إنْ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُونستغفرهُ , ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيئَاتِأَعْمالِنَا, مَنْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلل فَلا هادي لهُ ،وأشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا الله وَحَدهُ لا شَرِيكَ له , وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداًعَبدُه وَرَسُولهُ , اللهم صلِّ وسَلِمْ وبَارِكْ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ , ومَنْتَبِعَهمْ بإحسان إلى يومِ الدينِ . أما بعد.. فإنَّ أصدقَالحديثِ كتابُ الله , وخيرَ الهديِّ هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم , وشَرَّالأمورِ مُحْدَثاتُهَا , وكُلَّ مُحدثةٍ بِدْعَة , وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة , وكُلَّ ضلالةٍ فِي النِّار .
مرحباً بكم أخواتي الفاضلات فى الله فى هذا اللقاء الطيب المبارك مع سورة الفاتحة
عناصر المحاضرة : معاني سورةُ الفاتحةِ . هدف السورة ,فضل سورة الفاتحة , محاور سورة الفاتحة:
سورة الفاتحة مكية وآياتها سبع بالاجماع وسميت الفاتحة لافتتاح الكتاب العزيز بها فهي اول القرآن ترتيبا لا تنزيلا. يقول ابن القيم رحمه الله للإنسانِ قوتان؛ قوةٌ علميةٌ نظريةٌ , وقوةٌ عمليةٌ إراديةٌ . ولا تتمُّ سعادةُ الإنسانِ فىالدنيا وفى الآخرة , إلا باستكمالِ هاتين القوتين , العلميةِ النظرية ِ , والعمليةِ الإراديةِ . والقوةُ العلميةُ النظريةتستكملُ بمعرفةِ النفسِ بفاطرِها وبارئها وخالقِها , وبمعرفة أسمائه وصفاته , وبمعرفة الطريق الموصلة إليه , وآفاتها , ومعرفة النفس وعيوبها . والقوةُ العملية الإرادية , تستكمل بقيام النفس بحق الله عز وجل عليها , إحساناً, وإتقاناً , وإخلاصا , ورؤيةالنفس أنَّ ما تقدمه لله تبارك وتعالى دون ما يجب لله عليها , وأن النفسبحاجةٍ دائما إلى ربها سبحانه وتعالى , ليثبتها على الطريق الموصلة إليه . فباستكمال هاتين القوتين , تتمسعادة الإنسان فى الدنيا وفى الآخرة . إذن نحتاج ويحتاج كل سالك لله عز وجل إلى تقوية الجانب العلمي المعرفي بالتعرف على الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا والتحقق بها ثم الجانب العملى بالمتابعة وتنفيذ أوامر الله عز وجل والإخلاص والإحسان فى العمل ومع كل هذا الإستعانة بالله عز وجل فلا منجى ولا موصل للطريق إلا الله عز وجل. وقد تضمنت سورة الفاتحة ,واحتوتعلى قصرها ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن من معاني القرآن العظيم ,واشتملت مقاصده الأساسية بالاجمال فهي تتناول أصول الدين وفروعه، العقيدة، العبادة، التشريع، الاعتقاد باليوم الآخر والايمان بصفات الله الحسنى وافراده بالعبادة والاستعانة والدعاء والتوجه اليه جلّ وعلا بطلب الهداية الى الدين الحق والصراط المستقيم والتضرع اليه بالتثبيت على الايمان ونهج سبيل الصالحين وتجنب طريق المغضوب عليهم والضآلين ,وفيها الاخبار عن قصص الامم السابقين والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه وغير ذلك من مقاصد وأهداف فهي كالأم بالنسبة لباقي السور الكريمة ولهذا تسمى بأم الكتاب. إذن اشتملت سورة الفاتحة على كل معاني القرآن. هدف السورة : الاشتمال على كل معانيواهداف القرآن الكريم. ف )الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِين(2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)مَالِكِ يَوْمِالدِّينِ( تعريفٌ للنفسبفاطرها وبارئها وخالقها , بأسمائه وصفاته . وإِيَّاكَ نَعْبُدُ , تعريفٌ للنفسِ بحقِّ الله تباركَوتعالى عليها . )اهْدِنَاالصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ( تعريفٌ للنفس بالطريق الموصلة إلى الله عزوجل , وأن النفس فى فقرٍ دائم ٍإلى الله تبارك وتعالى , ليهديَها الطريق الموصلةَإليه , ويثبتَها عليه . )غَيْرِالمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ( تعريفٌ للنفسِ بآفاتِ الطريقِ , التى يجبُ أن تحذرَها وهى فى سيرِها إلى الله تباركَ وتعالى . كما تضمنت هذه السورةَ ,( سورةَالفاتحةِ) , التوحيدَ بأنواعِه الثلاثةِ , كما تضمنت الإيمانَ بالنبوةِوالرسالةِ , والإيمانَ بالمبدأ والمعادِ , كما تضمنتْ التحذيرَ من أهلِالبدعِ والضلالِ على كثرة طرقهم ومِللهم . أما التوحيدُ , فتوحيدُ الربوبيةِداخلٌ فى قوله تعالى) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ(2 وأما توحيد الألوهيةِ , فداخلٌ فىقوله تعالى(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وأما توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ , فداخلٌ فيما اشتملتْ عليه السورةُ الكريمةُ من الأسماءِ الحسنى , والصفاتِ العلى , الله , الرب , الرحمن , الرحيم , مالك . هذة أنواعُ التوحيدِ الثلاثةِ . وأما المبدأُ والمعادُ , فهو داخل فى قوله تعالى)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4 وأما الإيمان بالنبوة والرسالة , فداخلٌ فى قوله تعالى)اهْدِنَا الصِّرَاطَالْمُسْتَقِيمَ (6 حيثُإنَّ الهدايةَ إنما تتمُّ أصلا وأساسا على يدِ الرُّسلِ والأنبياءِ , كما قال تعالىللنبي عليه الصلاةُ والسلامُ)إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌوَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(من الآية(7) الرعد ولهذة السورةِ الكريمةِ أسماءكثيرةٌ , وكثرةُ الأسماءِ تدلُّ على شرفِ المسمَّى . فهذه السورُ تُسمَّى : الفاتحة وأم الكتاب والشافية والوافية والكافية والأساس والحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم كما ورد في صحيح البخاري أن النبي قال لأبي سعيد بن المعلّى: (لأعلّمنّك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). قال القرطبي : سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن وعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هي أمّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني ,) وسميت سورة الحمد ، سميت بذلك لأنه ذكر في أولها لفظ الحمد, وسميت الصلاة .وهذا الاسم ثبت بالسنة .فقد قال e (قال تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ، فإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال حمدني عبدي) رواه مسلم .
وسمّيت "فاتحة الكتاب"، لأنها يُفتتح بكتابتها المصاحف، ويُقرأ بها في الصلوات، فهي فَواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة.وقيل: إنها أول سورة نزلت كاملة وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبعَ بأنهن مَثان، فلأنها تُثْنَى قراءتها في كل صلاة . وقد افتتح القرآن بها فهي مفتاح القرآن وتحوي كل كنوز القرآن. وسمّيت "أم القرآن"، لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخُّر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة.وقال العلماء: إنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد، والأحكام، والجزاء، وغير ذلك؛ ولذلك سمِّيت "أم القرآن"والمرجع للشيء يسمى "أُمّاً".. وقيل لها أمَّ القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرًا "أمًّا". فتقول للجلدة التي تجمع الدُّماغ: "أم الرأس" . وقد وصَّل بعضُهم أسماءهاإلى نيفٍ وعشرين اسما , عدد كلماتها خمسٌ وعشرون كلمة , وعدد حروفها مئةٌ وثلاثةعشر حرفا . ومعنى ذلك أنَّ من قرأسورةَ الفاتحةِ مرةً واحدةً , أُعطي َعليها بفضل الله عز وجل , ألفاً ومائةًوثلاثين حسنةً على المرة الواحدة . فانْظُرواْ كمْ مرةً تقرأُ الفاتحةَ فى اليومِ الواحدِ فى الصلواتِالمفروضةِ ! ويتضاعفُ هذا العددُلو أن العبد حافظْ على السننِ والرواتبِ , القبلية ,والبعديةِ , ويتضاعفُ أضعافاكثيرةً لو أن العبد صلَّى الضُّحى وقيامَ الليلِ , ويتضاعفُ هذا الأجرُ والثوابُ لوأنه اتخذ لنفسِه وِرْدا منَ القرآنِ يقرَؤهُ كلَّ يومٍ . وأما تأويل اسمها أنها "السَّبْعُ"، فإنها سبعُ آيات، لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك.وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات. فقال ُ أهل الكوفة: صارت سبع آيات ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ورُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين. وقال آخرون: هي سبع آيات، وليس منهن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ولكن السابعة " أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ". وذلك قول قَرَأةِ أهل المدينة ومُتْقنيهم. وهذه السورة لها مميزات تتميّز بها عن غيرها؛ منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين: فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب؛ والدليل حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وهذا النفي للصحة, ولا بد أن يقرأها كاملة مرتبة بآياتها, وكلماتها, وحروفها, وحركاتها, فلو قرأ ست آيات منها مثلاً لم تصح, ولو قرأ سبع آيات ولكنه أسقط الضالين لم تصح, وكذلك لو أسقط حرفاً لم تصح, كذلك إذا أخلف حركاتها وكان اللحن يحيل المعنى- أي يغيره- لم يصح ذلك كما لو فتح همزة (إهدِنَا)وقال "أهدنا", أما إذا كان لا يحيل المعنى فلا بأس بذلك. والفاتحة فيها إحدى عشر تشديدة, لو أخل بواحدة منها لم تصح, كتشديد الباء في قوله" رَبِّ العَالَميِنَ" لأن الحرف المشدد عن حرفين, فإذا ترك تشديدة أصبح بمثابة من أسقط حرفاً.
هذه السورةُ , سورةُ الفاتحةِ , فضلُها عظيمٌ .ففي الحديثِ : عن أبى سعيدٍ بنِالمعلَّى أنَّه قال : (دعاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأنا أصلِّي فلم أُجِبهُ , فلمَّا فرغتُ مِنْ صلاتي أَتيته , فقال : ما منعكَ أنْ تجيبني ؟ قال : قلت : يارسولَ اللهِ كنتُ فى الصلاةِ , قال : ألم يقل الله عز وجل)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ(منالآية(24) الأنفال ومعنى ذلك , أنه كان فى حياتِهعليه الصلاةُ والسلامُ , إجابةُ المصلي له إذا دعاه واجبة . إذا دَعى الرسولُ أحدامن أصحابه وهو يصلي , يتركُ الصلاةَ ويجيبه .والله تعالى أعلى واعلم . ثم قالَ النبيُّ عليه الصلاةُوالسلامُ لأبى سعيدٍ : لأعلمَنَّكّ سورةً , هى أعظمُ سورةٍ فى القرآنِ الكريمِ , قال : قبلَ أنْ تخرجَ منَ المسجدِ . قالَ وأخذَ بيدي نحوَ البابِ , فلمَّا أرادَ أنيخرجَ قلتُ : يا رسولَ اللهِ لقد قلتَ لأعلمنَّك سورةً هى أعظمُ سورةٍ فى القرآنِالكريمِ قال: نعم : ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (هى السبعُ المثاني , والقرآنُ العظيم الذى أوتيتُه . وقد وصفها الله تعالى بالصلاة. عن أبى هريرة رضي الله عنه , عنالنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (قال الله تعالى : قسمت الصلاة بينيوبين عبدي نصفين). والمرادبالصلاة هنا الفاتحة ,أطلق الصلاةعلى الفاتحة ؛ لأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ؛كما قال عليه الصلاةوالسلام . فأطلق الصلاة وأراد القراءة كما أطلق القراءة وأراد الصلاة فى قوله)وَقُرْآنَ الْفَجْرِإِنَّقُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(الإسراء78 فالمراد بالقراءة هنا : الصلاةفأطلق الصلاة على القراءة , وأطلق القراءة على الصلاة . (قسمتُالصلاة بيني وبين عبدي نصفين ؛فإذا قال العبدالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , قال الله تعالى : حمدني عبدي . فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , قال الله تعالى : أثنى عليَّ عبدي . فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ , قال : مجَّدني عبدي , أو قال : فوَّض إليَّعبدي فإذا قال : إِيَّاكَنَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ , قال الله : هذا بينيوبين عبدي , ولعبدي ما سأل . فإذا قال : اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ , قال الله تعالى : هذا لعبديولعبدي ما سأل ) . فسبحان الله العزيز الحكيم الذي قدّر كل شيء. وقد سئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لماذا يقف بعد كل آية من آيات سورة الفاتحة فأجاب لأستمتع برد ربي. وسورة الفاتحة تعلمنا كيف نتعامل مع الله فأولها ثناء على الله تعالى )الحمد لله رب العالمين( وآخرها دعاء لله بالهداية )إهدنا الصراط المستقيم( ولو قسمنا حروف سورة الفاتحة لوجدنا أن نصف عدد حروفها ثناء (63 حرف من الحمد لله الى اياك نستعين) ونصف عدد حروفها دعاء (63 حرف من (اهدنا الصراط) الى(ولا الضآلين) وكأنها اثبات للحديث القدسي (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين.... وفى الحديث أيضا , أنه بينما جبريلعند النبي صلى الله عليه وسلم , إذ سمع صوتا فوقه , فرفع جبريل بصره ثم قال : هذاباب من السماء فُتح لم يفتح قبل هذا اليوم . وهذا ملك نزل لم ينزل قبل هذا اليوم . فقال الملك : يا محمد أبشر بنورين قد أوتيتَهما ؛ فاتحة الكتاب , وخواتيم البقرةلا تقرأ بحرف منهما إلا أوتيتَه . ومن فضائلها : أنها رُقْيةٌوشِفاء , كما فى الحديثعن أبيسعيدٍ الخدريِّأنه قال :كنا في سفر , فمررناعلى قومٍ فلم يضيِّفونا . فأتتنا امرأة منهم فقالت : إن سيدَّنا سليم , (تعني مريض؛كانوا يطلقون السلامة والعافية على المريض من باب التفاؤل ) , إن سيدنا سليم قدلُدِغ ؛ ( يعنى عقرب لدغته) , فهل منكم من راقٍ ؟ فقام معها رجل منَّا ,ما كنا نظنأنه يُحسِنُ الرُّقية , فرقاهُ فشُفي كأنما نشِط من عقال , فجعل لناثلاثين شاةً وسقانا لبنا . فقلنا للرجل الذىرقاه : ماذا قرأت عليه ؟ قال : الحمد لله رب العالمين . فقلنا لا تُحدِثوا فى هذةالشياه شيئا حتى تسألوا رسول اللهصلَّى اللهعليه وسلم .. فقال : وما يدريك أنهارقية. ثم قال : اقتسموا واضربوا ليمعكم بسهم .فمن فضائل الفاتحة أنها رقية وشفاء . وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: " فاتِحَة الْكِتاب وأُمُّ القرآن، والسبعُ المثانى، والشفاءُ التام، والدواءُ النافع، والرُّقيةُ التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظةُ القوة، ودافعةُ الهم والغم والخوف والحزن، لمن عرف مقدارَها ،وأعطاها حقها، وأحسنَ تنزيلها على دائه، وعَرَفَ وجهَ الاستشفاء والتداوى بها، والسرَّ الذى لأجله كانت كذلك. ولا تجدُ باباً من أبواب المعارف الإلهية، وأعمالِ القلوب وأدويتها مِن عللها وأسقامها، إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحُه، وموضعُ الدلالة عليه، ولا منزلاً من منازل السائرين إلى ربِّ العالمين إلا وبدايتُه ونهايتُه فيها. هذا.. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاحُ لكنوز الجَنَّة، ولكن ليس كل واحد يُحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أنَّ طُلابَ الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحقَّقُوا بمعانيها، وركَّبوا لهذا المفتاح أسناناً، وأحسنُوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكُنوزِ من غير معاوِق، ولا ممانع. ولم نقل هذا مجازفةً ولا استعارةً؛، بل حقيقةً، ولكنْ لله تعالى حكمةٌ بالغة فى إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالَمين".* وقال ابن القيم أيضارحمه اللهولقد أقمتُ بمكة سنين , تعتريني الأمراضولا أجد طبيبا ولا دواءً , فكنت أعالج نفسي بقراءة الفاتحة , فأجد لذلك نفعا عظيما . وكنت أنصح به بعض الناس , فكان بعضهم يبرأ بإذن الله عزَّ وجلَّ . قال رحمه الله : لكن هذةالرُّقيةَ , وسائرَ الأذكار والأدعية حتى تحقق النتائج وتؤتى الثمار إنما تحتاج إلى قبول المحل لها , وقوة الفاعلالمؤثر . قوة الفاعل المؤثر : هو الراقي , أن يكون الراقي شديدالتوكل على الله ,حسن الظن بالله عز وجل , متعلقٌ قلبه بالله سبحانه وتعالى . وأنيكون المريض عنده حسن ظن بالله , وتفاؤل بأن الله سيجعل له فى هذه الرقية الشفاء . فإذا كان المحل صالحا للقبول , وكان الفاعل قويا مؤثرا , برئ المريض بإذن الله عز وجل . هذا ما جاء فى أسماء هذةالسورة وفضلها .
وإلى هنانكتفي بهذا القدر ,فما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه . نسأل الله العظيم ,رب العرش العظيم , أنيجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وجلاء أحزاننا , وذهاب همومناوغمومنا . اللهم ذكِّرنا منه ما نُسِّينا , وعلِّمنا منه ما جهلنا, وشفِّعه فينا, واجعله حجة لنا لا علينا, وارزقنا تلاوته آناء الليل , وأطراف النهار لعلك ترضى عنا . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين ,وصلى الله وسلم وبارك على نبينامحمد , وعلى آله وصحبه أجمعين سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لاإاله الا أنت نستغفرك ونتوب اليك