سرطان الدم عند الأطفال.. أسبابه وأعراضه
يمثل ثلث حالات السرطان بالأطفال وهناك 4 أنواع رئيسية منه
د. ايمان حسين شريف
"طفلتي سميحة عمرها 5 سنوات، تنبض بالنشاط والحيوية ولديها شعر أسود طويل والبسمة لا تفارق شفتيها. فجأة ومن دون مقدمات أصبحت سميحة تتعب بسرعة كأنما ليست لديها طاقة، كما أن الحمى لم تفارقها مطلقا. تلاشت ابتسامها الجميلة لأنها كانت دائما متعبة، ثم بدأت تنزف من أنفها وقلقنا عليها، لم نكن نعرف ما ألم بها.
أخذناها إلى الطبيب، الذي نصحنا باصطحابها إلى المستشفى لأنها تحتاج إلى فحوصات كثيرة. في المستشفى، أخذوا دمها وقلبت نتائج التحاليل حياتنا رأسا علي عقب. قالوا إنها مصابة بسرطان الدم، ابنتنا الصغيرة بها سرطان الدم؟
فقدت صوابي من الصدمة، كيف حدث هذا ولماذا سميحة؟ وكم كان الأسى عندما تساقط شعرها الجميل وملاكي الصغيرة تبكي وتتألم عليه". أم سميحة حول مرض إبنتها. قد تعتري الوالدين العديد من المشاعر لدى سماع أن طفلهما مصاب بالسرطان.
فرد الفعل العام يكون مزيجا من الغضب والشعور بالذنب والحزن والخوف والارتباك. وتعتبر ردود الفعل هذه طبيعية، وذلك لأن السرطان هو أحد أكثر الأمراض المخيفة التي نخشاها كلنا بشكل هائل. وهناك وصمة اجتماعية مرتبطة بالمرض، كما أنها واحدة من أصعب الأمراض التي يمكن التعايش معها، وخصوصا أن الأسر تعيش في حالة هروب من الواقع وتنفي وجوده، بالإضافة إلى أن معظم الناس لا يعرفون كيفية التعامل معه.
تشخيص سرطان الدم يمكن أن يكون مدمرا للأسرة، لا سيما إذا كان الشخص المتضرر هو طفل.
أيمكننا أن نتخيل أنفسنا مصابين بالسرطان، ناهيك عن الشباب والأطفال الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة؟ وفي الواقع، فإن سرطان الدم يمثل ثلث حالات السرطان بالأطفال، وأصل كلمة سرطان الدم (leukaemia) كلمة يونانية تعني «الدم الأبيض».
وتعرف المنظمة البريطانية لبحوث أمراض السرطان، سرطان الدم بأنه مجموعة من الحالات الخبيثة التي تؤثر على نخاع العظام حيث يتم تكوين خلايا دم غير ناضجة.
ببساطة سرطان الدم هو سرطان خلايا الدم البيضاء.
تحدث في بريطانيا 400 حالة سرطان الدم سنويا، أما في أميركا فيعتبر سرطان الدم من أكثر أنواع سرطانات الأطفال شيوعا، ويمثل 25% من الحالات التي تؤثر على 2200 طفل كل عام.
وفي المملكة العربية السعودية أشار التقرير الذي أعدته وزارة الصحة السعودية عام 2003 إلى أن سرطان الدم في الأطفال يمثل 31.4% من الحالات أي 166 مريضا جديدا كل عام. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة 50% من سرطانات الطفولة هي سرطان الدم.
* ماذا يحدث عند الإصابة بسرطان الدم؟
* يتم إنتاج خلايا الدم في نخاع العظام، وهي الأنسجة الأسفنجية في وسط العظام. وينتج نخاع العظام كل خلايا الدم من الخلايا الحمراء والبيضاء والصفائح.
وهناك نوعان مختلفان من خلايا الدم البيضاء: خلايا متعلقة بالنخاع الشوكي والخلايا اللمفية، وتعمل هذه الخلايا معا لمكافحة العدوى بطرق مختلفة، كما هي عناصر حيوية في جهاز الجسم المناعي. يتم النمو والتطور الطبيعي للخلايا في نخاع العظام عبر مراقبة دقيقة لإنتاج عدد محدد من كل خلية لإبقاء الجسم في صحة جيدة. وعند الإصابة بسرطان الدم تكون عملية إنتاج خلايا الدم خارج نطاق السيطرة، إما لعدم تمكن الخلايا من النمو الطبيعي أو الإفراط في إنتاج خلايا غير ناضجة بلا ضابط، أو الاثنان معا.
فتملأ الخلايا غير الناضجة نخاع العظام وتمنع تطور الخلايا السليمة، مما يؤدى إلى ارتفاع عدد الخلايا البيضاء الفاسدة، ويؤدي هذا الارتباك إلى اضطرابات في تطور الخلايا الدموية الأخرى نظرا لتأثر نخاع العظام، وكما يقول المثل «ما زاد عن حده انقلب إلى ضده».
* ما هي أنواع سرطان الدم؟
* سرطان الدم يمكن تصنيفه باللمفاوي (Lymphoid) أو بابيضاض الدم (Myeloid) فاللمفاوي أو ابيضاض الدم يشير إلى تأثر أي نوع من خلايا الدم، وبإمكان المرض أن يكون حادا أو مزمنا:
• سرطان الدم اللمفاوي يحدث نتيجة لتأثر الخلايا اللمفية.
• سرطان ابيضاض الدم ويؤثر على الأنواع الأخرى من الخلايا البيضاء أو الحمراء أو الصفائح. ويتطور سرطان الدم الحاد بسرعة، وإذا لم تتم معالجته على الفور سوف يتطور بشكل سريع، في حين أن سرطان الدم المزمن بطيء التطور وبطيء التقدم حتى لو لم يتم علاجه.
* وهناك 4 أنواع رئيسية من سرطان الدم:
1. سرطان الخلايا اللمفية الحاد (Acute Lymphoblastic Leukaemia - ALL) ويمثل 80% من الحالات، الأكثر شيوعا بين سن 2 - 5 سنوات، ويصيب الأولاد أكثر من البنات.
2. ابيضاض الدم النقوي المزمن (Acute Myeloid Leukaemia - AML) الذي يعتبر مسؤولا عن معظم ما تبقى من الحالات.
3. سرطان الدم اللمفاوي المزمن (Chronic Lymphocytic Leukaemia - CLL) وهو نادر عند الأطفال.
4. ابيضاض الدم النقوي المزمن (Chronic Myeloid Leukaemia - CML) ويمثل أقل من 3% من سرطان الدم عند الأطفال. لكل نوع من أنواع سرطان الدم المختلفة خصائصه وطريقة علاج خاصة.
وتشير الدراسات إلى أن معظم إصابات سرطان الدم عند الأطفال هي من النوع الحاد. وتبين البحوث أن ما يقرب من نصف عدد الأطفال الذين يعانون من سرطان الدم تحت الخامسة، والإصابة أكثر شيوعا في الذكور بنسبة 10%.
* ما هي أسبابه؟
* سبب سرطان الدم الحقيقي غير معروف، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تزيد من احتمالات الإصابة، منها:
• الاضطرابات الجينية، فالأطفال الذين يعانون من مرض مثل متلازمة داون يكونون أكثر عرضة للإصابة.
• ليس هناك دليل على أن سرطان الدم مرض وراثي، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن هناك احتمال 10% أن يكون سرطان الدم اللمفاوي المزمن وراثيا.
• سرطان الدم ليس معديا، ولكن الأبحاث أظهرت أن بعض العدوى الفيروسية قد تكون بمثابة محفزات لهذا المرض، مثل خلايا سرطان الدم البشرية فيروس تي ( Human T cell leukaemia) الذي ينتشر في اليابان ومنطقة البحر الكاريبي.
• بعض المواد الكيميائية مثل البنزين تزيد من خطر الإصابة بالمرض.
• التعرض للإشعاع، وبخاصة الجرعات العالية من المؤكد أنها تزيد من خطر الإصابة بسرطان الدم.
• لا يوجد حتى الآن أي دليل على وجود صلة بين ارتفاع الإصابة بسرطان الدم عند الأطفال الذين يعيشون بالقرب من المجالات الكهرومغناطيسية، مثل خطوط الضغط العالي وخطوط الكهرباء وغيرها من المنشآت الكهربائية.
* ما هي العلامات والأعراض؟
* كما ذكر آنفا، عندما تتكاثر الخلايا غير الطبيعية في نخاع العظم ينخفض إنتاج الخلايا الطبيعية. بعض الأعراض والعلامات الشائعة تشمل ما يلي:
• زيادة التعب والإرهاق نتيجة لفقر الدم.
• النزيف أو ظهور الكدمات التي تستغرق وقتا أطول لتخثر الدم بسبب انخفاض الصفائح الدموية.
• زيادة حدوث الالتهابات المناعية، وضعف المناعة بسبب سوء أداء الخلايا.
• فقدان الشهية.
• آلام عامة.
• تضخم الغدد الليمفاوية في الرقبة، أو في الفخذ أو الأمكنة الأخرى.
• أحيانا قد تنتشر الخلايا السرطانية في المخ، فتسبب الصداع والتشنجات وغيرها من المشاكل العصبية.
* كيف يتم تشخيص سرطان الدم؟
* كوالدين، علينا أن نكون دائما في حالة يقظة، وملمين بصحة أطفالنا. فالتشخيص المبكر لسرطان الدم يساهم بشكل كبير ويؤثر على نتائج العلاج. لذلك إذا شعرت بأن طفلك مريض، لا تتردد في أخذه إلى الطبيب. تشخيص سرطان الدم عادة يتم من خلال فحص الدم، الذي قد يظهر وجود خلايا غير طبيعية، وانخفاض عدد خلايا الدم الطبيعية. ولتأكيد التشخيص تؤخذ عينة من نخاع العظام. ويمكن إجراء بعض التحاليل الأخرى مثل ثقب في أسفل الظهر والأشعة السينية للصدر للتأكد مما إذا كان هناك انتشار للخلايا السرطانية. وتعتمد التحاليل التي يتم إجراؤها على حالة الطفل الصحية وأعراضه.
* ما هو العلاج؟
* الهدف الرئيسي من العلاج هو القضاء على جميع خلايا سرطان الدم لكي يستطيع نخاع العظام أن يعمل بشكل صحيح. نوع العلاج يعتمد على نوع السرطان وتشخيص الخلايا المتضررة، فضلا عن عمر الطفل. وعلى الرغم من أن علاج سرطان الدم يتم عن طريق جرعات من العلاج الكيميائي فقد يكون مزيج الأدوية مختلفا. وعادة ما يعد الأطباء برنامجا مكثفا للعلاج الذي يتم في عدة مراحل. مرحلة التعريف (induction phase): وتشمل تقديم علاج مكثف لتدمير أكبر عدد ممكن من الخلايا السرطانية. وعادة ما تستمر هذه المرحلة من 4 - 6 أسابيع. وثمة اختبار لنخاع العظم في نهاية المرحلة للتأكد من عدم وجود الخلايا السرطانية. إذا لم تكن هناك خلايا واضحة، فإن وضع الطفل يعد في مرحلة الهجوع (remission).
مرحلة النقاهة - وتشمل هذه المرحلة إبقاء حالة الهجوع والحفاظ على عدم وجود الخلايا السرطانية، والوقاية من انتشار الخلايا في الدماغ والنخاع الشوكي.
هذه المرحلة يمكن أن تستمر لسنتين أو ثلاث سنوات، ويكون العلاج بأقراص يومية وحقن شهرية من العلاج الكيميائي.
لخطورة المرض وطول مدة العلاج لا بد من متابعة الطفل عن كثب لكي لا تحدث حالة انتكاس العلاج، فقد يتكرر ظهور الخلايا السرطانية. والعلاج الكيميائي لديه مضاعفاته لأنه يقتل الخلايا السرطانية ولا يستطيع فرزها من الخلايا الطبيعية النامية، لذلك يحدث تساقط الشعر وغيرها من الأعراض. ولكن عندما يتم العلاج ينمو الشعر مرة أخرى.
* ما يمكن أن يفعله الآباء؟
* تطور الطب العلاجي بصورة هائلة، فيتم الآن علاج 7 من كل 10 أطفال بنجاح، ولكن علينا أن نتذكر أن سرطان الطفولة ما زالت له آثار وخيمة على جميع أفراد الأسرة. فالتأثر النفسي، بالإضافة إلى الإجهاد الجسماني الذي قد يصيب الطفل قد يؤثر على كل أفراد الأسرة. مجرد التفكير في أن طفلك قد يموت هو كابوس لا يرغبه أي والد.
وطوال فترة العلاج، قد يبقى الطفل لفترات طويلة في المستشفى، وقد ينتكس، ويفقد الشعر، وكلها عوامل استنزاف عاطفي. مع ذلك من المهم تذكر أنه في هذا الوقت يحتاج طفلك إلى دعمك ويكون أكثر حساسية لحالتك ومزاجك ومشاعرك.
وبقدر ما ترغبين في البكاء والتعايش مع حقيقة مرض الطفل، فالتحديات قد لا تكون سهلة بالنسبة لك، وتذكري أن طفلك هو جزء هام من المرض، لا تعامليه كما لو أنه سيموت غدا، في عصرنا هذا سرطان الدم يمكن علاجه بسهولة، على الرغم من أن الطريق سيكون وعرا وطويلا جدا.
فلابد من تشجيع طفلك ومنحه الثقة والأمان، والشجاعة والقوة والرغبة في الحياة بصحة جيدة. صحيح أن طفلك مريض بسرطان الدم ولكنه على قيد الحياة وفي انتظارك، كوني سنده وأمله وعونه على مواجهة آلامه، فبعونك سيتغلب على مرضه ويعود كما كان يملأ حياتك بالفرحة والسرور
* 10 اقتراحات لمساعدة طفلك
1. حاولي معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذا المرض، وإذا كان طفلك قادرا على استيعاب حقيقة مرضه، اشرحي له طبيعة المرض وخطوات العلاج.
2. تحدثي مع الأخصائيين من ذوي الخبرة في الشؤون الاجتماعية والنفسية، لأنهم يمكن أن يقدموا المشورة لك ولأطفالك الأكبر سنا في التعامل مع هذا المرض.
3. تذكري أنك لست وحدك، فاطلبي الدعم من عائلتك وأصدقائك، وهذه هي أصعب الأوقات التي يمكن أن تواجه الوالدين، لذلك عليك أن تكوني قوية ليبقى طفلك قويا.
4. تجنبي الحماية الزائدة لطفلك أو تقييد أنشطته. اتبعي نصيحة الطبيب في الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها الطفل.
5. تأكدي من أن طفلك يأكل بشكل جيد، على الرغم من أن العلاج الكيميائي يسبب الغثيان والقيء، ولذلك حاولي جعل الأصناف التي يأكلها ممتعة له.
6. شجعي طفلك على تناول السوائل عن طريق عصائر الفواكه والمشروبات والمياه.
7. ساعدي طفلك على العناية بفمه. إذا لم يكن طفلك قادرا على تفريش أسنانه بشكل منتظم، امسحي الأسنان واللثة واللسان بقطعة مبللة بغسول الفم المخفف. النظافة الشخصية أمر هام لطفلك لأنه أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
8. إذا بدأ طفلك فقدان شعره، طمئنيه واجعليه يشعر بأنه ليس بالأمر السيئ، وسوف ينمو الشعر بعد العلاج.
9. امنحي طفلك الحب والحنان، فحنان الوالدين يمكن أن يكون معالجا قويا. 10. تأكدي من معرفة وفهم الأسرة والأصدقاء ما يحدث، قد يكون الأمر مخيفا ومزعجا لإخوته، لذلك اعملي على ترابط الكل للتغلب على المحنة التي تواجه الأسرة.