عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 06-27-2008, 02:14 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

قـول الصـحـــابي

القاعدة الأولى : قول الصحابي فيما لا نص فيه يعتبر حجة إذا لم يخالفه غيره

قول الصحابي يكون حجة ولو لم يشتهر بشرط أن لا يخالفه غيره وليس المراد بأن ( قول الصحابي حجة ) هو أنه حجة بذاته كالكتاب والسنة فإنهما حجة بذاتهما ، وإنما ( قول الصحابي حجة ) لما احتف بقوله من أدلة وقرائن تدل على حجية قوله ، فهو حجة بالغير ، وعليه فلا يحتج محتج بقوله صلى الله عليه وسلم(( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً : كتاب الله وسنتي )) . أخرجه الحاكم ( 1/93 ) وصححه الألباني في الصحيحة ( 1761 ) .
فيقول : لم يذكر في الحديث قول الصحابي ، ولو كان حجة لذكر في الحديث ، والجواب : أنه لم يذكر الإجماع والقياس أيضاً مع أنهما من الحجج الشرعية وذلك لأن الإجماع والقياس حجة بالغير لا بالذات ، وكذلك قول الصحابي ، بخلاف الكتاب والسنة فإنهما حجة بذاتهما .
والقول بأن قول الصحابي حجة هو قول الأئمة الأربعة ، قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 20/14 ) : وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع ، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوليه ، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع ، ولكن من الناس من يقول هذا هو القول القديم . انتهى .
وقد ذكر ابن القيم في أعلام الموقعين ( 4/104 ، 136 ) لحجية قول الصحابي ستا وأربعين وجهاً ، فمن تلك الأوجه أن الله تعالى قال في كتابه: { والسِّابِقونَ الأوَّلُونَ مِنَ المهَاجِرينَ والأنْصَارِ والذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَضِي الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } ( التوبة : 100 ) .
فحصول الرضوان حاصل لكل واحد منهم ، فاقتضت الآية الثناء على من اتبع كل واحد منهم فالآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا واتبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم فقد صح عليه أنه اتبع السابقين .
ومن تلك الأوجه أيضا : أنهم هم الأئمة الصادقون وكل صادق بعدهم فيهم يؤثم في صدقه بل حقيقة صدقه اتباعه لهم وكونه معهم .
ومن تلك الأوجه : أنهم خير القرون مطلقاً فلو جاز أن يخطيء الرجل منهم في حكم وسائرهم لم يفتوا بالصواب وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطئوا هُمْ لزم أن يكون ذلك القرن خيراً منهم من ذلك الوجه ، لأن من يقول قول الصحابي ليس بحجة يجوز عنده أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابي قولاً ولم يخالفه صحابي آخر وفات هذا الصواب الصحابة فيا سبحان الله أي وصمة أعظم من أن يكون الصديق أو الفاروق أو عثمان أو علي أو ابن مسعود أو سلمان الفارسي أو عبادة بن الصامت وأضرابهم رضي الله عنهم قد أخبر عن حكم الله أنه كيت وكيت في مسائل كثيرة أخطأ في ذلك ، ولم يشتمل قرنهم على ناطق بالصواب في تلك المسائل حتى جاء من بعدهم فعرفوا حكم الله الذي جهله أولئك السادة سبحانك هذا بهتان عظيم .
ومن تلك الأوجه : أن النبي صلى الله عليه وسلمأمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين .
ومن تلك الأوجه : أن النبي صلى الله عليه وسلمدعا لابن عباس أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل ومن المستبعد جداً بل من الممتنع أن يفتى ابن عباس بفتوى ولا يخالفه فيها أحد من الصحابة ويكون فيها على الخطأ ، ويفتي واحد من المتأخرين بخلاف فتواه ويكون الصواب معه ويحرمه ابن عباس .
ومن تلك الأوجه : أن الصحابي إذا قال قولاً فله مدارك ينفرد بها منها : أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم.
( الثـاني ) أن يكون سمعها ممن سمعها منه .
( الثالث ) أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فِهْماً خفي علينا .
( الرابع ) أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده .
( الخامس ) أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ الذي انفرد به عنا ، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب ، أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمن من رؤية النبي صلى الله عليه وسلمومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته والعلم بمقاصده فتكون فتواه حجة .
ومن تلك الأوجه : أن الأرض لا تخلوا من قائم لله بحجة فلو جاز أن يخطئ الصحابي في حكم ولا يكون في ذلك العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في الأمة قائم بالحق في ذلك الحكم .
ومن تلك الأوجه : أنه لم يزل أهل العلم في كل عصر ومصر يحتجون بفتاواهم وأقوالهم ولا ينكره منكر منهم وتصانيف العلماء شاهدة على ذلك .. ، فأي كتاب شئت من كتب السلف والخلف المتضمنة للحكم والدليل وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة ولم تجد فيها قط ـ ليس قول أبي بكر وعمر حجة ـ ولا يحتج بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلموفتاويهم .
فإن قيل : لو كان قوله حجة بنفسه لما أخطأ ولكان معصوماً فإذا كان يفتي بالصواب تارة وبغيره أخرى فمن أين لكم أن هذه الفتوى المعينة من قسم الصواب . قيل : الأدلة المتقدمة تدل على انحصار الصواب في قوله في الصورة المفروضة الواقعة وهو أن من الممتنع أن يقولوا في كتاب الله الخطأ المحض ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به فهذا هو المحال وبهذا خرج الجواب عن قولكم لو كان قول الواحد منهم حجة لما جاز عليه الخطأ فإن قوله لم يكن بمجرده حجة بل بما انضاف إليه مما تقدم ذكره من القرائن . انتهى ما ذكره ابن القيم ملخصا .

القاعدة الثانية : قول الصحابي إذا اشتهر ولم يخالفه أحد يكون إجماعاً وحجة

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 20/14 ) : وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 4/104 ) : إن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة ، وقالت طائفة منهم هو حجة وليس بإجماع ، وقال شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين : لا يكون إجماعاً ولا حجة . انتهى .

القاعدة الثالثة : إذا اختلف الصحابة في مسألة ما رجع إلى الأصل ولا يقدم قول بعضهم على بعض

قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/175 ) : إذا اختلفت الصحابة على قولين لم يكن قول بعضهم حجة على بعض ولم يجز تقليد واحد من الفريقين بل يجب الرجوع إلى الدليل ، قال الشافعي : إذا جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلمأقاويل مختلفة ينظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيؤخذ به ، فإن تعذر ذلك من نص الكتاب والسنة اعتبرت أقاويلهم من جهة القياس فمن شابه قوله أصلاً من الأصول ألحق به .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 20/14 ) : وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ، ولم يكن قول بعضهم حجة لمخالفة بعضهم له باتفاق العلماء . انتهى .
رد مع اقتباس