محنة منتقبة
بقلم : أبي مصعب
دخلت لجنة الامتحان ... مستعينة بمنزل الفرقان ... أن يحفظها من شيطان الإنس والجان ... ويذكرها من المادة ما نسيت ... ويفتح عليها ما جهلت .
كانت ترتدى نقابها ... فهو تاج وقارها ... يزينها ويحميها ... ويرفع قدرها عند باريها .
جلست فى مكانها المحدد ... تسأل الله المدد ... فطلع عليها ذئب بشرى صغير ... ينظر إليها نظرة تحقير ... فبدا بتصرفه سخيف ... ثم عوى بصوت مخيف ...
ارفعى النقاب ...
وذا أول عقاب ... همت بوضع الماسك ... فصرخ: ضعيه على الديسك ... فوضعت من فرط حياءها ... ونقاء طهرها ... منديل على وجهها... فراح بمخالبه يشده ... ولا أحد يرده ... وبعد ما نفذت حيلها ... نزل الدمع على خدها ... وتوجهت إلى ربها ...
إليك ربى المشتكى والمفزع ... أنا فى نقابي لحكمك أخضع ... ما لى سواك لظلمى يسمع ... ما لى سوى باب جودك أقرع ... أنا لا أملك إلا الدعا فهل الإجابة تمنع .
( على لسان منتقبة فى أحد لجان كلية دار العلوم )
أحبتى فى الله فى ظل المحنة التى نعانيها
عندنا سلاح الدعاء خاصة فى مواطن الإجابة
مواطن إجابة الدعاء
بقلم فضيلة الشيخ: عادل محمد
هناك أماكن ، وأزمان ، وأحوال يستجاب فيها الدعاء .
هى محل استجابة الدعاء ، وعلى الداعي أن يتخيرها ، ويتحراها ، ويترصدها ، ويبحث عنها ، ويطلبها ، ويسعى إليها ، وينتظرها ، ويقحم نفسه فيها ، فيجعل قلبه بين الأماكن الشريفة المباركة ، والأزمان الشريفة المباركة ، والأحوال الشريفة المباركة التي فيها يستجاب الدعاء .
فمن الأخذ بالأسباب أن يدعو اللهَ في هذه المواطن ، ففي الأماكن الشريفة يستجاب الدعاء
( في بيت الله الحرام ، وفي حجر إسماعيل ، وعلى الصفا والمروة وفي السعي بينهما ، وفي الطواف بالكعبة ، وفي مسجد النبي ،
وفي الروضة الشريفة ، وما بين بيته ومنبره وليس ما بين منبره وقبره فهذا تحريف ، وعلى عرفة ، وفي المسجد الأقصى ، ثم في بقية المساجد فهى بيوت الله تعالى في الأرض فيها تتنزل الملائكة ،
وتتناوب عليها ، وتصعد بدعوات العباد وأعمالهم ، وهم يحفون عمارَ المساجد . يؤمنون على دعواتهم ،
ويصلون عليهم ، ويستغفرون لهم .
ولا يجوز الدعاء عند القبور تبركاً بالمقبورين فهى ليست من الأماكن المباركة التي يستجاب فيها الدعاء وسيأتي ذلك مفصًلا في محله .
فعلى الداعي أن يتخير من الأماكن ما يستجاب فيها الدعاء فمن بركة هذه الأماكن أن يستجيب الله لمن دعاه عندها ، ويقبل الله ممن قصده فيها لتعود بركتها على من نزلها ولزمها .
ويجتهد الداعي أن يوافق ذلك أزمان شريفة يستجاب فيها الدعاء ومن هذه الأزمان :
يوم عرفة ، قَالَ :
« خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ».
[ رواه الترمذي من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
ومنها ليلة القدر ، وأيام الحج ، وشهر رمضان.
ومنها ليلة الجمعة ، ويومها ، وساعتها ، ومن عصرها إلى غروب شمسها.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ :
« إِنَّ فِى الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ » .
[ رواه الجماعة وغيرهم ]
واختلف أهلُ العلم في تحديد هذه الساعة على آراء كثيرة أرجحها أنها من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس ، ورجح هذا القول ابنُ القيم وقال :
" وهو قول عبدِ الله بن سَلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد وخلق "
[ زاد المعاد 1/390 طـ مؤسسة الرسالة ] .
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ
« يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ - يُرِيدُ سَاعَةً - لاَ يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ »
[ رواه أبو داود والنسائي ] .
ومن الأزمان الشريفة جوف الليل ، ووقت السحر ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟
قَالَ : « جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ »
[ رواه الترمذي ] .
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :
« يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ »
[ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ] .
عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِىَّ يَقُولُ :
« إِنَّ فِى اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ »
[ رواه مسلم ] .
فأين من يتعرض لنفحات الليل ، وأين من يطلب هذه الساعة ، وأين من يتيقظ لها فتحلو له الخلوة بربه ويشتاق لمناجاته ؟
أين العباد هذه الساعة أين هم ؟ منهم من هم في النوم يغطون ، ومنهم من هم على اللهو يسهرون ، فالعباد في هذه الساعة بين لاه ونائم إلا قليل ممن رحم الله وعصم .
على الشرف يحرصون فهذه ساعة الشرف يزداد المؤمن فيها شرفًا على شرفه ، فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ـ وفيه ـ ثُمَّ قَالَ :
« يَا مُحَمَّدُ ، شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ »
[ رواه الحاكم ] .
في الليل تسكب العبرات ، وتتلى من الكتاب صفحات ، وتركع لله ركعات تتلوها سجدات ، وتقضى الحاجات ،
وتفرج الكربات ، وتغفر الذلات ، وتقسم النفحات ،
وتتنزل الرحمات الشرفاء من العباد
( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) [ الذاريات: ١٧]
الشرفاء من العباد (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ) [ السجدة: 16 ]
لماذا ينفرون من الأَسِرة ويجافون مضاجعهم ، ويهجرون النوم
( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) [ السجدة: ١٦]
فطوبى لعبد نفر من سريره ، وجافى مضجعه ، وهجر نومه ؛ ليصل ربَه ، ويأنسَ به ، ويطلب رضاه .
ومن الأزمان المباركة التي يستجاب فيها الدعاء ساعة الآذان وبين الآذان والإقامة ، وساعة القتال في سبيل الله حين تلتحم الصفوف ، وساعة المطر .
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
« ساعتان تفتحُ فيها أبوابُ السماءِ : عند حضورِ الصلاةِ ، وعند الصفِ في سبيلِ الله »
[رواه ابن حبان ]
وعن مكحول عن النبي قال :
« اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش ، و إقامة الصلاة و نزول المطر »
[ أخرجه الشافعى فى الأم ] .
وعَن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
« الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ » [ رواه الترمذي ] .
فكما أن الداعي تخير أن يكون الدعاء في أماكن مباركة ، واجتهد أن يوافق ذلك أزمان مباركة ، فكذلك يجتهد أن يوافق أحوالاً مباركة ،
والأحوال المباركة محلُها قلب الداعي نفسه ، والقلب متقلب فأحيانًا يكون على حال حسنة طيبة يحبها الله تعالى ،
وأحيانًا أخرى يكون على حال سيئة تغضب الله تعالى وتسخطه ، وعلى الداعي أن ينتهز الفرصةَ عندما يكون قلبُه على حال طيبة مع الله ، فيدعو الله وهو على طاعة يدعوه وهو صائم فدعائه مستجاب حتى يفطر وله دعوة لا ترد ويدعو الله وهو يعدل فيما استرعاه الله عليه ، ويدعو الله وهو مظلوم فدعوة العادل والمظلوم لا ترد ويدعو الله وهو ساجد فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء هكذا في صحيح مسلم ، ويدعو الله وهو يتصدق ،
وهو يقرأ القرآن ، وهو يبر والديه وهو يصل رحمَه ، ويدعو الله عند تلقي العلم وسماع الذكر ... يدعو الله عند كل عمل صالح ، فهذا إبراهيم يرفع القواعد من البيت وإسماعيلُ ويجتهدان في الدعاء
( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [ البقرة: ١٢٧] ،
ويدعو الله عندما يرق قلبه وتدمع عينه ويقشعر جلده .
روى عن عيسى قال :
" ... قولوا كذا ، قولوا كذا ، فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة ، فادعوا عند ذلك "
[ الزهد لأحمد بن حنبل ] .
فيا بشرى من كان في مكان شريف وجاء عليه زمن شريف ، فحصل له حال شريف فقد اجتمعت فيه مواطن الإجابة فهو أقرب العباد من الله ، وأحقهم بالإجابة ، وذلك ميسور لكل عبد في كل يوم
أن يكون في مكان شريف موافق لزمن شريف موافقان لحال شريف تقع الإجابة سريعًا بثبوت الشروط وانتفاء الموانع .
والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل