انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #81  
قديم 08-09-2008, 12:17 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Islam

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكي الله خيرا اختي الغالية ام الخنساء وبارك لكي

جزاكي الله خيرا اختي العزيزة محبة الرحمن واختي الحبيبة نور الهدي المغربية

والله اني احبكم في الله واسالكم الدعاء في هذه الايام المباركة

وجزاك الله خيرا :003:


وادعو الله ان يبارك لنا في شعبان ويلغنا رمضان آميييييييييين




--------------------------------------------------------------------------------
رد مع اقتباس
  #82  
قديم 08-09-2008, 03:59 AM
أبويوسف السلفي أبويوسف السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

جزاكم الله خيرا على الموضوع
رد مع اقتباس
  #83  
قديم 08-09-2008, 04:50 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




I15

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هانحن في شعبان كل عام وانتم بخير

واذكركم بصوم 13 و 14 و15 وذلك يوم الخميس والجمعة والسبت القادم اي ابتداء من 14\8
.................................................. ...........

:astagfor:

بلاغ

هنك جمعية في الاسكندرية تقوم بارسال كتب ومصاحف لغير المسلمين وذلك 111 لغة ونوه عنها د\ حازم شومان جزاه الله خيرااااااااا
وفعلا اسلم الالاف بفضل الله عز وجل فهيا تبرع وشارك في هذا العمل العظيم فتخيل ان يجعلك الله سبب في ان يقول احدهم اشهد ان لااله الا الله وان محمدا رسول الله

وان لم تستطع التبرع استحلفك بالله ان تبلغ (الدال علي الخير كفاعله )

(لان يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حمر النعم )

اسم الجمعية \ دار تبليغ الاسلام

رقم المسئول عن الجمعية فودافون ***6100335
رد مع اقتباس
  #84  
قديم 08-09-2008, 05:21 AM
ام حلا السلفيه ام حلا السلفيه غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

رد مع اقتباس
  #85  
قديم 08-09-2008, 09:34 PM
ايوبة الصبر ايوبة الصبر غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

جزاكى الله خيرا اختاه
فقيام الليل من اروع العبادات ونصيحة غالية اسال الله ان يهبنا قيام الليل وان يجعلنا من المتقين القانتين
رد مع اقتباس
  #86  
قديم 08-11-2008, 04:38 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




I15

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله لكم اخواتي الحبيبات وجزاكم الجنة

وادعو الله ان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه


واذكركم بصوم 13 و 14 و15 وذلك يوم الخميس والجمعة والسبت القادم اي ابتداء من 14\8
.................................................. ...........



بلاغ

هنك جمعية في الاسكندرية تقوم بارسال كتب ومصاحف لغير المسلمين وذلك 111 لغة ونوه عنها د\ حازم شومان جزاه الله خيرااااااااا
وفعلا اسلم الالاف بفضل الله عز وجل فهيا تبرع وشارك في هذا العمل العظيم فتخيل ان يجعلك الله سبب في ان يقول احدهم اشهد ان لااله الا الله وان محمدا رسول الله

وان لم تستطع التبرع استحلفك بالله ان تبلغ (الدال علي الخير كفاعله )

(لان يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حمر النعم )

اسم الجمعية \ دار تبليغ الاسلام

رقم المسئول عن الجمعية فودافون ***6100335
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 08-11-2008, 02:19 PM
أم حُذيفة السلفية أم حُذيفة السلفية غير متواجد حالياً
اللهم إليكَ المُشتكى ,وأنتَ المُستعان , وبكَ المُستغاث , وعليكَ التُكلان
 




افتراضي

جزاكم الله خير
بارك الله فيكم جميعا
رد مع اقتباس
  #88  
قديم 08-12-2008, 02:57 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Islam



تحقيـــــــــق العبـــــــادة

أولاً: معنى العبادة في اللغة والشرع:

أ- في اللغة: العبادة والعبدية والعبودية: الطاعة([1]).

وفي لسان العرب: أصل العبودية: الخضوع والتذلل.

والتعبد: التنسك, والعبادة: الطاعة.

والتعبد: التذلل, والتعبيد: التذليل.

بعير معبد: مذلل, وطريق معبد: مسلوك مذلل([2]).

ويرى أبو الأعلى المودوي في معنى العبادة استنادًا إلى الاستعمال اللغوي لمادة (ع ب د) أن أصل معنى العبادة هو الإذعان الكلي, والخضوع الكامل والطاعة المطلقة([3]).

ب- العبادة في الشرع: خضوع وحب([4]), والعبادة المأمور بها العبد تتضمن معنى الذل والخضوع لله, ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له([5]).

قال ابن تيمية -رحمه الله-: (والإله هو المعبود الذي يستحق غاية الحب والعبودية والإجلال والإكرام والخوف والرجاء.....) ([6]).

وينص ابن القيم -رحمه الله-: على أن (العبادة تجمع أصلين غاية الحب بغاية الذل والخضوع)([7]). ودعائم هذه العبادة التي تنتظم أعمال الإنسان كلها القلبية, والعملية الفردية والجماعية: المحبة والخوف والرجاء, وقد جعل ابن القيم هذه الثلاث في قلب المؤمن: (بمنزلة الطائر, فالمحبة رأسه, والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران, ومتى قطع الرأس مات الطائر, ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر) ([8]), وبهذا يتضح مفهوم العبادة في الشرع.

ثانيًا: حقيقة العبادة:

إن من شروط التمكين لدين الله تحقيق العبادة لله في دنيا الناس وعلى الجماعة المسلمة أن تفهم حقيقة العبادة في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين , وأن تعمل على نشر المفهوم الصحيح لمعنى العبادة في شرايين الأمة حتى تخرج من الأوهام والمغالطات والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد ساد بين الناس مفاهيم خاطئة للعبادة, صرفت عقولهم وقلوبهم وأعمالهم عن هذه الوظيفة التشريفية التي خلق الله الإنسان من أجلها, وسخر له كل شيء في نفسه وفي الكون من حوله, ليقوم بها وفق أمر خالقه, وعند تأمل القرآن الكريم والسنة النبوية وما تحويه من أخبار وأوامر ونواه ووعد ووعيد, نجد كلها تدور حول تقرير ألوهية الله سبحانه وتعالى وعبودية الإنسان له.

فإذا كان خلق الإنسان وتسخير الكون له, وإيجاد العقل والقلب والإرادة فيه, وإرسال الرسل وإنزال الكتب وخلق الجنة والنار, وقبيل ذلك وبعده ما تقتضيه صفات الباري -جل وعلا- من كونه في ذاته وأفعاله سبحانه وتعالى حكيمًا عليمًا, خلق كل شيء فقدره تقديرًا, ولم يخلق شيئًا عبثًا ولم يوجد شيئًا لغير حكمة, وإذا كان القرآن المجيد, وما فيه من أخبار وأوامر ووعد ووعيد جاء لأجل هذه المهمة العظيمة, ألا وهي تعبيد الخلق كلهم لله سبحانه فكيف يصح حينئذ أن يتصور أن العبادة هي النية النقية وحسب, أو أنها الشعائر التعبدية فقط, أو أنها لبعض نشاطات الإنسان دون بعض, أو لبعض أفعاله وأحواله دون بعض.

بل إن دائرة العبادة التي خلق الله لها الإنسان, وجعلها غايته في الحياة, ومهمته في الأرض, دائرة رحبة واسعة, إنها تشمل شئون الإنسان كلها, وتستوعب حياته جميعًا, وتستغرق كل مناشطه وأعماله([9]), وبهذا المعنى الشامل, فهم السلف الصالح عبادة الإنسان فردًا كان أو جماعة, وقد لخص هذا المعنى الشامل للعبادة وحدد ماهيتها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حين قال: (العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة, فالصلاة والزكاة والصيام والحج, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, وبر الوالدين, وبر الوالدين, وصلة الأرحام, والوفاء بالعهود, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد للكفار والمنافقين, والإحسان إلى الجار واليتامى والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم, والدعاء والذكر والقراءة, وأمثال ذلك من العبادة, وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له, والصبر لحكمه, والشكر لنعمه, والرضا بقضائه, والتوكل عليه, والرجاء لرحمته, والخوف لعذابه, وأمثال ذلك هي من العبادة لله..) ([10]).

وبهذا التعريف الجامع لا يمكن أن يخرج أي شيء من نشاطات الإنسان وأعماله, سواء كان ذلك في العبادات المحضة, أو في المعاملات المشروعة, أو في العادات التي طبع الإنسان على فعلها.

أما في العبادات والمعاملات المشروعة فإنها مما يحبه الله ويرضاه, وهذا أمره الشرعي الدائر بين الأحكام الخمسة التي اصطلح عليها الفقهاء وهي: (الواجب, والمحرم, والمستحب, والمكروه, والمباح) أما في العادات فالذي لم يحدد منها بأوامر الشرع, ولم يتقيد بأحكامه على وجه الخصوص, فإنه لا يخرج عن كونه داخلاً تحت عمومات الشرع باعتبار عبودية الإنسان في كل أحواله لله سبحانه, وباعتبار أن (العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله, أو فيما يكرهه, فلهذا أيضًا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين في أقوالهم وأعمالهم وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة) ([11]).

وإن كان ينبغي لنا هنا الإشارة إلى أن الأصل في العبادات المحضة المنع حتى يرد ما يدل على مشروعيتها, وأن أصل العادات العفو حتى يرد ما يدل على منعها, وذلك مبني على (أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينه, وعادات يحتاجون إليها في دنياهم, فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله, أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع, وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه, والأصل فيه عدم الحظر, فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى, وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله, والعبادة لابد أن يكون مأمورًا بها, فما لم يثبت أنه مأمور به, كيف يحكم عليه بأنه عبادة؟!.

وما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه, كيف يحكم عليه أنه محظور؟ والعادات الأصل فيها العفو, فلا يحظر منها إلا ما حرم) ([12]).

وهذا التقسيم في الحظر والإباحة لا يخرج شيئًا من أفعال الإنسان العادية من دائرة العبادة لله, ولكن ذلك يختلف في درجته ما بين عبادة محضة وعادة مشوبة بالعبادة, وعادة تتحول بالنية والقصد إلى عبادة, لأن المباحات يؤجر عليها بالنية والقصد الحسن إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة, أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منهما) ([13]).

وقال النووي في شرحه لحديث «في بضع أحدكم صدقة»([14]): (وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنية الصادقة) ([15]).

ومن ذلك يتضح: (أن الدين كله داخل في العبادة, والدين منهاج الله جاء ليسع الحياة كلها, وينظم جميع أمورها من أدب الأكل والشرب وقضاء الحاجة إلى بناء الدولة, وسياسة الحكم, وسياسة المال, وشئون المعاملات والعقوبات, وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب.

إن الشعائر التعبدية من صلاة, وصوم, وزكاة, لها أهميتها ومكانتها ولكنها ليست العبادة كلها؛ بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله تعالى.

إن مقتضى العبادة المطالب بها الإنسان, أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وتصرفاته وسلوكه وعلاقاته مع الناس وفق المناهج والأوضاع التي جاءت بها الشريعة الإسلامية, يفعل ذلك طاعة لله واستسلامًا لأمره..) ([16]).

والدليل على المفهوم الشامل للعبادة, من الكتاب والسنة وفعل الصحابة رضي الله عنهم: فأما من القرآن الكريم فقوله تعالى: *وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56]، *وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" [التوبة:31], *قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ` لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" [الأنعام:163،162], *وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ" [البينة:5].

ومن السنة أحاديث كثيرة بعضها في عموم العادات بدون تخصيص وبعضها الآخر في أفراد السلوك العادي, وفي هذا الأخير دليل وتشبيه على المعنى العام المقصود إثباته هنا فمن ذلك:

قوله e: «إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة, وهو يحتسبها كانت له صدقة» ([17]).

قوله e: «كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم»([18]).

قوله e: «دينار أنفقته في سبيل الله, ودينار أنفقته في رقبة, ودينار تصدقت به على المسكين, ودينار أنفقته على أهلك, أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك» ([19]).

وقال e: «كل سُلامي من الناس عليه صدقة, كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة, وتعين الرجل على دابته فيحمل عليها, أو ترفع له متاعه صدقة, والكلمة الطيبة صدقة, وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة, ودل الطريق صدقة, وتميط الأذى عن الطريق صدقة»([20]).

وأما الاستدلال على عموم العبادة وشمولها لحياة الإنسان بفعل السلف وفهمهم ففيما روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة([21]) في قصة بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن, وفي آخره قال أبو موسى لمعاذ: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: «أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي, فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي»([22]). وفي كلام معاذ رضي الله عنه, دليل أن المباحات يؤجر عليها بالقصد والنية.

وهذا الفهم يجعل المسلم يقبل على شئون الحياة كلها وكله حرص على إتقانها لكونها عبادة لله تعالى ملتزمًا بالشروط الآتية:

1- أن يكون العمل مشروعًا في نظر الإسلام, أما الأعمال التي ينكرها الدين
فلا تكون عبادة بأي حال من الأحوال, قال الرسول : «.. إن الله تعالى طيب لا يقبل
إلا طيبًا..» ([23]).

2- أن تصحبه النية الصالحة, فينوي المسلم إعفاف نفسه, وإغناء أسرته, ونفع أمته, وعمارة الأرض كما أمره الله رب العالمين.

3- أن يؤدي العمل بإتقان وإحسان, قال النبي : «إن الله كتب الإحسان على
كل شيء..» ([24]).

4- أن يلتزم في عمله حدود الله تعالى, فلا يظلم, ولا يخون, ولا يغش, ولا يجور.

5- ألا يشغله عمله لمعاشه عن واجباته الدينية([25]). قال تعالى: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"[المنافقون:9].

إن من أخطر الانحرافات التي وقعت فيها الأجيال المتأخرة من المسلمين انحرافهم في تصور مفهوم معنى العبادة.. وحين يعقد الإنسان مقارنة بين المفهوم الشامل الواسع العميق الذي كانت الأجيال الأولى من المسلمين تفهمه من أمر العبادة, والمفهوم الهزيل الضئيل الذي تفهمه الأجيال المعاصرة, لا يستغرب كيف هوت هذه الأمة من عليائها لتصبح في هذا الحضيض الذي نعيشه اليوم, وكيف هبطت من مقام الريادة, والقيادة للبشرية كلها لتصبح ذلك الغثاء الذي تتداعى عليه الأمم تنهشه من كل جانب كما تنهش الفريسةَ الذئابُ([26]).

إن من شروط التمكين أن يكون مفهوم العبادة في حس الجيل, إن عبادة الله هي غاية الوجود الإنساني كله, ما نفهم من قول الله سبحانه: *وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56].

لقد كان الجيل الأول لهذه الأمة يفهم الحياة كلها على أنها عبادة تشمل الصلاة والنسك, وتشمل العمل كله, وتشمل لحظة الترويح كذلك, فلا شيء في حياة الإنسان كلها خارج من دائرة العبادة, وإنما هي ساعة بعد ساعة في أنواع مختلفة من العبادة, كلها عبادة وإن اختلفت أنواعها ومجالاتها([27]).

وبهذا الفهم العميق لمفهوم العبادة حققت تلك الأمة في سالف عهدها ما حققته من منجزات في كل اتجاه, فحين كانت تمارس الأمة إيمانها الحق, وعبادتها الحقة, وكانت الأخلاق في حسها جزءًا من العبادة المفروضة على المسلم, حدثت إنجازات هائلة لم تتكرر في التاريخ, ففي أقل من نصف قرن امتد الفتح الإسلامي من الهند شرقًا إلى المحيط غربًا, وهي سرعة مذهلة لا مثيل لها في التاريخ كله, ولم يكن الكسب هو الأرض
التي فتحت, وإنما كان الكسب الأعظم هو القلوب التي اهتدت بنور الله فدخلت في دين الله أفواجًا([28]).

وما كانت تلك الأمة لتقدر على دك حصون الشرك, واقتلاعها بمثل هذه السهولة, وبمثل هذه السرعة, وما كانت لتقدر على إبراز تلك المثل الرفيعة التي أبرزتها في عالم الواقع, من إقامة العدل الرباني في الأرض, ونظافة التعامل, والوفاء بالمواثيق, وشجاعة النفس, والبطولة الفذة في ميدان الحرب والسلم سواء, وما كانت لتقدر على إنشاء حركتها العلمية الضخمة, ولا حركتها الحضارية السامقة.. ما كانت لتقدر على ذلك كله, ولا على شيء منه, لولا هذا الإحساس العميق لديها بأنها في ذلك كله تقوم بالعبادة التي خلق الله الإنسان من أجلها وتقوم به بذات الحس الذي تؤدي به الصلاة([29]).

هكذا كانت العبادة تصورًا وفهمًا وعملاً عند الأجيال المسلمة الأولى([30]), ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ تصحيح المفاهيم أولاً, ثم إقامة بناء جديد على المفاهيم الصحيحة للإسلام([31]).

إن قضية العبادة ليست قضية شعائر, وإنما هي قضية دينونة واتباع, وإنها لذلك استحقت كل هذه الرسل والرسالات, وكل هذا الاهتمام([32]).

وحتى تستحق الأمة الإسلامية اليوم وعد الله بالتمكين فإن عليها أن تصيغ حياتها كلها صياغة جديدة على منهج الله رب العالمين, لتصبح كلها عبادة من لحظة التكليف إلى لحظة الموت, لا تندّ عنها لحظة واحدة من لحظات الوعي, ولا لمحة, ولا خاطر, ولا لون من ألوان النشاط([33]), امتثالاً وتحقيقًا لقول الله تعالى: *قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الأنعام:162].

إن من أسباب ضياع الأمة وضعفها, وانهزامها أمام أعدائها فقدها لشرط مهم من شروط التمكين ألا وهو تحقيق العبودية بمفهومها الشامل الصحيح.

ثالثًا: أهمية الجانب العبادي في حياة الإنسان:

إن العبادات التي سنها الله لنا ذات تأثير شامل مشرق, ولها أخطر المهمات في تمكين الحقائق العليا للرسالات الإلهية, وتحقيق الفطرة الإنسانية على وجهها الصحيح المستقيم, طالما تمثلت فيها عناصر الحب والذل, والرجاء والخوف ونحوها, ومعلوم لدى العلماء أن للعبادة مقصدًا أصليًا, وهو التوجه إلى الواحد الصمد, وإفراده بالعبادة في كل حال, طلبًا لرضا الله, والفوز بالدرجات العلا, وهناك مقاصد تابعة للعبادة: صلاح النفس, واكتساب الفضيلة, فالصلاة مثلاً أصل مشروعيتها الخضوع لله تعالى, وإخلاص التوجه إليه, والانتصاب على قدم الذلة والصغار بين يديه, وتذكير النفس بذكره, قال تعالى: *وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي" [طه:14], وقال: *إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ" [العنكبوت:45] يعني أن اشتمال الصلاة على التذكير بالله هو المقصود الأصلي, ثم إن لها مقاصد تابعة كالاستراحة إليها من أنكاد الدنيا وإنجاح الحاجات كصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة, وكذلك سائر العبادات لها فوائد أخروية وهي العامة, وفوائد دنيوية وهي كلها تابعة للفائدة الأصلية وهي الانقياد والخضوع لله([34]).

وإذا تأملنا في مهمة العبادة يمكننا أن نستخلص الآتي:

1- تثبيت الاعتقاد:

إن روح العبادة هو إشراب القلب حب الله تعالى, وهيبته, وخشيته والشعور الغامر بأنه رب الكون ومليكه, والتوجه دائمًا بما شرع من شعائر ونسك, باعتبارها مظهرًا عمليًا دائبًا لصدق الإنسان في دعوى الإيمان, وتذكيرًا مستمرًا بسلطان الإله الأعلى, وإلهابًا متجددًا لجذوة اليقين في الله, ورجاء فضله وثوابه.

ولنأخذ مثالاً عباديًا لتثبيت معنى التوحيد, وإجلال الله تعالى, وهو (الأذان) وقد شرع بدخول أوقات الصلاة المفروضة, فهو يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات, وينادي به منادي المسلمين صوتًا في كل مكان يوجد به تجمع إسلامي, ولو كان أدنى الجمع من المسلمين, بل شرع مع ذلك للمسافر, والمنفرد, ولو كان في بادية لما يمثله من معانٍ عظيمة ليس مجرد الإعلام بدخول الوقت.

إن المؤذن حين ينادي بصوته الأعلى: (الله أكبر الله أكبر) ثم يكررها, يطلب شرعًا أن يردده معه كل مسلم ومسلمة حين يسمعون هذا القول الأجل, لينسكب في مشاعر الجميع وفي أوقات متكررة متقاربة, معنى الكبرياء المطلق لله رب العالمين, وأنه تعالى فوق كل شيء وأكبر من كل شيء, فينبغي أن يعتز به وحده, ويلوذ بحماه وكنفه, ويستعلي فوق أعناق الطواغيت والجبارين بهذا النداء الجهير, الذي أراد الله عز وجل أن يتواطأ عليه المجتمع كله, وأن يظل حتى المنفرد على صلة دائمة به.

فإذا تقرر هذا المعنى عاد النداء الأجل ليملأ الآفاق: (أشهد أن لا إله إلا الله) وهو تذكير يومي بالعهد والميثاق الذي أعطاه العبد لربه بأن لا يعبد ولا يطيع إلا ربه الأكبر, المنفرد بالكبرياء في السموات والأرض.

ثم يأتي الشق الثاني من الشهادة: (أشهد أن محمدًا رسول الله) وهو كما علمت إقرار متكرر أيضًا بالطريق الذي تؤخذ عنه العبادة المشروعة, والتي لا تصح إلا بالتلقي عن الوحي الإلهي الذي جاء به المعصوم .

ثم تأتي رابعًا: الدعوة إلى الصلاة نفسها في جملتين فقط: (حي على الصلاة, حي على الصلاة) لأن الأذان كما قلنا أبعد مدى, وأشمل آثارًا.

ثم تأتي خامسًا: الدعوة العامة إلى الصلاح المطلق, المتمثل في الاستجابة لهذا الدين الإلهي الأغر, ومثله وتعاليمه, وفي مقدمتها الصلاة بداهة([35]).

ولذلك يعود الشارع بالمؤذن إلى نقطة البدء ليكبر في الختام التأكيد على تفرده تعالى بالكبرياء, وإعلان التوحيد بصيغة الإقرار والإثبات بعد صيغة الشهادة السابقة (الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله) معنى هذا أن الأذان وحده يجري على ألسنة المؤمنين, ويسكب في ضمائرهم, ويغرس في حياتهم ووجدانهم إفراد الله تعالى بالكبرياء (ثلاثين) مرة يوميًا, وإفراده تعالى بصفة الألوهية الذي تفرده بالعبادة والطاعة «خمس عشرة» مرة, وهو نداء لا يتقيد بحدود معبد, أو مسجد, وإنما ينطلق ليدخل كل بيت, ويصافح كل سمع, ويطرق كل قلب يريد الهدى.

وإذا كان هذا هدف الوسيلة في تقرير الأصول العليا فإن القصد الذي تؤدي إليه (وهي الصلاة) أعظم شأنًا, وأتم مظهرًا, فقد فرضها الله على كل بالغ من الذكور والإناث خمس مرات في اليوم والليلة, وهي تبدأ بالتكبير ويطلب من المصلي تكرار هذه الجملة (الله أكبر) في صلوات الفرض فقط (أربعًا وتسعين مرة) عدا ما يقرع سمعه بعددها من صلوات إمامه إذا صلى جماعة, فضلاً عن السنن الراتبة والنوافل المطلقة وهي أضعاف ذلك.

ثم إن العبد يتلو كتاب ربه في صلاته, ويحني له ظهره راكعًا, ويخر بجبهته ساجدًا, ويناجي مولاه معظمًا, ومسبحًا, وحامدًا, وداعيًا, وليس هناك في الوجود أسمى وأجل من هذه الشعيرة في ربط العبد بهذا السلطان الإلهي, وإلهاب نفسه بمعاني عظمته وسموه([36]).

إن الصلاة عندما تؤخذ على وجهها الصحيح -واحة وراحة- يسكن إلى ظلها المؤمن كلما مسه تعب الحياة ولغوبها, وهذا مصداق قول الله تعالى: *إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ` إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ` وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ` إِلاَّ الْمُصَلِّينَ ` الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ" [المعارج: 19-23].

2- تثبيت القيم الأخلاقية:

فقد جاء المنهاج الرباني في العبادة ليتمم مكارم الأخلاق, ويدعو الناس إلى المثل العليا, والفضائل الكريمة كالصبر, والمثابرة, والسماحة, والسخاء, والصدق, والتي تحقق للإنسان سعادته في الدنيا فضلاً عن الآخرة, وللعبادات بأنواعها مهمة عظيمة في تثبيت هذه الأخلاق, وتدعيمها, وغرسها في نفس المؤمن ووجدانه, (فالصلاة) مثلاً تعود المؤمن الصبر, والدأب, والإخلاص والنظام, حتى تصبح جميعًا خلقًا راسخًا في النفس, فالمسلم النائم حين يقوم من لذة النوم على نداء المؤذن «الصلاة خير من النوم», وكذلك حين ينسحب من ضجيج الأسواق والبيع والشراء ملبيًا لنداء «حي على الصلاة», ثم لا يزال دأبه هكذا عبر الساعات, والأيام, والأعوام, فهذا وأمثاله لابد أن تتربى فيهم هذه المعاني الخلقية العالية([37]).

و(الزكاة) التي أخذت من معنى الزيادة, والنماء, والتطهير, لها -هي الأخرى- أكبر الأثر في تنقية الخلق من زخم الشح والبخل والإمساك, وفي طبعه بطبائع البذل, والعطاء والسخاء, كذلك تستل صدور المحتاجين, وتبدل به شيئًا من خلق الحب, والمودة, أو على الأقل سلامة الصدور, فتشيع في المجتمع تبعًا لذلك كل علائق التداني والتقارب, وتتداخل صلات الناس بمشاعر الألفة, وإلى مثل هذا يشير قوله تعالى: *خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ" [التوبة: 103].

و(الصوم) له عمله الأساسي في تربية الإرادة الإنسانية, والضمير الحي اليقظ الذي يتعامل على أساس من رقابة الله تعالى له, واطلاعه عليه, فضلاً عن غرس خليقة الصبر, والضبط النفسي بالإمساك الطويل عن شهوتي البطن والفرج وبالكف عن
اللغو, والصخب, والقدرة على تغيير عاداته حتى لا يتعود الجمود, أوتستعبده
عاداته وتقاليده([38]).
ثالثًا: إصلاح الجانب الاجتماعي:

ويظهر ذلك في الصلاة ودورها في إيجاد العلاقات الاجتماعية, وذلك واضح في الحكمة من صلاة الجماعة, لأن اجتماع المسلمين راغبين في الله, راجين, راهبين, مسلمين وجوههم إليه خاصية عجيبة في نزول البركات, وتدلي الرحمة, فيحدث التعاون, والتعارف, والوحدة والاجتماع على الخير.

ثم تأتي صلاة الجمعة: فتجمع أهل الحي على هيئة جامعة أكثر من ذلك في كل يوم جمعة, حيث شرع الله لنا خطبتها تذكيرًا وتعليمًا للمسلمين بما يصلح دينهم ودنياهم, كحد أدنى للتثقيف العام في أمور الدين, ثم تأتي صلاة العيد, فتجمع أهل المدينة كلها مرتين في السنة في عيد الفطر والأضحى, يخرجن الأبكار والعواتق([39]), بل والحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين, ويعتزلن المصلى كما جاء في الحديث الصحيح الذي ترويه أم عطية([40]) رضي الله عنها قالت: «أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور»([41]).([42])

هذا عدا ما شرعه الله تعالى لنا من صلوات جامعة في مناسبات شتى, كالاستسقاء والخسوف والكسوف والجنائز, والتراويح في رمضان, إن الصلاة -لو وعى المسلمون حقيقتها- لهي توجيه وتنظيم اجتماعي كامل, يتمثل فيه المجتمع الكبير, وبقدر ما يحسن المسلمون هذه الصلاة, وما تعنيه من معان وتوجيهات, بقدر ما يرجى لهم إحسان الحياة في اجتماعاتهم, ولا فرق في هذا المنهاج بين المسجد والمجتمع, فكلاهما تجمع يجب أن يخضع لدين الله وتعاليمه([43]).

أما الزكاة: في حقيقتها واجب مالي يؤخذ من الأغنياء ليرد على الفقراء وذوي الحاجة من الغارمين والأرقاء وغيرهم, وهي بذلك تمثل الحد الأدنى المفروض فرضًا للتعاون الاجتماعي, والتكافل الاقتصادي بين أبناء الأمة الواحدة, لذلك جعل الله تعالى معظم مصارفها اجتماعية بحتة, بأوسع المدلولات الاجتماعية في القديم أو الحديث على السواء, وكما جاءت صلاة العيد لتوسع دائرة الاجتماع في الصلاة, تأتي هنا أيضًا «زكاة الفطر» لتوسع قاعدة التكافل والتعاون إلى أقصى حد.

أما الأثر الاجتماعي لفريضة (الحج) فواسع شامل, ولا زالت آثاره تظهر كل يوم بجديد من حكمة الله تعالى في تشريعه, وقد أشار القرآن الكريم إلى كثير من ذلك, قال تعالى: *لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ" [البقرة: 198].

روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال: (كانت عكاظ, ومجنة, وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية, فتأتموا أن يتجروا في موسم الحج, فسألوا رسول الله فنزلت الآية: *لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ" [البقرة: 198]([44]), وقال تعالى: *وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ ` لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ" [الحج:28،27].

والمنافع المشهودة كلمة جامعة تشمل المنافع الروحية والمادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, والاقتصادية وسائر ما يطلق عليه اسم (المنفعة), وقد جعلت غاية من غايات الحج وتقديمها على ذكر الله تعالى إيذان ببالغ أهميتها في مراتب المنافع والحكم الشرعية, وإن من أعظم هذه الفوائد جمع أطراف الأمة المسلمة كل عام, وما يحققه من استنفار جزء من كل إقليم سنويًا ليركبوا الأخطار والأسفار, ويقطعوا السهول والقفار, أو يمتطوا الأجواء والبحار, ويتركوا الأولاد والأهل والديار فيجتمع المسلمون من أطراف الأرض, ويلتقي الشرقي بالمغربي, والمصري بالهندي, في مؤتمر جامع, ورحلة مباركة, وليحققوا عمليًا دعوة القرآن بالسير في الأرض, والسياحة في الآفاق, ومطالعة المشاهد المقدسة, ومنازل الوحي, وآثار النبوة منذ أبي الأنبياء إبراهيم إلى خاتمهم محمد e ثم مدارج الصحابة رضي الله عنهم, التي تهب على المسلمين منها روح الإخلاص, والبذل, والعطاء والانقياد المطلق لأمر الله عز وجل([45]).

ومن ناحية أخرى فالحج نظام يوجب على الجميع زيًا واحدًا, وحركة واحدة, وكلمة واحدة, وطاعة واحدة. وبتثبيت الاعتقاد, والأخلاق وإصلاح الاجتماع تأخذ العبادات الإسلامية دورها العظيم في بناء الحياة الإنسانية على أرفع القواعد, وأنبل الغايات, وأكرمها وأطهرها, وتأخذ بالإنسان إلى أفق أرفع من التراب والطين, ومتاع الحياة الفانية, حيث تربطه بالحي الباقي, وبالنعيم الخالد, فهي غسيل مستمر لأدران المادة, وتهذيب لطغيانها, وعبادات الإسلام تقوم في أساسها على مراعاة الرقابة الإلهية, وابتغاء الآخرة, دون واسطة بين العبد وربه في العبادات كلها وتحرر الإنسان من عبودية الكهنوت وطقوسها ورسومها([46]).

إن القرآن الكريم اهتم اهتمامًا بالغًا ببيان حقيقة العبودية ودعوة الناس إلى تحقيقها كما ينبغي, كما بيّّن شروط قبول العبادة وأمر المسلمين بالالتزام بها, ووجه الناس إلى مفاهيم أصيلة في العبودية وحذرهم من الشرك ومن الانحراف عن معنى العبودية الصحيح, كما أشار إلى أهمية الجانب العبادي في حياة الناس في تثبيت الاعتقاد, وتأسيس القيم والأخلاق وزرعها وغرسها في نفوس المؤمنين, كما اهتم ببيان الجانب العبادي في إصلاح النواحي الاجتماعية, وركز القرآن في توجيهاته الكريمة في مجال العبادة على إفراد الله وحده في العبادة وتحرير العبادة من رق الكهنوت, واهتم بمسألة التوازن بين الروح والجسد, وفتح مجال الرخص والتخفيضات في العبادة, هذا كله من أجل أن تحقق الأمة عبوديتها لخالقها سبحانه وتعالى من أيسر الطرق وأسهل السبل وأخف التكاليف, وجعل طريق تحقيق العبودية شرطًا من شروط التمكين لهذه الأمة العظيمة.

إن تقرير حقيقة العبودية في حياة الناس يصحح تصوراتهم ومشاعرهم, كما يصحح حياتهم وأوضاعهم, فلا يمكن أن تستقر التصورات والمشاعر, ولا أن تستقر الحياة والأوضاع, على أساس سليم قويم, إلا بهذه المعرفة وما يتبعها من إقرار, وما يتبع الإقرار من آثار عندما تستقر هذه الحقيقة بجوانبها في نفوس الناس وفي حياتهم يلتزمون بمنهجه وشريعته ويستشعرون العزة أمام المتجبرين والطغاة, حين يخرون لله راكعين ساجدين يذكرونه ولا يذكرون أحدًا إلا الله تصلح حياتهم وترقى وتكرم على هذا الأساس.

إن استقرار هذه الحقيقة الكبيرة في نفوس المسلمين وتعليق أنظارهم بالله وحده, وتعليق قلوبهم برضاه, وأعمالهم بتقواه, ونظام حياتهم بإذنه وشرعه ومنهجه دون سواه.. في هذه الحياة.. فأما ما يجزي الله به المؤمنين المقربين بالعبودية العاملين للصالحات في الآخرة, فهو كرم منه وفضل في حقيقة الأمر وفيض من عطاء الله([47]).

إن الذين يستنكفون عن عبودية الله, يذلون لعبوديات من هذه الأرض لا تنتهي.

يذلون لعبودية الهوى والشهوة, أو عبودية الوهم والخرافة, ويذلون لعبودية البشر من أمثالهم, ويحنون لهم الجباه.. ويحكمون في حياتهم وأنظمتهم وشرائعهم وقوانينهم وقيمهم وموازينهم عبيدًا من البشر هم وهم سواء أمام الله.





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) القاموس المحيط كتاب (الدال), فصل (العين) 378.

([2]) لسان العرب, كتاب الدال, فصل العين المهملة 3/271.

([3]) المصطلحات الأربعة في القرآن للمودودي, ص97.

([4]) العبادة في الإسلام للقرضاوي, ص 31.

([5]) انظر: مجموع الفتاوى (1/207).

([6]) المصدر نفسه (28/35).

([7]) مدارج السالكين (1/74).

([8]) مدارج السالكين (1/517).

([9]) انظر: العبادة في الإسلام للقرضاوي ص53.

([10]) مجموع الفتاوى (10/150).

([11]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/399).

([12]) مجموع الفتاوى (29/116-117).

([13]) انظر: حقيقة البدعة وأحكامها للغامدي (1/19).

([14]) رواه مسلم, كتاب الزكاة, باب أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1/697).

([15]) شرح النووي مع مسلم, كتاب الزكاة, باب كل نوع من المعروف صدقة (7/97).

([16]) مقاصد المكلفين, د. عمر الأشقر ص46-47.

([17]) رواه البخاري, كتاب الإيمان, باب: ما جاء أن الأعمال بالنيات (1/24) رقم 55.

([18]) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (3/22).

([19]) رواه مسلم, كتاب الزكاة, باب: النفقة على العيال والمملوك (1/191).

([20]) رواه البخاري, كتاب الصلح, باب: فضل الإصلاح بين الناس (3/227) رقم 2707.

([21]) هو التابعي الثقة أبو بردة حارث, وقيل عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري, ثقة كثير الحديث, تولى قضاء الكوفة للحجاج, ثم عزله, ت107هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (4/343).

([22]) البخاري, كتاب المغازي, باب: بعثة أبي موسى ومعاذ إلى اليمن (5/156) رقم 43،42.

([23]) مسلم, كتاب الزكاة, باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب (2/703).

([24]) مسلم شرح النووي, كتاب العبد, باب: الأمر بإحسان الذبح (مجلد5) ج13, ص106.

([25]) انظر: العبادة في الإسلام, د. القرضاوي, ص 63،62.

([26]) انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح لمحمد قطب, ص 173.

([27]) المصدر السابق نفسه, ص 203-204.

([28]) المصدر السابق نفسه, ص 222.

([29]) انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح, ص192.

([30]) انظر: التمكين للأمة الإسلامية, ص 59.

([31]) انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح, ص 250-251.

([32]) انظر: في ظلال القرآن (4/1943).

([33]) انظر: التمكين للأمة الإسلامية, ص 59.

([34]) انظر: العبادة في الإسلام للقرضاوي: 48-49.

([35]) وسطية القرآن في العبادة والأخلاق والتشريع, ص 40.

([36]) انظر: المنهاج القرآني في التشريع, ص458.

([37]) وسطية القرآن في العبادة والأخلاق والتشريع, ص 42.

([38]) انظر: المنهاج القرآني في التشريع, ص 460.

([39]) العواتق: جمع عاتقة وهي التي عتقت من الخدمة أو من قهر أبويها.

([40]) هي نسيبة بنت الحارث وقيل بنت كعب من فقهاء الصحابة ت 70هـ, انظر: سير أعلام النبلاء (2/318).

([41]) ذوات الخدور: الستور.

([42]) رواه البخاري, كتاب العيدين, باب: خروج النساء والحيض إلى المصلى (2/9).

([43]) انظر: المنهاج القرآني في التشريع: 462.

([44]) رواه البخاري, كتاب التفسير, باب: ليس عليكم جناح (5/186) رقم 4519.

([45]) انظر: المنهاج القرآني في التشريع: 465.

([46]) المصدر نفسه: 468.

([47]) في ظلال القرآن (2/820).
رد مع اقتباس
  #89  
قديم 08-14-2008, 02:53 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

قصة شاب عجيبة

وهذه قصة عجيبة وفيها عبرة لكل شاب . وقد حدثني بها أحد المشايخ وهي لشاب معروف لدى بعض الشباب . وقد أخبر بقصته لهم فقال : كنت مقصراً بالصلاة أو بالأحرى لا أعرف المسجد .

وقبل رمضان عام ( 1420 ) نمت في بيتي ورأيت في منامي عجباً .

