انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-12-2014, 04:01 PM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي الورع والزهد طريقنا إلى التقوى

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعـد..


رغيـف خبـز يابـس تأكلـه فـي زاويــة
وكـوز مـاء بـارد تشـربـه من سـاقيـة
وغـرفـة ضيقـة نفسـك فيهـا خـالـية
أو مسجـد بمعـزل عن الورى في نـاحــية
تـدرس فيـه دفتـرا مستنـدا لسـاريــة
معتبرا بمن مضـى من القـرون الخــــالية
خير من الساحات في فـيء القصـور العـالية
تعقبهــا عقـوبة تصلى بنـار حـامــية


كلمات معبرة للشاعر أبو العتاهية، يتحدث فيها عن الزهد، والزهد أقسام،
كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- (الفوائد):
زهـد فِي الْحَرَام وَهُوَ فرض عين، وزهـد فِي الشُّبُهَات وَهُوَ بِحَسب مَرَاتِب الشُّبْهَة فَإِن قويت التحقت بِالْوَاجِبِ وَإِن ضعفت كَانَ مُسْتَحبا،
وزهـد
فِي الفضول، وزهـد فِيمَا لَا يَعْنِي من الْكَلَام وَالنَّظَر وَالسُّؤَال واللقاء وَغَيره، وزهـد فِي النَّاس، وزهـد فِي النَّفس بِحَيْثُ تهون عَلَيْهِ نَفسه فِي الله، وزهـد جَامع لذَلِك كُله؛ وَهُوَ الزّهْد فِيمَا سوى الله وَفِي كل مَا شغلك عَنهُ.
وَأفضل الزّهْد إخفاء الزّهْد، وأصعبه الزّهْد فِي الحظوظ.
وَالْفرق بَينه وَبَين الْوَرع أَن الزّهْد ترك مَالا ينفع فِي الْآخِرَة، والورع ترك مَا يخْشَى ضَرَره فِي الْآخِرَة.
وَالْقلب الْمُعَلق بالشهوات لَا يَصح لَهُ زهد وَلَا ورع.
قَالَ يحيى بن معَاذ عجبت من ثَلَاث رجل يرائي بِعَمَلِهِ مخلوقا مثله وَيتْرك أَن يعمله الله وَرجل يبخل بِمَالِه وربه يستقرضه مِنْهُ فَلَا يقْرضهُ مِنْهُ شَيْئا،
وَرجل يرغب فِي صُحْبَة المخلوقين ومودتهم وَالله يَدعُوهُ إِلَى صحبته ومودته. إنتهى

وذكر أيضا الشيخ
بن عثيمين -رحمه الله- في شرحه لرياض الصالحين، الفرق بين الزهد والورع:

قال الشيخ: [ أن الزهد أعلى من الورع، فالورع ترك ما يضر، والزهد ترك ما لا ينفع، فالأشياء ثلاثة أقسام:
منها ما
يضر في الآخرة، ومنها ما ينفع، ومنها ما لا يضر ولا ينفع .


فالورع: أن يدع الإنسان ما يضره في الآخرة، يعني أن يترك الحرام.

والزهد: أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة ، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به، والذي ينفعه يأخذ به، والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى،
فكان الزهد
أعلى حالاً من الورع ، فكل زاهد ورع ،وليس كل ورع زاهداً
].






والزهد والورع من أبواب الأخلاق المحمودة واسعة المجال للحديث فيها، أبواب لايتكلم فيها سوى علماء الأمة الأجلاء -من السلف والمعاصرين-،
ولنأخذ معا بعضا من أقوالهم ودررهم لنقتطف منها ما فيه فائدة موجزة بأمر الله تعالى، لنسلط الضوء الآن على الــورع
فمـا هـو معـنى الـورع؟


معنى الورع لغةً:
الورع: التَّـقْوَى، والتَّحَرُّج، والكَفُّ عن المحارِم. من وَرِعَ الرَّجُلُ، كوَرِثَ، والورِع، بكسر الرَّاءِ: الرجلُ التَّقِي المتَحَرِّج،
والورَعُ في الأصل: الكَفُّ عن المحارِم والتحَرُّج منه، ثم اسْتعِير للكفِّ عن المباح والحلالِ .

معنى الورع اصطلاحًا:
الورع: هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات .
وعرفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به البأس) .
وقال الكفوي: (الورع: الاجتناب عن الشبهات سواء كان تحصيلًا أو غير تحصيل)


والـورع: أصله الكف عن المحارم، والتحرج منه، ثم استعير عن المباح والحلال.



قال الكتاني:
[ الورع هو ملازمة الأدب وصيانة النفس، وملازمة الأعمال الحميدة، بموافقة الشرع والعرف والمروءة.

وكذا اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات وقيل هو ملازمة الأعمال الجميلة، وقيل: كف الأذى وكف اللسان ].


وقال القرافي في معنى الورع وحكمه:

الورع هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به البأس وأصله قوله:
( الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مشتبهات لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ من الناس فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ )

وهو مندوب إليه ومنه الخروج عن خلاف العلماء بحسب الإمكان فإن اختلف العلماء في فعل هو مباح أم حرام
فالورع الترك أو اختلفوا فيه هل هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب
.






الترغيب في الورع من السنة النبوية:
- عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(
فضلُ العلْمِ أحبُّ إِلَيَّ مِنْ فضلِ العبادَةِ ، وخيرُ دينِكُمُ الورَعُ ) صححه الإمام الألباني

قال المناوي:
(لأنَّ الوَرِع دائم المراقبة للحقِّ، مستديم الحذر أن يمزج باطلًا بحقٍّ، كما قال الحبر: كان عمر كالطير الحذر.
والمراقبة توزن بالمشاهدة، ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر)

- وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(
دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ ، فإنَّ الصِّدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبةٌ ) صححه الإمام الألباني

قال ابن حجر:
(قوله: ((يريبك)). بفتح أوله ويجوز الضمُّ، يقال: رابه يريبه بالفتح، وأرابه يريبه بالضمِّ ريبة، وهي الشكُّ والتردد،
والمعنى إذا شككت في شيء فدعه، وترك ما يُشَكُّ فيه أصل عظيم في الورع... قال الخطابي: كلُّ ما شككت فيه، فالورع اجتنابه)

- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، ... الحديث
)) [2]

قال ابن رجب:
(هذا الحديث حديث عظيم؛ وهو أحد الأحاديث التي مدار الدين عليها، وقد قيل: إنَّه ثلث العلم أو ربعه...
ومعنى الحديث: أنَّ الله أنزل كتابه، وبيَّن فيه حلاله وحرامه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما خفي من دلالة الكتاب على التحليل والتحريم،
فصرَّح بتحريم أشياء غير مصرَّح بها في الكتاب، وإن كانت عامتها مستنبطة من الكتاب وراجعة إليه، فصار الحلال والحرام على قسمين:

أحدهما: ما هو واضح لا خفاء به على عموم الأمة؛ لاستفاضته بينهم وانتشاره فيهم، ولا يكاد يخفى إلا على من نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام؛
فهذا هو الحلال البيِّن والحرام البيِّن. ومنه: ما تحليله وتحريمه لعينه، كالطيبات من المطاعم، والمشارب والملابس، والمناكح، والخبائث من ذلك كله.
ومنه: ما تحليله وتحريمه من جهة كسبه، كالبيع، والنكاح، والهبة، والهدية، وكالربا، والقمار، والزنا، والسرقة، والغصب، والخيانة، وغير ذلك.

القسم الثاني: ما لم ينتشر تحريمه وتحليله في عموم الأمة؛ لخفاء دلالة النص عليه، ووقوع تنازع العلماء فيه ونحو ذلك، فيشتبه على كثير من الناس،
هل هو من الحلال أو من الحرام؟
وأمَّا خواص أهل العلم الراسخون فيه فلا يشتبه عليهم؛ بل عندهم من العلم الذي اختصوا به عن أكثر الناس ما يستدلون به على حلِّ ذلك أو حرمته،
فهؤلاء لا يكون ذلك مشتبهًا عليهم لوضوح حكمه عندهم.
أما من لم يصل إلى ما وصلوا إليه فهو مشتبه عليه؛ فهذا الذي اشتبه عليه إن اتقى ما اشتبه عليه حلَّه وحرمه، واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه،
بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى).





بعض أقوال السلف والعلماء في الورع:
- قال أبو الدرداء:
(تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام)

- وقال الحسن:
(مازالت التقوى بالمتقين؛ حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام).

- وقال الثوري:
(إنما سموا المتقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى. ورُوي عن ابن عمر قال: إني لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها).

- وقال ميمون بن مهران:
(لا يسلم للرجل الحلال؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال).

- وقال سفيان بن عيينة:
(لا يصيب عبد حقيقة الإيمان؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه) .

- وقال إبراهيم بن أدهم:
(الورع ترك كلِّ شبهة، وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات).

- وقال الشبلي:
(الورع أن يتورَّع عن كلِّ ما سوى الله).

وقال إسحاق بن خلف:
(الورع في المنطق أشدُّ منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشدُّ منه في الذهب والفضة؛ لأنهما يبذلان في طلب الرياسة).

- وقال أبو سليمان الداراني:
(الورع أول الزهد، كما أنَّ القناعة أول الرضا).

- وقال يحيى بن معاذ:
(الورع الوقوف على حدِّ العلم من غير تأويل).
وقال: (الورع على وجهين: ورع في الظاهر، وورع في الباطن، فورع الظاهر أن لا يتحرك إلا لله، وورع الباطن هو أن لا تُدخل قلبك سواه).
وقال: (من لم ينظر في الدقيق من الورع؛ لم يصل إلى الجليل من العطاء).

- وقيل: (الورع الخروج من الشهوات، وترك السيئات).

- وقيل: (من دقَّ في الدنيا ورعه - أو نظره - جلَّ في القيامة خطره).

- وقال يونس بن عبيد:
(الورع الخروج من كلِّ شبهة، ومحاسبة النفس في كلِّ طرفة عين).

- وقال سفيان الثوري:
(ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك فاتركه).

- وقال سهل:
(الحلال هو الذي لا يُعصَى الله فيه، والصافي منه الذي لا ينسى الله فيه، وسأل الحسن غلامًا، فقال له: ما ملاك الدين؟
قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. فعجب الحسن منه).

- وقال الحسن:
(مثقال ذرةٍ من الورع، خيرٌ من ألف مثقال من الصوم والصلاة).

- وقال أبو هريرة:
(جلساء الله تعالى غدًا أهل الورع والزهد) .

- وقال بعض السلف:
(لا يبلغ العبد حقيقة التقوى؛ حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس).

- وقال بعض الصحابة:
(كنا ندع سبعين بابًا من الحلال؛ مخافة أن نقع في بابٍ من الحرام) .

- وقال الهروي:
(الورع توَقٍّ مستقصًى على حذر، وتحرُّجٌ على تعظيم) .

- وقال ابن مسكويه:
(وأما الورع فهو لزوم الأعمال الجميلة التي فيها كمال النفس) .

- وقال سفيان:
(عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك)





فـوائـد الـورع:
1- من فوائده أنه يجلب محبة الله سبحانه وتعالى.
2- فيه الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3- فيه ترك الشبهات، والبعد عنها.
4- به يطيب المطعم والمشرب.
5- أنه سببٌ لاستجابة الدعاء.
6- أنه خير خصال الدين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
7- فيه الاستبراء للدين والعرض.
8- أنه سمةٌ من سمات العُبَّاد.
9- الورع سببٌ من أسباب كمال التقوى.





رزقنا الله وإياكم الإخلاص في القول وفي العمل، نتورع إليه سبحانه في كل أمورنا
ونتقيه سبحانه قدر ما نستطيع بتوفيقه وفضله، عسى أن نكون من عباده المتقين،
فيدخلنا جنات النعيم بغير حساب ولا سابقة عذاب





---------------------------------------------------------------------------
[1] حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ ، ومُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، ولفظه:
" الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ ، لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ
كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ، ثُمَّ إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ،
أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ "


[2] لفظ الحديث في رواية الإمام البخاري:
" الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّنٌ، وبينهما مُشَبَّهاتٌ لا يعلمُها كثيرٌ من الناسِ، فمَنِ اتقى المُشَبَّهاتِ استبرَأ لدينِه وعِرضِه،
ومَن وقَع في الشُّبُهاتِ : كَراعٍ يرعى حولَ الحِمى يوشِكُ أن يواقِعَه، ألا وإن لكلِّ ملكٍ حِمى، ألا وإن حِمى اللهِ في أرضِه مَحارِمُه،
ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ".

______________________
المراجــع:
- موقع الدرر السنية- موسوعة الأخلاق الإسلامية
- ملتقى أهل الحديث


التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-07-2014, 05:21 PM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي



إستكمالاً وتتمة للموضوع، أنقل لكم تفريغًا نصيًا من: سلسلة أعمال القلوب

محاضرات ألقاها فضيلة الشيخ محمد صالح المنجّد حفظه الله
وكان الأجدر بي أن أبدأ موضوعي بكلام الشيخ أطال الله في عمره؛ لكني لم ألحظ حينها وجود هذه الدرر من قوله، وللفائدة أنقل لكم السلسلة كاملة
في الملف المرفق، أما هذا النقل في باب الورع فقام بتفريغه أخي في الله أبو يحي جزاه الله خير الجزاء، أنقله لكم كما كتبه.



الــــــــــــــــورع
_______________


عناصر المحاضرة :


- تعريف الورع
- أقسام الورع
- نماذج من الورع
- فوائد الورع


وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين وبعد..
فهذا الدرس الأخير في سلسلة أعمال القلوب فى هذه السنة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا وأن يجعلنا من المتقين ..

ودرسنا فى هذه الليلة أيها الإخوة عن الورع

والورع لغة : ورِع، يرِعُ، مأخوذ من مادة وَرَعَ التي تدل على الكفّ والانقباض ، والورع في اللغة العفة وهي الكفّ عن ما لا ينبغي ويقال توّرع أي تحرّجَ ، والورع التقوى.


وأما بالنسبة للاصطلاح الشرعي:فإن الورع ترك ما يريبك ونفي ما يعيبك والأخذ بالأوثق وحمل النفس على الأحوط، والورع اجتناب الشبهات ومراقبة الخطرات،

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الورع:
"عمّا قد تُخَاف عاقبته وهو ما يًعلَم تحريمه وما يُشَك في تحريمه- إذا الإنسان يتورع عن أى شئ عن ما تخاف عاقبته فى الأخرة عن ما يخشى على نفسه منه فى الأخره قد يكون حراما يعلم أنه حرام وقد يكون شئ يخشى أنه حرام فتخاف عقوبته فى الآخره
وقوله : وما يُشَك في تحريمه وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله - فهذا قيدٌ مهم في الأشياء المشكوك فيها - ،فإنه قيده رحمه الله بقوله وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله لأنه قد يكون فعل المشكوك فيه فى بعض الحالات أهون وكذلك الاحتيال بفعل ما يشك في وجوبه لكن على هذا الوجه".

وعرف ابن القيم رحمه الله بقوله: " ترك مايُخشى ضرره في الآخرة".
ومن منازل "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" الفاتحة:5 , منزلة الورع أيضاً وقد قال الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" المؤمنون:51 ، وقال عز وجل: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ" المدثر:4, أي نفسك فطهر من الذنب فكنّى عن النفس بالثوب وهذا قول جماعة من المحققين من أهل التفسير، كما قال غيلان الثقفي :وإني بحمد الله لا ثوب غادر لبست ، ولا من غدرة أتقَنّعُ.
ولا ريب أن تطهير النفس من النجاسات وتقصيرها من جملة التطهير المأمور به إذ به تمام إصلاح الأعمال والأخلاق والمقصود أن الورع يطهر دنس القلب ونجاسته كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته، وبين الثياب والقلوب مناسبة ظاهرة .

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع في كلمة واحدة فقال: " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"، فهذا يعم الترك لما لا يعنيه من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي والفكر وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه الكلمة كافية شافية في الورع.قال: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه" فإذا أى شئ لا يفيدك فى الآخره .. أى شئ لا ينفعك فى الآخره كلام نظر استماع مشى أفكار أتركه تورع عنه فهذه كلمة عظيمة فى الورع
وقال إبراهيم: " الورع ترك كل شبهة وترك ما لا يعنيك وترك الفضلات - الأشياء الزائدة- ".
وروى الترمذي مرفوعاً : " يا أبا هريرة كن ورعاً تكن أعبد الناس".
ولا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس،

وقال بعضهم: " كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في الحرام".
مسألة مهمة جداً في الورع وهي قضية العلم ، لأنه لا يمكن التورُّع بدون علم ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاماً مهماً في هذا؛ قال : " تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع الواجبات ويفعل المحرمات ويرى ذلك من الورع، ضرب مثالا قال كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعاً- فيأتي مثلاً جيش من المسلمين أميره لا يمكن تغييره بسبب من الأسباب عنده فسق هذا الأمير عنده فسق ماذا يفعل الآن هو يقاتل أعداء الكفرة فى جهاد مثلا هاجم العدو قام هذا يصده ورتب الناس فجاء أحدهم قال أنا لا أجاهد وراء هذا الفاسق أنا أتورع أن أجاهد وراء هذا الإنسان ، ماذا سيحصل؟؛ يجتاح العدو البلد وتقع الهزيمة بالمسلمين والقتل والتشريد والغصب والإغتصاب وأخذ المال والأموال لأن هذا يريد أن يتورع عن هذه القضيه . واحد مات أبوه وعنده أموال مشبوهة وعليه ديون فلما جاء الناس يطالبون حقوقهم فقال الابن: أمال أبى فيها الربى ما أعطيكم شئ أنا أتورّع أن أقضي ديون أبي من الشبهة فهذا الورع فاسد لأن هذا الإنسان جاهل،يريد أن يتورع فى موقع يجعل فيه على أبيه تبعات يمنع حقوق الناس ومنع حقوق الناس حرام جدا من أجل أنه يتورع ويقول هذه أموال أبي كلها أتخلص منها تخلصنا منها كلها طيب الديون التى على أبيك قال هذه خلاص اموال مشبوهة و تخلصت منها طيب عليه حقوق إذا تخلصك من أموال أبيك مستحب لأن فيها شبهة فإن تسديد ديون أبيك واجب ناس تطلب إذا فالجهل يجعل بعض الناس يتركون واجبات بزعم الورع-، مثلا قريةما فيها إلا مسجد جمعةواحد خطيب الجمعة هذا إنسان مسبل يسمع أغانى مثلا فقال واحد أنا لا أصلى خلف اسق أنا أتورع أن أصلى خلف هذا الإنسان ماذا سيحصل يترك الجمعة ويترك الجماعة وهذه أمور واجبة ورعا أن يصلى وراء فلان لأن الصلاة وراء الفاسق مكروهة أنت الآن تورعت عن المكرو لكن ماذا حصل فى المقابل تركت واجب وعملت عملا محرما هذا نتيجة الجهل العظيم فقال شيخ الإسلام ضاربا الأمثلة كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور طبعا بدعة - غير مكفّرة- لأن الإمام الكافر لا تجوز الصلاة وراءه ويرى ذلك من الورع، ويمتنع عن قبول شهادة العباد وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفية، ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع".

ومن القواعد في الورع ما نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:

" الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهدٌ ولا ورع إذا الورع ليي له مجال فى الواجبات والمستحبات واحد قال أنا أزهد فى واجب نقول مخطئ أنا أتورع عن فعل الواجب هذا نقول لا يجوز لك يقول أنا أتورع عن فعل المستحب هذا نقول هذا ليس موضع للتورع ليس مجال الورع فى الواجبات والمستحبات ، وأما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد والورع" ،


وقال رحمه الله أيضاً: "أما الورع فإنه الإمساك عما قد يضرطبعا لو قلت الإمساك عما يضر كأنك تتكلم عن الإمساك عن المحرمات وإذا قلت الإمساك عما قد يضر فأنت تتكلم عن الإمساك عن المشتبهات فإذا الإمساك عما يضر أو قد يضر ، فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر فإنه من اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجهلٌ وظلمٌ وذلك يتضمن ثلاثة أقسام لا يُتَورَّع عنها: المنافع المكافئة والراجحة والخالصة، كالمباح المحض أو المستحب أو الواجب ، فإن الورع عنها ضلالة ".

فإذا لو واحد تورع عن واجب نقول هذا ضال تورع عن مستحب نقول هذا ضال تورع عن مباح خالص جدا ما فيه أى شبهة نقول لماذا أمسكت لماذا تورعت لا يوجد شبهة لا يوجد شائبة لماذا تورعت أليس أحله الله والنبى -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل اللحم ويتزوج النساء ويضع الطيب وحبب إليه من الدنيا الطيب والنساء فلماذا تتورع إذا عن هذه الأشياء المباجة الخالصة إذا هذه ضلالة كما قال رحمه الله تعالى

وقسّم بعض العلماء الورع إلى ثلاث مراتب فقالوا:


1. واجب وهو الإحجام عن المحرمات وذلك على الناس كافة.
2. وورع مندوب وهو الوقوف عن الشبهات ويفعله عدد من الناس أقل .
3. وورع ثالث وهو الكفّ عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات وذلك للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

و لا بد هنا أن نفصل كلامه هذا ونقول الورع عن المباحات التي تشغل عن الله والآخرة أما اذا قال واحد أنا أتورع عن كل المباحات مثل هذا قد ضل هذا ضلال " مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ ... "الأعراف:32 , لماذا تتورع عن المباح الكامل ..يأخى لو قال بعض المباحات تشغل قلبى عن الله والدار الآخرة وانشغل فيها عن أمور من الطاعات والعبادت انشغل نقول طيب تورعك عنها لأجل كسب المزيد من الحسنات طيب ويجب أن يكون عملك موافقا للكتاب والسنة مثلا لو قال أنا الزواج يشغلنى عن الله والدرا الآخرة أنا أكل اللحم يشغلنى عن الله والدار الآخره نقول هذا الضلال لقد أكله من هو خير منك وتزوج من هو خير منك ولم يقل أنه يشغله عن الله والدار الآخره لكن أن يقول أحد مثلا أنه لايريد أن يتزوج ثانية و ثالثه لأن كثرة المشاكل والإرتباطات تجعلنى مثلا انشغل عن بعض الطاعات الأخرى وإماراة واحده تعفنى نقول قرار صائب نقول لا حرج عليك


والورع كما تقدم إذاً عما هو محرم وعن كل شبهة وعن بعض الحلال الذي يُخشى إذا أخذ منه أن يقع في الحرام وإذا أراد خاتمة الورع وأعلى درجة فيه فالورع عن كل ما ليس لله تعالى أى شئ ليس لله تعالى يتورع عنه وبالتالي لو أن الإنسان أخذ من المباح بنية صالحة ( مثلا أكل بنية التقوِّي،نام بنية الاستيقاظ لقيام الليل، تزوج بنية الإنفاق على الزوجة كسب الولد وإعفاف النفس وتكثير المسلمين.إلى أخرة .) تنقلب مباحاته إلى طاعات وعبادات وفي هذه الحالة لا يسوغ له التورّع عنها ، لو عندك مباح ينقلب بنية صالحة إلى عباده فلا يسوغ لك أن تتورع عنه لكن تتورع عن مباح ممكن يؤدي إلى حرام أو يشغل قلبك عن الله والدار الآخرة نعم هذا موضع تورع سائغ

والورع كلما أخذ به الإنسان كان أسرع جوازاً على الصراط وأخفّ ظهراً وتتفاوت المنازل في الآخرة بحسب التفاوت في درجات الورع وهو تجنب القبائح لصدق النفس وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان وكذلك البعد عن حدود الله سبحانه وتعالى وكذلك فإن الإنسان المسلم ينتبه من الاقتراب من حدود الله، لأن الاقتراب من الحدود يوشك أن يوقعه فيهاويجعله يقتحم ، "..تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا " البقرة:187 " ...تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا .." البقرة:229 , والحدود يراد بها أواخر الحلال حيث نهى عن القربان، والحدود من جهة أخرى قد يراد بها أوائل الحرام ، فلا تتعدوا ما أباح الله لكم ولا تقربوا ما حرّم الله عليكم ، فالورع يخلص العبد من قربان هذه وتعدّي هذه وهو اقتحام الحدود،لأن ترى مجاوزة الحد فى الحلال قد يوقع فى الحرام الشديد كأمن تجاوز الأربع زوجات فى الزواج تجاوز الأربع فى عصمته فى وقت واحد لو صار فى خامسه خلاص وقعت فى الحرام الشديد الزنا فمجاوزة الحد في الحلال يمكن أن يوقعه في الكبائر العظيمة.

والإنسان المسلم عليه أن يتورع في الجوانب التي الإشتغال فيها والولوغ فيها يمكن أن يؤدى الولوغ به إلى المهالك سواء في النظر .. في السمع.. في الشم.. في اللسان.. في البطن .. في الفرج..في اليد.. في الرجل .. السعي..وهكذا..
والنبي صلى الله عليه وسلم قد علمنا الورع و قال: " الإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس": رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إنك لن تدع شيئاً لله عزوجل إلا بدّلك الله به ماهو خير لك منه" : رواه أحمد وقال في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح.
وجاء عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفّة في طُعمة": قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح.
وفي الحديث العظيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس"وفي رواية: " وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا إن حمى الله في أرضه محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد القلب كله ألا وهي القلب" : والحديث فى البخاري ومسلم.

وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من حُسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه".

وحكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن شخصين فيمن قبلنا تورّعا عن شيء اكتشفاه في الأرض فاشترى رجل من رجل عقار له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار( المشترى قال للبائع ) خذ ذهبك مني إني اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض بما فيها،فكل منهما تورع عن أخذ الذهب، فتحاكما إلى رجل عاقل فقال ألكما ولد فقال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية، قال أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا " : رواه البخاري ومسلم .

وكذلك قصة الصحابة الذين لم يشيروا إلى الصيد وهم حُرُم، مجرد الإشارة والمعاونة لم يشيروا فيقول أبو قتادة رضي الله عنه: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في القاحة ومنا المحرم ومنا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئاً فنظرت - وفي رواية أنهم ضحكوا ولكن لم يشيروا ولم يعينوا-فإذا حمار وحش فوقع سوطه فقالوا لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون ، فتناولته فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته فأتيت به أصحابي فقال بعضهم كلوا وقال بعضهم لا تأكلوا ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا فسألته فقال كلوه حلال"، فكيف إذاً تورعوا عن الإشارة والمعاونة وعن الأكل منه.

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتورع عن التمرة يجدها في بيته ،فأخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كخ..كخ..)) ليطرحها ، ثم قال: (( أما شعرت أننا لا نأكل الصدقة)) : رواه البخاري ومسلم ، وهذا فيه منع الولد أو الحفيد من أخذ التمر الذي لا يجوز له أكله مع أنه صبي صغير غير مكلّف ، وممكن واحد يقول فى مثل هذه الحاله خبلص هذا ولد صغير نتركه ياكل ..وأما قصته صلى الله عليه وسلم في التمرة يجدها فقد أخرجها البخاري ومسلم أيضاً أنه قال صلى الله عليه وسلم : "إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها " أي لا يأكلها مع أنه جائع ومعنى لا ياكلها خشية أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة وليس من تمر الهدية لأنه لو كان هدية لأكل منها عليه الصلاة والسلام .

وكذلك كان صحابته رضوان الله عليهم فزينب رضي الله عنها حماها الله بالورع في قصة الإفك فمع أنها من ضرائر عائشة وقد وقع المنافقون في عائشة والناس تناقلوا كلام المنافقين وزينب من ضرائر عائشة وكانت تنافسها وتساميها عند النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لما جاء الكلام في عائشة مع وجود الداعي للكلام وأنها من الضرار، تقول عائشة رضي الله عنها : "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال يا زينب ما علمتِ ..ما رأيتِ؟ فقالت : (يا رسول الله أحمى سمعى وبصري ..والله ما علمت عليها إلا خيراً) قامت وهي التي كانت تساميني ( تنافسنى فى المرتنبة أقرب زوجة إلى عائشة فى المنافسة عند النبي صلى الله عليه وسلم ) عند النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع".تورعت أن تقول فى عائشة ولو كلمة صغيرة قالت أحمى سمعى وبصري لما جاءت الكلام للشهادة أحمى سمعى وبصري ما علمنا عليها إلا خيراً ما شهدنا إلا بما علمنا

وكذلك كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه سمع صوت زمارة راعٍ والإنسان غير مكلّف بما يسمع ولكن بما يستمع إليه فلا يجوز تقصّد السماع والتلذذ به سماع الموسيقى لا يجوز لكن واحد ماشى فى الشارع والموسيقى تشتغل هو ماشى يسمع لكن لا يستمع ويتقصد ويتلذذ ، فمشى في الطريق بسرعة وابن عمر كان يضع إصبعيه في أذنيه ( ابن عمر كان يضع اصبعيه فى أذنية ..وضع الإصبعين فىالأذنين ليس واجبا على الماشى فى الطريق) لكن ابن عمر سمع زمارة راع وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول يا نافع أتسمع فيقول نعم ، فيمضي على حاله واضعاً إصبعيه في أذنيه حتى قلت لا ( يعنى ابتعدا إبتعادا كبيرا عن زمارة الراع فصار الصوت لا يصل ) ، فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق. [رواه الإمام أحمد وقال أحمد شاكر إسناده صحيح].

وكذلك فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بلغ من ورعه في تلك القصة العظيمة التي رواها البخاري وهو أفضل الورعين بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان له غلام يُخرِج له الخراج عنده عبد العبد يعمل ويأتيه بالمال ،وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام أتدري ما هذا فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك أعطانى أجرة على الكهانة بالخدعه فهذا الذي أكلت منه ترى هذا المال الذى اشتريت لك به الطعام شئ مقابل كهانة كاذبة ادعيتها .فأدخل أبو بكر يده فقاءَ كل شيء في بطنه .[رواه البخاري].

وعن نافع عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة ، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف؟ قال: إنما هاجر به أبواه لأنه كان صغيراً، ليس هو كمن هاجر بنفسه.[رواه البخاري].

• وعن ابن شهاب قال ثعلبة بن أبي مالك إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بين نساء من نساء المدينة فبقي مرطٌ جيد فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعطِ هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك ، يريدون أم كلثوم بنت علي لأن عمر تزوجها فتكون حفيدة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر أم سليط أحقّ ، و أم سليط هي من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : فإنها كانت تزفر –تخيط-لنا القرب يوم أحد. [رواه البخاري].فتورع أن يعطيها لزوجتها مع أنها حفيدة النبى صلى الله عليه وسلم لأنها زوجتة وقال نعطيها لتلك المرأة التى أدت الخدمة العظيمة انت في يوم أحد

وهذا الورع أيها الأخوة ينتج عن ماذا ؟ عن الخوف من الله سبحانه وتعالى، فالخوف يثمر الورع والورع يثمر الزهد، فهذه المسألة مهمة جداً،

فالورع له فوائد..
1- اتقاء عذاب الرحمن وتحقيق راحة البال للمؤمن وطمأنينة النفس وهذه مسألة مهمة جداً.
الواحد يعيش مرتاح ينام مرتاح يحقق راحة البال وطمأنينة النفس يكفّ عن الحرام.
2- يبعده عن إشغال الوقت فيما لا يفيد.
3- يجلب محبة الله لأن الله يحب المتورّعين.يحب هذا الخلق
4- يفيد استجابة الدعاء، لأن الإنسان إذا طهّر مطعمه ومشربه وتورّع يرفع يديه فيسجاب له الدعاء.
5- ويجلب كذلك مرضاة الرحمن و زيادة الحسنات.
6- وقلنا أن الناس يتفواتون فى الجنة، يتفاوت الناس في الدرجات في الجنة بتفاوتهم في الورع.

والمسلم إذا نقل قلبه من الدنيا فأسكنه في الآخرة وأقبل على القرآن الكريم انفتحت له الأبواب وكان فيمن يستطيع تحمّل هذا الورع، و هناك حلال محضٌ بيّن وحرام محضٌ بين ومسائل مشتبهة بينهما، فلبس القطن والكتان والصوف والزواج بعقد صحيح وأخذ المال من الميراث أو هبة من إنسان ماله حلال أو شراء شيء ببيع صحيح ، أمور الحلال المحض واضحة، وأمور الحرام واضحة كالميتة والدم والخنزير والخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير للرجال وأخذ الأموال المغصوبة والمسروقة والغش والرشوة هذه أمور محرمة واضحة ، المشتبهات التي ينبغي للمرء المسلم أن يتورّع عنها مثل:
ما اختلف في حلّه وحرمته
مثل البغل متولّد ما بين الحمير والخيل
جلود السباع ولو كانت مدبوغة يعنى مختلق فيها هل جلد السبع جلد النمر جلد الأسد جلد الحية المدبوغ هذه أشياء مختلف فيها
التورّق وهو أن تشتري شيء بالأقساط وتبيعه نقداً لتحصّل سيولة بعض العلماء ما أجازة مع أن الراجح جوازه لكن المسألة مختلف فيها، من جهة الإختلاف حصل فيها خلاف بين العلماء ..ونحو هذا..

إذاً من أسباب الشبهة تنازع العلماء في شيء معين هل هو حلال أو حرام وكل طائفة لهم أدلتهم، و ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم حلالاً إلا بيّنه ولا حراماً إلا بيّنه لكن بعض الناس يخفى عليهم بعض الحلال أو بعض الحرام ، ويتفاوتون في هذا ومن أسباب اختلاف العلماء فيه أنه قد ينقل في الشيء نصان أحدهما بالتحليل و أحدهما بالتحريم وقد يكون أحدهما صحيح والآخر ضعيف وأحدها ناسخ والآخر منسوخ فيأخذ كل طائفة من العلماء بنص من النصين فيحدث الاختلاف، أحياناً يكون الشيء فيه أمر يقول فبعضهم يقول هذا للوجوب و بعضهم يقول هذا للاستحباب، الورع ماذا تفعل إنت تقوم بهذا الأمر أم لا .. أن تقوم بهذا الأمر. جاء نهي فقال بعض العلماء النهي للتحريم وقال بعضهم النهي للكراهة ما هو الورع أنك تتركه.

والعلماء أنفسهم قد تشتبه عليهم أشياء فلا يفتون فيها أو يتوقفون يأتى نصان واحد بالتحريم وواحد بالإباحة فواحد ناسخ والثانى منسوخ لكن العالم ما عرف التاريخ ما عرف النص المتقدم والنص المتأخر فيتوقف العالم لا يفتى .. هذا من أسباب إذا الإشتباه على بعض العلماء ، ومن أمثلة الأشياء المشتبهة ما لا يُعلَم له أصل ملكٍ كما يجده الإنسان في بيته فلا يدري أهو له أم لغيره واحد وجد فى بيته 10 ريال ما يدرى هذا من ماله ولا من مال الضيف ماذا يفعل ؟ ،النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها" ، ولكن من جهة التحريم والحل ما هو الأصلفى المال الموجود فى بيتك ، فالأصل في المال الموجود في بيتك أنه لك، فجانب الحل أقوى، لكن إذا أردت الورع وتصدقت بهذا المال أحسن..
وكذلك فإن الشيء يجتمع فيه أحياناً سبب للحل وسبب للحرمة، فيتركه الإنسان فالنبي صلى الله عليه وسلم علّمنا عن أمور الأصل فيها الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين،ولو حصل تردد مثل اجتماع سبب حاضر ومبيح نبقى على الأصل فيها وهو التحريم فقال صلى الله عليه وسلم في من أطلق سهماً على صيدٍ أو كلبه على صيدٍ فلما جاء ليمسك بالصيد وجد عنده كلباً آخر لا يدري الذي أمسك كلبه أو الكلب الآخر ، أو وصل إلى الصيد الذي صاده بالسهم فوقع في الماء فلا يدري هل قتل بالسهم أو قتل بالغرق، ، فإذا كان الكلب المعلَّم يجوز صيده، ومعنى ذلك أن الصيد غير المعلَّم لا يجوز صيده، فماذا يفعل إذا وجد مع الفريسة كلباً آخر لا يدري كلبه الذي صاد أو الكلب الآخر فيترك . إذا وجد الذي ضربه بالسهم أو بالبندقية خرقت و خزقت الأصل يجوز الأكل طالما خرق وخزق و سمّى الله على البندقية وأطلق ولكن وقوع الطائر في الماء يجعله في ريبة هل موت الطائر بفعل الرمية التي رماها أم الغرق فيتركه.

لو واحد جاء رجل لأرض أو لسجادة وقال لنفسه هذا رجل لديه أبناء قد يكونون بالوا عليها،فأنا لن أصلي عليها، أتورّع عن الصلاة عليها فما حكم هذا التورّع، هل هذا التورع شرعي أم لا؟

هذا تورع غير شرعي لأنه خالف الأصل بدون أي قرينة يعنى فى الحالة التى قبل كان في كلب آخر كان الطير واقع فى الماء الحالة الآن سجاده ما فيه لون ولا رائحة نجاسة ما فى دليل نجاسة والأصل فى الأشياء الطهارة فيكون هذا ورعا فاسدا ً.
فسّر الإمام أحمد رحمه الله الشبهة بأنها منزلة بين الحلال والحرام –يعني الحلال المحض والحرام المحض-وقال من اتقاها فقد استبرأ لدينه، وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام.
ومن ضمن الأمثلة أيضاً معاملة من ماله مختلط ، رجل يرابي ويبيع ويشتري، عنده حلال وحرام، فماذا قال العلماء إذا كان أكثر ماله حرام قال الإمام أحمد : ينبغي أن يجتنبه إلا أن يكون يسيراً أو لا يُعرَف إذا الشخص الذى أكثر ماله حرام تجتنب أن تعامله مثلا أن تأخذ منه هدية أما إن كان الحرام أقل والحلال أكثر والحرام غير معين ليس معروفا لأنك لو عرفت أن الرجل عنده هذه الساعة حرام أخذها مسروقة مغصوبه رشوة
لكن لو أعطاك مالا أو اشترى ضيافة قدمها لك لا تدرى اشتراها من ماله الحلال أم من ماله الحرام ً، فيجوز الأكل والورع تركه.وقال الزهري: لا بأس أن يُؤكل منه ما لم يعرف أنه حرام بعينه . وقال سفيان: تركه أعجبُ إليّ.وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه:إن كان المال كثيراً أخرج منه قدر الحرام وتصرّف في الباقي، وإن كان المال قليلاً اجتنبه كله، وهذا لأن القليل إذا تناول منه شيئاً فإنه تبعد معه السلامة من الحرام .
ورخّص قومٌ من السلف في الأكل ممن يُعلَم في ماله حرام ولكن لا يُعلَم على التعيين ما هو الحرام، وهذه هي الخلاصة: يجوز معاملة من ماله مختلط إذا ما علمنا الحرام أين بالضبط والورع ألا يأخذ منه.
وكذلك فإن الاستبراء للدين مهم جداً في حياة الدين المسلم، والإنسان قد لا يشبع من الشبهة وقال الثوري رحمه الله في الرجل يجد في بيته الأفلس والدراهم: أحب إليّ أن يتنزّه عنها إذا لم يدري من أين هي.
ولا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس كما روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وقال حسن غريب وفي سنده عبدالله بن يزيد الدمشقي وهو ضعيف.
ومن تمام التقوى أن يتقِ اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وقال الحسن:مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام ، وقال الثوري: إنما سمّوا المتقين لأنهم اتقوا مالا يُتّقى. وقال ابن عمر: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها. وقال سفيان بن عيينة: لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه.

وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: " الإثم ماحاك في الصدر وكرهت أن يطّلع عليه الناس"، إشارة إلى أن الإثم ما أثر في الصدر حرجاً وضيقاً وقلقاً واضطراباً فلم ينشرح له الصدر ومع هذا فإنه عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند إطلاعهم عليه .
فلو أن شخص تردد فى شئ هل هو حلال أم لا فوجد أن نفسه غير مرتاحه ولما سألناه لو اطلع الناس عليك وأنت تعمله هل يستنكرونه أم لا فقال يستنكرونه نقول اذا هذا ينطبق عليه الإثم ماحاك في الصدر وكرهت أن يطّلع عليه الناس إذا فلو كنت فى قلق من الشئ وعلمت أن الناس لو اطلعوا عليك لاستنكروا عليك إذا هذا هو الإثم لكن الإنسان قد يقلق من أشياء لجهله فلينتبه من هذا لو سأل أهل قالوا ما فيها شئ إذا يرتاح لو استفتى وسأل ، وهنا تظهر أهمية الاستفتاء ولا بد من استفتاء أهل العلم لان بعض الناس ربما يسأل جاهل أو متبع هوى يعلم أنه متساهل فيعطيه فيقول هذا حلال فيقول الآن ارتاح ضميرى لا ارتاح ضميرك ولا ينبغى له أن يرتاح لأنك ما سألت أهل الذكر سألت أهل التساهل سألت أهل الهوى ما سألت الثقات الرحمن فسأل به خبيرا إذا فالاإنسان متى يرتاح إذا سأل أهل العلم الثقات فإذا كان متحرجا من شئ وقالوا ما فيه شئ الصحابة تحرجوا من أن يأكلوا من اللحم الذي صاده أبو قتادة فالنبي صلى الله عليه وسلم أكل، و فرّق العلماء بين ما صيد لأجله(لأجل المحرم) وما صاده الحلال لا لأجل المحرم فيجوز للمحرِم أن يأكل منه.لكن لو أن الشخص الحلال غير المحرم صاد لك أنت يا أيها المحرِم فلا تأكلأم أنه لو صاد لنفسه هو فيجوز له أن يأكل . والمقصود أن سؤال أهل العلم الثقات مما يريح الإنسان فينبغي أن لا ينسى هذا وأن يكون على ذكر منه. دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتإذا كان الشئ الذى ستفعله لو اطلع عليه الناس لا تستحى أنت اذا افعله ولاحرج اصنع ماشئت. الإثم حوازّ القلوب تحز في القلوب والنفوس. وكذلك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة وكان بعض العلماء يعرفون الحديث الضعيف بأمور بقلوبهم وهذا ليس إلا للعلماء النقاد الكبار و أما طلبة العلم العاديين لا يمكن أن يعرف ذلك بقلبه إلا فيما ندر.

وطلب الحلال فرض على كل مسلم، وقد ادعى عدد من الجهّال أن الحلال في الأرض انتهى ،وبعضهم قال باقي الحشيش والكلأ في البر والأراضي التي ليس لها أحد ونهر الفرات والباقى حرام ؛ وهذا تضييق على عباد الله ومن الجهل وقلة العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه القاعدة المهمة جداً "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات"، والحلال كله طيب ولكن بعضه أطيب من بعض ، والحرام كله خبيث ولكن بعضه أخبث من بعض ، والإنسان المسلم قد يكون عنده الحلال معلوماً من قبل ثم يقع في شك فلا يلتفت لهذه الوسوسة إذا لم يكن لها دليل ولا قرينة وكذلك قد يكون يعرف الحرام من قبل فيأتي في نفسه وسوسة أن هذا ليس حراماً بدون علم ولا خبر ثقة أفتاه به أهل العلم فإذا لا يلتفت إليه، و قد يعرف الإنسان الحل ويشك في المحرم فيكون الأصل الحل كما تقدمت حاله وهناك مثال يضربه بعض الفقهاء ويدل على قلة عقل من وقع فيه قال: اثنان وقفا فجاء طائر فاختلفا هل هذا غراب أم لا؟ فقال أحدهم عليه الطلاق أنه غراب، وقال الآخر عليه الطلاق أنه ليس بغراب، فلما أرادا أن يأتيا للتحقق طار الطائر ولم يدركاه، فصارت مشكلة فزوجة مَن طالق..!، فبعض الناس يفعل أشياء من قلة العقل، وفي هذه الحالة يقول العلماء : الأصل بقاء النكاح وحل المرأة للرجل، احتمال الطلاق وارد لكنه لا زال إحتمالا مافى يقين كون وقع الطلاق مشكوك فيه. ولذلك فإن على الإنسان أن لا يورد نفسه في الموارد التي يتسبب بها في الحرج في نفسه وأن يقع في تعذيب النفس والشك لماذا يدخل بعض النالس فى هذه الأشياء التى قد تسبب لهم الشك ، وقد يدخل الشك على بعض الناس في قضايا لا يشرع لهم أبداً السؤال فيها، فهل يجوز لإنسان دخل على بيت مسلم مستور ما يعرف عنه أي ريبة، وُضِع له الطعام ، أن يقول له : المال الذي اشتريت به هذا العشاء من أين أتيت به من أين كسبته . هل يجوز شرعا هل من الورع أنك إذا أتيت واحد مسلم لا تعرف عنه أى ريبه مسلم استضافك واحد من جماعة المسجد قال تفضلوا عندى أنت ماذا تعرف عنه أنه رجل من جماعة المسجد اتفضلوا عندى ذهبت إلى بيته أنت لا تعرف أين يعمل الرجل هذا تعرف أنه مسلم من جماعة المسجد وضع الطعام هل يجوز لك شرعا أن تقول إنت وين عملك يا أخى أنت هذا الأكل من وين اشتريته إنت يعنى المال الذى اشتريت به هذا الطعام من أين كسبته هل يجوز هذا ؟... أبدا ... لا يجوز .ثم من الأسباب أن فى ذلك إيذاء للمسلم لأن سؤالك معناه اتهام له..!إنى أنا واضعك فى موضع التهمة وأريد أن أتحقق أنا أشك فيك وواتهام المسلم ووضعه في موضع الشك بدون قرينة ولا دليل ولا بينة لا يجوز سوء ظن، وإيذاء المسلم للمسلم حرام.
أحياناً تأتي أشياء تستدعي التورع مثلاً إذا دخل حلال قليل في حرام كثير فعند ذلك تكون هذه القضية مما يدفع الإنسان إلى الورع فعلاً.
كذلك لو كانت القضية في الأبضاع واللحوم كما قلنا. فلو مثلاً هنا امرأة ثقة و جئتَ لتخطب فتاة فقالت أنا أرضعتها أو أرضعت أختها، أنا متأكدة أني أرضعت إحدى الأختين، لا أدري أيتهما، فالورع أن تترك الزواج من كلتيهما. مثلاً اثنين ذبحا ذبيحتين ، إحداها ذبحها هندوسي والأخرى ذبحها مسلم ، جئت لتشتري وأنت عرفت ذلك ولكن لا تدري أيتهما التي ذبحها هذا و أيهما التي ذبحها الآخر فلا تشتري. هذه مسألة اللحوم والأبضاع شديدة في الشرع ولذلك يحتاط فيها في هذه الأشياء أكثر من غيرها، ولكن بشرط أن لا يصل إلى الوسوسة أيضاً ، فلو أن هذه ذبيحة مسلم لا يجوز لك أن تشك فيها. إذاً هناك وسوسة في هذه القضايا لا يجوز الالتفات إليها ، وورع الموسوسين مثاله؛ قال ابن حجر في فتح الباري: "ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون الصيد كان لإنسان ثم أفلت منه ( رأى غزال صاده قال ربما هذ صاده أحد قبلى ثم أفلت منه لا أتورع عنه هل هذا ورع جائز هل هذا ورع مشروع ..لأ)، وكمن يترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري أماله حلال أم حرام، وليست هناك علامة تدل على الثاني ".
(على أنه حرام وأنت تحتاج الشئ هذا تريد أن تشترى وجدته عند بياع تريد أن تشترى منه جاء فى نفسك خاطر قلت يمكن هذا حرام الذى عنده وليس عندك ولا دليل ولا بينه ولا قرينه على أنه حرام فيكون الورع هنا ورعا فاسدا )

والنقطة قبل الأخيرة فى الموضوع هناك مسائل من الورع الدقيق لا تليق بكل الأشخاص
قال ابن رجب رحمه الله : " وها هنا أمر ينبغي التفطّن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع ( يعنى لو عرضنا أعمال الرجل وأقواله كلها تناسق وتتماشى مع التقوى والورع ) -فهذا لو دقق يقبل منه التدقيق-، أما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ( يشرب خمر ويزنى ويكذب ويسرق ويرتشى ويرابى ) ثم يريد أن يتورّع عن شيء من دقائق الشبه فإنه لا يحتمل له ذلك بل ينكر عليه" كما قال ابن عمر لأهل العراق لما جاءوا يسألونه عن دم البعوض وفيهم ممن قتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، قالوا المحرم إذا قتل بعوضة يجوز أم عليه فدية ، فقال : "يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين وقد قال صلى الله عليه وسلم هما ريحانتاي من الجنة؟!!".

وسُئِل الإمام أحمد عن رجل يشتري بقلاً ويشترط الخوصة البقل حزمة بقدونس أو سبانج هذه تربط بخيط أو خوصة فهذا لما يروح يشترى يقول وأشرط عليك أيها البائع أن الخوصه لي ، فقال الإمام أحمد: ما هذه المسائل؟ قالوا: إنه إبراهيم بن أبي نعيم . فقال: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم فنعم هذا يشبه ذاك (يعنى هو من كبار الزهاد العابدين المتورعين هذا يحتمل منه يمكن تصل معه القضية لهذه الدرجة ) لكن يجى واحد إنسان فاسق فاجر يقول أنا أشترى خوصة البقل وهو يقع فى الربا أمواله سرقة ورشوة ولما يجى يقول أشترى خيط تبع البقل أشترى خيط فى ذمتى لا أحط فى ذمتى أن أخذ الرباط وأنا لم اشترى إلا البقل هذا لا يقبل منه هذا فى حقه يعتبر فاسد .ولذلك لما جاء رجل إلى الإمام أحمد يقول إن أمه تأمره بطلاق زوجته ، قال: إن كان برّ أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل..!هذه إمرأة مثلا مستقيمه وهذا يريد أن أريد أن أبر أمى وأمى قالت أطلق هذه المراة قال إن بريت أمك فى كل شئ ولم يبقى إلا هذه تعالى اسئل لكن واحد يجى عاق وبعدين يسأل أنا أتحرج من بقاء الزوجة عندى زوجة صالحة لأن أمى أمرتنى بطلاقها

فالخلاصة يا إخوة أن الورع منه دقائق لا تليق بأي أحد، بل ينكر على من تورع فيها إذا كان من أولئك الفسقة أو المتساهلين ، وعلى أية حال فإن الورع هو من العبادات العظيمة وملاك الدين الورع، والفقية الورع الزاهد المقيم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم له أجره العظيم يوم الدين ، والإنسان ينبغي أن يضع نفسه في الموضع الصحيح في مسألة الورع كما قال الأوزاعي: ( كنا نمزح ونضحك فلما صرنا يُقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسُّم).يعنى أنا صرنا فى حال من القدوة لا بد أن نضيق على أنفسنا نوعا ما لأن الناس أصبحوا يقتدوا بنا وهذا الورع يُتَعَلَّم ، كما قال الضحّاك بن عثمان رحمه الله : (أدركت الناس وهم يتعلمون الورع وهم اليوم يتعلمون الكلام) ، والإنسان إذا تورّع لن يعدم الحلال ولا يظن أنه سيضيق على نفسه ضيقاً لا مخرج منه فإنه يلتمس الورع الشرعي مثلما تقدم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
الملفات المرفقة
نوع الملف: rar أعمال القلوب للمنجد.rar‏ (935.4 كيلوبايت, المشاهدات 101)
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-08-2014, 12:41 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

ماشاء الله ايها الاخ الفاضل نور الله عقولكم

وفتح الله عليكم فتوح العارفين

وجزاكم الله خيراً
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-08-2014, 09:24 AM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

اللهم آمين آمين، ولكم بمثل إن شاء الله رب العالمين
زادنا الله وإياكم والجميع، عقولًا
نَيِّرةً، وعلمًا نافعًا، وعملًا صالحًا متقبلًا
....
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-09-2014, 11:42 PM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

اللهم آمين
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 04:39 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.