عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-22-2008, 10:57 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الكلمة الثانيةفي مشروعية تغطية الوجه
من أصول الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )رواه البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في رفعه ووقفه, قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء ) وهذا صحيح على الاحتمالين.لأن كلام العقلاء منزه عن العبث فلا يليق بابن عمر ـ على قول من يجعله موقوفا ـ أن يخاطب من لا تنتقب بمثل هذا. وأخطأ بعض الإخوان فاستدل بمفهوم مخالفة الحديث في زعمه على وجوب تغطية الوجه، وإنما مفهوم الحديث الدلالة على المشروعية لا الوجوب كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى.بل قال الشيخ أبو هشام الأنصاري في (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب/الحلقة الخامسة/مجلة الجامعة السلفية) نقلا عن كتاب الرد العلمي للمقدم : (إن النقاب كان قد صار من ألبسة النساء بحيث لم يكن يخرجن إلا به) وليس في الخبر أدنى إشارة إلى أن كل النساء كن يلبسنه. ومن الخطأ الظاهر قول الشيخ الصوفي عبد السلام ياسين مرشد, شيخ جماعة العدل والإحسان الصوفية المغربية في كتابه تنوير المؤمنات!(2/127) : ( ليس مفهوم هذا النهي إقرار لبسهما في غير الحج)!!؟وهذا تجاوز للحدود, ودليل على جهله بقواعد الشريعة وأصول الاستدلال.ولذلك لا ترى امرأة من الجماعة تغطي وجهها أبدا عملا بشريعة شيخهن !
ومما ينبغي التنبه له أنه ليس في الحديث نهي عن تغطية الوجه والكفين في الإحرام مطلقا، لأنه إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صورة خاصة من التغطية وهي ما كان بشيء مخيط مفصل على قدر الوجه والكفين، والقاعدة تقول :(نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ) لذلك قال أمثال ابن عقيل الحنبلي : ( وأما سترها بالكم وستر الوجه بالملاءة والثوب فلم ينه عنه البتة ) أي في الإحرام ( بدائع الفوائد لابن القيم 3/112.
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب :( النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه المَحْجِر ,فإذا كان على طرف الأنف فهو اللِّفام, وإذا كان على الفم فهو اللَّثام ) قلت : المحجر مستقر العينين في الرأس ، ومثله البرقع وهو : (بضم الباء الموحدة وسكون القاف وفتحها خريقة تثقب للعينين تلبسها نساء العرب على وجوههن ) كذا في البحر الرائق .
وقال الحافظ في الفتح (4/53/دار المعرفة): (والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر)
وقد كانت أمهات المؤمنين معروفات بذلك كما في قصة الإفك مثلا ولم يكن ذلك خاصا بهن فقد روى الحاكم عن أسماء بنت أبي بكر قالت: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال ) أي في الإحرام قال الألباني : ( على شرط مسلم ) وضعفه بعضهم بيزيد بن أبي زياد! وروى مالك ـ وبوب له ابن خزيمة في الصحيح بقوله : (باب إباحة تغطية المحرمة وجهها من الرجال) ـ عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت : ( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ) تقصد جدتها .
ـ وروى البيهقي في الدلائل (3157 ) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرنا أبو جعفر البغدادي قال : حدثنا أبو علاثة محمد بن عمر بن خالد قال : حدثنا أبي قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا أبو الأسود ، عن عروة في ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم قال: (وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد، وأقبل مكروبا حزينا فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له فدخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة)
وأبو علاثة هذا لم يعرفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة عند تخريج الحديث رقم (3314) وأبوه لم أعرفه,وابن لهيعة معروف أمره,وليس من يروي عنه ممن روى عنه قبل تغيره.والخبر مرسل.
ـ ومن الأدلة على ذلك أيضا ما رواه مسلم (2174) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال : يا فلان هذه زوجتي فلانة ( وفي رواية في الصحيحين أنها صفية بنت حيي رضي الله عنها) فقال يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم
ووجه الاستدلال به، أنه من المعروف أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يغطين وجوههن وجوبا، ومنهن صفية رضي الله عنها، فلو كانت النساء الأخريات غير أمهات المؤمنين لا يغطي بعضهن وجوههن، لكان استدل الرجل على أن التي كانت تقف مع النبي صلى الله عليه وسلم هي زوجة من زوجاته بدليل تغطية وجهها!! فتأمل.
ولعل قائلا يقول : ( قد كانت المساجد معتمة ليس بها سراج ولم يعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم أنها زوجه صفية لأنها تغطي وجهها بل لأنهما بليل فلم يرها أصحابه).واستدل برواية عند البخاري وفيها : (فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت تنقلب)
والجواب أنه قد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب والحافظ في الإصابة في ترجمة سراج مولى تميم الداري أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرج بسعف النخل ثم أوقدت فيه القناديل بالزيت , وكان أول من فعل ذلك تميم الداري على يد بعض غلمانه كما ورد عند ابن ماجه وضعفه شيخ شيخنا الألباني في ضعيف ابن ماجه
.وذكر القرطبي شيئا من ذلك أيضا مسندا ورده الشيخ الألباني في الثمر المستطاب, وهنالك أيضا اختار الشيخ الألباني بأن المساجد لم تكن تسرج بالقناديل لا على سبيل الجزم,معللا اختياره بأنه لم يصح في ذلك شيء, وأحال على مبحث طريف في ذلك في التراتيب الإدارية لشيخ شيخنا عبد الحي الكتاني.واستشهد بحديث : والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ..
صحيح أن كل ما ذكر من الأحاديث والآثار الصريحة ضعيف لكن ...
لكن روى الإمام أحمد(2/377) وإسناده صحيح وهو في طبعة دار الحديث برقم ( 8889 ) بتحقيق حمزة أحمد الزين عن أبي هريرة قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد لصلاة العشاء الآخرة فإذا هم عزين متفرقون فغضب غضبا ما رأيته غضب غضبا قط أشد منه ثم قال لو أن رجلا نادى الناس إلى عرق أو مرماتين لأتوه لذلك وهم يتخلفون عن الصلاة لقد هممت ان آمر رجلا فليصل بالناس ثم اتبع أهل هذه الدور التي يتخلف أهلها عن هذه الصلاة فاضرمها عليهم بالنيران .
فكيف رأى أبو هريرة الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم إن كان المسجد مظلما ليس في نور مطلقا.
وأيضا , فقد روى البخاري(5531) ومسلم( 640) وهذا لفظه: عن ثابت أنهم سألوا أنسا عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة إلى شطر الليل أو كاد يذهب شطر الليل ثم جاء فقال إن الناس قد صلوا وناموا وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة قال أنس كأني أنظر إلى وبيص خاتمه من فضة ورفع إصبعه اليسرى بالخنصر ولفظ البخاري : قال أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه قال: إن الناس قد صلوا وناموا وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها
وفي رواية عند النسائي(5202) : إلى بياض خاتمه.
وفي رواية عند البخاري(546)قال : وزاد بن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني حميد سمع أنسا (كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ).
ووصله ابن حجر في تغليق التعليق.
فكيف أمكن لأنس أن يرى وبيص خاتمه ويميز نوعيته وبياضه في ظلام دامس تلك الليلة وتأملوا رواية البخاري (ليلتئذ) وهي صحيحة بلا شك.
بل إن في بعض روايات قصة صفية ما يدل على شيء من ذلك , ففي رواية عند البخاري )1934/دار ابن كثير( :مشى معها فأبصره رجل من الأنصار)
والإبصار لا يقال إلا في الرؤية الواضحة كما قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة وعبارته :(وأصل ذلك كله وضح الشيء).ومنه قوله تعالى (وجعلنا آية النهار مبصرة),أي مضيئة .
أما ما أشار إليه الشيخ الألباني من أنه لم تكن القناديل معروفة عندهم, ففي حديث عائشة إشارة إلى أنها اتخذت بعد ذلك كما قال ابن بطال في شرح البخاري, ويؤكد هذا ما صح عنه صلى الله عليه وسلم عند البخاري من حديث جابر مرفوعا : (أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب ولو بعود تعرضه عليه) .
وأضيف مستشهدا لا مستدلا أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في البخاري أنه اعتكف في آخر مرة عشرين يوما, أي أنه اعتكف وأدرك البدر ذلك الشهر , واحتمال أن تكون القصة وقعت في ليلة مقمرة لا يبعد.خصوصا والقصة وقعت عند باب المسجد.
ومن الأدلة على أن تغطية الوجه كان أمرا معروفا عند نساء السلف ما رواه الإمام أحمد ( 4/244) عن المغيرة بن شعبة قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها فقال: (اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما). قال: فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكأنهما كرها ذلك. قال: فسمعت ذلك المرأة،وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أنشدك. كأنها عظمت ذلك عليه، قال: فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها) ووجه الاستدلال به أنه لو لم تكن هذه المرأة تخرج مغطية وجهها لما احتاج إلى أن يستأذنها وأباها للنظر إلى وجهها في بيتها ولكان اكتفى بالنظر إلى وجهها حين خروجها من بيتها والله أعلم. لذلك قال أبو جعفر الطحاوي في هذا الحديث وأمثاله في كتابه شرح معاني الآثار (3/14) :( في هذه الآثار إباحة النظر إلى وجه المرأة لمن أراد نكاحها).
وأغرب القرطبي فقال في التفسير (2/194): (وأما المرأة الحرة فعورة كلها إلا الوجه والكفين على هذا أكثر أهل العلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها) فإني لم أجد هذا الحديث مسندا والله أعلم.وقد ذكروا أن عقيلات الحسين رضي الله عنهن كن متبرقعات مغطيات وجوههن . وقد قال في ذلك عبد الحسين شكر النجفي الشيعي:
وإن نسيت فلا أنسى عقائله ***مستعبرات لها جيش الضلال سبى
حرائرا سلب الأعداء برقعها ***وخدرها قد غدا للشرك منتهبا
على أني أنبه أنه لو كان حدث فعلا ما ذكر, فإنه لم يكن بأمر من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فلا رضي به ولا أمر به, بل إنه لما أحضرن بين يديه بكى لحالهن وأمر بإكرامهن وما كان ليرضى بقتل الحين أبدا إنما هو فعل عدو الله ابن زياد.ويزيد ممن لا نجبه ولا نبغضه كما قال الذهبي رحمه الله تعالى.وإنما أوردت هذا الخبر عن هذا الشيعي لأني لم أر شيعية واحدة منتقبة أو متبرقعة !


ولم يكن حرص النساء على تغطية وجوههن مخصوصا بزمن الصحابة أو نساء الأجيال الثلاثة الفاضلة بل كان ذلك عادةَ النساء غالبا قبل أن يطول الأمد ويفسد المستعمر على النساء حياءهن،ففي خصوص المغرب بلدي قال الدكتور مصطفى الحيا في مقال له في مجلة البيان عدد (203): (.. ظلت المرأة المغربية لعهود طويلة تُعرف بزيها الأصيل والمحتشم الذي يشمل الجلباب والنقاب، لكن عندما خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا فبقيت الحياة التنظيمية والعصرية مطبوعة بالطابع الفرنسي، فأثر ذلك على المظهر الخارجي للمرأة المغربية الذي أصبح مطبوعاً بالطابع الأوروبي)
وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ وقد عاش في القرن التاسع أي في المائة التاسعة بعد الهجرة ـ أن ذلك كان عادة النساء فقال: (لم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب) فتح الباري
(9 / 324)، وقال أيضا: (العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال) الفتح (9/337).وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (7/240):( وكذا عادة بلاد الأندلس لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة ).وقال الغزالي وقد عاش في القرن الخامس: (لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات) نقله عنه الحافظ في الفتح.(9/337). وحكى الإمام النووي الشافعي في روضة الطالبين (7/21) وقد عاش في القرن السابع عن بعض الأئمة اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات أي بغير ستر وجوههن..وفي دعوى الإجماع نظر والله أعلم..
ومن ذلك ما ذكره ابن عبد البر في التمهيد (20/227)عن العرجي وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الشاعر البطل الشجاع مات في زمن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي
أنه قال:
رأتني خضيب الرأس شمرت مئزري****وقد عهدتني أسود الرأس مسبلا
فقالت لأخرى دونها تعرفينه****أليس به قالت بلى ما تبدلا
سوى أنه قد لاحت الشمس لونه ****وفارق أشياع الصبا وتبتلا
أماطت كساء الخز عن حر وجهها****وأرخت على الخدين بردا مهلهلا
من اللائي لم يحججن يبغين حسبه****ولكن ليقتلن البريء المغفلا
ومن لطيف ما ينبغي أن يعرف أن ذلك كان عادة نساء العرب الكريمات، فقد روي أن ليلى الأخيلية أنشدت بين يدي الحجاج بن يوسف الثقفي قول توبة الحميري فيها من قصيدة له :
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت*****فقد رابني منها الغداة سفورها
فقال لها الحجاج : يا ليلى، ما رابه من سفورك؟ فقالت: أيها الأمير، ما رآني قطّ إلا متبرقعة، فأرسل إليّ رسولا ًإنه ملمٌّ بنا،(وقيل أنه جاءها بنفسه)، فنظر أهلُ الحيّ رسوله فأعدُّوا له وكمنوا ؛ ففَطِنْتُ لذلك من أمرهم، فلمّا جاء ألقيت بُرقعي وسَفَرْت فأنكر ذلك، فما زاد على التسليم وانصرف راجعاً.وقيل إنهم زوجوها فأسفرت ليعلم أنه لا سبيل إليها.
ولذلك قال المبرد في الفاضل : (قوله: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعَتْ؛ كان النساء إذا أنكحن أبرزن وجوههن ليُعلمْن أن لا سبيل إليهن).ونحن نقول، إذا تزوجت المرأة حرصت على النقاب فإنه أطهر لها .
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق (38/193): أخبرنا أبو العز بن كادش أنا أبو يعلى بن الفراء أنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل المعدل أنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي نا الغلابي نا صالح بن هشام عن أبي كندة النميري قال: قال: الراعي لبناته وبنات أخيه اذهبن إلى ابن المراغة حتى يراكن فأتينه فقلن: يا أبا حزرة أنشدنا ما قلت في بنات نمير قال: فمن أنتن قلن عقيليات فأنشدهن حتى انتهى إلى قوله : (وسوداء المحاجر من نمير)
فكشفن عن وجوههن وقلن: يا أبا حزرة هل ترى من سواد هل ترى من عيب قال: وإنكن نميريات؟ قلن: نعم. قال: إن عمكن لكذوب)
وقال عنترة بن شداد :
وكشفتُ برقعها فأشرق وجهها **حتى أعاد الليلَ صبحا مسفرا
عربيةٌ يهتز لين قوامها **فيخاله العشاق رمحا أسمرا
محجوبة بصوارم وذوابل **سمرٍ ودون خبائها أُسْد الثرى
وقال أيضا :
إن تغدفي دوني القناع فإنني **طَبٌّ بأخذ الفارس المستلئم
قال ابن القيم في زاد المعاد (4/124): (أي إن ترخي عني قناعك وتستري وجهك رغبة عني فإني خبير حاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه .)
وقال عنترة أيضا:
لها من تحت برقها عيون **صحاح حشو جفنيها سقام
وقال سهل بن سيبان الزماني الجاهلي :
يوم لا تستر أنثى وجهها **ونفوس القوم تنزو في الحلوق
وقال الربيع بن زياد يرثي مالك بن زهير في زمن الجاهلية
مَن كان مسروراً بمقتل مالك ** فليأت نسوتنا بنصف نهارِ
قد كنَّ يخبأن الوجوه تستراً **واليوم حين بدونَ للنظارِ
وقال ابن القيم في روضة المحبين (ص227): (قال عبد الملك بن قريب كنت في بعض مياه العرب فسمعت الناس يقولون قد جاءت قد جاءت. فتحول الناس فقمت معهم فإذا جارية قد وردت الماء ما رأيت مثلها قط في حسن وجهها وتمام خلقها فلما رأت تشوف الناس إليها أرسلت برقعها فكأنه غمامة غطت شمسا فقلت لم تمنعيننا النظر إلى وجهك هذا الحسن فأنشأت تقول :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر **عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ومن العجيب ما ذكره ابن الأثير في الكامل (1/467)وبرهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية (1/208) حيث قال : (سبب الفجار الثاني أن امرأة من بني عامر كانت جالسة بسوق عكاظ فأطاف بها شاب من قريش من بني كنانة فسألها أن تكشف وجهها فأبت فجلس خلفها وهي لا تشعر وعقد زيلها بشوكة فلما قامت انكشف دبرها فضحك الناس منها فنادت المرأة يا آل عامر فثاروا بالسلاح ونادى الشاب يا بني كنانة فاقتتلوا وقوله فسألها أن تكشف وجهها فأبت يدل على أن النساء في الجاهلية كن يأبين كشف وجوههن)
والفجار القتال في الشهر الحرام وكن للعرب أربعة فجارات.
وذكر القالي في الأمالي في (1/92/دار الكتب العلمية) قول بعضهم:
ولما رأين بني عاصم **دعون الذي كن أنسينه
فوارين ما كن حسرنه **وأخفين ما كن يبدينه
ثم قال : (يصف نساء سبين فأنسين الحياء فأبدين وجوههن وحسرن رؤسهن فلما رأين بني عاصم أيقن أنهن قد استنقذن فراجعن حياءهن فسترن وجوههن وغطين رؤسهن)
وتعقب هذا البكري في التنبيه فقال (ص40/دار الكتب المصرية): (إنما رواه العلماء
ولما رأين بني عاصم **ذكرن الذي كن أنسينه
وهذه الرواية أشبه بتفسير أبي علي وقوله راجعن حياءهن ولا مدخل للدعاء ها هنا ولا هناك مدعو يدعى, وفي هذه الرواية مع صحة معناها الصناعة التي تسمى المطابقة.
