عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-22-2009, 05:31 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

بدع وأخطاء المعالجين بالقرآن الكريم
يجب أن نفرق بين العلاج بالرقى الشرعية المنضبطة، وبين السلوكيات المنحرفة لبعض المعالجين، ونكرر أيضاً لهؤلاء المعالجين: لا تستعملوا آيات الله سبحانه وتعالى درعاً وترساً تحتمون وراءه كي لا يعترض عليكم أحد فيما تفعلون من هذه المجازفات. ......
تنصيب المعالج نفسه للعلاج بالقرآن الكريم
هذه ظاهرة جديدة وهي: أن المعالج ينصب نفسه للمعالجة بالقرآن الكريم، كأن يفتح عيادة لاستقبال المرضى! مع أن السلف لم يعرفوا هذا، والحالات التي كانت تُعالج إنما تأتي اتفاقاً، مثل: أن يقابل المريض رجلاً من الصالحين فيدعو له أو يرقيه، وهذا لا بأس به، أما أن يفتتح مركزاً للعلاج بالقرآن، أو يعلن عن نفسه كمعالج بالقرآن، فهذا أول ما يؤخذ على المعالجين، حيث إنهم أحياناً يبادرون بأنفسهم بالتحري والتفتيش عن الحالات. فنقول للمعالج: من أين لك هذا؟ نريد دليلاً على هذه المسالك التي سلكتها؟!

الاستعانة بالجن وتصديقهم
بعض المعالجين يبدأ بالطرق المشروعة عند العلاج بالقرآن أو بالرقى، وينتهي إلى طرق يُعلّمها إياه الجني! في بداية الأمر كان موضوع الاستعانة بالجن غير وارد، وكانت هناك احتياطات؛ لأنهم لا زالوا متشبعين بمعاني دعوة التوحيد، وبالسلفية، فكان هناك حذر شديد، ولم يحدث أن أحداً طَرَق موضوع الاستعانة بالجن، لكن مع مرور الوقت أصبح شيئاً عادياً جداً، حتى أن بعض من تحصل بينه وبين آخر خصومة فإنه يقول له: سوف أؤذيك بالجن الذي معي!! ما هذا الهُراء؟! وما هذا البغي؟! والجن يعلمونهم أشياء كثيرة جداً، ونريد أن نؤكد قاعدة مهمة جداً، وهي: كل معلومة تأتي عن طريق الجن لا يُوثق بها، والمصيبة التي استجلبت إلينا هذا البلاء هي تصديق كثير من المعالجين لكلام الجن، وقد كنا نعيب على الصوفية أشياء كثيرة، ونختلف معهم في مصادر التلقي، فمصادر التلقي عندهم هي الوجد والكشف والأذواق والمنامات وغير هذه الأشياء، ونحن الآن أصبح الكثير منا يشابه الصوفية، حيث أصبح الجن مصدراً لتلقي المعلومات، وأصبحت كثير من الأساليب التي يعالجون بها إنما مصدرها الجني الذي يستعين به المعالج على العلاج، فالجني هو الذي علمهم أن من أراد أن يكشف على المريض فإنه يمسك المصروع من رأسه -بجانب عينيه- بالسبابة والإبهام، فأول ما يمسكه فإنه يسقط على الأرض، ثم يبدأ بمخاطبة الجني إذا كان مصروعاً، فهذا الأسلوب مأخوذ من الجن. وأنا أتساءل: هل الجنّي يُقبل خبره يا سلفيون؟! هل سمعتم واحداً من العلماء يأخذ حديثاً عن طريق الجن: حدثنا الجني فلان عن الجني فلان؟! وإذا كان هناك إنسيّاً تراه وتعرفه، لكنه ليس بضابط ولا عدل فهل تقبل خبره؟ فماذا عن الجني الذي لا تعرف من هو ولا كيف هو؟! وإذا قال لك: أنا مسلم، فمن أين تثبت أنه مسلم؟ وكيف تصدقه؟ وما الدليل على صدقه في ذلك؟! الجن يلعبون بنا، ويستخفون بعقولنا، ونحن الذين زدناهم رهقاً، وكما كنا ننتقد الصوفية من قبل، فالآن لهم أن ينتقدونا، حيث صار الجن عند بعضنا مصدراً من مصادر التلقي والتوجيه، ومع أنهم عالم غامض، وعالم غير مرئي، لكننا انشغلنا به واندمجنا معه، حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه الآن.

استخدام الضرب المبرح
استخدام البعض للضرب بالصورة التي تحصل يجعل الإنسان يتساءل: من أين لكم الضرب بهذه الطريقة؟ وما الدليل على مشروعية هذا الضرب المبرح الشنيع الذي تقومون به؟! لكنهم لم يجدوا سوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد عالج بالضرب. نقول: شيخ الإسلام على الرأس والعين، وهو متربّع في القلب، لكن هل هذا دليل شرعي أيها السلفيون؟! ثم إن شيخ الإسلام نسب إليه القول بفناء النار، فهل قال ذلك من كان قبله من السلفيين؟! هو إمام السلفيين في عصره ومن بعد عصره رحمه الله تعالى، لكن مع ذلك فقد مُحّص كلام شيخ الإسلام وحوكم في ضوء الأدلة من القرآن والسنة، فلربما كان وقوع هذا الضرب للجني لوجود البصيرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية ، فهل عندك بصيرة نافذة كبصيرة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؟! وتمادى هؤلاء المعالجون -ومنهم جَهَلة قاصرون- فاعتبروا كل الأمراض من تلبس الجن، واعتبروا أنفع الوسائل هي الضرب المبرح أو الخنق أو الكي أو إيذاء المريض بحجة أنه يؤذي الجني المتلبس! وقد حدثت مآسٍ كثيرة نسمع بها كل يوم، وقد حصلت بالفعل حالات قتل! نعم. ليس لها اسم سوى القتل، وسوى إزهاق النفس التي حرم الله سبحانه وتعالى بغير حق، فيا ويل هؤلاء القتلة من إثم هذا القتل وهذا الإجرام. وقد أذيع في إذاعة الـ(BBC) أنه صدر حكم في محكمة بريطانية على رجل مسلم؛ لأنه قتل امرأة زعم أنه كان يريد أن يخرج منها الجن، وكم سمعنا عن امرأة ضربها هؤلاء المعالجون حتى ماتت، وشاب آخر مات تحت وطأة الضرب بحجة إخراج الجن! والسؤال الهام الذي يفرض نفسه الآن: من يستطيع أن يفرق بين الحالة التي يتلبس بها الجن، وبين الحالات المرضية الأخرى؟ وجواب هذا السؤال ليس بالأمر السهل، ولا بالأمر الهين. الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي من الأطباء النفسيين الأفاضل، وهو رجل ملتزم بدينه، ويؤمن بالصرع، والمس الجني كله، لكنه رجل منضبط، يقول: ومن خلال عملي في مجال الطب النفسي رأيت مدعي إخراج الجن يعالجون حالات مرضية نفسية، وأحياناً عضوية معروفة أسبابها، ولها تسلسل منطقي صريح في حياة المريض، وليس فيها غموض من ناحية تلبس الجن -يعني: أن هناك أسباباً واضحة تدل على أنها أمراض عضوية أو نفسية- وهم مع ذلك يصرون على تلبسها بالجن، وهذه الحالات ساءت كثيراً بسبب ما بث في عقولها من خيالات، وصاروا يعانون، وأضيف لمرضهم أمراض نفسية شديدة؛ نظراً لخوفهم الشديد من هذه القوى الخفية التي تحاربهم، ونظراً للجو الأسطوري المخيف الذي يعيشونه عند هؤلاء المعالجين.

الوقوع في الشرك
من سلبيات بعض هؤلاء المعالجين: أنه قد يعالج بكلمات محرمة، أو يقع في الشرك! فوا أسفاه على أمة التوحيد!! ويا أسفا على من ينتسبون زوراً إلى السلفية وإلى الكتاب والسنة!! أحد هؤلاء الغارقين في هذا الغلو وهذا الضلال وجدت ابنته في يوم من الأيام صليباً ذهبياً كان قد خبّأه في البيت! والله أعلم ما سر وجود هذا الصليب في البيت، لكن هذا حدث، فالله أعلم ما وراء ذلك من لعب الجن وعبثهم بعقول الناس. وهناك أمر مهم جداً: وهو أن بعض المعالجين الحريصين على أن الحالة تشفى، كان يجرب كلام الجن الذي يقولوه له، ويأخذ أموراً من كتب الضلال والخزعبلات، ويمارس بعض الأشياء التي قد يكون فيها شرك، أو نوع من السحر، أو غير ذلك من الأشياء المحرمة قطعاً، ثم يجد أن هذا العلاج له أثر في علاج الحالة، فيزداد فتنة، ويظن أنه ما دام العلاج قد نفع فيجوز له أن يستخدمه! نقول: هذا أمر محرم حتى لو انصرف الجني عن المصروع بهذا الكلام؛ لأن ما حرمه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام يكون الأصل تركه؛ إذ ضرره أكثر وأكبر من نفعه، فما دام أنه محرم فلا ينبغي أن يبحث عن علاج فيه، وحتى لو حصل الشفاء فلا يجوز تعاطي هذه الأشياء المحرمة، فالعبرة بالوسيلة وبالغاية، كالسارق الذي يريد أن يأكل، نعم حقق غرضه عن طريق السرقة، لكن هل معنى ذلك أن السرقة حلال له؟ الجواب: لا يحل له ذلك، كذلك الكذاب الذي يصل عن طريق الكذب إلى غرض يريد أن يحققه، فهل الكذب حلال له؟! الجواب: لا يجوز له أن يكذب أصلاً، وكذلك الخائن، وهكذا. فقد يتشبع المعالج بما لم يعط، فيفتش في بعض الكتب، ويتوسع في استخراج أنواع أخرى من الوصفات التي هي من جنس السحر الحرام، وقد ينخدع البعض ببعض هذه الكتب، وقد نسبت بعض الكتب إلى بعض العلماء ككتاب: الرحمة في الطب والحكمة، المنسوب زوراً إلى الإمام السيوطي، فإن بعض الناس نسبه إلى مهدي بن ابراهيم الطبيري ، وهو كتاب يحوي شركيات وضلالات وخزعبلات وطلاسم وجهالات، سماه بعض المشايخ: اللعنة في الطب والحكمة! نعم اللعنة وليس الرحمة، وسماه في موضع آخر: النقمة في الطب والحكمة! ولا أريد أن أنقل هنا بعض النماذج من هذا الكلام البشع، والضلال المبين، والكفر الصراح البواح الذي في هذا الكتاب؛ فلا ينخدع أحد بوجود اسم عالم من العلماء زوراً على غلاف الكتاب، فيأتي ويأخذ منه بعض ما فيه، وقد اعترف بعض المعالجين أنه بالفعل استخدم ما في هذا الكتاب من وصفات منكرة!

استخدام أدوية وعقاقير طبية دون علم بالطب
وهذا شيء مؤلم جداً: أن بعض المعالجين كان يلتقط المعلومات الطبية، ويختطف كتاباً طبياً من هنا، والمريض إذا أتى ومعه وصفات طبية أخذها ثم يحفظ أسماء الأدوية التي أعطاها الطبيب لذلك المريض، ويجمع الوصفات التي مع المرضى، ويحتفظ بقائمة من هذه الأدوية، وفيما بعد يريد أن يعالج وهو غير واثق بالذي يعمله، فماذا يفعل؟ يدس الدواء في الداء الذي يقرأ عليه، ويسقيه للمريض دون أن يعرف المريض، وهذا من أخطر العدوان؛ لأن هذه الأدوية في قمة الخطورة إذا استعملها أحد بغير وصف الطبيب المختص بالجرعة، حتى المريض نفسه مهما حصل عنده من تحولات صحية فلابد له في كل خطوة أن يرجع إلى الطبيب يسترشده في تعديل الجرعة؛ لما يترتب على ذلك من آثار خطيرة جداً إذا حصل خلل في هذا الموضوع بزيادة أو بنقص، فهذا المعالج بجهله يأخذ الدواء الذي التقطه من الورقة، ويذوبه من غير أن يشعر المريض، ويدسّه بطريقته الخاصة في مسحوق أو مشروب، ثم يعطيه للمريض!

استخدام بعض الحيل المحرمة
لقد وصلت الخيانة ببعض هؤلاء -وأنا أقول: البعض وليس الكل- إلى أنه يأخذ المشروب أو الماء الذي يقرأ عليه القرآن بزعمه، ويضع فيه منوم ليعالج مريضه في خلوة!! فكان ما كان مما لست أذكره فَظُنْ شراً ولا تسأل عن الخبرِ ومهما خاب العلاج، ولم يستطع المريض أن يصل إلى الحل، فالمخرج والعذر للمعالج موجود وسهل وميسور، حيث يقول للمريض: الجني الذي كان عليك أنا قد أخرجته أو أحرقته، لكن هذا خرج وجاءت أمه، أو أخته، أو أخوه، أو أبوه! فكأن القبيلة كلها حضرت، وأصبحنا نسمع أن مريضاً عليه ألف عفريت أو مائة عفريت!! ما هذا الكلام؟! ومن أقبح مسالك بعض هؤلاء المعالجين أيضاً: أنهم يذهبون إلى قصور الساسة والفنانين والممثلات أيضاً ليعالجوهم!! وهذا مما نسمعه، وأظن أن هناك كتباً تكلمت عن هذا. ومن ضلالات بعضهم أنه لكي يروج ضلاله المبين يقول: أنا في اعتقادي أن نساء مصر كلهن ملبوسات! والله تعالى قال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]. وهناك رجل يحمل نفس اسمي، وهو موجود في الزقازيق، وهذا الخبر عرفته أخيراً، واسترحت لأني عرفت سبب الإشاعات التي كانت تشاع عني، وهي: أن لي باعاً عظيماً جداً في موضوع علاج الجن، وهذا ليس بصحيح، فأنا في حياتي لم أتعامل مع حالة جن أبداً، لكن تشابهت الأسماء، فكان هذا هو السبب في إشاعة هذا الأمر عني، وقد ادعى هذا الشخص الذي يحمل نفس اسمي أن معه قرين الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا القرين يصحح له الأحاديث ويضعفها، وأنه يفعل ذلك، وهو يستفتيه ويدله على الفتاوى الصحيحة كي يقضي على الخلاف بين المسلمين، وأنه قال له: سل تُعطه! وما معنى قوله له: سل تُعطه؟! إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (فلولا دعوة أخي سليمان لكان أطفال المدينة يلعبون به) يعني: الشيطان وذلك حينما أراد أن يقيده في السارية، فتذكر دعوة سليمان فأمسك عن هذا؛ لأن سليمان فقط هو الذي أُعطي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فهل أنت مثل سليمان حتى يأتيك هذا الشيطان ويقول لك: سل تُعطه؟! بعض هؤلاء يزعم أنه يعالج بالقرآن الكريم، وهو لا يحسن قراءة القرآن الكريم، بل قيل لي: إن بعضهم لا يحسن قراءة الفاتحة، حتى أن أحد هؤلاء كان يريد أن يعالج حالة جن، فأخطأ عند قراءة القرآن؛ لأنه لا يعرف قراءة القرآن، فسخر منه الجني.

الاستجابة لطلبات الجن
من المعالجين من يستجيب لطلبات الجن، كأن يقول له الجني: هات لي قماشاً لبنياً! أو طبقاً لبنياً! أو كوباً لبنياً! وكل هذه التحكمات المعروفة من الجن إنما هي للتلاعب بالمعالجين عن طريق هذه الطلبات، وإذا استجاب المعالج لهذا فإنه يفتح باب شر وفساد عظيم.

التوسع في أساليب الرقى المحدثة
من الأخطاء: كتابة القرآن في الأواني؛ لكي يغسل المريض الإناء ويشرب الذي فيه، وهذه الأساليب محدثة، ولا ينبغي اللجوء إليها، بل الذي صح وثبت في القرآن والسنة: أن تأتي بالمريض وتقرأ عليه القرآن الكريم والرقى الشرعية، ثم تنفث عليه مباشرة، أما الأساليب التي أُحدثت فما سمعنا بهذا عن سلفنا الصالح، فما ينبغي تعميمها بهذه الطريقة كأنها دين يدان به، كأن يأتي بالماء ثم ينفث عليه، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولم ينتشر إلا في العصور المتأخرة، فعن إبراهيم بن مهاجر : أن رجلاً كان يكتب القرآن فيسقيه، فقال: إني أرى أنه سيصيبه بلاء. وعلى أي الأحوال: فإن المفروض على الإنسان أن يتجنب ما يخالف الكتاب والسنة، ولا يتعاطى إلا ما ثبتت مشروعيته. وبعض المعالجين فتحوا أبواباً كثيرة في موضوع الرقى، حيث أدخل في الرقية ما ليس منها من البدع المحدثة والموروثات المخترعة التي لا أصل لها في كتاب ولا سنة، ولا هدي الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولكنها إلى الشعوذة ألصق وأقرب، حيث يجتمع الفئام من الناس في بعض المساجد، فيقرءون عليهم جميعاً قراءة واحدة؛ لأن الوقت لا يكفي بسبب كثرة الزبائن! فيجمعونهم في طابور طويل داخل المسجد، ثم يمسك بحبل أو ماسورة أو شيء من هذا، ثم يقرأ عليهم قراءة واحدة! والله المستعان. وبعض الدجالين يتظاهرون بأنهم يعالجون بالقرآن، فيفتحون دكاكين لهذا الغرض ويخلطون الحق بالباطل، والدجال لا يكلفه الأمر إلا أنه يترك لحيته، ويضع شيئاً كالعمامة على رأسه، ويلبس القميص، ويكتب: معالج بالقرآن، ويوهم الناس أنه يعالج بالقرآن، ويستعمل الطلاسم أو السحر أو أي شيء من هذه الشرور، وما يدريك أن هذا الباب قد فُتح فعلاً للدجالين والمشعوذين لاختلاط أمرهم بالقراء! ويحكي بعض الشيوخ أن أحد هؤلاء كان يأتي ببرميل مملوء بماء أو زيت ويقرأ عليه، ثم يقوم بتقليبه بعصا أو عرجون، ثم يوزع منه على هؤلاء المرضى! شخص آخر يقوم بالقراءة على زجاجات الماء المعدنية وهي مغلقة من دون أن يفتحها؛ لعدم وجود وقت كافٍ للفتح! وهذه الحيل كلها من التوسع الغريب الذي لا دليل عليه شرعاً. ومن العجائب في هذا الأمر: أن أحد هؤلاء خاطب جنياً في إحدى حالات العلاج، فسأل الجني عن الأشياء التي يكرهها الجن، ونحن قررنا أن الجن ليسوا مصدراً صحيحاً لتلقي أي معلومات، فلا تأخذ من الجن أي معلومات؛ لأنك لا تعرف هل هو صادق أم كاذب، ولا تعرف من هو، ولا كيف هو، فخبره مشكوك فيه، فلما سأله ذكر له ما يعرف لدى العطارين بزبد البحر! ولعل الجني كان يلعب به، وهل هناك شيء يسمى بهذا العطارين؟! فما كان من المعالج إلا أنه أحضر كمية من زبد البحر، وبدأ التجارة في زبد البحر! والمخبر بهذا من السعودية، وهو صاحب كتاب: النذير العريان، يقول: فكان يشتري الكيلو بأربعين ريالاً ليبيعه لمرضاه أو لضحاياه، الملعقة الواحدة بمائة ريال!! ويزعم أن على المريض أن يمزج الزبد المذكور بالماء ثم يغتسل به، ويقول: حدثني أحد من حضر من المرضى أنه كان يقرأ عليهم جميعاً مرة واحدة بالميكرفون، ثم يمر عليهم واحداً واحداً ليتفل لكل واحد منهم في وعائه، ويستمر التفل لمدة ساعة تزيد أو تقل حسب العدد الموجود، وكل هذا بالقراءة الجماعية التي قرأها في الميكرفون!! الخلاصة: أن من أخطر مقاتل هذا الموضوع: أنه يفتح باب الشر على مصراعيه، ولجوا إليه ومارسوا الدجل والشعوذة والشرك تحت ستار: العلاج بالقرآن الكريم، فيكون هؤلاء المعالجون الملتزمون إلى حد ما بالعلاج الفعلي بالقرآن الكريم يساعدون أهل الباطل، كما قيل: كماسك الشاة من قرنيها لآخر كي يحلبها، حيث إنه يعطيه المبرر ويساعده كي يعيث في الأرض فساداً.

التوسع في طرق وأساليب غير شرعية للنشرة
الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري أتى بكلمة أثناء بشرحه لبعض الأحاديث، فقال: وفيه مشروعية النشرة، وكثير من الناس يبدءون من حيث انتهى الشرع، فينظرون إلى الشرع أين انتهى، ومن ثم يأخذون الرخصة ثم ينطلقون منها إلى آفاق بعيدة، ويخرجون عن حدود الشرع، كما حصل التوسع في موضوع النشرة بحيث اتسع الخرق على الراقع، وتسربت البدع والخزعبلات إلى كتب أهل العلم تحت ستار النشرة المشروعة، وفتحت لنا أبواباً عجيبة من النشرة كما سنذكر في الأمثلة الآتية إن شاء الله تعالى. والنشرة الثابتة في الشرع: هي اغتسال العائن لمن حسده بالتفصيل المعروف، أما أن يفتح باب النشرة لكل متردية ونطيحة وأكيلة السبع لتدخل وتمر تحت ستار مشروعية النشرة، فهذا تفريط خطير لا يمكن أن يُقبل بحال، حتى لو حكاه بعض أهل العلم؛ لأن أقوال العلماء صارت الآن -لا سيما في هذا الموضوع بالذات- قنطرة تعبر من عليها الخزعبلات بحجة النشرة الشرعية. ومن ضمن هذه النشرات المبتدعة: أن يطلب منك أن تأتي بحزمة من قضبان الحديد، وفأس ذي قطارين، ونار، وتضع الحزمة مع الفأس، ثم تسخنها، وتبول على النار.... ونحو هذا!! ما هذه النشرة؟! من أين لكم هذا؟ ولماذا حزمة القضبان بالذات؟! أما ينفع الزيت والقطران بدل القضبان؟! وفي وسط ازدحام النشرات المزعومة تدخل نشرات تحمل جواز مرور عليه تأشيرة: مُجرَّب، أي: قد جُرّب فنفع! وهكذا تنبعث سُحب الدخان الأسود لتدخل علينا وصفة الذئب الأغبر، والديك الأبيض، والورد الأحمر!! وما أروع كلمة قالها الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه إرشاد الفحول، وهي مهمة جداً، ولا بد من التنبه إليها، يقول رحمه الله: ويا لله العجب! من جري أقلام أهل العلم بمثل هذه الأقوال التي لا ترجع إلى عقل ولا نقل، ولا يوجد بينها وبين محل النزاع جامع، وإنما ذكرناها ليعتبر بها المعتبر، ويعلم أن القيل والقال قد يكون من أهل العلم في بعض الأحوال من جنس الهذيان، فيأخذ عند ذلك حذره من التقليد، ويبحث عن الأدلة التي هي شرع الله التي شرعها لعباده، فإنه لم يشرِّع لهم إلا ما في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. مع التحفظ من كلمة: الهذيان؛ لأنه لا ينبغي أن يقال هذا في حق العلماء حتى لو رفضنا كلامهم المخالف للأدلة. ومن هذه العلاجات ما يتم بقصيدة البردة للبوصيري ، فيتلونها كما يتلى القرآن! ويكتبونها في الآنية، ويشربون ماءها! وتنشر فيها القصص، فلان قرأها فخف مرضه... إلى آخر هذا الكلام الفارغ. والباب مفتوح للأوراد المزعومة غير البردة من سيل الصوفية العرمرم، فمثلاً: يقول بعض المعالجين: بعد هذا الحزب يأتي حزب النصر للشاذلي ، وهو أيضاً على هامش الدلائل، وفيه هذه الصيغة: (حم) مكتوبة ثمان مرات، حم الأمر وجاء النصر، فعلينا لا ينصرون، (حم عسق حمايتنا مما نخاف)! وبعدها يأتي الحزب البحري: (يا ميسر كل عسير بحق أ ب ت ث هـ ل أ ي، انصرنا وسخّر لنا هذا البحر، وسخر لنا كل بحر، وبحر الدنيا وبحر الآخرة، كهيعص، كهيعص، حم عسق، انصرنا فإنك خير الناصرين، باسم الله بابنا، تبارك شيطاننا، ياسين سقفنا، كهيعص كفايتنا، حم عسق حمايتنا...) إلى آخر هذه الأشياء المحرمة، وكل هذا دخل تحت قنطرة النشرة والرخص، وأقوال التقطوها لبعض العلماء فتوسعوا فيها، والمطية التي يركب عليها واحدة وهي: قد جرب ونفع! ومن الملاحظ أن كل من فيه خير وعلم وورع فإنه لا يستمر في هذا الطريق، وهناك الكثير ممن أعرفهم بنفسي، غاصوا في هذا الأمر غوصاً عميقاً، وكانوا ممن يشار إليهم بالبنان، ولكن لأن فيهم خيراً انقطعوا وما استمروا، فأغلب من فيه خير وورع وعلم لا يستمر في هذا الطريق إذا ولجه، فقد تراجع الكثير من المعالجين في نهاية المطاف إلى العدل والوسطية، وانقطعوا تماماً عن الانخراط في سلك المعالجين؛ لما مسهم من لهيبه، ولفحهم من ناره، ومنهم الشيخ عبد الله بن مشرف العمري فقد تراجع وتاب، لكن للأسف أنه غلا ونفى الصرع الجني تماماً.
بناء العلاج على الوهم وغلبة الظن
بعض الناس يحضر مجالس العلاج بالقرآن الكريم، ويرى حالات الصرع، ويسمع القصص المنتشرة عن أمراض المترددين أو المعالجين، فأصبح هذا الوهم يدب إلى نفوسهم وسط مشاكل الحياة الكثيرة، فبمجرد ما يصادف أحدهم في حياته مشكلة، سواء مشكلة زوجية، أو مشكلة اجتماعية، أو مشكلة في العمل، فسرعان ما يظن أن أحداً عمل له سحراً، أو أنه قد صرعه الجن! وقد كنت قبل أيام عند أحدهم فسقطت المرآة وانكسرت، فقال لي: يوجد جني يعاكسني هنا في المحل! زعم هذا لأن المرآة وقعت وانكسرت، وهذا من الوهم المنتشر بين الناس، وكذلك بعض من تحصل مشكلة بينه وبين زوجته سرعان ما يجزم أن هناك من حسده بعينه، ومن سقط على الأرض وأصابه وجع، أو اشتكى من وجع في ظهره، أو حصل له نوع من الألم؛ سرعان ما ينسب هذا للجن، حتى أصبح كل شيء يُنسب إليهم. لقد أصبح مرض الوهم يتسبب فهذا المرض -الذي هو مرض الوهم- هو الذي يتسبب في تصور الحالة حتى تصل إلى الإغماء والتشنجات التي يعبر عنها بالإيحاء الذاتي، أو تظهر نتيجة الخوف أعراض عضوية عادية جداً، لكن سببها هو الخوف أو القلق، وليس سببها الجن، وهكذا أكثر الحالات، وينبغي التنبه لهذا، فقد ترى المريض يتشنج ويصيبه الصرع، ويتكلم ويغير صوته، وهو الذي يدير المسرحية كلها في أغلب الحالات! وهذه الحركات يصطنعها المريض بنفسه نتيجة لكثرة سماع هذه الأمور وتصورها، فأصبحت لديه خبرة وتمرس، وصار متقناً جداً لهذه التحولات، وقد يقول للمعالج: اعرض علي الإسلام، أنا أريد أن أعرف الإسلام، فيشرح له الإسلام، ثم يقول: أنا أسلمت، فيقول له المعالج: اخرج، فيقول: لا، أنا لا أقدر على فراقها، أنا أحبها ولا أريد أن أ خرج منها؛ لكي أحميها من الجن الآخرين!! أوهام وقصص وسيناريو محفوظ، والمريض يسيطر عليه هذا الوهم، والمعالج نفسه يقوي هذا المسلك الهستيري، ويتصرف على أنها فعلاً حالة جن؛ لأنه طبعاً ليس عنده علم، فيظل يضرب ويقرأ بالساعات، وإذا عجز عن أن يخرج الجن كانت هذه إحدى حالات التحدي، والمريض نفسه يقول: لا أخرج! فإذا عجز المعالج عن إخراجه فإنه يحضر شيخه وأستاذه وزملاءه، فيتوافدون عليه فوجاً بعد فوج، ويزداد اقتناع المريض أن حالته مس من الجن، ويزداد حماس المعالجين للقضاء على الأعراض التي تزيد يوماً بعد يوم، حتى يزعم البعض أنه قد ارتفع عدد الجان إلى ستمائة مارد، وكل مارد له قصة، فتزيد حيرة هذا المعالج، ويقول لك: أنا أحرقت الجن، ثم يقول المريض: أنا أصلاً من الجن المنظرين، ولو متُّ سوف أحيا مرة ثانية! وآخر يُسلم ويطلب البقاء مع المرأة للدفاع عنها والتصدي لبقية أفراد الجن المشرك الذي يتوافدون عليها من كل حدب وصوب! والعلاج الحقيقي هو إقناع هذا المريض بأنه أسير تفكيره، مثل دودة القز التي تنسج حول نفسها قبواً ضيقاً جداً، وتحصر نفسها فيه، والعالم كله في نظرها منحصر في هذا القبو الضيق! كذلك هذا المريض هو الذي يحدث نفسه بهذا التفكير تماماً، وهو الذي صنع هذا الوهم وحاصر نفسه به، وقبر نفسه في ظلماته، ولا يرى العالم إلا في حدوده الضيقة، فينبغي أن يقنع المريض في هذه الحالة أنه أسير تفكيره، وأنه هو الذي دفع نفسه في هذا الوهم، ويُدعى ليحيا حياة طبيعية، ويؤكد له ذلك كما ذكرنا. فالمريض يتخيل نفسه أنه ممسوس، ويتحدث بحديث الجان على لسانه، ويتمادى في الدور بناءً على المعلومات التي تشرّبها من مجالس الأصدقاء، وأشرطة التسجيل، وحكايات الناس، وقراءة الكتب والجرائد، ويحتاج الأمر إلى بعض التشنجات وحركات الجوارح التي يسببها اعتداء الجن في زعمه! ويتأكد هذا الوهم بعد كل جلسة علاج؛ لأنه يزداد اقتناعاً بأنه ممسوس ومريض، ومع طول فترة العلاج يترسخ في مخيلته أن هذا الجان بالذات جان مارد خطير لا يقدر على إخراجه أحد، الأمر الذي يئول به إلى حالة من اليأس وفقدان الثقة، ويتمادى في صناعة الأفلام والتمثيليات! ومما يزيد المسألة تعقيداً: أن قراءة القرآن عليه وهو في هذه الحالة يظهر بسببها ما يعزز عنده هذا الوهم، ثم يقول في نفسه: لو أن الجني لم يكن موجوداً فلماذا قرأ الشيخ عليّ؟ لا بد أن يكون المس موجوداً فعلاً، فالشيخ عنده خبرة! فهذه الحالة يجب أن يقنع صاحبها بالتخلي عن قناعته، مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في دفع هذا الوهم المسيطر، ولا يكون صاحبه معذوراً. فمثلاً: لو أن رجلاً صار يسرق، ويباشر عملية السرقة وهو مصرّ بقلبه أنه ينفذ جريمة السرقة بتحريض مسيطر من الداخل، ولا يستطيع التخلي عن هذا التحريض! فهل الحل أن نأتي بقارئ يقرأ عليه آية الكرسي حتى نمنعه من السرقة؟! الجواب: لا، ليس هذا هو العلاج في هذه الحالة، بل لا بد من أن تقنعه بالعدول عن السرقة، فهو ليس مريضاً معذوراً، بل له إرادة، أو بتعبير أدق: هو مجرم أو سارق، فهل نعذره ونقول: هذا مسكين؟! أو هذا ضحية الجن؟! وهل نقعد نرقيه أم نبين له أنه لابد أن يعدل عن السرقة، وأن السرقة حرام، ووزرها كذا، وعاقبتها كذا، ونرغبه في التوبة وفي ثوابها؟! فأنت تخاطب النفس اللوامة، والشيطان يخاطب النفس الأمارة بالسوء.

رد مع اقتباس