#1
|
|||
|
|||
حماية المواهب .
محمد بوسلامة من مقال حماية المواهب لـ /محمد بوسلامة مَرَرْتُ بعُصبة من الوِلدان يتحادَثون، وقد أخذتني الشَّواغل عن حديثهم، فلم يكونوا منِّي على بال، إلى أن فَرَطَتْ من أحدهم كلمةٌ إلى سمعي، فوقعت منِّي موقعًا حسنا، فقلتُ لقائلها: لا فُضَّ فُوكْ، إنَّك لذكيٌّ لو أنَّهم عرفوكْ، وإنَّك لسيِّد أصحابك لو أنصفوكْ، ثمَّ صِرْتُ أسترقُ الكلمة والكلمتين إلى أن صار حديثهم عندي ذا بالْ، وإنَّه لحقيق بإصغاء الرِّجالْ، فذهب فيهم الفكرُ كلَّ مذهب وجالْ، ثمَّ شغلت بهم بَيْدَ أنَّ المشغول لا يُشغل، ثمَّ عنَّ لهم أن ينصرفوا فانصرفوا، وقد أسالوا للذِّهن سيوله، وطوَّلوا للمقال ذيوله، وتركوني أرقم لحديثهم رقيمهْ، إذ صار عندي رفيع القيمهْ، وذلك في زمن غلا فيه الخسيس، ورخُص فيه النَّفيس، إنَّ هؤلاء الولدان سيكبَرون، والله أعلم إلى ما هم صائرون، إلاَّ أنَّ الطَّريق مُظلم والسَّبيل مَخُوفْ، والنَّجاةُ دونها مهالك وحتوفْ، وما أعلق هذه الصُّورهْ، بقول ابن دُرَيْد في المقصوره: لا تعجبنْ من هالك كيف هوى *** بل فاعجبنْ من سالم كيف نجا ثمَّ إنَّني قد سرَّحت الفكرَ في قوله ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»، فألفيته مشتملاً على إشارات بديعة تُومِئ إلى البعيد بالقريب، وتجود على المتأمِّلين بأوفى نصيب، وذلك أنَّ الحديث لم يأتِ لحصر وجوه الزَّيغ فيما ذكر، فإنَّه قد يحيد به عن الإسلام غيرُ أبويه، وقد يكون ذلك الزَّيغ إلى غير الأديان المذكورة، وقد لا يكون الميل عن فطرته الدِّينيَّة وإنَّما يكون عن عطيَّة نفسيَّة وهبة عقليَّة، كما قد يكون المحيد عن سبيل السُّنَّة إلى غيرها من سبل الباطلْ، وليس جِيدُ الحديث عمَّا ذكرنا بعاطلْ، وإنَّما خصَّ الوالدين بالذِّكر لكون تربيته على أيديهما في الغالب، وفيه إشارة إلى أنَّ فساد الأولاد من فساد المربِّين، فَرَمَزَ بالوالدين إلى كلِّ مرب، وخصَّ الأديان الثَّلاثةَ بالذّكر لشهرتها عند العرب، ورمز بها إلى كلِّ مِلَل الكفر، كما أشار بالزَّيغ عن الإسلام للكفر إلى كلِّ زيغ من حَسَنٍ إلى قبيح، إلاَّ أنَّ المذكور في الحديث هو أقبح أنواع الزَّيْغ، وأومأ على طريقة القياس الجليِّ إلى أنَّ المواهب النَّفسيَّة الَّتي هي منح إلهيَّة قد يقتلعها منشأ السُّوء، وبيانه أن يُقال: إذا كان الولد قد تميل به نشأة السُّوء عن فطرة التَّوحيد الَّتي هي ألصق به من ذراعه ورأسه فكيف بغيرها من سائر المواهب المفطور عليها، فكان في هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فكأنَّ الَّذي أوتي جوامعَ الكلم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ يقول لنا: كلُّ خير يولد عليه الإنسان أو وَصف حميد يكون عليه قد تذهب به نشأةُ السُّوء، فأحسنوا نشأته، ولنا مثلُ هذا في الأحاديث النَّبويَّة شيء كثير، ولا أدري ما قول السَّادة الفقهاء فيما ذكرته، غير أنِّي قد حاولت طرائقهم في اعتبار الإيماء والتَّلويح واقتناص المعاني، ولم يك هذا منِّي بالقول الْمُرَجَّم ولو فرغ لهذا رجل من أهل الشَّريعة لاستخرج له أصولاَ، وجعل له فصولا، وما أحوج هذه المعاني إلى جِهْبِذ يسلك فيها مسالك التَّأسيسْ.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|