عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 09-14-2008, 06:19 AM
ابو عبيد الله ابو عبيد الله غير متواجد حالياً
الفقير إلى ربه
 




افتراضي

قيام البخاري

هو شيخ الإسلام، العلم الهمام، صاحب الصحيح الذي سار بذكره الركبان، وعرف فضله كل قاص ودان، أمير المؤمنين في الحديث في زمانه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
وسيرته في العلم والعمل سيرة زكية، لنفس أبية، طمحت إلى العلم في ريعانها، واشتاقت إلى المعرفة في أولى خطواتها، فما لبث البخاري أن صار معروفاً مشهوراً، وهو بعد لم يتجاوز العشرين من عمره، ورحلته في طلب العلم مما ينبغي على المسلمين كباراً وصغاراً أن يتعلموها للعبرة والفكرة .
وثناء العلماء والأئمة على البخاري يحتاج إلى كلام كثير، ليس هذا محله، وإنما الشاهد كيف كانت عبادة هذا العالم الرباني الذي ألف كتابه الصحيح الجامع وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وتلقته الأمة بالقبول، واتفقت على تقديمه على سائر كتب سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟!.
تعجب حينما تسمع أن محمد بن إسماعيل البخاري صلى ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشر مرة، فلما قضى الصلاة قال : انظروا أيش آذاني.
وفي رواية أخرى : أنه صلى بالقوم الظهر، ثم قام يتطوع، فلما فرغ من صلاته ، رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه : انظر هل ترى تحت قميصي شيئاً ؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً، وقد تورم من ذلك جسده، فقالوا : كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك ؟ قال : كنت في سورة فأحببت أن أتمها .
وهذا والله من العجب إلا أن حب الصلاة والإقبال على الله والتلذذ بتلاوة القرآن تنسى صاحبها أي ألم، ولا يبقي إلا الخشوع ورؤية الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم : لما سأله جبريل عن الإحسان : قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
يقول سُلَيم بن مجاهد : ما رأيت بعيني منذ ستين سنةً أفقه ولا أورع ولا أزهد في الدنيا من محمد بن إسماعيل .
ويقول عنه وراقه محمد بن أبي حاتم : كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشر مرة إلى عشرين مرة ـ في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراُ بيده، ويسرج، ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها، ثم يضع رأسه، وكان يصلى في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت له : إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني ؟ قال : أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك .
هذه هي أخلاق الإمام البخاري رحمه الله الذي يقول : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.
يقول الذهبي تعليقاً على هذا : صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعِّفُه، فإنه أكثر ما يقول : منكر الحديث ، سكتوا عنه، فيه نظر ، ونحو هذا وقلَّ أن يقول: فلان كذاب أو كان يضع الحديث.
نعم هذه هي أخلاق الصلاة ... أخلاق قيام الليل ... هذا هو الأدب الذي تحلى به سلفنا رحمهم الله تعالى .
كان البخاري يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال ختمة.
وفي رمضان يختم كل يوم بالنهار ختمة، ويقوم بعد التراويح ويختم كل ثلاث ليال ختمة، وكان يقول : عند كل ختمة دعوة مستجابة.
كان البخاري رحمه الله يتمثل بهذه الأبيات:

اغتنم في الفراغ فضل ركـوع فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلته
عاش البخاري نحواً من اثنين وستين سنة، قضاها في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشر السنة، والذب عنها، والعمل بمقتضاها، وروى عنه كتابه الجامع الصحيح نحواً من سبعين ألف رجل وقيل تسعون ألف رجل .
رحم الله البخاري رحمة واسعة وأجزل له العطاء بما خدم به سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛؛؛

يتبع ان شاء ربى
رد مع اقتباس