عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-13-2010, 07:05 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

تابع
حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

زعموا أيضاً أنه يدعو إلى توحيد خاطئ من صنع نفسه! لا التوحيد الذين نادى به القرآن الكريم، فمن خضع له ولتوحيده، سلمت نفسه وأمواله، ومن أبى فهو كافر حربي، ودمه وماله هدر!! إلى غير ذلك مما يقوله الحاقدون على الشيخ ودعوته.
وهذا كله عين الكذب، ومحض الافتراء، وكتاباته كلها، ومؤلفاته جميعها تشهد بأن هذا الشيخ - رحمه الله - إمام من أئمة الدعوة إلى الكتاب والسنة؛ وأنه كان يدعو إلى الإسلام ولا شيء سوى الإسلام، ويشحذ همم تلاميذه لطلب العلم الصحيح، فيقول: " إن أشكل عليك شيء، فسفرك إلى المغرب في طلبه غير كثير" ، ثم يواسي تلاميذه بما ينقله عن الفضيل بن عياض رحمه الله، حيث يقول: "لاتستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين" .
والشيخ رحمه الله يقول: "عقيدتي وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين" . فأي الفريقين أسلم، وأي السبيلين أحكم؟!.
لقد واجه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حملة شعواء كهذه من قبل، ولكنه بين عقيدته في رسائل إلى أهل الآفاق تميط اللثام، وترفع اللبس والإشكال… فكتب "الحموية" لأهل حماة، و "التدمرية" لأهل تدمر، و "الواسطية" لأهل واسط، ورسائل أخر…
وقد نحا شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله المنحى ذاته في كشف اللبس وإزالة الغموض عن عقيدته، فكتب رسائل وألقى خطباً، وبثّ فتاوى تناقلها أهل الحق حتى عمت الآفاق، ولما كان الوقوف على أقواله وآرائه العقدية أمراً ذا بال عند كل طالب علم مخلص، ليدرأ بها الشبه، ويميز الحق من الباطل، وينفي الزغل عن عقيدة (مصلح مظلوم ومفترى عليه) فقد عقدتُ العزم على استخلاص الزبد، وجمع مسائل العقيدة في سفر مفرد، فطفقت أجمع تصانيف الشيخ ومؤلفاته، حتى طالت يدي اثني عشر مجلداً ضخماً جمع فيها أهل العلم النقاد الأفذاذ مؤلفات الشيخ كاملة ، فغصت في أعماقها، والتقطتُ من جواهرها ولآلئها ماقرت به عيناي، وسكنت له نفسي …
ثم جمعتها في هذا السفر على الإيجاز، ولم أورد شيئاً من أدلتها خوف الإطالة والتشعب، وعزوتها إلى مظانها في مؤلفات الشيخ المطبوعة، وصدرتها بعناوين فرعية تدنيها من النوال، واقتصرت على كلام الشيخ دون زيادة أو نقصان إلا فيما مست إليه الحاجة كاستعمال أدوات الربط بين الفقرات، وربما قدمتُ وأخرتُ أو رتبتُ وآلفتُ بينها.
وإني إذ أدفع به إلى المكتبة الإسلامية لأرجو أن يجد فيه طالب العلم ضالته، فيذكرني والشيخ بدعوة صالحة بظهر الغيب.

منقول من كلام
الدكتور أحمد بن عبدالكريم نجيب

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وبناء الدولة السعودية:
التزمت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بالأسلوب السلمي البعيد عن العنف، والمعتمد على الإقناع والتأثير الفكري فكان شعارها هو المبدأ الذي شرعه الله "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: من الآية125)، ولكن الزعامات المحلية والإقليمية رأت في الإصلاح تهديداً لنفوذها فواجهت ذلك الأسلوب السلمي للدعوة بأسلوب المطاردة والعنف والقتل، ولما كانت البلاد آنذاك لا تخضع لسلطة مركزية، وإنما كان لكل قبيلة شيخها ولكل قرية أميرها، ولأن الدعوة حوربت من معظم تلك الزعامات فقد أبرم الشيخ محمد بن عبد الوهاب عهداً مع أمير الدرعية محمد بن سعود على نشر مبادئ الدعوة وحماية دعاتها فتم بين الرجلين ما يُعرف تاريخياً باتفاق الدرعية عام 1744م والذي يُعد عند المؤرخين البداية الحقيقية لقيام الدولة السعودية الأولى، واستمر الشيخ بدعم من الأمير محمد بن سعود يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
استهدفت الدعوة إعادة تنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق، وكذلك إقامة العدل والنظام بين الناس، فهدف الدعوة إعادة الناس إلى الإسلام على ما كان عليه زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بتطبيق الإسلام عبادة وشريعة وأخلاقاً، وإقامة مجتمع إسلامي متكاتف تنظمه دولة إسلامية، وقد تمثلت في الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة (المملكة العربية السعودية).

بواعث قيام الدعوة الإصلاحية وأهدافها الكبرى:
قامت هذه الدعوة الإصلاحية في نجد في الوقت الذي كانت أحوج ما تكون إلى الإصلاح في جميع النواحي الدينية والدنيوية، لقد كان انتشار الخرافة، والإشراك بالله، والانحراف عن هدي الإسلام، وانتشار البدع، وسيطرة التقاليد والأعراف المنافية للحق، وكثرة لجوء الناس إلى الكهان والمشعوذين والسحرة والدجالين، وما نتج عن ذلك من تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية كل هذه كانت أسباباً ملحة استوجبت قيام الدعوة الإصلاحية لإعادة الناس إلى صفاء التوحيد وإخلاص العبادة لله رب العالمين، وهي القضية الكبرى في الإسلام وفي كل الأديان السماوية، وهي المهمة الأساسية التي ينهض بها المصلحون في الإسلام على تعاقب الأجيال.

فإذا استقام أمر التوحيد تبعه القيام بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضمان استمرار صلاح المجتمع وانتظام حياته وتحقيق التكافل والمحبة بين الناس تحقيقاً لأمر الله "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ" (آل عمران: من الآية110).
كان الناس في نجد قبل الدعوة يعيشون فوضى مطلقة في الدين والدنيا، فلم يكن لهم سلطة جامعة، ولم يكن يوجد عندهم قضاة ولا محاكم للفصل في الخصومات وإحقاق الحق، فتحقَّق بقيام الدعوة الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بمؤازرة الدولة السعودية نتائج عظيمة، فقد كان من أهدافها:
1- تحقيق الأمن والنظام: فقد كانت الفوضى هي السائدة في المناطق التي تعرف الآن باسم المملكة العربية السعودية، خصوصاً في نجد والمناطق الصحراوية، وكانت الضرورة تقتضي قيام دعوة إصلاحية وولاية شرعية تحفظ للناس أمنهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وتقوم بالعدل والقضاء بين الناس، وتقيم الحدود وتنشر العلم والخير وتدفع الشر والظلم، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أمر الله _تعالى_، فكانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإسلامية.
2- نشر العلم ومحاربة الجهل وإخراج الناس من حالة الخرافة وأسر الجهالات، فقد ظهرت الدعوة الإصلاحية وتأسَّست بها الدولة السعودية في عصر التخلف وشيوع الجهل والتقليد الأعمى وسيادة الأمية في أكثر مظاهر الحياة الفردية والجماعية، مما جعل قيام هذه الدعوة ضرورة.
3- تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة، فمن المعروف أن المسلمين أصيبوا بالفرقة والشتات والتنازع من جراء كثرة الأهواء والبدع والجهل والإعراض عن الدين، واتباع سبل الغواية والشهوات والشبهات، ونتج عن ذلك الكثير من الذل والهوان والفشل الذي حذر الله منه في قوله _تعالى_: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال: من الآية46)، فكان لا بد من إصلاح أحوال الأمة بالعقيدة والشرع المطهر الذي به تحصل الجماعة والاستقامة.
وفي الجملة فإن هذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي استدعت (بالضرورة) قيام دعوة إصلاحية شاملة تنهض بمهمة إعادة إحياء الإسلام، وتوطيد النظام في هذه الصحراء التي كانت مقطوعة عن مراكز العلم والحضارة، وتعمل هذه الدعوة على إصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع.
وكل هذه البواعث والأسباب لقيام الدعوة الإصلاحية لها ما يقتضيها من النواحي الشرعية والموضوعية والتاريخية المعقولة والعادلة، بل هي أسباب ملحة لقيامها، وحين قامت الدعوة استهدفت علاجها، فكانت النتائج والثمار قيمة وإيجابية ومحمودة.

الانتشار بالإقناع وليس بالإخضاع:
لقد سلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة في سبيل نشر الدعوة، حتى بعد قيام الدولة السعودية، عدة طرق ووسائل سلمية، منها: أسلوب (الوعظ والتدريس)، وأسلوب (الخطابة) لبيان مبادئ الدعوة، وأسلوب (الرسائل) المكتوبة بين علماء هذه الدعوة وبين أهل البلدان المختلفة داخل الجزيرة العربية وخارجها، وأسلوب (المناظرات) مع علماء تلك البلدان، وأسلوب (تأليف الكتب) التي تبحث في حقيقة الدعوة.
وعلى الرغم من المعوقات فقد تجمع للدعوة عوامل إيجابية ساهمت في نشوء الدعوة ليس في الجزيرة العربية فحسب بل خارجها في آسيا وأفريقيا، وكان قيام الدولة السعودية أكبر نجاح للدعوة ساهم إلى حد كبير في نشرها في بقية أجزاء الجزيرة العربية ثم في خارجها، وامتد تأثيرها من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً.
لقد كانت طبيعة مبادئ الدعوة أهم عوامل انتشارها، فهي مبادئ واضحة المعالم، سهلة الفهم، تناسب الفطرة السليمة، بعيدة عن التعقيدات والأمور الفلسفة، بل هي مبادئ مأخوذة من الكتاب والسنة، إنها دعوة إلى الإسلام الخالص من الشركيات والبدع والخرافات.
ولقد كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب استجابة طبيعية لتدهور أوضاع المسلمين بانتشار الشركيات والبدع والخرافات بين المسلمين، إضافة إلى ما صاحب ذلك من ضعف سياسي وتخلف اقتصادي، وتقهقر اجتماعي، كل ذلك هيأ قبولها والاستجابة لها في كثير من المناطق الإسلامية، فالمصلحون والدعاة الذين تبنوها وجدوا نفوساً مهيأة لتقبلها، وآذاناً مفتوحة، كما وجدوا في الناس من يساندهم ويقف بجانبهم.
ومن المعروف أن الأسلوب السلمي كان السمة الغالبة على أكثر الدعوات التي تأثرت بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وذلك التزاماً بأسلوب الدعوة القائم على منهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما جاء في القرآن الكريم، وقد سارت على هذا الأسلوب جميع الدعوات المتأثرة بها في آسيا وأفريقيا، فالصبغة العامة لهذه الدعوات هي اتباع الأسلوب السلمي في أكثر الأحوال، ولهذا وُجد لدعواتهم قبول في المناطق التي ظهرت فيها، حتى بعد أن صارت بدون سلطة سياسية، فحينما تغلبت جيوش الاستعمار على قوة أتباع الدعوة في الكثير من الأقطار الإسلامية المتأثرة بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يكن ذلك نهاية لدعوتهم، بل استمر انتشار تلك الدعوات سلمياً في تلك البلاد ونجحت في ذلك إلى حد كبير، وظهر ذلك عند أتباع الدعوة في إندونيسيا وفي الهند وفي الصين وفي تركستان الغربية، وكذا الحال في ليبيا وفي الجزائر وفي غرب أفريقيا وغيرها.

آثار انتشار الدعوة في العالم الإسلامي:
يدرك الباحث المنصف صفاء دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وصدقها، واعتمادها على أسلوب الإقناع، إذا عرف اتساع تأثيرها من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً على الرغم من أنها انطلقت من قرية صغيرة في عمق الصحراء في الجزيرة العربية، وهي قرية (الدرعية)، فمن هذه القرية التي كانت خاملة لا يعرفها سوى سكانها ومجاوريهم انطلق ذلك الشعاع الباهر، وتأسّست به دولة مترامية الأطراف، فكانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب أشبه بضوء غامر أشرق في جوف ليل حالك الظلام، والناس فيه نيام، فإذا به يوقظ النائمين في المجتمع الإسلامي كله، ففتح الناس أعينهم على هذه الدعوة المباركة، ووجدوا فيها ما هم بأمس الحاجة إليه لإعادتهم إلى صفاء الإسلام ويقظة العقل وتوقد الوجدان.
ويمكن القول: إنه كان لانتشار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في أرجاء العالم الإسلامي في القرنين الماضيين آثار متعددة دينية وسياسية وثقافية، والباحث المنصف لا يستطيع إغفال دور هذه الدعوة في تلك الأمور بعد أن ينظر في حال المجتمع الإسلامي قبل الدعوة ثم ينظر إليه بعد الدعوة فيتضح له أثر الدعوة في تلك المجالات الدينية والسياسية والثقافية.
فمن الناحية الدينية: كان لهذه الدعوة دور كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح والعقيدة الصحيحة بين المسلمين في المناطق التي دخلتها، فمنذ بزوغ شمس هذه الدعوة وهي تحاول بشتى الوسائل عودة المسلمين إلى أصول إسلامهم الصحيح؛ لأن هذا أساس هام لحياتهم حياة عزيزة كريمة، ومن الملاحظ أن أحوال ظهور هذه الدعوة في أي بلد إسلامي كانت متشابهة إلى حد بعيد من حيث انتشار الخرافات والبدع والشركيات واختلاطها مع أمور العقيدة الإسلامية الصحيحة.
كما لا يخفى أثر انتشار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على اليقظة الثقافية والفكرية في العالم الإسلامي، وذلك بالنشاط العلمي الذي برزت آثاره عن طريق ما يقع بين أنصار الدعوة وخصومها من مماحكات ومناقشات ومناظرات ومحاولة دعم كل فريق لأقواله بالدليل والبرهان، ولقد أحدث هذا نهضة علمية وثقافية عارمة بعد الجمود الفكري والتأخر العلمي اللذين مني بهما العالم الإسلامي مدة طويلة.

تنوع الاتجاهات الإسلامية:
تلتزم المملكة العربية السعودية بالإسلام، وتتبع المذهب الحنبلي وهو أحد المذاهب الفقهية الكبرى في الإسلام، فالإمام محمد بن عبد الوهاب ليس صاحب مذهب مستقل بل هو من أتباع الإمام أحمد بن حنبل، فالسعودية تتبع المذهب الحنبلي مثلما أن تركيا – مثلاً – تتبع المذهب الحنفي، ومثلما أن المملكة المغربية تتبع المذهب المالكي، واليمن تتبع المذهب الشافعي، وهذه الانتماءات محصورة بالفروع والمسائل الفقهية الاجتهادية، أما أصول العقيدة فواحدة.
إن الإسلام يعطي مساحة واسعة للتعددية داخل إطاره العام، وقد سمحت هذه المساحة الواسعة بتكوين مذاهب فقهية عديدة داخل الإسلام يعترف بعضها بمشروعية بعض ويستقي بعضها من بعض في زمالة حميمة تتبادل الاحترام كما تتبادل المعرفة، ولا يدعي أيٌّ منها أن قوله هو القول الفصل، وإنما كلٌّ منها بادعاء ا لعصمة لأي صاحب مذهب، وتؤمن كلها بأن اجتهاداتها معرَّضة للخطأ الذي هو من صميم الطبيعة البشرية، وهم بذلك يؤمنون بالإرشاد النبوي الكريم الذي يؤكد بأن كل الناس خطّاؤون، وبأن خير الخطائين التوابون، وبأن الإنسان مأجور بأجرين إذا أصاب، ومأجور بأجر واحد إذا اجتهد وأخطأ، وبأن الله يعفو عن الخطأ والنسيان وعما استُكره عليه الإنسان.
كما أن المسلمين يتحرّكون في فضاء واسع من القيم تتيح ا لعديد من الخيارات مما أدى إلى تنوع الاهتمامات وتفاوت الأولويات بين الاتجاهات الإسلامية، فاختلافاتها ناتجة عن الاختلاف في الترتيب، فما يراه هذا الفريق ذا أولوية قد يراه فريق آخر ليس كذلك، وإنما يرى أعمالاً أخرى أجدر بالاهتمام وأحق بالأولوية، فهم وإن اتفقوا على أهمية كل هذه القيم فإنهم يختلفون في مكانها من سُلَّم القيم، وأيها أكثر أهمية وفقاً للاختلاف في رؤية وتقييم الأوضاع والإمكانات، وهذا التفاوت في ترتيب الأولويات يسمح لفريق من المسلمين أن يركزوا الاهتمام على بعض الأولويات، بينما تكون مجموعات أخرى ذات اهتمامات مختلفة فتركَّز جهدها على مجالات لا يهتم بها الفريق الآخر، كما أن هذا الفضاء الرحب يعطي مجالاً آخر للتعددية في فهم النص الديني (قرآناً وسنة) ضمن أصول وضوابط دقيقة ومتقنة، ومن هنا نشأت مجموعات متنوعة الاهتمامات ومتفاوتة الأوليات.

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب: التقويم الجائر:
إن من السوء أن يوصف الشيء بعكس طبيعته، وأن يُقوّم نقيض حقيقته، وذلك ما حصل ويحصل الآن لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التي انتشرت في جزيرة العرب، وعم نفعها بلاد العالم الإسلامي، وانعكست آثارها على الأمن والسلام في المنطقة، وعلى الإنسانية خارجها.
لقد تأسست دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على مبادئ الإصلاح الديني والأخلاقي، في ضوء منهج الخالق الذي يعلم ما يصلح للخلق، فكان من ثمارها أن قضت على إرهاب الأفراد والقبائل، وأقامت بمؤازرة من السلطة السياسية السعودية نظاماً أقر السلم بدل الاقتتال، وأشاعت الوئام بعد الخصام، لقد كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بمبادئها وإجراءاتها نقلة حضارية هائلة أقامت من القبائل المتناحرة مجتمعاً متحضراً يسوده الإخاء والنظام.
لكن الذي يبدو في التراث الثقافي الغربي وما تقدمه وسائل الإعلام في الغرب لا يعكس حقيقة هذه الدعوة الإصلاحية، بل إنها من القضايا التي طالها التشويه المبني على معلومات خاطئة عن حقيقة هذه الدعوة، وهي معلومات تستقي مادتها من تراث المستشرقين المشوه لتاريخ الإسلام الحديث في الجزيرة العربية أو من وسائل الإعلام التي لا تكلف نفسها عناء البحث عن الحقيقة، والذي يظهر الآن أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في نظر الغرب، وبخاصة في الولايات المتحدة، ارتبطت ظلماً بالغلو والتطرف، فتنظيم القاعدة حسب زعم بعضهم من نتاج دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وعندما تحاكم إندونيسيا (أبو بكر باعشير) يقول عنه الغرب بلا دليل: إنه وهابي، وعندما تحاكم الحكومة اللبنانية جماعة (الظَّنِّية) بالقرب من طرابلس يصفهم الغرب بأنهم وهابيون، وكل تنظيم مسلح ينسب إلى دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وكل اتجاه إسلامي منظم يقولون: إنه متأثر بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهكذا.
ونريد أن نقول للغرب: إن قِلَّة من المسلمين هي التي تنتمي إلى اتجاهات تنظيمية، أما أكثر المسلمين فيلتزمون بالإسلام دون أي انتماء حزبي أو تنظيمي، وحتى التنظيمات فإن الكثير منها ذو اتجاهات دعوية محضة أو إغاثية خالصة، أما التنظيمات ذات النشاط السياسي المحض فهي قليلة بين المسلمين، فأكثر الاتجاهات الإسلامية تقتصر نشاطاتها على غرس التقوى الفردية ونشر الإخاء والمحبة ولا تهتم بتاتاً بالجوانب السياسية، وهناك اتجاهات ذات طابع مؤسسي، وأحياناً ذات طابع تنظيمي في العالم الإسلامي، ولم تكن هذه التنظيمات جديدة على حياة المسلمين ولا مستنكرة في العالم، وكثير من هذه المجموعات لها نشاط معلن منذ عقود طويلة في كثير من الدول الأوربية والولايات المتحدة، ولها سجل مشرف في احترام النظام والأخلاق.

(*) عن كتاب (خطاب إلى الغرب رؤية من السعودية)، ص112-ص134،
رد مع اقتباس