من هم الصالحون ؟

[ضوء القمر17]

 

فليس كلّ من آمن وعمل صالحا هو من الصالحين ، حيث ليس كلّ من باع أواشترى يسمى تاجرا حتّى تكون التّجارة شأنه.
وليس كلّ من قال بيتا من الشعر يقال له شاعر حتّى يكون الشعرطريقته وديدنه ،
وليس كلّ من عمل صا لحا يسمى صالحا حتّى يكون الصّلاح والعمل الصالح سجيّته وطبيعته وشغله الشاغل.
من أجل هذا نجد الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز جعل أهل الجنة العليا والشريحة المتقّدمة فيها تنقسم الى أربعة شرائح : النبيّون والصّديقون والشّهداء والصّالحون.
وقال سبحانه وتعالى ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)).
إذا ماترقوا فى مجال العمل الصّالح لندخلنهم فى الصا لحين.
وحينئذ فإنّ العمل الصّالح ينبغي أن يترقّى بصاحبه درجة درجة, ومن مرحلة إلإسلام إلى مرحلة الإيمان العام
إلى مرحلةالإيمان الخاص, إلى مرحلة التّقوى,ثم يدخل بعد ذلك فى عالم الصالحين الّذين قال الله تعالى عنهم

ومن أجل هذا نجد أنّ هذا اللفظ العام الّذي يطلق إطلاقا خاصا على بعض عباد الله ممّن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى
نجده فى كتاب الله وصفا متميزا يصف الله به من أحبّ من عباده ويغري عباده كلّهم بأن يلحقوا بهم ،
فقد وصف الله تعالى به سيّدنا إبراهيم (عليه السّلام) فقال ((وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)).
ووصف بها أولاده فقال سبحانه وتعالى ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ)).
كما أطلقها الله سبحانه وتعالى على كثير من أنبيائه , كما أطلقها على نوح ولوط وقال تعالى ((كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ)) وهكذا تمنّى ذلك كثير من الأنبياء , كما قال سيّدنا سليمان

وتمنّاها سيدنا نوح (عليه السّلام ) وتمنّاها سيّدنا يوسف (عليه السّلام) (( رَبِّ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)).
فالصّالحون إذاً ليس مجرد عبد من عباد الله تعالى يعمل صالحا وإنّما هو عبد من عباد الله تدرّج فى عمل الصّالحات
حتّى صار الصّلاح ديدنه , وصار الصّلاح سجيّته , فلا تمتد يده إلا إلى خير ، ولاتمشي رجله وقدمه إلا إلى معروف , ولاينطق لسانه إلا بالحسن...وهكذا نظف باطنه ، كما تطهر ظاهره .
من أجل هذا فإنّ الصّالحين قوم من عباد الله سبحانه وتعالى خفّ وزنهم من الأرض وثقل وزنهم فى السماء
, فتعلّقوا بأهداف الله سبحانه وتعالى , من حيث ذكره وشريعته وعلمه ومعرفته , مترقّين فى عالم الكمال والرُقي
حتّى صاروا عباد الرحمن الّذين وصفهم الله سبحانه وتعالى فى أكثر من مكان فى كتابه العزيز.
من أجل هذا أهاب الله سبحانه وتعالى بعباده جميعا المؤمنين به أن يرتقّوا فى عالم الكمال بالعمل الصالح حتّى يصبحوا محترفين للصّلاح معروفين به , يذكرون فى الملإ الأعلى بأنهم من الصّالحين , أولئك هم أولياء الله الّذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون , وإنّ الصالحين شرائح متعدّدة وقد بيّنهم الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز على فترات , وعلى مراحل من آياته وسور الكتاب , وعلى المتدبّر لهذا الكتاب أن يعرف كيف يمكن أن يكون له من الصالحين , ولابدّ له أن يفعل ذلك إذا أراد أن يكون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً.

كلمات الدكتور أحمد الكبيسي