عرض مشاركة واحدة
  #58  
قديم 03-07-2011, 11:47 AM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

توبة فتاة مستهترة

في هدأة الليل ، وسكون البحر ؛ كانت الباخرة المصرية ( سالم إكسبرس ) تمخر عباب البحر الأحمر متوجهة إلى الميناء المصري ، وعلى ظهرها قرابة 500 راكب ما بين غافل لاهٍ – وهم الأكثر – ومصلٍّ ساجد ، وأراد قبطان الباخرة اختصار الزمن ؛ فسلك طريقاً غير المعتاد ، فوقعت الكارثة حيث اصطدمت الباخرة ببعض الجبال المرجانية الحادة ، مما أدى إلى غرقها .. وقد نجا من نجا ، وهلك من هلك ، وكل ذلك بتقدير من الله عز وجل ، وله الحكمة البالغة سبحانه ، وقد كان لهذه الحادثة الأليمة وقع كبير في نفوس الكثيرين ، منهم صاحبة هذه القصة حيث تقول :
أنا فتاة ، منّ الله عليّ بالهداية والاستيقاظ من الغفلة قبل فوات الأوان ، وإليكم قصتي لعل الله أن ينفع بها :
حياتي كلها كانت مختلطة متبرجة ، عشتها كما أردتها لنفسي ، كان لي دخل شهري جيد أتقاضاه من عملي ، ولكن الله نزع منه البركة فلم انتفع به نفعاً يذكر .. فقد كنت أنفق ثلاثة أرباعه في شراء الملابس الضيقة والقصيرة ، وأصباغ المكياج التي ألطخ بها وجهي كلما أردت الخروج ، ولا أشتري إلى أغلى العطورات الفواحة لدرجة أن بعض جيراني ورفقائي من (( الجنسين )) ( !!! ) كانوا يتنبئون بمقدمي من رائحة عطري الفواحة التي تُشم من على بُعد ([2]) . .. كنت مغرمة باتباع ما تجلبه ( الموضة ) من قصات الشعر وتسريحاته ، ولا أرضى بعمل تسريحات شعري إلا عند ( الكوافير ) الذي لا يعمل به إلا الرجال ( !!! ) .. وكانت لي رحلات تنزه مختلطة كنا نقضيها في المزاح والغناء المحرم .. .وهذا والله ما يريده أعداء الإسلام من شباب المسلمين يريدون منهم أن يكونوا كالبهائم العجماوات .. لا همّ لهم إلا البحث عن الشهوات ([3]) .
واذكر مرة أني كنت في رحلة مختلطة ، فكنا نغني ونسرد أنواع النكت والأهازيج .. مما جعل سائق الحافلة بتضجر وينزعج من أصواتنا العالية ، وأخذ ينظر إلينا بعين السخرية ، وأراد مرة أن يختبرنا فقال : هل أنتم تجيدون حفظ جميع الأغاني ؟ قلت له وبكل ثقة : نعم .. هل تريدني أن أغني لك ؟ لكنه لم يجبني ، ثم عاد وسأل مرة ثانية : هل تعرفون إجابة كل شيء ؟ .. قلنا جميعاً وبثقة متناهية : نعم نحن نعرف كل شيء .. فقال : إذن سأطرح عليكم سؤالاً فأجيبوني عليه : كم عدد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ . فتلعثمنا جميعاً ، ولم يستطع أحد منا الإجابة على هذا السؤال لجهلنا التام بالجواب .. إنها والله الحقيقة غير مبالَع فيها .. فأنا لم أستطع الجواب لأني كنت أسخر من الإخوة الذين باعوا هذه الدنيا الفانية بالآخرة الباقية ، وأستهزيء بالمحجبات ، وأطلق عليهن عبارات السخرية بملابسهن المحتشمة ..
وظللت على حالتي هذه إلى أن جاء موعد سفري إلى السعودية للعمل فيها ، وهناك ؛ فوجئت بأن النساء كلهن يرتدين الحجاب الكامل .. ظننت لأول وهلة أنه زِي ترتديه الموظفات عند خروجهن إلى العمل وسرعان ما يخلعنه في السوق أو الشارع .. فإذا بي أفاجأ بهن وهن يلبسنه في كل مكان بلا استثناء .. والله لم أكن أتصور أنه يوجد أحد في هذه الدنيا على مثل هذه الهيئة من الستر والاحتشام .
وبعد فترة وجيزة من قدومي قابلت في عملي أختاً صالحة تعرف من الدين ما قُدِّر لها معرفته ، فكانت تأمرني بالحجاب الشرعي ، فكنت أسخر منها ، ولا أطيق الجلوس معها لكثرة كلامها عن الدين والحجاب ، وعلى الرغم من نفوري منها إلا أنها لم تيأس من نصحي وتذكيري وإهدائي بعض الأشرطة والكتيبات النافعة التي يحتاجها أمثالي ، حتى بدأت أميل بعض الشيء إلى كلامها .
ودارت الأيام ، ورزقني الله بزوج صالح يعرف الله جيداً ، فأخذ يرغبني في الله ، ويأمرني بالصلاة ، فتأثرت بكلامه ، واستطاع بأسلوبه الطيب أن يجذبني إلى طريق الإيمان ويحببه إليَّ ، وإن كنت لما ألتزم بعدُ التزاماً كاملاً ..
فبينا أنا كذلك ؛ إذ هز مسامعي وزلزل كياني خبر كان وقعه عليَّ كالصاعقة .. إنه خير تحطم الباخرة المصرية (( سالم إكسبريس )) وغرقها في عمق البحر الأحمر .. لقد أحدث هذا الخبر هزة عنيفة في نفسي لم أتمالك معها عيناي حتى ذرفتُ دموعاً حارة ، وبكيت بكاءً مريراً ، فاستيقظت أخيراً من غفلتي ، وسألت نفسي سؤالاً صريحاً : إلى متى الغفلة ؟ إلى متى أظل أسيرة الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء ؟؟ .. ودارت في مخيلتي أسئلة كثيرة من هذا القبيل ، وبعد لحظات من التفكير ومحاسبة النفس ؛ نهضت مسرعة إلى تلك الأخت الفاضلة ( التي كنت أكره الجلوس معها سابقاً ) وبحوزتي جميع الأشرطة الغنائية التافهة فأعطيتها إياها للتسجيل عليها من تلاوات وخطب ومحاضرات إسلامية ..
وأعلنت توبتي النصوح ، وعاهدت ربي أن يكون هدفي في هذه الدنيا هو إرضاء الله عز وجل والاستقامة على دينه ، وحقيقة ، لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أني سأرتدي الحجاب أو أقلع عن التعطر عند الخروج من المنزل ووضع المكياج ، وإني لأحمد الله عز وجل حمداً كثيراً على هدايتي واستيقاظي من غفلتي قبل حلول أجلي .. والله الموفق .
أختكم إيمان ...

[1] - كتبتها لي بنفسها .

[2] - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل عين زانية ، والمرأة إذا استعطرت فمرت على قوم ليجدوا رائحتها فهي زانية )) رواه الثلاثة وصححه الترمذي .

[3]- لما عجز المنصرون عن تنصير المسلمين في مصر والبلاد العربية ؛ وقف أحد زعمائهم ليقول لهم : (( ليست مهمتكم هي إدخال المسلمين في المسيحية ، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً .. إن مهمتكم أن تخرجوا المسلمين من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها .. إلى أن قال : إنكم أعددتم نشأ لا يعرف الصلة بالله ، ولا يريد أن يعرفها .. لا يهتم بعظائم الأمور ، ويحب الراحة والكسل ، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب ، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات ، وإذا جمع المال فللشهوات ؛ وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات .. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات .. )) .
رد مع اقتباس