا الرجل وتأييدهم له , لا يُكْسبه الشرعية حتى يأخذ البيعة من عموم الناس , ومَن قال خلاف ذلك , فليس هذا القول من ديننا . بل إن أبا بكر لمَّا وافتْهُ المَنِيَّة وعَهِدَ إلى عمر , يقول العلماء – وهذا يدل عليه مسلك عمر نفسه - : إن اختيار أبي بكر هو مجرد توجيه فقط , ولكن هنا عمر لم يصبح خليفة ؛ لأنه لا يصلح أن يكون هناك خليفتين على قيد الحياة , فلمَّا مات أبو بكر بدأ عمر يأخذ البيعة من عموم الناس , وطبعًا الآن هناك طرق حديثة , المهم أن يقول الناس : نعم , ورأيهم لابد أن يؤخذ في الاعتبار , حتى الذين يقومون بخلع الخليفة هم الناس , يشير أهل الحل والعقد على الناس , لكن لا يسقطوه بذلك .
وأوضح مثال على ذلك هو المثال الثالث , لمَّا قُتِلَ عمر t وحدد ستة بينهم الشورى , أخذ عبد الرحمن بن عوف في استقراء الناس , قال : ما تركت أحدًا حتى ذهبت إليه , وترجح إليه عثمان , لكن لم يصبح خليفة بذلك , لكن أصبح خليفة عندما بايعه الناس .
وسنَّة المبايعة هذه لم تختلف في أي قطر حتى في عصور انحدار دولة المسلمين , حتى وإن كان هذا الكلام صوريًّا أحيانًا لضعف الإيمان , إلا أنه كان في حسِّ المسلمين لا يتخلف , أنَّ هذا الرجل حتى يكتسب شرعيته , لابد أن يكتسب شرعيته من الشعب .
وقد يوجد مَن لا يبايع هذا الرجل , ومَن يبايعه , فالعبرة هنا بأكثرهم .
2- أنها عقد توكيل على حفظ الدين والدنيا :
البيعة عقد توكيل بين الناس وبين الإمام , فهم يبايعونه على ما يقدمه من برنامج , أهم ما في هذا البرنامج هو أمرين , الأول : حفظ الدين والملة , والثاني : إقامة مصالح الناس .
3- جريان كل أحكام الوكالة على عقد البيعة كإمكانية عزل الإمام أو تحديد مدته :
ما دامت البيعة عقد وكالة , فيجوز للأمة أن يعزلوه عن هذه الوكالة متى رأوا منه اعوجاجًا , وهذا يرد على البعض الذين يقولون : " للخليفة أن يحكم أي مدة شاء , ولا يجوز تحديد فترة الخلافة ؛ لأنه لا دليل على التحديد " . وطبعًا كل هذه جهالات بعضها فوق بعض , وسَوْءة في تاريخنا أن يتكلم أحد في هذه المسائل وهو لا يعلم , فالواضح من كلام أهل العلم , والواضح من سير العلماء والخلفاء وكلام أهل العلم أن الخليفة ليس له مدة , وأنهم ربما يعزلوه بعد قليل أو بعد كثير إذا أخلَّ بما طُلِبَ منه , فماداموا قد اشترطوا عليه مدة فلا حرج عليهم , وهذا أمر صحيح لا غبار عليه , ولم يأت دليل من الكتاب والسنة على بطلانه , بل الدليل على عكسه , أن لهم فعلاً أن يحددوا له مدة ؛ لأن هذا عقد كأي عقد , بيع .. إجارة .. وحتى عقد الزواج المفتوح المدة , فهو مفتوح المدة ؛ لأن الزوج له صلاحيات إنهاءه بالطلاق , وكذا المرأة بالخُلع , أمَّا غير ذلك من العقود فهي محددة المدة منعًا للجهالة , وعقد الوكالة لا يحتاج إلى مدة ؛ لأن الوكيل , الذي وكَّله له أن يعزله , وللوكيل أن يعزل نفسه .
والبيعة تكون على خطوتين اثنتين , الأولى : أن يرشح أهل الحل والعقد الإمام , والثانية : أن يتقدم بقية الناس بالبيعة له , ولولا ذلك ما كانت بيعة شرعية لأبي بكر , وهذا كلام أهل العلم , وهو ما قاله ابن تيمة رحمه الله .
الركن الرابع : الرضا :
الركن الركين في عقد التوكيل هو الرضا , فكما أن الله U حرَّم أكل الناس بالباطل , وأباحها بالتراضي , فكذلك كل العقود لا تكون إلا بالتراضي وأهم عقد من هذه العقود هو عقد الإمامة , فلو تخلل هذا الرضا أي شكل من أشكال الإكراه , فمعلوم كلام أهل العلم أن البيعة لا تقع , وأهل العلم ضربوا أروع الأمثلة في ذلك .
فحينما خرج بعض الناس على أبي جعفر المنصور , سألوا الإمام مالك : هل يجوز لنا الخروج عليه ؟ فأفتاهم : أن نعم , فلمَّا سألوه : إن في أعناقنا بيعة له([6]) ؟ فقال : لا بيعة مع الإكراه .
ومعلوم مواقف الأئمة – رحمة الله عليهم – عندما نتصفح كتاب الإكراه , نجد أن العلماء اهتموا به في أصول الفقه والفقه بسبب أمر البيعة ؛ لأن أهل العلم جَرَت بينهم فتاوى أن طلاق المُكْرَه لا يقع , وإعتاق المُكْره لا يقع , وبيعة المُكره لا تقع , ومن هنا نفهم لماذا كان العلماء يُضربون ويُحبسون إذا أفتوا بهذه الفتاوى ؛ لأن الخلفاء كانوا يأخذون البيعة , وفي أثناء البيعة يُقْسِم بأن زوجاته طوالق , وأن عبيده أحرار , وأن ماله كله صدقة , إن أخلَّ بهذه البيعة , فأفتى مالك وغيره بأنهم لا تلزمهم هذه البيعة ؛ لأنها بيعة إكراه , وعلى ذلك تكون باطلة ؛ وهذا متفق عليه بين العلماء .
الركن الخامس : لا رضا بلا شورى بين المسلمين في أمر الإمامة وشؤون الأمة ( الشورى ) :
يتحقق الرضا عن طريق الشورى بين جميع الناس في هذا الأمر . فالأمة هي مصدر السلطة ابتداءً وانتهاءً , وليست هي مصدر التشريع ؛ كما قال تعالى : ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [[الشورى: 38] . فالأمة هي التي أعطت للخليفة المشروعية , فلو سحبت منه البيعة أو لم تعطها له ابتداءً , فهذا الرجل لن يكون خليفة حتى لو كان هو أبو بكر أو عمر , وحتى لو أن الذي أعطاه البيعة هم أهل الحل والعقد .
ومن العجيب أن قوله تعالى : ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [جاء بين أمرين , أمره U بإقامة الصلاة , وأمره بإيتاء الزكاة , وهذان الأمران ركنان من أركان الدين ؛ وبهذا استدل العلماء على أن الشورى ركن من أركان الدين .
وقوله تعالى : ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [ هذا وصف لهذه الأمة بما في ذلك اختيار السلطة , كما قال عمر : الإمارة شورى .
وهذا الآية أمر في صيغة الخبر , ولم يأت به في صورة الأمر لأنه أعلى مقامًا من الأمر ؛ فكأن هذه حقيقة واقعة , وذلك كقوله تعالى : ] وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [[البقرة: 233] , وكقوله تعالى : ] وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [[آل عمران: 97] , وكقوله تعالى : ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [[آل عمران: 110].
وقال تعالى : ] وشاورهم في الأمر [[آل عمران: 159] , وهذه الآية من سورة آل عمران نزلت في غزوة أحد , ومعلوم أن النبي r شاور الصحابة في أمر حربيّ في غاية الأهمية , ترتب عليه أمر يُذْكَر في القرآن إلى يومنا هذا , وهو : هل يخرج أم ينتظر في المدينة ؟ فأشار معظم الصحابة بالخروج , طمعوا أن يفعلوا مثلما فُعِلَ في بدر , وهو r قد رأى رؤية بعكس هذا , بأن الأمر لن يمرَّ على خير , فاستشار الصحابة وآخرين , والعجب في الآخرين , عبد الله بن أُبَيّ المنافق , لكنه واحد من الأمة فلم يُقصيه , وكان رأيه من رأي النبي r , لكن لمَّا رأى النبي r معظمهم على الخروج دخل فلبس لأمة الحرب , وندم الصحابة على ذلك على أنهم أكرهوا النبي r على أمر لم يرضه , فعرضوا عليه ثانية أن ينتظروا في المدينة , فقال r : ما كان لنبي إذا لبس لأمة الحرب ثم ينزعها حتى يفتح الله بينه وبين عدوه , فهنا قُضِيَ الأمر .
وجميع تصرفات الصحابة تؤكد أن الشورى واجبة ملزمة ؛ فليس للحاكم فيه فرصة أن يتركه , وهذا مذهب الصحابة والتابعين ومَن بعدهم , وقد ذهب إلى ذلك الرازي وأبو بكر الجصاص وهو من متقدمي الحنفية صاحب كتاب أحكام القرآن , والغاية من الشورى العمل بما توصل إليه أهل الشورى ؛ لأنه لو كان الأمر بالشورى , ثم بعد ذلك للحاكم أن يترك كلامهم لكان هذا لغوًا ؛ إذًا فهي مُلْزِمَة , وقد ذهب إلى وجوب الشورى أيضًا علماء الأندلس , وعلى رأسهم ابن عطية في تفسيره حيث قال : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ؛ من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب . هذا ما لا خلاف فيه([7]) .
والمقصود بأهل العلم هنا أهل الاختصتص كما شرح الفقهاء ذلك , فيستشير أهل الحرب في الحرب , وأهل التجارة في التجارة , وأهل الزراعة في الزراعة , وأهل الدين في أمور الدين , أي التي هي من قبيل تحقيق المناط , وتبيين الأولى , والمصالح والمفاسد ... الخ , وليس معناه طبعًا أن يستشيرهم في أمور الشرع .
والشورى في هذه المرحلة تشتمل على أمرين , الأول : في اختيار الإمام نفسه , والثاني : ومشاركة الناس له في الرأي عن طريق الشورى .
وقال ابن خويز منداد([8]) : واجبٌ على الولاة مشاورةُ العلماء فيما لا يعلمون , وفيما أُشْكِلَ عليهم من أمور الدين , ووجوه الجيش فيما يتعلق في الحرب , ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح , ووجوه الكتَّاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها .
فالصحابة أجمعوا على هذا , وهذا هو الذي وضح من سقيفة بني ساعدة , وكان أبو بكر يجمع كبار الصحابة ليستشيرهم في كل مسألة نزلت إليه .
يقول ابن كثير معلِّقًا على استشارة النبي r لأصحابه في الخروج لغزوة أحد ونزوله على رأيهم :
وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو , ولم يتناهوا إلى قول رسول الله r ورأيه ... فلم يزل الناس برسول الله r حتى دخل فلبس لأمته ... ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا : استكرهنا رسول الله r ولم يكن لنا ذلك([9]).
لا , بل قد كان لهم ذلك ؛ بدليل أن رسول الله r عمل بكلامهم , فليس كل ما وقع في ظنهم من أشياء تكون صحيحة , ولمَّا رجعوا عن موقفهم قال r لهم : ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل . يعني : كان سيأخذ بكلامهم ؛ لأنه له حيثية , ولكن خالفهم هنا لأمر آخر .
وقوله تعالى : ] وشاورهم في الأمر [ ذكرنا أن النبي r استشارهم في غزوة أحد باعتبار أن الآية نزلت فيها , لكن مشورة النبي r لم تكن في أحد فقط , فقد كانت أيضًا في بدر حينما تطور الأمر , واقتضى أن يخرج النبي r للمشركين , فقال r : أيها الناس , أشيروا عليّ , فقام أبو بكر فمدح وأثنى , فقال r : أيها الناس , أشيروا عليّ,فقام عمر فمدحه وأثنى ... الخ , فقال : أيها الناس,أشيروا عليّ , فقال الصحابي من الأنصار : لكأنك تعرِّض بنا يا رسول الله , فقال : أجل ... إلى أن قالوا : لو استعرضت بنا البحر لخضناه ... الخ .
وذلك لأن الميثاق الذي كان بين النبي r وبين الأنصار , كانت معاهدة دفاع , وخروجه بهم r إلى بدر , لم يكن في هذه البيعة .
يقول ابن جرير الطبري عند هذه الآية : يتشاوروا بينهم , ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملأهم([10]).
والملأ هم جماعة الناس ورؤوسهم .
وقال تعالى : ] وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [[الشورى: 38] .
فأورد أمر الشورى بين ركنين من أركان الإسلام – كما قال العلماء – إشارة إلى أن أمر الشورى من أركان الإسلام .
كيفية معرفة رأي الناس :
هذا الأمر يحتاج إلى تدقيق ؛ ففي صحيح البخاري في كتاب المغازي , لمَّا استولى النبي r على السبايا والأموال في غزوة هوزان – والقصة طويلة فَلْتُرَاجع (8/30-31) أن القوم رجعوا إلى النبي r نادمين , وطلبوا أن يعطيَهم السبي والأموال , فقال لهم : قد أنذرتكم فأبيتم , فأمَّا الاثنين فلا , فاختاروا السبي , فهنا لا يستطيع النبي r أن يأخذ السبي من أصحابه ؛ لأنه لايوجد في الشرع ذلك , فننظر ماذا فعل r , قام خطيبًا فقال : أمَّا بعد,فإنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ ( هذا ما رآه لنفسه ) فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ,وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ . فَقَالَ النَّاسُ : قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يا رَسُولِ اللَّهِ r ( وهذا لا يكفي ؛ لأنه من الممكن أن يكون هناك مَن أُحْرِجَ , وهناك مَن له وجهة نظر , ومَن صوته منخفض , بل في سياق الحديث أن المؤلفة قلوبهم قالوا : بني فلان , وبني فلان لن يرجعوا ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ , فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ , فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا .
سنجد أن الإمام البخاري في كتاب الأحكام بوَّب بابًا بعنوان : باب : العرفاء ؛ فإذًا العرفاء هم وسيلة الخليفة التي من خلالها يستطيع أن يعرف ماذا يقول الشعب , وعلى ذلك قام الفقه الإسلامي في طريق المشورة بين الناس وكان هذا عندنا إلى عصر قريب باسم : " شيخ الحارة ".
فالنبي r شاور الناس كلهم , وكان فيهم المؤلفة قلوبهم الذين لم يُسلموا إلا بعد الفتح .
قال ابن الأثير : والعرفاء هم كالنواب وممثلي الشعب في العصر الحديث , والعرفاء جمع عَرِّيف , وهو القيِّم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس , يلي أمورهم , ويتعرف الأمير منه أحوالهم .
يقول ابن حجر : وهُو القائِم بِأَمرِ طائِفَة مِنَ النّاس , مِن عَرَفت بِالضَّمِّ وبِالفَتحِ عَلَى القَوم , أَعرُف بِالضَّمِّ , فَأَنا عارِف وعَرِيف ، أَي وُلِّيت أَمر سِياسَتهم وحِفظ أُمُورهم ، وسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَونِهِ يَتَعَرَّف أُمُورهم حَتَّى يُعَرِّف بِها مَن فَوقَهُ عِندَ الاحتِياج([11]).
والعرفاء هم رؤوس الناس الذين يقومون بشؤونهم , ويصدّرهم الناس , أو يفرزهم المجتمع فرزًا طبيعيًّا .
وقد وصَّى عمر بن الخطاب t ابنَ عباسٍ وهو في فراش الموت فيقول له : اعقل عنِّي ثلاثة ... وذكر : والإمارة شورى([12]) . وذلك لأن ابن عباس بعد ذلك سيكون واليًا .
وقال عمر t أيضًا : لا خلاف إلا عن مشورة([13]) .
وكل ما سبق : أسانيد صحيحة .
وفي لفظ بإسناد صحيح له أيضًا : لا بيعة إلا عن مشورة([14]) .
وقال كذلك : مَن دعى إلى إمارة لنفسه من غير مشورة المسلمين , فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه([15]) .
وطبعًا لأن هذا مفرِّق الجماعة .
ونفس هذه اللفظة رواها ابن أبي شيبة من طريق الزهري كما رواها البخاري أيضًا , وفي آخرها : لا بيعة له , ولا لمَن بايعه([16]) .
وقد بَلَغَ عمرُ في آخر حجة وهو بمنى أن رجلاً قال : لو مات عمر , بايعت فلانًا ، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فَلتةً فتمت . فقال عمر t : إني – إن شاء الله- لقائم العشية في الناس ، فمُحَذِّرُهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم ، ثم لما وصل المدينة ، قام في أول جمعة ، فخطب خطبته المشهورة في شأن خلافة أبي بكر ، ثم قال : مَن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يُتَابَعُ هو ، ولا الذي بايعه ، تغرةً أن يُقتلا([17]) .
وقال عُمَرُ للستة : من تَأَمَّرَ منكم على غير مشورةٍ من المسلمين فاضربوا عنقه([18]) .
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عبد الرحمن بن عوف لمَّا رضي أهل الشورى الخمسة أن يختاروا واحدًا منهم , ثم لمَّا انحصر الترشيح بين عثمان وعليّ – رضي الله عنهما – نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما , ويجمع رأي المسلمين برأي رؤس الناس وأقيادهم جميعًا وأشتاتًا ، مثنى وفرادى ومجتمعين ، سرًا وجهرًا ، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن ، وحتى سأل الولدان في المكاتب ( جمع كتاب ) وحتى سأل من يرد من الركبان والاعراب إلى المدينة ، في مدة ثلاثة أيام بلياليها([19]).
فهذه كانت ممارسة عملية لمبدأ الشورى , فلم تكن أشياءً في الأذهان فقط , وما كان عبد الرحمن ليجتهد في سؤال الناس كل هذا الجهد , لولا أنه حق من حقوقهم , يحرم الافتئات عليهم فيه , أو مصادرته عليهم , أو اغتصابهم إياه .
وقد أجمع الصحابة على هذا المبدأ من قبل في سقيفة بني ساعدة حينما ذهبوا لاختيار الخليفة , فيايع أبو بكر : عمر ثم المهاجرون ثم الأنصار , ثم باقي المسلمين في المسجد .
وكذا كانت بيعة عمر برضا جميع الصحابة y وبعد استشارتهم ، كما في ثقات ابن حبان : دعا أبو بكر نفرًا من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في عمر([20]).
وهكذا كانت بيعة عثمان ، حيث بايعه عبد الرحمن بن عوف ثم المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون ، وقد قال عبدالرحمن بن عوف لعلي بن أبي طالب : إني قد نظرت في أمر الناس ، فلم أَرَهم يعدلون بعثمان , فلا تجعلن على نفسك سبيلاً([21]) .
قال ابن حجر : وسكوت من حضر من أهل الشورى والمهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد دليل على تصديقهم عبدَ الرحمن فيما قال ، وعلى الرضا بعثمان([22]) .
ويؤكد علي بن أبي طالب نفس الأمر بعد مقتل عثمان فيقول : إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين ، فلما دخل المسجد دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس([23]) .
وفي رواية أخرى أنه خطب فقال : يا أيها الناس , إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلاّ من أمَّرتم , فإن شئتم قَعَدتُّ لكم ، وإلا فلا أجدُ عَلى أحد([24]) .
والحسن بن عليّ ذكَّر أباه أن الذي حدث من بيعة الناس لا يكفي , فلابد من باقي الناس , فهو ينصح أباه بأمر قد مارسه أبوه - نفسه - من قبل , وهذا يؤكد ما كان مستقرًا في حسِّهم من أن هذا لا يكفي , يقول : لم آمرك ألا تُبَايعَ الناسَ حتى يَبعَثَ إليك أهلُ كُلِّ مِصرَ ببيعتهم ؟ ! فقال : أمَّا مُبَايَعَتِي قبل مَجيء بيعةِ الأمصار فخشيتُ أن يَضيعَ هذا الأمر([25]) .
يعني : يبرر عليّ t لماذا عملوا هذه البيعة التي في المسجد ؛ وذلك حتى لا ينفرط الأمر , لكنه أقرَّ ابنه على أنه لن يكون خليفة حتى يأتي بيعة جميع الأمصار .
يقول الطبري : واجتمع إلى عليّ بعد ما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا : يا عليّ , إنا قد اشترطنا إقامة الحدود([26]).
وهذا يؤكد ما ذكرناه قبل ذلك أنه في البيعة لهم أن يشترطوا ما يشاؤون من الشروط الشرعية .
وقد اشتهر – طبعًا – أمر المشورة عن أبي بكر t , فقد كان يستشير مَن حضره , وكان عمر t يستشير في الأمر حتى النساء , وربما أخذ برأيهن , وكان له مجلس شورى يحضره الكبار والصغار من أهل العلم . قال الزهري كان مجلس عمر مكتظًا من القراء شبابًا كانوا أو كهولاً , فربما استشارهم .
وقد كان عامة ما اتخذه الخلفاء الراشدون من أحكام فيما لا نص فيه بعد تشاورٍ , وأخذ برأي الملأ([27]).
وقد استشار عمر t الناس في وقف الأرض المفتوحة([28]) , وما زال يجادلهم ثلاثة أيام في المسجد , يحاورهم ويحاورنه حتى أقنعهم برأيه وتابعوه عليه .
ومما قاله عمر بعد أن اشتشار المهاجرين فاختلفوا , فدعا خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم وقال : إني لم أزعجكم إلا لئن تشتركوا في أمانتي فيما حمِّلت من أموركم فإنِّي واحد كأحدكم , وأنتم اليوم تقرون الحق , وافقني مَن وافقني , وخالفني مَن خالفني , ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هو هواي , فلكم من الله كتاب ينطق بالحق , فقالوا جميعًا : الرأي رأيك , فنعم ما قلت , ونعم ما رأيت . وقد استشارهم في تدوين الدواوين , وقد استشار عثمان الناس في قتل عبيد الله بن عمر بعد أن قتل أبو لؤلؤة المجوسي والهرمزان ثأرًا لمقتل أبيه .
وهذا من أعجب الأشياء التي يجب أن يقف لها الناس احترامًا , كفارًا ومسلمين , فعبيد الله بن عمر نتيجة لِما وقع عليه من غيظ لأجل مقتل عمر , قتل أبا لؤلؤة ( العبد ) والهرمزان ( الذي اشتراه ) , وبلا شك أن أبا لؤلؤة هو القاتل , والهرمزان فيه شك كبير أنه هو الذي جاء به , ولكن الذي وقع من عبيد الله بن عمر لا يصح شرعًا , فليس في دين الإسلام أن القاتل يُقتل , ويُقتل معه أحد آخر , حتى ولو كان المقتول رئيس الدولة .
فالشاهد أن عثمان t استشار الناس في ذلك , مع أن هناك رأي لبعض أهل العلم أن يُقتلا , ولكن هذا رأي , ولا يوجد نص , فما دام هذا قولاً , فالأمر يرجع إلى الرأي والمشورة , فإذا انفرد الناس بتنفيذ الأحكام , وأُلْغِيَ دور القاضي , تصبح الدولة غابة .
فاستشار عثمان الناس في ذلك , فأجمع المهاجرون على وجوب قتله , وخالفهم أكثر الناس ورأوا عدم قتله , فأخذ عثمان برأي أكثر الناس , ودفع الدية من ماله ؛ لأنه ليس لديه نص , فنزل إلى رأي الأكثرين .
ولم تكن الشورى محصورة في قوم دون قوم , بل كان كل مسلم يحضر المسجد([29]) يشارك بالإدلاء في رأيه , رجلاً كان أو امرأة , كبيرًا كان أو صغيرًا , ولم يكن اشتراط الشورى والرضا قاصرًا على المسلمين , بل أيضًا يُشترط رضا عامة المسلمين عند عقد العقود بينهم وبين المسلمين .
قال أبو عبيد : وكذلك لو أن أهل المدينة من المشركين عاقد رؤوساؤهم المسلمين عقدًا , وصالحوهم على صلح , فإن الأخذ بالأحوط وبالثقة ألا يكون ذلك ماضيًا على العوام إلا أن يكونوا راضين به , قال مكحول : إذا نزل المسلمون على حصن ، فالتمس العدو مصالحة المسلمين على أهل أبيات منهم يعطونهم أمانًا , لم يصلح ذلك حتى يبعث أمير الجيوش رجلاً ، فيدخل الحصن ويجمع أهله ويعلمهم بذلك ، فإن رضوا بذلك استنزلهم , وإلا أقروا في حصونهم ولم يصالحوا ... وقد كان أئمة الجيوش من المسلمين قبل عمر بن عبد العزيز يصالح الإمام رؤوس أهل الحصن وقادتهم على ما تراضوا عليه ، دون علم بقية من في الحصن من الروم ، قال : فنهى عمر بن عبد العزيز عن ذلك ، وأمر أمراء جيوشه أن لا يعملوا به ، ولا يقبلوه ممن عرضه عليهم ، حتى يكتبوا كتابًا ويوجهوا به رسولاً وشهودًا على جماعة أهل الحصن .
قال أبو عبيد : وهذا هو الوجه ... إلا أن يكون الأتباع غير مخالفين للرؤساء ، وعلى هذا يحمل ما كان من النبي r لمن عقد وصالح من رؤساء أهل نجران وغيرهم , أن ذلك كان عن ملأ منهم ، وأن الأتباع غير خارجين لهم من رأي ولا مستكرهين عليه([30]).
وهذا مع غير المسلمين , فكيف بالمسلمين ؟
وقد قال عليّ t بعد أن جاءه المهاجرون والأنصار يريدون بيعته : لا أفعل إلا عن ملأ وشورى([31]), وقال بعد أن بايعه الناس : هذه بيعة عامة , فمَن ردَّها رغب عن دين المسلمين واتبع غير سبيلهم([32]).
ومسألة الشورى هذه كانت تُشَكِّل للصحابة ركنًا كبيرًا من أركان الدين , فعندما نرجع إلى التاريخ نجد أن الخلفاء الراشدين انتهى عصرهم بمقتل عليّ y , ثم تولى ابنه الحسن , ثم بايع الحسن وتنازل لمعاوية , وسُمِّيَ عام الجماعة , بعد ذلك فعل معاوية فعلاً مُحدَثًا , أراد أن يُولِّي ابنه يزيد , وعندما نرجع إلى الأحداث سنجد أن معاوية t كان متأولاً أن الدولة قد اتسعت الفتوحات فيها , وأنه لو ترك الأمر في أن يختاروا , يُخْشَى أن ينفرط عقد الدولة , فكان هذا اجتهادًا في غير محله , والذي قال ذلك هم الصحابة , فقد قام إليه ستة من الصحابة يعارضونه بمقولات في منتهى الشدة , حتى أن أحدهم قال له : أنت تريد سنة فارس والروم " . فاستمع إليهم معاوية y , لكن لم يأخذ بكلامهم , وترك العهد لابنه يزيد. فلمَّا مات معاوية , أرسل يزيد إلى الأمصار يأخذ البيعة , وبالفعل أخذها منهم كُرْهًا , فالذي حدث أمر عجيب جدًا , وهو أن الأقاليم كلها خرجت عن طوع يزيد , وكان على رأس الخارجين صحابة من صحابة النبي r , خرجوا عليه بالسيف ؛ لأنهم لم يقروه على ولايته , وكانت حجتهم الوحيدة أنه تولَّى عن غير مشورة منهم , وسنجد بعد ذلك في عصور الضعف والاضمحلال للمسلمين , أنَّ بعض العلماء أباحوا هذا الأمر على خلاف الإجماع .
فلمَّا مات يزيد , خرج عبد الله بن الزبير فبويع له من كل الأقطار إلا دمشق التي كانت فيها عبد الملك , وكان عبد الله بن الزبير يشاور الناس في كل شيء , ولا يخرج عن مشورتهم , حتى أنه كان يستشير الخوارج , فالخوارج طالما لم يرفعوا سلاحًا في الدولة , يكون لهم ما لنا , وعليهم ما علينا .

[1]- الأحكام السلطانية (1/3) الباب الأول : في عقد الإمامة .

[2]- نهاية الإقدام في علم الكلام (1/168) القاعدة العشرون في إثبات نبوة نبينا محمد r .

[3]- الجامع لأحكام القرآن (3/264) المسألة الرابعة - آية 30 عند قوله تعالى : ] وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [ .

[4]- مجموع الفتاوى (28/390) .

[5]- الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي صـ 199 ط . 1393 هـ. ن . مكتبة الجندي بمصر .

[6]- وهذا يتضح منه ما قررناه من أنهم كانوا يعتقدون بأن البيعة شيء ملزم .

[7]- تفسير القرطبي (4/249) المسألة الأولى في قوله تعالى : ] فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [ .

[8]- ابن خويز منداد من علماء المالكية المشهورين , تُوُفِّيَ سنة 400 هـ .

[9]- البداية والنهاية (4/15) .

[10]- تفسير الطبري (7/345) تحقيق أحمد محمد شاكر , طبعة مؤسسة الرسالة .

[11]- الفتح (13/169) في كتاب الأحكام , باب : العرفاء للناس . وهذا العريف لا يكون أي أحد , بل له مواصفات في الفقه , من أهمها الدين والأمانة والعلم والتقوى , وأن يكون مشهودًا له بحسن الإدارة , فهو رأس مال الخليفة .

[12]- مصنف عبد الرزاق (10/302) بإسناد صحيح ، وقد قال القرطبي: "وقد جعل عمر بن الخطاب الخلافة وهي أعظم النوازل شورى" (4/251) . [ نقلاً من الرسالة الرابعة المبادئ المهمة لمؤتمر الأمة , الأصول والمبادئ المهمة ] .

[13]- المصنف (7/431) ، وابن شبة (3/933) – نقلاً من المصدر السابق .

[14]- أخرجه ابن شبة (3/933) بإسناد صحيح - نقلاً من المصدر السابق .

[15]- السابق (3/936) - نقلاً من المصدر السابق .

[16]- انظر الفتح (12/150) - نقلاً من المصدر السابق .

[17]- صحيح البخاري مع الفتح (12/145) (6830) - نقلاً من المصدر السابق .

[18]- طبقات ابن سعد (3/262) بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، قال الحافظ في الفتح (7/68) : " أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح " من حديث ابن عمر - نقلاً من المصدر السابق .

[19]- البداية والنهاية (7/164) .

[20]- (2/191) - [ نقلاً من الرسالة الرابعة المبادئ المهمة لمؤتمر الأمة , الأصول والمبادئ المهمة ] .

[21]- صحيح البخاري مع الفتح (13/194) ح (7207) - نقلاً من المصدر السابق .

[22]- السابق (13/197) ح (7207) ، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء صـ 305 - نقلاً من المصدر السابق .

[23]- تفسير الطبري (2/696) - السابق .

[24]- السابق (2/700) - السابق .

[25]- انظر ابن كثير (7/245) وابن جرير الطبري (3/10، 11) ، ولفظه : أمرتك ألاّ تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر (2/700) - السابق .

[26]- تاريخ الطبري ( تاريخ الأمم والملوك ) (2/702) دار الكتب العلمية – بيروت .

[27]- الملأ هم الأغلبية كما قال الطبري , وكما قال عليّ : ما فعل عثمان ما فعل المصاحف إلا عن ملأ منَّا .

[28]- مسألة الأرض المفتوحة ليست أمرًا سهلاً , فقد امتدت إلى يومنا هذا , وترتب عليها أحكام فقهية , هل يوزعونها على الناس , أم يتركونها وقفًا تتقوى بها الدولة , ولتراجع هذه المسألة في كتاب الزكاة .

[29]- والذي لا يحضر كانت مشاركته عن طريق العرفاء .

[30]- الأموال لأبي عبيد صـ 191- 192 – نقلاً من " تحرير الإنسان وتجريد الطغيان " للدكتور حاكم المطيري .

[31]- ثقات ابن حبان (2/267) – نقلاً من المصدر السابق .

[32]- السابق (2/268) – نقلاً من المصدر السابق .

يتبع........
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-03-2012, 08:57 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

فالشاهد
أن الصحابة أجازوا الخروج بالسيف , حتى أن الدولة انفكت أوصالها , وهذا كأنه إجماع عمليّ من الصحابة على أن أمر الشورى ركن من أركان الدين .
فالسنة : إقامة الحكم الإسلامي على مبدأ الشورى , والبدعة : ترك هذا , ومن الحقائق التي غابت عنَّا : أنَّ حديث النبي r : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي , يتكلم في الأصل عن الحكَّام الراشدين الذين أقاموا الخلافة على مبدأ الشورى , والتي حدث بعدها ما حدث في الدولة , وهذا معنى خطير جدًا , فنحن قد قصرنا الحديث على اتباع السنة في المَلبس والمأكل والمشرب والبيع والشراء والكلام ... أمَّا دخول الحكم فـي هذا الحديث , فلم يخطر ببال الكثير ,


وكذلك أن يربطوا بينه وبين قول النبي r : أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ([1]).
فإذًا المقصود بقوله : " بسنتي " طريقة الحكم ؛ لأن أول مخالفة حدثت كانت من بني أمية ؛ لأنهم أول مَن أزالوا أمر الشورى , وهذا يتقابل مع ما قاله زعيم بني شيبان ( من أهل اللغة ) : أن لا نُحْدِثَ حَدَثًا , ولا نؤي مُحْدِثًا " . فهو يفهم أن الحدث هو الابتداع في تظم الحكم , فبدلاً من أن يكون السمع والطاعة لفارس وقوانينهم , سيكون السمع والطاعة لمحمد بن عبد الله r .
وطبعًا : لا تزال طائفة من أمتي قائمين بالحق , فأهل العلم قديمًا من الأندلسيين تكلموا في هذا المعنى , وهذا يفيدنا أن أخطر بدعة هي بدعة الحكم , وأهم سنة هي الحكم ؛ وهذا يوضح لنا حديث النبي r : لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ([2]).
والحكم الإسلامي كان مستمرًا حتى 1850 م ولم يكن حكمًا صوريًّا , وإنما كان حكمًا حقيقيًّا , ولكن معنى : " وأولهن نقضًا الحكم " المقصود به زوال ركن الحكم وهو الشورى , الذي وقع في عصر معاوية .
كذلك فإننا لا نعرف من سيرة الحسن البصري إلا أنه العابد الزاهد – وهذا صحيح – لكن هناك جزء مهم جدًا في سيرة الحسن البصري قلَّما يذكره أحد , وهو أنه كان ثائرًا خارجًا على ظلم الحكَّام , مشجعًا مفتيًا بالخروج عليهم ولو بالسلاح .
ومن هنا ننبه على نقطةٍ وهي : إذا فتحنا أي كتاب من كتب العقائد كالعقيدة الطحاوية وبعض كتب العقائد لابن تيمية بخلاف العقيدة الوسطية , ونظرنا على مسألة الخروج بالسيف , نجد أنهم يذكرون أن مذهب أهل السنة عدم الخروج على الحكَّام بالسيف , وهذا أمر عجيب ! لأننا عندما نرجع إلى كتب السلف سنجد أن كبار الصحابة والتابعين خرجوا بالسيف , بل يمكن أن لا تجد أحدًا من الصحابة اعترض على مبدأ الخروج بالسيف على مَن أزال الشورى , وعلى مَن أزال البيعة , بل قد لا تجد من التابعين مَن أنكر الخروج بالسيف , بل الأئمة الكبار , مالك وأبو حنيفة والشافعيّ معلوم عنهم أنهم كانوا مجاهدين للحكَّام , مجيزين للخروج عليهم , وكذلك سعيد بن المسيب وسفيان وسعيد بن جبير قد اشتهر أمرهم بأنهم خرجوا أو أجازوا مقاومة الحكَّام لمجرد أنَّ الحكَّام بدَّلوا طريقة الحكم , مع أنهم لم يغيّروا شرع الله U .
وقد ذكر ابن حزم الخلاف في مسألة الخروج بالسيف على الحكَّام , ولم يكد يستثني أحدًا من كبار الصحابة والأئمة , حتى ابن عمر الذي رفض هذا , ثبت عنه بإسناد صحيح أنه رجع عن ذلك , وندم أنه لم يخرج على الحجاج .
ونحن نعلم أن المنهج السلفي يُنسَب في العصور المتأخرة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية , أو للشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمة الله على الجميع – فلمَّا تقرأ في سيرة هؤلاء تعجب جدًا لِما أصابنا من تعميةٍ لهذا المنهج .
فتجد أن الشيخ محمد عبد الوهاب في أول خروجه , خرج يدعو الناس إلى السنة والتوحيد بالحسنى , بتدرج السنن , فبدأ الناس يعترضوا عليه ويقاومونه , ففوجئوا بأن الشيخ يقول لأتباعه : يجب علينا أن نجاهدهم باليد , فإن لم ينفع , نجاهدهم بالسيف , وهذا في أي كتاب سيرة لمحمد بن عبد الوهاب . فخرج عليه دعاة الباطل يقولون : " إن البلد بها خليفة للمسلمين , فكيف تدعو للجهاد بدون إذن الإمام , فأنت خارجيّ " . فهنا أظهر الشيخ بالأدلة أنه لا يكون خليفة إلا إن دعا للجهاد , ولا يكون خليفة إلا إذا قام على حفظ الدين , فإن فرَّط في ذلك فلا يكون له سمع ولا طاعة .
أمَّا الآن فتجد أن هذا المعنى قد انعكس , تجد أن المشهور في السلفية الآن هو تسكيين الناس عن الخروج عن الحكام , ليس بدعوى أن هذا يترتب عليه مفاسد أكبر – كما نقول – وإنما بدعوى خطيرة جدًا وهي أنه وليّ أمر المسلمين !!!
فهذه الأمور أدَّت إلى تحريف المنهج السلفيّ , فأصبح عبارة عن منهج يختص بركن العبادات , أمَّا كيفية إدارة هذه الدنيا , وما يفعل هؤلاء أو غيرهم , تجد أنهم نزعوا أنفسهم منه , بل تجد أنهم أفهموا الناس أن منازعة وجهاد هؤلاء لتطبيق شرع الله U , جعلوا هذا ليس من الدين , وليس من السلفية في شيء , وطبعًا هذا فهم قاصر جدًا أن يُختصر الدين في مجموعة من العبادات والهيئات فقط .
وقول النبي r : " وأن لا تنازعوا الأمر أهله" كنَّا نقول : معناه أن لا ننازع الحاكم في حكمه , كالوزير وغيره , ثم اتضح لنا أن هذا المفهوم قاصر , فقبل أن يكون حاكمًا , الشعب هو الذي له الحق في أن يقول كلمته من خلال البيعة والشورى , فالشعب هو أهله ؛ فإذًا أي مؤامرة لمصادرة حق الشعب في أن ينتخب أو يبايع أو يتشاور أو أن يفعل ذلك بحرسة , هذا معارض لسنة النبي r في قوله : " وأن لا تنازعوا الأمر أهله" . والشعب هو أهل هذه المرحلة .
إذًا الشورى في الشرع الإسلامي تخص أمرين , الأول : انتخاب الإمام أو الخليفة , والثاني : في كيفية تسيير أمور الحكم , وهذه الشورى يكون حكمها إمَّا للاتفاق , فإن لم يكن فيؤخذ برأي الأكثرية , وهنا قد يُشكل بأن الله U قال : ] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [[النساء: 59] , فكيف يكون القول قول الأكثرية , والآية تأمرنا بالردِّ إلى كتاب الله ؟
والجواب بأن أمر الشورى ليس في أي شيء , وإنما هو فيما لم يرد فيه نص شرعيّ .
والشورى في الشرع مُلزمة , إمَّا بقول الله U : ] وشاورهم في الأمر [[آل عمران: 159] ,وإمَّا بوضف الله U لهذه الأمة في قوله : ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [[الشورى: 38] , فلا يمكن أن تكون الشورى مأمورًا بها , ووصفًا للأمة , ومع ذلك تكون الشورى مستحبة .
?وقبل أن نكمل كلامنا عن أركان الدولة وكيفية قيامها , نقف وقفة لنتكلم عن نقاط تتعلق بما سبق من واقع عملي ؛ حتى تتم الاستفادة من الكلام :
1- أمر السلطان أو إقامة الحكم هو لإقامة مصالح , وقد يكون لإقامة هذه المصالح , تقع بعض المفاسد في سبيل قيام المصلحة الكبرى ألا وهي إقامة شرع الله .
2- قد لا يكون إقامة لشرع الله , ولكن يكون تقليلاً للمفاسد , والوقع المعاصر الذي نعيشه مشابهٌ تمامًا لهذه المرحلة تقريبًا , وأهم شيء في هذه المفاسد التي سوف تزول بإذن الله هي إزالة القيود بين الناس وبين أن يختاروا ما يشاؤون , وفي هذا الصدد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : والسُّلْطَانُ يُؤَاخَذُ [ يعني من قِبَل الله U ] عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْعُدْوَانِ وَيُفَرِّطُ فِيهِ مِنَ الْحُقُوقِ مَعَ التَّمَكُّنِ , لَكِنْ أَقُولُ هُنَا : إذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي لِلسُّلْطَانِ الْعَامَّ أَوْ بَعْضَ فُرُوعِهِ كَالْإِمَارَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ وَتَرْكُ مُحَرَّمَاتِهِ على الوجه الأكمل , جَازَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ , وَرُبَّمَا وَجَبَتْ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا كَانَتْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ تَحْصِيلُ مَصَالِحهَا مِنْ جِهَادِ الْعَدُوِّ , وَقَسْمِ الْفَيْءِ , وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ , وَأَمْنِ السَّبِيلِ : كَانَ فِعْلُهَا وَاجِبًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِتَوْلِيَةِ بَعْضِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ , وَأَخْذِ بَعْضِ مَا لَا يَحِلُّ , وَإِعْطَاءِ بَعْضِ مَنْ لَا يَنْبَغِي , وَلَا يُمْكِنُهُ تَرْكُ ذَلِكَ : صَارَ هَذَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوِ الْمُسْتَحَبُّ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا , إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ دُونَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ , بَلْ لَوْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ [ تكون الولاية غير واجبة إذا كان هناك بديل آخر , أو المصالح لن تضيع ] وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ظُلْمٍ , وَمَنْ تَوَلَّاهَا أَقَامَ الظُّلْمَ , حَتَّى تَوَلَّاهَا شَخْصٌ قَصْدُهُ بِذَلِكَ تَخْفِيفُ الظُّلْمِ فِيهَا , وَدَفْعُ أَكْثَرِهِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِ , كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ , وَكَانَ فِعْلُهُ لِمَا يَفْعَلُهُ مِنَ السَّيِّئَةِ بِنِيَّةِ دَفْعِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا جَيِّدًا . وَهَذَا بَابٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ [ وهذا ليس كلام شيخ الإسلام فقط , بل يكاد يكون من القواعد المستقرة عند فقهاء المسلمين ] فَمَنْ طَلَبَ مِنْهُ ظَالِمٌ قَادِرٌ وَأَلْزَمَهُ مَالًا , فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ بَيْنَهُمَا لِيَدْفَعَ عَنِ الْمَظْلُومِ كَثْرَةَ الظُّلْمِ , وَأَخَذَ مِنْهُ وَأَعْطَى الظَّالِمَ مَعَ اخْتِيَارِهِ أَنْ لَا يَظْلِمَ وَدَفْعَهُ ذَلِكَ , لَوْ أَمْكَنَ كَانَ مُحْسِنًا , وَلَوْ تَوَسَّطَ إعَانَةً لِلظَّالِمِ كَانَ مُسِيئًا . وَإِنَّمَا الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَادُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ , أَمَّا النِّيَّةُ فَبِقَصْدِهِ السُّلْطَانَ وَالْمَالَ , وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ , لَا لِأَجْلِ التَّعَارُضِ وَلَا لِقَصْدِ الْأَنْفَعِ وَالْأَصْلَحِ . ثُمَّ الْوِلَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ وَاجِبَةً فَقَدْ يَكُونُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْمُعِينِ غَيْرُهَا أَوْجَبُ أَوْ أَحَبُّ , فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وُجُوبًا تَارَةً وَاسْتِحْبَابًا أُخْرَى . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَوَلِّي يُوسُفَ الصِّدِّيقَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِمَلِكِ مِصْرَ [ مسألة شرع مَن قبلنا لا ترِد هنا ؛ لأننا نتكلم عن إقامة مظالم , ولا يُتَصور الظلم في شرع مَن قبلنا ] بَلْ وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ , وَكَانَ هُوَ وَقَوْمُهُ كُفَّارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : ] وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ [ الْآيَةَ [ يعني : ما زلتم في شكٍّ منذ جاءكم يوسف u إلى الآن ] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ : ] يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [ الْآيَةَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَعَ كُفْرِهِمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَادَةٌ وَسُنَّةٌ فِي قَبْضِ الْأَمْوَالِ وَصَرْفِهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَجُنْدِهِ وَرَعِيَّتِهِ , وَلَا تَكُونُ تِلْكَ جَارِيَةً عَلَى سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَدْلِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ يُوسُفُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا يُرِيدُ وَهُوَ مَا يَرَاهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ , لَكِنْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [ وهذا قطعًا ؛ لأنه نبي الله ] وَنَالَ بِالسُّلْطَانِ مِنْ إكْرَامِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ أَنْ يَنَالَهُ بِدُونِ ذَلِكَ [ لأنه تبع دخولهم مصر أمور كبيرة , فهذا سبب دخول بني إسرائيل مصر , أنهم أول ما دخلوا , دخلوا مع الهكسوس , فلمَّا هُزِمَ الهكسوس , اعتبر أهل المصر أن الهكسوس خَوَنَة ؛ ولذلك لمَّا كانت وظيفتهم عندما جاء فرعون أن يكونوا خادمين فقط ] وَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ :] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ . فإذا ازْدَحَمَ وَاجِبَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فَقُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا [ أوكدهما من جهة قوة دليله , أو لكثرة المصالح العامة التي تترتب عليه ... وغير ذلك ] لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبًا , وَلَمْ يَكُنْ تَارِكُهُ لِأَجْلِ فِعْلِ الْأَوْكَدِ تَارِكَ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ مُحَرَّمَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ أَعْظَمِهِمَا إلَّا بِفِعْلِ أَدْنَاهُمَا , لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْأَدْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَرَّمًا فِي الْحَقِيقَةِ , وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَرْكُ وَاجِبٍ , وَسُمِّيَ هَذَا فِعْلُ مُحَرَّمٍ بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ لَمْ يَضُرَّ . وَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا : تَرْكُ الْوَاجِبِ لِعُذْرِ , وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِدَفْعِ مَا هُوَ أحرم([3]). اهـ .
3- الأركان التي تقوم عليه الدولة الإسلامية – والتي ذكرناها – موجود الآن في أرض الوقع .
يقول أحد العلمانيين : فمن الواضح أن المعركة حول الدولة المدنية والدينية تمثل ساترًا إعلاميًا لمعركة أهم , وهي المعركة الحقيقية , وهي بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية . والمراد من المعركة الدائرة , والتي تقودها النخب العلمانية , إلصاق تعبير الدولة الدينية بكل صور الدولة الإسلامية , وحصر تعبير الدولة المدنية علي الدولة العلمانية , وجعله غطاء لها , بحيث يصبح الحديث عن الدولة المدنية يقود بالضرورة للدولة العلمانية , دون ذكر مصطلح الدولة العلمانية , والذي لا يحظي بالقبول الشعبي([4]).
هذا الكاتب العلماني اعتبر أن الدولة تقوم على ركنين اثنين , الأول : كيفية اختيار الحاكم , والركن الثاني هو : طبيعة الدولة , يقول : فأول ما يحددطبيعة الدولة هو كيفية اختيار الحاكم , ومادام اختيار الحاكم يتم طبقًا للإرادة الشعبية الحرة [ وهذا ما ذكرناه من أن ذلك يكون بالبيعة التي تكون بالشورى الحرة ] فنحن بصدد دولة تقوم علي الإرادة الشعبية الحرة , وهي بهذا دولة مدنية ديمقراطية . والأهم أن الدولة التي تقوم علي الإرادة الشعبية الحرة , هي الدولة الوكيل عن الأمة , والتي تعتبر وكيلاً وخادمًا للأمة [ كأنه ينقل من كلامنا ] ويوكل فيها الحاكم من الأمة , وتظل الأمة هي صاحب الحق الأصيل في اختيار من يحكمها . ولكن الدولة المستبدة , فهي الدولة التي تحكّم فيها الحاكم بدون تفويض من الناس , وتكون الدولة محتكرة من قبل طبقة سياسية أيًّا كانت , ويفرض فيها الحاكم وصايته علي المجتمع , وتصبح الدولة مهيمنة علي المجتمع وليست وكيلة عنه . والدولة المستبدة ليست دينية بالضرورة , بل يمكن أن تكون دولة علمانية مستبدة , أو دولة دينية مستبدة ... والخلاف الحادث حول فكرة الدولة المدنية والدولة الدينية في حقيقته , خلاف حول مرجعية الدولة , ليس خلاف حول طبيعة الحكم , فكل دولة يكون لها مرجعية عليا تستند لها , وهي تمثل منظومة القيم الإنسانية التي تحكم العملية السياسية , وتحكم النظام السياسي , وتلتزم الدولة بها . وقد تكون تلك المرجعية علمانية , أو مرجعية إسلامية . والدولة المدنية الديمقراطية , ودولة المؤسسات والقانون , هي الدولة التي تستمد مرجعيتها من المجتمع , وتعبر عما يجمع عليه المجتمع , أو ما يتوافق عليه , أو ما تختاره الأغلبية . وبهذا إذا اختار المجتمع المرجعية الإسلامية , يصبح مجتمعًا إسلاميًّا , وعليه تكون الدولة إسلامية . وعندما تعبّر الدولة عن المرجعية السائدة في المجتمع , يتأكد أنها دولة مدنية ديمقراطية ؛ لأنها قامت علي الارادة الشعبية الحرة , وتلك الإرادة الشعبية لا يتوقف دورها علي اختيار الحاكم وممثليها , بل يحق لها أولا أن تختار مرجعية النظام السياسي . وفي المجتمع العلماني , تكون الدولة علمانية , وفي المجتمع الإسلامي تصبح الدولة إسلامية ... ولكن الاختلاف الحقيقي حول مرجعية الدولة , وهل تكون علمانية تحيد دور الدين , وتجعل السياسة متحررة من القيم الدينية [ وشهد شاهد من أهلها ] أو تكون إسلامية , تجعل القيم الدينية إطارًا حاكمًا للعمل السياسي([5]) . اهـ .
الركن السادس : لا شورى إلا بحرية ( الحرية ):
وهذا هو أهم مبدأ في الإسلام , وإذا جئنا للكلام على الحرية سنسمع كلامًا عجبًا في الانتقاد والاعتراض في الدولة الإسلامية , فما كان يُصادر قوم أحد , وما كان يُقتل أحد إلا بعد بيان وبعد توضيح , ويوضح ذلك قصة عبد الله بن أُبَيّ بن سلول , ففي قوله تعالى : ] يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [[المنافقون : 8] , ينجد أن معنى هذه الآية خطير جدًا , فهذا يُعَدُّ في مصطلاحاتنا العامة في هذه الأيام , قلبٌ لنظام الحكم , وإسقاط الدولة الإسلامية , وإخراج للنبي r من المدينة ، ومع ذلك لم يتعرض له النبي r بشيء ، بل قال بعد أن بلغه هذا الخبر عنه ، وأراد بعض الصحابة قتله : لا,بل نُحسِنُ صُحبَتَه، وقال : لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه([6]).
وقد بلغ الأمر من ابن سلول أن انسحب بثلث الجيش يوم احد , وترك النبي r وهو في طريقه إلى القتال .
وقد قال رجل للنبي rمعترضًا عليه في قسمة : اعدِلْ يا محمد ، فإنك لم تعدل ! وإن هذه القسمة ما أُرِيدَ بها وجه الله ؟ ! ، فقال النبي r : " ويحك!مَنْ يَعدِلُ إن لَم أَعدِلْ ؟ . فأراد الصحابة ضَربَهُ فقال r: مَعَاذَ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي([7]).
وقال له رجل يهودي - وكان النبي rفي مجلس مع أصحابه - " يا بني عبد المطلب ، إنكم قومُ مَطْلٍ ، أي : لا تُؤَدُّونَ الحقوق ، وقد كان النبي r قد استسلف منه مالاً ، فأراد عمر t أن يضرب اليهودي ، فقال له النبي r: إنَّا كنا أحوجُ إلى غير هذا منك يا عمر،أن تأمره بِحُسنِ الطلب ، وتأمرني بِحُسنِ الأداء ([8]).
وكذلك كان الحال في عهد الخلفاء الراشدين ، فقد كان المسلمون يعترضون على سياستهم ، وينتقدون ممارساتهم ، ولم يتعرض أحد للأذى بسبب هذه المعارضة ، مما يدل على رسوخ مبدأ الحرية .
وقد كان الخلاف جَليًا بين المهاجرين والأنصار في شأن تولي السلطة بعد النبي r حتى قال الحبَّابُ بن المنذر الأنصاري يومها : منا أميرٌ ومنكم أمير ، ورَدَّ عليه أبوبكر بقوله : قد عرفتم أن هذا الحيَّ من قريش بمنـزلة من العرب ليس بها غيرهم ، وإن العرب لا تجتمع إلا على رجل منهم ، وفي رواية : لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش([9]).
فأبو بكر t احتجَّ عليه بمثل الحجة , فلم يقل له – مثلاً - : لا يحق لك أن تتكلم بهذا الكلام .
وقد اعترض عمرُ على أبي بكر عندما أراد قتال أهلِ الردة ، وما زال أبو بكر يُجادِلُ الصحابةَ حتى أقنعهم برأيه([10]).
ودخل رجلٌ على أبي بكر فأغلظَ الرجل القولَ لأبي بكر ، فقال أبو بَرزَةَ الأسلمي : ألا أضربُ عنقه يا خليفة رسول الله ؟ فغضب أبو بكر من هذه الكلمة التي قالها أبو برزة ، وقال : لا والله ما كانت لأحد بعد رسول الله([11]).
وقد اعترض بلالٌ الحبشي t ومعه جماعة من الصحابة على سياسة عمر في شأن الأرض المَغنُومة ، وطالبوه بتقسيمها على الفاتحين ، ورَأى عمرُ وقفها على جميع المسلمين ، وما زالوا يُجادلونه حتى دعا الله عليهم ، وكان يقول : اللهم اكفني بلالاً .
فلم يجد الخليفة من وسيلة لمواجهة معارضيه في هذه القضية إلا محاورتهم ثم الدعاء عليهم ، وقد كان بلال أشد الناس معارضة لعمر ، فجمع عمرُ الصحابة وقال لهم : قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين يزعمون أني أظلمهم حقوقهم ، وإني أعوذ بالله أن أركب ظلمًا ، لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شَقِيتُ([12]). وقد رضي الناس واقتنعوا برأي عمر ، وأجمع الصحابة عليه بعد ذلك ، وقد استطاب نفس من لم يرضَ منهم([13]).
وإذا كانت المعارضة الفرديةُ لسياسة الخلفاء هي الأبرز في عهد أبي بكر وعمر ، فقد ظهرت جماعات منظمة معارضة لسياسة عثمان t ، وقد بدأت في البصرة والكوفة ومصر , ثم أصبحت أكثر انتشارًا , واستطاعت أن تستقطب إلى صفوفها بعض الصحابة كعمار بن ياسر الذي أرسله عثمان t لمعرفة أخبار هذه المعارضة في مصر ، فانضم إلى صفوفها([14]). وهذه هي المرحلة الأولى من المعارضة , وكل ذلك ولم يتخذ معهم عثمان t أي إجراء , والأعجب من ذلك أن والي مصر أرسل يستأذن عثمان أن يتخذ إجراءً مع عمَّار , فنهاه عن ذلك أشد النهي .
وقد كانت المطالب التي طالب بها المعارضون لسياسة عثمان محددة , تتمثل في الإصلاح السياسي , والإصلاح الاقتصادي , والإصلاح الإداري , وقد تم الاتفاق بين المعارضة وبين الخليفة الراشد عثمان بن عفّان على هذه الشروط ، وتم توثيقها بحضرة علي بن أبي طالب ، وقد أثنى عثمان t على الوفد المِصري الذي عَقَدَ معهم الاتفاق([15]).
وفي رواية : قال أبو سعيد مولى أبي أسيد : فقالوا [ أي المعارضة ] : والله لقد أحسنت يا أمير المؤمنين - في أمور سألوه عنها فَتَابَ منها ورجع عنها - ثم قام خطيبًا ، فقال : ما رأيت ركبا كانوا خيرًا من هؤلاء الركب ، والله إن قالوا إلا حقًا ، وإن سألوا إلا حقا([16]).
كل ذلك يؤكد مدى الحرية السياسية التي رَسَخَت في عهد الخلفاء الراشدين ، فهذه هي المرحلة الأولى , وقد كانت قادة هذه المعارضة وزعماؤها من الصحابة ومن كبار التابعين ومشاهيرهم من القراء وأبطال الفتوح الإسلامية , وبعضهم أصبح فيما بعد من قادة جيش عليّ t كالأشتر النخعيّ , وقد ولاه عليّ لى مصر , ومحمد بن أبي بكر , وزيد بن صوحان وغيرهم .
وبعد ذلك خرجت هذه الحركة إلى نوع من الانحراف ( المرحلة الثانية ) حينما خرجت لحصار عثمان , وكان سبب ذلك أن بعض أهل الشر أحدث فتنة , فظنوا أن عثمان نكث العهد , فذهب إليه بعض أهل الشر وحاصروه , وطالبوه بتسليم مروان , فرفض خشية أن يقتلوه , ثم طالبوا بخلع الخليفة , فقال : لو خلعني الذين بايعوني فعلت , وهذا يبيّن ما قلناه من أن عقد البيعة عقد وكالة .
فاستشار عثمان عبد الله بن عمر , فأشار عليه بعد الموافقة على هذا الطلب , وقد علل عثمان رفض هذا الطلب كما في أكثر الروايات بأنه يخشى حدوث فتنة وقتال بين الأمة , وكل ذلك يبيّن مدى ما كان يتمتع به هؤلاء المعارضين من حرية , وفي بعض الروايات بأن النبي r أوصاه بالصبر وعدم خلع نفسه من الخلافة ؛ مما يدل على مشروعية هذا الطلب في الأصل .
وبعدما نتخطى مرحلة الخلافة الراشدة , ونأتي إلى عصر معاوية سنجد أن معظم هذا العصر كان عبارة عن مراجعات حقيقية بين معاوية وأصحابه , حتى من عائشة - رضي الله عنها – يضيق المقام بذكرها , إلى أن يأتي عصر الدولة العباسية , سنجد أن هذا العصر كانت أشد وأعلى أنواع الاعتراض على الخلفاء , فالعباسيين استولوا على الدولة بحدِّ السيف ؛ لأنهم وجدوا أن الفساد وصل به الحال لأن يُخْلَع الخليفة , لكن في أثناء خلعه ارتكبوا أشياءً ليست من الشرع في شيء , واستولوا على أشياء ليست لهم كالأموال , بدعوى تأمين الحدود , وقد كانوا صادقين , لكن ليس هذا مبررًا لأن يأخذوا أموال الناس .
فأبو حازم ينصح أحد الخلفاء فيقول : إن آباءك قد استولوا على هذا الأمر بالسيف , وأثروا ما ليس لهم , فلو تعلم يا أمير المؤمنين ما قالوا , وما قيل لهم ؟ يعني في قبورهم .
وأبو جعفر كان إمام وخليفة مُمَكَّن , وكان على دين , ولكنهم استولوا على الحكم بتأويل فعلوه , فلننظر ما قال فيه العلماء , كان الخليفة حريصًا على أن يأتيه سفيان , وسفيان هارب منه , فأتى عليه سفيان فقال له : ماذا ترى ؟ قال : عليك يا أمير المؤمنين بسيرة عمر . فقال له : كان مع عمر أصحابه . فقال له : فعمر بن عبد العزيز ؟ فقال الخليفة : فإذا لم أطق ؟ فقال له : اجلس في بيتك .
ودخل المهدي أيضًا المسجد , فلم يبق إلا من قام إلا ابن أبي ذئب – وكان قرين مالك – . فقيل له : قم فهذا أمير المؤمنين ، فقال : إنما يقوم الناس لرب العالمين ، فقال المهدي : دعوه فقد قامت كل شعرة في رأسي . فاستدعى ابن أبي ذئب فقال له : ما تقول في الحسن بن كذا بن كذا بن فاطمة ؟ فقال : إنه ليتحرى العدل ، فقال له : ما تقول فيّ ؟ فقال : والله إنك لجائر ، قال مالك : فضممت ثيابي [ حتى لا يأتي الدم على ثيابه ؛ لأنه توقع أن الخليفة سيقتله لا محالة ] فأمره أن يناوله المحبرة , فلم يناوله وقال : انصرفا .
فلو استعرضنا عصر الخلفاء الذي يسمّونه بالسفاح وغيره , سنجد أن بطش الخلفاء كان على مَن رفع السيف , أمَّا مَن لم يرفع السيف وانتقد الدولة , فكانوا يسمعونه .
أيضًا عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عباس , كان قويًّا جدًا وغشومًا جدًا , وهو الذي أزال بني أمية من الشام كلها , فاستدعى الأوزاعي إلى أن حصل عليه , فقال له : ما الذي منعك عنا يا أوزاعيّ ؟ أريد الأخذ منكم والاقتباس عنكم ... ثم قال له : يا أوزاعيّ , أترى أن ما قمنا به هو رباط في سبيل الله ؟ فقال : إنما الأعمال بالنيات . فاستشاط غضبًا , وقال : أترى أن دماء بني أمية حلال لنا ؟ فقال : قال رسول الله r : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث. فاستشاط غضبًا وقال : ألم يعهد إلينا رسول الله r بالوصية ؟ فقال : لو فعل هذا يا أمير المؤمنين , ما رضي عليّ بمَن قبله , وما رضي بأمر الحكمين .
فإذًا هكذا كانت حرية الشعب في أن يقولوا لهم ما يشاؤون .
ويجب التنبيه إلى أن الشرع قد أعطى هذا الحق للجميع , فالنبي r مات والإسلام قد انتشر في كل ربوع الجزيرة , ثم يأتي بعد ذلك مَن يقول : " إن الإسلام انتشر بالسيف " ! وهذا لا يُمكن أن يُصَدَّق , فالإسلام انتشر في كل ربوع الجزيرة , وعدد القتلى لم يتجاوز ألفًا .
وفيما يتعلق بالرِّق والعبيد , النبي r لم يُقسم المجتمع إلى أحرار وعبيد , بل هذا كان نظامًا قائمًا في بلاد العرب وفارس والروم , وذلك بالانتصرات التي يحرزونها على الآخرين , فيستولوا على ما عندهم , لكن دين الإسلام تعامل مع هذا الأمر بأمور لا يُمكن أحد أن يتصورها , فجعل من أعظم القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله U أن يعتق الرقاب , وهذا نجده في الآيات المكية , بل جعلها الله U فرضًا على المسلمين في عدة مواضع , ولو ضرب السيد عبده , فهذا يكون عتقًا له , ولا يجوز له أن يخاطبه بـ " عبدي وأمتي " , والآخر لا يقول : " سيدي وسيدتي " , وإذا نكح السيد أمته , فلا يجوز لأحد من العائلة أن يطأها , وإن حملت منه تكون حرة .
وقال الله U في ذلك أيضًا : ] فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [[النور: 33] , يعني : إن رأى فيه الخير , يجعل له ثمنًا , ثم يقول له : اذهب وسدد لي المبلغ على مدار كذا سنة , في كل سنة كذا , وهذا الأمر من الله U للوجوب على الراجح .
والأهم من ذلك أنه قد ثبت عن عمر t بالإسناد الصحيح أن عمر حرر جميع عتقاء العرب , فلم يمت tوالعرب فيها رقيق , حتى أنَّ مَن لم يستطع أن يدفع , دفع له من بيت المال .
وقد نصَّ الإمام مالك في المُدَوَّنة أنه إذا اتفق البلدان على أن لا يسترق أحد منهم في الحرب , فيجب ذلك , وأشد من ذلك أن الطرف الآخر الذي عقد مع المسلمين هذه المعاهدة , لو دخل مع حرب في طرف ثالث , فأخذ منه هذا الطرف أرقَّاء وعبيد , وأراد أن يبيعها للمسلمين , فلا يجوز له أن يشتريها .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-03-2012, 09:05 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الركن السابع : أن تكون الحاكمية والطاعة المطلقة لله ورسولهr :
فالكتاب والسنة هما مصدر التشريع والدستور الذي يجب التحاكم إليه , وجماع هذا كله في قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [[النساء: 59] .
فهذه الآية تحمل أصول الإسلام كلها , وتحمل كيفية الرجوع عند التنازع , وتبيِّن ما القرق بين أن تكون شورى فيما لم يأت به نص , أو شيء أتى به نص , أو شبه نص .
والشاهد في مسألة أن المرجعية تكون لله U وكتابه وسنة نبيه r : هذا القرآن , وهنا مسألة في غاية الأهمية أنه حتى عام 1900 لم يكن الذين يدعون أنهم أهل الحضارة لهم مرجعية , وهذه سَوْءة عندهم , فقد كانت المرجعية عندهم هو ما يراه الملك , ودين الإسلام قد سبق كل الشرائع والحضارات في وضع المرجعية التي تحكم الحاكم والمحكوم , والكل أمامها سواسية , فبريطانيا إلى الآن ليس لها دستور , والحكم عندهم هو ما يقول به البرلمان , لكن إذا استشهدنا بذلك , وجدنا مَن يبرر ويقول : هؤلاء وصل بهم التحضر والنضج لدرجة أنهم لا يحتاجون إلى دستور !
وحينما أراد هؤلاء أن يضعوا مرجعية يشارك فيها الشعب , وضعوا مرجعية مشوَّهة لم تكن مثل الشورى .
وهذا يقضي على الفكرة السائدة التي يحاولون أن يصدروها لنا ظلمًا وباطلاً , وهي فكرة الدولة الدينية , وهذه الفكرة غير موجودة عندنا في الشرع .
فأوربا لم تعرف ذلك إلا قبل الثورة الفرنسية , أمَّا قبل ذلك فقد كان الملك هو الدولة
, يخضع له الجميع ولا يخضع هو لأحد , وهكذا كان الحال في العالم كله قبل مجئ الإسلام , وقبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ؛ إذ كانت أول دولة تقوم على أساس دستوري .
فإذًا المرجعية في الدولة الإسلامية تكون لكتاب الله U , وسنة نبيه r , وما أجمع عليه العلماء , فإذا اختلفوا , نرجع إلى كتاب الله U وسنة رسوله r , فإذا لم نجد , فالرأي والمشورة , والأخذ بكلام الأكثرين منهم .
والمسلم لا يمكن أن يكون مسلمًا عند الله إلا إذا جعل الكلمة العليا لله U , ولرسوله r , ولِما قاله أهل العلم , وهذا ليس معناه إغلاق العقول ؛ بدليل أن التكاليف الشرعية للعقلاء وليست للمجانين والأطفال , فالعقل إذًا له المجال الفسيح في الاجتهاد لتحصيل رضا الله U , ورضا نبيه r , وينضبط بهذا ويطبقه على الواقع , وهذا مجال كبير جدًا يتطلب إهمال العقول إلى يوم القيامة , ومَن ادَّعى أن باب الاجتهاد في فَهم كلام الله U , وسنة نبيه r قد أُغْلِق فهو إنسان جاهل يقول ما لا علم له به .
فالنبي r قال : بلغوا عنِّي ولو آية . وهذا حضٌّ على النقل الشرعيّ , ثم قال r : فَرُب مبلَّغ أوعى مِن سامع . فالسامع هو الذي سمع من النبي r مباشرة , والمبلَّغ هو الذي جاء بعده , ومع ذلك فمن الممكن أن يكون الذي جاء بعد السامع , فهمه أكثر من السامع نفسه , بل قال r : رب حامل فقه ليس بفقيه .
والعلاقات الدولية هي العلاقات مع الدول الأخرى , وما دامت دولة أخرى فالغالب أنها دولة كافرة , سنجد أن الشرع قد نظَّم هذه العلاقة , فمثلاً محمد بن الحسن الشيباني([1]) وضع أسسًا لِما يُسَمَّى بالعلاقات الدولية في السِّلم والحرب مع الدول المعاهدة , ومع الدول المحاربة , وكيف يصنع المسلم إذا ذهب إليهم , هل يستحلهم ويقتلهم ؟ وهل يتاجر معهم ؟ وغير ذلك , فكل هذه أعراف ومواثيق دولية .
فلابد للحاكم أن لا يتحاكم إلا لشرع الله U , ولا ينوي إلا أن يقيم شرع الله U , وتطبيق شرع الله يكون بأن يحكم به مباشرة , أو أن يكون في الطريق لإقامته .
وإقامة الدنيا على شرع الله U هي سنة المرسلين , وهي السنة التي بُعِثَ بها النبي r , قال تعالى : ] إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [[يوسف: 40] , وقال تعالى : أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [[الأعراف: 54] , وقال I : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [[النساء: 59] .
فإذًا هذه الآيات وغيرها تبيّن أن المسلم لا يُمكن أن يكون مسلمًا إلا بأن يُحكِّمَ شرع الله U ؛ كما قال U : ] فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [[النساء: 65].
فإذًا قضية تحكيم شرع الله U هي الركن الركين , وبدونها لا يصير الإنسان مؤمنًا ولا مسلمًا حتى وإن صلَّى وصام وحجَّ , وهذا كلام الله U , وسنة نبي r , وهو إجماع العلماء بلا خلاف لأحدٍ منهم .
وقال تعالى : ] وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ منهم [[النساء: 83] .
فإذًا : " أولو الأمر " جاء ذكرهم في آيتين :
الآية الأولى : تبيِّن أسس الحكم , أن الأصل هو طاعة الله U , وطاعة نبيه r, طاعة أولي الأمر لكنها ليست مستقلة وإنما هي تابعة لطاعة الله وطاعة نبيه r .
وهناك فهم آخر يقول : الأمر بطاعة الله , وطاعة الرسول وأولي الأمر معًا ؛ لأنه سيتضح لنا أن طاعة أولي الأمر ركن من أركان الحكم الإسلامي .
والمقصود بأولي الأمر : الأمراء أو العلماء , والصحيح أنه مجموع الأمرين , ونقصد بالعلماء كل مَن كان عالمًا في شيء , أي : العلماء في الحكم , والعلماء في الحرب , والعلماء في الاقتصاد ... الخ .
وأوضح دليل على حجية الإجماع هو هذه الآية .
وأمَّا الآية الثانية : تبيِّن أنَّ الردَّ لأولي الأمر يكون في السِّلم والحرب , والأمن والخوف , أي : هذا المجلس الذي يمثل الناس , منوط به كل أمور الحياة .
وقوله تعالى : ] وأولي الأمر منكم [ فيه ثلاثة إشارات :
الإشارة الأولى : أنه جاء بلفظ الجمع مما يدل على أن هذا الأمر مشورة , وليس محصورًا في شخص واحد , وإنما هو في جماعة المسلمين .
الإشارة الثانية : قوله : ] فإن تنازعتم في شيء [يدل على إمكانية حدوث النزاع , وإذا وقع النزاع فالقول قول الأكثرين .
الإشارة الثالثة : قوله : ] منكم [ إشارة إلى وجوب أن يكون أولي الأمر ممثلين للأمة .
مسألة : الفرق بين الدستور والقانون :
الدستور هو : هو الوثيقة السياسية التي تنظم شؤون السلطة وصلاحيتها وتحدد علاقة الأفراد وما لهم من حقوق , وما عليهم من واجبات , فهو عقد بين السلطة وبين الأفراد .
فالوثيقة السياسية لأي دستور لابد أن تحتوي على شقين رئيسيين , يحتوي على مواصفات السلطة وصلاحيتها , ويحتوي على حقوق الأفراد , ما لهم وما عليهم .
فالدستور إذًا يتكلم عن حقوق ومواصفات عامة عريضة , دون الدخول في التفاصيل , كأن يقول : الناس سواسية أو أحرار , فهذا نص عام .
وأمَّا القانون : فهو ما يأتي في ثنايا الدستور ليتكلم عن تفاصيل الحياة اليومية , والتي تأتي شيئًا بعد شيء طبقًا لحاجات الناس .
ومنه يتبيّن لنا : لماذا كان يطالب بعض أهل العلم المُحدَثين أن يتحاكم إلى الدستور مع أنه يقول : هذه القوانين الوضعية قوانين كفرية , والقائم عليها هو مبدل لشرع الله .
فكيف يكون الدستور غير مخالف والقوانين مخالفة ؟
والجواب أن الدستور يتكلم عن أشياء عامة , أمَّا القوانين فهي التي تبيّن هذا . فلا حرج عليَّ شرعًا أن أؤيد هذا الدستور العام , وإنما تأتي المشكلة حينما تبدأ في تنفيذ القوانين .
أحوال التحاكم في الدولة الإسلامية :
- إذا كانت المشكلة بين المسلمين وغيرهم فالذي يحكم هو الشرع .
- أمَّا إن كانت هذه المشكلة بين المشركين أو أهل الكتاب مع بعضهم البعض , فلهم أن يتحاكموا بما تعارفوا هم عليه - على الصحيح من أقوال أهل العلم - لكن إن رفعوا دعوتهم إلى القاضي المسلم , فالقاضي المسلم لا يملك إلا أن يحكم بشرع الله U .
- وإن اختلفوا مع مسلم فالذي يحكم هو قانون البلاد المُستَقَى من شرع الله U .
وفائدة هذه القوانين أن توجد الآلية التي تحاكم الحاكم وتمنعه من أن يتحاكم إلى هواه .
ومعلوم خطبة أبي بكر التي قال فيها : أطيعوني ما أطعت الله فيكم , فإن عصيتهما فلا طاعة لي عليكم . رواه البخاري .
وطبعًا أبو بكر t قال هذا بمحضر من الصحابة , وقد كرر هذا الكلام عمر وعثمان ... الخ , لكننا نريد أن نُلفت الأنظار إلى قوله : " فإن عصيتهما فلا طاعة لي عليكم " .
يقول البعض : معنى هذا الكلام أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , لكن ليس معناه جواز الخروج على الحاكم إذا ارتكب معصية أو إن لم يطع الله U , ونبيه r .
ونقول : إن سياق الكلام يأبى هذا ؛ لأنه يقول : " فإن عصيتهما فلا طاعة لي عليكم " . يعني : لم يتكلم عن المعصية فقط , وإنما يتكلم بصيغة العموم .
والنبي r وضَّح متى يكون للإمام سمع وطاعة , ومتى لا يكون له سمع وطاعة :
فكتاب الله وسنة نبي r قيَّدت الطاعة للسلطة الحاكمة بقيودٍ ثلاثة :
القيد الأول : تطبيق الحاكم لشرع الله :
فقد ثبت عند البخاري ومسلم من حديث أنس أن النبي r قال : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ([2]).
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي من حديث أُمِّ الْحُصَيْنِ الْأَحْمَسِيَّةِ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ r يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ : وَلَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا .
وعند الترمذي والنسائي وأحمد قالت : سمعتُه يقول : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا مَا أَقَامَ فيكم([3])كِتَابَ اللَّه([4]).
القيد الثاني : إقامة الصلاة :
وهو ما يعبر عنه العلماء بـ " حراسة العقيدة , والجهاد في سبيل الله " وأعظم هذه العلامات كما ورد في الحديث : " إقامة الصلاة " . فإذا ترك الحاكم الصلاة والدعوة إليها وإقامتها , فقد سقطت طاعته , ويجب الخروج عليه .
وإقامة الصلاة لا تكون كما يتصور المدافعين عن الطواغيت , لا تكون بترك الناس يصلون ويؤذنون , وهذا كلام مَن لا يعرف معاني الأحاديث , فإقامة الصلاة تكون بوضع الأمور التي تيسر على الناس أن يقيموا الصلاة , فمواعيد الامتحانات والطائرات والطوابير ... الخ , تجبر المرء على أن لا يقيم الصلاة , فكأنه يقول لك : إذا أردت أن تقيم الصلاة فتحمَّل الضرر الذي سيقع عليك .
ودليل ذلك ما أخرجه مسلم من حديث عوف بن مالكt أن النبيr قال: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ, وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تبْغِضُونَهُمْ وَيبْغِضُونَكُمْ, وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ. قِيلَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ ؟ فَقَالَ : لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ([5]).
إذًا فنحن لا نتكلم عن الصلاة ؛ لأنهم يقولون : فلان قال : إنه يصلِّي , فليس للكلام عن هذا البحث هاهنا مدخل , لأن الحديث لم يعلق على صلاته – وإن كان هذا واردًا في حديث آخر – لكن كلامنا على إقامة الصلاة .
فإذًا ترك إقامة الصلاة في الرَّعية تسقط طاعته , بصرف النظر عن كونه هو الذي يصلي أم لا , وبصرف النظر عن كون ترك الصلاة كفرًا أم لا .
وهذين الأمرين متفق عليهما ولا خلاف فيهما , وأما كون عدم إقامة الصلاة كفرًا أم لا , وكذا الصلاة , فلا يهمنا هذا في هذه المسألة .
القيد الثالث : عدم ظهور الكفر البواح من السلطة أو من الرعية وتقرهم على ذلك السلطة :
أخرج البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت t أنه قال: بايعنا رسول الله r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا , وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا , وَأَثَرَةٍعَلَيْنَا , وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ،قالرسول الله r : إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ([6]) .
فالنبي r قال :: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا, وحذف المفعول , فسواء هذا الكفر منهم , أو من غيرهم ولم يمنعوه .
فعندما ننظر إلى الواقع نجد صورًا من الكفر كعدم تجريم الزنا , والضرائب التي ندفعها للدولة , تخرجها الدولة لتكافأ بها الكتَّاب المرتدين الذين يكتبون شعرًا يسبون فيه القرآن الكريم كالقِمْنِي وغيره .
فأهل العلم قالوا : هذه مبررات لخلع هذا الرجل ولا سمع له ولا طاعة .
وكذلك نقول : لا سمع ولاطاعة للإمام في الأمور المشتبه فيها , وهذا فهمه العلماء من أفعال الصحابة y ؛ فعندما قُتِلَ عثمان وتولَّى عليّ t انقسم الصحابة إلى فريقين , الفريق الأول على رأسهم طلحة والزبير وعائشة قالوا بالقصاص من قتلة عثمان أولاً ثم بعد ذلك نتفرغ لأمر الخلافة , بعد أن أقرُّوا لعليّ t , فهذا الفريق جزم بأن الصواب هو القصاص أولاً فخرجوا غير طائعين لعليّ ؛ بدليل ما وقع بين الفريقين من مواجهة في موقعة الجمل , فلم يسمعوا للخليفة ولم يطيعوا له في الأمر الذي اعتبروا أن الصواب ليس معه .
والفريق الآخر الذي كان على رأسهم سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وغيرهم من الصحابة , اعتزلوا الفريين وتمسكوا بأحاديث الاعتزال في الفتن , مع أن عليّ t دعاهم جميعًا للخروج أمام معاوية لكنهم رفضوا لأنه أمر مشتبه عليهم

[1]- محمد بن الحسن الشيباني هو تلميذ وصاحب أبي حنيفة , ومِن الغريب أن هناك جمعية في ألمانيا تُسَمَّى : " جمعية محمد بن الحسن الشيباني " . وهم ليسوا مسلمين , ولكنهم اطَّلعوا بالوثائق على كلامه في تنظيم العلاقات الدولية , وهذه الجمعية قائمة لتترجم ما قاله محمد بن الحسن الشيباني , وتقارنه بأحدث مواثيق الأمم المتحدة التي لم تولد إلا بعد الحرب العالمية الثانية .

[2]- أخرجه البخاري (652, 655) في كتاب الأذان , باب : إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى , وباب : إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ , و (6609) في كتاب الأحكام , باب : السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً . وابن ماجة (2851) في كتاب الجهاد , باب : طَاعَةِ الْإِمَامِ . وأحمد (3/114, 171) .

[3]- لفظ الترمذي : " ما أقام لكم " . ولفظ : " أقام فيكم " . فهو عند أحمد .

[4]- أخرجه مسلم (3421) في كتاب الإمارة , باب : وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ . والترمذي (1628) في كتاب كِتَاب الْجِهَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ , باب : مَا جَاءَ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ . والنسائي (4121) في البيعة , باب : الْحَضِّ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ . وابن ماجة (2852) في الجهاد , باب : طَاعَةِ الْإِمَامِ . وأحمد (4/70) , (5/381) , (6/402, 403) .

[5]- أخرجه مسلم (3447, 3448) في كتاب الإمارة ، باب : خِيَارِ الْأَئِمَّةِ وَشِرَارِهِمْ . وأحمد (6/24, 28) .

[6]- أخرجه البخاري (6532) في كتاب الفتن ، باب : قول النبي r :سترون بعدي أموراً تنكرونها . ومسلم (3427) في كتاب الإمارة ، باب : وُجُوبِ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ .

يتبع........
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-03-2012, 09:08 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

مسألة ترشح المرأة في الانتخابات :
نختم الحديث عن هذه المسألة لِما لها من أهمية في هذه الفترة التي نمرّ بها , هذه المسألة صار فيها الجدل منذ سنين , وتجدد الحديث حولها الآن , والكلام عن هذه المسألة سيكون من خلال أمرين : الأمر الأول : حكم ترشح المرأة , والمسألة الثانية : حكم تصويت المرأة في الانتخابات .
المسألة الأولى : حكم ترشح المرأة :
إذا قلنا بجواز ترشيح المرأة , فهذا يلزم منه أن تكون رئيسًا لمجلس الشعب , وهذه ولاية عامة , وبعض أهل العلم ألَّف في ذلك مؤلَّفًا حرَّم فيه ذلك , ومنع فيه من ترشح المرأة , ومن الانتخاب أيضًا , واستدل بعضهم باستدلال ضعيف يمنع فيه خروج النساء , وهو قوله تعالى : ] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [[الأحزاب: 33] ؛ لأنه يمكن أن يجاب عليه بأن التصويت ممكن أن يكون عن طريق الكمبيوتر , وحتى ذهابها لمجلس الشعب سيكون عن طريق الدوائر المغلقة , فهذه ليست العلة التي يدور عليها الأمر .
لكننا نناقش الآن الذين منعوا بكلام معتبر , فالمانعوان أداروا هذا المنع على دليلين :
الدليل الأول ( دليل إجمالي ) : وهو أن دخول المرأة في هذا المعترك لسياسي , هذا ما يريده العلمانيون ؛ لأن العلمانية ( اللادينية ) قائمة على عزل الدين , ومِن ضمن عزل الدين أن لا يكون ثمة فارق بين الرجل والمرأة , وترشح المرأة للانتخابت يلزم منه خروج المرأة للشوارع , وكشف وجهها , وسفرها , للإجابة عن الاستفسارات التي توجَّه إليها .
ودور المرأة في الشرع هو تربية الأجيال , فإذا رجعنا إلى عظماء الأمة كأحمد بن حنبل وصلاح الدين سنجد أن الشيء المؤثر في حياتهم هو أمهم , لكن العلمانيين يحاولون أن يقنعوا المسلمين بأن الأم عبارة عن خادمة , وهذا تحقير لشأنها , والعجيب أن الراجح في الشرع وهو مذهب الجمهور , أنَّ المرأة لا تجب عليها الخدمة ؛ فالذي يريدون أن يقنعوا به المرأة ليس من الدين , وإنما دور المرأة فقط في رعاية الأبناء ؛ كما قال النبي r : وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا .
بل حتى المهر الذي يدفعه الرجل للمرأة , ذهب البعض إلى أن هذا مقابل الاستمتاع , وهذا الكلام ضعيف ولا يقوم على أدلة , ولو كان صحيحًا للزم منه أن تدفع المرأة أيضًا مقابل الاستمتاع , والقول بأن النفقة على الزوجة مقابل الاستمتاع , يلزم منه أنه لا ينفق عليها إذا وصلت إلى سن اليأس .
فكما قلنا : إن دخول المرأة إلى هذا المعترك السياسي سوف يشغلها عن دورها الأساسي , وبالفعل هذا استدلال صحيح .
فاعترض المجيزون على هذا الاستدلال بأنه يمكن أن تكون المرأة كبيرة في السن , أو غير متزوجة أو ليس عندها ارتباطات ... الخ .
وهذا الكلام فيه مغالطة شديدة , ومعناه أن نقول : لا نرشح إلا مَن كان حالها كذلك , والقانون أصلاً يشترط أن لا يقل سن الترشح عن 23 سنة , فهذا نوع من تسطيح الأمور , ولا يصح أن نقول هذا .
الدليل الثاني : أن ترشح المرأة للانتخابات يؤدي بها إلى أن تكون على رأس السلطة أو الحي أو المدينة بأكملها , وهذا مما يمنعه الشرع طبعًا .
الدليل الثالث : قوله تعالى : ] الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [[النساء: 34] , فالرجل هو الذي يقوم على أمر المرأة , وهو الذي له الكلمة , وترشح المرأة للانتخابات يؤدي إلى أن تكون رئيسته ورئيسة مَن عيَّنه .
والأهم من ذلك أن المرأة بالإجماع لا تؤم الرجال في الفرائض , ولا زوجها ولا ولدها , فإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لها أيضًا بقياس اللأولى أن تكون وليَّة في أشياء أخرى .
وهذا القياس قياس صحيح وقوي , وإن خالف فيه البعض وقال : هذه مسألة تعبدية , فالمرأة لا تستطيع أن تعقد النكاح لابنتها , لكنها تستطيع في شرع الله أن تديرَ أموالَها ولو عمَّت الأرض كلها , ولها في شرع الله ذمة مستقلة .
فمسألة أنه ليس لها ولاية في النكاح والصلاة , يمكن أن يعارض بأن هذا أمر تعبدي , وليس لزوجها ولاية عليها في تجارتها , وإنما هو وكيل فقط , فممكن أن نقول : قوامة الرجل محدودة وليست مطلقة , فمن الممكن للمرأة أن تخلعه .
لكننا لا نستطيع أن نقول نفس الكلام عند قوله r في الحديث الصحيح لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى قَالَ : مَنْ اسْتَخْلَفُوا ؟ قَالُوا : ابْنَتَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً .
بعض أهل العلم قالوا : هذا مخصوص بهؤلاء , ولكن الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب , ومما يدل على ذلك : ما فهمه الصحابيّ راوي الحديث ( أبو بكرة ) عندما لم يخرج في موقعة الجمل وقَالَ : عَصَمَنِي اللَّهُ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r , وذكر الحديث .
وعائشة أيضًا ندمت على خروجها هذا , عندما وصلت إلى مياه الحَوْأَب , فتذكرت قول النبي r : أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ؟ يعني : كأنه r يعرِّض بأن هذا الخروج فقط , فلمَّا وصلت إلى هذا المكان وسمعت نباح الكلاب , بَكَت .
لكن الظاهر من الحديث أنه يتكلم على الولاية العامة ؛ لأن المرأة لها ولاية في أنشطة كثيرة , ولها ذمة مالية منفصلة , ولم يمنعها الشرع من مثل هذه الأشياء .
المسألة الثانية : حكم أن تنتخب المرأة :
ذكر المانعون أدلة كثيرة لترشح المرأة في الانتخابات ؛ وبناءً عليه منعوا من أن تنتخب , لكن في الحقيقة لمَّا ننظر إلى كلام الطرفين سنجد أن أدلة المانعين ليس لها علاقة بالامتناع عن الترشيح ؛ فإذًا إجراء هذه الأدلة على منع انتخاب المرأة غير صحيح , بل نحن نقول العكس أن خروج المرأة للانتخابات أصبح واجبًا , وقد قال بذلك سابقًا الشيخ صالح بن عثيمين ولجنة الفتوى وعلماء آخرون ؛ لأن هذه شهادة لله , ولابد أن تقيم المرأة الشهادة لله , وإن لم تُعط صوتها إلى الرجل الصالح , سيفوز عليه العلماني الآخر , وتكون بذلك ساعدت على المنكر .
فإذًا ذهابها هذا واجب , لكن يبقى الإشكال في مسألة ترشيح المرأة , وفي الحقيقة هذا إشكال والأدلة تعارضه , فالأدلة على ظاهرها تمنع من ذلك .
فنقول : لا يجوز ترشح المرأة من الجهة النظرية , لكن إذا نظرنا إلى ذلك في واقعنا , سنجد أن ترشح المرأة شرط في الانتخابات أن تكون المرأة في القائمة , ولا يُشترط – والحمد لله – ترتيب معيَّن في القائمة , فمن الممكن أن توضع في آخر القائمة ؛ لأنه لا يفوز في القائمة إلا الأول والثاني , ولا يمكن أبدًا أن نترك الأمر بالكلية لمَن لا يحكم بشرع الله , أو حتى لمَن يؤخر شرع الله , وطبعًا وقتها لن يبقى أمامنا إلا رفع السلاح , وهذا الحل مرفوض جملة وتفصيلاً .
فإذًا إدخال اسم المرأة وترشيحها , هذه ضرورة , وهذه الضرورة هي نفس الضرورة التي جعلتنا ندخل في النظام البرلماني رغم أننا نعلم أنه لا يُحكِّم شرع الله , وإنما قلنا بذلك لأنه سوف يوقف الفساد أو يقلله , فأصبح وجودنا في هذا المكان فرض .
وأمَّا القول بأن المرأة مأمورة بأن تَقَرَّ في بيتها , فأمر المرأة بأن تقرَّ في بيتها , لا يعارضه أن المرأة كانت على عهد النبي r تحافظ على صلاة الجماعة , وتخرج لسؤال النبي r مع إمكان أن ترسل مَن يسأل لها من أهل بيتها من الرجال , وكذا كانت تخرج المرأة إلى الأسواق التي فيها المسلمين واليهود , ومعلوم أن اليهودي الذي راود المرأة على كشف وجهها كان في السوق , بل كانت المرأة تخرج إلى الغزوات ويحملن الأسلحة على عهد النبي r .

انتهي
وكتبه الشيخ ممدوح جابر حفظه الله
لاتنسونا من دعواتكم

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 02-03-2012 الساعة 09:35 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-04-2012, 12:28 AM
علياءب علياءب غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Islam

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-04-2012, 12:16 PM
أبومالك أبومالك غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

جزاكم الله خيراً ونفع بكم وبنقلكم الماتع النافع بإذن الله .
يُثبت لفترة ليعم النفع .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 02-04-2012, 11:24 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

جزاكما الله خيرا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 02-07-2012, 08:33 PM
العربي عوط العربي عوط غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

رفع به الله قدرك وزادك من فضله وإحسانه ومتعك بموفور الصحة
أستادتي الفاضلة
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:30 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.