عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 10-26-2010, 10:34 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس التاسع
تكملة شرح مقدمة الكتاب


قولـه ( الرحمـــن الرحــيم )...

الرحمن على وزن فعلان ، والرحيم على وزن فعيل ، ومن المعلوم فى اللغة أن كثرة المبنى تدل على سعة المعنى فى اللفظ الواحد ، وبناء عليه فالرحمن أوسع معنى من الرحيم . وقال ابن كثير فى تفسيره : زعم بعضهم أن الرحيم أشد مُبالغة من الرحمن لأنه أكَّـد به والتوكيد يكون أقوى من المؤكد .
ولكنه رد عليهم بقوله : هذا ليس من باب التوكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه ، ويؤكد أن الرحمن أشد مبالغة فى الرحمة لعمومها فى الدارين لجميع خلقه ، ولذلك قرن هذا بالعرش فقال جل من قائل : { الرحمن على العرش إستوى } طه 5 . أما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين لقوله تعالى { هو الذى يُصلى عليكم وملائكته ليُخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيماً } الأحزاب 43 .
سؤال : إذا كان الرحمن أشد مُبالغة من الرحيم فلماذا لم يكتف به ؟
الإجابة : قد أجاب بعضهم عن ذلك بأنه حين تجرأ البعض من الكذابين فسمى نفسه ( الرحمن ) – وهو مسيلمة الكذاب – جئ بلفظ الرحيم ليقطع التوهم فى ذلك فإنه لا يُوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى .
لكن هذه الإجابة يرد عليها بأن القرآن قديم وتسمية الله تعالى بأسمائه قديمة وليست معللة بعلة إلا ما توحى به معانيها العظيمة وما يبطن فى علم الله منها . وإشتراك الأسماء فى اللفظ أو المعنى إنما هو لتأكيد عظمة الله وقيوميته وقد ورد من أسمائه المُعطى والرزاق والوهاب كما ورد الرءوف والرحيم والعفو وكلها تشير إلى معان متقاربة .
وقيل أن لفظ الرحمن يدل على من تصدُر عنه آثار الرحمة بالفعل وهى إفاضة النعم والإحسان أما لفظ الرحيم فيدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان وبهذا لا يستغنى بأحد الوصفين عن الآخر ولا يكون الثانى مؤكداً للأول ويكون ذكرها بعد صفة الرحمن كذكره الدليل بعد المدلول ليقوم به البرهان .
سؤال : هل ( الرحمن الرحيم ) مشتقان أم لا اشـتقاق لهما ؟
الإجابة :
قال القرطبى : إختلف العلماء فى إشتقاق اسم الرحمن ، فقال بعضهم : لا إشتقاق له ، لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولو كان مشتقاً من الرحمة لأتصل بذكر المرحوم فجاز أن يُقال : الله رحمن بعباده كما يُقال : رحيم بعباده . ولو كان مشتقاً من الرحمة لم تُنكره العرب حين سمعوه فقد كانوا لا يُنكرون رحمة ربهم ولكنهم إستنكروا هذا الإسم حين سمعوه وأخبر القرآن الكريم بذلك حيث قال :{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً } الفرقان 60 ، ولما كتب علىٌ رضى الله عنه فى صلح الحديبية بأمر النبى صلى الله عليه وسلم { بسم الله الرحمن الرحيم } قال سُهيل بن عمرو : أما بسم الله الرحمن الرحيم فما ندرى ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن أكتب ما نعرف ( بإسمك اللهم ) .
وقال تعالى { كذلك أرسلناك فى أمة قد خلت من قبلها أُمم لتتلوا عليهم الذى أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب } الرعد 30 .
وعلى هذا فهذا الإسم غير مشتق مرتجل ولم ينقل من الرحمة ..
ولكن .. بعض العلماء يقولون أنه منقول ومشتق من الرحمة ، وقد بُنى على هذه الصيغة لمقتضى المبالغة ومعناه : ذو الرحمة التى لا نظير لها أو لا نظير لله فيها ، وهو من أجل ذلك لا يُثنّـى ولا يُجمع كما يُثنى الرحيم يُقال ( رحيمان ) .. ومما يدل – فيما يحكيه القرطبى على إشتقاقه ما أخرجه الترمذى وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل [ أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من إسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ] .. لكن هذا النص يقضى بإشتقاق الرحم لا بإشتقاق الرحمن ..
والقرطبى يُرجح أن الإسم مشتق ويقول : لا معنى للمخالفة والشقاق أما إنكار الكفار لهذا الإسم فمرجعه إلى جهلهم بالله وما يجب له .
ويؤكد ابن منظور أن الرحمن إسم عربى مبنى على وزن فعلان الذى يفيد الكثرة ، وذلك أن رحمة الله وسعت كل شئ ، ومعنى ذلك أنه مشتق من الرحمة . وقد ذكر الرحيم بعده لأن الرحمن مقصور على الله عز وجل والرحيم يكون لله ولغيره .
وعلل الفارسى هذا الترتيب أى ذكر الرحيم بعد الرحمن بقوله : جئ بالرحيم بعد إستغراق الرحمن معنى الرحمة لتخصيص المؤمنين به فى قوله تعالى { هو الذى يُصلى عليكم وملائكته ليُخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً } الأحزاب 43 فخـصّ بعد أن عمَّ .
وقال الزجاج : وقد يكون إسم الرحمن موجوداً فى الكتب السابقة ولكنهم لم يكونوا يعرفون أنه من أسماء الله حتى جاء القرآن الكريم فعرّفهم ذلك .
أما الرحيم فلا خلاف فى إشتقاقه فهو فعيل بمعنى فاعل . قال الحسن : الرحمن إسم ممتنع لا يُسمى غير الله به أما الرحيم فليس كذلك فقد يُقال : رجل رحيم .
وقال غيره : الرحمن اسم يختص به الله عز وجل ولذلك قال تعالى :
{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحُسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تُخافت بها وابتغِ بين ذلكَ سبيلاً } الإسراء 110
وقيل هما مشتقان معاً وهما بمعنى واحد ويجوز تكرار الإسمين إذا اختلف إشتقاقهما على وجه التوكيد كما يُقال : فلان جادٌ مُـجدٌ .
سؤال : ما معنى اسم الرحمن وما معنى اسم الرحيم ؟

الإجابة : قال ابن عباس : الرحمن والرحيم إسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، وقد ورد إن الله رفيق يُحب الرفق ويُعطى على الرفق ما لا يُعطى على العُنف .
وقال ابن المبارك : الرحمن إذا سُئل أعطى والرحيم إذا لم يُسأل غضب ، وقد ورد ذلك فى حديث شريف رواه ابن ماجه والترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يسأل الله غَضِبَ عليه " . أجل الله يغضب حين لا يُسأل ، وهو الذى يقول لعباده : { وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين } غافر 60 .
وقال الحكيم الترمذى : الرحمن بالإنقاذ من النيران ، والرحيم بإدخال الجنان .
وقال علىّ بن أبى طالب : الرحمن فهو عون لكل من آمن ، وهو اسم لم يُسمَّ به غيره . وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحاً .
ويذكر ابن القيم أن من أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم من تضمنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وإخراج الحب ، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح ، ولكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الإسم حظ البهائم والدواب وأدرك منه أولوا الألباب أمراً وراء ذلك .
واسم الرحمن يتضمن إثبات النبوات فإن رحمته تمنع إهمال عباده وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم .
وقال ابن القيم : الرحمن الذى الرحمة وصفه ، والرحيم الراحم لعباده ، ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين قال تعالى : { وكان بالمؤمنين رحيماً }33 – 43 وقال تعالى : { إنه بهم رؤوف رحيم } 9 – 117 مع ما فى اسم الرحمن الذى هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ، ألا ترى أنهم يقولون ( غضبان ) للمتلئ غضباً و ( ندمان ) و ( حيران ) و ( سكران ) و ( لهفان ) لمن مُلئ بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن إستواءه على العرش بهذا الإسم كثيراً كقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } 20 – 5 و { ثم استوى على العرش الرحمن } 26 – 59 فأستوى على عرشه بإسم الرحمن لأن العرش مُحيط بالمخلوقات قد وسعها ، والرحمة مُحيطة بالخلق واسعة لهم . كما قال تعالى { ورحمتى وسعت كل شئ } 7 – 126 فأستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شئ .
وفى الصحيح من حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " لما قضى الله الخلق كتب فى كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتى تغلب غضبى " وفى لفظ " فهو عنده على العرش " ، فتأمل إختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش .
وطابق بين ذلك وبين قوله : { الرحمن على العرش استوى } ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب ، وأما الرحمة فهى التعلق والسبب الذى بين الله وبين عباده ، فالتأليه منهم له ، والربوبية منه لهم ، والرحمة سبب وأصل بينهم وبينه ، بها أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ، وبها هداهم ، وبها أسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سببب الرحمة .
سؤال : ما هى خصـائص أسم الرحمن ؟

الإجابة : لقد أوجب الله سبحانه خصائص كثيرة لاسمه الرحمن ، فمن تلك الخصائص :
1) أنه جعل اسم الرحمن ذكراً للذاكرين ونبّـه إلىالإستعاذة به .
قال تعالى : على لسان مريم : { قالت إنى أعوذ بالرحمن منكَ إن كنتَ تقياً } مريم 18
2) وفىالتوكل على الله :
قال تعالى : { قل ربِ احكُم بالحقِ وربُنا الرحمنُ المستعانُ على ما تصفون } الأنبياء 112
وقال تعالى { قل هو الرحمنُ ءامنا بهِ وعليه توكلنا فستعلمون من هو فى ضلالٍ مُبين } المُلك
3) وفى الصوم :
قال تعالى : { فكلى واشربى وقرّى عيناً فإمّا تَرَيِنَّ من البشرِ أحداً فقولى إنى نذرتُ للرحمنِ صوماً فلن أكلم اليومِ إنسياً } مريم 26
4) وفى الذكر به : قال تعالى : { قلِ ادعو الله أو ادعو الرحمنَ أيّاً ما تدعو فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تُخافت بها وابتغِ بين ذلك سبيلاً } الإسراء 110
5) وفى حشر الناس :
قال تعالى : { يوم نحشرُ المتقينَ إلى الرحمنِ وفداً } مريم 85
6) كما أسند تعليم القرآن إلى هذا الإسم :
قال تعالى : { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علّمهُ البيان } الرحمن 1-4 .
7) ونبّه إلى أن الغفلة عن ذكر هذا الإسم تستوجب المقت من الله وإستيلاء الشيطان على الغافل . قال تعالى { ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نُقيِّـض له شيطاناً فهو لهُ قرين } الزخرف 36 .
8) وفى وصف الصالحين من عباده :
قال تعالى : { وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلونَ قالوا سلاماً } الفرقان 63 .
9) والصفة الوحيدة التى لها إسمان هى الرحمة ، فالكرم له إسم واحد ( الكريم ) والعطاء والسمع والبصر ... إلخ وهذا إمعان فى الطلب فيها وإمعان فى إستحقاقه لها سبحانه وتعالى .
قال تعالى : { فما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } .
سؤال : قال الله سبحانه وتعالى : { وعباد الرحمن .. } فلماذا قرن عباده بإسم الرحمن ولم يقل مثلاً ( وعباد الجبار ) ؟

الجوال : لأن ذلك من رحمة الله بنا أن عبدناه ولم نعبد غيره ، ولأن عبادتنا لله سبحانه وتعالى ناتجة من رحمته بنا وليست بناء على قهره لنا وهو القادر على ذلك ، فمن رحمة الله بنا أن هدانا إلى الحق والصواب فالنفس مفطورة على العبادة فإن لم تعبد الله عَبَدت غيره ، فتجد من يعبد الشجر أو الحجر أو البقر فهؤلاء فى ضلال.. أما من عرف الله الواحد الأحد المستحق للعبادة فهذا قد رحمه الله بأن هداه ، وهذا هو الفرق بين عبادتنا لله وبين عبادة غير الله ، ولذلك كان من التشريف أن أضاف العباد إلى إسمه سبحانه وتعالى وأختار إسم الرحمن لأنه فى موطن فضل وعطاء منه .
قوله ( الرحمن الرحيم ) قال ابن جرير : حدثنى السَّرِىُّ بن يحيى حدثنا عثمان بن زُفَر قال : سمعت العَزْرَمى يقول : الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين ، وساق بسنده عن أبى سعيد – يعنى الخدرى – قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم قال : الرحمن رحمن الآخرة والدنيا والرحيم : رحيم الآخرة ..
هذا الأثر يوضح أن الله سبحانه وتعالى اتصف بهاتين الصفتين وتسمى بهذين الإسمين ..
الرحمن على وزن فعلان والرحيم على وزن فعيل ، والمعلوم فى اللغة أن كثرة المبنى تدل على سعة المعنى فى اللفظ الواحد وهما من الرحمة فكان اسم الرحمن أوسع معنى من اسم الرحيم ، ولابد هنا من أن أذكر أن السعة غير الكمال فلا يُقال الرحمن أكمل من الرحيم ، فكلاهما صفة كمال وأسماء الله كلها كمال فأنتبه لذلك وراجع ما ذكرناه آنفاً بهذا الصدد .
وقالوا أن الرحمة فى إسم الرحمن أوسع حيث أنها للخلق جميعاً مؤمنهم وكافرهم ، أما الرحمة فى إسم الرحيم فهى خاصة بالمؤمنين فقط .
وقوله : وساق بسنده عن أبى سعيد ... إلخ .. فهذا الأثر ضعيف فى سنده إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة ، وهو كذاب ، ولكن ما يهمنا أن المعنى صحيح .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فأسمه ( الله ) دلَّ على كونه مألوهاً معبوداً يألهه الخلائق محبةً وتعظيماً وخضوعاً ومُفزعاً إليه فىالحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنين لكمال المُلك والحمد .. وإلهيته وربوبيته ورحمانيته ومُلكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحى ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ولا فعّال لما يُريد ولا حكيم فى أقواله وأفعاله . فصفات الجلال والجمال أخص بإسم الله ، وصفات الفعل والقُدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص بإسم الرب ، وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص بإسم الرحمن ..
الشرح : يقول ابن القيم أن إسم الله دالٌ على كونه مألوهاً معبوداً ، فقد ذكرنا آنفاً أن هناك عدة خصائص لفظية لإسم الجلالة ( الله ) منها : المحبة والإنابة واللوذ ... إلخ وأهمها هى المعبود ، فهى تشتمل على كل المعانى السابقة ، ويألهه أى يُحبه ويعبده ويخافه ولذلك قال يألهه الخلائق محبةً وتعظيماً وخضوعاً ومُفزعاً إليه . فمن المعلوم أن الإنسان عند الحوائج يرجو جهةٍ ما ويسلك مسلك ما يقضى به حاجته ، فالحاجة تدفع الإنسان ، والله هو المُفزع إليه لأنه مصدر قضاء هذه الحاجات وليس هناك غيره ، ولذلك كان ذلك مستلزم لكمال ربوبيته ، فما دام قادر على قضاء الحوائج للمحتاجين كان لزاماً أن يكون أهلاً لذلك ، وهنا قضية هامة وهى * قضيةالتلازم بين الإلهية والربوبية * : فكون العبد يعتقد أن الله قادر وحده على قضاء حوائجه فيفزع إليه هذا تأليه ، وكونه يعتقد هذا فيقوم بناءً على هذا الإعتقاد بإتباع مسلك معين ، والمسلك كما قلنا من قبل هو فرع عن التصور فإن سلم التصور سلم المسلك ، فكونه يعتقد أن الله يقضى حوائجه فيفزع إليه فيطلب منه ويدعوه فهذه ربوبية حيث أن الطلب عبادة تتضمن أنه تعالى مالك متصرف ، فهذه العبادة منزلة فى حق الله تعالى على أنه رب .. وهذا أيضاً مستلزم لكمال رحمته فكونه يقضى الحوائج فهذا لأنه أيضاً حنّان منّان . وهذا يتضمن كمال الملك والحمد فهو دائم العطاء فهو مجيد سبحانه يستلزم الحمد ،وهذا كله يستلزم جميع صفات الكمال فلابد أن يكون قادر لابد أن يكون سميع بصير .. إلخ فكيف يكون قاضى لحوائج المحتاجين ولا يتصف بهذه الصفات ..

* التلازم هو علاقة بين أمرين أو شيئين لا ينفك أحدهما عن الآخر بحيث يكون أحدهما ملزوم والآخر لازم ولكن بشروط : (1) وجود القدرة عند الملزوم أن يأتى بلازمه (2) أن لا يمنع من ترتب اللازم على ملزومه مانعاً مثال : الإضاءة فى المصباح الكهربائى لا تنفك عن المصباح إذا مرّ فيه تيار كهربائى لكن لابد من أمرين (1) قدرة التيار على إضاءة المصباح (2) عدم وجود عقبة فى المصباح ( ويكون الإضاءة لازم والتيار ملزوم )
ثم حاول ابن القيم إيجاد رابطة بين ثلاثة أسماء كثر إستخدامها فى الكتاب والسنة دلالة وتعريف برب العالمين .. وهى : اللــــه الرحمـــــن الــــــرب
وتجدها فى سورة الفاتحة : الحمد لله رب العالمين الرحمن .. ولهذا حكمة تتعلق بالتكليف ، وأراد ابن القيم توضيح شئ منها فقال : أن إسم الله دالٌ على التأليه ، وإسم الرب دال على الربوبية وخصائصها ثلاث : (1) المُلك (2) السيطرة (3) التصرف .. فأبواب الشرك تكون فى أحد هؤلاء الثلاث فيظن أن هناك شريك فى المُلك أو مُعين أو ظَهير أو يظنوا أن هناك شفيع ، ونفى الله سبحانه وتعالى هذا فى الآية { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةٍ فى السموات ولا فى الأرض .. }
فكانت هذه الآية بمثابة المناظرة من الله تعالى إلى المشركين ليعودوا إلى صوابهم فأبلغهم بحقيقة كل ما يمكن أن يجول فى خاطرهم .
أما إسم الرحمن فهو دالٌ على الرحمة والعفو والكرم والعطـف ...
وعلى هذا فصفات الله عز وجل تنقسم إلى ثلاث أقسام :
( أ ) صفات الجلال والكمال :وهذا يختص بإسم : اللــــــه
( ب ) صفات القوة ونُفوذ المشيئة والتفرد والعطاء : وهذا يختص بإسم : الـــــرب
( ج ) صفات الإحسان والجود والبر والرأفة والحنان : وهذا يختص بإسم : الرحمـــن
تنبيــه :

أن الإسم من أسماء الله تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التى إشتُق منها بالمطابقة فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم ، مثال : إسم السميع يدل على ذات الله وسمعه بالمطابقة وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن ويدل على إسم الحى وصفة الحياة باللزوم ، وكذلك سائر أسمائه وصفاته فلابد من فهم لوازم الصفات لأن من علم ذلك أثبت من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ما يُنكره ما لم يعرف لزوم ذلك مثال : إسمه العلى من لوازمه العُلو المُطلق من كل الوجوه ، عُلو القُدرة وعُلو الذات ، فمن جحد عُلو الذات فقد جحد لوازم إسمه العلى . وهكذا ..
وقال رحمه الله أيضاً : الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلُقها بالمرحوم ، وإذا أردت فهم هذا فتأمّل قوله تعالى { وكان بالمؤمنين رحيماً } ،وقوله تعالى { إنه بهم رؤوف رحيم } ولم يجئ قط رحمان بهم ، وقال : إن أسماء الرب تعالى هى أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله فلا تنافى فيها بين العلمية والوصفية فالرحمن إسمه تعالى ووصفه ، فمن حيث هو صفة جرى تابعاً لإسم الله ، ومن حيث هو إسم ورد فى القرآن غير تابع بل ورد الإسم العلم كقوله تعالى { الرحمن على العرش إستوى } .. إنتهى ملخصاً ..
الشرح :

يقول أن الرحمن إسم ذات مما يدل على تعلق صفة الرحمة بالله سبحانه وتعالى ، وأن الرحيم إسم صفة ، وبالتالى فهى دالة على رحمة الله لخلقه ودلالة ذلك أنه عندما وصف سبحانه رحمته بخلقه قال رحيماً ولم يقل قط رحمن ، وعندما يصف الله نفسه يقول : رحمـن ..
ولذلك فإن الرحمن صفة ذاتية ( خاصة بالله سبحانه ) والرحيم صفة فعلية ( خاصة بخلقه ) أو بمعنى آخر هى صفة لفعله سبحانه وتعالى . وأسماء الرب تعالى كما هى عقيدة أهل السُنة والجماعة مشتقة من مصادرها التى تدل على الصفة وليست مجرد أسماء وأعلام ، وليست كأسماء المخلوقين ليست لها معنى بل هى دالة على صفات كمال ولا تنافى فيها بين العلمية من حيث كونها دالة على الله سبحانه وتعالى والوصفية التى هى دالة على صفات الله سبحانه وتعالى ، فإن أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهى مشتقة من الصفات فهى أسماء وهى أوصاف ، وبذلك كانت حُسنى إذ لو كانت ألفاظاً لا معانى فيها لم تكن حُسنى ولا كانت دالة على مدح ولا كمال ولساغ وقوع أسماء الإنتقام والغضب مقام الرحمة والإحسان .. وأعلم أن نفى معانى أسمائه الحُسنى من أعظم الإلحاد فيها ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجُز أن يُخبر عنها بمصادرها ويوصف بها ، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها كقوله تعالى { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } 51-58 فعُلمَ أن القوى من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة .. وهكذا أمثلة كثيرة من القرآن والسُنة ، ولو لم تكن أسماؤه ذوات معانى لكانت جامدة كالأعلام المحضة ولم يكن فرق فى مدلولاتها وهذا مكابرة صريحة وبهت بيِّن .. [ قال ابن القيم : فإن من جعل معنى إسم القدير هو معنى إسم السميع البصير ومعنى إسم التواب هو معنى إسم المنتقم ، ومعنى إسم المُعطى هو معنى إسم المانع ، فقد كابر العقل واللغة والفطرة . فنفى معانى أسمائه من أعظم الإلحاد فيها .. أ..هـ ]
فالرحمن والرحيم إسمان وصفتان لله سبحانه وتعالى أحدهما أوسع من الآخر فى المعنى ، والرحمن إسم ذات ، والرحيم إسم صفة ، فالرحمن دال على الله عز وجل مقترن بذاته وتلحق به الأفعال { الرحمن على العرش إستوى } والرحيم من حيث كونه صفة يلحق هو بإسم الله . الرحمن يدل على تعلق صفة الرحمة بالله وذات الله ، والرحيم يدل على وقوع الرحمة بالمرحوم .
قوله : الحمد لله

معناه الثناء بالكلام على الجميل الإختيارى على وجه التعظيم ، فمورده اللسان والقلب ، والشكر يكون باللسان والجنان والأركان فهو أعم من الحمد متعلقاً وأخص منه سبباً لأنه يكون فى مقابلة النعمة ، والحمد أعم سبباً وأخص متعلقاً لأنه يكون فى مقابلة النعمة وغيرها فبينهما عموم وخصوص وجهى يجتمعان فى مادة وينفرد كل واحد عن الآخر فى مادة ..
الشرح : عرفنا الحمد آنفاً وعرفنا أن الحمد مورده أى مصدره القلب واللسان ، أما الشكر فمورده القلب واللسان والجارحة . فهما من جنس واحد إلا أن :
الحمد يكون بغير مقابل والشكر يكون فى مقابل النعم .
الحمد مورده القلب واللسان والشكر مورده القلب واللسان والجارحة
فيكون الحمد أعم سبباً لأنه يكون بمقابل أو بدون مقابل ، وأخص متعلقاً لأنه بالقلب واللسان ولا دخل للعمل فيه .
أما الشكر فهو أعم متعلقاً لأنه يتعلق بالقلب واللسان والجارحة وأخص سبباً لأنه يكون مرتبط بوجود مقابل.
وكلاهما يجتمع فى مادة القلب واللسان ، ولكن الشكر إنفرد بالجوارح ، والحمد إنفرد بأنه بلا مُقابل ، ولذلك قال تعالى { إعملوا آل داول شكراً } لأن مقام الشكر يدخل فيه العمل .. ومقام الحمد أعلى لأنه بلا مقابل ، ولذلك فإن كل من حَمَد شَكَر وليس من شَكَر حمَد ، ولذلك قالوا : الحامدون هم العارفون لربهم أى أهل المعرفة ، والشاكرون هم العارفون لِنِعَمِهِ . ولذلك تجد الآيات التى جاءت بالحمد فيها تعريف بالله عز وجل { الجمد لله رب العالمين } { الحمد لله فاطر السموات والأرض } .
سؤال : هل الحمد لله هى تعريف فقط أم تعريف وإلزام ؟

هى تعريف وراءه إلزام ، مثلاً الفاتحة { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * } فهذا تعريفٌ بالله سبحانه وتعالى ثم جاء بعد التعريف { إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين } فهى وصف لله بأنه هو المستحق للإستعانة به فأصبحت إجابة الحمد لله الإنفعال بعد المعرفة ، ولذلك قال { إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعين } متضمنة لكل صفات الله عز وجل وأسمائه .
وهنا ملحوظة : أن الله عندما يصف نفسه يصفها بالأعلى ، وعندما يطلب من العباد يطلب الحد الأدنى وذلك حين وصف نفسه قال { الحمد لله } وحين طلب من العباد طلب الشكر فهذا هو الحد الأدنى الذى إذا تركه العبد هَلَك
نكمل المرة القادمة ان شاء الله

الواجب
اذكر خصائص اسم الرحمن

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 10-26-2010 الساعة 10:38 PM