عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 08-22-2008, 06:24 PM
أبو الحارث الشافعي أبو الحارث الشافعي غير متواجد حالياً
.:: عفا الله عنه ::.
 




افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...
فقبل الكلام على هذا اللفظ أو غيره من الألفاظ المجملة الموهمة ،
لابد من تأصيل قاعدة مهمة في التعامل مع هذه الألفاظ ،
قررها وحررها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في آخرين من محققي أهل السنة ،
فقال رحمه الله كما في " مجموع فتواه " ( 12/551-552 ) :

( وكل لفظ يحتمل حقا وباطلا فلا يطلق إلا مبينا به المراد الحق دون الباطل ،
فقد قيل : أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء . )



وهذا شرحه وبينه شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر ( 12/113-114 ) فقال :
( ومن الأصول الكلية أن يعلم أن الألفاظ " نوعان " :
نوع جاء به الكتاب والسنة ، فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك ،
فيثبت ما أثبته الله ورسوله ، وينفي ما نفاه الله ورسوله ،
فاللفظ الذي أثبته الله أو نفاه حق ؛ فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،
والألفاظ الشرعية لها حرمة .
ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها ، ليثبت ما أثبته وينفي ما نفاه من المعاني ،
فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما أخبر ، ونطيعه في كل ما أوجب وأمر ،
ثم إذا عرفنا تفصيل ذلك كان ذلك من زيادة العلم والإيمان وقد قال تعالى :
{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } .
وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها ،
فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده ،
فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به ، وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره .
ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده بها ،
بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي ؛
فإن كثيرا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة ،
حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها ،
ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلا عن أن يعرف دليله ،
ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئا ، بل يكون في قوله نوع من الصواب ،
وقد يكون هذا مصيبا من وجه وهذا مصيبا من وجه وقد يكون الصواب في قول ثالث ... )
إلى آخر جوابه القاطع وكلامه الماتع الذي ختمه بقوله رحمه الله :

( وقد كتبت في أصول هذه المسائل قواعد متعددة وأصولا كثيرة ،
ولكن هذا الجواب كُتِبَ وصاحبه مستوفز في قعدة واحدة !!!
والله تعالى يهدينا وسائر إخواننا لما يحبه ويرضاه . والحمد لله رب العالمين .)
مجموع الفتاوى ( 12/116 )
وهذا الجواب الذي كتبه رحمه الله في قعدة واحدة وهو مستوفز
يقع في ثمانين صفحة من مجموع الفتاوى !!! ، من ( 12/37 ) إلى ( 12/116 ) ،
فلله درُه من إمام .

قال الفقير إلى عفو ربه :
وإذا طبقنا هذه القاعدة على لفظ " الحضرة " لوجدنا أن هذا اللفظ من الألفاظ المجملة ،
التي تحتاج إلى بيان ، لكونه يحتمل حقا وباطلا ،
ويكفي في باطله أنه من مصطلحات الصوفية الردية ، التي حادوا بها عن طريقة أهل السنة الزكية ،

قال الشريف الجُرجاني في " التعريفات " رقم ( 732 ) في تقرير هذا المصطلح :
( الحَضْرات الخمس الإلاهية :
حَضْرة الغيب المطلق : وعالمها عالم الأعيان الثابتة في الحَضْرة العِلمية ،
وفي مقابلتها حضرة الشهادة المطلقة : وعالمها عالم الملك ،
وحضرة الغيب المضاف : وهي تنقسم إلى ما يكون أقرب من الغيب المطلق ،
وعالمه عالم الأرواح الجبروتية، الملكوتية ، أعني عالم العقول والنفوس المجردة ،
وإلى ما يكون أقرب من الشهادة المطلقة، وعالمه عالم المثال، ويسمى بعالم الملكوت ،
والخامسة الحضرة الجامعة للأربعة المذكورة :
وعالمها عالم الإنسان الجامع ، بجميع العوالم وما فيها،
فعالم الملك مَظهر عالم الملكوت، وهو عالم المثال المطلق ، وهو مظهر عالم الجبروت ،
أي : عالم المجردات ، وهو مظهر عالم الأعيان الثابتة ،
وهو مظهر الأسماء الإلهية والحضرة الواحدية، وهي مظهر الحضرة الأحدية . ) انتهى

وهذا النص في التعريف بهذا المصطلح الصوفي نقله المُناوي رحمه الله أيضا بحروفه في كتابه
" التوقيف على مهمات التعاريف " ص ( 283 )
وهو في ( معجم المطلحات الصوفية ) للدكتور أنور فؤاد ص ( 75 ) .

وبغض النظر عن معنى هذا الكلام المخترع ، الذي ما أنزل الله به من سلطان ،
فالأولى بكل متبع أن يهجر استعمال لفظ الحَضْرة في الأدعية وغيرها ،
لما فيه من الإجمال والاشتباه ، حيث إن هذا اللفظ لم يرد لا في كتاب ولا سنة ،
ولما فيه من ذريعة التداخل بين ألفاظ أهل السنة الشرعية وألفاظ أهل التصوف البدعية ،

ولذا قال العلامة المحقق بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى في لفظ " الحَضْرة " :
( هذا من مفاسد الاصطلاح لدى الصوفية ، فيريدون بها حضرة جمع الفناء في توحيد الربوبية ،
أي : فناء العبد في الرب ، ليكون كما قيل :
هو من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بَدَنا
وهي نظير الحضرة عند أهل الإلحاد ، يريدون بها حضرة جمع الوجود في وجود واحد ،
نسأل الله السلامة والعافية )
انتهى من معجم المناهي اللفظية ص ( 233 )

وعليه فأيما أحد تكلم بهذا اللفظ أو استعمله في دعائه فلابد من بيانه لمراده به ،
فإن كان المراد موافقا للكتاب والسنة قُبِل المعنى ، مع نصح القائل بترك اللفظ والمبنى ،
وإن كان مخالفا لهما وموافقا لتُرهات الصوفية ومعتقداتهم رُد على قائله ،

وأما لفظ " مَلِك الدنيا " الوارد في قول القائل : ( مُلك مَلك الدنيا يهون ) فالخطب فيه يسير ،
حيث إن تقدير الكلام : مُلك مَلك من ملوك الدنيا يهون ،
وهذا هو عين ما ورد في الحديث المستدَل به ،

وأما الذي جاء فيه الخبر فالنهي عن التسمي بملك الأملاك ونحوها من الألفاظ ،
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في " تحفة المودود " :



( ومن المحرم : التسمية بملك الملوك ، وسلطان السلاطين ، وشاهنشاه.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي  قال :
(( إن أخنع اسم عند الله : رجل تسمَّى : ملك الملوك )) . وفي رواية : أخنى – بدل : أخنع .
وفي رواية لمسلم :
(( أغيظ رجل عند اله يوم القيامة وأخبثه رجل كان يُسمَّى : ملك الأملاك ، ولا ملك إلا الله )) .
ومعنى أخنع وأخنى : أوضع .
وقال بعض العلماء : وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاة ، وحاكم الحكام ،
فإن حاكم الحكام في الحقيقة هو الله .
وقد كان جماعة من أهل الدين والفضل يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة ، وحاكم الحكام ؛
قياساً على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك . وهذا محض القياس .
وكذلك تحريم التسمية بسيد الناس ، وسيد الكل ، كما يحرم : سيد ولد آدم ،
فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله  وحده ، فهو سيد ولد آدم ،
فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك )
انتهى نقلا عن معجم المناهي اللفظية ص ( 527 ) للعلامة المحقق بكر أبو زيد رحمه الله .

فائدة
قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :
( ومن النوادر أن القاضي عز الدين ابن جماعة قال إنه رأى أباه في المنام فسأله عن حاله فقال :
ما كان علي أضر من هذا الاسم ،
فأمر( أي : ابن جماعة ) الموقعين أن لا يكتبوا له في السجلات قاضي القضاة بل قاضي المسلمين ،
وفهم من قول أبيه أنه أشار إلى هذه التسمية ، مع احتمال أنه أشار إلى الوظيفة ،
بل هو ( أي : أن الإشارة إلى التسمية لا إلى الوظيفة ) الذي يترجح عندي ،
فإن التسمية بقاضي القضاة وجدت في العصر القديم من عهد أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ،
وقد منع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك ،
مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة ،
وكأن وجه التفرقة بينهما الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة .
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة :
يلتحق بملك الأملاك قاضي القضاة وإن كان اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان
إطلاق ذلك على كبير القضاة ،
وقد سلم أهل المغرب من ذلك فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة ،
قال : وفي الحديث مشروعية الأدب في كل شيء ؛
لأن الزجر عن ملك الأملاك والوعيد عليه يقتضي المنع منه مطلقا ،
سواء أراد من تسمى بذلك أنه ملك على ملوك الأرض أم على بعضها ،
سواء كان محقا في ذلك أم مبطلا ،
مع أنه لا يخفى الفرق بين من قصد ذلك وكان فيه صادقا ، ومن قصده وكان فيه كاذبا . )انتهى

هذا والله تعالى أعلى وأعلم