عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-29-2010, 09:05 AM
أم حفصة السلفية أم حفصة السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله تعالى وأسكنها الفردوس الأعلى
 




Download صفات لا تنفك عن طالب العلم الرباني

 

صفات لا تنفك عن طالب العلم الرباني

" إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين-وبعد :
فإن العلم نور يضفي على صاحبه جمالاً روحياً, ولا يزداد هذا الجمال إلا بالتحلي ببعض المواصفات التي لا تنفك عادة عن كل طالب علم رباني .
وقبل أن أذكر نفسي وإخواني ببعض تلكم الصفات, أعرّج على أمرين هامين ينبغي على كل طالب علم الإحاطة بهما :

الأمر الأول " : معرفة قيمة العلم الشرعي فلا بد أن ينقدح في نفس طالب العلم قيمة هذا العلم, لأن الاهتمام بالشيء بحسب قيمته في النفس, فكلما خفّت القيمة وقلّت كلما زهد الإنسان في " الشيء, وبالعكس كلما عظمت القيمة كلما ازداد حرص الإنسان على الشيء .

فينبغي أن ندرك عظم هذه النعمة, نعمة العلم الشرعي الذي به حياة القلوب, فكما أن البدن " يحي بالطعام والشراب, فكذلك القلب يحي بالعلم, فهو الغذاء الروحي للإنسان, الذي بفقدانه نفقد حياة قلوبنا, وأي صلاح للبدن إذا عدمت حياة القلب, فحاجتنا للعلم " الشرعي أشد من حاجتنا للطعام والشراب كما جاء ذلك عن بعض السلف.

" ولنعلم أن العلم سبب للحياة " الطيبة في الدنيا والآخرة, وهو سبب لمرضاة الله تعالى على عبده, وسبب لرضا الملائكة بما يصنعه طالب العلم " كما جاء في الحديث قوله-صلى الله عليه وسلم:

من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " »-صحيح ابن ماجه " -.

" وما أجمل ما " قاله ابن القيم رحمه الله تعالى: ولو لم يكن في العلم إلا القرب من رب العالمين , والالتحاق بعالم الملائكة وصحبة الملأ الأعلى لكفى به شرفاً وفضلاً, فكيف وعز الدنيا والآخرة منوط به مشروط بحصوله
" هذا وقد أدرك " سلفنا الصالح قيمة هذا العلم, فشدّوا رحالهم وقطعوا مسافات شاسعة في سبيل تحصيله مع ما يصاحب ذلك من التعب وعناء الطريق، فهذا جابر بن " عبد الله -رضي الله عنه- يقول: بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حديث سمعه من رسول الله-لم أسمعه منه, قال: فابتعت بعيراً, فشددت رحلي, فسرت إليه شهراًً حتى أتيت الشام, فإذا هو عبد بن أنيس الأنصاري, قال : فأرسلت إليه: أن جابرا على الباب, قال: فرجع إليّ الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت نعم, قال: فرجع الرسول إليه فخرج إليّ فاعتنقني واعتنقته, قال: قلت حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه....».

" وذاك شعبة –رحمه الله تعالى-رحل شهراً كاملاً في طلب حديث سمعه من طريق لم يمر عليه.

" لله درّهم أدركوا قيمة هذا العلم وذاقوا حلاوته فتحملوا الصعاب في سبيل تحصيله, فكذلك طالب العلم إذا ذاق لذة العلم وحلاوته وعرف قيمته فلا شك أنه سيزداد تعلقاً وشغفاً وحرصاً على طلبه.

الأمر الثاني: أن يعلم طالب العلم أن هذا العلم عطاء من رب العالمين، وهو نور يقذفه الله تعالى في قلب العبد, كما قال-صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين . رواه البخاري.

فالعلم نعمة من نعم الله عز وجل يمنّ بها على من يشاء من عباده, وما أحسن ما نقل عن الإمام مالك-رحمه الله تعالى-: أن العلم لا يأتي بالوراثة ولا بالنسب ولا بالحسب, ولكنه منح إلهية وعطايا ربانية يتفضل الله بها على من شاء من عباده، ويروى عن الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-قال: إنما العلم مواهب يؤتيه الله من أحب من خلقه, وليس يناله أحد بالحسب, ولو كان لعلة الحسب لكان أولى الناس به أهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم .
وليس معنى هذا أن يترك الإنسان بذل الأسباب, بل لا بد من الاجتهاد في الطلب كما قال - صلى الله عليه وسلم- إنما العلم بالتعلم (السلسلة الصحيحة), فإن أوتيه الإنسان فليحمد الله تعالى.

وإليكم بعض من تلكم الصفات التي أذكر بها نفسي أولاَ وإخواني عسى أن نتحلى بها ونروّض أنفسنا عليها-والموفق من وفقه الله- ومن أهمها:

" الأمر الأول: إخلاص النية لله تعالى
" فهذا أعظم وصف يجب على طالب العلم أن يتحلى به في بداية رحلته في الطلب, لأن العلم عبادة من العبادات, وقربة من القربات, فإن خلصت فيه النية قُبل وزكى ونمت بركته, وإن قصد به غير وجه الله تعالى حبط وضاع, ولهذا تقرّر في الشرع أن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم, وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة:

قال الله تبارك وتعالى " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" الكهف 110

وقال تعالى" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" البينة 5

وقال-عليه الصلاة والسلام : " إنما الأعمال بالنيات "رواه البخاري.

" فعلى طالب العلم أن يحسن نيته في الطلب, وأن لا يكون إلا لله وحده, وعليه بتفقدها و معالجتها بين الفينة والأخرى, وأن لا يغفل عن تصحيحها وتجديدها , وإن كانت المعالجة شديدة في أول الأمر, لكن إن صدقنا الله في إخلاصنا له, فإن الله سيصدقنا ويوفقنا لما يحبه ويرضاه .

" قال سفيان الثوري-رحمه الله تعالى- ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تنقلب عليّ
" وعليه فلا يكون طلبنا للعلم وذهابنا لحلقات العلم إلا خالصاً لوجه الله تعالى, وأن لا يشوب ذلك شائبة رياء أو سمعة أو حب الشهرة, قال النَّبِي صَلى اللَّه عَلَيه وَسلَّم قَال مَن طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ . [ وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (6158)].

قال ابن جماعة : " حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه الله تعالى والعمل به ، وتنوير قلبه، وتحلية باطنه،والقرب من الله تعالى يوم القيامة ، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه ، وعظيم فضله .

" والمجاهد من جاهد نفسه في الله, فمن كان مجاهداً لنيته داعياً ربه مستعيناً به فإن الله عز وجل عند حسن ظن عبده به, قال تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين (العنكبوت 69

" فنسأل المولى جل في علاه أن يرزقنا الإخلاص في جميع أمورنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

" ويترتب على هذا الأمر أن ينوي طالب العلم, بطلبه للعلم شيئين اثنين:

" 1- أن يقصد بهذا العلم تحقيق عبودية الله –جلّ وعلا " - في جميع أحيانه, في حركاته وسكناته, قال المولى-تبارك وتعالى- " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ) (الأنعام 163) فهذا هو الهدف الأول من طلب العلم.

ولأن العمل هو ثمرة العلم النافع، فالعلم إذا لم يصحبه عمل، فهو كالشجرة بلا ثمرة. "

" 2- أن يقصد بطلبه للعلم إخراج الناس من ظلمات الجهل والشرك إلى نور التوحيد وهذا تأدية لزكاة العلم بتبليغه للآخرين.

" قال المولى عز وجل (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا (التحريم 6

وقال تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " ) (فصلت 33

" ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: « بلغوا عني ولو آية " »رواه البخاري.

" فهذان أمران عظيمان من عمل بهما فاز وأفلح, نسأل المولى تعالى أن يوفقنا لذلك.

" الأمر الثاني: الصدق:

" الصدق هو أن يوافق الظاهر الباطن, وهو أعظم كنز يرزقه الإنسان, وتبرز أهمية الصدق وعظم أثره في قوله –صلى الله عليه وسلم- : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ‏ ‏ويتحرى ‏ ‏الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال العبد يكذب ‏ ‏ويتحرى ‏ ‏الكذب حتى يكتب عند الله كذابا

قال العلماء: معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم, والكذب يوصل إلى الفجور والميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي.

" وما أنجى الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك إلا صدقهم مع الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-حين ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه, ولقد نادى الله سبحانه عباده المؤمنين في ختام قصتهم بقوله" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " ) (التوبة 119).

" فعلى طالب العلم الذي حمل راية الطلب أن يتحلى بهذا الخلق في قصده وقوله وعمله حتى يكتب عند الله مع الصادقين.

" الأمر الثالث: الافتقار إلى الله:

" وهذا أدب عظيم, كثيراً ما يغفل عنه طالب العلم, فعلينا أن ندرك أن ما نحن فيه من هداية واستقامة وتفقه وثبات هو من فضل الله عز وجل علينا, ولن يتمكن الطالب من تحصيل العلم إلا برفع راية الافتقار إلى الله تعالى, وفي ذلك يقول المولى عز وجل" يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد " ) (فاطر 15).

" فإن أراد طالب العلم أن يفتح الله عليه من كنوز العلم فعليه أن ينكسر لله تعالى ويفتقر إليه, ولا ينسب لنفسه شيئاً من الفهم, بل ينسب الفضل في ذلك للمولى جل وعلا, لأن أصل الهلاك والبعد عن الله هو الاستغناء, ومتى استغنى طالب العلم عن ربه ونسب إلى نفسه تلك المكانة, هلك وضاع-نسأل الله السلامة والعافية-. " وكان هذا حال العلماء الربانيين قديما وحديثا يتضرعون إلى الله ويسألونه أن يفتح عليهم من بركات العلم, فهذا شيخ الإسلام " ابن تيمية رحمه الله تعالى يذهب إلى المسجد ويسجد لله ،و يمرغ وجهه بالتراب , و يسأله ويقول : " يا معلم إبراهيم علمني ويا مفهم سليمان فهمني " حتى قال ابن دقيق العيد عنه : " قد جمع الله له العلم حتى كأنه بين عينيه يأخذ ما " يشاء و يترك ما يشاء " ."
" الأمر الرابع: الخشية:
خشية الله تعالى هي أساس حياة طالب العلم, والخشية هي خوف يشوبه تعظيم, وتتولد الخشية في نفس الطالب إذا كان عارفاً بربه بأسمائه وصفاته عاملاً بمقتضاها, فعلامة العلم خشية الله تعالى, لأن الخشية تدفع إلى العمل بالعلم, حتى قال بعض السلف: " الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيته بينك وبين معصية الله جل وعلا " ", ولهذا خصّ الله تعالى العلماء بها فقال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء (فاطر28) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به, لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى, كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر" فعلينا بالخشية وبدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن, فمن فقدها كان علمه وبال عليه-عياذاً بالله-.

" الأمر الخامس: الصبر:

" الصبر خير عطاء أعطيه العبد, وطالب العلم لا بد أن يوطّن نفسه على هذا الخلق الفاضل حتى يستطيع الاستمرار في رحلته العلمية, وكما قال-عليه الصلاة والسلام « ومن يتصبّر يصبره الله " »-صحيح الترمذي-.

" وكما ذكرنا أن السلف الصالح كانوا يرحلون في طلب العلم الرحلات البعيدة ويتحملون عناء السفر من أجل الاستماع إلى الشيخ أو بحثاً عن حديث لم يسمعوه حتى قال بعضهم: " إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه " فعلى طالب العلم أن يعوّد نفسه الصبر حتى يحصد الخير إن شاء الله تعالى.

" قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم
" الأمر السادس: التواضع:

" التواضع خلق عظيم يساعد طالب العلم على قبول الحق من غيره ولو ممّن يصغره سناً, فمن أراد الرفعة فعليه بالتواضع, وفي هذا يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: « ما تواضع أحد لله إلا رفعه " »رواه مسلم.

" وعكس التواضع هو الاستكبار ولهذا أول مخلوق خرج عن التواضع وكان مآله إلى النار, هو إبليس: " قال " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " ) (ص 76).

" لذلك نجد أن النفس البشرية دائما تريد العلو, ودواؤها تهذيبها على التواضع الذي يعود عليها بالرفعة والعزة.

قال أبو يوسف رحمه الله :" يا قوم أريدوا بعملكم الله تعالى ، فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح ".

" نسأل المولى-جلّ في علاه-أن يفتح علينا من بركات العلم ويطهر قلوبنا وأن يرزقنا الصدق في القول والعمل ويوفقنا لنيل مرضاته إنه سميع مجيب
منقووول

التوقيع

اسألكم الدعاء لي بالشفاء التام الذي لا يُغادر سقما عاجلآ غير آجلا من حيث لا احتسب
...
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُهَا إِلا أَنْتَ
...
"حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله.انا الي ربنا راغبون"
رد مع اقتباس