وهذا التميمي الذي أنشد له الشعر هو ذو الخرق الطهوي ومثله في المعنى قول رجل من بني عجل
ويوم يبيل النساء الدماء **جعلت رداءك فيه خمارا
ففرجت عنهن ما يتقين **وكنت المحامي والمستجارا اهـ
قلت:وبهذا يعلم أن تغطية الوجه كانت عادة العربيات قديما قبل الإسلام، وقد أقرهن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك،فلم يرد منه نهي عنه, فتغطية الوجه إذا مشروعة، بل خلق من الأخلاق الصالحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بعثت لأتمم صالح الأخلاق).وفي رواية (مكارم الأخلاق)
والأعجب من هذا وذاك أن تغطية الوجه كان من عادة بنات ملوك كسرى .
فقد ذكر برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية ( 2/221و222/دار المعرفة) (أنه لما جيء ببنات كسرى الثلاث عند فتح المدائن فوقفن بين يديه وأمر المنادى أن ينادى عليهن وأن يزيل نقابهن عن وجوههن ليزيد المسلمون في ثمنهن فامتنعن من كشف نقابهن ووكزن المنادى في صدره ...)
وهكذا كانت جملة من نساء بني إسرائيل والمسيحيات .
*ففي سفر التكوين الإصحاح (38) : (فأخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه, فخلعت عنها ثياب ترملها, وتغطت ببرقع وتلففت, وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة, لأنها رأت أن شيلة قد كبر, و هي لم تعط له زوجة, فنظرها يهوذا وحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها)
*وانتقد هذا بعض النصارى بقولهم: (إذن تغطية الوجه ليس علامة على الطهر أبدا.بل الظاهر من النص أنه العكس !)
*والجواب أنه ليس في النص دليل على أن تغطية وجهها علامة استدل بها يهوذا على أنها زانية. وإنما حسبها كذلك لعدم اطلاعه على وجهها لفم يعرف أنها تامارا فظن أنها زانية لشيء آخر كمكان جلوسها وطريقته وغير ذلك, وهو ما يشير إليه قوله : (وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنهة) ولعله من الأماكن التي تتردد عليه الزواني, فجلست فيه وهي لا تعرف ذلك.فحسبها زانية لأجل ذلك لا لأجل تغطية وجهها والله أعلم,وإنما منعه تغطيتها لوجهها من التفرقة بينها وبين الزانية لا أن تغطية الوجه شعار الزانيات, ولو كان البرقع علامة الزانيات فقط لما لبسته تامارا للقاء من تريد الزواج به.وطبيعة من يفعل ذلك إظهار الطهر وتكلفه ولو نفاقا لا العكس. وفعلها يدل على أن بعض النساء بما في ذلك بعض الزانيات كن يغطين وجوههن.لأن الزانية لو عرت وجهها لعرفت وميزت عند الناس بالزنا فيصعب عليها ممارسة البغاء لأنه سوف يتعرض لها الجميع بالإهانة فتسترها وتغطية وجهها أسلم لها .وهذكذا كانت الزانيات في عصور مضت في بلاد المغرب . وقد أخرني شيخي محمد بوخبزة أن الزانيات في تطوان كن يلبسن الحايط أيضا لكنهم يلبسن نعالا ويدسن على خلفيتها التي ترفعها الحرائر العفيفات دائما ويسمى ذلك النعل عند الزانيات بـ(المطَيفر). وسألت الشيخ: أكان يمكن للمرأة العفيفة أن تنسى فتجعل خلفية النعل تحت قدميها فيظن الفساق أنها زانية فيراودونها. فقال: أبدا,ما تخرج حتى ترفع الخلفية وتغطي بها عرقوب قدمها ! ولا يجوز لعاقل أبدا أن يقول: (يجب أن تخلع النساء البراقع عن وجوههن لأن بعض الزانيات لبسنه) فمعنى قوله (وحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها) أنه لم يستطع تمييز وجهها, وقد جلست في مكان تجلس فهي الزانيات أو أنها جلست كما تجلس الزانيات كأنهن يعترضن طريق الزبائن.! هذا إن صحت القصة.!
*وفي سفر التكوين الإصحاح الرابع والعشرين العدد 63 فما فوق: (وخرج إسحاق ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء , فرفع عينيه ونظر وإذا جمال مقبل, ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل,وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟ فقال العبد : هو سيدي.فأخذت البرقع وتغطت؟)
*قال بعض المشاكسين النصارى: (إذن لم تكن متبرقعة قبل ذلك).
*والجواب أنها كانت مع عبدها فليس من دافع لذلك, وقد كانا وحديهما في الطريق فإنه يجوز للمرأة التي تستر وجهها عن الرجال أن تبديه إن كانت في مكان بعيد عنهم.ولو لعبدها,فلما اقترب منهما إسحاق أرادت أن تعرف من القادم , فإن كان سيدا غطت وإن كان عبدا لم تتكلف ذلك.ويدل على ذلك أن العبد قال : (إنه سيدي) أي أنه سيد, فهو ليس سيدا له إنما سيدته هي! وليس في النص أنها تبرقت فقط لأن القادم هو إسحاق. بدليل أن برقعها كان معها .وهل يجوز عقلا أن يقال إنها لا تلبسه إلا لإسحاق فقط, وهو زوج المستقبل كما يقولون. فإن كانت غطت وجهها منه وهو شريك حياتها المنتظر فكيف لا تغطيه من غيره.


*وفي سفر دانيال إصحاح 13/ (سوسَنَّة وحُكمُ دانيال): (وفي الغد لما اجتمع الشعب إلى زوجها يوياقيم,أتى الشيخان مضمرين نية أثيمة على سوسنة ليميتاها,فقالا أمام الشعب استحضروا سوسنة بنت حلقيا,التي هي امرأة يوياقيم,فاستحضروها.فأتت هي ووالداها وبنوها وجميع أهل قرابتها.وكانت سوسنة لطيفة جدا جميلة المنظر, ولما كانت متبرقعة, أمر هذان الفاجران أن يكشف وجهها, ليشبعا من جمالها , وكان أهلها وجميع الذين يعرفونها يبكون)
*قلت: في هذا دليل واضح على أتباع هذه الأناجيل (المعصومة) عندهم أن تغطية وجه المرأة كان معروفا عند الحرائر من النساء.وأن عادة الفجار والفساق السعي في خلق براقع النساء المتسترات بالتحريض والتشويه تارة, وباستصدار القوانين تارة أخرى,كما يفعل فجار زماننا من أصحاب الأقلام الفاسدة .والألسنة المتعفنة,أعوان اليهود والنصارى . نسأل الله تعالى أن يجفف أقلامهم ويقطع ألسنتهم.وهذان الفاجران من قدمائهم.
*وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا (16 فما بعد) ذكر للبراقع وأغطية الرأس وإشارة إلى أن الهزيمة قد تحل على قوم تركوا نساءهم يمشين متغطرسات متغزلات بعيونهن متخطرات في سيرهن مجلجلات بخلاخيل أقدامهن)
*وفي الدسقولية ـ وهو كتاب تعتمده الكنيسة الأرثدوكسية قانونا لها كما في مجلة مرقس المصرية .وهو من كلمات الرسل ونطقها بالعربية للأصل اليوناني (ديداسكاليا) أي (تعاليم الرسل): وهو يحوي تعاليم الرسل الحواريين، وقيل إنه اجتمع على وضعه الاثنا عشر رسولاً الحواريون. وهو من الكتب الأساس المستخدمة كمرجع لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهو يقع في تسعة وثلاثين بابا.كتب كما يقول المؤرخون ما بين عام 350 وعام 400 بعد الميلاد ـ :
(لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن أن تكن مؤمنات. اهتمي بزوجك لترضيه وحده. وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك, فإنك إذا تغطيت بعفة تُصانين عن نظر الأشرار...يكون مشيك ووجهك ينظر إلى أسفل وأنت مطرقة مغطاة من كل ناحية... كثيرة هي أشراك الفسقة... وإذا غطت وجهها فتغطيه بفزع من نظر رجال غرباء)
*وقال الشيخ محمود محمد خضر أحد علماء الأزهر في مقال له نشره في جريدة الأهرام بتاريخ (6 مارس 2002): (وكانت عادة لبس الخمار والجلباب موجودة قبل الإسلام بقرون عديدة, ونزلت الآيات لتنظم ارتداء المسلمات لهما في ذلك الوقت‏.‏ وقد كان الحجاب سائدا في العالم القديم‏ (قبل الميلاد‏),‏ فرضه الآشوريون على نسائهم‏,‏ وعندما سيطر الفرس على بلاد النهرين اقتبسوا تلك العادة من الآشوريين وانتقلت منهم إلي بلاد الشام وبعض المدن العربية شمال جزيرة العرب قبل الإسلام‏.‏ كذلك انتشر الخمار والبرقع بين نساء بيزنطة وفارس وطروادة وإسبرطة وغيرها من الممالك والحضارات القديمة‏.)‏
قلت: قصده بطروادة مدينة قيل أنها كانت على الساحل الغربي لتركيا الحالية وكانت مدينة حصينة غزاها اليونانيون وحرقوها. ولا زال الخلاف في إثباتها وجودها قديما قائما.وأما إسبرطة فمدينة كبيره اشتهرت بمقاتلين من الدرجة الأولى كان الواحد منهم قادرا على هزيمة مائة مقاتل وحده!؟.
وقد كان الكرام من الناس يفخرون بتغطية نسائهم لوجوههن, ويعيبون الكفار بسفور نسائهم وتبرجهن فقد ذكر بدر الدين العيني في عقد الجمان قصة لقاء المجيري مع قازان التتري حينما دخل بلاد المسلمين ومن جملة ما حكاه المجيري عن لقائه به أن قال:(ثم سألني قازان على لسان حاجبه ما تقول في نسائنا ونسائكم؟ فقبلت الأرض وقلت: أيدّ الله الملك، إنه ملك عظيم، فيقبح أن نذكر النساء في مثل هذا المجلس،إن نساءنا يستحين من الله ومن الناس، فيسترن وجوههن، وأما نساؤكم فأنتم أخبر بحالهن )!!.
وحكى الأتابكي في النجوم الزاهرة حكاية غريبة جدا تظهر أمور يحسن بالقارئ ملاحظتها بنفسه وقصدي منها أصالة الدلالة على أن تغطية الوجوه كان معروفا في النساء الحرائر والإماء أيضا وسأذكرها كاملة لغرابتها قال ( 15/92وإلى 95): (في يوم الثلاثاء أول شهر رمضان ظهر الطاعون بالقاهرة وظواهرها وأول ما بدأ في الأطفال والإماء والعبيد والمماليك وكان الطاعون أيضا قد عم البلاد الشامية بأسرها ثم في يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رمضان المذكور ختمت قراءة البخاري بين يدي السلطان بقلعة الجبل وقد حضر قضاة القضاة والعلماء والفقهاء على العادة هذا وقد تخوف السلطان من الوباء فسأل من حضر من الفقهاء عن الذنوب التي ترتكبها الناس هل يعاقبهم الله بالطاعون فقال له بعض الجماعة إن الزنا إذا فشا في الناس ظهر فيهم الطاعون وأن النساء يتزين ويمشين في الطرقات ليلا ونهارا فأشار آخر أن المصلحة منع النساء من المشي في الأسواق فنازعه آخر فقال لا تمنع إلا المتبهرجات وأما العجائز اللاتي ليس لها من يقوم بأمرها لا تمنع من تعاطي حاجتها وتباحثوا في ذلك بحثا كبيرا إلى أن مال السلطان إلى منعهن من الخروج إلى الطرقات مطلقا ظنا من السلطان أن بمنعهن يرتفع الطاعون ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلعة عند ختم البخاري ثم أمرهم باجتماعهم عنده من الغد فاجتمعوا يوم الخميس واتفقوا على ما مال إليه السلطان فنودي به بالقاهرة ومصر وظواهرهما بمنع جميع النساء بأسرهن من الخروج من بيوتهن وأن لا تمر امرأة في شارع ولا في سوق البتة وتهدد من خرجت من بيتها بالقتل وأنواع البهدلة فامتنع جميع النساء من الخروج قاطبة فمنعن فتياتهن وعجائزهن وإماءهن من الخروج إلى الطرقات وأخذ والى القاهرة والحجاب في تتبع الطرقات وضرب من وجدوا من النساء وتشددوا في الردع والضرب والتهديد فامتنعن بأجمعهن فعند ذلك نزل بالأرامل أرباب الصنائع ثم في سابع عشرينه عزم السلطان على أن يولى الحسبة لرجل ناهض فذكر له جماعة فلم يرضهم ثم قال عندي واحد ليس بمسلم ولا يخاف الله وأمر فأحضر إليه دولات خجا الظاهري برقوق المعزول عن ولاية القاهرة قبل تاريخه غير مرة فخلع عليه باستقراره في حسبة القاهرة عوضا عن القاضى صلاح الدين محمد ابن صاحب بدر الدين بن نصر الله كاتب السر بحكم عزله وكان رغبة السلطان في ولاية دولات خجا هذا بسبب النساء لما يعلم من شدته وقلة رحمته وجبروته , وعندما خلع عليه حرضه على عدم إخراج النسوة إلى الطرقات هذا بعد أن تكلم جماعة كبيرة من أرباب الدولة مع السلطان بسبب ما حل بالنسوة من الضرر لعدم خروجهن فأمر السلطان عند ذلك فنودي بخروج الإماء لشراء حوائج مواليهن من الأسواق وأن لا تنتقب واحدة منهن بل يكن سافرات عن وجوههن قصد بذلك حتى لا تتنكر إحداهن في صفة الجواري وتخرج إلى الأسواق وأن تخرج العجائز لقضاء أشغالهن وأن تخرج النساء إلى الحمامات ولا يقمن بها إلى الليل وصار دولات خجا يشد على النسوة وعاقب منهم جماعة كبيرة حتى انكف الجميع عن الخروج البتة, وأهل شوال يوم الخميس وقد حل بالناس من الأنكاد والضرر ما لا يوصف من تزايد الطاعون وتعطل كثير من البضائع المبتاعة على النسوة لامتناعهن من المشي في الطرقات وأيضا مما نزل بالنسوة من موت أولادهن أقاربهن فصارت المرأة يموت ولدها فلا تستطيع أن ترى قبره خوفا من الخروج إلى الطرقات ويموت أعز أقاربها من غير أن تزوره في مرضه فشق ذلك عليهن إلى الغاية هذا مع تزايد الطاعون .
قلت: كل ذلك لعدم أهلية الحكام واستحسان الولاة على الخواطىء وإلا فالحرة معروفة ولو كانت في الخمارة والفاجرة معروفة ولو كانت في البيت الحرام ولا يخفي ذلك على الذوق السليم غير أن هذا كله وأمثاله لولاية المناصب غير أهلها وأما الحاكم النحرير الحاذق الفطن إذا قام بأمر نهض به وتتبع الماء من مجاريه وأخذ ما هو بصدده حتى أزاله في أسرع وقت وأهون حال ولا يحتاج ذلك إلى بعض ما الناس فيه وهو ذهاب الصالح بالطالح والبرىء مع المجرم وتحكم مثل هذا الجاهل في المسلمين...)
ومن شواهد كون الإماء يغطين وجوههن ما ذكره الراغب الأصفهاني في الأغاني (8/169) في قصة القشيريات والجرميات وفيه ورود مياد على أمة من إماء القشيريات وكانت متبرقعة فأخذ برقعها فتبعته لتأخذه .. في قصة غريبة !
وقد فسرت حفصة بنت سيرين العفة في قوله تعالى (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) بتغطية وجهها وكذلك فعلت هي, فقد روى البيهقي (7/93/دار الباز) وصحح إسناده الشيخ الألباني في الجلباب (ص110) عن عاصم الأحول قال : ( كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا : وتنقبت به فنقول لها : رحمك الله قال الله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) هو الجلباب قال : فتقول لنا : أي شيء بعد ذلك ؟ فنقول : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) فتقول : هو إثبات الحجاب) ولهذا شواهد كثيرة ذكر الشيخ منها في الجلباب فليراجع.
ومن اللطيف أيضا أن تعلم أن نساء المغرب كن أيضا يغطين وجوههن ،وأخص نساء تطوان ، فإن ذلك معروف عندنا معرفة لا يدخلها شك.وقد مر ذلك.


فائدة
يقول الله تعالى في قصة موسى مع المرأتين اللتين سقى لهما : ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) القصص،روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين(2/441) حدثنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن مهران الأصبهاني حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأ إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر قال : (كانت تجيء وهي خراجة ولاجة واضعة يدها على وجهها) وقال:صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ـ وعند ابن أبي شيبة (6/334) بلفظ ـ أي مغطية وجهها،, وروى الدارمي في المسند عن أبي حازم قال: ( فلما أتته عظمته وغطت وجهها ),ومثله ما فعلته أم سلمة حين سألت أم سليم النبي  وهي معه عن الماء تراه المرأة في منامها إذا احتلمت، فاستحيت وغطت وجهها من حيائها. والحديث في البخاري (130/الفتح) من حديثها،وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن عائشة فعلت مثلها أيضا، وفي هذا إشارة إلى أن النساء عادة يعتبرن تغطية الوجه من تمام حيائهن.
ومن ذلك قول أبي القاسم ابن شبراق كما في البديع في وصف الربيع للوزير أبي الوليد الإشبيلي (ت440 هـ) (ص212/تحقيق عسيلان):
سترت وجهها ببرقعها واســـــــــتقبلنا من الفتون فنون
كالفتاة الحيية انتقبت كي **لا يرى وجهُها الجميلُ المصونُ
وقد كانت النساء شديدات الحرص على التستر بتغطية وجوههن جدا،حتى قيل:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه **فتناولته واتقتنا بالــيد
أي سقط غطاء وجهها فتناولته بيد وغطت وجهها باليد الأخرى !!
وروى السراج القاري في مصارع العشاق عن الأصمعي قال : (نظر أعرابي إلى أعرابية عليها برقع، فقال لها: ارفعي البرقع أنظر نظرةً! فقالت: ( لا والله،حتى يبيض القار ! ! ! !)).
والقار هو الفحم.بل كان بعضهم يعتبره زينة للجميلات فقد أنشد أبو المجد قاضي المعرة :
لم يدر ما طعم الفراق الموجع **من لم يبن من إلفه ويودع
هيهات وصل العامرية بعد ما **حلت بواد من سبيعة مسبع
بيضاء فاترة اللحاظ إذا مشت **ماست كغصن البانة المترعرع
وتبرقعت خفرا فتم جمالها **لا يستر الصبح المنير ببرقع
والبرقع كما قال أبو البقاء العكبري في شرح ديوان المتنبي (1/314) : (شيء تجعله نساء العرب على وجوههن شبيه بالنقاب إلا أنه يغطى الوجه ويفتح فيه موضعان على قدر العينين)ويجوز فيه ضم بائه وكسرها وضم بائه وإضافة واو فتقول: (برقوع) ومنه قول النابغة الجعدي :
وخد كبرقوع الفتاة ملمع **وروقين لما يعدوا أن تقشرا
ومن الطريف ما نقله ابن طاهر المقدسي في البدء والتاريخ (2/6) عن وهب عن سلمان الفارسى رحمه الله أن الله خلق السمآء الدنيا من زمردة خضرآء وسماها برقع وخلق السمآء الثانية من فضة بيضآء وسماها كذا وخلق السمآء الثالثة من ياقوتة حتى عد سبع سماوات بأسمآئها وجواهرها) .والله أعلم بصحة الخبر!
ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
وكأن برقع والملائك حولها **سدر تواكله قوائم أربع
وهو مما لا ينصرف كما في الصحاح للجوهري.
ومن طريف عادات العرب كما في عيار الشعر لابن طباطبا (ص52)أنه إذا أحب الرجل منهم امرأة وأحبته فلم يشق برقعها وتشق هي رداءه أن حبهما يفسد, وإذا فعلاه دام أمرهما .وفي ذلك يقول سحيم عبد بني الحسحاس وهم من بني أسد:
فكم قد شققنا من رداء محبر **ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد مثله **دواليك حتى كلنا غير لابس
قال البغدادي في خزانة الأدب (2/87و88): (روي (إذا شق بردٌ شق بالبرد برقع) يعني أنه يشق برقعها وهي تشق برده, ومعناه أن العرب يزعمون أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت مودتهما ولم تفسد وقال أبو عبيدة كان من شأن العرب إذا تجالسوا مع الفتيات للتغزل أن يتعابثوا بشق الثياب لشدة المعالجة عن إبداء المحاسن وقيل إنما يفعلون ذلك ليذكر كل واحد منهما صاحبه به .
وقال العيني: كانت عادة العرب في الجاهلية أن يلبس كل واحد من الزوجين برد الآخر ثم يتداولان على تخريقه حتى لا يبقى فيه لبس طلباً لتأكيد المودة وقال الجوهري يزعم النساء إذا شق أحد الزوجين عند البضاع شيئاً من ثوب صاحبه دام الود بينهما وإلا تهاجرا ) اهـ
فائدة:
السُّرقوب شيء تستعمله النساء فوق البراقع في البوادي والقرى
والبُخْنُقُ يشبه البرقع تضعه النساء على وجوههن تسترا.
ـ طريفة
قال ابن العربي في أحكام القرآن (3/379): (تحكي الصوفية أن امرأة كانت تمشي على طريق, فاتبعها رجل حتى انتهت إلى باب دارها, فالتفتت إليه فقالت له: يا هذا , مالك تتبعني؟ فقال لها: أعجبتني عيناك.فقالت : البث قليلا, فدخلت ثم فقأت عينيها في سكرجة, وأخرجتهما إليه,وقالت له : خذ ما أعجبك, فما كنت لأحبس عندي ما يفتن الناس مني)
قلت: حكايات الصوفية غالبها كهذه. ولا أتردد في أن أصفها بالكذبة.فسياقها مشعر بقصة مصطنعة ,ولو صحت لما ترددت في وصف تلك المرأة بالحمقاء وإن كنت أستبعدها جدا, فمن أخرجت عينها من محاجرها فقدت وعيها في الحال, وما أظنها تصبر على الألم !!
أما بعد فقد يقول قائل: قد علمنا جواز تغطية النساء وجوههن فهل إلى القول باستحباب ذلك من سبيل؟
والجواب أنه قد وقع الخلاف في ذلك . وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله ذلك فقال : (خص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين واختلف في ندبه في حق غيرهن) يقصد ولا بد (خصت الأزواج بالوجوب وبقي الخلاف في الندب في حق غيرهن).
هذا وإن المتتبع لكلام الله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سيجد نفسه أمام منظومة مدح متكاملة:
فقال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن )
وقال : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) وقد كان ابن عباس يقرأ (وهو أب لهم) وقالت عائشة لأبي موسى كما في صحيح مسلم (349) : (لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك)وقد قدمت أنه يستحب للمرأة أن تقتدي بأمها في البر كما يستحب للرجل أن يقتدي بأبيه فيه. فالبنت مفطورة على حب التشبه بأمها !!
وقال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا) والنقاب مما طهر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم يقينا,فإنه داخل في قوله تعالى في خصوص نساء النبي صلى الله عليه وسلم :(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا, فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).ومن المعلوم أن المرأة المسلمة حينما تتوضأ تقول : (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين), فيستحب للمرأة أن تبالغ في التطهر وتنتقب إن شاءت فإنه من التطهر, وقد مدح الله تعالى المتطهرين , فقال في أهل قباء : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) فأنت ترى أن الله يحب المتطهرين ... والمتطهرات , وحب الله لهن لأجل حرصهن على القربة إليه بالنوافل والمستحبات وقصد رضاه, لقوله تعالى في الحديث القدسي الصحيح عند البخاري عن أبي هريرة : (...ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ...)
بخلاف أهل الشقاء الذين يستنكرون التطهر . قال تعالى في قوم لوط ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا َجمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) وقد اخترن جميعا الله ورسوله والدار الآخرة كما في حديث عائشة عند مسلم.
ولا نختلف في أن تغطية نساء النبي صلى الله عليه وسلم سنة حسنة وهدى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا)
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ , يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) أي يعرفن بالطهر والعفاف فلا يؤذين.
ـ وروى الترمذي وغيره عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وصححه الألباني بطرقه وشواهده في السلسلة الصحيحة (رقم: 1761) وفي رواية من حديث زيد : (فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) وأنظر الصحيحة (1750)
وفيه تنبيه إلى أن الأخذ بما كان عليه نساء النبي صلى الله عليه وسلم هدى كله لا يضل من عمل به.فعترة النبي أهل بيته وممن يدخل فيهم زوجاته صلى الله عليه وسلم أصالة كما قال أهل السنة
قال المناوي في فيض القدير (3/14) : (يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا)
هذا وقد قال تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ )
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجد) فظهر أن الشرع يندب أو يأمر دائما بالاقتداء بالمهتدين في هداهم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) فها أنت ترى أن الله قد جعل للمتبع (المقتدي) في الهدى أجرا.
ولا أحد ينكر أن النقاب من الهدى الذي أمرت به نساء النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يأت منع شرعي من النقاب أبدا في غير الإحرام.فلا ينبغي أيضا أن ينكر أحد أنه يستحب الاقتداء بهن في ذلك والله أعلم.
وقال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وبعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم من السابقات الأُوليات, واقتداء النساء بهن في أمور تخص النساء من الاتباع بإحسان وقد علمت حكم الله فيهن.


وقال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ونقاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم خير , وقال تعالى : ( يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) فانظر كيف جعل الله المسارعة في الخيرات من خصال الصالحين والصالحات!!
ومن الصور التي يتأكد فيها الاستحباب إن لم يكن الوجوب !! أن يطلب الزوج ذلك من زوجته أو الأب من ابنته غيرة ورغبة في المبالغة في سترها.وهذا أمر لا يختلف فيه عاقلان ولا يتبارز عليه فارسان.
ولا ينبغي أن يختلف في استحباب الاقتداء بأمهات المؤمنين, فإنها طريقة أهل العلم , روى البخاري (1539) عن عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال : ( كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال)
قلت: أبعد الحجاب أو قبل قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب قلت: كيف يخالطن الرجال قال: لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (رقم: 247) حدثنا أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن هشام عن فاطمة بنت المنذر أنها كانت تمسح على العارضين وقد كانت أدركت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم )
وكأنه يقول: إنها كانت تفعل ذلك, وما أخذته إلا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم متأسية بهن, آخذة دينها عنهن.
ولا يخفى أن أصل العبادة وكيفياتها الأصل فيها بعد صحة المشروعية الاستحباب لأنها قربات كما هو معلوم .
وقد ورد ما يدل على مثل ذلك .فقد روى ابن أبي شيبة (3/150/12951/مكتبة الرشد) عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد عن عائشة أنها سئلت: هل على النساء رمل؟ فقالت: ( أليس لكن بنا أسوة ليس عليكن رمل بالبيت ولا بين الصفا والمروة)
وليث بن أبي سليم ضعيف يكتب حديثه للاعتبار والاستشهاد.
وتوبع , فرواه الشافعي في الأم ( 2/176).عن سعيد بن سالم عن رجل عن مجاهد أن قال: رأت عائشة رضي الله عنها النساء يسعين بالبيت فقالت: ( أما لكن فينا أسوة ليس عليكن سعي).
وفيه رجل مبهم, وسعيد وهو سعيد بن سالم القداح حسن الحديث.ومجاهد قد ثبت سماعه من عائشة.
وتوبع مجاهد, فرواه البيهقي (5/84) قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد (ثنا محمد بن الفضل بن جابر) ثنا إسماعيل بن زرارة ثنا شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : (يا معشر النساء ليس عليكن رمل بالبيت, لكن فينا أسوة ) وفي إسناده ضعف. وشريك وهو ابن عبد الله النخعي ضعيف . وابن عبدان هو علي بن أحمد بن عبدان, قال فيه الجرجاني في تاريخه (ص548) :الحافظ)
ـ وأحمد بن عبيد هو الصفار صاحب المسند, قال فيه الذهبي في السير (15/438و439) : (الإمام الحافظ المجود أبو الحسن أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار مؤلف كتاب السنن على المسند الذي يكثر أبو بكر البيهقي من تخريجه في تواليفه ...) وقال الخطيب في التاريخ (4/261) : (روى عنه الدارقطني وكان ثقة ثبتا صنف المسند وجوده)
ومحمد بن الفضل هو ابن شاذان السقطي وثقه الخطيب في تاريخ بغداد (3/153)وقال الدارقطني كما في سؤالات الحاكم (ص145): (صدوق)
وإسماعيل بن زرارة هو ابن عبد الله بن زرارة أبو الحسن السكري الرقي, وثقه ابن حبان والدارقطني كما في تاريخ بغداد (6/261)
ورواه البيهقي مرسلا في معرفة السنن والآثار (3052 ) أنبأني أبو عبد الله ، إجازة عن أبي العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي قال : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال : رأت عائشة نساء يسعين بالبيت ، فقالت : أما لكن فينا أسوة ، ليس عليكن سعي )
وفيه انقطاع بين ابن جريج وعائشة.
فللأثر على الأقل أصل حسن إن لم يكن صحيحا والله أعلم.وهو أصرح شيء في الدلالة على ما قصدنا تقريره, والله الموفق.
فائدة:
ـ يقال للمرأة إذا لبست برقعها و قفازيها وخفها تكتنت.

رد مع اقتباس