القرآن الكريم [أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوبٍ أقفالها] . |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة البقرة (4) دعاء إبراهيم وإسماعيل عند بناء البيت وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) يرسم المشهد تنفيذ إبراهيم وإسماعيل للأمر الذي تلقياه من ربهما بإعداد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود . . يرسمه مشهودا كما لو كانت الأعين تراهما اللحظة وتسمعهما في آن: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ إنهما أمامنا حاضران , نكاد نسمع صوتيهما يبتهلان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فالدعاء حاضر نسمعه كأنه يقع اللحظة حي شاخص متحرك . تفيض منه الحياة . . وهذا من معجزات القرآن العظيم. وماذا في ثنايا الدعاء ? إنه أدب النبوة , وإيمان النبوة , وشعور النبوة بقيمة العقيدة في هذا الوجود . وهو الأدب والإيمان والشعور الذي يريد القرآن أن يعلمه لورثة الأنبياء , وأن يعمقه في قلوبهم ومشاعرهم بهذا الإيحاء: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. إنه طلب القبول . . هذه هي الغاية . . فهو عمل خالص لله . الاتجاه به في قنوت وخشوع إلى الله . والغاية المرتجاة من ورائه هي الرضى والقبول . . والرجاء في قبوله متعلق بأن الله سميع للدعاء ... ********* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. إنه رجاء العون من ربهما في الهداية إلى الإسلام ; والشعور بأن قلبيهما بين أصبعين من أصابع الرحمن ; وأن الهدى هداه , وأنه لا حول لهما ولا قوة إلا بالله... فهما يتجهان ويرغبان , والله المستعان . ثم هو طابع الأمة المسلمة . . التضامن . . تضامن الأجيال في العقيدة: -1 وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ. وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. أي : علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ. يحتمل أن يكون المراد بالمناسك : أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها , كما يدل عليه عموم اللفظ . لأن النسك: التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج , تغليبا عرفيا ، فيكون حاصل دعائهما , يرجع إلى التوفيق للعلم النافع , والعمل الصالح ، ولما كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة .-2 فقالا : وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.. 1- في ظلال القرآن 2- تفسير السعدي ********* وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
#22
|
|||
|
|||
نحن نحبكم في الله
جزاك الله خيرا أخي الفاضل ونفع بعلمك وكثر من أمثالك..
|
#23
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة البقرة (5) الدعوة المستجابة ورسالة الإسلام واستكمالا لقافلة النور ( أنبياء الله ) نعيش اليوم مع دعوة إبراهيم وإسماعيل بإرسال رسولا من العرب يبلغ آيات الله للعالمين, ويبين لهم شريعة ربهم ويهديهم إلى مكارم الأخلاق... ونستمع إلى تلك الدعوات. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ – 129 وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ – 130 إنها دعوة تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن . إن أمر العقيدة هو شغله الشاغل , وهو همه الأول . وشعور إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - بقيمة النعمة التي أسبغها الله عليهما . . نعمة الإيمان . . تدفعهما إلى الحرص عليها في عقبهما , وإلى دعاء الله ربهما ألا يحرم ذريتهما هذا الإنعام الذي لا يكافئه إنعام . لقد دعوا الله ربهما أن يرزق ذريتهما من الثمرات ولم ينسيا أن يدعواه ليرزقهم من الإيمان ; وأن يريهم جميعا مناسكهم , ويبين لهم عباداتهم , وأن يتوب عليهم . بما أنه هو التواب الرحيم . ثم ألا يتركهم بلا هداية في أجيالهم البعيدة: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ. وكانت الاستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل هي بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بعد قرون وقرون . بعثة رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل , يتلو عليهم آيات الله , ويعلمهم الكتاب والحكمة ويطهرهم من الأرجاس والأدناس . إن الدعوة المستجابة تستجاب , ولكنها تتحقق في أوانها الذي يقدره الله بحكمته . غير أن الناس يستعجلون ! وغير الواصلين يملون ويقنطون ! وبعد فإن لهذا الدعاء دلالته ووزنه فيما كان يشجر بين اليهود والمسلمين من نزاع عنيف متعدد الأطراف . إن إبراهيم وإسماعيل اللذين عهد الله إليهما برفع قواعد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والمصلين , وهما أصل سادني البيت من قريش . . إنهما يقولان باللسان الصريح : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. كما يقولان باللسان الصريح : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ. وهما بهذا وذاك يؤكدان أن وراثة الأمة المسلمة لإمامة إبراهيم , ووراثتها