عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
وقال أيضا في قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } (1) ، ( فلم يستثن شيئا منه نهي عن تدبره ، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمره الله ، وطلب فهمه ومعرفة معناه ، فلم يذمه الله بل أمر بذلك ومدح عليه ) (2) .
وقد ذكر أن الصحابة والتابعين ، لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله ، أو قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه ، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين ، أن في القرآن آيات لا تعلم معناها ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم ، وإنما قد ينفون علم بعض الناس وهذا لا ريب فيه (3) . شكل توضيحي 1-النص المتعلق بالمخلوق في عالم الشهادة من جهة الإحكام والتشابه+معاني الألفاظ التي يستوعبا الذهن=معلومة محكمة. 2-النص المتعلق بالمخلوق في عالم الشهادة من جهة الإحكام والتشابه+الحقائق والكيفيات التي دلت عليها الألفاظ=موجودة معلومة محكمة. 3-النص المتعلق بعالم الغيب وأوصاف الله من جهة الإحكام والتشابه+معاني الألفاظالتي يستوعبا الذهن=معلومة محكمة 4-النص المتعلق بعالم الغيب وأوصاف الله من جهة الإحكام والتشابه+الحقائق والكيفياتالتي دلت عليها الألفاظ=موجودة مجهولة متشابهة. __________ (1) أحمد:24 . (2) بن تيمية : رسالة الإكليل 2/8 . (3) بن تيمية : رسالة الإكليل 2/15 .
|
#32
|
||||
|
||||
ويذكر ابن القيم رحمه الله ، أننا لو قلنا كما قال الخلف : إن قوله تعالى : { وما يعلم تأويله إلا الله } يتناول المعنى ، يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، بل يقرؤون كلاما لا يعقلون معناه ، فهم متناقضون أفحش تناقض ، فإنهم يقولون النصوص تجري على ظاهرها وتأويلها باطل ، ثم يقولون لها تأويل لا يعلمه إلا الله (1) ، وقول هؤلاء باطل فإن الله سبحانه أمر بتدبر كتابه وتفهمه وتعقله ، وأخبر أنه بيان وهدى وشفاء لما في الصدور ، وحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، ومن أعظم الاختلاف اختلافهم في باب الصفات والقدر والأفعال ، واللفظ الذي لا يعلم ما أراد به المتكلم ، لا يحصل به حكم ولا هدى ولا شفاء ولا بيان (2) .
__________ (1) بن قيم الجوزية : أبو عبد الله أحمد بن أبي بكر أيوب ، (1418هـ) ، الصواعق المرسلة علي الجهمية والمعطلة ، تحقيق د. علي بن محمد الدخيل الله ، الرياض ، نشر دار العاصمة ، 3/921 بتصرف . (2) لسابق : 3/921 .
|
#33
|
||||
|
||||
وهؤلاء لم يفهموا مراد السلف بقولهم لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، فإن التأويل في عرف السلف ، المراد به الحقيقة التي يؤول إليه الكلام ، كالتأويل في مثل قوله تعالى : { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } (1) ، وكقوله تعالى : { وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا } (2) ، فتأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به والمنهي عنه ، تأويله تنفيذه ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ) (3) .
وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو وقوعة ، وهو نفس الحقيقة التي أخبر الله عنها ، وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره ، ولهذا قال مالك وربيعة : ( الاستواء معلوم والكيف مجهول ) (4) . __________ (1) لأعراف:53 . (2) وسف:100. (3) واه البخاري في كتاب الأذان باب التسبيح والدعاء في السجود برقم (784) 1/281 . (4) بن القيم : الصواعق 3/921 بتصرف .
|
#34
|
||||
|
||||
وفي رده على الخلف في زعمهم أن آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله ، يذكر ابن القيم أن التشابه والإحكام نوعان ، تشابه وإحكام يعم الكتاب كله وتشابه وإحكام يخص بعضه دون بعض ، فإن أردتم بتشابه آيات الصفات النوع الأول فنعم هي متشابهة غير متناقضة يشبه بعضها بعضا ، وكذلك آيات الأحكام ، وإن أردتم أنه يشتبه المراد بها بغير المراد ، فهذا وإن كان يعرض لبعض الناس ، فهو أمر نسبي إضافي ، فيكون متشابها بالنسبة إليه دون غيره ، ولا فرق في هذا بين آيات الأحكام وآيات الصفات ، فإن المراد قد يشتبه فيهما بغيره على بعض الناس دون بعض ، وقد تنازع الناس في المحكم والمتشابه تنازعا كثيرا ولم يعرف عن أحد من الصحابة قط أن المتشابهات آيات الصفات بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك ، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم ، وهم لا يتنازعون في شيء منها ، وآيات الأحكام هي المحكمة ، وقد وقع بينهم النزاع في بعضها ؟ (1) .
والمقصود أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلاما لا معنى له ، و لا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة لا يعلمون معناه كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ ، سواء كان مع هذا تأويل القرآن لا يعلمه الراسخون أو كان للتأويل معنيان يعلمون أحدهما و لا يعلمون الآخر (2) . __________ (1) لسابق 3/921 بتصرف . (2) لسابق 3/922 بتصرف .
|
#35
|
||||
|
||||
وعلى هذا المنهج السلفي لفهم المحكم والمتشابه يمكن تفسير آية آل عمران ، بأن الله يخبر أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب ، أي بينات واضحات الدلالة ، لا التباس فيها على أحد ، سواء من جهة المعنى أو الكيفية ، وهي أصل الدين وقوام العبودية ، وتتمثل في الأحكام الشرعية الدينية ، فلا بد من وضوحها وبيان معانيها ، ولا بد من وصف كيفيتها لسائر الناس ، دون اشتباه أو التباس ، فهن حجة الرب وعصمة العباد ، ودفع خصوم الباطل ، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه ، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمر به ويعمل به ) (1) ، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والسدي أنهم قالوا : المحكم الذي يعمل به (2) .
وأخر متشابهات كآيات الصفات من حيث اشتراك الألفاظ والكلمات عند تجردها عن الإضافة والتخصيص والتركيب لا من حيث المعنى المراد ، ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ، ألا يصرفن إلى الباطل ، ولا يحرفن عن الحق ، ولهذا قال الله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } ، أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ، { فيتبعون ما تشابه منه } ، إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها { ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } أي تحريفه على ما يريدون (3) . __________ (1) بن كثير : تفسير 1/347 ، وابن جرير :جامع البيان 3/172 ، والسيوطي :الدر المنثور 2/144. (2) لبغوي : أبو محمد الحسين بن مسعود ، (1407هـ) ، معالم التنزيل ، بيروت ، دار المعرفة ، 1/279. (3) بن كثير : تفسير 1/347.
|
#36
|
||||
|
||||
روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمي الله فاحذروهم ) (1) .
وقوله تعالى : { وما يعلم تأويله إلا الله } ، يجب الوقف هاهنا ، إذا كان المقصود هو العلم بكيفية الحقائق الغيبية وكيفية الصفات الإلهية ، فلا يعلم ذلك إلا الله ، ويجوز الوقف على قوله سبحانه : { والراسخون في العلم } إذا كان المقصود هو العلم بمعاني الآيات القرآنية ، سواء المتعلقة بالخالق أو المخلوق ، وكذلك كيفية أداء الأحكام الشرعية ، أو كيفية ما دلت عليه الآيات في الإخبار عن سائر المخلوقات في الدنيا . قال ابن كثير : ( وأما إن أريد بالتأويل التفسير والبيان والتعبير عن الشيء فالوقف على قوله : { والراسخون في العلم } ، لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار ، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه ) (2) . __________ (1) خرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن ، باب تفسير سورة آل عمران برقم (4273) 4/1655. (2) بن كثير : تفسير 1/348.
|
#37
|
||||
|
||||
المبحث الثاني
العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض المطلب الأول : حقيقة مذهب الخلف في نصوص الصفات : يعتقد الخلف من الأشعرية والماتريدية أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، التي وردت في الصفات الخبرية موهمة للتشبيه والجسمية ، وظاهرها باطل غير مراد ، فإما أن تؤول وإما أنها من أخبار الآحاد التي لا تفيد اليقين في أمور الاعتقاد (1) . وقد بنوا ذلك على أصول عقلية ، زعموا أنها أمور يقينية ، واعتبروها أصول الدين والفيصل المبين في النظر إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فما وافق تلك الأصول من النصوص والآيات فهو دليل لهم ، وما خالف أصولهم وتقسيمهم للتوحيد ، فينبغي عندهم التعامل معه بأي وسيلة ، إما بادعاء مجاز أو تأويل ، أو تهوين وتعطيل ، أو تقبيحها في نفس السامع حتى تبدو ضربا من المستحيل المهم أن يقر بأن ظاهرها الذي ورد في التنزيل ، باطل ومستحيل ويجب صرفه إلى شيء آخر. فالتوحيد عندهم مبنى على قولهم : إن الله واحد في ذاته لا قسيم له ، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له ، وهم يدرجون تحت شعار أنه لا ينقسم نفي علو الله على خلقه ومباينته لمصنوعاته ونفي ما ينفونه من صفاته ، ويقولون : إن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما مشابها للحوادث (2) . __________ (1) نظر في هذا المعني : الشيخ محمد عبده ، (1966م) ، رسالة التوحيد ، نشر مطابع دار الكتاب العربي ص 17 وما بعدها ، وجمال الدين : أحمد بن محمد بن سعيد ، (1998م) ، أصول الدين ، تحقيق عمر وفيق الداعوق ، بيروت ، نشر دار البشائر الإسلامية ، ص63. (2) بن تيمية : درء تعارض العقل والنقل 1/225.
|
#38
|
||||
|
||||
يقول الرازي وهو من أعمدة المذهب الأشعري في نفي علو الله على خلقه وتعطيل استوائه على عرشه : ( لو كان الله مختصا بالمكان لكان الجانب الذي في يمينه يلي ما على يساره ، فيكون مركبا منقسما فلا يكون أحدا في الحقيقة ، فيبطل قوله : { قل هو الله أحد } ) (1) .
وهم لما نفوا الاستواء وعطلوا علو الفوقية بهذه الحجج العقلية ،ساءت سمعتهم عند عامة المسلمين ، فالله يقول صراحة هو على العرش ، وهم يقولون صراحة ليس على العرش ، فما المخرج من هذه المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه ؟ والجواب في قول أحدهم : ( لو سئلنا عن قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } ، لقلنا المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو ، ومنه قول العرب استوى فلان على المملكة أي استعلى عليها واطردت له ، ومنه قول الشاعر : قد استوى بشر على العراق : من غير سيف أو دم مهراق ) (2) . وهذا تحريف للكلم عن مواضعه في ثوب التأويل ، فالتأويل يقبل إن كان بدليل صحيح ، لكن العرب لا تعرف أبدا استوى بمعنى استولى ، بل إن أهل اللغة لما سمعوا ذلك أنكروه غاية الإنكار ولم يجعلوه من لغة العرب . __________ (1) لرازي : فخر الدين ، (1406هـ) ، أساس التقديس ، تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا ، القاهرة ، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية ص 203. (2) بد الملك : بن عبد الله بن يوسف ، (1987م) ، لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ، تحقيق د. فوقية حسين ، بيروت ، نشر عالم الكتب ص 108 ، والشاعر هو الأخطل النصراني الحاقد علي الإسلام والمسلمين ، قال ابن كثير في التعقيب علي هذا البيت : ( هذا البيت تستدل به الجهمية علي أن الاستواء بمعني الاستيلاء ، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل علي ذلك ، ولا أراد الله عز وجل باستوائه علي عرشه استيلاءه عليه ، ولا نجد أضعف من حجج الجهمية ، حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلي بيت هذا النصراني المقبوح ) انظر البداية والنهاية 9/295 ، والعجب كل العجب أن قوة احتجاج الأشعرية بهذا البيت علي نفي الاستواء أقوي من قوة الاحتجاج بكلام الله علي إثباته ، مع أن الأخطل النصراني المشرك هو القائل في شعره مستهزءا بالصلاة والصيام والأضاحي : ولست بصائم رمضان يوما : ولست بآكل لحم الأضاحي - ولست بزائر بيتا بعيدا : بمكة ابتغي فيه صلاحي - ولست بقائم كالعير أدعو ... : ... قبيل الصبح حي علي الفلاح ، انظر السابق 9/263 ، وابن الجوزي : (1412هـ) ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، تحقيق محمد ومصطفي عبد القادر عطا ، بيروت ، دار الكتب العلمية 7/36 .
|
#39
|
||||
|
||||
روى الحسن بن محمد الطبري عن أبي عبد الله نفطويه النحوي ، قال أخبرني أبو سليمان ، قال : ( كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ما معنى : { الرحمن على العرش استوى } ؟ قال : إنه مستو على عرشه كما أخبر ، فقال الرجل : إنما معنى استوى استولى ، فقال له ابن الأعرابي : ما يدريك ؟ العرب لا تقول استولى فلان على الشيء حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل قد استولى عليه ، والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر ) (1) .
وقال أبو سليمان الخطابي وهو من أئمة اللغة : ( وزعم بعضهم أن الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء ، ونزع فيه إلى بيت مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله ، ولو كان الاستواء ها هنا بمعنى الاستيلاء لكان الكلام عديم الفائدة ، لأن الله تعالى قد أحاط علمه وقدرته بكل شيء وكل بقعة من السماوات والأرضين وتحت العرش ، فما معنى تخصيصه العرش بالذكر؟! ثم إن الاستيلاء إنما يتحقق معناه عند المنع من الشيء ، فإذا وقع الظفر به قيل استولى عليه فأي منع كان هناك حتى يوصف بالاستيلاء بعده ! ) (2) . __________ (1) بن القيم : (1415هـ) ، حاشية ابن القيم علي سنن أبي داود ،بيروت ، دار الكتب العلمية 3/18. (2) بن تيمية : (1392هـ) ، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ، مكة المكرمة ، نشر مطبعة الحكومة 2/438.
|
#40
|
||||
|
||||
ومعلوم أن كل تأويل لا يحتمله اللفظ في أصل وضعه ، وكما جرت به عادة الخطاب بين العرب هو نوع من التزوير والتدليس ، والخلط والتلبيس ، الذي يضيع ثوابت القول وقواعد الكلم ، فأهل العلم يعلمون أن إثبات الاستواء والنزول ، والوجه واليد والقبض والبسط ، وسائر صفات الذات والفعل لا يسمى في لغة العرب التي نزل بها القرآن تركيبا ولا انقساما ولا تمثيلا ، وكان أولى بالصحابة والتابعين ، وهم أئمة اللغة وأسياد الفهم أن يعترض واحد منهم على الأقل ويقول : كيف نؤمن بهذه الصفات التي تدل على التركيب والانقسام في الذات ؟ (1) .
ولذلك فإن كثيرا ممن نشأ في الأوساط التي يسودها مذهب الخلف أنكروا تأويلهم المتعسف للنصوص ، وادعوا أن السكوت وتفويض الأمر إلى الله هو المسلك المفضل ، ظنا منهم أنهم على عقيدة السلف الصالح ، فظهرت قضية التفويض التي وسم بها السلف متأثرة بعقيدة الخلف في فهم المحكم والمتشابه ، وعدم التمييز بين كون معاني نصوص الصفات محكمات ، وكون الكيفية الغيبية هي فقط من المتشابهات ، وقد سرى هذا الاعتقاد منذ ظهور المذهب الأشعري حتى عصرنا هذا . __________ (1) نظر أنواع التأويلات الباطلة وأمثلتها من كلام الأشعرية في مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص43 وما بعدها ، و درء تعارض العقل والنقل 1/226 وما بعدها.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|