عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-17-2011, 05:45 AM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي كلام نفيس لـ"مهاجر" عن منهجية مواجهة التصريحات الجملية .

 

وهذه التصريحات الجملية ! محاولات استفزازية لحمل التيار الإسلامي على الوقوع في نفس الأخطاء السابقة التي تعطي الخصوم الذريعة لاستعداء السلطان عليه سواء أكان سلطان شرطة ، كما كانت الحال زمان المخلوع ، أم سلطان جيش كما هي الحال الآن ، فليس من المصلحة الشرعية الرد عليهم بالسب والشتم ، وإنما يحسن الصبر ، فذلك رسم زمان عدم التمكين ، فــ : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، و : (اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) ، فإن التمكين الكلي ، لم يتحقق ، فيحسن تأول آيات الصبر ، ويقبح تأول آيات الانتصار في زمان ليس للإسلام فيه شوكة أو دولة تزع بسلطانها أولئك المارقين ، وإنما تتأول في زمان العزة إن كان للإسلام دولة وإمام جامع ، فالمقام الآن : مقام دعوة برسم الجمال ، لا مقام انتصار برسم الجلال ، وإنما ينتصر منهم بإبطال مقالاتهم وبيان عوارهم ، كما نوه بذلك بعض الفضلاء ، مستدلا بقول جليل لإمام في الجدال والمناظرة مكين هو ابن حزم ، رحمه الله ، ومناظراته لقساوسة النصارى في الأندلس معروفة مشهورة ، فيقول رحمه الله :
"
ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين" . اهـ

فلكل معركة سلاحها فلمعارك العقول سلاح الحجة والبرهان ولمعارك الأبدان السيف والسنان .


والسباب لن يجدي شيئا بل ربما كان ذلك تصديقا لدعايتهم الباطلة ، وفعلهم عند النظر والتدبر ، من جنس فعل النصارى ، إذ يرومون استفزاز المسلمين بشتى الوسائل لإيقاعهم في الخطأ ، فإن العقل إذا أذهله الغضب لم يكن حكمه صحيحا ، فقد فسد التصور بالوارد المهيج لشهوة الانتقام في مقام يحسن فيه كبح الجماح ، لا جبنا أو مداهنة ، وإنما نظرا في عواقب الأمور ، فالمصلحة الشرعية ، كما تقدم ، قد تقتضي السكوت والتأجيل ، فذلك مقام الدعوة في زمن عدم التمكين ، كما أنها قد تقتضي الزجر فورا بيانا للحق وانتصارا له ، فذلك مقام الانتصار في زمن التمكين ، ولكل زمان ما يلائمه من الأحكام المشروعة ، فهي منظومة متكاملة تفي بحاجة كل زمان فتعم سائر أحواله سواء أكانت دولة النبوة قائمة أم غائبة ، كما هي الحال في زماننا .

والكلام يسير وتأويله عسير ، فالغضب قد يتملك الإنسان حال المواجهة مع أنه يظن أنه في مأمن من ردود الأفعال العنيفة لمجرد أنه لم يباشرها بنفسه ، فليس المباشر القريب الذي يعالج الحدث كالسامع البعيد الذي يرصده ويتأمله بلا أي ضغوط .


والدعوة تحتاج نوع ملاينة في العرض ، فلا يحسن القهر لظن تمكين عارض ، لا يعدو ، كما تقدم مرارا ، أن يكون تمكينا جزئيا لا يعلم ما بعده إلا الرب جل وعلا ، وقد ضرب بعض الفضلاء مثالا بتجربة حركة الشباب الإسلامي في الصومال ، فهي حركة تتبنى الإسلام فعلا وهي معظمة له صدقا ، ولا نزكيها على ربها جل وعلا ، ولكنها استعجلت كما استعجلت الحركات الإسلامية عندنا في مصر في الثمانينيات فرامت فرض الحق برسم القهر على عموم أهل البلاد ، حتى وصل الأمر إلى منعهم من مشاهدة مباريات كأس العالم الماضية ! وهذا صواب ففيها إهدار للأوقات ولكن الناس لم يعتادوا على ذلك ، وإنما يحسن في هذا المقام السير على منهاج عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، في التغيير ، فالحق إن جاء جملة ذهب جملة لا سيما إن كان برسم القهر والجبر ، فضج الناس في الصومال ، وخشيت دول الجوار التي بالغ الشباب في تهديدها واستفزازها وليس لهم بها طاقة فهي دول ذات جيوش نظامية مدربة ومدعومة من الغرب لا سيما أثيوبيا التي تقاضت نصف مليار دولار من إدارة بوش لتغزو الصومال أواخر 2006 ، فكان ما كان من سقوط آخر في مستنقع الفوضى فضلا عن عزوف الناس عن نصرتهم ، وهو الأخطر ، فقد حصل لهم نوع نفور لما لاقوه من شدة لم يعتادوها ولم يكن المقام مقام شدة بل كان مقام دعوة فلم تكن ثم دولة نبوة كاملة لها من المؤسسات ما يؤهلها للاحتساب العام .
رد مع اقتباس