للبيت الحرام سواء . وإذن فهو بيت الأمة المسلمة الذي تتجه إليه , وهي أولى به من المشركين. وهو أولى بها من قبلة اليهود والمسيحيين.. وإذن فمن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى , ويدعي دعاواه العريضة في الهدى والجنة بسبب تلك الوراثة , ومن كان يربط نسبه بإسماعيل من قريش . . فليسمع : إن إبراهيم حين طلب الوراثة لبنيه والإمامة , قال له ربه : قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. ولما أن دعا إبراهيم لأهل البلد بالرزق والبركة خص بدعوته : مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. وحين قام هو وإسماعيل بأمر ربهما في بناء البيت وتطهيره كانت دعوتهما : أن يكونا مسلمين لله , وأن يجعل الله من ذريتهما أمة مسلمة , وأن يبعث في أهل بيته رسولا منهم . . فاستجاب الله لهما , وأرسل من أهل البيت محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) , وحقق على يديه الأمة المسلمة القائمة بأمر الله . الوارثة لدين الله . (في ظلال القرآن) ********* وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
#24
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة البقرة (6) الإسلام في وصية إبراهيم ويعقوب (عليهما السلام) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - 130 إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - 131 وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - 132 أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ - 133 تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ - 134 ورد في تفسير السعدي: أي: ما يرغب ﴿عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ بعد ما عرف من فضله ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ أي: جهلها وامتهنها, وباعها بصفقة المغبون، كما أنه لا أرشد وأكمل, ممن رغب في ملة إبراهيم، ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال : ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ أي: اخترناه ووفقناه للأعمال, التي صار بها من المصطفين الأخيار. ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الذين لهم أعلى الدرجات. ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ﴾ امتثالا لربه ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة فكان التوحيد لله نعته. ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه , وتوارثت فيهم , حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه. هذه هي ملة إبراهيم . . الإسلام الخالص الصريح . . لا يرغب عنها وينصرف إلا ظالم لنفسه , سفيه عليها , فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم, قال: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه, لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه. ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم, ومن بعده يعقوب, قال تعالى منكرا عليهم: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ﴾ أي: حضورا ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار, ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ ؟ فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا : ﴿نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ فلا نشرك به شيئا, ولا نعدل به أحدا، ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ فجمعوا بين التوحيد والعمل. ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب, لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا, فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية, لا باليهودية. وها هي ذي الفرصة سانحة , فقد جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدعوهم إلى الإسلام , وهو ثمرة الدعوة التي دعاها أبوهم إبراهيم عليه السلام . (في ظلال القرآن) ******** وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
#25
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة البقرة (7) ملة إبراهيم (عليه السلام) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ -135 أي: دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم, زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال. قل لهم مجيبا جوابا شافيا : ﴿ بَلْ ﴾ نتبع ﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ أي : مقبلا على الله, معرضا عما سواه, قائما بالتوحيد, تاركا للشرك والتنديد. فهذا الذي في اتباعه الهداية, وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية. (تفسير السعدي) ******** الدعوة الإلهية للمسلمين لإعلان الوحدة الكبرى للدين , من لدن إبراهيم أبي الأنبياء إلى عيسى بن مريم.. قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ – 136 هذه الآية الكريمة, قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به. واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام, بهذه الأصول, وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح، وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام, وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها، فهي من الإيمان, وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان, دخل فيه ما ذكر، وكذلك الإسلام, إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما, كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق، والإسلام, اسما للأعمال الظاهرة وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة، فقوله تعالى : ﴿ قُولُوا ﴾ أي : بألسنتكم, متواطئة عليها قلوبكم، وهذا هو القول التام, المترتب عليه الثواب والجزاء، فكما أن النطق باللسان, بدون اعتقاد القلب, نفاق وكفر، فالقول الخالي من العمل عمل القلب, عديم التأثير, قليل الفائدة, وفي قوله : ﴿ قُولُوا ﴾ إشارة إلى الإعلان بالعقيدة, والصدع بها, والدعوة لها, إذ هي أصل الدين وأساسه. وفي قوله : ﴿ آمَنَّا ﴾ ونحوه مما فيه صدور الفعل, منسوبا إلى جميع الأمة, إشارة إلى أنه يجب على الأمة, الاعتصام بحبل الله جميعا, والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا, وعملهم متحدا, وفي ضمنه النهي عن الافتراق، وفيه : أن المؤمنين كالجسد الواحد. وقوله : ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ أي : بأنه سبحانه الموجود, الواحد الأحد, المتصف بكل صفة كمال, والمنزه عن كل نقص وعيب, المستحق لإفراده بالعبادة كلها, وعدم الإشراك به في شيء منها, بوجه من الوجوه. ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى : ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ -113 النساء ﴾ فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله, من صفات الباري, وصفات رسله, واليوم الآخر, والغيوب الماضية والمستقبلة, والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الشرعية الأمرية, وأحكام الجزاء وغير ذلك. ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ إلى آخر الآية، فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء، والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا, ما نص عليه في الآية, لشرفهم ولإتيانهم بالشرائع الكبار. فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب, أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول، ثم ما عرف منهم بالتفصيل, وجب الإيمان به مفصلا. وقوله: ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ أي: بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين, التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين. فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم يكفرون بغيره، فيفرقون بين الرسل والكتب, بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به، وينقض تكذيبهم تصديقهم، فإن الرسول الذي زعموا, أنهم قد آمنوا به, قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كذبوا محمدا, فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به, فيكون كفرا برسولهم. وفي قوله : ﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ دلالة على أن عطية الدين, هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية. لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع. وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله, ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه, ليس لهم من الأمر شيء. وفي قوله : ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعباده, أن ينزل عليهم الكتب, ويرسل إليهم الرسل, فلا تقتضي ربوبيته, تركهم سدى ولا هملا. ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ أي: خاضعون لعظمته, منقادون لعبادته, بباطننا وظاهرنا, مخلصون له العبادة. فقد اشتملت هذه الآية الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات، واشتملت على الإيمان بجميع الرسل, وجميع الكتب، وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك، وعلى تعليم الباري عباده, كيف يقولون, ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة، فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وبهذا ندرك قيمة الرسل فهم كوكبة النور الإيماني عبر العصور , إلى أن أتم الله تعالى نوره للبشرية ببعثة خير البرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. *********** وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
#26
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة البقرة (8) جدال إبراهيم مع الملك الكافر أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – 258 نشاهد اليوم حوارا بين إبراهيم - عليه السلام - وملك في أيامه يجادله في الله تعالى.... لا يذكر السياق اسمه , لأن ذكر اسمه لا يزيد من العبرة التي تمثلها الآية شيئا . وهذا الحوار يعرض علينا في أسلوب التعجيب من هذا المجادل , الذي حاج إبراهيم في ربه ; أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرا لوجود الله أصلا إنما كان منكرا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده , كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ولكنهم يجعلون له اندادا ينسبون إليها فاعلية وعملا في حياتهم ! وكذلك كان منكرا أن الحاكمية لله وحده , فلا حكم إلا حكمه في شؤون الأرض وشريعة المجتمع . ( في ظلال القرآن ) إن هذا الملك المنكر المتعنت إنما ينكر ويتعنت للسبب الذي كان ينبغي من أجله أن يؤمن ويشكر . هذا السبب هو ( أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ). . وجعل في يده السلطان ! لقد كان ينبغي أن يشكر ويعترف , لولا أن الملك يطغي ويبطر من لا يقدرون نعمة الله , ولا يدركون مصدر الإنعام . ومن ثم يضعون الكفر في موضع الشكر ; ويضلون بالسبب الذي كان ينبغي أن يكونوا به مهتدين ! فهم حاكمون لأن الله حكمهم , وهو لم يخولهم استعباد الناس بقسرهم على شرائع من عندهم . فهم كالناس عبيد لله , يتلقون مثلهم الشريعة من الله , ولا يستقلون دونه بحكم ولا تشريع فهم خلفاء لا أصلاء ! ومن ثم يعجب الله من أمر ذلك الطاغية وهو يعرضه على نبيه: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ? ). . ألم تر ? إنه تعبير التشنيع والتفظيع ; وإن الإنكار والاستنكار لينطلقان من بنائه اللفظي وبنائه المعنوي سواء . فالفعلة منكرة حقا : أن يأتي الجدال بسبب النعمة والعطاء ! وأن يدعي عبد لنفسه ما هو من اختصاص الرب , وأن يستقل حاكم بحكم الناس بهواه دون أن يستمد قانونه من الله تعالى خالق الكون. ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ). . والإحياء والإماتة هما الظاهرتان المكرورتان في كل لحظة , المعروضتان لحس الإنسان وعقله . وهما - في الوقت نفسه - السر الذي يحير , والذي يلجيء الإدراك البشري الجاء إلى مصدر آخر غير بشري . وإلى أمر آخر غير أمر المخاليق . ولا بد من الالتجاء إلى الألوهية القادرة على الإنشاء والإفناء لحل هذا اللغز الذي يعجز عنه كل الأحياء . إننا لا نعرف شيئا عن حقيقة الحياة وحقيقة الموت حتى اللحظة الحاضرة . ولكننا ندرك مظاهرهما في الأحياء والأموات . ونحن ملزمون أن نكل مصدر الحياة والموت إلى قوة ليست من جنس القوى التي نعرفها على الإطلاق . . ولكنها هي قوة الله الحي القيوم. . ومن ثم عرف إبراهيم - عليه السلام - ربه بالصفة التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد , ولا يمكن أن يزعمها أحد , وقال وهذا الملك يسأله عمن يدين له بالربوبية ويراه مصدر الحكم والتشريع غيره . . قال : ربي الذي يحيي ويميت فهو من ثم الذي يحكم ويشرع . فذلك عمل الرب المتفرد الذي لا يشاركه فيه أحد من خلقه . ولكن الذي حاج إبراهيم في ربه رأى في كونه حاكما لقومه وقادرا على إنفاذ أمره فيهم بالحياة والموت مظهرا من مظاهر الربوبية . فقال لإبراهيم : أنا سيد هؤلاء القوم وأنا المتصرف في شأنهم , فأنا إذن الرب الذي يجب عليك أن تخضع له , وتسلم بحاكميته: ( قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ) ! عند ذلك لم يرد إبراهيم - عليه السلام - أن يسترسل في جدل حول معنى الإحياء والإماتة مع رجل يماري ويداور في تلك الحقيقة الهائلة . حقيقة منح الحياة وسلبها . هذا السر الذي لم تدرك منه البشرية حتى اليوم شيئا . . وعندئذ عدل عن هذه السنة الكونية الخفية , إلى سنة أخرى ظاهرة مرئية ; وعدل عن طريقة العرض المجرد للسنة الكونية والصفة الإلهية في قوله : ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ). . إلى طريقة التحدي , وطلب تغيير سنة الله لمن ينكر ويتعنت ويجادل في الله ; ليريه أن الرب ليس حاكم قوم في ركن من الأرض , إنما هو مصرف هذا الكون كله . ومن ربوبيته هذه للكون يتعين أن يكون هو رب الناس المشرع لهم: ( قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). . وهي حقيقة كونية مكرورة كذلك ; تطالع الأنظار والمدارك كل يوم ; ولا تتخلف مرة ولا تتأخر . وهي شاهد يخاطب الفطرة - حتى ولو لم يعرف الإنسان شيئا عن تركيب هذا الكون , ولم يتعلم شيئا من حقائق الفلك ونظرياته - والرسالات تخاطب فطرة الكائن البشري في أية مرحلة من مراحل نموه العقلي والثقافي والاجتماعي , لتأخذ بيده من الموضع الذي هو فيه . ومن ثم كان هذا التحدي الذي يخاطب الفطرة كما يتحدث بلسان الواقع الذي لا يقبل الجدل : ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ). . فالتحدي قائم , والأمر ظاهر , ولا سبيل إلى سوء الفهم , أو الجدال والمراء . . وكان التسليم أولى والإيمان أجدر . ولكن الكبر عن الرجوع إلى الحق يمسك بالذي كفر , فيبهت ويبلس ويتحير . ولا يهديه الله إلى الحق لأنه لم يتلمس الهداية , ولم يرغب في الحق ; ولم يلتزم القصد والعدل: ( وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). . ********** وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
#27
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة البقرة (9) إبراهيم ومعاينة إحياء الموتى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى, قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي, قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ – 260 نعيش اليوم مع أعظم دلالة حسية على قدرة الله تعالى وإحيائه الموتى للبعث والجزاء، أخبر تعالى عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يريه ببصره كيف يحيي الموتى، لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى, إنه تشوف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره ; وليس طلبا للبرهان أو تقوية للإيمان . إنما هو أمر آخر , له مذاق آخر . . إنه أمر الشوق الروحي , إلى ملابسة السر الإلهي , في أثناء وقوعه العملي . ومذاق هذه التجربة في الكيان البشري مذاق آخر غير مذاق الإيمان بالغيب ولو كان هو إيمان إبراهيم الخليل , الذي يقول لربه , ويقول له ربه . وليس وراء هذا إيمان , ولا برهان للإيمان . ولكنه أراد أن يرى يد القدرة وهي تعمل ; ليحصل على مذاق هذه الملابسة فيستروح بها , ويتنفس في جوها , ويعيش معها . . وهي أمر آخر غير الإيمان الذي ليس بعده إيمان.. فلهذا قال الله له : ﴿ أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ﴾ وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان ويسعى في نيله أولو العرفان، ولقد استجاب الله لهذ الشوق والتطلع في قلب إبراهيم , ومنحه التجربة الذاتية المباشرة: فقال له ربه ﴿ فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ﴾ أي : ضمهن ليكون ذلك بمرأى منك ومشاهدة وعلى يديك. ﴿ ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ﴾ أي : مزقهن، اخلط أجزاءهن بعضها ببعض، واجعل على كل جبل، أي : من الجبال التي في القرب منه، جزء من تلك الأجزاء ﴿ ثم ادعهن يأتينك سعيا ﴾ أي : تحصل لهن حياة كاملة بأمر الله، ويأتينك في هذه القوة وسرعة الطيران، ورأى إبراهيم السر الإلهي يقع بين يديه . وهو السر الذي يقع في كل لحظة . ولا يرى الناس إلا آثاره بعد تمامه . إنه سر هبة الحياة . الحياة التي جاءت أول مرة بعد أن لم تكن ; والتي تنشأ مرات لا حصر لها في كل حي جديد . فنرى الأطفال يخرجون إلى الحياة بعد أن كانوا لا شئ.. وترى الفرخ يخرج من البيض حيا ولم يكن شئ.. وها نرى مع نبي الله إبراهيم الطيور تعود للحياة بعد ذبحها وتقطيعها.. رأى إبراهيم هذا السر يقع بين يديه . . طيور فارقتها الحياة , وتفرقت مزقها في أماكن متباعدة . تدب فيها الحياة مرة أخرى , وتعود إليه سعيا ! كيف ؟؟ هذا هو السر الذي يعلو على التكوين البشري إدراكه . ﴿ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين -75 الأنعام ﴾ فالإنسان قد يراه كما رآه إبراهيم . وقد يصدق به كما يصدق به كل مؤمن . ولكنه لا يدرك طبيعته ولا يعرف طريقته... إنه من أمر الله . والناس لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء . وهو لم يشأ أن يحيطوا بهذا الطرف من علمه , لأنه أكبر منهم ..ولا حاجة لهم به في خلافتهم على الأرض. ثم قال تعالى : ﴿ واعلم أن الله عزيز حكيم ﴾ أي : ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات، فلم يستعص عليه شيء منها، بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله.. وهكذا ندرك اليقين وعين اليقين مع نبي الله إبراهيم , فهي صورة حية نعيش معها وتعيش معها الأجيال إلى يوم القيامة. ********* وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
#28
|
|||
|
|||
جزكم الله خيرا
|
#29
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنعام (10) تجلية عقيدة التوحيد في مناظرة نبي الله ( إبراهيم ) مع المشركين وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ – 73 قوله الحق في جميع مخلوقاته . . فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع ولا يضر من خلقه . ومن يتبعون قول غيره كذلك في التفسير للوجود وتشريعه للحياة . في أي اتجاه . إن الملك لله وحده , وأنه لا سلطان إلا سلطانه , ولا إرادة إلا إرادته . . فأولى للبشرية- العائدة إلى ربها حتما- الاستسلام له في الدنيا طائعين, أن يستسلموا قبل أن يستسلموا لسلطانه المطلق يوم ينفخ في الصور . هذه الحقائق تعرض قبل مشاهدة اللقاء الحي بين إبراهيم عليه السلام وقومه , والمناظرة القوية أمام الملأ وأمام عبدة الأصنام وعبدة الكواكب والنجوم .. والمناقشة الواضحة الصريحة التي يقر بها العقل والفطرة السليمة.. ********** إبراهيم يقيم الحجة على قومه وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83 إنها قصة الفطرة مع الحق والباطل . وقصة العقيدة كذلك يصدع بها المؤمن ولا يخشى فيها لومة لائم ; ولا يجامل على حسابها أبا ولا أسرة ولا عشيرة ولا قوما . . كما وقف إبراهيم من أبيه وقومه هذه الوقفه الصلبة الحاسمة الصريحة : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ – 74 وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ – 75 وتجهر بكلمة الحق وتصدع , حينما يكون الأمر هو أمر العقيدة , كلمة يقولها إبراهيم - عليه السلام - لأبيه . وإبراهيم هو الأواه الحليم الرضي الخلق السمح اللين , كما ترد أوصافه في القرآن الكريم . ولكنها العقيدة هنا . وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ. والعقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة , وفوق مشاعر الحلم والسماحة . وإبراهيم هو القدوة التي أمر الله المسلمين من بنيه أن يتأسوا بها . والقصة تعرض لتكون أسوة ومثالا . . وكذلك استحق إبراهيم - عليه السلام - بصفاء فطرته وخلوصها للحق أن يكشف الله لبصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون , والدلائل الموحية بالهدى في الوجود... وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. بمثل هذه الفطرة السليمة , وهذه البصيرة المفتوحة ; وعلى هذا النحو من الخلوص للحق , ومن إنكار الباطل في قوة . . نري إبراهيم حقيقة هذا الملك . . ملك السماوات والأرض . . ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون , ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود , ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب . لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة , إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق . . وهذا هو طريق الفطرة البديهي العميق . . وعي لا يطمسه الركام . وبصر يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله . وتدبر يتبع المشاهد حتى تنطق له بسرها المكنون . . وهداية من الله جزاء على الجهاد فيه . . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83 (في ظلال القرآن) ************
نستكمل تلك المناظرة الحية في اللقاء القادم بإذن الله تعالى.. |
#30
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنعام (11) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ – 76 فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ – 77 فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ – 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - 79 التوجه لعباد الكواكب بالمناظرة أولا ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾ أي : أظلم ﴿ رَأَى كَوْكَبًا ﴾ لعله من الكواكب المضيئة، لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره، ولهذا - والله أعلم - قال من قال : إنه الزهرة. ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ أي : على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية ؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان. ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ أي: غاب ذلك الكوكب ﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ أي : الذي يغيب ويختفي عمن عبده، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شئونه، أما ذلك الكوكب له مسار محدد يسير فيه طبقا لقانون وضعه الله له..فذلك الكوكب مخلوق مثلي ومثلك تماما لا يملك من أمره شئ.. فمن أين يستحق العبادة ؟! وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل ؟! وبذلك أبطل عبادة الكواكب.. ثم ذهب لعباد القمر ... ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ﴾ أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ تنزلا ومجاراة الخصم. ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ فالقمر مسير في مداره كذلك لا يملك من أمره شئ ولا يملك لأي مخلوق ضر ولا نفع .. فيجب أن نتضرع إلى الخالق الحق أن يهدينا. وإلا لكنا من الضالين التائهين عن المعبود الحق. وبذلك أسقط عبادة القمر.. ثم ذهب لعباد الشمس... ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ من الكوكب ومن القمر. ﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾ أي غابت وأنها مسخرة في مدارها لا تستطيع الضر أو النفع.. وهكذا أسقط عبادة الشمس.. ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلان جميع الشركاء من أصنام وكواكب والقمر والشمس. ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ﴾ أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه. سبحان الله العلي العظيم ...ما أعظم ذلك الدين القيم ملة إبراهيم.. ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان.. وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ – 80 وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ - 81 الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ – 82 وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - 83 وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم عليه السلام قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة. إن ربك حكيم في تدبير خلقه, عليم بهم. ( التفسير الميسر – تفسير السعدي ) ********** وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|