عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 05-17-2010, 05:21 PM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي







بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه– وبعد ..
نكمل بمشيئة الله دروسنا وهذا هو
الدرس السابع

الهجرة الأولى إلى الحبشة



بعد هذه الاعتداءات التي ذكرنا جانباً منها - في الدرس السابق - أخذ المسلمون يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة ‏(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ‏) ‏[‏الزمر‏:‏10]‏‏. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن النجاشي ملك الحبشة ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم ، وحاول المشركون تتبعهم ومنعهم لكنهم كانوا قد انطلقوا آمنين ‏.‏


سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين


وفي رمضان من نفس السنة - التي هاجر فيها المسلمون - خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش، فيهم ساداتهم وكبراؤهم، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم، ولم يكن أولئك الكفار سمعوا كلام الله من قبل؛ لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصى به بعضهم بعضًا،من قولهم‏:‏ (‏لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ‏) ‏[‏فصلت‏:‏26]‏ فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم كلام إلهي خلاب، أخذ مشاعرهم، ونسوا ما كانوا فيه فما من أحد إلا وهو مصغ إليه، لا يخطر بباله شىء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب، ثم قرأ‏:‏ (‏فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)‏ ‏[‏النجم‏:‏62‏]‏ ثم سجد، لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدًا‏‏، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائماً من قولهم‏:‏ ‏(‏تلك الغرانيـق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى‏)‏،وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش‏، ثم اشتد عليهم البلاء والعذاب من قريش، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدّاً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى‏.‏


الهجرة الثانية إلى الحبشة

واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ‏، وعز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمناً لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهما‏:‏ عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ وأرسلوا معهما الهدايا للنجاشي وبطارقته، وطلبوا منه أن يسلمهم المسلمون، لكنه رفض حتى يسمع من المسلمين، وكان المتحدث باسم المسلمين هو جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – فسمع كلامه وسمع منه القرآن، وبعد سماعه من الطرفين قرّر ألا يسلّمهما – أي عمرو وعبد الله – المسلمين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشي آمنين.، ثم قال لحاشيته‏:‏ ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ‏.‏


الشدة في التعذيب ومحاولة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولما أخفق المشركون في مكيدتهم، وفشلوا في استرداد المهاجرين استشاطوا غضبًا، فاشتدت ضراوتهم وانقضوا على بقية المسلمين، ومدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء، وظهرت منهم تصرفات تدل على أنهم أرادوا القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليستأصلوا جذور الفتنة التي أقضت مضاجعهم، حسب زعمهم‏، أما بالنسبة للمسلمين فإن الباقين منهم في مكة كانوا قليلين جدًا، وكانوا إما ذوي شرف ومَنَعَة، أو محتمين بجوار أحد، ومع ذلك كانوا يخفون إسلامهم ويبتعدون عن أعين الطغاة بقدر الإمكان، ولكنهم مع هذه الحيطة والحذر لم يسلموا كل السلامة من الأذى والخسف والجور‏.‏


وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصلى ويعبد الله أمام أعين الطغاة، ويدعو إلى الله سرًا وجهرًا لا يمنعه عن ذلك مانع، إذ كان ذلك من جملة تبليغ رسالة الله منذ أمره الله سبحانه وتعالى بقوله‏:‏ (‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏) ‏[‏الحجر‏:‏94‏]‏، وقد تعددت صور تعرض المشركين للنبي – صلى الله عليه وسلم – بالأذى القولي والفعلي .


دخول كبار الصحابة في الإسلام

خلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - في أواخر السنة السادسة من النبوة،‏ روى مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ سألت عمر بن الخطاب‏:‏ لأي شيء سميت الفاروق‏؟‏ قال‏:‏ أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسلامه‏.‏ وقال في آخره‏:‏ قلت ـ أي حين أسلمت‏:‏ يا رسول الله ، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم‏)‏، قال‏:‏ قلت‏:‏ ففيم الاختفاء‏؟‏ والذي بعثك بالحق لنخرجنّ، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال‏:‏ فنَظَرَت إلىّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الفاروق‏)‏ يومئذ‏.

