الأزيز (قصة قصيرة)

[أم حبيبة السلفية]

 

إهداء إلى شيخي ياسر برهامي الذي قالها:

آلام المسلمين بين كيد الأعداء وتفريط الأبناء..
الأزيز
علا أزيزُ صدره وبدا بكاؤه مختنقاً.. تساقطت على وجهه عبراتُها الحارَّة.. اختلطت عبراتها بتراب كانت تسفيه الريح على وجهه الشاحب.. مدت يدها تمسح بعبراتها شفتي وليدِها علَّها تروي ظمأه..
ما أقسى أن تحمل أمٌّ رضيعها بين يديها و.. يصرخ هو.. يتألم.. وتقف هي عاجزة..
لا طعام.. لا شراب.. حتى صدرها جف عن اللبن..
يعلو أزيز صدره فيمزق نياطَ قلبها المهترئة..
تنظر حولها.. تلتفت إلى الشرق والغرب.. تخترق بنظرها الأفق.. أين أنتم؟
أين أنتم يا بني البشر؟
أين أنتم مني ومن رضيعي؟
أزيز صدره.. قلبها المتمزق.. دموعها الحارقة..
ويعلو الأزيز ويعلو.. ثم شهق الرضيع شهقة و..
وخبت الأزيز..
نظرت إليه في يديها وقد سكن جسده..
جمدت دموعها.. ارتجف قلبها رجفة تعجز الأقلام عن نعتها..
نظرت إلى وجهه الشاحب.. وكأنه قد مات قبل موته ألف مرة.. تنظر إلى وجنتيه وقد التصقت حبات الرمال بآثار دموعها على وجهه..
صوت أزيز صدره يدوِّي في أذنيها..
حفرت قبره بيديها.. لفته بخرقته المهترئة.. وسَّدته التراب..
صوت أزيز صدره ما زال في أذنيها..
ولكن خالطه صوت أزيز آخر..
رفعت رأسها لتنظر إلى مصدر هذا الأزيز..
إنها طائرة.. انطلقت من أرض أناسٍ يدّعون حفظ حقوق الكلاب والفئران.. انطلقت نحو قريتها فدكتها دكاً وخلَّفتها حطاماً..
ثم هالها أزيز بنغمة أخرى.. إنها طائرة أخرى انطلقت مُحمَّلة بأنواع الطعام من إحدى الدول الأجنبية تلبية لنداء جوف حاكمٍ مُترفٍ قابعٍ على فرش الديباج..
اختلط صوت أزيز صدر وليدها في أذنيها بأزيز الطائرتين..
اختلط.. ليصنع أبشع نغم عرفه التاريخ..

أبو الفرج المصري
ليلة 29 من المحرم 1428هـ