عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-10-2010, 08:44 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي




بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه– وبعد ..


نكمل بمشيئة الله دروسنا وهذا هو


الدرس الخامس


مراتب الوحي


وهي سبعة كما ذكرها بن القيم :
أولاً : الرؤيا الصالحة الصادقة : بأن يخاطب النبي في المنام، وقد سبق الكلام عنها.


ثانياً : ما كان يلقيه المَلك في رُوعه من غير أن يراه : وهو الإلهام، روى أبو نعيم – بإسناد صحيح – عن أبي أمامة قال : قال – صلى الله عليه وسلم – " إن روح القدس نَفَثَ في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب .. " الحديث.


ثالثاً : أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يتمثل له المَلك رجلاً فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له : وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً، روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب قال " بينما نحن جلوس عند رسول الله، إذ طلع علينا رجل، شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر .. " الحديث.


رابعاً : أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس (أي مثل صوته في القوة) : وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرودة، وحتى إن راحلته لتبرك في الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاءه الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضُّها – يعني تكسرها.


خامساً : يرى المَلك في صورته التي خُلق عليها : فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وقد وقع هذا مرتين، فقد روى الترمذي عن عائشة قالت " لم ير محمدٌ جبريل في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في جِياد، له ستمائة جناح، سدّ الأفق ".


سادساً : ما أوحاه الله وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.


سابعاً : كلام الله له منه إليه، بلا واسطة مَلَك : كما كلّم الله موسى بن عمران. وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى – عليه السلام - قطعاً بنص القرآن، وثبوتها لنبينا – صلى الله عليه وسلم – هو في حديث الإسراء.


مرحلة الدعوة السرية


استمرت ثلاث سنوات - وقيل أربع – وسندرجها في سمات عامة إن شاء الله :


السمة الأولى : كانت سرية : ابتدأت من نزول ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) إلى نزول قوله سبحانه وتعالى : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) وقوله عزّ وجل : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) وقد انتهت هذه المرحلة حينما صار للمسلمين من العدد ما يستعصي على الإفناء إذا قيس هذا العدد إلى المجتمع المكي آنذاك من جهة، وإذا قيس بنوعيته من جهة أخرى.


فائدة : الحكمة في بدء الدعوة سراً : قال صاحب الرحيق : لمّا كان قومه – صلى الله عليه وسلم – جُفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا حُجة لهم إلا أنهم أَلْفَوْا آباءهم على ذلك، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنَفَة، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف، وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيسي، ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية، لئلا يُفاجئ أهل مكة بما يُهَيّجُهم.


عبر وعظات : 1 – إن في إلهام الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم – بأن يبدأ الدعوة سراً، تعليماً للدعاة في كل زمان ومكان، وإرشاداً لهم إلى مشروعية الأخذ بالحيطة والأسباب الظاهرة، وما يقرره التفكير والعقل السليم من الوسائل التي ينبغي أن تُتخذ من أجل الوصول إلى غايات الدعوة، مع التوكل على الله تعالى.
2 – أجمع جمهور الفقهاء على أن المسلمين إذا كانوا من قلة العدد أو ضعف العدة بحيث يغلب على الظن أنهم سيُقتلون من غير أي نكاية في أعدائهم إذا ما أجمعوا على حربهم، فينبغي أن تقدم هنا مصلحة حفظ النفس، لأن المصلحة المقابلة، وهي مصلحة حفظ الدين، موهومة أو منفية الوقوع، وفي حقيقة الأمر هي - أي حفظ النفس - مصلحة دين، إذ أن هلاك المسلمين يعتبر إضراراً بالدين ذاته وفسحاً للمجال أمام الكافرين ليقتحموا ما كان مسدوداً أمامهم من السبل.


السمة الثانية : قيام الدعوة في هذه المرحلة على الاصطفاء : وتقدير النبي - صلى الله عليه وسلم – لطبيعة المدعو، فكان يختار من يدعوهم، ويتحرى الدقة والحذر والحيطة في الاختيار، وذلك لأن هؤلاء المستجيبين للدعوة آنذاك هم الذين تقع عليهم أعباؤها ومسؤولياتها، فلابد أن يكونوا من خيار المجتمع، صدقاً واعتدالاً، ومروءة ونخوة واستقامة، حتى يكونوا أهلاً للقيام بتبليغ الدعوة وتحملها بكل تجرد ونكران ذات، ومن ناحية أخرى كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلم أن أي خلل في التصرف أو تسرب أية معلومة يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية من شأنها أن تؤثر على تقدم الدعوة ومستقبلها. وقد كانت اللبنات الأولى للدعوة من خيرة أفراد الأمة جميعها، فَهُم (خديجة بنت خويلد – أبو بكر الصديق – علي بن أبي طالب – زيد بن حارثة).

السمة الثالثة : كانت الدعوة في هذه المرحلة لكل فئات المجتمع وطبقاته : فقد انضم إلى الإسلام في تلك الفترة نماذج من كل الفئات : الأحرار والعبيد، الرجال والنساء، والشباب والفتيان والشيوخ، ولا تكاد تخلو عشيرة في مكة من شخص شارك في بناء الدعوة الجديدة.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقد رأيت أنه من الأهمية بمكان أن أذكر ما سيأتي في هذه السطور، أولاً : من هو الصحابي ؟ قال بن حجر " وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم – مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روي عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى " ثانياً : الصحابة كلهم عدول. قال بن حجر أيضاً " اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة " ثالثاً : معنى العدل : هو وصف في الشخص يقتضي الاستقامة في الدين والمروءة، فاستقامة الرجل في دينه ومروءته تسمى عدالة. وقد روى الخطيب بسنده عن أبي زرعة الرازي قال " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابةُ ". انتهى، ولقد رضي الله تعالى عن الصحابة فقال في كتابه (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
فإياكم ثم إياكم وسَبُّ الصحابة، لا تسبوا معاوية ولا عمرو بن العاص ولا أبا سفيان ولا أحد من الصحابة، ولا يغرنكم ما يقال هنا أو هناك، واعلموا أن حبهم دين. هذا ما أردت تبيينه والتحذير منه، والله المستعان وعليه التكلان.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

