عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-20-2008, 10:43 AM
أمّ ليـنة أمّ ليـنة غير متواجد حالياً
« رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ »
 




Icon15 حــقيقــة المنهج

 

بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

رب يسر وأعن وتمم بخير يا كريم

حقيقة المنهج

قال الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].



وقال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة:137].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور،فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «اليهود والنصارى».



اخوتي.. إني أحبكم في الله



إن المتأمل لواقع حياة المسلمين في هذه الأيام ليجد ما يؤلمه ويفجعه، مما يسر العدو ويضر الحبيب..



فإنه يرى انفتاح ما كان يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في قوله عليه الصلاة والسلام: «أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»، ففتحت الدنيا وتنافس الناس، حتى صارت أكبر همهم ومبلغ علمهم.




وترى أيضًا انفتاح العالم بعضه على بعض، حتى صار العالم كما قيل كقرية صغيرة، فكان أن كثرت في ديار الإسلام الأخلاط، وداهمت الأعاجم العرب في عقر دارهم بالفضائيات، والبث المباشر، و "الإنترنت"، والمجلات، ودخل هؤلاء الغربيون بيوت المسلمين، يحملون معهم جراثيم المرض العقدي والسلوكي..



فدخل المسلمون جحر الضب، واستغرب أبناؤهم وتشبهوا بالكفار، وتخنث الرجال، وانتشرت الفواحش ما ظهر منها وما بطن.




وترى أيضًا من انفتاح تداعي الأمم كما قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق...».. فغزا الكفار المسلمين في عقر دارهم، وانتقصت أراضي المسلمين من أطرافها، واستذل المسلمون وقهروا، وانتهكت أعراض النساء، وصار هؤلاء الغربيون يهددون المسلمين جزءًا بعد جزء.



وترى غفلة أيضا، إذ سرت في مناهج التعليم أفكار وموضوعات ميعت الإسلام في نفوس أولادنا، ساهم في ذلك ضعف التأهيل العقدي للمدرسين والمدرسات والقائمين على العملية التعليمية..



وترى أيضًا مما يجرح الفؤاد ويحزن النفس من التفكك الأسري وغياب الدفء العاطفي من البيوت، وطغيان هم الدنيا على الأب والأم وتزلزل مُسَلَّمات الاعتقاد في أفئدة الشباب، وخلخلة ثوابت الدين في عقولهم.



وترى أيضًا من الطغيان المادي، والاستعلاء الشهواني في واقع المسلمين، وقيام عوامل الصد والصدود عن غرس العقيدة السلفية وتعاهدها في عقول أبناء الأمة.




وترى أيضًا من فُشو الأمية الدينية ما يجيب عن تساؤلك: أين الدين في حياة الشباب؟ وانفراط عقد المسلمين، وتمزق الأمة الكبيرة، وسقوط المسلم المسكين بلا ثمن بين أيدي أعدائه من ثعالب البشرية من الكافرين والماكرين والمنافقين، وانضوى تحت لواء فهمهم للحياة، فتشبه بهم في مأكله وفي ملبسه وفي مسكنه.




وترى أيضًا من انتشار الأزمة الفكرية الغثائية الحادة التي تملأ بلاد المسلمين في هذه الأيام،و التي فقد المسلمون بسببها التوازن في حياتهم، وتزلزل السند الاجتماعي للمسلم الذي هو وحدة العقيدة، وثار الدخن، وضعفت البصيرة حتى في أهل الخير وحملة المشاعل وأهل الدعوة، فصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخير الذي بعد الشر: «خير فيه دخن، قوم يهدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر».



وترى أيضًا تسلط أهل الأهواء والبدع على مقدرات الأمور في بلاد المسلمين، حتى وجدوا مجالاً فسيحاً شاغرا نثروا فيه بدعهم ونشروها..




فامتدت من المبتدعة الأعناق، وظهر الزيغ والنفاق، وعاثوا في الأرض الفساد، وتاجرت الأهواء بأقوام بعد أقوام، فكم سمعنا بالآلاف من المسلمين وبالبلد من ديار الإسلام يعتقدون طرقاً ونحلاً لا تمت إلى الإسلام بصلة!!..



وترى أيضا من أسباب كثيرة تمور بالمسلمين موراً، حتى كسرت حاجز الولاء والبراء بين المسلم والكافر، وبين السني والبدعي، فانكسر ما يسمى بالحاجز النفسي، فرضي المسلمون بالإهانة والمهانة، { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، فجعلوا كل همهم جمع حطام الدنيا ولو باعوا في سبيل ذلك دينهم. ونسوا .



ترى أيضًا من غياب رؤوس أهل العلم ودعاة أهل السنة المخلصين عن التواجد الحقيقي الواقعي الظاهر المؤثر، وقعودهم أحيانًا عن تبصير الأمة في الاعتقاد انشغالا بغيره، أو خوفا من أباطيل المرجفين..



إلى آخر ما هنالك من الويلات، التي يتقلب المسلمون في حرارتها، ويتجرعون مرارتها.. ولا تخفى على عاقل..



ولكن وللحق نقول..



لكي لا تكون الصورة قاتمة، والنظرة تشاؤمية..



فإن في الواقع بيوتا من بيوتات المسلمين في جميع أنحاء الأرض يصدق فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق»



فأهل الأهواء فيها مغمورون، مقموعون، وبدعهم مغمورة مقهورة، بل كثير منهم يؤوبون لرشدهم، ويعودون لمنهج أهل السنة، والحمد لله على توفيقه لمن شاء وخذلانه لمن شاء.



ولكن مع شديد الأسف؛ في هذه البيوتات نفسها - أحيانا - أسراب أخرى من المخادعين يحاولون اقتحام العقبة لكسر الحاجز النفسي للمؤمنين بين السنة والبدعة، وتكثيف الأمية الدينية في الشارع المسلم، إلى غير ذلك من ظواهر وأعراض وأمراض لا يخفى ظهور بصماتها في الساحة المعاصرة وأمام العين الباصرة.



والشأن هنا الذي نريد إيراده والتنبيه عليه تحذير المسلم من المد البدعي، واستشرائه بين المسلمين، لتخليص الدعوة الإسلامية من شوائب البدع والخرافات والأهواء والضلالات، وتثبيت قواعد الاعتقاد السلفي المتميز على ضوء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في نفوس جميع طبقات الأمة.



ولعل من أبرز معالم هذا التميز العقدي في الدعوة، بل تستطيع أن تقول إنه الوعاء الشامل لهذه الدعوة: المبالغة في الحفاوة بالسنة والاعتصام بها.




وأيضًا اتخاذ الأسباب الشرعية الواقعية لحفظ بيضة الإسلام عما يدنسها، لتبقى السنن صافية من الكدر، نقية من علائق الأهواء وشوائب البدع، جارية على منهاج النبوة وقفو الأثر.



ولكن.. كيف ذا..؟؟ تلك هي القضية..... لا يمكن أن يكون لنا ذلك إلا بــ



وضوح المنهج


أيها الإخوة.. إني أحبكم في الله..

عندما انطلقت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، انطلقت في وسط فوضى فكرية وأخلاقية طاغية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اطلع إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم..... فأرسلني»




في وسط هذه الفوضى.. جاء النبي صلى الله عليه وسلم، واستطاع بالدعوة إلى التوحيد في غضون سنوات قليلة أن يكنس مفاهيم الجاهلية، وأن يطهر الجزيرة من أخلاق الوثنية الدنسة، وأن يقيم دولة التوحيد..




والمدهش في الأمر هذه القوة والفعالية التي تميزت بها الدعوة بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بضع وعشرين سنة..




أقول: إن هذه الدعوة استمدت قوتها من المنهج الذي تحركت الدعوة من خلاله، فكانت حركة المنهج معجزة تتحدى القدرة البشرية في أقصى طاقاتها.. ولذلك أقول بيقين , وعن يقين: إن أعظم ما أصيب به المسلمون على مر تاريخهم.. ضياع المنهج، وإضاعة الرؤية المنهجية..



أيها الإخوة..



خذوا مني هذه الحقيقة: إن غموض معالم المنهج عند كثير من الدعاة والعاملين للإسلام فضلا عن شباب المسلمين والمدعوين أضاع الفاعلية، فلابد أيها الإخوة إذا أردنا إصلاحا لهذه الدعوة ولواقعنا الذي نعيشه من رؤية منهجية شاملة وواضحة تعتمد على تحديد المنهج..



فما هو المنهج؟؟؟




** أولا: المنهج في اللغة:

قال ابن فارس: النون والهاء والجيم أصلان متباينان: الأول: النهج، الطريق، ونهج الأمر: أوضحه.

ومن معاني المنهج ومشتقاته:

الوضوح: طريق نهج بين واضح، وهو النهج، والمنهاج: الطريق الواضح، واستنهج الطريق: صار نهجا.

سلوك الطريق: نهجت الطريق: سلكته، والنهج: الطريق المستقيم.





** المنهج في الكتاب والسنة:

ورد المنهج في القرآن في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48].

وفي السنة النبوية: جاء استخدام هذا المصطلح في حديث: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون.... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

بان لنا أن المعنى في اللغة هو نفس المعنى الشرعي المراد؛


معنى المنهج: الطريق الواضح المستقيم.




ونحن بحاجة فعلاً لاستكشاف معالم المنهج، وتحديد الثوابت الدعوية في مثل هذا العصر وظروفه من خلال هذا المنهج، وذلك للتخلص من التشاجر والتطاحن داخل صف أهل السنة الذي شتت الجهود وضيع الثمرة الفعلية للعمل.




إن كثيرا من الشباب يلتذ ويستمتع أن يكون حرا لا سلطان لأحد عليه، بل يسير على هواه؛ لا منهج يضبطه، ولا معلم يرشده، ولا موجه يدله، ولا متابع يؤدبه، ولا عالم يزجره، بل هو حر كما كان في جاهليته!!




ومن هنا ضاع المسلمون: صار كل مسلم جزيرة مستقلة بذاتها. وتتباعد الجزر وتتقارب على شرط: ألا تمسني ولا أمسك!!، حتى إذا جاء أحدهم ليضع قدمه في قدم الآخر تباعدت القدمان كتباعد القلوب.




إننا إذا قلنا إننا بحاجة حقيقة إلى صناعة الرجال، وإيجاد الأفراد الذين يحملون هذا الدين بعزم وجد ليحصل التمكين، فلابد لإيجاد هذا الفرد من ربطه بمنهج.




إن هذا المنهج -إخوتاه- هو المعجزة الحقة الذي سار به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكان المنهج يتحدى القدرة البشرية في أقصى طاقاتها وأبعد ما يمكن أن تحققه من إمكانيات، أو تأتي بما يقاربها باتساعها وعمقها وثباتها.



وعندما بدأت الأمة في الهبوط والانحدار نتيجة عزل هذا المنهج عن واقع الحركة وحل المشكلات، لم تفلح كل المحاولات التي بذلت لإعادة هذه الأمة إلى القمة التي أخذت تنحدر عن ذروتها.




إخوتاه..


إن قوة المسلمين لا تكمن في ضخامة العدد، فهؤلاء الذي زادوا عن المليار مسلم غثاء!!

ولا تكمن في وجود السلاح أو في قوة الطاقة بقدر ما ترجع إلى المنهج الذي يقود هذه الأمة.

نعم..

إننا بحاجة إلى منهج يهيمن على الحياة وعلى قلوب ناس يتفانون في سبيل نشره، يقودهم ويحدوهم. قال ربعي:

(إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد).




إننا نريد أن نرجع إلى المنهج الذي يتولى تربية هذه الطاقات وتهيئتها للمشاركة في عملية البناء، كما أن الإفادة من هذا المنهج ونقل فاعليته إلى مجال الواقع رهن بوجود الدعاة المخلصين المصطفين الأخيار..





أيها الإخوة..

إن المحيط الذي يتحرك فيه الدعاة اليوم بالغ التعقيد والتشابك، والمتربصون بالدعوة ورجالها لهم من التمكين في الأرض والشوكة فيها ما يذهل الخيال، لهم من الوسائل ما لم يتح مثله لأي جاهلية سابقة..




إننا نعيش في زمن قد أحيط بنا، وصارت الوسائل كلها والإمكانيات في أيدي هؤلاء العابثين الجاهلين، وهذا يعني بالضرورة أن الأعمال المرتجلة والتوجهات العشوائية لا تغني عن الدعوة بفتيل ولا قطمير..




إن الشباب لابد أن يرتفعوا إلى مستوى المنهج بهذه التحديات ..




فينضجوا أولا؛ لأن الله قال لهم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]

ثانيا: أن يحيطوا علما بواقعهم؛ فإن الله أعلمهم بموقعهم من الصراعات: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 2، 3]

ثالثا: أن يدركوا أبعاد المؤامرة على الإسلام وأهله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71]

رابعا: أن ينطلقوا من هذا الفهم العميق؛ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]

بماذا تظن أن محمدا صلى الله عليه وسلم ساد والصحابة الدنيا وحكموا العالم؟؟

إنه أنضج رجاله بالتربية والصبر كما ينضج الصيف بلهبه البطيء أطايب ثماره..

إن أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر:1]، بل كان: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ *قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} [المزمل:1-2]، ثم كانت: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1-2].

نعم..





لابد من التربية أولا على ضبط القلب على مقتضى رضا الرب و الصبر على ذلك، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].





لابد أن تنضجوا يا شباب.. ثم ترتفعوا إلى مستوى التحديات.. لابد من إمعان النظر، ومع كل هؤلاء الصبر..




إن التقدير الخاطئ و التهور و الاستعجال وما ينبني على ذلك من القرارات الخاطئة كان السبب الرئيسي - إن لم يكن السبب الوحيد - فيما أصاب الدعوة في الأيام الماضية من المحن والزلازل، وينبغي أن نتعظ بما سبق، ولا نلدغ من نفس الجحر مرتين.




وإنما كان سبب ذلك مخالفة المنهج..



ولعل الجميع الآن ينتظر كلاما ً طويلا ً وكبيرا ً وعميقا ً في المنهج..

ما هو المنهج؟... كلمات في المنهج... تنظير المنهج.... أسئلة حول المنهج.... دفاع عن المنهج..... تطوير المنهج...




وأقول أحبتي في الله



إن الموضوع لا يحتاج كل هذا، والأمر أبسط من كل هذا، القضية وبمنتهى البساطة والوضوح:




ـ((الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة)).. هذا هو المنهج





الكتاب: هو القرآن الكريم الذي بين دفتي المصحف...

السنة: ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير...

السلف: هم القرون الثلاثة الخيرية، الذين مدحهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكثر الخبث».




هذا هو المنهج، وهذه هي القضية، وانتهى الموضوع، دون لف أو دوران أو مواربة، وأيضا دون تعقيد أو تشتيت أو "منظرة"..

إننا أيها الإخوة بحاجة إلى اعتماد هذا المنهج في حياتنا، كل حياتنا:

أن يكون طلب العلم من الكتاب والسنة بفهم السلف..

أن تكون العبادة بالكتاب والسنة بفهم السلف..

أن تكون الدعوة للكتاب والسنة بفهم السلف..

أن تكون الحياة كلها بالكتاب والسنة بفهم السلف..





إننا نريد أن يتجدر ويتعمق ويتأصل هذا المنهج في حياتنا ككل، فتصبح جميع التصرفات والمواقف والاختيارات والترجيحات يحكمها هذا الأصل: فهم السلف..

فإذا قال قائل: هل تريد أن تقول إنه لاينبغي أن نعتقد أو نقول أو نعمل عملا يخالف هدي السلف؟

والإجابة: نعم، وبالتأكيد..

فإن قلت: ولم؟

قلت: أجيب عن سؤالك بسؤال:

ماذا تريد بالتزامك بالدين وطلبك للعلم وجهدك في الدعوة وسلوكك الطريق إلى الله؟




إن قلت: أريد رضا الله سبحانه وتعالى..

قلت: لا سبيل لذلك مطلقا إلا بهذا المنهج..

ليس لأنني أقول ذلك، ولكن لأن الله قال ذلك..






قال سبحانه وتعالى جل جلاله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة:100].

وقال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [البقرة:137].

فانحسمت القضية!




إن من يريد رضا الله لابد أن يحسن اتباع هؤلاء في الاعتقاد والقول والعمل والمنهج.





فإن سألت عن معالم هذا المنهج.. أقول لك:




أولا:



*** المنهج معصوم ***

نعم، معصوم بعصمة الكتاب والسنة..

قال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وقال سبحانه وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال سبحانه وتعالى عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتي على ضلالة».

فالمنهج معصوم بعصمة الكتاب لأنه ليس من بنات أفكار البشر، فليس المنهج السلفي فكرا بشريا تبناه شخص أو جماعة ووضعوا له معالم وحدودا؛ إنما هو آيات وأحاديث بفهم أناس زكاهم المعصوم صلى الله عليه وسلم.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة:100].

وقال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة:137].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل ضلالة في النار».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «اليهود والنصارى».




لذلك، كان من أصول هذا المنهج:







*** أن هذا المنهج لا يحكمه الأفراد؛ بل هو الحاكم على الكل ***

المنهج السلفي لا يعرف بالرجال، كما قيل: {الحق لا يعرف بالرجال، إنما يعرف الرجال بالحق}، ولذلك كانت الدعوة السلفية دائما ليست جماعة من الجماعات كما الجماعات العاملة على الساحة لها رأس وتنظيم وأفكار، ويوالى ويعادى من أجل اسمها، ولكن الدعوة السلفية الحقيقية منهج حياة يحكم كل تصرفات وأفكار البشر..

فكل من يعتنق هذا المنهج ويرتبط به لا يلزمه الارتباط بهيئة معينة أو شخصيات معينة أو جمعيات معينة، إنما ارتباطه بالمنهج ارتباط علمي عملي لا علاقة له بالأشخاص..

ولذلك كثيرا ما تسمع من مشايخ السلفيين أن: "فلان حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه"، وتسمع منهم: "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم"

فهم أتباع الأئمة الذين قالوا: " إذا صح الحديث فهو مذهبي "، و " إذا جاءك من قولي ما يخالف كتابا أو سنة فاضرب به عرض الحائط ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ولا يجوز التعصب لشخص ما تعصبا مطلقا فيطاع ويتبع بغير تقييد إلا شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز التعصب لجماعة ما تعصبا مطلقا، وتتم الموالاة والمعاداة على اتباعها إلا لجماعة الصحابة ".





الأصل الثالث :

*** أن هذا المنهج ثابت، لا يتلون، ولا يتغير ***

الشمول، والثبات، والواقعية، والإيجابية.. سمات عظيمة لهذا المنهج العظيم، فهذا المنهج لكونه معصوما ولكونه لا يحكمه الأفراد، فإنه لا يتغير بتغير الأفراد وتوالي الزمان وتبدل الأحوال.

قال صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي»

تأمل كلمة:(اليوم)، إشارة إلى ثبات هذا الحال، أن يكون الحال دوما كالحال يومها للمتبعين بإحسان.

لذلك صحت كلمتهم:

(لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
فكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف)..

وقالوا:

(ما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فلن يكون اليوم دينا)

فالثبات، والاستمرار، وعدم التلون.. من أصول هذا المنهج.

لما حضر حذيفة بن اليمان الموت جلس عبد الله بن مسعود عند رأسه وقال: أوصني..

قال حذيفة رضي الله عنه: ألم يأتك اليقين؟

قال عبد الله بن مسعود: بلى وعزة ربي..

قال حذيفة: فإياك والتلون؛ فإن دين الله واحد.






فأصحاب هذا المنهج :



لا تتلاعب بهم الأهواء، وإذا جاءت الفتن مرت بهم محتشمة وهم لها منكرون،
فلا يزيغون مع من زاغ، ولا يلتفتون مع أهل الزيغ والعناد، ولا ينافقون ابتغاء دنيا، ولا يداهنون لطلب شهوة، ولا تؤرقهم شبهة، ولا تفسد دينهم مهاترات..

هذه مواقفهم على مدار التاريخ تشهد لهم، أهل حق، صفحتهم أنصع بياضا من قلوبهم..



وختاما :

*** إياك والخلط في تحرير منهج السلف ***

لقد كان من منجزات الدعوة السلفية المعاصرة أن اتفق الرأي العام الإسلامي على قبول منهج السلف في الجملة، وصار من دلائل ذلك: أن أحداً لا يمكن أن يجرؤ على التصريح بأنه يرفض منهج السلف، وصار الوصف بالخروج عن منهج السلف تهمة لدى الجميع، يسعى إلى نفيها ولو كان متصفاً بها في الحقيقة.

وهي قضية إيجابية مهمة، لكن كثر الحديث الآن عن منهج السلف ووصف عمل من الأعمال بأنه على منهج السلف، ووصف آخر بأنه على خلاف منهج السلف، ولا شك أن السعي لتوضيح منهج السلف، والسير عليه، ودعوة الناس إليه قضية لا مجال للمناقشة فيها، بل النقاش فيها أمارة على الانحراف والزلل.



ولكن:

هل كل ما ادعي أنه منهج السلف هو منهج السلف فعلاً؟

وهل يحق لكل مدعٍ أن يتهم فلاناً من الناس بأنه على خلاف منهج السلف؟

إن هناك أخطاءً ترتكب في تحديد منهج السلف، ولذلك..




أحبكم في الله، والسلام عليكم ورحمة الله.






بقلم فضيلة الشيخ المُربي / محمد حسين يعقوب - حفظه الله
رد مع اقتباس