عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-03-2010, 08:14 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي





بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه– وبعد ..
نكمل بمشيئة الله دروسنا وهذا هو

الدرس الثالث

مولده - صلى الله عليه وسلم –
وقد صح أن مولده – صلى الله عليه وسلم – كان في يوم الاثنين ، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن أعرابياً قال : يا رسول الله ، ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ فقال : " ذاك يوم وُلِدت فيه ، وأُنزل عليّ فيه " ، وتفيد أقوى الروايات التي وصلت إلينا أن مولده كان عام الفيل ، وقد اختلف المؤرخون في تاريخ يوم مولده وشهره ، فقيل في ربيع الأول واختلف في أي يوم منه ، وهذا مما يؤكد بدعية الاحتفال بالمولد النبوي ، والأصل أنه لم يحتفل به صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولكن السُنّة في ذلك هي صوم يوم الاثنين من كل أُسبوع كما كان يفعل – صلى الله عليه وسلم – فهلّا يعقل المبتدعة ذلك ؟

إرهاصات النبوة ما صح منها وما لم يصح
حكت كتب السيرة الكثير من العلامات التي وقعت يوم مولده أو قبله أو بعده تدل على نبوته – صلى الله عليه وسلم ، منها ما صح ومنها ما هو غير صحيح


أولاً : ما صح من إرهاصات ( أي علامات ) نبوته صلى الله عليه وسلم
1 – النور الذي خرج من أمه – صلى الله عليه وسلم : روى أحمد في مسنده بإسناد حسن ، والحاكم في المستدرك - وقال صحيح ووافقه الذهبي – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام " .
قال بن رجب رحمه الله : مبيناً الحكمة من خروج النور : " وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض ، وزالت به ظلمة الشرك منها كما قال تعالى " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) (المائدة) .
2 – خروج نجمه : روى بن إسحاق بإسناد حسن عن حسان بن ثابت قال " والله إني لغلام يفعة ( وهو الذي شب ولم يبلغ ) بن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة ( أي حصن ) يثرب : يا معشر يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟! قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به "
3 – ومن الإرهاصات التي ذكرها العلماء أيضاً حادث الفيل – ذكر هذا الماوردي ، بن تيمية وبن كثير – قالوا أن هذا الحادث لم يقع نصراً لقريش ولا تشريفاً لهم ، لأنهم يومئذ مشركين ، وإنما كان تشريفاً للبيت وللنبي صلى الله عليه وسلم ، وحتى لا يجري على النبي السبي حملاً ووليداً ، لأن أبرهة وجيشه لو انتصروا لَسَبُوا النساء والأطفال .
ثانياً : ما لا يصح من علامات وليس فيها حديث ثابت
1 – أن أمه آمنة لم تجد مشقة في وضعه .
2 – أنه وقع معتمداً على يديه ، رافعاً رأسه إلى السماء .
3 – أنه ولد مختوناً مسروراً ( قطعت سرته ) .
4 – أنه لم ير أحدٌ سوأته .
5 – انفلاق البُرمة التي وضعها النساء عليه نصفين ، والبُرمة هي قِدر من الحجارة .
6 – مناغاته القمر وإشارته إليه بإصبعه .
7 – خرور ( أي وقوع ) كثير من الأصنام على وجهها وسقوطها من أماكنها .
8 – ارتجاس إيوان كسرى ( أي زلزلته ) وسقوط شرفاته .
9 – خمود نيران المجوس ، ولم تخمد قبل ذلك منذ ألف سنة .
10 – أن بحيرة ساوة غاضت ، وانهدمت الكنائس من حولها .
11 - رؤيا الموبذان ( حاكم المجوس ) ، حيث رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً ، وقد قطعت دجلة ( النهر ) وانتشرت في بلادها .
كل ذلك من العلامات لا يصح ولم يثبت فيه حديث .

أسماء النبي – صلى الله عليه وسلم – وكنيته
عن محمد بن جُبير بن مُطعم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لي خمسة أسماء : أنا محمد وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب "
وقوله " وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي " أي على أَثَري ، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ، وقوله " وأنا العاقب " أي " أنا الذي ليس بعدي نبي "
وقد ذكر العلماء أسماء كثيرة منها ما ورد في القرآن مثل ( المزمل، المدثر، الهادي، الشهيد، النذير ) وغيرها مشهور مثل ( المصطفى، الصادق، الشفيع، المشفع ) والحقيقة أن أكثر ما ذكر ألقاب وصفات وليست أسماء ، وأما كنيته فهي ( أبو القاسم ) ، وقد ورد في البخاري عن جابر – رضي الله عنه - قال : ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم ، فقالوا لا نكنيه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال " سمّوا باسمي ولا تَكَنّوا بكنيتي " وقال بعض العلماء أن النهي يختص بحياته صلى الله عليه وسلم ، ولكن بعد مماته فلا حرج .

رضاعه – صلى الله عليه وسلم –
لقد صح أن ثويبة – مولاة أبي لهب – أرضعته وكانت أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده أبا سلمة المخزومي ، فهما أخواه من الرضاعة .
وأما رضاعه من حليمة السعدية (سميت بالسعدية لأنها من بني سعد) والذي رُوي عن بن إسحاق فقد قال بعض العلماء بعدم ثبوتها وضعّف الإمام الألباني الخبر ، غير أن رضاعه في بني سعد ثابت من الأحاديث ، وكذلك حادثة شق الصدر – والتي سنتكلم عنها لاحقاً إن شاء الله – حدثت في بني سعد .
فائدة : الحكمة من الرضاعة في البادية : نشأة الطفل في البادية سبيل الصحة لهوائها الطلق وشمسها الساطعة ، والبادية سبيل لسلامة الفطرة وصفاء الفكر لخلوها من أدواء (جمع داء) المدينة التي تلوث الفطرة ، والبادية تربي الطفل على الخشونة والشجاعة والاعتماد على النفس .ولماذا في بني سعد ؟ لأنهم كانوا مشهورين بالفصاحة والبيان وهذا مهم لنبي سيُبعث في قوم أهل فصاحة وبيان .

يُتْمِه - صلى الله عليه وسلم –
فائدة : توفي والده وهو في بطن أمه ، وقضى معظم طفولته الأولى في بني سعد ، ثم ما لبث أن توفيت أمه ، وبعدها بمدة يسيرة توفي جده عبد المطلب وقد قال بعض العلماء في حكمة ذلك منها : حتى لا يكون للمشككين والمبطلين سبيل أن يقولوا أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – أُرشد منذ الصغر لاصطناع النبوة حتى يستكمل مجد قومه ، كذلك من الحكم أن يكون يُتمه أسوة للأيتام في كل مكان وزمان أن اليتم ليس نقمة وأنه لا يجب أن يقعد بصاحبه عن بلوغ أسمى المراتب .

معجزة شق الصدر
وقعت أحداث شق صَدْر النبي – صلى الله عليه وسلم – وغسله ولَأْمِهِ مرتين ، الأولى عندما كان طفلاً في الرابعة – وقيل في الخامسة – من عمره ، يلعب في بادية بني سعد ، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه حادثة الشق الأولى عن أنس بن مالك " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقةً فقال : هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم ، ثم لَأَمه ، ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني مرضعته – فقالوا إن محمداً قد قُتل ، فاستقبلوه وهو منتقع اللون .
قال أنس : وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره .
أما المرة الثانية التي وقع فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم فكانت ليلة الإسراء .
فائدة : الحكمة من شق الصدر : ليشب على الإيمان والتقوى – إعداده لتحمل النبوة – تطهيره من حالات الصبا واتصافه بصفات الرجولة الصادقة – إعداده للعصمة من الشر – عناية الله تعالى به وحفظه له وأنه ليس للشيطان عليه سبيل .
موقف الكُتّاب من الحادثة
انقسموا لثلاث فرق ، فمنهم من أثبتها وهم الأكثرون ، ومنهم من أنكرها وأكثرهم من المستشرقين ، وقالوا كيف يأتي بماء زمزم وهو في البادية ، وقالوا كيف يرى أنس أثر المخيط في صدره مع أن خياطة المَلَك لا يُرى لها أثر ؟ ومنهم من أوّلها وقال بالمجاز .
والرد عليهم يكون بأنها ثبتت بنص صحيح منسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وميزان قبولنا للخبر هو ثبوت الرواية وصحتها ، كما أن راوي الحديث رأى أثر هذا التدخل الجراحي الملائكي .
ومن الدروس المستفادة في هذه الحادثة : أن نحرص على سلامة العقيدة وحسن التوجه لله مما يجعلنا قريبين من الله عز وجل – كما ينبغي الأخذ بالأسباب من توبة ودعاء والاستغفار لتطهر قلوبنا – لابد من التخلية قبل التحلية ( فلن تستمتع بسماع القرآن إلا بعد أن تنقي أذنك من سماع الأغاني ) – وجوب تصديق النبي في كل ما يصح عنه – قدرة الله المطلقة – لا يلزم لنا أن تشق صدورنا حتى تطهر قلوبنا بل بالذكر والدعاء والتوبة وقراءة القرآن والعبادة تطهر قلوبنا ويصلح حالنا .

أبو النبي وأمه – صلى الله عليه وسلم –
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : زار النبي – صلى الله عليه وسلم – قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي . واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزورا القبور ، فإنها تذكر الموت "
قال النووي : " في الحديث جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة ، لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى ، وفيه نهي عن الاستغفار للكفار "
وروى مسلم عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رجلاً قال : يا رسول الله ، أين أبي ؟ قال : " في النار ". فلما قفَّى (يعني ولّى) دعاه فقال : " إن أبي وأباك في النار "
ولا عجب في أن يكون أبو النبي وأمه وجده في النار لأن قريشاً كانت تعبد الأوثان وقد بلغهم دعوة إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم " يا فاطمة بنت رسول الله اعملي فلن أُغنِ عنك من الله شيئاً " ونحن رحمني الله وإياكم علينا أن نعمل ولا نغتر بمال ولا جاه ولا سلطان ولا حسب ولا نسب ، فإن كان أقرب الناس لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - نسباً لم يشفع لهم قرابته في أن يغفر الله لهم أن كانوا مشركين فكيف بمن هو دونهم .

رعيه – صلى الله عليه وسلم – الغنم في أول شبابه
روى البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " ما بعث الله نبياً إلا رَعَى الغنم " فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : " نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة "
فائدة : قال النووي رحمه الله في شرح حديث جابر – رضي الله عنه - : " والحكمة في رعاية الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – لها (أي الغنم) ليأخذوا أنفسهم بالتواضع، وتصفى قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية والشفقة، والله أعلم "
ومن الدروس المستفادة من هذا الجانب : الحرص على ما يربي الأخلاق الفاضلة – ليست الرفاهية إكراماً، وليس عدم العمل عِزاً .

الواجب
س1 ما هي الإرهاصات التي صحت مدعماً كلامك بالدليل ؟
س2 اذكر أسمائه – صلى الله عليه وسلم – التي وردت في الحديث .
س 3 كيف ترد على من أنكر حادثة شق صدره – صلى الله عليه وسلم - ؟
نكمل الدرس القادم إن شاء الله
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك