عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 09-29-2012, 02:52 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

16) فستذكرون ما أقول لكم
السلام عليكم ورحمة الله.



إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن على الإسلاميين الذين خاضوا اللعبة الديمقراطية أن يحددوا هدفهم من مسلكهم هذا بوضوح: هل هو تطبيق الشريعة أم إصلاحات جزئية؟




أما إن كان الهدف تطبيق الشريعة وأسلمة المجتمع فإنه ليس من سنة الله تعالى أن يأذن للمؤمنين بالوصول إلى هذا الهدف العظيم من خلال التنازلات والمشاركة في لعبة تجعل التشريع لغير الله تعالى. والله تعالى هو الذي قرر أنهم ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا))، وهم –كأسيادهم من اليهود والنصارى- لن يرضوا عن أحد حتى يتبع ملتهم. وقد مكروا مكر الليل والنهار وحبكوا دساتيرهم وقوانينهم وسدوا منافذها أمام من يحلم بأن يطبق الشريعة من خلالها...




• وقد كان من أكبر الأخطاء التي وقع فيها بعض الإسلاميين في أيامنا هذه الغفلةُ عن هذه الحقائق وتوهم أن الجاهلية تهادنهم إذا هادنوها والاغترار بوعود أعداء الشريعة الذين أوهموا الإسلاميين بإمكان الوصول إلى تطبيق الشريعة بالطرق الرسمية.


وأود هنا أن أذكر معنى كلام سيد قطب رحمه الله في ظلال قوله تعالى:
((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْلَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) ))




(هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية...إن النظام الجاهلي -بطبيعة تركيبه العضوي- لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله, إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب النظام الجاهلي, ولتوطيد جاهليته! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في التجمعات الجاهلية, والتميع في تشكيلاتها وأجهزتها هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية لهذه التجمعات، هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل هذه التجمعات أن يعمل لحسابها ولحساب منهجها وتصورها...لذلك يرفض المؤمنون أن ينخرطوا في الأنظمة الجاهلية...
وهنا يفصل الله بين المؤمنين والطغاة الذين يقفون في وجه الدعوة:
((فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين () ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)).
ولابد أن ندرك أن نصر الله للمؤمنين على الطغاة إنما يكون بعد تمايز المؤمنين ومفاصلتهم للطغاة على أساس العقيدة، ولا يكون هذا النصر أبدا والمؤمنون متميعون في النظام الجاهلي, عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته, غير منفصلين ولا متميزين عنه).




إذن كما قال الإمام مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل: (فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله). ولم يعز الله أول هذه الأمة بالتنازلات بل بالثبات والتضحيات.




لقد صدَّر الغرب الديمقراطية إلى العالم الإسلامي لا لتكون بديلا عن الديكتاتورية، بل لتكون بديلا عن الإسلام. لذا فهي ديمقراطية مشروطة بألا توصل الإسلاميين إلى الحكم، بل هذا هدفها! وقد صرح الساسة الأمريكان وأذنابهم بذلك مرارا، أن الديمقراطية ليست لأعداء الديمقراطية.
الديمقراطية لا توصل إسلاميا إلى الحكم، وإن أوصلته فبعد أن تنزع منه إسلاميته. كما تعرى صاحبنا الذي أراد إنقاذ الأيتام، وإن بقي في هذا الإسلامي بقايا هوية إسلامية فسينقلب عليه أرباب الديمقراطية ويكفرون بديمقراطيتهم كما كان أهل الجاهلية يصنعون الصنم من العجوة ثم يأكلونه إذا جاعوا.




ونذكر الإسلاميين البرلمانيين بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه العراقي وحسنه الألباني: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج نبوة)).
لاحظ...بعد الملك العاض لم يقل النبي أنه سيكون هناك إسلام ديمقراطي ثم خلافة على منهاج النبوة. هذا لن يكون. ستبقى الأمة ترزح تحت الملك العاض والحكم القهري إلى أن يشرِّف الله ثلة صافية المنهج بأن تعيدها خلافة على منهاج نبوة.




ليست الديمقراطية هي الطريق. وإن كان بعض الإسلاميين يستسهلها ويراها طريقا محفوفة بالورود قليلة التضحيات فيسلكها من أجل ذلك فهو كرجل أراد الوصول إلى قمة، لكنه رأى طريقها وعرة موحشة.
ورأى في المقابل طريقا ممهدة محفوفة بالورود فيها من يأنس بهم، لكن عيبها الوحيد أنها ليست مؤدية إلى القمة، بل عكس اتجاه القمة فما تزيده عن القمة إلا بعدا. فآثر صاحبنا أن يسلك هذه الطريق! وما الفائدة في السير سريعا وبسهولة إذا كان عكس الاتجاه المطلوب؟!




ونسأل الإسلاميين البرلمانيين: هل لديكم مثال واحد من التاريخ أتى فيه فقه التنازلات بدولة إسلامية وتحكيم الشريعة؟ استعرضوا التاريخ وأتونا بمثال واحد. وبعد هذا كله فالواقع يشهد وستتكشف الحقيقة أكثر فأكثر يوما بعد يوم، أنه لن تقوم للإسلام قائمة بطريق التنازلات والبرلمانات والدساتير الوضعية بل لن تزيد هذه الطريق المشروع الإسلامي إلا بعدا عن إقامة الدين.
((فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله)).
ستبدي لك الأيام ما كنت خافيا ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ


إذن، نقول للإسلاميين البرلمانيين: كونوا واضحين وصرحاء مع أنفسكم وقولوا: إنما هدفنا إجراء بعض الإصلاحات وتقليل المفاسد.
حينئذ نقول: العمل الإسلامي والمشروع الإسلامي أجل من أن يكون ترقيعيا ترميميا يرتق فتق النظام الجاهلي. ثم لو كانت إصلاحاتكم الجزئية هذه دون تقديم تنازلات عن ثوابت عقدية ودون المفاسد الخطيرة الكارثية التي نتجت عن تنازلاتكم، لقلنا لا بأس. أما أن تعملوا من داخل النظام الديمقراطي وتضفوا عليه الشرعية وليس من ثم إلا مكاسب ثانوية هزيلة، ويكون هذا كله باسم الإسلام، فهذا إسفاف بالإسلام وتهزيل لصورته.


الأنظمة الجاهلية هي كأبنية أسست على شفا جرف هارٍ، آيلةٍ للسقوط. دورنا نحن العاملين للإسلام أن نقول للشعوب: (هذه الأبنية آيلة للسقوط، اخرجوا منها، لا تشتركوا أيها الناس في العملية الديمقراطية). ليس دورنا أن ندخل في هذه الأبنية ونجري ترقيعات وإصلاحات جزئية ونسد الشقوق. فالبناء فاسد غير قابل للإصلاح. وترميماتنا هذه خداع للشعوب وتلبيس عليها وتضييع لوقتها في هذا البناء الذي سينهار. ولذلك فعندما ينهار ستزدرينا الشعوب وتلقي بنا في زوايا التاريخ المعتمة مع الهيكليات المهترئة التي سعينا إلى ترميمها.



أما لو حذرنا هذه الشعوب من هذا البناء وقلنا لها تعالي أيتها الشعوب فهذا البناء الجاهلي سينهار، تعالي لنبني بناء جديدا على أسس سليمة، فإنه بمجرد أن ينهار البناء الجاهلي سيصدقنا من كان يتشكك وينضم إلينا من كان يخالفنا ويثق بنا من كان سماعا لكذب أعدائنا ويزيد التفاف الشعوب حولنا. هذا دورنا، ليس دورنا أن نكون ورقة توت تستر عورات الهيكليات الجاهلية وتطيل بقاءها.


ختاما، فليتذكر الإسلاميون أنهم عندما أعلنوا هويةً إسلاميةً في عملهم السياسي المتعلق بحُكم الناس فإن ذلك يتضمن أن تكون أهدافهم هي أهداف الإسلام الذي يحملونه. فهل يرتضون للإسلام الذي أنزله الله نظام حياة شاملا يخضع الناس لسلطان الله فحسب أن يكون هذا الإسلام ترقيعيا ترميميا؟
خلاصة الحلقة: إن كان هدف الإسلاميين من التنازلات واللعبة الديمقراطية تطبيقَ الشريعة فهذا الهدف أجل من أن ينال بهذه الوسيلة، وإن كان الهدف ترقيعات جزئية فالإسلام أجل من أن يكون هذا هدفه.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس