الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
|||
|
|||
محتاج أطمئن" السؤال: السلام عليكمورحمه الله وبركاته، جزاكم الله خيرًا بما تفتوننا به، وجعله في ميزان حسناتكم،سؤالي كالتالي: أنا اليوم أعمل بدولة الكويت، حالي كحال أي شاب مصري بدولةٍ مندول الخليج: أعملُ ليلَ نهارَ؛ لكي أحاول أن أكون مهيَّئًا للزواج، وأنا شاب خاطب،وينتظر أهلُ خطيبتي أن أقدِّم لها الشقة، التي هي ليست موجودة، ومع ظاهرة ارتفاعالأسعار، كلَّما أحاول أن أحتفظ بمبلغ، وأبحث عن شقة بمقدَّم يناسب إمكانياتي،أكتشف أن الأسعار ارتفعت، والمبلغ الذي أحتفظ به غير كافٍ، علمًا أن معاشي يعتبرمعقولاً، ولكني أرسل إلي أمي شهريًّا مبلغًا من المال، وبعدَ مصاريفي الشخصيةِ يكونالمبلغ المتبقي غيرَ كافٍ، والآن أنا تمر بي السنون والأيام وأنا حالي كحال أيمغترب: غير مضمون عمله؛ فأنا أعمل في مشاريعَ مؤقتةٍ، ومن الممكن أن صاحب العمل فيأي وقت يقول لي: غير محتاج إليك. وأنا الآن لدي شقة تعتبر مناسِبة وفرصة،وتحتاج هذه الشقة - لأكمل مقدَّمها - قرضًا من البنك، أو إعارة مبلغ عن طريق الفيزاأو كروت الائتمان، علمًا بأن هذا المبلغ سيكون بالربا. لا أعلم كيف أتصرف: هل أصبر سنة على سبيل المثال؛ لكي أكمل مقدَّم الشقة، وبعد سنة، عند وصولي لمبلغمعين، يكون هذا المبلغ غيرَ مناسب؛ لارتفاع الأسعار. هذه هي مشكلتي، الآنأسعار العقار تزيد في مصر بسرعة، ولكن دَخْل الموظفين لا يزيد، وإن زاد، فحركتُهبطيئة لا تواكب حركة الزيادة. أرجو الإفادة على هذا الإميل للأهمية وبسرعة،جزاكم الله خيرًا، وزوَّدكم بالبركة والرضا، والسلام عليكم ورحمة اللهوبركاته. الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد: فلا يجوز شراء منزل - شقة أو غيرها - عن طريق قرض رِبَوِيٍّ، ما دمتَتستطيع الاستغناء عن ذلك بالسكن في منزل بالأجرة. وليس من حق الزوجة، ولاأوليائها، أن يشترطوا عليكَ شراءَ شقة للسُّكنى؛ فإن هذا ليس في كتاب الله، ولا فيسُنة رسوله – [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "جاءتْني بَرِيرَةُ فقالت: كاتبتُ أهلي على تسعِ أواقٍ، في كل عام أوقيةٌ،فأعينيني، فقلتُ: إنْ أحبَّ أهلُك أن أعُدَّها لهم، ويكون ولاؤك لي، فعلتُ، فذهبتْبريرة إلى أهلها، فقالت لهم، فأبَوْا عليها، فجاءتْ من عندهم، ورسولُ الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- جالس، فقالت: إني قد عرضتُ ذلك عليهم فأبَوْا إلا أن يكون الولاءُ لهم، فسمع النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- فأخبرتْ عائشةُ النبيَّ - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- فقال: ((خذيها، واشترطي لهم الولاء؛فإنما الولاء لمن أعتق))، ففعلتْ عائشة، ثم قام رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- في الناس، فحمِد اللهوأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد، ما بالُ رجالٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله،ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاءُ الله أحق،وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق))؛ متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وقدحرَّم الله الاقتراض بالربا، وتوعَّد على فعله بالحرب؛ فقال - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّباإِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاتَظْلِمُونَ وَلاتُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279]. ولعن النبيُّ - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- آكلَالربا، ومُوكِله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: ((هم سواء))؛ رواه مسلم. فلا يجوزالاقتراض بفائدة؛ لشراء منزل، أو لغيره من الأسباب، ما لم تكن هناك ضرورة ملجئة؛فإن المحرَّمات لا تُستباح حالَ السَّعة والاختيار، وإنما تستباح حال الشدةوالاضطرار؛ إذ من القواعد المقررة عند أهل العلم: أن المحرَّم لا يستباح إلالضرورة؛ لقوله - تعالى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّمَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وليس من الضرورة عدمُ قدرتك علىالشراء النقدي، ما دمت تستطيع الاستئجار. أما البديل الشرعي لمن يريد تملُّكمنزل وليس معه مال يكفيه، فيتحقق - إن شاء الله - بأحد أمور ثلاثة: الأول: الدخول في عقد مرابحة لشراء منزل، أو عقد استصناع لبنائه مع مصرف إسلامي، أو شركةاستثمار إسلامية، يعمل كل منهما وَفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية في هذه المعاملاتوغيرها. الثاني: أن تبحث من بين إخوانك وأصدقائك على مَن يقرضك قرضًا حسنًابلا ربا، ولعلَّ الله - تعالى - ييسر لك ذلك؛ بصحة قصدك، وصدقتوجُّهك. الثالث: البناء بالتقسيط، وهو أمر ممكن ومتوفر في زماننا، وصورةهذا العقد: أنك تتعاقد مع جهة على أن تبنيَ لك منزلاً، تتفق معها على جميع الصفاتالتي تريد أن يكون عليها، وتحدِّدان ثمنَه وأجَله، ومقدار كل قسط، وعلى ألاَّ تكونهناك أيُّ زيادة عما اتفقتما عليه من الثمن، في حال ما إذا تأخرتَ في سداد بعضالأقساط عن أجَلها. فإذا تمَّ العقد بهذه الصورة، كان بيعًا صحيحًا نافذًا،ولا وجه حينئذ لمقارنته بالاقتراض من البنك بفائدة؛ لأن الاقتراض بالفائدة رباصريح، وهذا بيع صحيح، وقد قال الله - تعالى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَوَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وأما إذا كان البائع بالتقسيط يشترطعليك أن الأقساط إذا تأخَّر بعضُها عن موعده، كان عليك أن تجعل له زيادةً مقابل ذلكالتأخير، فذاك هو ربا الجاهلية المعروف، الذي كان يقول الواحد منهم فيه لمَدِينه: إما أن تقضي، وإما أن تُرْبِيَ، وحينئذٍ يكون مثل القرض بالفائدة تمامًا،ولا يباح أي منهما؛ لبناء منزل، ولا لغيره. فإذا تيسر لك الأمر على ماذكرنا، فالحمد لله، وإذا كانت الأخرى، فاصبر حتى يسهل الله لك أمر بناءالمنزل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْحَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]. واجعل طريقَك لتحقيق مأمولك الحرصَعلى الطاعات، وتركَ المحرَّمات والمنكرات، وأكثِرْ من الأدعية النبوية النافعة فيهذا الموطن؛ مثل قوله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- فيما رواه الإمام أحمد، عن أبي هريرة: أن النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- كان يقول إذا أوى إلى فراشه: ((اللهمَّ ربَّ السموات السبع، ورب الأرض،ورب كل شيء، فالقَ الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كلذي شر أنت آخذٌ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنتالظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عني الدَّين، وأغنني منالفقر)). ومثل دعائه - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- فيما رواه النسائي، عن عبدالله بن عمروبن العاص: أن رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- كان يدعو بهؤلاء الكلمات: ((اللهم إنيأعوذ بك من غَلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء)). واللهَ نسأل أنيوفقك لما يحب ويرضى.
|
#22
|
|||
|
|||
لماذا لا يوقف تصنيعالدخان؟" السؤال: السَّلام عليكم، أتساءلُ دائمًا: هل هُناكمُبرر أن تقومالدُّول بتصنيع الدُّخان؟ ولماذا لا يجرم تصنيعه؟ فأنا أرى أنَّهالبوَّابة الرئيسة للمخدرات؛ فالبعض يقفُ عند مُجرد التدخين، والبعض يتعدَّى ذلكلدرجة أنَّه يصلُ للحشيش والمخدرات، ما الفائدة من حُكُومات تبني وتهدم بنفسها؟ تجدأنَّها تضع لوحات توْعية، ومراكز للإقلاع عن التَّدخين، بينما تجدها في نفس الوقتتستورد السجائر، هل هناك مبررٌ واضح يجعلُ هذه الحكومات تستورد الدُّخان؟ لماذا لايُجرَّم تصنيعه وتدخينه؟ أمْ أنَّ الأمر أصبح عاديًّا وطبيعيًّا فقط لمجرد تَفَشِّيهذه الظاهرة؟ خوفي كلَّ خوفي أنْ يصل الأمر للحشيش فيمابعد. الجواب: الحمد لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول الله،وبعد: فإنَّ شُرب الدُّخان مُحرم بنصوص الكتاب والسُّنة؛ لما يترتب عليه منالمَضار المؤكدة، والعواقب الوخيمة؛ قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّلَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوالِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، وقال في حقِّ رسولنامحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُعَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. وصحَّ عنه - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- أنَّه قال: ((لاضَرَرَ ولا ضِرار))؛ رواه ابن ماجه وغيره، وهو صحيح. وقد ثَبَتَ بقولالأطباء الثِّقات المُختصين، الذين يُعتَدُّ بقولهم في هذا: أنَّ التَّدخين سبَبُإصابة تسعة من بين كلِّ عشرة من المُصابين بسرطان الرِّئة، وكذلك يدخل التدخين ضمنمُسببات أمراض القلب والجلطة الدماغيَّة، وانتفاخ الرِّئة والتهاب القصبةالهوائيَّة، وكذا هو سببٌ للإصابة بالعُنَّة، أو الضعف الجنسي. وقد نُقِلَعن أطباءَ ثِقَات: "أنَّه يجبُ التعامل مع النيكوتين الموجود في التَّبغ كباقيالمُخدَّرات الخطيرة مِثل: الهيروين، والكوكايين"، وقد أعلن وليام دونالدسون، رئيسمكتب الإشراف الصِّحِّي بالحُكُومة البريطانيَّة: أنَّ السجائر التي يتمُّ تسويقهاتحتوي على نسبة مُنخفضة من القطران، يُمكن أن تكون هي المسؤولة عن ازدياد حالاتالإصابة بأحدِ الأنواع النَّادرة لسرطان الرِّئة، ووصْفُ بعض السجائر بأنها مُنخفضةالقطران تعبيرٌ ينطوي على تضليل المستهلك؛ حيثُ إنَّ ذلك يوحي بأن هذه السجائر أقلضررًا بالصحة. وفضلاً عن ضَرَر التدخين البالغ للبدن فإنَّه إضاعة للمالالذي أمرنا الله بالمحافظة عليه؛ ففي الحديث: ((إنَّ الله حرَّم عليكم عقوقالأمهات، ووأدَ البنات، ومَنْعًا وهات، وكره لكم قيلَ وقال، وكثرة السُّؤال، وإضاعةالمال))؛ مُتَّفق عليه؛ ولذا فإنَّه يجبُ على المكلف ألاَّ يقربه، وعلى من وقع فيبَرَاثنه أنْ يتركه، ولْيبادر نفسه بالعلاج، قبل أن يفجأه الموتُ، وهو على هذهالحال الشنيعة، التي لا يحبها الله ولا يرضاها. والواجب على أولياء الأمورفي مُختلف البلاد: أنْ يُصدروا من القوانين المُلزمة ما يفيد تجريمَ تصنيع وترويجهذه الأنواع المُختلفة من الأدخنة، وأنْ يقيموا من المحتسبين ما يكون كافيًا للقيامبهذا الواجب المؤكد، الذي فيه رفع الفساد ودفعه. قالَ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ووِليُّ الأمْرِ إذا تَرَك إنكارَ المنكَراتِ، وإِقامَةَ الحُدودِعليها بمالٍ يأخُذُهُ؛ كانَ بمنزلةِ مُقَدِّمِ الحَرَامِيَّة، الذي يُقاسِمالمحاربينَ على الأَخِيذةِ، وبِمنزِلة القوَّادِ، الذي يأخذُ ما يأخذُه؛ لِيجمعَبينَ اثْنينِ على فاحِشةٍ، وكانَ حالُهُ شَبيهًا بِحالِ عَجوزِ السُّوءِ امْرأةِلوطٍ، التي كانتْ تدُّلُ الفجَّارَ على ضَيْفه؛ فعذَّبَ اللهُ عجوزَ السُّوءِالقوَّادةَ بِمثلِ ما عذَّبَ قومَ السُّوءِ، الذينَ كانوا يعملون الخبائث، ووليُّالأمرِ إنَّما نُصِّب؛ لِيأمُرَ بالمعروفِ وينْهى عنِ المنكَر، وهذا هو مقْصودُالولايةِ، فإذا كانَ الوالي يُمَكِّنُ مِنَ المنكر بمالٍ يَأخُذُهُ، كانَ قَدْ أَتىبِضِدِّ المقصودِ، مثل مَنْ نَصبتَه لِيُعينَك على عدوِّكَ، فَأَعانَ عدوَّك عليكَ،وبمنزلة مَن أَخذَ مالاً لِيجاهدَ به في سبيل الله، فقاتلَ به المسلمين؛ يُوضِّحُذلك: أنَّ صلاحَ العبادِ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عنِ المنكَر". اهـ مُختصرًا. وقَد ورَدَ في فتاوى اللجنة الدَّائمةِ للبحوثِ العلميَّة والإفتاءِ: "يجبُعلى المسلمينَ أنْ يكونَ منهم جماعةٌ يدعونَ إلى الخيرِ، ويأمُرونَ بالمعروفِ،وينهَونَ عن المُنكَر؛ قالَ اللهُ – تعالى -: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌيَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِالْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وفي تحقيق ذلكصلاحُ النَّاس واستقامَةُ أحوالِهِم، وتكونُ هذه الأمَّةُ كما أثنى الله عليهابقولِه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وعلىالقائِمِ بذلكَ أنْ يَعِظ قُساةَ القلوب بما تَلينُ به أفئدَتُهم، وتطمئِنُّ بهأنفسُهم، وتُقبِلُ على طاعةِ الله وعبادتهِ، وأنْ يُجادِلوا مَن لديْه شُبهةٌ بالتيهي أحسنُ؛ حتى يتبَصَّرَ ويتبيَّنَ لهُ الحقُّ؛ فيهتدي إلى الصِّراط المستقيمِ؛قالَ اللهُ - تعالى -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِالْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]". وراجعفي موقعنا فتوى: "حكم شرب الدخان"، و"حكم شرب الدخان وبيعه".
|
#23
|
|||
|
|||
ماذا ينبغي على مَن تَوَلَّىالإمامة؟" السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعدُ: فَقَدْمَنَّ الله عليَّ بتوليتي إمامة جامع، ومؤهلي العلمي ثانوي قسم شرعي،وقد درسْتُ في كلية المعلمين سنتين، وكلية الشريعة سنتين، ولظروفي الخاصة لمأسْتَطِعِ الإكمال، وقدِ الْتَحَقْتُ مُؤَخَّرًا بكلية الدعوة انتسابًامُطَوَّرًا. فهل من منهجيَّة علميَّة مُقتَرَحة؛ سواء أكانتْ كتبًا أمدروسًا تكون خيرَ مَعِين لِمَن يَتَوَلَّى الإمامة، لا سيما وأنَّ دَوْر الإمامةعظيم؟ أجزل الله لكم المثوبة، وَثَبَّتَنَا الله وإيَّاكم علىدِينه. الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعدُ: نسأل الله أن يجعلَكَ خير عون للناس على الخير، وأن ينفعَ بك أينما كنتَوحَلَلْتَ، وأن يرزقكَ الإخلاصَ فيما تنوي وتفعل. ولتعلمْ أنَّ التَّصَدُّرلإمامة الناس في الصلاة مِن أعظم أمور الدِّين، التي يُمكن أن يَتَوَلاَّهاالمُكَلَّف، وأنها درجة عاليةٌ، يربح منها مَن كان أهلاً لها، ويخسر فيها مَنتَصَدَّرَها وليس لها بأهْل؛ فقد روى الترمذي وغيره - وهذا لَفْظ التِّرمذي - عنأبي هُريرة، قال: قال رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]-: ((الإمام ضامن، والمؤذِّن مؤتَمَن،اللهمَّ أرشدِ الأئمَّة، واغفِر للمؤذِّنين". ومعنى الإمام ضامن؛ أي: متكفللصلاة المُؤتمين بالإتمام، فالضمان هنا ليس بمعنى الغَرَامة؛ بل يرجع إلى الحِفظوالرعاية. وفي سُنن ابن ماجَهْ، عن أبي حازم، قال: كان سهل بن سعد الساعدييقدِّم فتيان قومه يُصَلُّون بهم، فقيل له: تفعل، ولكَ منَ القدم ما لك؟ قال: إنِّيسمعتُ رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- يقول: ((الإمام ضامن، فإن أَحْسَنَ فلهولهم، وإن أساء فعليه، ولا عليهم))، فعليكَ أن تُقَدِّرَ تلك المهمة قدرها، وأنتنزلها منزلتها، وأن تَتَهَيَّأَ لها بما يناسبُها من جميع الوُجُوه، وسنذكر لكبعضًا منها: الأول: أن تجتهدَ لتتمَّ حفظ القرآن، وهو ما ننصح به طَلَبةالعلم دائمًا؛ لأنه الأساس الأول للإمامة في الصلاة، ثم تَعَلُّم العلوم الشرعيَّة. الثاني: أن تَتَعَلَّمَ أحكام الصلاة، وما يلزمها منَ الطهارة وغيرها، وأنتستوعبَ مِن ذلك على وجه الخُصُوص ما في باب سجود السَّهو، وباب الإمامة، وصلاةالجماعة من أحكام، وذلك في حقِّكَ الآن من باب فُرُوض الأعيان؛ إذ يجب على المكلَّفأن يتعلَّمَ من أمر دينه، في عباداته، ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب لهمنَ القيام بأمره ونهيه - ما يُصَحِّح به عقيدته وعبادته، وَطَلَب هذا النَّوع منَالعلم علاوة على أنه واجب عيني، فإنه من أفضل القُرُبات، فهو الطريق إلى الجنة،وميراث الأنبياء، ومَن خَرَج فيه فهو في سبيل الله حتى يرجعَ؛ كما جاءت بكل ذلكالسُّنَن عن رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]. وقد نَصَّ العلماء على ذلك؛ بلنقل الإجماعَ فيه الإمامُ القَرَافِي - رحمَه الله - فقال: "حكى الغزالي الإجماع في "إحياء علوم الدِّين"، والشَّافعي في "رسالته"، حكاه أيضًا، في أنَّ المكلَّف لايجوز له أن يُقْدِمَ على فعلٍ حتَّى يعلمَ حكم اللَّه فيه، فمَن باع وَجَب عليه أنيتعلَّمَ ما عيَّنه الله وشرعه في البيع، ومَن آجر وجب عليه أن يتعلَّمَ ما شرعهالله - تعالى - في الإجارة، ومَن قارض وجب عليه أن يتعلَّم حكم الله - تعالى - فيالقراض، ومَن صلَّى وجب عليه أن يتعلَّمَ حكم الله - تعالى - في تلك الصَّلاة،وكذلك الطَّهارة، وجميع الأقوال والأعمال، فمَن تَعَلَّم وعمل بمقتضى ما علم أطاعالله - تعالى - طاعتين، ومَن لم يعلم ولم يعمل، فقد عصى الله معصيتين، ومَن علم ولميعمل بمقتضى علمِه، فقد أطاع الله - تعالى - طاعةً، وعصاه معصيةً"؛ انتهى. وروى الترمذي، عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال عمر بن الخطاب: "لا يَبِع في سوقنا إلاَّ مَن تَفَقَّه في الدِّين". وفي هذا دلالةٌ واضحة على وجوب تعلُّمكَ لتلك الأحكام، وتأييدٌ قويٌّ لماذكرنا لكَ، وبيانٌ لِحِرْص الإسلام على تَعَلُّم الأحكام قبل التَّلَبُّسبها. وَثَمَّة آدابٌ يحتاجها مَن سَلَك هذا الطريق، لا بُدَّ منها لتحصيلالمقصود، مِن هذه الآداب: أولاً: الإخلاص في الطَّلَب: ففي حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- يقول: ((مَن طلب العلم ليجاري بهالعلماء، أو ليُماري به السفهاء، أو ليصرفَ به وجوه الناس إليه - أدْخله اللهالنار))؛ رواه الترمذي. وعن معاذ - رضي الله عنه -: أنه قال لِرسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- حين بعثَه إلى اليمن: "أوصني"، قال: ((أخلصْ دينكَ يَكْفِك القليل منَ العمل))؛رواه الحاكم وصححه. وبدون الإخلاص يكون العَمَل وَبَالاً على صاحبه، يضرُّهولا ينفعه؛ فعن أبي هريرة - رضيَ الله عنه -: أنَّ رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- قال: ((مَن تعلَّمَ علمًا مما يبتغى به وجه الله – تعالى - لا يتعلمه إلاَّ ليصيبَ بهعرَضًا في الدُّنيا - لم يجدْ عَرْفَ الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها؛ رواه أبوداود، وابن ماجَهْ. ثانيًا: الصَّبر على الطَّلَب، وتحمُّل العناء فيه: فقدعقد الدارمي في سننه باب: "الرحلة في طلب العلم، واحتمال العناء فيه"، وقالالبخاري: باب الخُرُوج في طَلَب العلم، ورَحَل جابر بن عبدالله مسيرة شهر إلىعبدالله بن أنيس، في طلب حديث واحد، وغير ذلك مما مُلِئَتْ به كُتُب التَّراجِموالسِّيَر. ثالثًا: اختيار مَن تَتَعَلَّم على أيديهم: فقد قال الخطيبالبغدادي: ينبغي للمُتَعَلِّم أن يقصدَ منَ الفقهاء مَن اشتهر بالدِّيانة، وعُرِفبالستر والصيانة، وروى بسنده عن محمد بن سيرين، قال: إنما هذا العلم دين، فانظرواعمن تأخذونه؛ ورواه مسلم في المُقَدِّمة. ومنَ الصفات التي ينبغي أنتَتَوَفَّر في الشيخ، ما نقلَه الإمام الذهبي، عن الإمام مالك - رحمه الله - أنهقال: "لا يُؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيه يُعلن السَّفَه وإن كان أروى الناس، وصاحببدعة يدعو إلى هواه، ومَن يكذب في حديث الناس وإن كنتُ لا أتهمه في الحديث، وصالحعابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يُحَدِّث به"؛ ا. هـ من "سير أعلامالنبلاء". وقال بعضهم: "مِن فضل الله على الحَدَث أن يوفق إلى صاحبسنة". وهذا الإمام مالك - رحمه الله تعالى - يقول: "إنَّ هذا العلم دِين،فانظروا عمَّن تأخذونه، ولقد أدركتُ في هذا المسجد - يعني مسجد رسول الله،[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- سبعين ممن يقول: قال فلان، قال رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- وإن أحدهم لوِ اؤتُمِن على بيت مال،لكان به أمينًا، فما أخذتُ منهم شيئًا؛ لأنهم لم يكونوا من أهل هذه الشأن، فلمَّاقَدِم علينا محمد بن شهاب الزُّهْري، ازدحمنا على بابه وكان شابًّا"؛انتهى. ذكر ذلك عن مالك بن عبدالبر في "التمهيد"، والذهبي في "السِّيَر" بألفاظٍ مختلفة. فإذا كان طالب العلم يُريد العصمة لنفسه منَ الزَّللوالخطأ، فعليه أن يلزم شيخاً تقيًّا عالمًا. رابعاً: تجنُّب تلقِّي العلممنَ الكُتُب فقط، فقد قال الخطيب: ويكون قد أخذ فقهه مِن أفواه العلماء، لا منَالصحف. وأورد عن سليمان بن موسى قال: "لا تقرؤوا القرآن على المصْحَفِيّين،ولا تأخذوا العلم من الصحَفِيين". وقد قيل قديمًا: مَن كان شيخُه كتابَه،غَلَب خطؤه صوابه. وقيل: مَن دخل في العلم وحده، خرج وحده؛ أي: مَن طَلَبَهُبلا شيخ، خَرَجَ بلا علم، وقد نظم أحدُ العلماء في ذلك شعرًا فقال: يَظُنُّالغُمْرُ أَنَّ الكُتْبَ تَهْدِي أَخَا فَهْمٍ لِإِدْرَاكِ العُلُومِ وَمَايَدْرِي الجَهُولُ بِأَنَّ فِيهَا غَوَامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الفَهِيمِ إِذَارُمْتَ العُلُومَ بِغَيْرِ شَيْخٍ ضَلَلْتَ عَنِ الصِّرَاطِالمُسْتَقِيمِ وَتَلْتَبِسُ الأُمُورُ عَلَيْكَ حَتَّى تَصِيرَ أَضَلَّ مِنْتُومَا الحَكِيمِ والسَّبب في رغبة السَّلَف لُزُوم الشُّيوخ لتَلَقِّيالعلم؛ أنَّ طالِب العلم يستفيد منَ الشيخ أمورًا كثيرة منها: العلم الصحيحالموثوق، ومنها: الأدب، وحُسن السمت، وجميل الأخلاق. ولكن إذا وَجَدَ منَالصُّحف والكتب بأنواعها، والإنترنت وبرامج الكمبيوتر - ما هو نافع مفيد، وفيه علمشرعي مُوَثَّق، صادر عن جهات نشر معروفة بالأمانة، وتحرِّي الدِّقَّة والصواب - فلابأس منَ الانتفاع مما في هذه منَ العلوم النافعة؛ إذ إنَّ هذه الأشياء وسائل،والوسائل لها حكم المقاصد، فإنِ استطاع الإنسان أن يأخذ ما فيها من خير، ويتجنَّبما فيها منَ الشر والفساد، فلا بأس بذلك. لكن لا يقتصر طالبُ العلم فيتحصيله عليها، دون الرُّجوع إلى العلماء والمشايخ. خامسًا: التواضع: فقد روىالخطيب البغدادي بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مكثتُ سنة، وأنا أريدأن أسألَ عمر بن الخطاب عن آية، فلا أستطيع أن أسأله هيبةً". يمكن لطالبالعلم أن يحصلَ ما ذكرنا من الآداب وأضعافها، إذا انشغل بقراءة الكتب التي كتبهاالعلماء في أدب الطَّلَب، وهي - ولله الحمد - كثيرة، منها المطول ومنها المختصرفمنها: "حلية طالب العلم"؛ للشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد؛ بل وأغلب كتب الشيخ تهتماهتمامًا بالغًا بمعالجة قضايا العلم وطلبته، ومن كُتُب الأدب المهمَّة أيضًا: "أدبالطلب"؛ للإمام الشوكاني، و"الفقيه والمتفقه"؛ للخطيب البغدادي، و"تذكرة السامعوالمتكلم"؛ لابن جَماعة، وغيرها. ولمعرفة بعض الكتب التي يمكن الاستفادةمنها راجع استشارة: "سدِّدوني"، و"فقه المُعامَلات الماليَّة والبحث عن السَّلامالدَّاخلي". وأما ما ننصحُك بتعليم الناس إياه في مسجدك - هذا بعد أنتَتَعَلَّمَ أنت طبعًا - فهو كما يلي: أولاً: أن تؤكِّدَ لهم على فهم العقيدةالصحيحة من خلال مختصرات كتب العقيدة، وبعض شروحها، وهي متوفرة بحمد الله - تعالى - في المملكة وغيرها. ثانيًا: أن تربطهم بسنة النبي محمد - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- وذلكبقراءة المصنفات المختصرة في هذا العلم؛ مثل: "الأربعين النووية" وشروحها،و"الترغيب والترهيب"، مع تحقيقه للشيخ الألباني - رحمه الله - وكذلك "رياضالصالحين"؛ للإمام النووي مع شروحه الكثيرة المنتَشرة، ومختصر صحيحي البخاري ومسلم - رحمهما الله. ثالثًا: أن تعلِّمهم الأحكام الشرعية، وهذا يشمل أحكامالعبادات والمعاملات والقضايا المعاصرة في شتى جوانب الحياة، التي تَطَوَّرَت بشكلٍأوقَعَ الناس في حَيْرة كبيرة، بِصَدد الكثير من الأحكام الشرعية. رابعًا: أن تربطَ بين العقيدة والعبادات من جهة، وبين الأخلاق التي يتعامل بها الناس من جهةأخرى؛ لترأب الصدع الكبير، وتسدَّ الهُوَّة الواسعة، وتملأ البون الشاسع بينالأخلاق السلوكيَّة والأحكام العملية الشرعية، وبمعنى أوضح الموازنة بين حقوق الله،وحقوق الناس. ويمكن إدراك تعلُّم هذه الموازنة، من خلال كُتُب الآداب التيحوتْها دواوين السُّنَّة، أو كتب الفقه، أو الزُّهد والرقائق، ومن أهمها "منظومةالآداب"؛ لابن عبدالقوي الحنبلي مع شروحها المعروفة المطبوعة - بحمد اللهتعالى. ولا يَسَعُنا في الختام إلاَّ الدُّعاء لك آخرًا، كما دَعَوْنا لكأولاً بالعلم النافع والعمل الصالح.
|
#24
|
|||
|
|||
زوجتي تلعنني وتَدْعو عليَّ، فماذا تنصحون؟ هلأُطَلِّق؟" السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي: أنا مُتزوِّج منذ 8 سنوات، ولديَّ طفلٌ, المشكلة أنِّي عاطِل عنِ العمل، فكنتُأعملُ مع الوالِد بِجِدٍّ ونشاطٍ وطُمُوحٍ وصدقٍ، وكانتْ عثرتي هي أبناء زوجة أبي،تَسَبَّب ذلك في تركِي للعمل، عملتُ في شركةٍ أخرى بِجِدٍّ وتَمَيُّز غير معهود علىشخص جديد في العمل يُصبح منافسًا للأكْفاء في العمل، وجدتُ مُضايَقات، ونَقْلاًللكلام لِمُدير العمل، وتشويهًا لقدراتي وإضعافها، كنتُ لا ألْتَفِتُ لكلِّ ذلك،ظَننتُ أن شَخْصِيَّتي الطَّيبة والصادقة ومُثَابَرَتي ستُنصفني، ولكن لم تُحَرِّكشيئًا عند صاحب العمل، طَلَبْتُ الاستقالة بعد العمل لمُدَّة سنة ونصف، أصبحتُعاطلاً عنِ العمل، المشكلة هي أنَّ زوجتي أصْبَحَتْ تنظر لي باسْتِعلاء وكبرياء، لاتسمع كلامي، تُعاندني، تدعو عليَّ بالفشل في حياتي وبالذُّلِّ والهوان. هذهالدعوات سَبَّبَتْ لي أذًى كثيرًا في نفسي، أنا لسْتُ رَجُلاً ضعيفًا؛ بل أنا رجلٌكريم شَهْم، مُرْهَف الحِسِّ، عميق النَّظَر، ذو فَرَاسَة، أنا حَيِيٌّ جدًّا لدرجةأني أخْجَل من ظِلِّي، كلمةٌ طيبةٌ تُذْهِب سخيمة قلبي. في الحقيقة أبذلالغالي والنَّفيس من أجل زوجتي، أُكْرِمُها وأُقَدِّرها، حتى إنِّي ساهَمْتُ فيدَفْع مبلغٍ شهريٍّ لإخوانها وأبيها؛ لِقَضَاء دَيْن والِدها؛ ولكن ظُرُوفي لَمْتُساعدني، فَتَزَعْزع مقود السفينة مِن يدي، نعم حَصَل بيني وبينها خِصام، وكنتُمعها قاسِيًا في الألفاظ، وقد تمَّ ضَرْبها ولكن ضَرْبًا غير مُبرِّح، وأُشْهد اللهعلى ذلك، فاسْتَدْعَتْ أباها، وأخْبَرَتْه أنه حَصَل منِّي كذا وكذا، فكان منه أنعاتَبَ ابنته على نشوزها، فقَدَّرْتُ أباها على ذلك، ولكنِّي لَمَسْتُ في نفسهشيئًا منِّي، وهذا كان قبل 4 سنوات، وما زال على غليان في نفسهتجاهي. بصراحةٍ كثيرًا ما نكون أنا وزوجتي على أحْسَن حال، ونُحِب بعضناجدًّا؛ ولكن ما أن تقومَ بزيارة أمِّها حتى تأتيني بِطِباعٍ غير الطباع التي كانتْعليها قبل الزِّيارة، تشتم وتَلْعن على أتْفَه الأسباب، مثلاً: قومي حضري لي الشاي،فتقول لي: لا، أحايلها، فَأَجدها تَتَأَجَّج منَ القهر والغيظ، فتزيد عنادًا؛ ممايجعلني أكاد أفْقِد صوابي، وتعلمون ما في هذا منَ الأَلَم على صُدُور الرِّجال،حقيقة أنا لا أشكُّ في أمِّها، فأمُّها طيِّبة معي، ولا أعتقد منها أي شَرٍّ؛ ولكنذلك غريب. أنا مُنْكَسِر لِوَضْعي أنِّي بِغَيْر عمل، وأُقَدِّر حالها، ولكنلا أقدر على تحمُّل دعائها عليَّ بالذُّل والهوان والموت، فماذاأفعل؟ مُلاحَظة: علمًا بأنِّي أحمل دبل ماجستير، وسأكمل الدكتوراه، ولكنيمُرافِق لِزَوْجتي في البعثة، وأتوقَّع أن ذلك له حظه منَ النشوز، وأُفَكِّر أنأُغَيِّر رأْيي في الابتعاث. الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلامعلى رسول الله، وبعد: نسأل الله أن يهديَ قلبكَ، ويشرح صدركَ، ويلهمكَ رشدكَ،ويُذْهب همكَ وغمكَ، ويصلح لكَ زوجكَ وولدكَ. الأخ السائل الكريم، إنَّالسَّجايا الطَّيبة التي ذكرتَها في سؤالكَ لَتُشْعرني بأنَّك تَتَحَدَّث عن شخصٍليس في أرض الواقع، بل هو مِن نسْج الخيال، فقد قَلَّ أن يُوجَد في الناس مَنيَجْمَع بين هذه السَّجايا الحميدة - الكَرَم، والشَّهامة، ورِقَّة الشُّعور،والإحسان للزَّوجة، والفراسة... إلخ. وقد صدق الشاعر في قوله: ذَهَبَالَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِالأَجْرَبِ والواجب على المسلم المُكَلَّف - إن كان ذا عقل راجِحٍ حقًّا - أن يمسكَ بِزِمَام نفسه، ويَتَحَكَّم في قياد أمره، بإلزام النفس مكارم الأخلاق،وجميل الطِّباع، التي هي مِن معالي الأمور، فقد رَوَى الطَّبَراني، عنِ الحسين بنعلي - رضي الله عنه -: أن النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- قال: ((إنَّ الله - تعالى - يُحِبُّمعالي الأمور وأشرافها، ويَكْرَه سَفْسَافها)). وسَفْسَافها: الرَّدئ مِنكلِّ شيء، والأمر الحقير. فنسأل الله أن يأجركَ على هذه الأخلاق الطيبةخيرًا، وأن يزيدكَ مِنْ فَضْلِه. وجوابنا على استشارتكَ يشتمل علىأمور: الأول: الجَمْع بين هذا الخُلُق الحَسَن، وبين ضَرْب الزَّوجة، ألا ترىمعي أنَّ الضرب هو آخر الحلول؛ كما أن آخر الدواء الكي؟ فالأصل في المُعاشَرة بينالرَّجُل وزوجته: أنها تقوم على المعروف والإحسان بينهما، وأن يعامِل كلُّ واحدصاحبه بما يحب أن يعامِلَه به، وأن يَتَقَرَّبَ كلُّ واحدٍ منهما إلى الله، بأنيكونَ أفضل في ذلك منَ الآخر، ومع هذا فقد أباح الله للرجل الزَّجْر والتأديببالوعظ والهَجْر والضَّرْب؛ فقال - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَىالنِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْأَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَاللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِيالْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّسَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، فبَيَّن - سبحانه - أنَّ القَوَامة حقٌّ للرجل، وَأَمَرَهُ بالإنفاق، وبَيَّنَ أنَّ الصالحات حافِظاتقانِتات، وبَيَّنَ أنَّ التي يخاف عصيانها يسلك معها ثلاث مراتب: الأولى: الموعظة والتذكير بما يجب عليها، الثانية: الهَجْر في المضجع، الثالثة: الضَّرب غيرالمُبَرِّح، وقد حَرَّمَ العلماء أن يكونَ الضَّرب في الوجه، واشترطوا ألاَّ يُحدثَأثرًا في جلد أو عظم، وبَيَّنَ النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- أنَّ مَن يضرب النساء فليس من خيارالناس؛ فقال: ((ليس أولئك بخياركم))؛ رواه أبو داود. وفي صحيح مسلم: ((ماضرب رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًاإلاَّ أن يُجاهدَ في سبيل الله))؛ قال النووي - رحمه الله -: "فيه أنَّ ضْرَبالزَّوجة والخادم والدابَّة، وإن كان مباحًا للأدب، فَتَرْكُه أفضل". وأوردابن كثير - رحمه الله - عند تفسير الآية السابقة حديثًا جليلا، قال أَحدُ الصحابة: يا رسول الله: ما حقُّ امرأة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذااكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح ولا تهجر إلاَّ في البيت))، وقوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ}؛ أي: إذا لم يرتدعْنَ بالموعظة ولا بالهجران، فلَكُم أنتضربوهنَّ ضَرْبًا غير مبرح؛ كما ثَبَتَ في صحيح مسلم، عن جابر، عن النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- أنهقال في حجة الوداع: ((واتَّقوا الله في النِّساء، فإنَّهنَّ عندكم عوانٍ، ولكمعليهنَّ ألاَّ يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلْنَ فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرح،ولهنَّ رزقهنَّ وكسوتهن بالمعروف))؛ انتهى من تفسير ابن كثير. فيا ليتكتضُمُّ إلى ما ذكرتَ من أخلاق عالية، وسجايا كريمة تَرْك ضرب زوجتكَ، والقناعةبالوعظ والهجر، إذ لم يَتَعَدَّهُمَا رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]. الثاني: كونكَ عاطلاً عنِالعمل فهذه مشكلة كبيرة، إذ المرء بدون عمل طاقة هائلة تُصْرَف في غير فائدة، قلتُ: تُصْرف؛ لأنَّ كلَّ إنسانٍ له طاقة، فإن لم يحسنِ التَّصَرُّف فيها، ذهبتْ منههباءً منثورًا؛ وقد قال الله - تعالى -: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْرِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، وقال النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]-: ((ما أكل أحدٌطعامًا خيرًا مِن أن يأكلَ مِن عَمَل يده، وإنَّ نبيَّ الله داود - عليه السلام - كان يأكُلُ من عمل يده))؛ رواه البخاري، فأكْلُ المرء مِن عمل يده له فضيلةٌ عظيمة،وقد سُئِل النَّبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- عن أيِّ الكَسْب أطيب؟ فقال: ((عملالرَّجُل بيده، وكل بيع مبرور))؛ رواه أحمد، والحاكم، وصَحَّحهالألباني. وقال: ((لأن يَحْتَطِبَ أحدكم حزمة على ظهره خير له مِن أن يسألَأحدًا، فيعطيه أو يمنعه))؛ رواه البخاري. والأصل: أنَّ طَلَب الكَسْب لا يجبعلى المُكَلف إلاَّ لِسَدِّ حاجته، وحاجة مَن يعول ممن تجب نفقته، وقضاء ديونه إنكان عليه دَيْن؛ لقول النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]-: ((كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيِّعَ مَنيقوت))؛ رواه أحمد، وصَحَّحه الأرناؤوط. وروى البخاري عن عمر - رضي الله عنه -: ((أنَّ النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهلهقوت سَنَتهم)). والجمهور منَ العلماء على: أنَّ الكسب الذي لا يُقْصَد بهالتَّكاثُر مما يزيد على حاجة المرء - أفضلُ من التَّفَرُّغ للعبادة، إذا قصد بهالعبد التَّوسُّل إلى طاعة الله، من صلة الإخوان، والتَّعَفُّف عن وجوه الناس،وإعانة الفقراء والمعوزينَ، وهذا من باب الاستحباب لا الوُجُوب، وقد علل الجمهورُذلك بأنَّ المتعبِّدَ ينفع نفسه فقط، والمتكسب ينفع غيره بما يعينه به منَ المال،وينفع نفسه بِنَيْل الأجر والثَّواب على ذلك، وذلك هو خير الناس؛ كما قال الرَّسول - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]-: ((أحبُّ الناس إلى الله - تعالى - أنفعهم للناس))؛ رواه الطبراني في "المعجمالصغير"، وصَحَّحه الألباني في الصَّحيحة. الثالث: شَتْم زوجتكَ لك معصية،يجب عليها أن تتوبَ منها؛ فقد حَرَّم الله السَّبَّ والشَّتم بين بين بني آدم،كافرِهم ومُسلمهم على وَجْه السواء؛ فقال - تعالى -: ((وقولوا للناس حسنًا))، وقال - تعالى -: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]. وأخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قالرسول الله -[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG] -: ((سِبَابُ المسلم فُسُوقٌ، وقتالُهُ كُفْرٌ)). وفيالصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حديث المَعْرُور بن سويد، قال: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ - رضيالله عنه - فقال: ((إِنِّي سَابَبْتُ رجلاً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فقال ليالنبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]-: ((يا أبا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّه، إنكَ امْرُؤٌ فيكجاهليَّة)). وأخرج البخاري من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "لميكنِ النبي - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- سَبَّابًا، ولا فحَّاشًا، ولالَعَّانًا". وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسولالله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- قال: ((أتدرُون منَ المُفلسُ؟))، قالُوا: المُفلسُ فينا - يا رسُولالله - مَن لا درهم لهُ ولا متاع، قال رسُولُ الله - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((المُفلِس من أُمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شَتَمهذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دم هذا، وضرب هذا، فيقعُدُ، فيقتص هذا منحسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتُهُ قبل أن يُقتص ما عليه منَ الخطايا، أُخذمن خطاياهُم فطُرح عليه، ثُم طُرح في النار)). فإذا كان هذا النَّهي عنِالسَّبِّ والشَّتم قد حُرِّمَ بين الناس جميعًا؛ فكيف بمَن قال الله عن العشرةبينهما: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]. إنَّنالنهيب بهذه الزوجة أن تدعَ ما تقع فيه مِن هجر القول، وأن تسعى قدمًا لانتقاء أطايبالكلام لزوجها، كما ينتقى أطايب الثمر، ولتجعلْ شعارها في ذلك: "طاعتي لزوجيواحترامي له قُربة لله". ولا يَسَعُنا في ختام استشارتكَ إلاَّ أن ننصحكَبالصبر على زوجتكَ، والإحسان إليها، وخطب وُدِّها وود أبيها، الذي لم يُثَرِّب عليكحينما آذيتَها بالضرب، وقدِ التمس لك العذر وغفر لك ما كان منك، وراجع في موقعنااستشارة: "هل أرجع له؟".
|
#25
|
|||
|
|||
مثالية أم خرافة" السؤال: أناطالب علم، ولله الحمد والمنة. لكن عندي بعض المشاكل، أُوجزُها وأريد حلاًّمطوَّلاً منكم؛ ليستفيدَ الآخَرون حينما يقرؤون. - في الحقيقة أنا أضعأهدافًا وأخطِّط وأرتب، لكن للأسَف لا أُنْجز، أنا عندي علوٌّ بالهِمَّة وعنديمخطَّطات وأهداف وطموحات، لكن يبدو أنِّي أدورُ في حلْقة مفرغة من الصغر، لا أعلمأكنتُ مثاليًّا أم أني لا أعْرِف قُدُراتي أم أني "أكبر الجرعة" كما وصفني أحدالأصدقاء؟ لا أعلم، لَم أُنجز شيئًا، لا أعْلم لماذا؟ - دائمًا ما أُقارننفسي ببلاد العلم "شنقيط" المحاضر الموريتانيَّة وبطلاَّبهم وشيوخِهم، فيا للعجب! ماذا أجد؟ بونًا وفرقًا شاسعًا بيني وبينهم، بل بين علمائنا وبينعلمائهم. كيف؟ يَحفظون حِفْظًا عجيبًا، بل - والله - من شدَّة العجب أنَّالعوامَّ يقولون: لا بدَّ أن تحفظ ابنَك "مختصر خليل" في الفِقْه المالكي؛ حتَّىيعبد الله على بصيرة، والقُرآن وألفيَّة ابن مالك؛ حتَّى يصونَ نفسَه عناللَّحن. وماذا عن طلبة العِلم والشُّيوخ؟ فالقرآن بالقِراءات العشْر، منالشَّاطبيَّة وصاحبتِها، والحديث: الكتب الستَّة بأسانيدِها وطُرُقها وألفاظِها،والتفسير: منظومة لديْهم أكثر من 15 ألف بيت، و... و... و....، شيء يبْهر العقولَويأخُذُ بالأبْصار. يا الله! مكتبة متنقِّلة، وأنا لا تعليق، فقداحترقت. الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد: مرحبًا بك - أخي الكريم - في موقع الألوكة، ونسأل الله أن يوفقك للعلمالنافع والعمل الصالح. فلا شكَّ أنَّ الجهدَ الذي تبذلُه المحاضر فيموريتانيا له أثرُه في حِفْظِ العُلوم والإبقاء عليْها وتَنْمِيتها، وهذا أمرٌيعْرِفه كلُّ مَن له صلةٌ بالعِلْم الشَّرعي؛ لأنَّ الأصل في التعلُّم هو الحِفْظ،وهذا فعلاً ممَّا يعدُّ مثالاً يُقْتَدى به، وليس خرافةً يدَّعيها بعضُ الناس؛ بلهو حقيقة قائمة، يبلُغها مَن وفَّقه الله - تعالى - لها، وقد نُقِل عن بعض العلماء: "مَن حفِظ المتون حاز الفنون"، وورد عنهم من الآثار في الحِرْص على الحفظ ما تنوءُبه الكتب الكبار. - قال حفص بن غياث: "من جلالة ابْنِ أبي ليلى: أنَّه قرأالقرآن على عشَرة شيوخ". - وقال مجاهد: "صلَّيت خلف مسلمة بن مُخلَّد، فقرأسورة البقرة فما ترك واوًا ولا ألفًا". - وكان الأعمش يعرِض القرآن فيُمْسكونعليه المصاحف، فلا يخطئ في حرف واحد. - قال أبو داود: "أملى إسحاقُ أحدَ عشرَألفَ حديثٍ من حفظه، ثمَّ قرأها عليْنا، فما زاد حرفًا ولا نقص حرفًا". - وقالعمر بن شبَّة: " أحفظ ستَّة عشر ألفَ أُرْجوزة". وينبغي على طالب العلم أنيبدأ أوَّلاً بحفظ القُرآن؛ فهو أساس العلوم، قال ابنُ عبدالبر - رحِمه الله -: "القُرآن أصل العلم، فمَن حفِظه قبل بلوغِه ثمَّ فرغ إلى ما يَستعينُ به على فهْمِهمن لسان العرب، كان ذلك له عونًا كبيرًا على مُراده منه، ومن سُنن رسول الله - صلىالله عليه وسلَّم". وقال أيضًا: "أوَّل العلْم حفظ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - وتفهُّمه، وكل ما يُعين على فهْمِه فواجبٌ طلَبُه معه، ولا أقول إنَّ حِفْظَه كلهفرض؛ ولكنِّي أقول: إنَّ ذلك شرطٌ لازم على مَن أحبَّ أن يكون عالمًا فقيهًا ناصبًانفسَه للعلم، ليس من باب الفرض". وقال الخطيب البغدادي - رحمه الله -: "ينبغي للطَّالب أن يبدأ بِحِفظ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - إذْ كان أجلَّ العلوم،وأولاها بالسبق والتقديم". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وأمَّا طلَب حِفْظِ القرآن، فهو مقدَّم على كثيرٍ ممَّا تسميه النَّاس علمًا، وهوإمَّا باطل أو قليل النَّفع، وهو أيضًا مقدَّم في التعلُّم في حقِّ مَن يُريد أنيتعلَّم عِلْمَ الدين من الأُصُول والفُروع، فإنَّ المشروع في حقِّ مثل هذا في هذهالأوْقات أن يبدأ بِحِفْظ القُرآن؛ فإنَّه أصل علوم الدين". وقال ابن جماعة - رحمه الله -: "يبتدئ أوَّلاً بكتاب الله فيُتْقِنه حفظًا، ويَجتهد على إتقانتفسيرِه وسائر علومِه، فإنَّه أصل العلوم وأمُّها وأهمُّها". وممَّا يدلُّعلى أنَّ العلماء كانوا لا يسمحون لطالبِ العلم أن يبدأَ بشيْءٍ قبل أن يَحفظ كتابالله تعالى، ما ذكره الذَّهبي في "السير" عن شيخ الحرم الإمام عبدالملك بن جُرَيْج - رحمه الله - قال: "أتيت عطاء - يعني: ابن أبي رباح - وأنا أُريد هذا الشَّأن،وعنده عبدالله بن عُبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير: قرأتَ القرآن؟ قلت: لا، قال: اذهب فاقرأْه، ثم اطلب العلم، فغبّرت زمانًا حتى قرأت القرآن". وفي ترجمةالإمام محمَّد بن إسحاق بن خُزيمة - رحمه الله - يقول حفيدُه محمد بن الفضْل بنمحمد - رحمه الله -: سمعت جدي يقول: "استأذنْتُ أبي في الخُروج إلى قُتَيْبة، فقال: اقرأ القُرآن أوَّلاً حتَّى آذَنَ لك، فاستظْهَرتُ القُرآن، فقال لي: امكُثْ حتَّىتصلِّي بالختمة، ففعلتُ، فلمَّا عيَّدنا، أَذِن لي، فخرجت إلى "مرو"، وسمعت بمروالروذ من محمد بن هشام صاحب هُشيم، فنُعي إليْنا قتيبة". فإذا حفِظ الطَّالبالقُرآن الكريم، تدرَّج في طلَب العلم بالصُّورة التي درج عليْها السلف - رحِمهمالله - فيبدأُ بالصَّغير قبل الكبير، وبالأُصول والمعاقد قبل الفُروع والشَّوارد،ويسير فيه الهوينى؛ فعن يونس بن يزيد قال: قال لي ابن شهاب: "يا يونس، لا تُكابِرِالعلم، فإنَّ العلم أوديةٌ، فأيها أخذت فيه، قطَع بك قبل أن تبلغَه، ولكن خذْه معالأيَّام والليالي، ولا تأخُذِ العلم جُملة، فإنَّ مَن رام أخْذَه جملة، ذهب عنْهجملة، ولكنَّ الشَّيء بعد الشَّيء مع الليالي والأيَّام". اهـ. وقال ابنعبدالبر - رحِمه الله -: "طلَب العلم درجاتٌ ومناقل ورُتب لا ينبغي تعدِّيها، ومنتعدَّاها جملة فقد تعدَّى سبيل السلف - رحمهم الله - ومن تعدَّى سبيلَهم عامدًا،ضلَّ، ومن تعدَّاه مجتهدًا، زلَّ". اهـ. وقال ابن القيِّم في "مدارجالسالكين": "وتالله، ما امتاز عنْهم المتأخِّرون إلا بالتكلُّف والاشتِغالبالأطراف، التي كانت همة القوْم مراعاة أصولها، وضبْط قواعدها، وشدّ معاقدِها،وهممهم مشمِّرة إلى المطالب العالية في كلِّ شيء، فالمتأخِّرون في شأن والقوم فيشأن! و{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: 3]". اهـ. ولتعلمْ أنَّ الناس متفاوِتون في الحِفْظ والفهم، وهذه سنَّة الله - تعالى - في خلقِه؛ لتفاوُت عقولِهم وأفهامِهِم، وعلى الطَّالب أن يسدِّد ويقارب،وأن يُوازِن بين الحفْظ والفهْم، ولا يتأتَّى له ذلك إلا بلُزُوم جَماعة طلاَّبالعلم وشيوخِه، مع لزوم تقْوى الله في السرِّ والعلَن. قال الشَّعبي ووكيعبن الجرَّاح - رحمهما الله -: "كنَّا نستعين على حِفْظِ الحديث بالعملبه". قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "لوِ اعتصم رجلٌ بالعِلْم الشَّرعيمن غير عملٍ بالواجب كان غاويًا" اهـ. واللهَ نسأل أن يوفِّقَك لما يحبُّويرضى، وأن يرْزُقَك قلبًا واعيًا وعقلاً فاهمًا.
|
#26
|
|||
|
|||
لماذا لا أدري لكن لماذا؟" السؤال: لاأدري لماذا؟ وضعتُ لي أهدافًا، ورسمت الخطط والبرامج، والمقدار اليومي؛ لكني لمأفلح. يا ليتها كانت مرَّة أو مرَّتين، لكانت دروسًا أتعلَّم منها النجاح؛ لكنالمشكلة حينما تكون عادة. مرَّت عليَّ الآن أربع سنوات ونصف وأنا أدور في حلْقةمفرغة، كلَّ بداية فصل أضع لي أهدافًا علميَّة وعمليَّة، من علم شرعي بفنونه،وتزكية للنفس بالطاعات وقيام الليل، و..و..و..و ... إلخ، وأهداف اجتماعية، ثم فيالآخر أفشل فيها كلها، وأعود بخفَّي حنين. يا الله! ما أقسىالحياةَ! لماذا؟ هل كنت مثاليًّا - كما يقول أحد الإخوة - أم كنتُ عاليَالهمَّة كما اعتقدَ؟... لا أدري. كان هدفي الأعظم أن أكون على خُطى حبيبي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأن أكون مثله داعيةً إلى الله، وعالمًا بشريعة ربِّهوعابدًا. لماذا؟... لا أدري. لماذا لم أتغير، وأنا هو أنا؟ وأنا الذي أسعىللتَّغيير وأدعو الغير للتغْيير، لماذا؟... لا أدري. هل أنا أمشي في طريق لايصلح لي مع أني أحبه وأعشقه ومستعد للتَّضحية من أجلِه؟ لماذا؟... لاأدري. ملِلت وكللتُ وتعبتُ وتعست. لماذا دائمًا تأتيني خواطر وأفكار تشغلنيعمَّا أنا فيه، وتأخذ عليَّ وقتي؟ لماذا؟... لا أدري. أكنت مثاليًّا ووضعتُشيئًا فوق قدراتي وإمكاناتي؟... لا أدري أكنت قليل الإخلاص وعندي حبللشُّهرة؟... لا أدري. لماذا لم أستفد من أخطائي التي سبق أن مررْتُ بها مع هذاالفشل الذَّريع؟ لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ لكن، ألا يكون قدر الله شاء ألا أكونوأنا شئتُ أن أكون؟... لا أدري. وَعَيْشُ المَرْءِ فِي هَمٍّ وَغَمٍّ بَلاءٌلَيْسَ يُشْبِهُهُ بَلاءُ أتمنى أن تساعدوني وأن تدلُّوني على طريق الحقِّ فقدبلغت الحلقوم. الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسولالله، وبعد: مرحبًا بك ابنَنا عبدَالله ونسأل الله أن يمنَّ عليْكبالتَّوفيق والسداد في أمورِك كلها. لك منِّي تحيَّة بالغة على جهودِكالسَّابقة في سبيل الوصول إلى العِلْم الشرعي، فقد أصغَيْتَ إلى وصيَّة السَّادةالعلماء في بذْل الجهد الكبير للتعلُّم، وتوجَّهت بكلِّ همَّتك لذلك - كما ذكرْتَ - قال الحكمي في المنظومة الميميَّة في الوصايا والآدابالعلميَّة: وَاجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ لَوْيَعْلَمُ المَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ وقد كان سلفُنا - رحِمهم الله أجمعين - يتفانَون في حفْظِ العلم ونقله، ببذل أوقاتِهم وأموالِهموقوَّتهم، دون أن يضنُّوا من ذلك بشيء، والواجب على طالب العِلْم أن يتحيَّن الفرصويكيِّف نفسَه معها، لا أن يريد تكييف الفرَصِ على حسْب حاله هو، قالأحدهم: إِذَا كَانَ يُؤْذِيكَ حَرُّ المَصِيفِ وَيُبْسُ الخَرِيفِ وَبَرْدُالشِّتَا وَيُلْهِيكَ حُسْنُ زَمَانِ الرَّبِيعِ فَأَخْذُكَ لِلْعِلْمِ قُلْلِي: مَتَى؟! قالَ ابن عبَّاس - رضي الله عنه -: "ذَلَلْتُ طالبًا فعززتمَطْلوبًا". وقال أيضًا: "ما حَدَّثَني أحَدٌ قَط حَدِيثًا فاستفْهَمته،فلقد كنتُ آتي باب أُبي بن كعب وهو نائم، فأقيل على بابه، ولو علِم بمكاني لأحبَّأن يُوقَظَ لي؛ لمكاني من رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولكنِّي أكره أنأُملَّه". وقالَ يونُس بْنُ يزيد: قالَ لي ابن شهاب: "يا يونس، لا تكابرالعِلْم، فإنَّ العلم أودية، فأيَّها أخذتَ فيه، قَطَعَ بِكَ قَبْلَ أنْ تبلغه،ولكن خُذْهُ معَ الأيامِ واللَّيالي، ولا تأخذ العِلْمَ جُمْلَة؛ فإنَّ مَنْ رامَأخْذَهُ جُمْلَة، ذهب عنه جُمْلَة، ولكِنَّ الشَّيء بَعْدَ الشَّيءِ مع اللَّياليوالأيَامِ". وقام رجلٌ إلى ابن المبارك، فقال: يا أبا عبدالرحمن، في أَيِّشيء أجعل فَضْلَ يومي، في تعلُّمِ القرآن، أو في طلب العلم؟ فقال: "هل تقرأ منالقرآن ما تُقِيمُ به صلاتك؟" قالَ: نعَمْ، قَالَ: "فاجْعَلْهُ في طَلَبِ العلْمِالَّذي يُعْرَفُ بِه القُرْآن". وعن فَرْقد إمام مسجد البَصْرة قَالَ: دَخَلوا على سُفْيانَ الثَّوري في مَرَضِه الَّذِي مَات فِيه، فَحدَّثه رَجُلٌبِحديثٍ فأعْجَبَه، فضَرَبَ يَدَه إلى تَحْتِ فِرَاشِه، فأخْرَجَ ألْوَاحًا له،فكَتَبَ ذَلِك الحدِيث، فقالوا له: على هذه الحال منك؟ فقال: "إنَّهُ حَسَنٌ، فقَدسَمِعْتُ حَسنًا، وإنْ مِتُّ، فقَدْ كَتَبْتُ حَسنًا". إبراهيم بن الجرَّاحالتميمي مولاهم - تلميذ أبي يوسف وآخِر مَن روى عنه - قالَ: أتيتُ أبا يوسف أعُوده،فوجدتُه مغمًى عليه، فلمَّا أفاق قالَ لي: يا إبراهيم، أيُّهما أَفْضَلُ في رَمْيالجِمَارِ، أنْ يَرْميَها الرَّجُلُ راجِلاً أو راكبًا؟ فقلت: راكبًا، فقال: أخطأتَ. قلتُ: ماشيًا، قالَ: أخطأتَ. قلت: قُلْ فِيها - يَرْضى الله عنك. قَالَ: أمَّا ما يُوقف عنده للدُّعاء، فالأفضل أن يرميَه راجلاً، وأمَّا ما كانلا يوقَف عنده، فالأفضل أن يرميَه راكبًا. قالَ أبو حاتم: قالَ لي أبوزُرعة: ما رأيتُ أحْرَصَ على طَلَبِ الحديث منك يا أبا حاتم! فقلت: إنَّ عبدالرحمن - يعني ولده - لحريص، فقال: مَنْ أشبه أباه فما ظَلَمَ. قَالَ الرَّقام - أحمد بن علي - سألتُ عبدالرحمن عن اتِّفاق كثرة السَّماع له وسؤالاته من أبيه،فقال: ربَّما كان يأكُل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأُ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه،ويدخل البيت في طلَب شيء وأقرأ عليه، قالَ علِي بن إبراهيم: وبلغني أنَّه كانيَسْأَلُ أباه أبا حاتم في مرضِه الذي توُفِّي فيه، عن أشياءَ من عِلْمِ الحديثوغيره، إلى وقت ذهاب لسانه، فكان يُشير إليْه بطرفه: "نَعَمْ" و"لا". وعنعمر بن حفص الأشقر قالَ: كنَّا مع البخاري بالبَصرة نكتب، ففقدْناه أيَّامًا، ثمَّوجدْناه في بيتٍ وهو عُرْيان، وقد نفِد ما عنده، فجمعنا له الدَّراهم حتَّىاشتريْنا له ثوبًا وكسوْناه. وهذا يحيى بن معين، كان والدُه على خراج الرَّيفمات، فخلف ليحيى ابنِه ألف ألف درهم، فأنفقه كلَّه على الحديث، حتَّى لم يبقَ لهنعل يلبسه. ولو نظر النَّاظر إلى حالِهم في طلب العلم، وما بذلوه من غالٍونفيس، وما وقع لهم من صِعَابٍ - لوجد العَجَبَ العُجَاب. وهذا ابن خِراش - عبدالرحمن بن يوسف بن خِراش الحافظ - يقول: شربت بَوْلي في هذا الشأن - يعني: الحديث - خَمْسَ مَرَّات، قلتُ – أي: الخطيب -: أحْسَبُه فَعَلَ ذَلك في السَّفَرِاضْطِرارًا عند عدم الماء، والله أعلم. وعن ابن ناصِر قالَ: كان السِّلَفيببغداد كأنَّه شعلةُ نارٍ في التَّحصيل. وفي ترجمة أبي الوفاء بن عقيلالحنبلي - رحمه الله - أنَّه قَالَ: "إني لأجدُ من حِرْصي على العلم، وأنا فيعَشْرِ الثمانين أشدَّ مما كنت أجدُه وأنا ابنُ عِشرين سنة". وقالَ ابنعَسَاكِر في ترجمة الفقيه سُلَيْم بن أيوب الرَّازي: حُدِّثتُ عنْه أنَّه كانيُحاسِب نفسَه على الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضي عليْه بغير فائدة، إِمَّا ينسخ أويُدَرِّس أو يقرأ، ولقد حدَّثني عنه شيخُنا أبو الفراج الإسفراييني أنَّه نَزَلَيومًا إلى دارِه ورجع، فقال: قد قرأتُ جُزْءًا في طَرِيقي. وقال: إنَّه كانيُحرِّك شَفَتَيه إلى أن يَقُطَّ القَلَم. قالَ الإمام ابن القيم: وحدَّثنيشيخُنا - يعني: ابنَ تيمية - قالَ: "ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطَّبيب: إنَّ مُطالعتكوكلامَك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أُحاكِمك إلى علمك: أليست النَّفس إذا فرِحت وسُرَّت، قَوِيت الطبيعةُ، فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى، فقلتله: فإنَّ نَفْسِي تُسرُّ بالعلم، فتقوى به الطبيعةُ، فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارجٌعن علاجنا". اهـ. قالَ ابن القيم - رحمه الله - وهو يتكلَّم عن عِشْق العلم: وحدَّثني أخو شيخِنا – يعني: أحمد بن تيميَّة - عبدُالرحمن بن تيمية، عن أبيه - عبدالحليم - قالَ: "كان الجَدُّ أبو البركات إذا دخل الخلاء، يقولُ لي: اقرأْ فيهذا الكتاب، وارْفَعْ صَوْتَك حتى أسمع". اهـ. وإذا أردنا أن نتقصَّى أمثالهذا، لوجدنا منه الكثير، وحسبُك ما حوتْه كتُب التَّراجم للأعْلام الكِبار وما فيهامن نفائس الأخبار والآثار. فلا تيأَسْ بطول طلبِك للعلم، ولا تحدّه بسنٍّينتهي عنده، فها أنت رأيتَ العُلماء يطلبونه في أحلكِ الأوقات؛ بل وحتَّىالممات. وهذا الحسن بن زياد قد بدأَ طلَب العِلْم بعد أن تجاوز السبعين، وقدقيل فيه: وَلَيْسَ لِلْعِلْمِ أَوَانٌ فِي الطَّلَبْ وَابْنُ زِيَادٍ بَعْدَسَبْعِينَ طَلَبْ واستعِنْ على الحفظ بالإخْلاص، وكثرة التكرار، والمداومةعلى الاطِّلاع والمذاكرة والتَّلخيص، وغير ذلك ممَّا يُعين على الحِفْظ ويسهِّله،فإن أدركْتَ المأمول فبِها ونعمتْ، وإن لم يقدِّر الله لك ذلك، فقدْ نِلْتَ الأجروالثَّواب الذي وعد الله به مَن سعى في سبيل العِلْم. واللهَ نسألُ أنيوفِّقَك في سبيل طلَب العلم ونشره.
|
#27
|
|||
|
|||
الصبر على مصيبةالطلاق" السؤال: السلام عليكم ورحمة الله، أنا إنسانة أخافالله كثيرًا، وبعيدة عن كلِّ المحرَّمات - والحمد لله - لكن لا أفهم ما يحصُل لي معالطَّرف الآخر، أقصد الزَّوج. تزوَّجت المرَّة الأولى، وأحسستُ أنَّ زوْجيكان لا يُطيقُ النَّظَر في وجهي، ولا يُعاملُنِي كما تُعامل الأزواج، وأسرع فيمُباشرة الطَّلاق بسُرعة، رغْم أنَّه يعترِف بِحسن خلقي، وهذه المرَّة الثَّانيةيعامِلُني فيها الزَّوج بنفْس الطَّريقة، ويسرع لمباشرة الطلاق دون أن يُخبرنيبالسَّبب، وأتوسَّل إليه ليحدِّثني عن المبرِّر لكنَّه يرفض الحوار، علمًا أنِّيمستَحْسنة الجمال، ولا يوجد بي عيبٌ خلقي، بل الكثير يستغْرِب للأمر؛ لما وهبنيالله من مميَّزات، جرَّبت الرُّقْية؛ لكنَّ الطَّرف الآخريرفض. الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد: أهلاً ومرحبًا بك أختَنا . نسأل الله بدايةً أن يوفِّقك لما يُحبُّويرضى، وأن يُذْهِب عنك الهموم والغموم، وأن يرزُقَك حسن المقام مع زوجِك، شريكحياتك. اعلمي أولاً أنَّ كلَّ شيء بقضاء وقدَر، وأنَّه لا يكون في مُلْكالله إلا ما أراد الله، وأنَّ ما شاء كان وما لم يشأْ لَم يكن؛ قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. هذه هي الدعامةالأولى، والأساسُ الثَّابت، والقاعدة التي لا تقبل الزَّحزحة، الإيمان بقضاء اللهوقدَره، وهذا يستلزم بالضَّرورة أنَّ كلَّ ما قضاه الله فهو خير، وإنْ كان مؤلمًابالنسبة لنا، فقد كان النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول في دعائه: ((والخيركلُّه في يديْك، والشَّرُّ ليس إليك))؛ رواه مسلم. أقول لك - أختاه -: هبِيأنَّ زوجَكِ قد مات، أليس ذلك بقدر الله؟ هبي أنَّ زوجَك قد أُصيب بحادثٍيُعطِّله عن القيام بواجباته الزَّوجيَّة، أليس ذلك بقدر الله؟ الإجابة في كلٍّ: بلى. وكذلك الطَّلاق الذي حصل لك قبل ذلك، نقول فيه: إنَّه بقدر اللهتعالى. لكن عليْنا مع هذا الإيمان الجازم بالنَّظَر إلى المشكلة نظرةًفاحصة؛ لمعرفة أسبابِها ودواعيها، والسَّعي لإيجاد حلٍّ لها نستفيدُ منه فيالمستقبل المُشْرِق - إن شاء الله تعالى. عليْكِ أن تتعلَّمي الحقوقالزوجيَّة الواجبة على المرأة تِجاه زوْجِها، ومعرفة أقْرب طريق يمكنها الوصول بهإلى قلبِه، من خلال معرفة طبائِعه وخصائصِه النفسيَّة، التي لا يُمكن أن تتَّفق معكفي كلِّ الجوانب؛ لأنَّها تختلِف بحسب طبيعة كلِّ إنسان وخصائصه، والواجب عليْك هوالتآلف معها، ومحاولة التَّقريب بينها وبين خصائصك وطبائعك. أكاد أُجزم وأناأحدِّثك الآن، أنَّ أيَّ امرأةٍ ترغَبُ في استِمرار حياتِها الزَّوجيَّة ثُمَّ تفشلفي ذلك، أنَّه لا بدَّ من وجود نوع من التَّقصير منها في حقِّ زوجِها، أو سوء الفهملطبيعته الجِبِلِّيَّة. لا تَحزني ولا تيْأسي؛ فالمستقْبَل مليءٌ بالأقدارالمُفْرِحة والأحداث السعيدة، ولعلَّ ما حصل يكونُ خيرًا لك، ألَم تقرئي قولَ اللهتعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنتُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَتَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]؟ أختاه، قلتِ كلامًا يفيد أنَّك ألححْتِ علىزوجِك في أن يمسكك، وهذا أمر حسن منك وإن لم يقدِّرْه الزوج، لكنَّ الأحسن منه أنتلجئي إلى الله - تعالى - أن يهيِّئ لك من أمرِك رشدًا، وأن يقسم لك من الخيْر مايكون عونًا لك على مرضاتِه، فهذا رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يدخُل علىزوجتِه، أمُّ حبيبة وهي تقول: "اللهم متِّعْني بزوْجي رسول الله، وبأبي: أبي سفيان،وبأخي معاوية"، فقال لها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّك سألْتِالله لآجالٍ مضروبة، وآثارٍ موْطوءة، وأرْزاق مقسومة، لا يعجل شيئًا منها قبل حله،لا يؤخر شيئًا بعد حله، ولو سألتِ الله أن يُعافيك من عذاب في النَّار وعذاب فيالقبر، لكان خيرًا لك))؛ رواه مسلم وغيره. فهذا رسول الله - صلَّى الله عليهوسلَّم - ينصح زوجته بأن تدَع ما قُضِي أمره، وأن تهتمَّ بما لم تعلمْ نِهايته منمصير، إمَّا خلود في نعيم، أو عذاب أليم. ثم يمكنُك هنا أن تفكِّري في أحدأمرين أو فيهما معًا: الأوَّل: أن تفكِّري في العوْدة إلى أحد الزَّوجينالسابقين، لكن ليس عن طريقِك مباشرة ولكن بتوسيط أهل الخير والفضل والصلاح، وهذاأمرٌ غير منْهيٍّ عنه شرعًا، بل رغَّب فيه الشرع وحثَّ عليه. الثاني: أنتستفيدي من التجرِبَتين السَّابقتين بِحُسن الاختِيار في المرَّة القادمة، ولا يكنهمُّك هو مجرَّد تحصيل زوج تستظلِّين بظلِّه، فإن المرأة أحيانًا تقصِد ذلك ثُمَّيتبيَّن لها أنْ لو عاشت بلا ظلٍّ لكان خيرًا لها، فبعْض الرِّجال لا يصلُح ظلاًّلنفسِه فضلاً عن أن يستظلَّ به غيره. وعلى كل لا تفقِدي الأمل في الحياة،ولا تنظري إليها بنظَّارة قاتمة سوداء، ففي الحياة سعادة لو أدرك المرءُ حقيقتَهاما رضي بغيرها بديلاً، وهي العيش مع الله وبالله وفي الله، يخدم دينَه وينفع غيره،ويجتهد في سبيل الوصول إلى مراد الله منه، بكل ما أوتي من قوَّة. دعائي لكبِصلاح الحال والمآل، وأن يرزُقك الله الزَّوج الصالح الذي يُعينُك على الخيْرويحضُّك عليه،، والله أعلم.
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
., الشيخ, على, فتاوى, فضيلة, ونيس |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|