انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2016, 03:25 PM
ابن الخليج ابن الخليج غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي التشريع مع الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

التشريع مع الله
قال تعالى

وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ(30) سورة ابراهيم

فمن شرع للناس نظاماً لم يأذن به الله فقد جعل من نفسه شريكاً لله عز وجل ، يقول ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية من تفسيره (4/112) : " أي هم لا يتبعون ما شرع الله من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة " .
6- ومن ذلك قوله تعالى عن اليهود والنصارى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً سبحانه وتعالى عما يشركون } التوبة :31 . فمن المعلوم أن عبادة اليهود والنصارى للأحبار والرهبان إنما كانت في طاعتهم لهم في تحريمهم الحلال وتحليلهم الحرام ، وقد ورد في ذلك حديث عدي بن حاتم عند الترمذي (3095) وابن جرير(16631،16632، 16633) والبيهقي (10/116) والطبراني في الكبير (17/92) وغيرهم وفيه " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " ، قال الترمذي : "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث " أ.هـ، والحديث حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/67) وضعفه بعضهم وعلى كل حال فمعناه صحيح لا نعلم فيه خلافاً ، قال في فتح المجيد (ص79 ) حول هذه الآية "فظهر بهذا أن الآية دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله أو تحريم ماأحله الله وأطاعه في معصية الله واتبعه في ما لم يأذن به الله فقد اتخذه رباً ومعبوداً وجعله لله شريكاً ... " .
7- ومن ذلك قوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ... } الأنعام :121 ، فقد جاء في سبب نزول هذه الآية أن المشركين قالوا للمسلمين : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله وتأكلون ما ذبحتم أنتم ولا تأكلون ما قتل الله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
[ راجع تفسير ابن كثير 2/172 ]
، قالوهذه الآية تبين بعمومها أن اتباع غير شرع الله شرك بالله ابن كثير في تفسيره (2/172) : " أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك كقوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ... } الآية ..." . أ.هـ
ولا شك أن اتباع هذه القوانين الوضعية المنافية لشرع الله عدول عن شرع الله وطاعة لواضعيها من شياطين الإنس والجن ، وقد قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان (4/91) عند حديثه عن قوله تعالى : { ولا يشرك في حكمه أحداً } : " ويفهم من هذه الآيات كقوله {ولا يشرك في حكمه أحداً } أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرع الله أنهم مشركون بالله ، وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أُخر كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لماشرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى { ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } ..." أ.هـ
8- وقد وقع الإجماع على أن التشريع من دون الله والتحاكم إلى غير شرعه كفر أكبر مخرج من الملة :
فقد قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (13/128) بعد أن نقل عن الجويني نتفاً من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعضغير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد الكتاب وكفر ببعض كما قال تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } .." [ مجموع الفتاوى 28/524] .
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (3/267) : " والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال -المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء". أ.هـ
وأقول : كم حلل حكامنا من الحرام المجمع عليه وكم حرموا من الحلال المجمع عليه وكم بدلوا من الشرع المجمع عليه ، يعرف ذلك كل مطلع على أحوالهم عارف بأمورهم كما يأتي بيانه بمشيئة الرحمن .
وقال الشنقيطي في أضواء البيان (3/400) في تفسير قوله تعالى { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } : " ... فهو قسم من الله جل وعلا أقسم به على أن من اتبع الشيطان في تحليل الميتة أنه مشرك وهذا الشرك مخرج من الملة بإجماع المسلمين " .
وقال عبد القادر عودة : " ولا خلاف بينهم ( أي الأئمة المجتهدين ) قولاً واعتقاداً في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وتعطيل أحكام الإسلام وشرع ما لم يأذن به الله إنما هو كفر وردة وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين .. " . [ الإسلام وأوضاعنا القانونية ص:60 ]
وبعد .. فهذه النصوص القرآنية الواضحة ومعها الإجماع المذكور تبين بأجلى عبارة أن التشريع من دون الله والتحاكم إلى غير شرعه كفر أكبر مخرج من الملة ، ومتى كان الأمر كذلك لم يكن التفصيل المنقول عن ابن عباس وارداً في هذه المسألة ، وإنما هو وارد في موضوع القضاء ، وأن الكفر الأصغر إنما يكون في انحراف بعض الحكام والقضاة واتباعهم للهوى في ما يقضون به بين الناس مع كونهم عارفين بتقصيرهم لا يفضلون غير شرع الله عليه ولا شريعة لهم يحتكمون إليها إلا شريعة الإسلام .
