عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 06-12-2008, 05:59 AM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

السؤال : أرجو من فضيلتكم التكرم بتفسير الآية 108 من سورة التوبة وهي "أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم..." ؟


الجواب : الضمير في "بنيانه" الأولى يعود على مسجد قباء الذي ابتناه النبي صلى الله عليه وسلم، وضمير "بنيانه" الثانية يعود على مسجد الضرار الذي أقامه المنافقون ليصدوا عن سبيل الله ، وهنا يقارن الله بين أهداف المسجدين ويفاضل بينهما بحسب مقاصد أهلها، تنزيلا للمخاطبين واستدراجا للجواب الواضح المعلوم بالضرورة، ولذا صورت الآية بالاستفهام التقريري، "أفمن أسس" أي لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى من الله أي على نية صالحة وإخلاص، ورضوان بأن كان موافقا لأمره فجمع في عمله بين الإخلاص والمتابعة، لا يستوي هذا ومن هؤلاء بنيانهم على شفا جرف هار، أي على حافة واد متهلهل متهدم آيل للسقوط والانهدام، ولكنه سقوط في قعر نار جهنم، جزاء وفاقا، ثم ختمت الآية بقوله سبحانه "والله لا يهدي القوم الظالمين" وهذا حكم عام يشمل كل من بنى مسجد ضرار في الإسلام ليضار به الدين وعباد الله المؤمنين، يقول الرازي : "ولا نرى في العالم مثلا أجدر مطابقة لأمر المنافقين من هذا المثال".
ولسيد قطب رحمه الله تحليل بديع للصورة التي حملتها الآية يقول: "لنقف نتطلع لحظة إلى بناء التقوى الراسخ المطمئن، ثم لنتطلع بعد إلى الجانب الآخر، لنشهد الحركة السريعة العنيفة في بناء الضرار، إنه قائم على شفا جرف هار، قائم على حافة جرف منهار، قائم على تربة مخلخلة مستعدة للانهيار، إننا نبصره اللحظة يتأرجح ويتزحلق وينزلق، إنه ينهار، إنه ينزلق إنه يهوي، إن الهوة تلتهمه، يا للهول، إنها نار جهنم "والله لا يهدي القوم الظالمين" الكافرين المشركين، الذي بنوا هذه البنية ليكيدوا بها هذا الدين.
إنه مشهد عجيب حافل بالحركة المثيرة ، ترسمه وتحركه بضع كلمات ، ذلك ليطمئن دعاة الحق على مصير دعوتهم، في مواجهة دعوات الكيد والكفر والنفاق، وليطمئن البناة على أساس من التقوى كلما واجهوا البناة على الكيد والضرار .


رد مع اقتباس