انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقى اللغة العربية > واحة أصحاب المواهب الأدبية

واحة أصحاب المواهب الأدبية إن كنتَ صاحبَ موهبة أدبية من شعر أو نثر أو كتابة قصصية فشاركنا بإنتاجاتك في هذا القسم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-12-2010, 10:09 PM
حسين ليشوري حسين ليشوري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




New حوار مع ذبابة عزيزة في دنياها ! (قصة ليست كالقصص). حسين ليشوري

 

حوارٌ مع ذبابةٍ عزيزةٍ في دُنْياها !
(قصةٌ ليستْ كالقصص).



كان من عادتي الجلوسُ إلى مكتبي بعد ظهر كل يوم خميس، أو جمعة، حيث أنتهز فترة قيلولة الأولاد لأكتب شيئا أو أقرأ كتابا.
جلست هذه المرة لأكتب، فكنت أتصيّد الخواطر التي كانت تجول في مخيلتي و تحلق فيها، رائحةً آتيةً، فأصطاد واحدة و تفلت مني أخرى، بل أُخر، و كنت أقضي الساعات الطوال و أنا في هذه المتعة التي قد لا تساويها متعة أخرى، إنها متعة التأمل في الخلق و التفكر فيهم.
و من مفارقات الأمور أنني أحيانا أفكر في أشياء و أتخيل لها صورا عجيبة و غريبة قد تبدو لا تتماشى مع جدية الموضوع الذي أكون أفكر فيه.
و بينما أنا جالس، و القلم بيميني، أفكر فيما سأكتب و إذا بذبابة تحط على حافة الدواة الموضوعة أمامي بعدما أعياها تجوالها في أرجاء البيت أو في أماكن أخرى الله وحده يعلم أين. نظرت إليها متأملا و كانت هي قد شرعت في طقوس حمامها، فركت يديها طويلا بعدما لثمتهما بخرطومها و مسحت بهما رأسها ثم دلكت جناحيها بقائمتيها الخلفيتين بكل إمعان لتزيدهما شفافية، و كررت العملية عدة مرات وهي لا تعبأ بي، كأنها لم ترني أو كأنها لا تعيرني كبير اهتمام، و استغرقت في حمامها و كأنها تقول في نفسها: " ساعة الحمام مقدسة عندي و لا شيء يحول بيني و حمامي !"
توقَفت عن وضوئها ثم مشت خطوات ثم طارت فتبعتها بنظري فرأيتها تحلق في الهواء مغنية راسمة مثلثات و دوائر لا تعدَ و لا تحصى، ثم عادت و حطت على المكتب على مسافة ذراع مني، أو أكثر قليلا، و أخذت مرة أخرى في وضوئها كأنها لم ترض عن الأول أو كأنها شكّت في تمامه.
قلت في نفسي: "يا لها من ذبابة نظيفة ! إنها مهتمة بنظافتها و أناقتها أكثر مما يهتم به بنو البشر رغم ذكائهم و ادعائهم، فهذه ذبابة حقيرة يستقذرها كل الناس و حتى الحيوان و ها هي ذي أحرص منهم على النظافة و الطهارة".
تابعتُ النظر إليها و قلت في نفسي: "لو كانت هذه الذبابة تسمع أو تعقل لكان لها شأن عظيم". و دفعني خيالي ككل مرة إلى متاهات لا ينبغي لي أن ألجها أو أن أتجاوزها و لكن ما عساني أن أفعل و هذا الخيال الجامح لا سلطان لي عليه فهو يذهب بي كل مذهب و ما علي سوى متابعته في خضوع تام ؟ فللخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم و أنا لا أقاوم خيالي، و هل أستطيع ؟ و لكنني أقوِّمه ما استطعت !
ثم لو فرضتُ أنها تسمع أو تعقل فسيكون الحديث معها في غاية الطرافة و المتعة.
قلت لها: "ما أحرصك على حمامك فأنت تؤدينه بكل إمعان و جدية و كأنني بك تتهيئين لمقابلة عزيز أو زيارة وزير !"
رفعت بصرها تجاهي و كأنها تتساءل كيف يحدثها إنسان و قد اعتادت مطاردته إياها في كل زمان و مكان. و بعد صمت كأنه صمت مُفكرأو فيلسوف، قالت: " إنني أستحم في كل يوم عدة مرات، بل في الساعة الواحدة مرات و مرات، و هذا دون أن يكون في نيتي زيارة أو استقبال، فنحن معشر الذباب نهتم بنظافتنا و أناقتنا رغم ما يشيعه الناس عنا أننا قذِرات نجِسات !"
قلتُ : " قد يكون فيما يقال عنكم بعض الصدق، فقد اعتدنا أن نراكم في أماكن لا ينبغي لأحد أن يزورها و أن يرتع فيها، فالمرء يقاس بمن يصاحب أو بالأماكن التي يرتادها".
توقفتْ عنْ دلك جناحيها و قالت: " لو كان هذا الحكم صحيحا و القياس مطردا فلماذا لا تتوددون إلي و تتملقونني ؟ ألم تروني في مكاتب الرؤساء و العظماء ؟ و إنني لأرتاد الأماكن الطيبة كثيرا، ألم تروني في المساجد و المكتبات ؟ و مع هذا فأنتم تستقذرونني دائما و تحقَرون قدري، و إنه ليوجد بينكم ناس هم أحط في القذارة و أرخص من القمامة و مع هذا فأنتم تتوددون إليهم و تتملقونهم لا لشيء إلا لكونهم مقربين من عظيم أو يشغلون منصبا ساميا و هم أرذل من....من.... الخنافس !" (اختارت الخنافس لأنها في نظرها أقذر من الذباب، يا للعنصرية الذَبابية !)
فقلت : " أو من الذَباب...!"
نظرت إلي نظرة حادَة و حركت جناحيها بعصبية في حركة مضطربة، فشعرتُ كأنها لو وجدت سبيلا إلى ضربي لضربتني بدون تردد و لكنها قدَرت موقفها فلم تجرؤ على ذلك فهي تعلم حتما أنها لو حاولت لسحقتها، كيف أسمح لذبابة حقيرة لتتطاول علي؟ هَهْ ! لم يبق إلا هذا !؟
أرسلتْ زفرة طويلة كلها حسرة و غيظ و قالت: " آهٍ منكم يا بشر ! إنكم تغمطونني حقي و تجحفون في الحكم علي، فأنتم تهونون الجميل و لو كان كثيرا و تهولون القبيح و لو كان يسيرا."
قلتُ لها و أنا أحاول تهدئتها بعدما لاحظت حدة لهجتها و اضطراب صوتها من الغيظ: " هوني عن نفسك، لقد اعتاد الناس ظلم بعضهم البعض فما بالك بمن هو دونهم شأنًا ... كالذباب مثلا ؟"
خطت خطوات قليلة ثم قفزت متحفزةً للطيران و لكنها عادت و دنت قريبا مني لتسُمعني ردها، كأنها تريد متابعة الحوار معي فإنها لفرصة سانحة أن تعرف رأي البشر فيها و تحاول الدفاع عن سمعتها مع أنها تدرك في قرارة نفسها أنها لن تفلح في مسعاها هذا، أما أنا فقلت سِرًّا و لم أرد إسماعها حتى لا تغترَ: " إنها لذبابة غيور على عرضها و هذه خصلة تكاد تزول عند البشر أنفسهم ثم هي، رغم حالها الشائن، عزيزة في دنياها !". و أحببتُ معاكستها لما لاحظت حدة مزاجها فقلت لها جهرًا: " إنني أسلم لك أنك فعلا تدخلين مكاتب الرؤساء و العظماء، بل أكثر من ذلك فإنك تحطين على أنوفهم و جباههم و رؤوسهم، فمن منا، نحن البشر، يستطيع فعل ذلك ؟ بل إننا لا نجرؤ حتى على الكلام معهم إن سنحت فرصة، فكيف إذا حاولنا لمسهم أو الدُّنُوَ منهم ؟ لكن و رغم ما لكِ من شرف القرب فإنك تبقين ذبابة على أية حال و في أي زمان أو مكان، و لا تجعل جرأتُك منك كائنا آخر غير ما أنت عليه، فأنت تأكلين ما قذُر و ترتعين فيما عفُن و سيبقى الناس يستقذرونك دائما و أبدا و لا يولونك قيمة رغم ما تدّعينه من مجالسة الكبراء !"
نظرت إلي شَزْراً و قالت بصوت مليء بالتّهكم: " إنكم معشر البشر لتأكلون أشياء تجمعونها و تحرصون عليها و إنها لو أمعنتم النظر فيها و محصَتم الفكر في شأنها أقذر بكثير مما نأكله نحن و لكنكم لا تعلمون !"
قلت بعد صمت : "إنكِ على حق، فإن بعض الناس، بل الكثير منهم، لا يهمهم مصدر المال الذي يجمعونه، و لا يعبؤون حتى بما يملؤون منه بطونهم من أين جاءهم، و كل ما يهمهم هو كيف يحصلون على المال و كيف يجدون مؤنهم فقط !"
و بينما أنا أحاور الذبابة و إذا بقائل يسألني: " مع من تتكلم يا رجل؟" و التفتُّ و إذا بزوجتي تنظر إلي بكل استغراب، لقد كانت منهمكة في غزل سُمَيْطٍ (napperon) بمغزلها الحديدي المعقوف الرأس (الكروشي) و كُبَة الخيط تضطرب عن يمينها كلما جذبت الخيط إليها، كانت أصابعها تعمل بسرعة و بكل حذق، لقد جلستْ على أريكة على مقربة مني منذ حين و لكنني كنت مستغرقا في تفكيري فنسيتُ أنها معي، نظرت إليها و قلت: " لا تراعي، أنا أفكر بصوت عال فقط" ثم قلت لها بعد صمت قصير و بعدما استجمعت شجاعتي :" أنا أكلم هذه الذبابة !"
رفعتْ بصرها عن غزلها فرأيت علامات الاستغراب و التعجب تتطاير من رأسها تطاير الشرر من التنور (الكانون)، فقلت لها قبل أن تنطق بكلمة: " لا تظني بي شيئا، فأنا لم أصب في عقلي، لكن ماذا أفعل ؟ هكذا نحن معشر الكُتَاب يذهب بنا الخيال في متاهات لا يمكنكم تقديرها".
هزت كتفيها و أطلقت زفرة طويلة بدون أن تقول كلمة و لكنني تصورت ما يجري في خلدها، لعلها تقول: "عجبا لهذا الرجل، يحدث ذبابة و أنا هنا أمامه و لا يكلمني؟ آه من هؤلاء الكُتّاب !"
عُدتُّ لأنظر إلى "ذبابتي" فلم أرها في مكانها، بحثت عنها بنظري، طبعا، على سطح المكتب و بين الأدوات المبعثرة فوقه، فلم أجدها فقد طارت حينما كنت أتكَلم مع زوجتي، رفعت بصري إلى الجو فلم أجدها لعلها استاءت من صحبتي أو ربما ضاق صدرها بمعاكستي إياها فلم ترغب في مواصلة الحديث معي...
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-12-2010, 10:59 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي

بارك الله فيكم
نرحب بكتاباتكم و إبداعاتكم .
جزاكم الله خيراً.
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-13-2010, 12:43 AM
طالب الفردوس طالب الفردوس غير متواجد حالياً
عضو ماسي
 




افتراضي

انها قصة مسلية جداً لكن اين باقي القصة
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-15-2010, 12:47 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي


جزاك الله خيراً
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-16-2010, 03:46 AM
سعيد عناني سعيد عناني غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

جزاك الله خيراً
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-24-2010, 04:59 PM
الإخلاص الإخلاص غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي


بالتوفيق إن شاء الله
جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
حوار، ذبابة، قصة.


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:37 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.