ثانياً : الأدلة على أن القوانين الوضعية كفر بواح
لقد كان ما سبق بياناً لحكم التشريع من دون الله بصفة عامة ، ونريد الآن أن نتحدث بصفة خاصة عن القوانين الوضعية التي ألزم حكامنا الناس بالتحاكم إليها لنبين - لمن لا يعلم - أنها أحلت الحرام وحرمت الحلال وبدلت الشرع مما يعني أنها كفر وردة باتفاق الفقهاء كما سبق نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وسأكتفي هنا بذكر أمثلة قليلة توضح ماأقول :
أ - فأما تحليل الحرام فإن قانون العقوبات المصري يخلو من نص يحرم الزنا إذا وقع من غير متزوج أو غير متزوجة ، ومعنى ذلك أن الزنا في هذه الحالة مباح لأننا نعلم أن القاعدة عند أهل القانون أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وأيضاً فإن الزنا إذا وقع من الزوج في غير منزل الزوجية فإنه مباح في قانون العقوبات المصري لأنه ينص في مادته السابعة والسبعين بعد المئتين على أن " كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لاتزيد عن ستة أشهر " ، كما أن الزنا إذا وقع من الزوجة برضا زوجها فإنه لا يعد جريمة يعاقَب عليها لأن المادة الثالثة والسبعين بعد المئتين من قانون العقوبات تنص على أنه " لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها ... " .
كما أن الدستور المصري وقانون العقوبات يخلوان تماماً من الإشارة إلى حد الردة ومعنى ذلك أن ارتداد المسلم عن دينه مباح عند هؤلاء القوم لما أسلفنا من أن القاعدة عندهم أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وقس على ذلك الكثير مما حرمه الله ورسوله وسكت عنه الدستور والقانون فصار مباحاً عندهم ، بل إن هناك من القوانين ما ينص صراحة على إباحة ما حرمه الله ومثال ذلك المادة (226) من القانون المدني المصري التي تبيح بل تلزم بدفع الفوائد (أي الربا ) علي التأخير في سداد الديون وذلك حيث نصت على أنه " إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها 4% في المسائل المدنية ، 5% في المسائل التجارية ، وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها وهذا ما لم ينص القانون على غيره " .
كما تنص المادة (228) مدني على أنه " لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضرراً لحق به من هذا التأخير " .
ب- وأما تحريم ماأحله الله فمثاله المادة (201) من قانون العقوبات المصري والتي تنص على أن " كل شخص ولو كان من رجال الدين أثناء تأدية وظيفته ألقى في أحد أماكن العبادة أو في حفل ديني مقالة تضمنت قدحاً أو ذماً في الحكومة أو في قانون أو في مرسوم أو قرار جمهوري أو في عمل من أعمال جهات الإدارة العمومية أو أذاع أو نشر بصفة نصائح أو تعليمات دينية رسالة مشتملة على شيء من ذلك يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .." .
فهذه المادة تجعل النصيحة الدينية التي هي واجب شرعي غير جائزة وتعاقب من أقدم عليها ، وهذا تحريم صريح لما أحله -بل لما أوجبه- الله تعالى .
ج- وأما تبديل شرع الله فأمثلته كثيرة منها :
نص المادة (274) من قانون العقوبات التي تنص على أن "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين ، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرته لها كما كانت" . وأما الزوج الزاني فقدسبق أن المادة (277) تنص على أنه إذا زنى في منزل الزوجية فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر ، وفي هذا كله تبديل لحد الرجم ، كما أن إعطاء الزوج حق إيقاف العقوبة في حالة زنى الزوجة تبديل لشرع الله أيضاً ، وغير ذلك كثير.
د- ويكفي أن نعلم هنا أن حق التشريع قد فقد نصت المادة (86) من الدستور المصري على أنه " يتولى مجلسأعطي لغير الله لايجوز أن ينازعه فيهالشعب سلطة التشريع .. " ، والتشريع كما أسلفنا حق خالص لله أحد ، والمادة المشار إليها لم تقيد سلطة المجلس في التشريع بأي قيد فلم تقل مثلاً " فيما لايخالف الشريعة " ، ومعنى ذلك أنهم يشرعون ما يشاؤن أو ما يشاء حاكم البلاد .
ومن أجل ذلك قلنا إن هذه القوانين الوضعية مناقضة لشرع الله بل إنها محادة له أكبر المحادة ، وإن من سنها فقد كفر ومن رضي بها وحمل الناس على التحاكم إليها فقد كفر .
وقد تفطن إلى هذا الذي قلناه كثير من علماء العصر فبينوا خطورة هذه القوانين الوضعية وبينوا أنها كفر صريح مخرج من الملة ، وإني أسوق هنا طائفة من أقوالهم في ذلك لعلها تقنع الشيخ الألباني بأن ما نقوله ليس قول الخوارج وليس مخالفاً لقول الفرقة الناجية التي نسأل الله أن يثبتنا على معتقدها حتى نلقاه إنه جواد بركريم :
1- فمن هؤلاء العلماء : العالم الجليل الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال في رسالة تحكيم القوانين : " إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين فيمنزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } ... " . [ رسالة تحكيم القوانين ص: 5]
ويقول أيضاً في نفس الرسالة : " فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم ، فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة " . [المصدر السابق ص20-21]
2- ويقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على ما سبق نقله من كلام ابن كثير حول الياسق الذي كان يتحاكم إليه التتار : " أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمان سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت ، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر ... إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امريء حسيب نفسه ... " [ عمدة التفسير 4/ 173-174 ] .
3- وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (4/92) عند الحديث عن قوله تعالى { ولا يشرك في حكمه أحداً } الكهف :26 ، قال بعد أن ذكر طائفة من الآيات الدالة على أن التشريع من دون الله كفر : " وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهرغاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم " .
4- ويقول الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي في حاشيته على زاد المستقنع المسماة بالسلسبيل في معرفة الدليل : " .. فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد ، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلا بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدةً وعبادةً وأحكاماً وأخلاقاً وسلوكاً ونظاماً ، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله ، هو حكم بأحكام طاغوتية ... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة فمن فرق بينها في الحكم فهوملحد زنديق كافر بالله العظيم ". [ السلسبيل 2/384].
5- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في رسالة ( نقد القومية العربية ) : " الوجه الرابع من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولابد إلى رفض حكم القرآن لأن القوميين من غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف ، وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة ... ". [ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 1/309]
6-وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله : " من أصدر تشريعاً عاماً ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملة كافراً " أ.هـ
[ انظر عن كتاب أهمية الجهاد في نشر الدعوة لعلي بن نافع العلياني ص 196] .
7- وقال الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في تعليقه على كتاب فتح المجيد (ص 275-276) : " الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله ... ويدخل في ذلك ولا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها ، والقوانين والدساتير الوضعية نفسها طواغيت وواضعوها طواغيت ومروجوها طواغيت .. ".
وقال في نفس المصدر (ص 387) تعليقاً على كلام ابن كثير في ياسق التتار : " ومثل هذا وشر منه من اتخذ كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال فهو بلا شك كافر مرتد إذاويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه أي اسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها ... " .
8- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : " من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاًبه أو احتقاراً له أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، ومن هؤلاء من يصنعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية ، لتكون منهاجاً يسير عليه الناس ، فإنهم لم يصنعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " . [ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 2/143] .
وقال تعليقاً على شريط للشيخ الألباني قرر فيه أنه لا يحكم بكفر الحاكم الذي لايحكم بما أنزل الله إلا إذا اعتقد حل ذلك قال : " ... ولكننا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، هذه المسألة تحتاج إلى نظر لأننا نقول من اعتقد حل ذلك -حتى لو حكم بحكم الله ،وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى - فهو كافر كفر عقيدة . لكن كلامنا على العمل ، وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه بعباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع هذا هو الظاهر ، وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟ قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول هذا كافر كالمداهن في بقية المعاصي " . [ من كتاب فتنة التكفير للعلامة الألباني مع تعليقات للشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين هامش ص28].
9- وقال الشيخ صالح الفوزان في كتابه الإرشاد إلىصحيح الاعتقاد (1/72) : " فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله } وقال : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } ... " .
وقال في نفس الكتاب (1/74) بعد نقله لكلام ابن كثير حول الياسق : " ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلاً عن الشريعة الإسلامية مثله القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية ... " .
10- ولو ذهبنا نستقصي كلام العلماء في هذه القوانين الوضعية وكفر من تحاكم إليها لوجدنا الكثير وفيما ذكرناه كفاية ، غير أني أحب في ختام هذه النقول أن أحتج على الشيخ الألباني بما قاله هو نفسه وذلك حسبما ورد في كتاب (فتاوى الشيخ الألباني ومقارنتها بفتاوى العلماء) حيث جاء فيه في ص (263) نقلاًعن شريط يحمل الرقم الواحد والسبعين بعد المائة على لسان الشيخ متحدثاً عن حوار جرى بينه وبين أحد القساوسة : " ... بينت له أن المسلمين ما كفروا أتاتورك لأنه مسلم ، لا ، لأنه هو تبرأ من الإسلام حينما فرض على المسلمين نظاماً غير نظام الإسلام ، من جملتها مثلاً أنه سوى في الإرث بين الذكر والأنثى ، والله يقول عندنا { للذكر مثل حظ الأنثيين } ثم فرض على الشعب التركي المسلم القبعة ...". أ.هـ
فنحن نلاحظ هنا أن الشيخ قد دافع عن تكفير أتاتورك وعلل ذلك بأنه فرض على المسلمين نظاماً غير نظام الإسلام ، وأقول فما الفارق إذن بين أتاتورك وغيره من الحكام الذين فرضوا أيضاً على الشعوب المسلمة نظاماً غير نظام الإسلام فيه إسقاط حد الردة وحد شرب الخمر وحد الزنا وحد السرقة وغير ذلك ، وفيه أيضاً ما هو أشد من فرض القبعة على المسلمين ألا وهو فرض حلق اللحية على الضباط والجنود في الجيش والشرطة بحيث يحاكم أحدهم إذا أعفى لحيته ، كما أن بعض الأنظمة العربية تحظر على النساء ارتداء الحجاب الشرعي ، وفي مصر أصدر وزير التعليم منذ فترة قراراً يمنع طالبات المدارس من تغطية رؤوسهن بالخمار الشرعي إلا أن تأتي الواحدة منهن بموافقة ولي أمرها أما ستر الوجه فقد منعه الوزير تماماً معللاً ذلك بأنه لباس غير أخلاقي ، إننا في الحقيقة لانجد فارقاً بين أتاتورك وغيره من هؤلاء الحكام الذين أشرنا إليهم وسنظل نقول ذلك حتى يأتينا الشيخ حفظه الله ببرهان على غير ذلك والله المستعان .
ثالثاً : أقوال العلماء المعاصرين
في أن أثر ابن عباس لا ينطبق على حكام عصرنا
لقد كان حديثنا في النقطتين السابقتين حول التشريع من دون الله وبيان أنه كفر أكبر ، ثم حول القوانين الوضعية وبيان أنها كفر صريح ، ونريد الآن أن نخوض في مسألة أكثر خصوصية وهي بيان أن قول ابن عباس لا ينطبق على حكام عصرنا وقوانينهم الوضعية الباطلة ونكتفي في هذه النقطة بنقل أقوال بعض أهل العلم المعاصرين ممن خبروا تلك القوانين وشاهدوا آثارها المدمرة ، ومقصودنا هنا أن نبين للشيخ حفظه الله أننالم نأت ببدع من القول حين ذكرنا أن قول ابن عباس غير وارد فيمن شرع للناس قانوناً ما أنزل الله به من سلطان فنقول وبالله التوفيق :
1- قال الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر في عمدة التفسير (4/156-158) تعليقاً على أثر ابن عباس المشار إليه : " وهذه الآثار عن ابن عباس وغيره مما يلعب بها المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجرآء على الدين يجعلونها عذراً أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام . وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه فيما كان يصنع بعض الأمراء من الجور فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة عمداً إلى الهوى أو جهلاً بالحكم ، والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر ، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء ليكون ذلك عذراً لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف ، وهذان الأثران رواهما الطبري (12025) ،(12026) وكتب عليهما أخي السيد محمود محمد شاكر تعليقاً نفيساً جداً قوياً صريحاً... " ثم ذكر الشيخ نص أولى الروايتين ثم قال :" فكتب أخي السيد محمود محمد شاكر بمناسبة هذين الأثرين ما نصه : " اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة ، وبعد فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام . فلما وقف على هذين الأثرين اتخذهما رأياً يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي عنها والعامل عليها ... ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلطان ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه ، ولذلك قال لهم في الخبرالأول (12025) : ( فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً ) وقال لهم في الخبر الثاني : ( إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب ) وإذن فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام فهذا الفعل إعراض عن حكمبالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه .... فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها رغبة في نصرة سلطان أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله ، أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين " .
فهذا الكلام من الشيخ أحمد شاكر وإقراره لكلام أخيه واضح وضوح الشمس في التفرقة بين الحال التي قصدها ابن عباس وأبو مجلز والحال التي نحن فيها الآن ، وأن كلامهما وارد في أمراء الجور الذين يحكمون في قضية أو قضايا بغير ما أنزل الله مع كون الشريعة التي يحتكمون إليها هي شريعة الإسلام ، وليس وارداً في من سن للناس قانوناً مخالفاً لشرع الله وألزمهم بالتحاكم إليه .
2- ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة وإما كفر عمل لاينقل عن الملة ، أما الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع .... الخامس وهوأعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً .... فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع فلهذه المحاكم مراجع هي القانونمستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله الملفق من شرائع شتي كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني وغيرها من القوانين ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغيرذلك ... فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ... " إلى أن قال رحمه الله : " وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وهوالذي لا يخرج من الملة فقد تقدم أن تفسير ابن عباس ... قد شمل ذلك القسم ... وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى " [ رسالة تحكيم القوانين ص:15-24] .
وقد مر بنا من قبل حكم الشيخ بأن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين في الحكم بين العالمين ، فالشيخ رحمه الله يبين أن اتخاذ قانون مخالف لشرع الله والخضوع له كفرأكبر مخرج من الملة وأن الكفر الأصغر المفهوم من كلام ابن عباس إنما هو في حق من حملته شهوته على الحكم بغير ما أنزل الله في قضية أو قضايا مع اعترافه بالتقصير وعدم اتخاذه قانوناً مخالفاً لشرع الله.
3- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين : " هل هناك فرق بين المسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي وبين المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً ؟ فأجاب حفظه الله : " نعم هناك فرق ، فإن المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً لا يتأتى فيها التقسيم السابق ، وإنما هي من القسم الأول فقط ، لأن هذا المشرع تشريعاً يخالف الإسلام إنما شرعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام وأنفع للعباد كما سبقت الإشارة إليه " [ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/144) ] ، وقول الشيخ : وإنما هي من القسم الأول فقط : أي من القسم الذي نفى الله عنه الإيمان فهو من الكفر الأكبر المخرج من الملة [ راجع المصدر نفسه 2/141].
وإذن فهذا الذي يعتبره الشيخ تأويلاً هزيلاً ليس مجرد قول خال عن الدليل يلقيه بغير علم بعض الجهال ممن يسميهم الشيخ ومن معه بخوارج العصر ، وإنما هو قول المحققين من علماء أهل السنة والجماعة .في عصرنا ممن خبرتلك القوانين وعرف مناقضتها لكتاب الله وسنة رسوله
بل إنني أدعو الشيخ الألباني إلى أن يتأمل عبارة الإمام ابن القيم عند حديثه عن الاختلاف في تفسيرقوله تعالى {ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولئك هم الكافرون } حيث قال رحمه الله في مدارج السالكين (1/337) :"والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر ، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه بأنه حكم الله فهذا كفر أكبر ، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطيء له حكم المخطئين".أ.هـ
والمقصود هنا هو التأمل في قوله رحمه الله ( في هذه الواقعة) فهو يتحدث عن واقعة يقضي فيها الحاكم بغير ما أنزل الله ، أي أنه يعني بالتفصيل المذكور حالة القضاء أو إصدار أمر في واقعة بعينها ولا يقصد التشريع العام ، إذ إنه لو قصد التشريع لما كان لقوله (في هذه الواقعة ) معنى لأن المشرع لا يشرع لواقعة بعينها بل يشرع حكماً عاماً يلتزم به الناس في حياتهم ، وهذا يؤكد صحة ما قلناه من أن قول ابن عباس يتناول حالة القضاء لاحالة التشريع والله أعلم .

رابعاً : بيان كفر الحكام الحاليين
حتى لو طبقنا قول ابن عباس عليهم
وذلك أنه قد تبين لنا مما نقلناه عن أهل العلم سابقاً أن كلام ابن عباس يدل على أن من قضى بين الناس في واقعة أو وقائع بغير شرع الله فهو دائر بين الكفرين الأصغر والأكبر وأنه إن كان الحامل له على ذلك شهوته وهواه مع اعترافه بأنه عاص مقصر وأن حكم الله هو الحق فهذا كفره كفر اصغر ، وأما إن كان فعل ذلك جاحداً لحكم الله أو معتقداً أن حكم غير الله أفضل من حكم الله أو مثله أو أنه مخير في الحكم بشرع الله أو مستهيناً بشرع الله فهذا كفره كفر أكبر مخرج من الملة .
وقد بينا أن الحاكم الذي يشرع للناس من دون الله أو يحملهم على التحاكم إلى غير شرع الله غير داخل في هذا التفصيل ، ومع ذلك فإننا نقول : سنفترض أنه يمكن تطبيق قول ابن عباس على الحاكم الذي يشرع من دون الله فإن أي منصف لابد أن يصنف حكامنا هذه الأيام في عداد من وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة ، وذلك لأن قرائن أحوالهم لا تدل أبداً على أنهم ممن غلبت عليهم شهوة أو هوى فحكموا بغير ما أنزل الله مع اعتقادهم بوجوب الحكم بما أنزل الله واعترافهم بأنه عاصون مستحقون للوعيد :
- فحين استهزأ حاكم مصر السابق بالحجاب الشرعي فوصفه بأنه خيمة فهل كان يمكن القول إنه معترف بتقصيره وانه قد حملته شهوته وهواه على ترك الحكم بشرع الله ؟ أم أن هذا الاستهزاء في حد ذاته دليل على رفضه لشرع الله وتفضيله أحكام البشرعليه ؟ .
- وحين يمنع النظام المصري الحالي مجرد مناقشة تطبيق الشريعة في مجلس الشعب فهل لذلك من معنى إلا أنهم لا يرغبون حتى في التفكير في تطبيق شرع الله ؟
-وحينما يرسل رئيس مصر الحالي إلى جعفر نميري ( رئيس السودان الأسبق) حينما أعلن تطبيق الشريعة في السودان محذراً إياه من ذلك ، وحين يتباهى رئيس النظام المصري بأنه نصح الرئيس التونسي بقمع الإسلاميين المطالبين بتحكيم الشريعة والشدة معهم مشيراً إلى أنه حين استجاب لنصحه لم يحدث له ما حدث للرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد الذي لم يعمل بتلك النصائح فحدث له ما هو معلوم ؛ أقول حين يحدث ذلك فهل يمكن القول إن حاكم مصر من النوع الذي حملته شهوته وهواه على ترك الحكم بما أنزل الله مع اعترافه بتقصيره وعصيانه ؟ ، وإذا كانت شهوته قد حملته على الحكم بغير شرع الله في بلده فما شأنه بغيره من الحكام ؟ ولماذا ينصحهم بعدم الحكم بشرع الله ؟ ولماذا ينصحهم بقمع الداعين إلى شرع الله؟ ولماذا يقدم لهم الخبرة والمعونة في التعامل مع هؤلاء الدعاة وكيفية القضاء عليهم ؟ إنني لا أفهم لذلك كله معنى إلا أنه يرفض شرع الله من حيث الأصل ويؤثر أهواء البشر عليه .
- بل إنني أقول إن أحسن هؤلاء الحكام حالاً من يقول بالديمقراطية ؛ أي يقول أنا مع الشعب فإن اختار الشريعة الإسلامية فلن أمانع في ذلك ، ومع ذلك فهذا الذي هو أحسنهم حالاً كافر خارج من الملة كما بينه تفصيل الإمام ابن القيم حيث قال : " وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر " [ المدارج : 1/337] . فهذا الذي أرجع الأمر إلى الشعب قد اعتقد أنه مخير في الأمر وأنه لا يلزمه حكم الله ، وفعله وقوله يدلان على ذلك ، وهو باستشارته البشر في العمل بشرع الله قد خرج عن حكم أهل الإيمان لأن الله تعالى يقول : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } الأحزاب :36 .
- وحكامنا قد قامت عروشهم على فكرة العلمانية التي تعني الفصل بين الدين والدولة ، وقد كان حاكم مصر السابق يردد كثيراً مقولته الشهيرة " لادين في السياسة ولاسياسة في الدين " ، ولا يزال حكامنا يسيرون على نفس المنوال مقسمين حياة الناس بين الله وبين أهواء البشر مرددين " أعط مالله لله وما لقيصر لقيصر " ، فتركوا لله جانباً يسيراً من حياة الناس وهو المتمثل في بعض العبادات ، أما حياة الناس العامة من سياسة واقتصاد واجتماع وغيره فقد تركوها لأهواء الذين لا يعلمون فكانوا كمن قال الله فيهم { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } البقرة : 85 .
- وهم يصرحون دائماً بأنه لافرق بين المسلم وغيره في ظل دولتهم العلمانية ويرفعون شعار (الدين لله والوطن للجميع) ، ويعتبرون أحكام أهل الذمة أحكاماً رجعية قد عفى عليها الزمن وحل محلها مفهوم المواطنة الذي يعني المساواة بين سائر المواطنين ، ولا شك أن هذا رفض لأحكام الله وامتناع عن تطبيقها وهو الكفر بعينه ، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والأفتاء (1/541): " وأما من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر " .
- وحكامنا الآن قد صار هاجسهم الأول وشغلهم الشاغل هو كيفية القضاء على الحركات الإسلامية الداعية إلى تحكيم شرع الله ، وهاهو النظام المصري ينكل بالدعاة ما بين تشريد وتعذيب وقتل في الشوارع وعلى أعتاب المساجد ، وها هي المساجد تقتحم وتنتهك حرماتها من قبل زبانية النظام على مرأى من الناس ومسمع ، وها هي المحاكم العسكرية لا تزال تدفع بخيرة شباب مصر إلى المقاصل لا لشيء إلا أنهم يدعون إلى شرع الله ويريدون أن يحكمهم كتاب الله وسنة رسوله ، فهل يقال في مثل هذا النظام إنه معترف بتقصيره مقر بأنه عاص مستحق للعقوبة وهو الذي صرح رئيسه في العام 1986 م بأن الجماعات الإسلامية مرض يجب القضاء عليه ، وبأنهم يجربون الوسائل من أجل القضاء على تلك الجماعات ، ثم صرح في أول ولايته الثالثة عام 1993م بأن أول المهام التي سيتفرغ لها القضاء على التطرف ، وكلنا يعلم أنه لا يعني بالتطرف إلا الدعوة إلى حكم القرآن والسنة .
- وحكامنا يوالون اليهود والنصارى وينصرونهم على عباد الله الموحدين ، وما مؤتمر شرم الشيخ عنا ببعيد ، وقد عقد في العام 1996م من أجل مناصرة حكومة اليهود وعلى رأسها في ذلك الوقت شمعون بيريز ، وذلك بعد عدة عمليات جهادية قوية نفذها أعضاء حماس والجهاد في فلسطين المحتلة ، فهذا المؤتمر عقد على أرض مصرية وبأوامر من "كلينتون " سيد أولئك الحكام ، ومقصوده كما أسلفنا نصرة اليهود على المجاهدين في فلسطين المسلمة.
- وحكامنا ذهبوا إلى فلسطين المحتلة يذرفون الدموع حزناً على الإرهابي المجرم (رابين ) ، بينما لم نسمع لهم صوتاً حين قتل اليهود المجاهد (يحيى عياش ) والمجاهد ( فتحي الشقاقي ) ، بل لعل الأقرب إلى المنطق والواقع أنهم كانوا من الشامتين في مقتل هذين الرجلين وأمثالهما من المجاهدين ؛ لأن وجود هؤلاء المجاهدين عقبة في طريق سلامهم المزعوم مع اليهود.
- وحكامنا قد تركوا الجهاد في سبيل الله (سواء كان طلباً أو دفعاً ) ، والشيخ الألباني يقول :" .. أي حاكم في الدنيا إذا قيل له لماذا لاتجاهد في سبيل الله ؟ إذا قال الآن ليس هناك جهاد ، الآن حرية ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إلى آخره من هذه التأويلات التي ما أنزل الله بها من سلطان فهذا المنكر للجهاد كشرع هذا هو الكافر ، أما الذي يعتقد أنه يجب أن يجاهد ، لكن الله يعينا وليس عندنا الاستعداد كما ينبغي وريثما نستعد ، إلى آخره وهو يستطيع أن يستعد فيكون آثماً " . [ فتاوى الشيخ الألباني ص: 303-304 ]
وحكامنا حين تركوا الجهاد بنوعيه لم يقولوا : ( الله يعينا ) أو: (نحن مقرون بوجوب الجهاد لكن ليس عندنا القدرة ) ، إنما هم من النوع الأول الذي حكم الشيخ بكفره ؛ ذلك أنهم لايقرون بمبدأ الجهاد لنشر الإسلام ويسخرون ممن ينادي بذلك ، وهم يقرون بدلاً من ذلك بما قررته الأمم المتحدة من أنه لايجوز استعمال القوة إلا دفاعاً ، ومع ذلك فحتى الجهاد الدفاعي ضد اليهود قد أغلقوا بابه وقد أعلن حاكم مصر السابق أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب بيننا وبين اليهود ، ولا يزال حكامنا الحاليون يرددون أن السلام خيارهم الوحيد ، ولوكانوا ممن يقرون بالجهاد ولكنهم يقولون ( الله يعينا ) على حد تعبير الشيخ لتركوا غيرهم يجاهد ، ولكنهم على العكس من ذلك لا يفتأون يعادون من ينادي بالجهاد لتحرير فلسطين ويتعاونون مع حكومة اليهود في القضاء على المجاهدين .
وبعد فهذا غيض من فيض مما يمكن أن يقال عن حكامنا وبيان أنه لا يمكن أن يقال في شأنهم إنهم تركوا الحكم بما أنزل الله لشهوة نفس أو هوى قلب ، بل هو إيثار لأهواء أهل الأرض على شريعة رب الأرض والسماء ، ومثل هؤلاء لايستقيم عند أهل الحق أن يوصف كفرهم بالكفر الأصغر بل هو الكفر الأكبر والردة السافرة والله أعلم.
وأخيراً فلعل القاريء يلحظ تركيزنا على حكام مصر فهم الذين عرفناهم وخبرنا أحوالهم ، وما نحسب غالبية حكام المسلمين اليوم إلا أمثالهم ومع ذلك فمن وجدناه من هؤلاء الحكام غير متلبس بما أسلفنا من صفات الكفر فليس داخلاً في ما ذكرناه ، هذا مع العلم بأن من حكام المسلمين اليوم من هو كافر بأصل مذهبه ومعتقده أو فكره المخالف للشرع بغض النظر عن قضية الحكم ، وذلك كمن يعتقد بمذهب النصيرية ، أو من ينكر السنة ، أو من يدين بمباديء حزب البعث والله أعلم . "


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:25 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.