عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 02-12-2009, 11:53 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وتكفير الذنوب كما هو معلوم إنما يقعُ على الصغائرِ دونَ الكبائر.
بل إنَّ بعض أهل العلم يقولون: إن الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة وإنما هي دَرَكَات.
فيقولون: (إنَّ الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مُكَفِّرَات لِمَا بينهن ما اجتُنبت الكبائر) فهذا يقع به تكفير للذنوب من تلك الصغائر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).
وصحيحٌ أنَّ الذي وَرَدَ في تكفير الذنوب بصيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء ورد مطلقًا بغير قيد (يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ مضت وذنوب سَنَة بقيت) في عاشوراء وفي عرفة، فهذا كما ترى مُطلَقٌ بغير قيد, ولكنْ إذا كانت هذه الفرائضُ العظيمة لا تُكَفِّرُ الكبائرَ - ولا بد من إحداث توبة للكبائر حتى تُكَفَّركما قال علماؤنا رحمة الله عليهم -، إذا كانت الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان لا تُكَفِّرُ إلا الصغائر (مكفرات لما بينهن ما اجتُنبت الكبائر)؛ فصيام يوم من أيام النَّفل لا يمكن أن يكون أعظمَ من هذه الفرائض؛ فيقعُ تكفيرُ الذنوب بصيامه على الكبائر والصغائر.
فلابد من تقييد ما أُطلقَ هنالك على حسب هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذا يقع على الصغائر.
الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة، وهي جميعُها دون الكبائر، ولكن بعضها أغلظُ من بعض, وبعضها أحطُّ من بعض؛ فيقول بعض أهل العلم وعليه يمكن أن يُخَرَّج: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوم عرفة كَفَّرَ اللهُ عنه ذنوبَ سَنَةٍ مَضَت وذنوبَ سَنَةٍ بَقِيَت) لو أنه صام عرفة التي تلي فيقع التكفيرُ على السَّنَةِ التي يستقبلها بصيام يوم عرفة في السَّنَة التي مضت يقعُ التكفير بصيام يوم عرفة مرةً أخرى عليها، فإذا صام يوم عاشوراء وقع التكفير للمرة الثالتة على ذات السَّنة، فيقول العلماء: إنَّ الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة, وبعضُها أحط من بعض، فما لم يُكَفَّر بهذا كُفِّرَ بهذا, ويجعلون ذلك على طبقاتٍ في تكفير تلك الصغائر من الصوات الخمس, من الجمعة إلى الجمعة, من رمضان إلى رمضان, بصيام يوم عرفة, بصيام يوم عاشوراء، فالتكفير الذي يقع للذنوب إنما يقع للسيئات - وهي الصغائر -, وأما الكبائر فلابد من التوبة منها.
والله رب العالمينَ لا يجعل ذلك واقعًا على ذلك, وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرائضَ الإسلام العظيمة من الصيام الواجب كصيام شهر رمضان, وكالصلوات الخمس, وما أوجبه الله علينا من الجُمُعَات, لم يجعل الله تبارك وتعالى ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مُكَفِّرًا للكبائر.
بل إنَّ بعض أهل العلم يقولون: لنا وجهان في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).
فيقولون: إن التكفير للسيئات للصغائر لا يقع إلا مع اجتناب الكبائر، فأمَّا إذا لم يجتنب الكبائر فإن تكفير الصغائر لا يقع أصلا، فهذا قول من قولين عند أهل العلم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).
والقول الثاني - وهو المشهور عند جماهير أهل العلم من أهل السُّنَّة: - أنَّ التكفيرَ يقعُ على الصغائر وإن ارتُكبت الكبائر, وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبةٍ من أَجْلِ أن يغفرها الله رب العالمين، نسأل الله أن يعفو عنا أجمعين.
وأما من لَقِيَ الله ربَّ العالمين بالكبائر من غير توبة فهو إلى المشيئة كما أخبرنا الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء : 48]. وهذا في حق من مات من غير أن يتوب من الشرك فلَقِيَ الله مشركًا فإنَّ الله لا يغفر له {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}.
وأمَّا من لَقِيَ الله ربَّ العالمين بما دون الشرك فهو في المشيئة إن شاء الله رب العالمين غفر له وإن شاء عذَّبه.
وأمَّا الذي يتوب فإنَّ الله رب العالمين يغفر جميع الذنوب بالتوبةِ النصوح بشروطها حتى ولو كان الذنب كفرًا, حتى ولو كان الذنب شركًا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر : 53]، هذا في حق من تابَ ولو كان قد كفر بالله رب العالمين كما في حال بعض من ارتد عن دين الإسلام العظيم بعد موت النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاود الإسلام مرة أخرى ثم مازال مجاهدًا في سبيل الله حتى قُتِل, بل إنَّ بعضهم قد تَنَبَّأ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم:
طُليحة بن خويلد: وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم تَنَبَّأ وارتد! بل وغَزَا مدينة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم! فخرج إليه جُند الإسلام البواسلِ من مُقَاتِلَةِ المسلمين من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فَشَرَّدُوه ومن معه كلَّ مُشَرَّدٍ, فما زالت الأرض تَلفِظُه حتى أبعدَ ثم عاود دين الله رب العالمين, وأسلم إلى الله رب العالمين, ومازال مجاهدًا في سبيل الله رب العالمين حتى قُتل في سبيل الله جلَّ وعلا نحسبه كذلك.
رد مع اقتباس