السمة الرابعة : التركيز على بناء توحيد الله سبحانه وتصحيح العقيدة وتزكية النفوس بمكارم الأخلاق : لأن العقيدة الصحيحة هي التي ينبثق منها العبادة الصحيحة والسلوك الصحيح، وهي التي تضمن في الوقت نفسه الثبات على الحق، وتحمل الأذى في سبيله.
ويروي الإمام أحمد في مسنده : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بعبادة الله وحده، لا شريك له، ونبذ عبادة الأوثان، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وذلك منذ قيامه بأمر الدعوة. وكان – صلى الله عليه وسلم – يأمر كذلك بالصلاة.
نستخلص من هذه السمة أن كل داعٍ إلى الله يبدأ دعوته بغير توحيد الله تعالى، فقد أخطأ الطريق، فالتوحيد هو أصل دين الإسلام، وهو حق الله تعالى على العبيد.


السمة الخامسة : تشريع الصلاة مثنى مثنى : قال بن حجر : " كان – صلى الله عليه وسلم – قبل الإسراء يصلي قطعاً، وكذلك أصحابه، ولكن اختُلف : هل فُرض شيء قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم لا؟ فقيل : إن الفرض كانت صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " وذَكَرَ بن هشام أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، وقد رأى أبو طالب النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلياً يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولمّا عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات "وكانت قبلتهم بيت المقدس.


السمة السادسة : تعدد أماكن الدعوة في هذه الفترة، قبل دار الأرقم :
1 - في بيته – صلى الله عليه وسلم - : ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام أحمد عن بن عباس – رضي الله عنهما - قال : بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بفناء بيته بمكة جالس إذ مرّ عثمان بن مظعون، فتبسم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له : ألا تجلس ؟ قال : بلى. فجلس .. ودعاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الإسلام وأسلم " .
2 – في شِعْب مكة : ومن أمثلة ذلك ما يرويه سعد بن أبي وقاص أنه قد بلغه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو إلى الإسلام مستخفياً، فلقيه في شِعْب أجياد (جبل مكة) فأسلم. ثم كان يلتقي مع الصحابة – رضي الله عنهم – في شِعَاب مكة.
3 – في جبل حراء : كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يجتمع بأصحابه وبمن يستشف منه قبولاً للدعوة في جبل حراء.
4 – في أمكان أخرى منها الحرم : ولعل ذلك كان في مرحلة متقدمة بعض الشيء حيث يحكي عمرو بن عَبْسَة أنه لقي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالبيت، يقول : فتلطفت له فدخلت عليه، فقلت : ما أنت؟ قال : أنا نبي الله. فقلت : وما نبي الله؟ قال : رسول الله. قلت : آلله أرسلك؟ قال : نعم. قلت : بأي شيء أرسلك؟ قال : بأن يوحد الله، وأن لا يشرك به شيء، وكسر الأوثان، وصلة الرحم. فقلت له : نِعْمَ ما أرسلك به، فمن معك على هذا؟ قال : حُرّ وعبد وإذا معه أبو بكر بن أبي قحافة وبلال مولى أبي بكر. قلت : إني متبعك، فأمره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يرجع إلى أهله بعد أن أسلم، لأنه لا يزال مستخفياً بالإسلام، ولم يؤمر بإظهار الدعوة، وقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحَقْ بي "


دار الأرقم بن أبي الأرقم
اتجه فكر النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد أن زاد عدد المسلمين – إلى اختيار مكان يجمع ذلك العدد الكبير، حتى يلتقي بهم، ويثبت فيهم عقيدة الإسلام وأركانه وأخلاقه وآدابه، ويملأ قلوبهم اليقين بهذا الدين، فوقع اختياره على دار (الأرقم بن أبي الأرقم) لتكون مقراً غير معلن للمستجيبين من المؤمنين.
ويبدو أن اتخاذ هذه الدار مقراً جاء بعد المواجهة الأولى التي حدثت بين المسلمين والمشركين ، قال بن إسحاق " وكان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – في نفر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلحى بعير فشجّه، فكان أول دم أُهريق في الإسلام"
فائدة : الحكمة من اختيار دار الأرقم : 1 – فهي تقع أسفل جبل الصفا وكانت بمعزل عن مجالس قريش مما يجعلها بعيدة عن أنظار القوم ومن ثَمّ تكون محاطة بالسرية .
2 – لم يكن الأرقم قد أعلن إسلامه ومن ثَمّ لم يخطر ببال قريش أن يتم لقاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأصحابه في هذه الدار.
3 – كما أن الأرقم كان شاباً في حدود السابعة عشرة من عمره، ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع لا يُتوقع أن تبحث في بيوت الصغار من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
4 – كان الأرقم من بني مخزوم التي كانت تحمل لواء الحرب ضد بني هاشم .

نخلص من حديثنا عن مرحلة الدعوة السرية وكثير من الحكم التي ذكرت سابقاً أنه يجب على المسلمين عامة والدعاة خاصة أن يتحلوا بالحكمة في كل شؤونهم ويتعاملوا مع معطيات واقعهم، والله المستعان وعليه التكلان.


الواجب


س1 اذكر مراتب الوحي التي ذكرها بن القيم .
س2 ما هي الحكمة من بدء الدعوة الإسلامية سراً .


نكمل الدرس القادم إن شاء الله


سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك