عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 07-29-2008, 05:09 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

في سؤال طرح على الشيخ الألباني رحمه الله

{ ما المعنى الصحيح للفظة (في السماء)؟ السماء لها معانٍ في اللغة لا نتفلسف كثيراً بذكرها، لكن من هذه المعاني: السماء الدنيا الأولى، والثانية، و... إلخ، ومن هذه المعاني: العلو المطلق، كل ما علاك فهو سماء، فالسماء الأولى والثانية هذه أجرام مخلوقة، فإذا قلنا: الله في السماء، معناه حصرناه في مكان، وقد قلنا: إنه منزه عن المكان، إذاً: كيف نفهم؟ الجواب من الناحية العلمية: (في) في اللغة ظرفية، فإذا أبقيناها على بابها وقلنا: الله في السماء، وجب تفسير السماء بالعلو المطلق، أي: الله فوق المخلوقات كلها حيث لا مكان، بهذه الطريقة آمنا بما وصف الله عز وجل به نفسه بدون تشبيه وبدون تعطيل. فإن التشبيه أن أقول: كما أنا في هذا المكان، وحاشاه! والتعطيل أن نقول كما تقول المعطلة : الله ليس في السماء، وإذا كان ربك يقول: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] وأنت تقول: ليس في السماء، هذا هو الكفر. هذا معنى الآية فيما إذا تركنا (في) على بابها. أحياناً في اللغة العربية تقوم أحرف الجر بعضها مكان بعض، فـ (في) هنا ممكن أن تكون بمعنى (على)، فحينئذً: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: من على السماء، فتكون السماء في الآية بمعنى الأجرام التي خلقها ربنا تعالى، فهو عليها وفوقها، وليس في شيء منها؛ لأنه منزه عن المكان، هذه هي عقيدة السلف، ومن أجل ذلك نحن ندعو المسلمين إلى أن يرجعوا إلى عقيدة السلف وإلى منهج السلف حتى يستقيموا على الجادة، وحتى يصدق فيهم أنهم رجعوا إلى الوصفة الطبية النبوية، التي جعلها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصفة لخلاص المسلمين من الذل الذي ران ونزل عليهم (... حتى ترجعوا إلى دينكم)، فالرجوع الرجوع معشر المسلمين جميعاً إلى الله وإلى كتابه وإلى حديث نبيه وعلى منهج السلف الصالح! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}

و قد الرد الشيخ العلامة الأسير سليمان العلوان على من أراد تضعيف رواية {أين الله} كالسقاف الضال المبتدع

فقال الشيخ فرج الله كربه

· قال السقاف (108،تعليق رقم 24 على قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: ((أين الله)) ):
ولم يثبت، من أنه في((صحيح الإمام مسلم)) رحمه الله تعالى،وذلك لأنه ورد في غير((صحيح مسلم)) بأسانيد صحيحة؛ أنه قال لها: ((أتشهدين أن لا إله إلا الله؟))؛ فبين أن الاختلاف من تصرف الرواة الذين رووا الحديث، فصار لفظ: ((أين الله؟)): محل احتمال، وما طرأ فيه الاحتمال؛ سقط به الاستدلال...)).
· أقول: الجواب أن يقال:
إن قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: ((أين الله؟)): أمر مجمع عليه بين الأمة، ولم ينكره أحد من أهل العلم والدين، وقد تلقى الحديث أهل العلم والدين بالقبول، وقابلوه بالتسليم، حتى إن الإمام الذهبي رحمه الله قتال في كتابه ((العلو)) (ص 16)):
((فمن الأحاديث المتواترة الواردة في العلو حديث معاوية بن الحكم السلمي... (فذكر الحديث))).
وطعن من طعن فيه من أهل الأهواء في هذا العصر؛ كالكوثري، والغماري، والسقاف؛ مما لا يقام له وزن؛لأنه مبني على إنكار علو الله على خلقه، وقد اتفق المسلمون على أن الله فوق سماواته، مستو على عرشه، والقرآن مملوء بإثبات علو الله على خلقه.
قال تعالى: )وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ( [ الأنعام:18].
وقال تعالى عن فرعون:)يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ 36 أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا( [ غافر:36-37]، ولو لم يكن موسى يقول: إلهي في السماء؛ لما أمر فرعون ببناء الصرح للاطلاع على إله موسى، وكان فرعون يكذبه في ذلك .
وقال تعالى:)أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ 16 أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ( [ الملك: 16- 17].
وقال تعالى:)يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ( [ النحل:50].
وقال تعالى:)بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ( [النساء: 158].
وقال:)إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ( [فاطر: 10].
وقال:)يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ( [آل عمران:55].
وقال تعالى:)وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ( [ البقرة: 255[.
وقال:)وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ( [سبأ: 23].
وغي ذلك من الآيات الدالة على علو الله على خلقه.
وأما الأحاديث الدالة على علو الله على خلقه؛ فهي كثيرة، بلغت حد التواتر، وأجمع عليها المسلمون، شرق بها الجهمية والمعطلة وأشباههم من المنحرفين عن الكتاب والسنة المخالفين للفطر السليمة والعقول الصحيحة.
وفي((صحيح البخاري)) (8/ 67- فتح) و((مسلم)) (7/ 162- نووي) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحا ومساء...)).
وفي ((صحيح مسلم)) (10/ 403- فتح، باب)وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ()وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ() عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: ((كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات)).
وقصة معراج النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأدلة على إثبات علو الله على خلقه، والقصة مخرجة في ((الصحيحين)) وغيرهما من حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة.
وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله في((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص 47) في قصة المعراج: ((وهي متواترة...)).
وهذه الأدلة الدالة على إثبات علو الله على خلقه هي غيض من فيض.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: ((أين الله؟)): من أدلة إثبات علو الله على خلقه، وتضعيف من ضعفه من أهل الأهواء؛ يقال لهم: ((بيننا وبينكم الإسناد))، وقد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: ((بيننا وبين القوم القوائم))؛ يعني: الإسناد، رواه الإمام مسلم في مقدمة((صحيحة)) (1/88- نووي).
وبدراسة الحديث تظهر صحته، علما أن الحديث في((صحيح مسلم))، وقد تلقاه أهل العلم بالقبول، وقابلوه بالتسليم؛ إلا أحاديث يسيرة انتقدها بعض أئمة الحديث الذين لهم قدم صدق فيه.
قال الإمام مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) (5/20) ((حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة وتقاربا في لفظ الحديث؛ قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قال:...))الحديث وفيه قال: ((وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم؛ فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك علي. قلت: يا رسول الله ! أفلا أعتقها؟ قال:((ائتني بها)). فأتيته بها، فقال لها: ((أين الله؟)).قالت: في السماء.
قال: ((من أنا؟)). قالت: أنت رسول الله. قال: ((أعتقها؛ فإنها مؤمنة)).
ورواه: أحمد في ((مسنده)) (5/ 447)،وأبو داود في ((سننه)) (1/ 242، باب تشميت العاطس في الصلاة)، والنسائي (3/ 14-الكلام في الصلاة)، ومالك في ((الموطأ)) (4/ 84-شرح الزرقاني)، وابن الجارود في((المنتقى))(1/ 193)، وأبو عوانة (2/141)، وغير هم كثير؛من طريق يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، من عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم به.
ومالك رحمه الله رواه عن هلال، عن عطاء، عن عمر بن الحكم.
وصوابه: معاوية بن الحكم.
والحديث سنده على شرط الشيخين، ورواته كلهم ثقات.
وقد تتبعت كلام العلماء والمحدثين على هذا الحديث؛ فلم أر بينهم خلافا في صحته، ولم أجد أحدا تعرض له بتضعيف؛ فدل ذلك على أن الحديث مقبول عند جميع العلماء، حتى الذين حرفوا معناه وتلاعبوا بدلالاته لم يطعنوا في سنده.
فخرق إجماع أهل العلم الذين هم أهله الكوثري والغماري والسقاف، فشككوا في صحة الحديث، وأعلنوا على أنفسهم بالجهل وتحريف الكلم عن مواضعه.
وحديث معاوية بن الحكم لا ينافي ما رواه: أحمد في((مسنده)) (3/451)، ومالك في ((موطئه)) (4/ 85- الزرقاني)؛ من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن رجل من الأنصار؛ أنه جاء بأمة سوداء، وقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة؛ فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتشهدين أن لا إله إلا الله؟)).قالت: نعم. قال: ((أتشهدين أني رسول الله؟)). قالت: نعم.قال: ((أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟)). قالت: نعم. قال: ((أعتقها)).
فهذا الحديث صحيح، وحديث معاوية بن الحكم أصح منه، ولا تنافي بين الحديثين؛ فضلا عن أن يكون حديث الأنصاري معلا لحديث معاوية بن الحكم؛ فكلاهما ثابتان من جهة النقل، وإعلال حديث معاوية بن الحكم بحديث الأنصاري- خطأ محض؛ فإنه لا تنافي بين الحديثين حتى يعل أحدهما بالآخر؛ فتعدد القصة وارد.
ثم إن حديث معاوية بن الحكم أصح من حديث الأنصاري؛ فإعلال حديث الأنصاري- إن كان هناك علة- أولى من إعلال حديث معاوية بن الحكم!!
فإذا تبين صحة حديث معاوية؛ ففيه سؤال بـ ((أين الله))، والجهمية تنكر ذلك، وتخالف ما دل عليه الحديث الصحيح، وليس هناك جهل وإعراض فوق هذا!!
وقد قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله بعد ذكره لحديث معاوية وقول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: ((أين الله))؛ قال: ((ومن أجهل جهلاً وأسخف عقلاً وأضل سبيلاً ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله!! بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: ((أين الله؟))؟.
وقول السقاف: ((فصار لفظ ((أين الله)) محل احتمال، وما طرأ فيه الاحتمال؛ سقط به الاستدلال)): ليس بصحيح؛ لأن الاحتمال الوارد غير صحيح، وما كان كذلك؛ فطرحه متعين.
ثم إن القول بأن ما طرأ فيه الاحتمال سقط به الاستدلال: قول غير صحيح؛ فإن الاحتمال الضعيف لا يسقط الاستدلال بالحديث الصحيح، وإلا؛ لسقط الاستدلال بعشرات الأحاديث؛ لإيراد الاحتمالات البدعية التي يثيرها أهل البدع؛ فكل حديث لا يوافق عقائدهم الفاسدة يجلبون عليه بخيلهم ورجلهم.
وأما الاحتمال المبني على أدلة صحيحة؛ فأهل العلم والدين يجمعون بين النصوص قدر الإمكان إن كان ثم تعارض في الظاهر؛ لأن الجمع بين النصوص الصحيحة إن كانت في الظاهر متعارضة أمر متعين على القول الصحيح.

{إتحاف أهل الفضل}


رد مع اقتباس