عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-23-2010, 03:58 AM
بنى وليد بنى وليد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

12 وقفة .. مع المحتفلين بيوم 12 ربيع الأول

حسن الحسيني


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، أما بعد: فهذه وقفات مع المحتفلين بميلاد خير البشر صلى الله عليه وآله وسلم، أسأل الله أن ينفع بها:



الوقفة الأولى:لقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم باتباع الشريعة الربانية، وعدم اتباع الهوى، قال تعالى: ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون )، فالعبادات كلها توقيفيّة، بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها، بل لا بد أن يكون المشرّع لها هو الله سبحانه وتعالى، ولذلك أمر الله نبيّه في أكثر من موضع باتباع الوحي: ( إن اتبع إلا ما يوحى إليّ )، وقد قرّر العلماء أنّ: العبادات مبنيةٌ على الاتباع لا الابتداع.

الوقفة الثانية: لقد امتنّ الله تعالى على عباده ببعثة الرّسول صلى الله عليه وسلم وليس بميلاده، قال تعالى: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ( آل عمران:164).

الوقفة الثالثة: السلف الصالح لم يكونوا يزيدون من الأعمال في يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأيام، ولو فعلوا لنقل إلينا ! ولا يخفى لأنهم أشدّ الناس حبًّا وتعظيمًا واتباعًا.

قال العلامة أبي عبد الله محمد الحفار المالكي: ( ألا ترى أنّ يوم الجمعة خير يومٍ طلعت عليه الشمس، وأفضل ما يفعل في اليوم الفاضل صومه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله، فدلّ هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إذا شرعت، وما لم يشرع لا يفعل، إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها... والخير كله في اتّباع السلف الصالح ) المعيار المعرب 7 / 99.

الوقفة الرابعة: انظر إلى فقه الفاروق عمر بن الخطاب حين أرَّخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه، ولم يؤرّخ بمولده ووفاته، أتدري لماذا ؟ تقديماً للحقائق والمعاني على الطقوس والأشكال والمباني!!

الوقفة الخامسة: إن أوّل من أحدث بدعة المولد: الخلفاء الفاطميون بالقرن الرابع للهجرة بالقاهرة، فقد ابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله سنة 524هـ بعد ما كاد الناس ينسونها.

فعلى هذا لم تعرف الأمة هذا المولد قبل هذه الدولة، فهل هي أهلٌ للاقتداء بها ؟ والغريب أنّه وصل بالبعض، تفضيل ليلة المولد النبوي على ليلة القدر !!

الوقفة السادسة:
اختلف المؤرخون وأهل السير في الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: ولد في شهر رمضان، والجمهور: على أنه ولد في ربيع الأول، ثم اختلف هؤلاء في تحديد تاريخ يوم مولده على أقوال:

فقيل: اليوم الثاني من ربيع الأول قاله ابن عبد البرّ، وقيل: اليوم الثامن، صححه ابن حزم، وهو اختيار أكثر أهل الحديث، وقيل: اليوم التاسع، وهذا ما رجّحه أبو الحسن الندوي، وزاهد الكوثري، وقيل: اليوم العاشر، اختاره الباقر، وقيل: اليوم الثاني عشر، نصّ عليه ابن إسحاق، وقيل: السابع عشر من ربيع الأول، وقيل: الثامن عشر من ربيع الأول..

وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على عدم حرص الصحابة على نقل تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم إلينا، فلو كان في ذلك اليوم عبادة، لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها خلاف، ولنقل إلينا مولده على وجه الدقّة.

قال الشيخ القرضاوي: ( إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من الناحية التاريخية: نجد أنّ الصحابة رضوان الله عليهم، لم يحتفلوا بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بذكرى إسراءه ومعراجه أو هجرته، بل الواقع أنهم لم يكونوا يبحثون عن تواريخ هذه الأشياء ! فهم اختلفوا في يوم مولد النبي صلى الله عليه و سلم، فإن اشتهر أنه الثاني عشر من ربيع الأول، لكن البعض يقول: لا، الأصح اليوم التاسع من ربيع الأول وليس يوم الثاني عشر، وذلك لأنه لا يترتب عليه عبادة أو عمل، ليس هنالك قيام في تلك الليلة ولا صيام في ذلك اليوم، فلذلك المعروف أنّ الصحابة والتابعين والقرون الأولى وهي خير قرون هذه الأمة لم تحتفل بهذه الذكريات ! بعد ذلك حدثت بعد عدة قرون بدأت هذه الأشياء.. ).

ولمراعاة هذا الخلاف، كان صاحب إربل يحتفل بالمولد، سنةً في ثامن شهر ربيع الأول، وسنة ً في ثاني عشرة ! ( انظر ابن خلكان 1 / 437 ).

الوقفة السابعة: إنّ التاريخ الذي ولد فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو بعينه التاريخ الذي توفي فيه !: ( يوم الاثنين 12 ربيع الأول )، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه، نبّه على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم ابن الحاج المالكي، والإمام الفاكهاني.

قال ابن الحاج المالكي: ( العجب العجيب: كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور كما تقدّم، لأجل مولده صلى الله عليه وسلم كما تقدّم في هذا الشهر الكريم ؟ وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عزّ وجل، وفجعت الأمة وأصيبت بمصابٍ عظيم، لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعيّن البكاء والحزن الكثير... فانظر في هذا الشهر الكريم ـ والحالة هذه ـ كيف يلعبون فيه ويرقصون ) المدخل 2 / 16.

الوقفة الثامنة: من الملاحظ أنّ انتشار الاحتفال بالمولد النبوي بين المسلمين، كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى، كما في الشام ومصر.. فالنصارى كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده، وميلاد أفراد أسرته، فكان ذلك سببًا في سرعة انتشار تلك البدعة بين المسلمين تقليدًا للنصارى.

حتى قال الحافظ السخاوي مؤيدًا الاحتفال بالمولد: ( وإذا كان أهل الصليب اتّخذوا ليلة مولد نبيّهم عيدًا أكبر، فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر ) !! وقد تعقّبه الملا علي القاري: ( قلت: ممّا يردّ عليه أنّا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب ) المورد الروي في المولد النبوي / 29.

الوقفة التاسعة: إنّ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا تتحقّق بالاحتفال بمولده، وإنّما تتحقّق بالعمل بسنّته، وتقديم قوله على كل قول، وعدم ردّ شيء من أحاديثه، ولنعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفالٍ بمولده، إذًا فليسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

والفرح بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يقتصر على يومٍ واحدٍ، بل بكل لحظة من لحظات حياة المسلم، بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، والخضوع لكل ما جاء به من عند الله تعالى، فلا تقف الفرحة أمام يومٍ واحدٍ، بل نجعل لنا من كل يومٍ جديدٍ، التزامًا أكثر بالسنة،، لنحوّل ضعفنا إلى قوةٍ، ونرسي في أنفسنا قواعدَ عقيدتنا، ومبادئ الإسلام العظيم.

الوقفة العاشرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله ) البخاري.

أكثر تلك الموالد فيها إطراءٌ ومبالغة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، والغريب أنّه حتى المؤيدين للموالد، قد أقرّوا بوجود الغلو الذي يصل إلى درجة الكفر !! خاصةً عندما تجرّأ البعض على تأليف كتب عن المولد النبوي، ثم وضع الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! تأييدًا لذلك يقول عبد الله الغماري ـ أحد كبار الصوفية المعاصرين ـ:

(.. وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات، وأصبحت عقيدةً راسخة في أذهان العامة، وأرجوا أن يوفّقني الله إلى تأليفٍ حول المولد النبوي، خالٍ من أمرين اثنين: الأحاديث المكذوبة، والسّجع المتكلّف المرذول... والمقصود أنّ الغلو في المدح مذمومٌ لقوله تعالى: " لا تغلوا في دينكم "، وأيضًا فإنّ مادح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمر لم يثبت عنه، يكون كاذبًا عليه، فيدخل في وعيد: " من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النار".

وليست الفضائل النبويّة مما يتساهل فيها برواية الضعيف ونحوه، لتعلقها بصاحب الشريعة ونبي الأمة، الذي حرّم الكذب عليه وجعله من الكبائر، حتى قال أبو محمّد الجويني والد إمام الحرمين بكفرِ الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا فما يوجد في كتب المولد النبوي وقصة المعراج من مبالغات وغلوٍ لا أساس له من الواقع: يجب أن تُحرق، لئلا يُحرق أصحابها وقارئوها في نار جهنّم، نسأل الله السلامة والعافية ) من نقده لبردة البوصيري ص 75.. وقد جرت العادة في الموالد أن تختم بالعبارات البدعية والتوسلات الشركيّة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الوقفة الحادية عشرة: ما يدور في الموالد من المفاسد، لا تخفى على مسلم، من أهمها:
أنّ المحتفلين بالمولد يرمون المخالفين ـ وللأسف ـ بعدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم !! متناسين بأنّ التعظيم والمحبة تكون بالاتباع لا الابتداع، وكذلك: ما يجري داخل الموالد من إطفاء الأنوار وهزّ الرؤس وتمايل الأكتاف و.. ناهيك عن الأذكار المكذوبة والقصص الموهومة، ويقول الشيخ علي محفوظ الأزهري: ( فيها إسراف وتبذير للأموال، وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة منه ولا خير فيه ) الإبداع / 324، والقواعد الشرعية تقضي بأنّ المباح ـ وهذا على فرض أنه مباح ـ إذا أدّى إلى محرّم: فإنّه يحرم من باب سدّ الذرائع، فكيف وهو يحوي على المنكرات !!

الوقفة الثانية عشرة: وقد أجمع المسلمون على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، لكنهم اختلفوا في حسنه وقبحه، فذهب البعض منهم إلى أنه بدعة حسنة: كابن حجر والسيوطي والسخاوي.. وغيرهم، نظرا للمصلحة التي ظنوا حصولها !!

لكن العلماء المحقّقين، المتقدّمين منهم والمتأخرين، أفتوا بحرمة الاحتفال بالمولد، عملاً بالأدلة الشرعية التي تحذّر من البدع في الدين، والأعياد والاحتفالات من أمور الشريعة، ووقفوا أمام فتح باب شر متيقّن لخيرٍ موهوم؟ ثم ما وعاء هذا الخير المزعوم، عملٌ لم يفعله الرسول ولا صحابته ولا التابعون لهم بإحسان قروناً طويلة!! علمًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يفرّق بين بدعة حسنة وأخرى سيئة، بل قال: ( كل بدعة ضلالة )!

قال الإمام مالك: ( من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة!! لأن الله يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم "، فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكون اليوم دينًا ) الاعتصام للشاطبي.

وفي الختام.. وختامًا أسأل الله أن يأذنَ لهذه الورقات بالقبول عنده، وأن يُنْتفع بها، فإن المُنية الانتفاعُ بها، وليس وراء القبول مُبْتغى، ولا سواه مُرْتَجى، فاللهم إن مفزعَنَا إليك لا إلى غيرك، فثبت أقدامنا على الحق، وبصَّرنا بأنفسنا، ولا تجعل من عملنا لأحدٍ سواك شيئاً، والله الهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


رد مع اقتباس