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول‏:‏ ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر‏.‏


الوسيلة الخامسة : أسلوب المساومات وكثرة العروض على النبي – صلى الله عليه وسلم –


وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين – حمزة بن عبد المطلب وعمـر بن الخطاب رضي الله عنهما – غيّر المشركون تفكيرهم في معاملتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، واختاروا أسلوب المساومات وتقديم المغريات، ولم يَدْرِ هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دين الله والدعوة إليه، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا‏.‏

ومن هذه المساومات ما رُوي عن عُتْبَة بن ربيعة حيث عرض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - المال والسيادة والسلطان فسمع منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتهى عتبة قرأ عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آيات من سورة فصلت، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض‏:‏ نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‏.‏ فلما جلس إليهم قالوا‏:‏ ما وراءك يا أبا الوليد‏؟‏ قال‏:‏ ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تُصِبْه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا‏:‏ سَحَرَكَ والله يا أبا الوليد بلسانه، قال‏:‏ هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم‏.


وكأن رجاء قريش لم ينقطع بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عتبة على اقتراحاته؛ فتشاور رؤساء قريش فيم بينهم وفكروا في كل جوانب القضية، ثم اجتمعوا يومًا عند ظهر الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعًا يرجو خيرًا، فلما جلس إليهم قالوا له مثل ما قال عتبة، وعرضوا عليه نفس المطالب التي عرضها عتبة‏.‏ ولكن قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما بي ما تَقُولُون، ما جِئْتُكُم بما جِئْتُكُم بِه أَطْلُب أَمْوَالكُم ولا الشَّرف فيكم، ولا المُلْكَ عليكم، ولكنّ الله بَعَثَنِى إلَيْكُم رَسُولًا، وَ أَنْزَلَ علىَّ كِتابًا، وأَمَرَنِى أنْ أَكُونَ لَكُم بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُم رِسَالاتِ ربي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فإِنْ تَقْبَلُوا مِنّى ما جِئْتُكُم بِه فَهُوَ حَظُّكُم في الدُنيا والآخرة، وإنْ تَرُدُّوا علىّ أَصْبِر لأمْرِ الله ِ حتّى يَحْكُم الله ُ بَيْنِى وَ بَيْـنَكُم‏)‏‏.‏ أو كما قال‏.‏


انتقلوا إلى مرحلة أخرى من المفاوضات فرُوي أنهم قالوا‏:‏ يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم‏:‏ (‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ‏)‏ السورة كلها‏.‏

فائدة : إن هذه الوفود والمفاوضات تبين مدى الفشل الذي أصاب قريش فقد فشلوا في حصولهم على التنازل الكلي عن الإسلام، وتدرجوا في التنازلات من الأكبر إلى الأصغر دون فائدة، وفي هذا درس للمسلمين اليوم وإلى يوم القيامة بأن لا تنازل عن الإسلام، ولو كان هذا التنازل شيئاً يسيراً، فالإسلام دعوة ربانية ولا مجال فيها للمساومة.

الوسيلة السادسة : التعجيز وطلب المُحال
لمّا كان عدم تصديق قريش للنبي – صلى الله عليه وسلم – لا لأنهم يكذّبوه وإنما عناداً وكفراً، لذلك طلبوا منه – صلى الله عليه وسلم – مطالب ليس الغرض منها التأكد من صدق نبوته ولكن غرضهم منها التعنت والتعجيز، فطلبوا منه :
- أن يفجر لهم من الأرض ينبوعاً : أي يجري لهم الماء عيوناً جارية.
- أو تكون له جنّة من نخيل وأعناب تتفجر الأنهار خلالها.
- أو يُسقط السماء قطعاً كما سيكون يوم القيامة.
- أو يأتي بالله والملائكة.
- أو يكون له بيت من زخرف : أي ذهب.
- أو يرقى في السماء : أي يصعد إلى السماء.
- أو ينزّل كتاباً من السماء يقرؤه. يقول مجاهد : أي مكتوب فيه إلى كل واحد صحيفة ( هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ).
- أو يُسَيّر لهم الجبال، ويُقطّع الأرض، ويبعث من مضى من آبائهم من الموتى.
قال تعالى : (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا)

فائدة : إن الحكمة في أنهم لم يُجابوا لما طلبوا أنهم لم يسألوا مسترشدين، وإنما سألوا متعنتين، وقد علم الحق سبحانه أنهم لو عاينوا ما طلبوا لما آمنوا، ولظلّوا في غيهم وضلالهم يترددون، قال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ألا يُجابوا، لأن سنته سبحانه أنه إذا طلب قوم آيات فأُجيبوا ثم لم يؤمنوا، عذّبهم عذاب الاستئصال كما فعل بعاد وثمود.

الوسيلة السابعة : استعانة المشركين في مكة بيهود يثرب
وكأنهم لما رأوا صموده - صلى الله عليه وسلم - في وجه كل التحديات، ورفضه كل المغريات، وصلابته في كل مرحلة - مع ما كان يتمتع به من الصدق والعفاف ومكارم الأخلاق - قويت شبهتهم في كونه رسولًا حقًا، فقرروا أن يتصلوا باليهود حتى يتأكدوا من أمره - صلى الله عليه وسلم – فكلّفوا بعضهم ليذهبوا إلى يهود المدينة، فأتوهم فقال أحبارهم‏:‏ سلوه عن ثلاث، فإن أخبر فهو نبي مرسل، وإلا فهو متقول؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول،ما كان أمرهم‏؟‏ فإن لهم حديثًا عجبًا ، وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه‏؟‏ وسلوه عن الروح، ما هي‏؟‏

فلما قدموا مكة قالوا‏:‏ جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، وأخبروهم بما قاله اليهود، فسألت قريش رسول صلى الله عليه وسلم عن الأمور الثلاثة، فنزلت بعد أيام سورة الكهف، فيها قصة أولئك الفتية، وهم أصحاب الكهف، وقصة الرجل الطواف، وهو ذو القرنين، ونزل الجواب عن الروح في سورة الإسراء‏.‏ وتبين لقريش أنه - صلى الله عليه وسلم - على حق وصدق، ولكن (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا)‏.‏



الوسيلة الثامنة : الحصار الاقتصادي والاجتماعي في شِعْب أبي طالب


أجمعت بني هاشم وبني المطلب – مُسلمهم وكافرهم - على حفظ النبي – صلى الله عليه وسلم – وحمايته من بطش قريش، فقررت قريش إخراجهم إلى شِعْب أبي طالب، فتحالفوا ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقـتل، وكتـبوا بذلك صحيـفـة فيها عهود ومواثيق ‏(‏ألا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل‏)‏‏ وعُلّقت الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب، مؤمنهم وكافرهم ـ إلا أبا لهب ـ وحُبِسوا في شِعْب أبي طالب، واستمر الحصار لمدة ثلاثة أعوام، ولجئوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي تَرِدْ مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها‏.‏


ثم اجتمع نفر من قريش غير راضين بما يحدث وتعاهدوا على نقض هذا الميثاق الظالم وفك الحصار عن إخوانهم من بني هاشم وبني المطلب وكان الله قد أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر الصحيفة، وأنه أرسل عليها الأرضة (حشرة صغيرة)، فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل.


فائدة : كيف صبر بنو هاشم وبنو المطلب على هذه المحنة الشديدة؟
إن صبر المشركين كان من أجل العصبية وحميّة القرابة والرحم، وخوفاً من الذلّ الذي كان سيتلبّس بهم لو أنهم خلّوا بين محمد – صلى الله عليه وسلم – ومشركي قريش، أما المسلمون فكان صبرهم لأسباب:
- الإيمان الذي خالطت بشاشته القلوب، فلا يبالون بما ينالهم من إيذاء في الله.
- وجود القيادة الواعية المتمثلة في شخص رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – الأمر الذي دفعهم إلى الصبر والثبات.
- الشعور بالمسئولية تجاه هذا الدين.
فأين نحن من هذه الجبال الشامخة التي حملت الإسلام على أعناقها، حتى وصل إلينا كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ؟!

الواجب
س1 ما الذي يدل عليه طلب قريش من النبي – صلى الله عليه وسلم – بتقديم تنازلات وقلة هذه التنازلات في كل مرة ؟
س2 كيف صبر المسلمون على ما حدث لهم من الحصار في شِعْب أبي طالب؟ وما الذي نتعلمه منهم؟
نُكْمِل الدرس القادم إن شاء الله
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك