عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 08-14-2009, 10:36 AM
نورااي نورااي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

حليب الأم أول غذاء في الحياة



بقلم الكاتب التركي هارون يحيى



يجب على جسم الطفل الذي فتح عينيه لأول مرة على الحياة أن يتكيف لحياة جديدة، وقد تم في أثناء مرحلة الحمل تهيئة جميع العوامل المساعدة لتسهيل هذا التكيف، وأوضح مثال على هذا الأمر هو مراحل تكون حليب الأم .
في أثناء مرحلة الحمل تقوم هرمونات الأم بتهيئة الحليب، وإنتاج الحليب يتم في الأصل بواسطة هرمون " البرولاكتين" الذي يفرزه القسم الأمامي للغدة النخامية الموجودة في الدماغ في أثناء مرحلة الحمل يقوم هرمونان البروجسترون وهرمون الإستروجين ( اللذان تنتجهما المشيمة ) بمنع أثر هرمون البرولاكتين في تفعيل الجسم لإنتاج الحليب، ولكن عندما تظهر المشيمة خارج الجسم بعد الولادة تنخفض نسبة هذين الهرمونين في الدم ويدخل هرمون البرولاكتين الميدان لإنتاج الحليب، وبفضل التواصل والاتصالات الجارية بين الهرمونات تتم تهيئة غذاء ثمين جداً وهو حليب الأم في الوقت المناسب تماما لحاجة الوليد للغذاء . ولا شك أن هذا أمر خارق، فالمشيمة قد أدت وظائف حيوية ومهمة جداً عندما كانت داخل الجسم، ولكن عندما يحين الوقت المناسب يتم قذفها للخارج، وهذا الأمر يصحب معه تحولاً وتطوراً مهمين لحياة الإنسان، وهكذا، كما رأينا، فإن كل التفصيلات التي تحدث في كل ثانية وفي كل لحظة من لحظات خلق الإنسان عمليات تكمل إحداها الأخرى، وعندما لا تحدث إحداها يتعذر تكون الأخرى . ومن الواضح أن هذا دليل على أن الإنسان ينشأ ويخلق بواسطة قدرة خارقة عظيمة .


وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه المراحل تستمر حتى بعد ولادة الطفل ويزداد إنتاج الحليب بعد ولادة الطفل، ويزداد إنتاج الحليب عند الأم حسب حاجة الطفل الغذائية، فالإنتاج الذي يبلغ في الأيام الأولى من الولادة خمسين غراماً يزداد حيث يبلغ لتراً واحداً في الشهر السادس .



وقد عجز العلماء حتى الآن ـ عن معرفة تركيب حليب الأم مع أنهم قد أجروا بحوثا مكثفة جداً في هذا الصدد، واقتنعوا أخيراً باستحالة تحقيق هذا الأمر . ويعود السبب في هذا إلى عدم وجود حليب معين بنفس المواصفات عند الأمهات، فجسم كل أم ينتج حليباً حسب حاجة وليدها، ويقوم هذا الحليب بأفضل تغذية للطفل بحيث يعجز أي غذاء آخر في الخارج عن القيام مقامه، فقد دلت البحوث على أن الأجسام المضادة ( أي الخلايا الدفاعية ) والهرمونات والفيتامينات والمعادن الموجودة في حليب الأم معيرة حسب حاجات الطفل الوليد .





الفروق بين حليب الأم والمواد الغذائية الأخرى :
إن استعمال أغذية أخرى للطفل بدلاً من حليب الأم لن يستطيع إشباع حاجات الطفل فمثلاً لا يحتوي أي غذاء آخر على الأجسام المضادة الضرورية للنظام المناعي للطفل .


وعندما نقارن حليب الأم بحليب البقر الذي يعد غذاءً تقليدياً للأطفال يتبين تفوق حليب الأم بشكل أوضح . فحليب البقرة يحتوي على مقادير أكبر من مادة الكازائين وهذه المادة عبارة عن بروتين يوجد في الحليب المتخثر، وهي تتفتت في المعدة إلى أجزاء أكبر أي أنها تكون صعبة الهضم، لذلك كان هضم حليب البقر أصعب من هضم حليب الأم، ووجود هذه المادة بكمية صغيرة في حليب الأم ييسر هضمه .


ويختلف هذان الحليبان من ناحية تركيب الأحماض الأمينية الموجودة فيهما . ويؤدي هذا التركيب المختلف إلى زيادة مجموع مقدار الأحماض الأمينية في بلازما الطفل المتغذي على حليب البقرة وإلى زيادة بعض الأحماض بشكل كبير وإلى نقص مقدار البعض الآخر منها وعدم كفايتها، مما يؤدي على تأثيرات سلبية في النظام العصبي المركزي من جهة وإلى زيادة العبء الواقع على الكليتين بسبب زيادة مادة البروتين من جهة أخرى .
والشيء الآخر المميز لحليب الأم هو ما يحتويه من سكر يحتوي حليب الأم ( وكذلك حليب البقر ) على نفس النوعية من السكر، وهو سكر اللاكتوز . ولكن نسبة هذا السكر في حليب الأم تبلغ سبعة غرامات لكل لتر بينما تكون في حليب البقر أقل من خمسة غرمات للتر كما أن الأجزاء الكبيرة المتخثرة لحليب البقرة تمر ببطء كبير من الأمعاء الدقيقة، وهذا يؤدي إلى امتصاص النسبة الكبيرة من الماء واللاكتوز في الأمعاء الدقيقة، بينما تستطيع الأجزاء المتخثرة من حليب الأم المرور بسهولة ويسر من الأمعاء الدقيقة فيصل الماء واللاكتوز إلى الأمعاء الغليظة، وهكذا تتكون عند الإنسان بنية صحية للأمعاء تنمو فيها البكتريات المفيدة . والفائدة الثانية من وجود مقدار كبير من سكر اللاكتوز في حليب الأم هي مساعدته في تسهيل تكوين مادة " السرابروزيت " التي تلعب دوراً مهماً في تكوين بنى وتكوينات مهمة في النظام العصبي للإنسان .



صورة طفل صغير في الحاضنة الصناعية


ومع أن مقدار الدهن متقاربة في حليب الأم وفي حليب البقر، إلا أن في نوعيتها فرقاُ فحامض اللينوليك الموجود في حليب الأم هو الحامض الدهني الوحيد الضروري الذي يجب أن يتزود به الطفل مع الغذاء.


والخاصية الأخرى المميزة لحليب الأم هي نسب الأملاح والمعادن الموجودة فيه، إذ توجد نسبة أكبر بكثير من الأملاح والمعادن في حليب البقرة من النسبة الموجودة في حليب الإنسان فمثلاً نجد أن نسبة الكالسيوم والفوسفات مرتفعة في حليب البقر، ولكن النسبة الموجودة بين هاتين المادتين مختلفة كثيراً بحيث تؤثر سلبياً في عمليات التجديد والتمثيل الحيوية عند الطفل بالنسبة لمادة الكالسيوم، لذلك فإعطاء حليب البقر للطفل في أيامه الأولى يؤدي إلى انخفاض مستوى الكالسيوم في دمه وإلى سلبيات أخرى .


حليب الأم يصون الطفل في جميع المراحل :
عندما يخرج الطفل من الجو المعقم الخالي من الجراثيم في بطن أمه إلى العام الخارجي يضطر على الصراع مع العديد من الجراثيم الموجودة في هذا العالم، ومن أهم ميزات وخواص حليب الأم قيامه بصيانة الطفل وحفظه من أخطار هذه الجراثيم . وتقوم الأجسام المضادة التي تنتقل من حليب الأم إلى الطفل بالصراع مع هذه الجراثيم ( التي لم يعهدها الطفل ،ولم يعرفها من قبل) وكأنها تعرف هذه الجراثيم عن قرب وفي الأيام الأولى خاصة تفرز الأم حليباً خاصاً يسمى اللبأ توجد فيه نسبة عالية من هذه الأجسام المضادة التي سرعان ما تكشف عن صفات الصيانة والحفظ التي تتمتع بها . وهذه الصيانة التي تحفظ الطفل من التأثيرات السلبية الخفيفة والخطيرة للجراثيم تكتسب أهمية كبيرة ولا سيما في الأشهر الأولى من حياة الطفل، وتزداد هذه الصيانة قوة وتاثيراً طول فترة الإرضاع .
وتتضح فوائد حليب الأم للطفل أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، وإحدى الحقائق التي كشف عنها العلم الحديث حول حليب الأم هي مدى أهمية امتداد فترة الرضاع لعامين كاملين من ناحية الطفل . وهذه الحقيقة التي اكتشفها العلم حديثاً أخبرنا بها القرآن الكريم قبل أكثر من أربعة عشر قرناً :


قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14) .
 
رد مع اقتباس