هل مِن كلمة للنساء حول القرار في البيوت ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية جزاكم الله خيراً
نحن نعيش في عصر، تريد فيه الفتيات والنساء كلما ملت أن تخرج لزيارة صديقاتها أو الجيران، أو يزرنها، أو تخرج للسوق معاهن، أو تخرج لتتفسح في الحدائق معاهن، أو يأكلن في المطاعم، وغيرها.
أنا بالنسبة لي أحب العمل بهذه الآية "وقرن في بيوتكن"، أي إن المرأة مكانها البيت، وليس كل شوية فسح وفسح وفسح.
بصراحة ملينا من كثرة طلبات الفتيات التي لا تنتهي، وإني أجدها تتعارض مع الشرع، فما رأي الشرع في المسألة ؟
أرجو التوجيه، فأنا أريدهن أن يقرن في البيت، ويشاركن مشاركة فعلية في الترتيب والطبخ ووو، وأيضاً أريدهن إذا وجدن وقت فراغ أن يطلبن العلم الشرعي، ويحفظن القرآن، ويسمعن الأشرطة النافعة ، والمحاضرات الطيبة ، بدل الكلام الفاضي الذي أتعبننا فيه.
وشكراً
جواب الشيخ عبد الرحمن السحيم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
الأصل في المرأة القرار في البيت ، وأن لا تكون خرّاجة ولاّجة .
قال عمر رضي الله عنه في قوله تعالى : (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: ليست بِسَلْفَع من النساء خرّاجة ولاّجة ، واضِعة ثوبها على وجهها .
قال ابن كثير عن إسناد هذا القول عن عمر رضي الله عنه : هذا إسناد صحيح .
قال ابن منظور : السَّلْفَعةُ : البَذيَّةُ الفَحَّاشةُ ، القَلِيلةُ الحَياءِ .
وقد يتعلل بعضهم بأن الأمر في آية الأحزاب بالقرار في البيت خاص بأمهات المؤمنين .
وهذا الفهم خطأ .
قال الشيخ الشنقيطي في التفسير : ومِن أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة تدلّ على بُطلان ذلك القول ... ومِن أمثلته :
قول كثير من الناس : " إن آية الحجاب ، أعني قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الآية - خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم " ، فإن تعليله لهذا الْحُكم الذي هو إيجاب الحجاب بِكَونه أطهر لقلوب الرِّجال والنساء مِن الرِّيبة في قوله : (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قَرِينة واضِحة على قصد تعميم الْحُكم ، إذ لم يَقُل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى طهارة قلوبهن ، ولا إلى طهارة قلوب الرِّجال من الرِّيبة منهن ، وقد تقرر في الأصول أن العِلّة قد تُعمم مَعلولها . اهـ .
وأقول : لو افترضنا اختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، وهُنّ بمنْزِلة الأمهات ، بل هُنّ أمهات للمؤمنين بِنَصّ قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) ، فغيرهنّ من باب أولى وأولى أن يَدخلن في هذا الخطاب .
ويَلزم من القول باختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب اختصاصهن بعدم الخضوع بالقول ، وجوازه لغيرهن من النساء ! وهذا لا يُقول به عاقل !
كما أن الخطاب في قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) مُوجّه لأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ، إلاَّ أن الْحُكم عام .
فتحريم الخضوع بالقول ليس خاصاً بأمهات المؤمنين ، بل هو عام لكل مؤمنة تُؤمن بالله واليوم الآخر
وكذلك النهي عن التبرّج .
والأمر بالصلاة والزكاة ، كل هذا عام لكل مؤمنة ، ولم يَقُل أحد باختصاص أمهات المؤمنين به .
ومن قال باختصاص أمهات المؤمنين بالحجاب لزِمه أن يقول باختصاص أمهات المؤمنين بهذه المنهيّات وبهذه الأوامر .
ومما يدلّ على ذلك أن الله عَزّ وَجلّ لَمَا أذِن للعجائز بوضع شيء من الثياب ، جَعَل ذلك مُقيّدًا بِعدم التبرّج وبِترك الزينة ، وأخبر عَزّ وَجلّ بأن الاستعفاف خير لهن ، فقال سبحانه وتعالى : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
وكان السلف يمنعون نساءهم من الخروج حتى للمساجد ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهُنّ تِفِلات . رواه الإمام أحمد وأبو داود . وأصله في الصحيحين .
قال ابن حجر : أي : غير متطيبات ، ويقال : امرأة تَفْلة إذا كانت متغيرة الريح . اهـ .
وروى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال : كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد ، فقيل لها : لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يَكْره ذلك ويَغَار ؟
قالت : وما يمنعه أن ينهاني ؟
قال : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
ومع ذلك لَمّا توسّعت النساء في الخروج للمساجد – وليس للأسواق – مُنِعْن من الخروج
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : قلت لِعَمْرَة : أو مُنعن ؟ قالت : نعم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لما أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيبِ وحسنِ الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
قال ابن المبارك : أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين ، فإن أبََتِ المرأة إلاَّ أن تَخْرُج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطهارها ولا تَتَزَيَّن ، فإن أبَتْ أن تَخْرُج كذلك فـ للزَّوج أن يمنعها من ذلك . اهـ .
فإذا كان ذلك في زمان السلف ، وكان المنع من الخروج للمساجد التي هي أحب البقاع إلى الله ، فكيف بِزماننا هذا ؟ وكيف إذا كان الخروج لأبغض البقاع إلى الله ، وهي الأسواق ؟!
وسبق مزيد بيان حول ذلك كله هنا :
فِتنَة التَسوق
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=20&book=357
والله تعالى أعلم .