رأيت أني في فراشي نائم فأتت إليَّ زوجتي تريد إيقاظي فرددت عليها ماذا تريدين ، ولكن المفاجأة انها لا تسمع كلامي ثم إنها كررت إيقاظي مراراً وتكراراً وكنت أرد عليها : ماذا تريدين ، ولكنها كذلك لا تسمع كلامي . ثم ذهبت خائفة ونادت إخوتي فأتوا ومعهم الطبيب فكشف علي الطبيب ، فقلت له ماذا تريد ؟ ولكن المفاجأة كذلك الطبيب لا يسمعني وأخبر أخوتي أني قد توفيت ففزعوا وبكوا على وفاتي مع أني لم أمت ولكن لا أدري لماذا لم يسمعوا كلامي فقد كانت حالتي عصيبة جداً ، حيث أرى زوجتي وإخواتي وأكلمهم وأنظر إليهم ولكن لا يكلمونني ، ثم إني سمعتهم يقولون عن جنازتي عجلوا بها إن كانت شراً توضع عن الأعناق ، ثم اذهبوا بي إلى المقبرة وكنت أكلم كل من يواجهني في الطريق أني حي ولم أمت . ولكن لا يرد علي أحد . ثم لما وصلوا بي إلى المقبرة نزعوا ثيابي وغسلوني وكفنوني ثم دهبوا بي إلى المسجد ثم إني كلمت الإمام وقلت له إني حي ولم أمت ولكن الإمام لا يرد علي حتى إنني أسمعهم وأنظر إليهم وهم يصلون علي وبعد الصلاة ذهبوا بي إلى المقبرة وكنت انظر إلى الناس وهم يريدون دفني ثم وضعوني في اللحد . وكلمت آخر واحد اراه . كأني بيني وبينه اللبن . فقلت له إنني لم أمت فلا تدفنوني ولكن لم يرد علي . ثم هالوا علي التراب وبدأت اتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن الميت يسمع قرع النعال )) فسمعت قرع نعالهم لما ذهبوا عن قبري . وبعد ذلك تأكدت الآن اني في مكان مظلم وأني في موقف عظيم وبعد ذلك اتى إلي رجلان هائلان مفزعان وقف واحد عند رجلي والآخر عند رأسي وسألني من ربك : فبدأت أردد ربي ربي وأنا أعرف من هو ربي ولكن لا أدري كيف نسيت . وكذلك سألني من نبيك : وما دينك فبدأت أردد نبيي نبيي ، فسألني : ما دينك ؟ فقلت : ديني ديني ولم يخطر على بالي إلا زوجتي ودكاني وعيالي وسيارتي حتى أتى بمرزبة كبيرة تضربني ضربة قوية صرخت منها صرخة أيقظت من كان نائماً في المنزل وبدأت زوجتي تسمي علي . وتقول لماذا تصرخ وتصيح . وبعد ذلك عرفت أنها رؤيا ثم أذن الفجر مباشرة وقد كتبت لي حياة جديدة وكانت هذه الرؤيا سبباً لهدايتي والتزامي وتكسيري للدشوش وغيرها من المحرمات حتى أقبلت بحمد الله على الصلاة وطاعة ربي وأعيش الآن مع زوجتي وأولادي وإخواني حياة السعادة والراحة . فأسأل الله عز وجل أن يمتني على طاعته *.



--------------------------------------------------------------------------------

* من كتاب الشباب بين العادة والعبادة ، تقديم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين .
رد مع اقتباس
  #90  
قديم 08-16-2008, 03:27 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




I15

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الفقيه الامام العابد أبو محمد عبدالرحمن بن علي الجوزي، رحمه الله تعالى ورضى عنه بمنّه وكرمه:

الحمد لله الذي اخترع الأشياء بلطيف قدرته، وبديع صنعته، فأحسن فيما اخترع، وأبدع الموجودات على غير مثال، فلا شريك له فيما ابتدع، ألف بين اللطيف والكثيف من أعداد آحاد الجوهر وجمع، ليقرّ له بالوحدانية، ويستدلّ على وجود الصانع بما صنع، فالعارفون واقفون تحت مطارف اللطائف بأقبية أبينة التوبة والورع، ليس لقلوبهم مجال في ميدان الكبرياء على أن حماه رحب متسع، فهم ان مالوا الى نيل مطلوبهم، ردّهم قهر الهيبة الى مفاوز الخوف والجزع، وان همّوا بالذهاب عن الباب، عاقهم قيود الغيب، فعز عليهم الرجوع وامتنع.

فمنهم كاتم محبته قد كف شكوى لسانه وقطع

ومنهم بائح يقول اذا لام عذول ذر الملام ودع

أليس قلبي محل محنته وكيف يخفى ما فيه وهو قطع

أين المحبون والمحب لهم وأين من شتت الهوى وجمع

لهم عيون تبكي فوا عجبا لجفن صبّ اذا هما ودمع

قد حرّموا النوم والمتيم لا هجوعا اذا الخلي هجع

بالباب يبكون والبكاء اذا كان خليّا من النفاق نفع

تشفع فيهم دموعهم واذا شفع دمع المتيمين شفع

فبينما هم حيارى بين الخوف والجزع، سكارى من شراب اليأس والطمع، اذ بزغ عليهم قمر السعادة من فلك الارادة في جوانب قلوبهم ولمع، وأفيض عليهم من ملابس سنادس الاستيناس والبسط خلع، لكل خلعة علمان من الايمان، ما زيّن بهما بشر، الا ارتفع، رقم العلم الأيمن:{ سبقت لهم منا الحسنى} الأنبياء 101، ورقم العلم الأيسر:{ ولا يحزنهم الفزع} الأنبياء 103، فسبحان من يتوب على الجاني، ويقبل العاصي اذا تاب اليه ورجع.

وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، شهادة من أقرّ له بالوحدانية، واعترف له بالربوبية والألوهية، ولعز جلاله وجماله قد خضع.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي سنّ السنن، وبيّن الفرائض، وشرع الأعياد والجمع، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما ركد الماء ونبع، وظهر في ميدان سطح السماء نجم وطلع، وسلم تسليما كثيرا.

قال الله العظيم:{ وذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين} الذاريات 55، وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه اذا ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وان ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وان تقرّب اليّ شبرا تقرّبت منه ذراعا، وان تقرّب اليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا، وان أتاني مشيا، أتيته هرولة" رواه مسلم حديث رقم 2675.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وجبن عن العدو أن يقاتله، وبخل بالمال أن ينفقه، فليكثر ذكر الله تعالى". صحيح بشواهد منه من حديث ابن مسعود.

وقال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مسجد المدينة، فقال:" ان لله تعالى سرايا من الملائكة تجول، وتقف على مجالس الذكر في الأرض، فاذا رأيتم رياض الجنة، فارتعوا".

قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال:" مجالس الذكر، اغدوا وروحوا في ذكر الله تعالى، ومن كان يحبّ أن يعلم منزلته عند الله تعالى، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فان الله ينزل العبد حيث أنزله من نفسه. صححه الحاكم في المستدرك، وضعفه الذهبي في التلخيص.

وقال عبدالله بن بسر: أتى رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ان شرائع الاسلام كثرت عليّ فأمرني بشيء أتشبث به، فقال:" لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى" رواه الترمذي 3375، وابن ماجه وصححه ابن حبان.

وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ما من يوم الا وبقاع الأرض تنادي بعضا بعضا: يا جارة، هل جاز عليك اليوم ذاكرا لله تعالى" رواه ابن المبارك في الزهد.

اخواني، اذا صعدت الملائكة من مجالس الذكر، قال المولى جل علاه: يا ملائكتي، أين كنتم، وهو أعلم، فيقولون: يا ربنا، أنت أعلم، كنا عند عبادك يسبّحونك ويقدّسونك ويعظمونك ويمجّدونك ويسألونك ويستغفرونك ويستعيذونك، فيقول: يا ملائكتي، وما الذي طلبوا؟ ومما استعاذوا؟ فيقولون: يا ربنا أنت أعلم، طلبوا الجنة، واستعاذوا من النار، فيقول: يا ملائكتي، اشهدوا أنّي قد أعطيتهم ما طلبوا، وأمنتهم مما خافوا، وأدخلهم الجنة برحمتي". مسلم 632.

وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يقول:" عبدي اذكرني ساعة بالغداة وساعة بالعشيّ، أكفك ما بينهما".

وفي بعض الكتب المنزلة أن الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم ما أجبرك! تسألني، فأمنعك لعلمي بما يصلحك، ثم تلح عليّ في المسألة، فأجود برحمتي وكرمي عليك، فأعطيك ما سألتني، فتستعين بما أعطيك على معصيتي، فأهمّ بهتك سترك، فكم من جميل أصنعه معك، ومن من قبيح تعمله معي. يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبدا.

وفي بعض الكتب المنزلة أيضا: يقول الله تبارك وتعالى: عبدي، الى كم تستمر على عصياني، وأنا غذيتك برزقي واحساني، أما خلقتك بيدي؟ أما نفخت فيك من روحي؟ أما علمت فعلي بمن أطاعني، وأخذي لمن عصاني؟ أما تستحي تذكرني في الشدائد وفي الرخاء تنساني؟ عين بصيرتك أعماها الهوى. قل لي بماذا تراني، هذا حال من لم تؤثر فيه الموعظة، فالى كم هذا التواني؟ ان تبت من ذنبك، آتيتك أماني. اترك دارا صفوها كدر، وآمالها أماني. بعت وصلي بالدون، وليس لي في الوجود ثاني. ما جوابك اا شهدت عليك الجوارح بما تسمع وترى:{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} آل عمران 30.

وأنشدوا:

تعصي الاله وأنت تدعي حبه هذا محال في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته ان المحب لمن يحب مطيع

قال مالك بن دينار: دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يغمى عليه مرة، ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكا في دنياه، متخلفا عن طاعة مولاه، فقلت له: يا اخي، تب الى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك. فقال: هيهات هيهات! قد دنا ما هو آت، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة. أردت أن أتوب مما جنيت، فسمعت هاتفا يهتف من زاوية البيت: عاهدناك مرارا فوجدناك غدارا. نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونستغفره من الذنوب المتقادمة.

يا أخي أقبل على قبلة التوجه الى مولاك، وأعرض عن مواصلة غيّك وهواك وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات، فالفرار أيها المكلف كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار، فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار.

وأنشدوا:

أمولاي اني عبد ضعيف أتيتك أرغب بما لديك

أتيتك أشكو مصاب الذنوب وهل يشتكى الضر الا اليك

فمنّ بعفوك يا سيّدي فليس اعتمادي الا عليك.

قال بعض السادة الأخيار لولده لما حضرته الوفاة: يا بنيّ، اسمع وصيتي، واعمل ما أوصيك به. قال نعم يا أبت. قال يا بنيّ، اجعل في عنقي حبلا، وجرّني الى محرابي، ومرّغ خدي على التراب، وقل: هذا جزاء من عصى مولاه، وآثر شهوته وهواه، ونام عن خدمة مولاه. قال: فلما فعل ذلك به، رفع طرفه الى السماء وقال: الهي وسيدي ومولاي، قد آن الرحيل اليك، وأزف القدوم عليك، ولا عذر لي بين يديك، غير أنك الغفور وانا العاصي، وأنت الرحيم وأنا الجاني، وأنت السيد وأنا العبد، ارحم خضوعي وذلتي بين يديك، فانه لا حول ولا قوة الا بك.

قال: فخرجت روحه في الحال، فاذا بصوت ينادي من زاوية البيت سمعه كل من حضر وهو يقول: تذلل العبد لمولاه، واعتذر اليه مما جناه، فقرّبه وأدناه وجعل الجنة مأواه.

الهي ان كنت الغريق وعاصيا فعفوك يا ذا الجود والسعة الرحب

بشدّة فقري باضطراري بحاجتي اليك الهي حين يشتد بي الكرب

بما بي من ضعف وعجز وفاقة بما ضمّنت من وسع رحمتك الكتب

صلاة وتسليم وروح ورواحة على الصادق المصدوق ما انفلق الحب

أبي القاسم الماحي الأباطيل كلها وأصحابه الأخيار ساداتنا النجب

اخواني، هذا القبول ينادي صبيان الهوى، الشاب التائب حبيب الله، ويصيح بكهول لخطا عسى الله أن يتوب عليهم، ويهتف بشيوخ الندم: انا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي.

وفي الخبر: اذا تاب العبد الى الله عز وجل، وحسنت توبته، وقام بالليل يناجي ربه، أوقدت الملائكة سراجا من نور، وعلقته بين السماء والأرض، فتقول الملائكة: ما هذا؟ فيقال لهم: ان فلان بن فلان قد اصطلح الليلة مع مولاه.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اذا قام العبد بالليل، تباشرت أعضاؤه، ونادى بعضها بعضا: قد قام صاحبنا لخدمة الله تعالى".

وعن أحمد الحواري، قال: دخلت على أبي سليمان الداراني، فوجدته يبكي، فقلت له: وما يبكيك يا سيدي؟ قال لي: يا أحمد، ان أهل المحبة اذا جنهم الليل، افترشوا أقدامهم، فدموعهم تجري على خدودهم بين راكع وساجد، فاذا أشرف المولى جل جلاله عليهم، قال: يا جبريل، بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح الى مناجاتي، واني لمطلع عليهم، أسمع كلامهم، وأرى حنينهم، وبكاءهم، فنادهم يا جبريل، وقل لهم: ما هذا الجزع الذي أرى بكم؟ هل أخبركم مخبر أن حبيبا يعذب أحبابه بالنار؟ أم هل يحمل بي أن أبيّت قوما، وعند البيات أمرهم الى النار؟ لا يليق هذا بعبد ذميم، فكيف بالملك الكريم؟! فبعزتي لأجعلن هديّتي اليهم أن أكشف لهم عن وجهي الكريم، فأنظر اليهم وينظرون اليّ.

وعن أبي سليمان الداراني رضي الله عنه، قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة: يقول الله تعالى: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، وكابد المكابدون في طلب مرضاتي، فكيف بهم وقد صاروا الى جواري، وبحبحوا في رياض خلدي هنالك فليبشر المصغون بأعمالهم يالنظر العجيب الى الحبيب القريب. أترون أني أضيع لهم ما عملوا؟ كيف وأنا أجود على المولين، وأقبل التوبة على الخاطئين وأنا بهم أرحم الراحمين؟!.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:04 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.